الفصل السادس

قياس ديناميكيات عدم اليقين

تكشف الفوضى عن تحيزاتنا عندما نبحث ديناميكيات عدم اليقين. على الرغم من كثرة الدعاية حول عدم القابلية للتوقع، فسنرى أن الكميات المستخدمة لتكوين الفوضى لا تضع أيَّ قيد من أي نوع على دقة التوقُّع حاليًّا؛ لا تنطوي الفوضى على أن التوقُّع أمر مستحيل. يمكننا أن نرى كيف أن العلاقة بين الفوضى والقابلية للتوقُّع جرت المبالغة فيها بصورة سيئة عبر النظر إلى تاريخ الإحصاءات المستخدَمة في قياس عدم اليقين، وحاليًّا تتوافر إحصاءات إضافية.

عند مجرد أبسط تناول لعدم اليقين والقابلية للتوقع من جانب العلماء، يلتزمون التزامًا أخلاقيًّا بتوضيح مدى صحة توقُّعاتهم والإحصاءات المستخدمة في قياس عدم يقينهم. ربما قدَّمَ الرجلُ الأكبر سنًّا الذي ينظر خارج لوحة لاتور للرجل الأصغر سنًّا جداولَ احتمالات دقيقة للأوراق التي يحملها كل لاعب من بين ٥٢ ورقة لعب، لكنه يعرف أن تلك الاحتمالات لا تُعبِّر عن اللعبة التي يلعبونها. وبالمثل، يستطيع شيطان القرن الحادي والعشرين قياس ديناميكيات عدم اليقين بدقة شديدة، باستخدام نموذجه المثالي، لكننا نعلم أننا لا نملك نموذجًا مثاليًّا. في ظل مجموعة من النماذج غير المثالية، كيف يمكن الربط بين تعدُّد أنماط سلوكها وعدم يقيننا حيال الحالة المستقبلية للعالم الواقعي؟

تآكل اليقين: معلومات دون ارتباط

عندما يتعلَّق الأمر بتوقُّعٍ ما سيقوم به النظام كخطوة تالية، تُقدِّم البيانات حول الحالة الحديثة للنظام عادةً معلوماتٍ أكثر من البيانات حول حالةٍ ما قديمةٍ للنظام. في عشرينيات القرن العشرين، أراد يول قياس مدى ما تقدِّمه البيانات حول البقع الشمسية في عام معين من معلومات أكثر حول عدد البقع التي ستظهر في السنة التالية مقارنةً بما تقدِّمه بيانات تعود إلى عشر سنوات مضت. كان إحصاء مثل ذلك سيسمح ليول بمقارنة خواص البيانات الأصلية كميًّا مع خواص السلاسل الزمنية التي تُولِّدها النماذج. ابتكر يول ما صار يُطلَق عليه حاليًّا دالة الارتباط التلقائي، التي تقيس الارتباط الخطي بين حالاتٍ يفصل بينها تكرارات بمعدل k. وعندما تكون قيمة k صفرًا تصبح قيمة دالة الارتباط التلقائي ١؛ حيث يرتبط كل رقم على نحو مثالي مع نفسه. وإذا كانت السلسلة الزمنية تعكس دورة متكررة، تتناقص قيمة دالة الارتباط التلقائي من ١ مع تزايد قيمة k، ثم تعود لتساوي ١ متى كانت k تساوي قيمة مضاعفة محددة للدورة. في ظل توافر بيانات مستقاة من نظام خطي تصادفي تُعتبر دالة الارتباط التلقائي ذات قيمة عظيمة، ولكن مثلما سنرى لاحقًا، تنخفض قيمة الدالة أمام الملاحظات المستقاة من نظام لا خطي. ولكن بعض الإحصائيين تمادَوْا كثيرًا بحيث عرَّفوا الحتمية باعتبارها ارتباطًا خطيًّا، ولا يزال كثيرون يتعثرون نتيجةً لهذا الزلل. ومن المعروف أن الارتباط لا يستلزم السببية؛ وبيَّنَت دراسة الفوضى أن السببية لا تستلزم أيضًا الارتباط (الخطي). يساوي الارتباط بين الحالات المتتابعة للخريطة اللوجيستية الكاملة صفرًا على الرغم من أن الحالة التالية تحدِّدها بالكامل الحالة الحالية. في حقيقة الأمر، تساوي دالة الارتباط التلقائي لها صفرًا عند كل فاصل زمني؛ فكيف يمكن لنا إذَن أن نحدِّد العلاقات في النظم اللاخطية، ناهيك عن قياس القابلية للتوقُّع، إذا كان أحد المكونات الرئيسية للتحليل الإحصائي عبر قرن من الزمان لا يأخذ في الاعتبار هذه العلاقات الظاهرة؟ للإجابة عن هذا السؤال، نستعرض أولًا نظام التمثيل الثنائي للبيانات.

وحدات البيانات وإنشاء المعلومات

تميل الحواسب إلى تسجيل الأرقام في صورة تمثيل ثنائي؛ فبدلًا من استخدام الرموز العشرة (٠ و١ و٢ و٣ و٤ و٥ و٦ و٧ و٨ و٩) التي نتعلَّمها في المدرسة، يستخدم الحاسوب الرمزَين الأولَين فقط (٠ و١). بدلًا من ١٠٠٠، و١٠٠، و١٠ التي تمثِّل ١٠٣، و١٠٢، و١٠١، تمثِّل هذه الأرقام في النظام الثنائي ٢٣، و٢٢، و٢١، أي ثمانية، وأربعة، واثنين. يمثِّل الرمز ١١ في نظام التمثيل الثنائي الآتي ٢١ + ٢٠، أي ثلاثة، بينما ٠٫١٠ تمثِّل ٢−١ (١ / ٢)، و٠٫٠٠١ تمثِّل ٢−٣ (١ / ٨)، ومن هنا جاءت المزحة أن ثَمَّةَ عشرة أنواع من علماء الرياضيات في العالم، أولئك الذين يفهمون الترميز الثنائي وأولئك الذين لا يفهمونه. مثلما يسهُل الضرب في عشرة (١٠) في النظام العشري، يسهل الضرب في ٢ (١٠) في النظام الثنائي؛ فكل ما عليك هو تحريك جميع وحدات البيانات (وحدات البت) إلى اليسار بحيث تصبح ١٫٠١٠٠١٠١٠١١ هي ١٠٫١٠٠١٠١٠١١، ومن هنا جاء اسم الخريطة الانتقالية. ينطبق الأمر نفسه عند القسمة على اثنين؛ حيث لا يعدو الأمر عن حركة انتقال إلى اليمين.
يستخدم أي حاسوب عادةً عددًا ثابتًا من وحدات البيانات لكل رقم، ولا يهدر مساحة قيمة من الذاكرة في تخزين العلامة «العشرية»، وهو ما يجعل من عملية القسمة مسألة مثيرة للفضول بعض الشيء. على الحاسوب، تُنتج قسمة الرقم ٠٠١٠١٠٠١٠١٠١١٠٠ على اثنين الناتج ٠٠٠١٠١٠٠١٠١٠١١٠، إلا أن قسمة الرقم ٠٠١٠١٠٠١٠١٠١١٠١ على اثنين تعطي الناتج نفسه! وينتج ضرب الرقم ٠٠٠١٠١٠٠١٠١٠١١٠ في اثنين الناتج ٠٠١٠١٠٠١٠١٠١١٠Q؛ حيث تُمثِّل Q وحدة بيانات جديدة على الحاسوب أن يحسبها. وهكذا فإن مع كل حركة انتقالية إلى اليسار، يُشترط وجود وحدة بيانات جديدة في الموضع الخالي أقصى اليمين. عند القسمة على اثنين، يظهر الصفر على نحو صحيح في الموضع الخالي أقصى اليسار، بَيْدَ أن أي وحدات بيانات تنتقل إلى الخارج للجانب الأيمن تُفقَد إلى الأبد، وهو ما يكشف عن ملمح مزعج. فإذا أخذنا رقمًا وقسمناه على اثنين، ثم ضربناه في اثنين، ربما لا يمكننا استعادة الرقم الأصلي الذي بدأنا به.

تفضي المناقشة حتى الآن إلى رؤًى مختلفةٍ لنمو وتآكل عدم اليقين — أو إنشاء المعلومات — في أنواع النظم الديناميكية الرياضية المتعددة مثل النظم العشوائية، والنظم الرياضية الفوضوية، والنسخ الحاسوبية للنظم الرياضية الفوضوية. عادةً ما يكون تصوُّرُ تطوُّرِ حالة أحد الأنظمة في صورة شريط يمر عبر صندوق أسود، ويعتمد ما يحدث داخل الصندوق على نوع النظم الديناميكية التي نراقبها، وعند خروج الشريط من الصندوق نرى وحدات البيانات المسجلة عليه. إن مسألة إن كان الشريط خاليًا عند دخوله الصندوق، أو كانت ثَمَّةَ وحدات بيانات مسجلة عليه بالفعل؛ تفضي إلى مناقشات حامية الوطيس في غرف الاستراحة في الأبراج العاجية. ما هي الخيارات؟ إذا كانت الديناميكيات عشوائية، فإن الشريط إذَن يدخل إلى الصندوق خاليًا ويخرج مسجلًا عليه وحدات بيانات محددة على نحو عشوائي. وفي هذه الحالة، أي نمط نعتقد أننا نرصده في وحدات البيانات مع تقدم الشريط إلى الأمام عبر الصندوق هو سراب. فإذا كان النظام الديناميكي حتميًّا، فإن وحدات البيانات كانت مطبوعة بالفعل على الشريط (وخلافًا لنا، فإن شيطان لابلاس في موضعٍ يمكنه من خلاله رؤية جميع وحدات البيانات تلك). لا نستطيع أن نرى وحدات البيانات بوضوح حتى تمر عبر الصندوق، لكنها موجودة بالفعل. يُعتبر إنشاء كل وحدات البيانات تلك من معلوماتٍ شيئًا كالمعجزة من الناحيتين، ويبدو أن الأمر يتلخص في النهاية في التفضيل الشخصي، سواءٌ إذا كنت تفضِّل حدوث معجزة كبرى واحدة أو سلسلة منتظمة من المعجزات الصغيرة. في ظل النظام الحتمي تشبه الصورة توليد عدد غير محدود من وحدات البيانات مرة واحدة، وهو العدد غير النسبي الذي يُمثِّل الحالة الأولية، وفي ظل النظام العشوائي، يبدو الأمر كما لو أن وحدات البيانات الجديدة تُولَّد عند عملية تكرار. عمليًّا، يبدو يقينًا أننا نتحكم بعض الشيء في دقة قياس شيء ما، وهو ما يوحي بأن الشريط جرى تسجيله سابقًا.

لا يوجد أي شيء في تعريف أي نظام فوضوي يَحُول دون رجوع الشريط بشكل عكسي لفترة. وعندما يحدث هذا، يصبح التوقع سهلًا لفترة؛ فحيث إننا شاهدنا الشريط وهو يرجع عكسيًّا، لذا فنحن نعرف بالفعل وحدات البيانات التالية التي ستظهر عند مرور الشريط إلى الأمام مرةً أخرى. إذا ما حاولنا أن نجعل هذه الصورة تتخذ شكل نظام حسابي، فستصادفنا مشكلات؛ إذ لا يمكن أن يكون الشريط خاليًا حقيقةً قبل دخوله إلى الصندوق. ويتوجب على الحاسوب «إنشاء» وحدات البيانات الجديدة تلك وفق قاعدةٍ ما حتميةٍ عندما تنتقل البيانات إلى جهة اليسار؛ لذا فإن وحدات البيانات هذه تكون فعليًّا مسجَّلةً على الشريط قبل دخوله إلى الصندوق. الأمر الأكثر تشويقًا هو ما يحدث في منطقةٍ ما يقوم فيها الشريط بالرجوع عكسيًّا؛ حيث إن الحاسوب لا يستطيع «تذكُّر» أي وحدات للبيانات فقدها عند الانتقال إلى اليمين. في حالة خرائط الميل الثابت ننتقل دومًا إلى اليسار أو إلى اليمين، ولا يقوم الشريط بالرجوع عكسيًّا أبدًا. لا تزال المحاكاة الحاسوبية نظامًا حتميًّا، على الرغم من أن الأشرطة المختلفة التي تُولِّدها أقل ثراءً من أشرطة الخريطة الرياضية الحتمية التي تحاكيها؛ فإذا كانت الخريطة التي تجري محاكاتها تتضمن مناطق من عدم يقين متناقص، إذَن فثَمَّةَ مرحلة مؤقتة يرجع الشريط خلالها عكسيًّا، ولا يستطيع الحاسوب معرفة أي وحدات بيانات جرى تسجيلها على الشريط. عندما يمر الشريط إلى الأمام عبر الصندوق مجددًا يستخدم الحاسوب قاعدته الداخلية لإنشاء وحدات بيانات جديدة، وربما نجد «٠» و«١» مسجَّلَين على الشريط عند خروجه من الصندوق مرة ثانية! نناقش في الفصل السابع أمورًا أخرى غريبة تحدث في نماذج المحاكاة الحاسوبية للنظم الرياضية الفوضوية.

إحصائيات توقُّع القابلية للتوقُّع

أحد الاستبصارات من الفوضى هو التركيز على محتوى المعلومات؛ ففي النظم الخطية يعكس التباين محتوى المعلومات، ويكون محتوى المعلومات أكثر تعقيدًا في النظم اللاخطية حيث لا يكون الحجمُ هو المؤشرَ الوحيد على الأهمية. كيف يمكن لنا قياس المعلومات بطريقة أخرى؟ خذ على سبيل المثال النقاط في دائرة على مستوى X, Y بقطر يساوي ١، واختر زاوية عشوائيًّا. تدلنا قيمة X على الكثير عن قيمة Y؛ حيث تخبرنا أن Y تساوي إحدى القيمتين. وبالمثل، إذا كنا لا نعرف جميع وحدات البيانات اللازمة لتمثيل X بالكامل، فسنجد أنه كلما زادت وحدات بيانات X التي نعرفها، عرفنا عدد وحدات بيانات أكثر من Y. على الرغم من أننا لن نستطيع أبدًا أن نختار بين موقعَين بديلَين من Y، فيتناقص عدم يقيننا فيما يتعلَّق بالموقعَين المحتملَين عند قياس X بدقة أكثر فأكثر. ما لا يدعو إلى الدهشة هو أن الارتباط الخطي بين X وY في هذه الحالة يساوي صفرًا. ثَمَّةَ قياسات إحصائية أخرى طُوِّرت لقياس كم ما يمكن أن نعرفه عن قيمة من القيمتَين من خلال معرفة القيمة الأخرى. تعكس «المعلومات المتبادلة»، على سبيل المثال، عدد وحدات بيانات Y التي نعرفها — في المتوسط — عندما نعرف وحدة بيانات أخرى من X. بالنسبة إلى الدائرة، إذا كنتَ تعرف وحدات البيانات الخمس الأولى من X، فستعرف أربع وحدات بيانات من وحدات بيانات Y الخمس الأولى، وإذا كنتَ تعرف ٢٠ وحدة بيانات من X، فستعرف ١٩ من Y، وإذا كنت تعرف جميع وحدات بيانات X، فستعرف جميع وحدات بيانات Y إلا وحدة واحدة. ودون معرفة هذه الوحدة الغائبة، لن نستطيع معرفة أيٌّ من قيمتَيْ Y المحتملتين تُمثِّل قيمة Y الفعلية. ولسوء الحظ، من وجهة نظر التفكير الخطي، تُمثِّل وحدة البيانات الغائبة «أكبر» قيمة لوحدة بيانات في Y. غير أنه يُعتبر من قبيل التضليل نوعًا ما تفسيرُ أن الارتباط ذا القيمة صفر يعني أن المرء لا يعرف أيَّ شيء عن Y عند معرفة قيمة X.
بمَ تخبرنا المعلومات المتبادلة عن ديناميكيات الخريطة اللوجيستية؟ ستعكس المعلومات المتبادلة حقيقة أن معرفة قيمة واحدة من X ستمنحنا بالضبط معلومات كاملة عن قيم Y المستقبلية. بينما تنطوي المعلومات المتبادلة على تحديد دقيق ومحدد لقيمة X، تعكس المعلومات المتبادلة حجم ما نعرف — في المتوسط — عن قيمة Y مستقبلًا. في ظل وجود التشويش الذي تتعرض له الملاحظات، من المرجح أننا سنعرف أقل عن قيم X المستقبلية كلما كانت أبعد في المستقبل، بما أن وحدات البيانات المماثلة لقيمة X الحالية ستُطمَس بفعل التشويش؛ لذا تميل المعلومات المتبادلة إلى التآكل كلما زاد الانفصال الزمني، بينما تبلغ قيمة معلم الارتباط الخطي صفرًا في جميع حالات الانفصال الزمني (فيما عدا صفرًا). تُعَدُّ المعلومات المتبادلة أداة مفيدة؛ إذ يمثِّل تطوُّر الإحصائيات المخصصة المستخدَمة في تطبيقات محددة مجالَ نموٍّ سريعًا في إطار الديناميكيات اللاخطية. من المهم معرفة ما تخبرنا إياه هذه الإحصائيات تحديدًا، ومن المهم على السواء أيضًا قبول وجود ما هو أكثر مما تخبرنا به الإحصائيات التقليدية.
يمنحنا نموذج التشويش فكرةً عن عدم يقيننا الحالي؛ من ثَمَّ تتمثَّل إحدى طرق قياس القابلية للتوقُّع في الوقت الذي نتوقَّع أن يستغرقه تضاعف عدم اليقين. يجب أن نتفادى هنا شَرَك التفكير الخطي الذي يوحي بأن زمن التضاعف أربع مرات سيساوي ضعف زمن التضاعف في نظام لا خطي. وبما أننا لا نعرف أي زمن سيصبح محل اهتمام (زمن التضاعف لمرتين، زمن تضاعف ثلاث مرات، زمن تضاعف أربع مرات، أو …)، فسنشير ببساطة إلى زمن تضاعف q قرب شرط مبدئي محدد. ترتبط أزمنة التضاعف q هذه مع القابلية للتوقع، وتعكس هذه الأزمنة مباشرةً الزمن الذي نتوقَّع أن يستغرقه عدم يقيننا في كل توقُّع محدَّد ليمرَّ بحدٍّ معين من الحدود مهم بالنسبة إلينا. يُقدِّم متوسط زمن تضاعف عدم اليقين المعلوماتِ نفسَها التي يُؤخَذ متوسطها عبر عدة توقعات تعتمد على هذا النموذج. وبينما يُعَدُّ الحصول على رقم واحد أمرًا ملائمًا، فإن هذا المتوسط قد لا ينطبق على أي حالة أولية على الإطلاق.
يُمثِّل متوسط زمن تضاعف عدم اليقين إجراءً إحصائيًّا مفيدًا لقياس القابلية للتوقع. غير أن تعريف الفوضى الرياضية لم يوضع بالارتباط مع إحصائيات زمن التضاعف لمرتين (أو أي تضاعف q)، بل وُضِع ليكون مرتبطًا ﺑ «أُس ليابونوف» الذي سنعرفه لاحقًا، وهو ما يُعَدُّ أحدَ الأسباب في أن الفوضى والقابلية للتوقع لا ترتبطان ارتباطًا وثيقًا مثلما هو شائع. بينما يقدِّم متوسط زمن التضاعف مؤشرًا أكثر عمليةً على القابلية للتوقُّع على نحوٍ يتفوق على أُس ليابونوف، ينقص هذا الأسلوب ميزة نظرية مهمة يقدِّرها علماء الرياضيات أيَّما تقدير، وهي ميزة — مثلما سنرى — يحظى بها أُس ليابونوف.
تُعرَّف الفوضى على المدى الطويل. يقتصر وجود النمو الأسي المنتظم في عدم اليقين على أبسط النظم الفوضوية. في حقيقة الأمر، يُعَدُّ النمو المنتظم نادرًا بين النظم الفوضوية التي تُظهِر عادةً «نموًّا أُسيًّا فعَّالًا»، أو ما يطلق عليه أيضًا نمو أسي في المتوسط. يُحسَب المتوسط في حدود رقم لا نهائي من التكرارات، ويُطلق على الرقم المستخدَم في قياس هذا النمو «أُس ليابونوف». فإذا كان النمو أسيًّا بحتًا، وليس أسيًّا في المتوسط، فيمكن قياسه من خلال التمثيل الرياضي λ t، حيث تُمثِّل t الزمن وλ أُس ليابونوف. يتألف أُس ليابونوف من وحدات بيانات عند كل تكرار، ويشير الأُس الموجب إلى عدد وحدات البيانات التي زادها عدم يقيننا «في المتوسط» بعد كل تكرار. يتضمن أيُّ نظام عددًا من آساس ليابونوف بقدر ما يوجد من اتجاهات في فضاء حالته، وهو ما يساوي نفس عدد المركبات التي تؤلف الحالة. للسهولة، تُدرج الآساس في ترتيب تنازلي، ويُطلَق على الأُس الأول — الأكبر — عادةً «أُس ليابونوف الرئيسي». في الستينيات، أكَّد العالم الرياضي الروسي أوسيليدك على أن أُس ليابونوف موجود في مجموعة واسعة من النظم المتنوعة، وبرهن على أنه في كثير من النظم يكون للشروط المبدئية «تقريبًا كلها» آساس ليابونوف نفسها. بينما يُحدَّد أُس ليابونوف من خلال تتبع المسار اللاخطي لأحد النظم في فضاء حالة، لا تعكس هذه الآساس إلا النمو في عدم اليقين كأقرب ما يكون لذلك المسار المرجعي اللاخطي، وما دام عدم يقيننا لا متناهيَ الصغر فهو لا يكاد يُلحق ضررًا بتوقعاتنا.

بالنظر إلى أن عملية حساب آساس ليابونوف تتطلب حساب متوسطات عبر فترات زمنية غير محدودة وتحصر الانتباه في حالات عدم اليقين اللامتناهي الصغر، فإن استخدام هذا الأُس في التعريف الاصطلاحي للفوضى الرياضية يلقي هذا العبء على تحديد إن كان نظام ما فوضويًّا أم لا. الميزة هنا هي أن هذه الخواص نفسها تجعل أُس ليابونوف صورة حية للنظام الديناميكي المتضمن. يمكننا أخذ فضاء الحالة ومطه، وطيه، وليُّه، وتغيير شكله تغييرًا طفيفًا، دون أن يتغير أُس ليابونوف. يُقدِّر علماء الرياضيات هذا الاتساق أيما تقدير؛ ومن ثَمَّ تحدِّد آساس ليابونوف إن كان نظام ما يتضمن اعتمادًا حساسًا أم لا. إذا كان أُس ليابونوف الرئيسي موجبًا، إذَن يكون هناك نموٌّ «أسيٌّ في المتوسط» لحالات عدم اليقين اللامتناهي الصغر، ويُعَدُّ أُس ليابونوف الموجب شرطًا أساسيًّا للفوضى، إلا أن الخصائص نفسها التي تمنح أُس ليابونوف حيويته تجعله صعب القياس في النظم الرياضية، وربما مستحيل القياس في النظم الديناميكية الطبيعية. في الوضع المثالي، يجب أن يساعدنا ذلك على التمييز بوضوح بين الخرائط الرياضية والنظم الطبيعية (الفيزيائية).

بينما لا يوجد بديل لأُس ليابونوف الذي يتميز بجاذبيته من الناحية الرياضية، ثَمَّةَ كميات أكثر ارتباطًا لقياس القابلية للتوقُّع؛ فمعرفة متوسط الزمن الذي يستغرقه قطار للانتقال من أكسفورد إلى وسط لندن الأسبوع الماضي يرجح أن يقدم لنا فكرة حول الوقت الذي سيستغرقه القطار اليوم، أكثر من قسمة طول المسافة بين أكسفورد ولندن على متوسط سرعة جميع القطارات التي سارت عبر إنجلترا منذ بداية تسيير حركة القطارات. تُقدِّم لنا آساس ليابونوف متوسط سرعة، بينما يقدِّم لنا زمن التضاعف متوسط أزمنة. بطبيعتها، لا ترتبط آساس ليابونوف بأي توقُّع محدد.

انظر إلى مجموعة الخرائط في الشكل رقم ٣-٢. كيف يمكن حساب آساس ليابونوف أو أزمنة التضاعف فيها؟ نرغب في قياس التمدد (أو الانكماش) الذي يجري قرب مسار مرجعي، ولكن إذا كانت خرائطنا لا خطية فستعتمد كمية التمدد على مدى بُعدنا عن المسار المرجعي. إن اشتراط بقاء عدم اليقين على مسافة قريبة لا متناهية الصغر من المسار المرجعي يجنبنا هذه الصعوبة المحتملة. بالنسبة إلى النظم الأحادية البُعد، يمكننا النظر إلى منحنى الخريطة عند كل نقطة على نحو يتفق مع المعايير. نهتم بمقدار زيادة عدم اليقين عبر الزمن. لدمج مقدار الزيادة، يجب علينا أن نضرب مرات الزيادة جميعها معًا. إذا تضاعفت قيمة فاتورة بطاقتي الائتمانية في أحد الأيام، ثم ازدادت قيمتها بمقدار ثلاث مرات في اليوم التالي، فإن الزيادة الإجمالية بلغت ست مرات القيمة الابتدائية، وليس خمسًا، وهو ما يعني أن حساب متوسط الزيادة لكل تكرار يتطلب حساب «متوسط هندسي». هَبْ أن عدم اليقين يزيد بعامل ثلاثة عند التكرار الأول، ثم بعامل اثنين، ثم أربعة، ثم ثُلث، ثم أربعة؛ وهو ما يمثِّل إجمالًا عامل ٣٢ خلال خمسة تكرارات؛ لذا تصبح الزيادة في المتوسط بعامل اثنين لكل تكرار، بما أن الجذر الخماسي لقيمة ٣٢ يساوي اثنين؛ بصورة أخرى: ٢ × ٢ × ٢ × ٢ × ٢ = ٣٢. لا نهتم كثيرًا هنا بالمتوسط الحسابي؛ حيث إن ٣٢ مقسومة على ٥ تساوي ٦٫٤، ولم تحدث زيادة في عدم يقيننا «قطُّ» بهذا القدر في يوم واحد. لاحِظْ أيضًا أنه على الرغم من أن عامل متوسط الزيادة اثنان يوميًّا، كانت العوامل اليومية الفعلية ٣، ٢، ٤، ١ / ٣، ٤. ولم تكن الزيادة منتظمة وتقلَّصَ عدم اليقين حقيقةً في أحد الأيام. إذا كان بمقدورنا المراهنة على جودة توقعاتنا في نظام فوضوي، وإذا كان بمقدورنا المراهنة على كميات مختلفة في أيام مختلفة، فثَمَّةَ أوقات إذَن نصبح فيها أكثر ثقةً «كثيرًا» في المستقبل. ثَمَّةَ خرافة أخرى تندحر، أَلَا وهي أن الفوضى لا تستلزم استحالة أي توقُّع. في حقيقة الأمر، إذا كان لك أن تتحدى شخصًا ما يعتقد اعتقادًا راسخًا أن توقُّعَ الفوضى مسألة خاسرة دومًا، فأنت في موضع يُمكِّنك من تلقينه درسًا.
لقد أفضت حقيقة أن بعض أبسط حالات الفوضى (وأكثر الأمثلة شيوعًا) تتضمن حالات ميل ثابت إلى التعميم المفرط القائل بأن الفوضى غير قابلة للتوقع على نحو منتظم. بمراجعة النظم الفوضوية الستة في الشكل رقم ٣-٢، نلاحظ أن في أربعة منها (الخريطة الانتقالية، وخريطة الخيمة، وخريطة الأرباع، وخريطة الخيمة ذات التضعيف الثلاثي)، يتساوى مقدار الميل. على الجانب الآخر، في الخريطة اللوجيستية، وخريطة موران-ريكر، يختلف الميل كثيرًا عند قيم X المختلفة. بما أن ميلًا بقيمة مطلقة أقل من واحد يشير إلى تقلص عدم اليقين، تُظهِر الخريطة اللوجيستية زيادةً كبيرة في عدم اليقين عند اقتراب قيم X من الصفر أو من الواحد، وتقلُّصًا في عدم اليقين عند اقتراب قيم X من ١ / ٢! وبالمثل، تُظهر خريطة موران-ريكر زيادةً كبيرةً في عدم اليقين قرب الصفر أو عند القيم التي تقترب من واحد، حيث يكون مقدار الميل كبيرًا أيضًا، ولكنه يتقلص عند قيم X المتوسطة والمرتفعة؛ حيث يقترب الميل من الصفر.
كيف يمكن أن نحدد قيمة متوسطة تمتد إلى المستقبل اللانهائي؟ مثل كثير من التحديات الرياضية، أسهل طرق حل هذه المسألة الرياضية هي الخداع. أحد أسباب انتشار الخريطة الانتقالية وخريطة الخيمة في النظم الديناميكية اللاخطية هو أنه بينما تُعتبر المسارات فوضوية، تظل زيادة عدم اليقين هي نفسها في كل حالة. بالنسبة إلى الخريطة الانتقالية، يزيد كل عدم يقين لا متناهي الصغر بعامل اثنين عند كل تكرار؛ لذا تصبح المهمة الصعبة لأخذ قيمة متوسطة بتقدُّم الزمن لانهائيًّا بلا أهمية. إذا زاد عدم اليقين بعامل اثنين عند كل تكرار، فإنه يزيد بعامل اثنين في المتوسط، وتتضمن الخريطة الانتقالية أُس ليابونوف يساوي وحدة بيانات واحدة لكل تكرار. تتساوى في السهولة تقريبًا عملية حساب أُس ليابونوف في خريطة الخيمة؛ فإما أن تكون الزيادة بعامل اثنين أو بعامل سالب اثنين، وهو ما يعتمد على معرفة أي نصف من «الخيمة» نكون فيه. لا تؤثِّر علامة السالب على حجم عملية الزيادة، بل تشير فقط إلى أن الاتجاه تَحوَّل من اليسار إلى اليمين، وهو ما يمكننا تجاهله دون خوف. مرةً أخرى، يكون لدينا وحدة بيانات واحدة لكل تكرار. تصلح الخدعة نفسها مع خريطة الخيمة ذات التضعيف الثلاثي، بَيْدَ أن مقدار الميل في الخارطة هنا ثلاثة، وأُس ليابونوف يساوي ١٫٥٨ وحدة بيانات تقريبًا عند كل تكرار (القيمة الدقيقة هي log2(3)). لماذا نظل نستخدم اللوغاريتمات بدلًا من الحديث عن «عوامل الزيادة» (أرقام ليابونوف)؟ ولماذا نستخدم لوغاريتمات التمثيل الثنائي؟ هذا اختيار شخصي، يبرره الارتباط بالنظام الحسابي الثنائي واستخدامه في الحاسوب، وهو تفضيلُ أن نقول «وحدة بيانات واحدة لكل تكرار» على أن نقول «٠٫٦٩٣١٤٧ نات لكل تكرار»، وحقيقة أن إجراء عملية الضرب في اثنين عملية سهلة نسبيًّا بالنسبة إلى البشر.
يُظهِر شكل الخريطة اللوجيستية الكاملة قطعًا مكافئًا؛ لذا تختلف الزيادة مع اختلاف الحالات، ويبدو أن خدعتنا بحساب متوسط أحد الثوابت لا تفلح. كيف يمكن مد الحد إلى المستقبل اللانهائي؟ سيشغِّل الفيزيائي لدينا الحاسوب في الحال ثم يحسب آساس ليابونوف المحددة الفترة الزمنية للعديد من الحالات المختلفة، وسيحسب الفيزيائي — على وجه التحديد — المتوسط الهندسي للزيادة على مدى تكرارَين لقيم X المختلفة، ثم يحسب التوزيع الملائم لثلاثة تكرارات، ثم أربعة تكرارات، … وهكذا. إذا تقارب هذا التوزيع نحو قيمة واحدة، فقد يعتبرها الفيزيائي تقديرًا لقيمة أُس ليابونوف، ما دام الحاسوب لا يجري تشغيله لفترة طويلة أكثر مما ينبغي؛ ما يجعل نتائجه غير موثوقة. كما يتضح، يتقارب هذا التوزيع بصورة أسرع مما قد يوحي قانون الأعداد الكبيرة. يسعد الفيزيائي بهذه القيمة التي تم تقديرها، والتي يتضح أنها تقترب من وحدة بيانات واحدة لكل تكرار.
لن يفكِّر عالم الرياضيات لدينا — بالطبع — في إجراءِ استقراء خارجي مثل ذلك؛ إذ لا يرى الرياضي أي تشابه بين عدد محدود من العمليات الحسابية الرقمية، كلٌّ منها غير دقيقة، وعملية حسابية دقيقة جرى تمديدها إلى المستقبل اللانهائي. من وجهة نظره، تظل قيمة أُس ليابونوف عند معظم قيم α غير معلومة، حتى اليوم. ولكن تظل الخريطة اللوجيستية الكاملة حالة خاصة، تُبيِّن حيلة علماء الرياضيات الثانية، أَلَا وهي أنه باستبدال قيمة جيب θ بقيمة X في القاعدة التي تحدد الخريطة اللوجيستية الكاملة، وباستخدام بعض الدوال من حساب المثلثات، يمكن إثبات أن الخريطة اللوجيستية الكاملة «هي» الخريطة الانتقالية. وبما أن آساس ليابونوف لا تتغير في ظل هذا النوع من الحيل الرياضية، يمكن للرياضي أن يثبت أن أُس ليابونوف يساوي في حقيقة الأمر وحدة بيانات واحدة عند كل تكرار، ويفسِّر عدم الالتزام بقانون الأعداد الكبيرة في حاشية سفلية.

آساس ليابونوف في الأبعاد المتعددة

إذا كانت حالة النموذج تتضمن أكثر من مركبة واحدة، إذَن يمكن أن يسهم عدم اليقين في إحدى المركبات في عدم اليقين المستقبلي في المركبات الأخرى، وهو ما يثير مجموعة جديدة كلية من الموضوعات الرياضية؛ حيث يصبح الترتيب الذي يجري ضرب المركبات معًا وفقًا له أمرًا مهمًّا. سنتجنب مبدئيًّا هذه التفصيلات المعقدة من خلال طرح أمثلة لا تختلط حالات عدم اليقين في المركبات المختلفة فيها، بَيْدَ أننا يجب ألا ننسى بأي حال من الأحوال أن هذه الأمثلة حالات خاصة جدًّا!

يتألف فضاء الحالة في «خريطة الخباز» من مركبتين، x وy، مثلما هو موضَّح في الشكل رقم ٦-١. ويبيِّن الشكلُ مربعًا ثنائي الأبعاد ينطوي على ذاته تمامًا وفق القاعدة التالية:
إذا كان x أقل من ١ / ٢:
فاضرب x في ٢ للحصول على قيمة x الجديدة، واقسم y على ٢ للحصول على قيمة y الجديدة.
وإلا:
فاضرب x في ٢، واطرح واحدًا من الناتج للحصول على قيمة x الجديدة، واقسم y على ٢ وأضف ١ / ٢ للناتج للحصول على قيمة y الجديدة.
في خريطة الخباز، سيتضاعف أي عدم يقين في المركبة الأفقية x لحالتنا عند كل تكرار، بينما ينقسم أي عدم يقين في المركبة الرأسية y إلى نصفين. وبما أن ذلك صحيح في كل خطوة، يصح الأمر أيضًا في المتوسط. متوسط زمن تضاعف عدم اليقين هو تكرار واحد، وتتضمن خريطة الخباز أُس ليابونوف واحدًا يساوي وحدة بيانات واحدة عند كل تكرار، وأسًّا واحدًا يساوي وحدة بيانات تساوي سالب واحد عند كل تكرار.
fig21
شكل ٦-١: رسم تخطيطي يوضِّح طريقة تطوُّر النقاط في المربع للأمام عند تكرار واحد في خريطة الخباز (إلى اليسار)، وخريطة الخباز المتمرن (إلى اليمين).
يتماثل أُس ليابونوف الموجب مع عدم يقين متزايد، بينما يتماثل أُس ليابونوف السالب مع عدم يقين متناقص. لكل حالةٍ من الحالات ثَمَّةَ اتجاه يرتبط بكلٍّ من هذين الأسين؛ وفي هذه الحالة الخاصة على وجه التحديد تتطابق هذه الاتجاهات بالنسبة إلى جميع الحالات؛ ومن ثَمَّ لا تخلط بين حالات عدم اليقين في x مع حالات عدم اليقين في y. وقد وُضِعت خريطة الخباز في ذاتها بعنايةٍ لتفادي الصعوبات من جرَّاء عدم اليقين في إحدى المركبات، وهو الأمر الذي يسهم في عدم اليقين في مركبة أخرى. «تقريبًا كل» الخرائط الثنائية البُعْد تختلط فيها حالات عدم اليقين هذه؛ لذا لا يمكننا عادةً حساب أي آساس ليابونوف موجبة على الإطلاق!
fig22
شكل ٦-٢: مجموعة من الحالات الأولية تتخذ شكل الفأر (الصورة العلوية)، وأربعة إطارات تبيِّن بالتوازي تطوُّرَ هذه المجموعة تحت خريطة الخباز (إلى اليسار)، وخريطة الخباز المتمرن الرابعة (إلى اليمين).
ربما نستطيع أن ندرك سبب اعتقاد بعضنا أن توقُّع الفوضى مسألة خاسرة بالنظر إلى الأشكال الموجودة على اليسار في الشكل رقم ٦-٢ الذي يبيِّن تطوُّر مجموعة تتخذ هيئة فأر عبر عدة تكرارات للخريطة، ولكن تذكَّرْ أن هذه الخريطة حالة خاصة جدًّا؛ فالخبَّاز الافتراضي ماهر جدًّا في عملية العجن، ويستطيع مطَّ العجين بانتظام بعامل اثنين في المحور الأفقي، بحيث يتقلص بعامل اثنين في المحور الرأسي، قبل أن يعود إلى المربع في نظام الإحداثيات. تفيد مقارنة خريطة الخباز مع خرائط متنوعة من عائلة خرائط الخباز المتمرن؛ فالخباز المتمرن أقل انتظامًا؛ حيث يمط جزءًا صغيرًا من العجين على الجانب الأيمن من المربع كثيرًا، بينما لا يكاد يمط معظم العجين إلى اليسار على الإطلاق، كما يتضح في الشكل رقم ٦-١. لحسن الحظ، يتمتع جميع أعضاء عائلة خرائط الخباز المتمرن بالقدر الكافي من المهارة؛ ما لا يجعلها تخلط بين عدم اليقين في إحدى المركبات مع مركبة أخرى؛ ما يُمكِّننا من حساب أزمنة التضاعف وآساس ليابونوف لأي عضو من أعضائها.
مثلما يتضح، تتضمن كل خريطة للخباز المتمرن أُس ليابونوف رئيسيًّا أكبر من ذلك الخاص بخريطة الخباز؛ لذا إذا اعتمدنا أُس ليابونوف الرئيسي باعتباره مقياسنا للفوضى، إذَن فكل واحدة من خرائط الخباز المتمرن «أكثر فوضوية» من خريطة الخباز، وهي نتيجة ربما تُسبِّب شعورًا بعدم الراحة، عند أخذها في الاعتبار في ضوء الشكل رقم ٦-٢، الذي يوضِّح، جنبًا إلى جنب، تطوُّرَ إحدى مجموعات النقاط عند استخدام خريطة الخباز، وأيضًا عند استخدام خريطة الخباز المتمرن رقم ٤. قد يكون متوسط زمن التضاعف لإحدى خرائط الخباز المتمرن أكبر كثيرًا منه في خريطة الخباز، على الرغم من أن أُس ليابونوف الخاص بها أكبر أيضًا من أُس ليابونوف في خريطة الخباز. ينطبق هذا الأمر على عائلة خرائط الخباز المتمرن بأسرها، وقد نجد خريطة الخباز المتمرن بمتوسط زمن تضاعف أكبر من أي رقم يستطيع أحد أن يُسمِّيَه. ربما يجب علينا إعادة النظر في العلاقة بين الفوضى والقابلية للتوقع؛ أليس كذلك؟

آساس ليابونوف الموجبة مع حالات عدم اليقين المتناقصة

ما دام عدم يقيننا أصغر من أصغر رقم يمكننا أن نتصوره، يصعُب أن يشكل عدم اليقين أي حد عملي لتوقعاتنا، وبمجرد زيادة عدم اليقين ذلك بالقدر الذي يسمح بقياسه، فلن يكون ثَمَّةَ حاجة أن يعكس تطوره آساس ليابونوف بأي طريقة من الطرق. حتى في الحالة اللامتناهية الصغر، تُبيِّن خرائط الخباز المتمرن أن آساس ليابونوف تُعَدُّ مؤشرات مضلِّلة للقابلية للتوقع؛ حيث قد يختلف مقدار زيادة عدم اليقين وفق الحالة التي يكون عليها النظام. يصبح الأمر أفضل؛ ففي نظام لورنز الكلاسيكي لعام ١٩٦٣ يمكننا إثبات أن ثَمَّةَ مناطقَ في فضاء الحالة «تنخفض» جميع حالات عدم اليقين فيها لفترة. عند إعطاء خيار حول وقت المراهنة على أحد التوقعات، فإن المراهنة على توقيت الدخول إلى هذه المنطقة يزيد من فرص فوزك. إن توقُّع سلوك النظم الفوضوية بعيد كل البُعْد عن عدم الجدوى، وربما تصبح مراهنة أحد الأشخاص — الذين يعتقدون في سذاجةٍ أن هذا التوقع مسألة لا طائل من ورائها — أمرًا يعود بالفائدة.

نُنهي هذه المناقشة حول آساس ليابونوف بكلمة تحذيرية، وهي أنه بينما ينطوي الاتجاه الذي لا يزيد فيه عدم اليقين — أو يقل — على قيمة أُس ليابونوف تساوي صفرًا، فإن العكس ليس صحيحًا؛ فلا ينطوي أُس ليابونوف الذي يساوي صفرًا على اتجاه لعدم زيادة عدم اليقين! تَذكَّر النقاش حول النمو الأسي الذي جاء في إطار مثال أرانب فيبوناتشي. حتى نمو سريع بمقدار مربع الزمن يكون أبطأ من النمو الأسي، وسيُسفِر عن أُس ليابونوف يساوي صفرًا. وهو ما يفسِّر سبب حرص علماء الرياضيات الشديد بشأن مد الحدود نحو المستقبل اللانهائي. إذا أخذنا في الاعتبار فترة زمنية طويلة لكنها محدودة، إذَن فستشير «أي» عملية زيادة على الإطلاق إلى أُس ليابونوف موجب؛ إن النمو الأسي والخطي أو حتى النمو الأبطأ من الخطي قد يُسفِر عن زيادة أكبر من واحد خلال أي فترة زمنية محددة، وسيصبح لوغاريتم أي رقم أكبر من واحد موجبًا. ومن هنا ستثبت صعوبة حساب إحصائيات الفوضى.

فهم ديناميكيات حالات عدم اليقين ذات الصلة

مثلما أشرنا آنفًا، لا يمكن أن يتسبَّب عدم يقين لا متناهي الصغر في صعوبة كبيرة لنا في التوقُّع. بمجرد إمكانية قياسه، تظهر تفاصيل حجمه تمامًا والنقطة التي تبدأ فيها الحالة في فضاء الحالة في إحداث التأثير. حتى الآن، لم يكتشف علماء الرياضيات أيَّ أسلوبٍ متسق لتتبع حالات عدم اليقين الصغيرة هذه ولكنها ملحوظة، والتي — بالطبع — ترتبط ارتباطًا كبيرًا بالتوقع في العالم الحقيقي. أفضل ما نستطيع أن نصنعه هو أخذ عينة من الحالات الأولية، تُسمَّى مجموعة، ونجعل هذه المجموعة متسقة مع ديناميكيات نموذجنا والتشويش الموجود في ملاحظاتنا، ثم نرى كيف تتبدد المجموعة في المستقبل. يُعَدُّ هذا كافيًا بالنسبة إلى شيطان القرن الحادي والعشرين؛ ففي ظل نموذجه المثالي للنظام وللتشويش، وملاحظاته المشوشة للحالات السابقة التي ترجع إلى الماضي البعيد، وقدرته الحاسوبية التي لا نهاية لها، فإن مجموعته ستعكس بدقةٍ احتماليةَ الأحداث المستقبلية. إذا أشار ربع عدد مجموعته إلى احتمال هطول أمطار غدًا، فثَمَّةَ فرصة إذَن بنسبة ٢٥٪ لسقوط أمطار في الغد، في ظل الملاحظات المشوشة المتوافرة لديه. يزيد تقليص التشويش من القدرة على تحديد ما هو مرجح الحدوث، ولا تشكِّل الفوضى عائقًا حقيقيًّا أمامه، وهو ليس على يقين من الحاضر، ولكنه يستطيع رسم خارطة لعدم اليقين ذلك في المستقبل. مَن عساه أن يطلب ما هو أكثر من ذلك؟ غير أن نماذجنا غير مثالية ومواردنا الحاسوبية محدودة. سنعقد في الفصل التاسع مقارنة بين عدم الملاءمة التي يجب أن نتعامل معها وعدم اليقين الذي يمكنه احتماله.

يتضمن المجال اللاخطي أكثر من مجرد فوضى. يجب ألا يكون الأمر بالضرورة أنه كلما كان عدم اليقين أقل، كان سلوكه أكثر انتظامًا؛ فثَمَّةَ أشياء أخرى أسوأ من الفوضى. وربما يكون الأمر أنه كلما انخفض عدم اليقين، زاد بنسبة أسرع، وهو ما يُسفِر عن زيادة هائلة في حالات عدم اليقين اللامتناهي الصغر وصولًا إلى نِسَبٍ محدودة، فقط بعد فترة زمنية محدودة. وهو ليس بالأمر الغريب مثلما يبدو؛ حيث يظل سؤالًا عويصًا ما إذا كانت المعادلات الأساسية في ديناميكا الموائع تُعبِّر عن هذا السلوك الأسوأ من الفوضى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤