في حراسة القرود!

وشعر «أحمد» بأن «باي» سيصل مع رجال «سوبتك» إلى نتيجة.

لذا … فقد دخل القاعة بمجرد أن سَمِع اسمه … وسط صياح رجال «رام روي» وهم يقولون: «مهاريشي أحمد» … «مهاريشي أحمد».

وبمجرد دخوله … وقف جميعُ مَن بالقاعة … وهم ما بين متسائل ومصدق …

وما إن لمحه «باي» حتى انحنى له في خشوع وهو يقول: «مهاريشي أحمد».

فردَّ عليه «أحمد» قائلًا: «سانيازي باي».

وهي درجة دينية عندهم … يُعطي لصاحبه الهيبة والوقار …

واعتدل «باي» وتوجَّه إلى رجال «سوبتك»، وقال لهم: مَن لديه سؤال منكم … سيجد إجابته عند «المهاريشي أحمد».

ومَن لم يجد لديه الإجابة … أو لم يقتنع … فسنُطلق سراحه فورًا.

بل سنُعيد إليه قاربه … ليعود به إلى جزيرته.

شعر الجميعُ بالراحة … وقد ظهر ذلك على وجوههم.

ومن خارج القاعة … أشارَت «إلهام» ﻟ «أحمد» … فتحادث قليلًا مع «باي» … ثم تركه ليقول لهم: لكي نستطيعَ أن نستمعَ إلى صوت عقولنا … يجب أن نُسكت جوعنا.

هكذا قال «المهاريشي أحمد».

ثم أكمل قائلًا: اجلسوا وسوف يأتيكم الطعام …

ومن مياه المحيط … كان صيد رجال «رام روي» وفيرًا.

وقد كان من بينهم طهاةٌ ماهرون.

وقد أعجب الطعام الجميع …

وتبدَّلت نظراتُ التحدي والكره إلى نظرات المودة واللين والرغبة في الفهم.

ودارَت أحاديث قصيرة بين رجال «رام روي» ورجال «سوبتك» أثناء الطعام.

فرأى «أحمد» أن يقدموا لهم الشاي بعد ذلك … وأن ينضموا إليهم جميعًا.

ورفض طلبًا ﻟ «باي» بأن يستأنفوا النقاش … فالمهم عنده أولًا … هو إبعاد روح العداء تمامًا عنهم …

وطلب من «عثمان» أن يحاول التقرُّبَ منهم وأن يُضفيَ على اجتماعهم جوًّا من الفكاهة. فانفجر في الضحك وهو يقول له: فكاهة ماذا يا «مهاريشي» وهم لا يفهمونني.

ألا تعرف أن الفكاهة لغة … إنك حقًّا ﻟ «هاريشي».

وانفجرَت «ريما» في الضحك … وكان «راجيف» يقف بينهم … فسألهم عما يُضحكهم … فهو لا يعرف اللغة العربية … فقال له «عثمان»: إنه يريدني أن أُرفِّهَ عنهم.

راجيف: لا داعي لذلك … سأطلب من «رام روي» أن يختار أحد رجاله ليغنِّيَ لهم …

أحمد: لا، أنا أريدهم أن يغنُّوا جميعًا.

راجيف: سيحدث.

وأعجبَت الفكرة «رام روي» وقد أصبح ضلعًا في مثلث القادة الذي يجمع «أحمد» و«باي» وأخيرًا هو … وعلى إيقاع تصفيقهم نعسَت عيونُ الكون … ونامَت الشمس وأيقظ السمرُ ليلَهم … وقد اكتظَّت بهم القاعة … وعلى ظهر اليخت جلس الشياطين و«راجيف» و«رام روي» ومعهم قائد جماعة «سوبتك» وقد عرفوا أن اسمه «ديفداتا».

ودار بينهم نقاشٌ طويل لم يشعروا معه بالوقت … إلى أن نبَّهَتهم «ريما» إلى أن عملًا كثيرًا ينتظرهم في الصباح … وأن عليهم أن ينالوا قسطًا من النوم.

واحتموا سويًّا بإحدى غُرَف اليخت … عدا «إلهام» و«ريما»؛ فقد اتخذتَا غرفةَ قيادته مكانًا للنوم.

ونام الجميع في حراسة قرود «راجيف باي».

وقد كانت شديدةَ اليقظة.

ومع أول خيوط الفجر … أيقظ «عثمان» ضجيجٌ شديدٌ وجلبة تُحدثها القرود … فاندفع يقفز فوق سطح المركب شاهرًا مسدسه … إلى أن رآها تسير إلى الماء … فلمح رجلًا يسبح مبتعدًا عن الجزيرة …

فسحب أمانَ مسدسه. وصوَّبه إليه …

وعلى صوتِ طلقته … استيقظ جميعُ مَن باليخت.

وقبل أن يُطلق التالية … قال له «أحمد»: توقَّف يا «عثمان».

عثمان: إنه جاسوس.

ديفداتا: لا، إنه أحد رجالي …

عثمان: أي إنه خائن.

أحمد: خائن لمَن … إنه أسيرٌ واستطاع الفرار.

عثمان: أي إنك تشجع الباقين على الهرب.

أحمد: لا تهذِ يا «عثمان».

عثمان: أليسوا جميعًا أسرى؟

أحمد: لا ليسوا جميعًا أسرى.

عثمان: لا أفهم.

أحمد: لقد كان ذلك بالأمس … عندما كان بيننا وبينهم قتال.

عثمان: والآن؟

أحمد: الآن هم ضيوفنا إن رغبوا.

عثمان: وإن لم يرغبوا … يهربوا؟!

راجيف: إنها مسئوليتنا … وعلينا أن نوضح لهم أنهم ليسوا أسرى … وأن باستطاعتهم العودة من حيث أتَوا …

عثمان: سيعودون لقتلنا.

أحمد: سنقول لهم إن من سيعود بنية الحرب سنقتله.

امتلأَت عيونُ «راجيف» بنظراتِ الإعجاب ﺑ «أحمد» … وامتلأ قلبُه بحبِّه … إنه رغم صغر سنِّه … لديه حكمةُ الكبار … وليس أي كبار …

فهناك كبار على أرض جزيرة التمساح … يستبيحون أموالَ أهلها ودماءَهم ويُنفذون بهم جرائمهم في كل مكان.

فليس كلُّ الكبار لديهم الحكمة.

وليس كل الصغار يفتقدون الحكمة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤