المصيدة!

انتاب القلقُ «عثمان» بعد اقتحام رجال «سوبتك» للممر … فهو يظن أن «باي» ترك لهم دليلًا يُرشدهم للمكان … بعد ما حدث من خلافات بينه وبين «أحمد».

إلا أنه تراجع سريعًا عن هذه الظنون … فقد رأى أنه من غير المعقول أن يؤديَ بنفسه إلى التهلكة … ذلك أن رجال «سوبتك» إن تمكَّنوا منهم … لن تفرق بنادقُهم بين رجل وآخر.

وازدادَت الجلبةُ قربًا منهم … وهمس «رام روي» يطلب منهم الإذنَ بإطلاق النار … ووضع جميعُ رجاله مواسير بنادقهم في فوهة مخابئهم استعدادًا لإطلاق النار.

وطلب منه «أحمد» أن يُقللوا عددَ القتلى قدرَ ما استطاعوا … على أن يأسروا الباقين ثم رفع صوته قائلًا: هؤلاء أفراد جيشنا الذي سنواجه به جماعة «سوبتك».

ولاقَى هذا الأمر الاستحسان من «باي» و«رام روي» وكل رجاله.

فهم لأول مرة يجدون قائدًا تهمُّه أرواحهم وأرواح آلهم … حتى ولو كانوا مختلفين معهم.

وقبل أن يصل أول رجال «سوبتك» إلى موقعهم … كانت فكرة الخطوة القادمة قد اختمرَت في ذهنهم …

فتسلَّل أحدُ رجال «رام روي» من طريقٍ خفيٍّ يمرُّ على سطح الهضبة التي تعلو الجزيرة إلى قاعدتها … ومنها تسلَّل خلسةً إلى بركة الماء … ليزرع لغمًا بجوار فتحة الممر بعد أن ألقى قنبلةً مسيلة للدموع بداخله … ثم ذهب إلى حيث يوجد اليخت، فرأى مجموعة من القردة مستلقية عليه في حالة استنفار، فأسرع يُخرج لها قطعَ جوز الهند المقشرة … فزاغ بياضها في عينهم … فاستقبلوه أحسن استقبال.

وكانت هذه أحد أسرار «باي» مع قروده … وقد أطلع عليها هذا المحارب للضرورة.

وسمحَت القرود للمحارب أن يدعَ اليخت بعيدًا عن الجزيرة … حتى أصبح على مرمى بصر «أحمد» … فتمكَّن من إدارته بجهاز التوجيه عن بعد.

وبهذا أصبحَت لهم السيطرة على الجزيرة من أعلى ومن أسفل.

أما جنود «سوبتك» فقد حوصروا بين قوسين.

وفي الممر المؤدي من البركة إلى قمة الهضبة … حيث الشياطين والمحاربون.

ازدحم رجال «سوبتك» يتدافعون وهم يصيحون صيحات مخيفة.

ومن خلفهم … يتسرَّب الغاز المسيل للدموع … الذي ينطلق من القنبلة التي ألقاها المحارب.

وما إن لفَّهم الغاز … حتى تعالَت أصواتُ سعالهم وبصاقهم … وتصايحهم الفزع وتدافعهم إلى أعلى هربًا من جحيم الغاز … وطلقات بنادقهم العشوائية.

وما إن ظهر أولهم ﻟ «رام روي» حتى لحقه بطلقة … تدحرج بعدها إلى أسفل … ليسدَّ الممر على زملائه.

وما إن شعروا به حتى غيَّروا طريقَهم عائدين من حيث أتَوا … إلا أنهم فوجئوا بنهاية الممر مسدودة فتملَّكهم الفزعُ والإعياء من الغاز المسيل للدموع.

وفي دفعة رجل واحد … دفعوا بقوة الصخرة التي تسدُّ أسفل الممر حتى استطاعوا أن يُزيحوها … فما كان مصير أولهم … إلا أن يتعثر في اللغم الذي زرعه المحارب فتطايرَت أشلاؤه خارج مياه البركة.

وتمكَّن الفزع من بقيتهم … فهرولوا يخرجون من الممر رافعي أيديهم وبها البنادق ولمحهم «الشياطين» من أعلى فصاحوا فيهم أن يُلقوا بنادقهم … فلم يفعلوا …

فقال لهم «راجيف»: إنهم لا يفهمون الإنجليزية … ونادى عليهم هو بأعلى صوته قائلًا: يا أبناء جزيرة التمساح … لقد أتيتم لتُحاربوا مَن … هل تعرفون؟

ران الصمتُ على الجميع … فاستطرد قائلًا: إنكم تحاربونني أنا … فهل تعرفون مَن أنا؟

لم يُجِب أحد منهم … فأكمل قائلًا: أنا واحد منكم هندي … ومعي إخوة لكم هنا … وقد يكون من بينكم ابنُ عم لي … أو لواحد منهم ابن خال أو قريب أيًّا ما يكون.

وسنقاتل … وسيحرص كلُّ واحد فيكم على أن يقتل الآخر دون أن يعرفه …

إنني أنا «راجيف باي».

وفي هذه اللحظة ارتجَّت الجزيرة من تأثير صيحتهم وهم يقولون: الخائن.

وبُهت «راجيف باي» … وعمَّت الدهشة الشياطين … وخافوا جميعًا من أن يسمع «رام روي» ورجاله هذا … ويصدقوه … وينتهي الأمر بمقتل الجميع …

فقال له «أحمد»: لن يُجديَ النقاشُ الآن يا «باي» وهم في هذه الحالة … وبأيديهم البنادق …

علينا الآن أن نمتصَّ حماسهم … قبل أن نتكلم معهم في شيء …

راجيف: كيف؟

أحمد: آمرهم أولًا بأن يُلقوا ببنادقهم.

وما إن تلقَّى «باي» الأمر من «أحمد» حتى صاح بقوة وحزم قائلًا: كيف ترفعون أيديَكم مستسلمين … وأنتم تُمسكون بالبنادق؟!

ثم قال بلهجة آمرة: ألقوا أسلحتكم.

وانطلقَت في هذه اللحظة رصاصة مرَّت بجوار أُذُنه … فأمره «أحمد» أن يُعطيَ أمرًا للمحارب الموجود على ظهر اليخت … أن يُلقيَ قنبلة يدوية بالقرب منهم.

فأوصل «باي» الأمرَ إلى «رام روي» … الذي أشار بيده للمحارب … فطارَت قنبلة من يد أحد القرود … لتستقرَّ على أرض الجزيرة.

وفي الوقت الذي ارتفع فيه صوتُ الانفجار … ألقى كلُّ رجال «سوبتك» ما بأيديهم من بنادق.

ومن الممر السري الخلفي … هبط المحاربون وخلفهم الشياطين …

واقتادوا رجال «سوبتك» إلى قاعة الاستقبال.

ثم جلسوا القرفصاء …

وطلبوا منهم أن يضعوا أيديَهم متشابكة فوق رءوسهم.

وأحاط رجالُ «رام روي» بالقاعة لحماية الشياطين.

ودخل «راجيف» عليهم … ملصقًا كفَّيه ببعضهما تحت ذقنه يحميهم … ثم قال لهم: منذ متى ونحن على عقديتنا؟

فلم يردَّ أحد … فأكمل قائلًا: منذ مئات السنين … ولم يُغيِّرها شيء … فماذا حدث لكم؟

فرفعوا جميعًا عيونهم ينظرون إليه نظرةَ اتهام … أثارَته … فصاح فيهم قائلًا: أتعرفون مَن «راجيف باي»؟

– إنه «سانيازي» هذه الجزيرة.

وهذا هو «مهاريشي أحمد».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤