الفصل الثاني

الرفاق المخلصون

أورد أحدهم — هل كان السيد جلادستون؟ — أنه لا يُوجد شيءٌ أخطر، ولا أشرس، ولا أرهب من رعيةٍ غاضبين. وبالمثل، كما نعرف، لا يُوجد شخصٌ يضاهي في طيشه، ولا ثرثرته الحمقاء ولا رعونته المدهشة دبلوماسيًّا أتى لسبب أو لآخر، بتصرفاتٍ غير مقبولة.

يأتي على الرجل الذي درَّب نفسه على مراقبة لسانه في مجالس الأُمم، والذي تعلَّم أن يسير بحذرٍ وسطَ فِخاخٍ حفَرتْها له قوًى صديقة، لحظة تُنسى فيها ممارساتُ ومبادئ سنينَ كثيرة، ويتصرف بطريقةٍ إنسانية. لم يكتشف الأشخاص العاديون مطلقًا الأسباب وراء ذلك، مع أن الأشخاص المنتمين إلى الأقلية النفسية الذين يمكنهم عمومًا تفسير العمليات العقلية لرفاقهم، لديهم بلا شك أسبابٌ كافية ومقنعة جدًّا لهذه الأفعال غير المتزنة.

كان السير فيليب رامون رجلًا ذا مزاجٍ خاص.

لا أظن أن شيئًا في العالم الواسع كان يمكن أن يُثنيه عن هدفه ما إن يحسم أمره بشأنه. كان رجلًا قوي الشخصية، ثابت العزم، عريض الفك، واسع الفم، في عينَيه تلك الدرجة من الزرقة التي يجدها المرء في المجرمين الشديدي القسوة، وبخاصة الجنرالات المشهورين. ومع ذلك فقد فَزِع السير فيليب رامون، كما تخيل قلةٌ من الرجال أنه فَزِع، من عاقبة المهمة التي حددها لنفسه.

يُوجد آلاف من الرجال الذين يتسمون بأنهم أبطال من الناحية البدنية وجبناء من الناحية الأخلاقية، رجال يضحكون في وجه الموت، ويعيشون في رعب من الإحراج الشخصي. وتستمع محاكم الطب الشرعي يوميًّا إلى قصة حياة وموت أمثال هؤلاء الرجال.

كان وزير الخارجية على النقيض من هذه الصفات. من شأن الرجال الطيبين الذين يتسمون بالخشونة أن يصفوا الوزير دون تردُّد بأنه جبان؛ لأنه خشي الألم وخشي الموت.

في اجتماع مجلس الوزراء بعد يومَين من نشر تحقيق صحيفة «ميجافون»، قال رئيس الوزراء بلطف: «إذا كان هذا الأمر يقلقك بشدة، فلماذا لا تسحب مشروع القانون؟ على أي حال، تُوجد شئونٌ أهمُّ يمكن أن تشغل وقت البرلمان، ونحن على مشارف نهاية الدورة التشريعية.»

سرت همهَمة موافقة حول المائدة.

«إن لدينا كل ذريعة لسحب مشروع هذا القانون. لا بد أن مذابحَ مُروِّعة ستحدث للأبرياء، ولا بد من إقرار مشروع قانون برايثوايت للبطالة؛ فالرب وحده يعلم ما سيقوله الناس عن ذلك.»

ضرب وزير الخارجية المائدة بقبضته وهو يقول: «لا، لا! لا بد من الموافقة عليه؛ أنا مُصِرٌّ على ذلك. إننا نُخلِف عهدنا مع البرلمان الإسباني، ونُخلِف عهدنا مع فرنسا، ونُخلِف عهدنا مع كل دولة في الاتحاد. لقد وعدتُ بالحصول على الموافقة على هذا الإجراء، ويجب أن نمضي في الأمر، حتى في وجود ألفٍ من أمثال رجال العدالة الأربعة، وألف تهديد.»

هزَّ رئيس الوزراء كتفَيه.

قال بولتون، وزير العدل: «معذرة يا رامون لقول ذلك، ولكن لا يسعني إلا أن أشعر أنك لم تكن حريصًا في إعطائك لتصريحات تفصيلية للصحافة. أجل، أعرف أننا اتفقنا على أن يكون لك حرية التصرف في التعامل مع المسألة كما شئت، ولكنني بطريقةٍ ما أعتقد أنه لم يكن يجب أن تكون. ماذا ينبغي أن أقول؟ صريحًا هكذا.»

أجاب رامون بجفاء: «إن سلطتي التقديرية في هذه المسألة، يا سير جورج، ليست موضوعًا يهمني مناقشته.»

لاحقًا، وبينما كان يسير عبر طريق بالاس يارد بصحبة وزير الخزانة ذي الطلعة الشابة، قال وزير العدل، باستياءٍ شديد من الرفض، فيما يتصل بما سبق: «يا له من حمارٍ عجوز أحمق!» فابتسم الحارس الشاب على شئون بريطانيا المالية.

وقال: «إحقاقًا للحق، إن رامون في مأزقٍ حرج للغاية. إن قصة رجال العدالة الأربعة حديثُ كل النوادي والمجالس، بل إن رجلًا التقيتُ به في فندق كارلتون على الغداء أقنعني بأنه يُوجد حقًّا ما يدعو للخوف. وكان جادًّا في حديثه هذا؛ لأنه عاد للتوِّ من أمريكا الجنوبية ورأى هناك بعض أعمال هؤلاء الرجال.»

«ما الذي رآه؟»

«رئيس أو شيء من هذا القبيل لإحدى هذه الجمهوريات الصغيرة الفاسدة. من حوالي ثمانية شهور؛ ستجد هذه الواقعة في القائمة. لقد شنَقوه. فعلوا به أغرب ما يمكن أن يُفعَل. أخذوه من فراشه في منتصف الليل، وكمَّموه، وعصبوا عينَيه، وحملوه إلى السجن العمومي، وتمكَّنوا من دخوله، وشنقوه في المشنقة العامة، وهربوا!»

رأى وزير العدل ما يُحيط بوقائعَ كتلك من صعوبات، وأوشك أن يُعْرِب عن رغبته في معرفة المزيد من المعلومات، حينما دنا وكيل وزارة الخزانة من وزيره، واصطحبه معه. تمتم وزير العدل بغضب قائلًا: «عبث.»

استُقْبِل وزير الخارجية بالهتافات وعربتُه تمر عبر الحشد الذي اصطف في مدخل البرلمان. لم يشعر بالابتهاج لذلك إطلاقًا؛ لأنه لم يكن ممن يشتهون الشهرة. كان يعرف بالفطرة أن هذا الهتاف كان مرجعه إلى تقدير العامة لمخاطرته، وجعلت معرفتُه تلك قُشَعريرة تسري في جسده وأشعَرتْه بغضبٍ شديد. كان يود أن يظن أن الناس سخروا من وجود هؤلاء الأربعة الغامضين؛ كان سيشعر ببعضٍ من راحة البال لو كان بوسعه أن يُفكِّر أن «الناس نبذوا الفكرة.»

ومع أن الشهرة أو عدمها لم تكن من ضمن أساسياته، لكنه كان لديه إيمانٌ لا يتزعزع في الغرائز الهمجية للغوغاء. في بهو البرلمان كان محاطًا بحشد من الرجال المتحمسين من حزبه، الذين كان التساؤل يبدو على وجوه بعضهم، والبعض الآخر كان متلهفًا، وتعالت أصواتهم كلهم تطلب معرفة آخر المعلومات، وكانوا كلهم يخشون قليلًا من لسان الوزير اللاذع.

«اسمع، يا سير فيليب.» كان المتحدث نائب بروندسبيري الجريء غير اللبِق، «ما كل هذا اللغط الذي نسمعه عن رسائل التهديد؟ من المؤكد أنك لن تُلقي بالًا لأمور من هذا القبيل؛ عجبًا، أنا شخصيًّا أتلقى رسالتَين أو ثلاثًا يوميًّا.»

مضى الوزير في سبيله في نفاد صبر مبتعدًا عن المجموعة المحتشدة، ولكن تيستر، وهو أحد النواب، أمسك بذراعه.

بادره بالحديث، قائلًا: «اسمع!»

قال وزير الخارجية دون تصنُّع: «اذهب إلى الجحيم.» وسار بسرعة متجهًا إلى غرفته.

قال النائب الموقَّر في قنوط: «من المؤكد أن ذلك الرجل في حالٍ معنوية فظيعة. حقيقة الأمر أن رامون في حالٍ من الكآبة الشديدة. إن فكرة إحداث الكثير من الإثارة حول رسائل التهديد ليست بالفكرة الصائبة! فأنا أتلقَّى …»

تناقشَت مجموعة من الرجال في قاعة تدخين النواب مسألة رجال العدالة الأربعة بطريقةٍ غير مبتكرة على الإطلاق.

قال أحدهم بفظاظة: «إنه أمرٌ سخيف للغاية. ها هم أربعة رجال، أربعةٌ غامضون، اتحدوا ضد كل القوى والكيانات الراسخة لأكثر أمةٍ متحضرة على وجه الأرض.»

قاطعه سكوت، عضو البرلمان، قائلًا بحكمة: «باستثناء ألمانيا.»

رجاه المتحدث الأول بطريقةٍ لاذعة: «أوه! دع ألمانيا خارج هذا الموضوع، بحق الرب. لكم أود حقًّا، يا سكوت، أن يكون بوسعنا أن نناقش موضوعًا ولا تُقحم فيه مسألة تفوُّق المؤسسات الألمانية.»

قال سكوت بمرح، مطلقًا العِنان لنفسه في الحديث عن موضوعه المُفضَّل: «تذكَّر أنه في الحديد والصلب وحدهما زاد نصيب الفرد من العمالة من الإنتاج بنسبة ٤٣ بالمائة، حتى إن شحنها …»

تساءل النائب البرلماني العجوز عن ألدجيت إيست، محررًا تركيزه من ثرثرة الإحصائيات: «أتظن أن رامون سيسحب مشروع القانون؟»

«رامون؟ هذا ليس من شيمه. إنه يُفضِّل الموت على أن يفعل ذلك.»

قال النائب عن ألدجيت إيست: «إنه ظرفٌ غير عادي البتة.» وأومأ نواب ثلاثِ مقاطعات، ونائب عن ضواحي لندن، وآخر عن مدينة في وسط إنجلترا مُصدِّقين على قوله وأنهم «ارتأوا ذلك.»

أشار نائب ألدجيت إيست إلى عضوٍ مسن في مجلس اللوردات محني القامة أبيض اللحية والشعر، كان يمشي بصعوبةٍ صوب مقعد، قائلًا: «في الأيام الخوالي، عندما كان العجوز باسكو نائبًا شابًّا، في الأيام الخوالي …»

علق مستمع لا علاقة له بالحديث: «كنت أظن أن باسكو قد مات. ألم يمت؟!»

تابع نائب إيست إند حديثه قائلًا: «في الأيام الخوالي، قبل أزمة فينيان …»

استطرد سكوت بحماس: «الحديث عن الحضارة. قال راينباكن الشهر الماضي في مجلس العموم: «لقد وصلت ألمانيا إلى مرحلة …»»

تابع نائب ألدجيت إيست بجدية: «لو كنتُ مكان رامون، لعرفت بالضبط ما ينبغي عليَّ فعله. كنت سأذهب إلى الشرطة وأقول: «اسمعوا …»»

دق جرسٌ بقوة ودون توقُّف، ومضى النواب يُهروِلون عَبْر الممر «التقسيم. الرؤية.»

بعد أن تمت تسوية البند التاسع من مشروع قانون تحسين ميدواي على نحوٍ مُرضٍ وأضافت الأغلبية المنتصرة البالغ عددها أربعة وعشرين عضوًا عبارة «أو كما سيتحدَّد فيما بعدُ.» عاد أعضاء مجلس العموم المخلصون إلى النقاش الذي كان قد قُطِع.

استطرد شخصٌ ذو حيثية: «ما أقصِد أن أقوله، وما كنتُ أقولُه دومًا عن رجل في مجلس الوزراء هو أنه يجب عليه، إن كان رجل دولة حقًّا، أن يُسْقِط أي اعتبار في سبيل مشاعره الشخصية.»

صفَّق أحدهم: «أنصتوا!»

كرَّر الخطيب قوله: «مشاعره الشخصية. يجب أن يضع واجبه نحو الدولة قبل كل الاعتبارات الأخرى. أتذكُرون ما قلتُه لبارينجتون في تلك الليلة الفائتة عندما كنا نتناقش حول التقديرات؟ قلتُ: «إن الرجل الشريف بحقٍّ لم يأخذ، لم يستطع أن يأخذ، بعين الاعتبار الرغبات القوية وشبه المُجْمَع عليها لجمهور الناخبين العظيم. إن تصرُّف وزيرٍ من وزراء التاج لا بد أن يخضع في المقام الأول للتقدير الذكي لجمهور الناخبين العظيم، الذي لمشاعره الرفيعة» لا، «الذي لغرائزه العليا» لا، لم يكن هذا ما قلته. على أي حال أوضحت بجلاءٍ شديد كُنْه واجب وزير التاج.» واختتم خطبته بطريقةٍ خرقاء.

شرع نائب ألدجيت إيست، يقول: «حسنًا أنا …» حين اقترب أحد الخدم يحمل صينية عليها ظرفٌ رمادي مخضر.

وسأل: «هل سقط هذا من أحد السادة؟» فتناول النائب الظرف متحسِّسًا جيبه بحثًا عن نظارته.

وقرأ مكتوبًا عليه: «إلى أعضاء مجلس العموم.» ثم نظر من فوق نظارته الأحادية إلى دائرة الرجال المتحلِّقين حوله.

قال نائب ويست بروندسبيري الجريء، الذي كان قد انضم إلى الجمع: «نشرة إعلانية من إحدى الشركات؛ إنني أتلقى المئات منها. منذ بضعة أيام فقط …»

قال نائب ألدجيت إيست، وهو يزن الرسالة في يده: «إنها أخفُّ بكثير من أن تكون نشرةً إعلانية.»

أصَرَّ نائب بروندسبيري: «عقارٌ مُسجَّل، إذن. يأتيني واحدٌ كلَّ صباح. «لا تُشعل الشمعة من كلا طرفَيها»، وأمثال هذا الهُراء. الأسبوع الماضي أَرسلَ لي أحد الرجال …»

قال أحدهم مقترحًا: «افتحه.» وأذعن النائب لقوله. قرأ بضعة سطورٍ واحمَرَّ وجهه.

شهِق قائلًا: «لتحل عليَّ اللعنة!» ثم تلا عليهم المكتوب:

أيها المواطنون

إن الحكومة على وشك أن تُقر في هيئةِ قانونٍ إجراءً من شأنه أن يُسلِّم للحكومات الأكثر شرًّا في العصور الحديثة رجالًا وطنيِّين ومن المُقدَّر لهم أن يكونوا مُخَلِّصي بلادهم. لقد أبلغنا الوزير المسئول عن هذا الإجراء، الذي تظهر صفته في الهامش، أنه إذا لم يسحب مشروع هذا القانون فسنَذبحُه من دون شك.

يُؤسفنا أشدَّ الأسف أن نأخذ هذه الخطوة الخطيرة؛ إذ نعلم أن السير فيليب رامون، باستثناء موقفه هذا، رجلٌ مخلص وشجاع، وتجنبًا لتنفيذ هذا الوعيد نُطالِب أعضاء أعرق برلمانات العالم باستعمال نفوذهم لإجباره على سحب مشروع هذا القانون.

لو كنا قتلةً عاديِّين أو فوضويِّين حمقى، كان سيُصبح من السهل علينا أن نعيث انتقامًا أعمى وعشوائيًّا على أعضاء هذا البرلمان، ولنُثبت ذلك، ولكي نؤكِّد أن تهديدنا ليس أجوف، نرجوكم أن تُفتِّشوا تحت المائدة القريبة من مدخل هذه الغرفة. ستجدون قنبلةً تكفي شحنتها لتدمير معظم هذا المبنى.

توقيع
رجال العدالة الأربعة
ملحوظة: لم نضع في هذه القنبلة صاعق تفجير ولا صمام إشعال، ولذلك يمكن التعامل معها بأمان.

ما إن استُكمِلَت قراءة الرسالة حتى امتُقِعَت وجوه المستمعين.

كان ثَمَّةَ شيءٌ مقنع جدًّا في نبرة الرسالة، وبحركةٍ غريزية اتجهَت كل الأعين إلى المائدة القريبة من مدخل الغرفة.

كان يُوجد بالفعل شيءٌ ما، شيءٌ مربع أسود، وانكمش حشد رجال السلطة التشريعية متراجعًا. وقفوا للحظة مشدوهين، ثم انطلقوا في اندفاع محموم نحو الباب.

تساءل رئيس الوزراء بقلق: «هل كان مقلبًا؟» لكن الخبير الذي استُدعي على عجل من سكوتلاند يارد هَزَّ رأسه نفيًا.

قال بجديةٍ شديدة: «تمامًا كما وصفَتْها الرسالة، حتى فيما يتعلق بعدمِ وجود صمامات إشعال.»

«هل كانت حقًّا؟»

أجابه: «كافية لتدمير مبنى البرلمان، يا سيدي.»

مضى رئيس الوزراء إلى حجرته الخاصة وقلقٌ بالغ يكسو وجهه.

توقَّف مرةً لينظر بكآبة عبر النافذة التي كانت تُطل على فناءٍ مزدحم وحشد من السياسيين المتحمِّسين الذين يأتون بحركاتٍ بأيديهم والجميع يتكلم، كما كان واضحًا، في الوقت نفسه.

تمتَم محدثًا نفسه: «الأمر جِدُّ خطير، جِدُّ خطير.» ثم قال بصوتٍ مسموع: «لقد قلنا الكثير عن هذا الأمر ويمكننا أن نستمر في ذلك. أعطوا الصحف كلها سردًا لما جرى عصر اليوم وفقًا لما يعتبرونه ضروريًّا، وأعطوهم نص الرسالة.» ضغط زرًّا أمامه فدخل سكرتيره بهدوء.

«اكتب إلى حكمدار الشرطة وأخبره أن يعرض مكافأة ألف جنيه لمن يقبض على الرجل الذي ترك هذا الشيء وعفوًا شاملًا ومكافأة لأي متواطئ معه.»

انسحب السكرتير وبقي خبير سكوتلاند يارد.

«هل اكتشفتم كيف أُدْخِلَت القنبلة؟»

«لا، يا سيدي؛ لقد صرفنا أفراد الشرطة كلهم وأخضعناهم لاستجوابٍ منفصل. وهم لا يتذكرون أنهم رأوا أي شخصٍ غريب يدخل أو يغادر البرلمان.»

لوى رئيس الوزراء شفتَيه مفكرًا.

قال ببساطة: «شكرًا لك.» وانسحب الخبير مغادرًا.

على شُرفة البرلمان تقاسم نائب ألدجيت إيست والنائب الخطيب أدوار البطولة.

قال الأخير بطريقةٍ مؤثرة: «لا بد أنني كنتُ واقفًا قريبًا جدًّا منها، وأقسم بشرفي إن رعدة تسري في جسدي كله عندما أفكر في الأمر. أتذكُر، يا ميلين؟ كنت أتكلم عن واجب الوزير …»

قال نائب ألدجيت للنواب الشغوفين الذين كانوا يتحلَّقون حوله: «لقد سألتُ النادل عندما أحضر الرسالة: «أين وجدتها؟»

فقال: «على الأرض، يا سيدي.» ظننتُ أنها دعايةٌ دوائية؛ لم أكن سأفتحها، لولا أن شخصًا ما …»

قال السيد الجريء من بروندسبيري متفاخرًا: «كان ذلك هو أنا؛ تتذكر قولي لك …»

تابع نائب ألدجيت بلطف: «كنت أعرف أن أحدًا ما هو من قال ذلك. فتحتها وقرأت السطور القليلة الأولى، وقلت: «ليُبارك الرب روحي …»»

صحِّح نائب بروندسبيري له قوله: «لقد قلتَ: «لتحلَّ عليَّ اللعنة».»

أقرَّ نائب ألدجيت بصحة كلامه قائلًا: «حسنًا، أعرف أنه كان شيئًا قريبًا جدًّا من هذا المعنى. قرأت الرسالة، وستفهمون جيدًا ما أقوله، لم أستطع أن أستوعب مغزاها، إن جاز القول. حسنًا …»

شُغِلَت المقاعد الثلاثة المحجوزة في قاعة ستار الموسيقية بشارع أكسفورد، واحدًا تلو الآخر. في السابعة والنصف جاء مانفريد، مرتديًا ملابس مناسبة؛ وفي الثامنة جاء بويكارت، في ملابس سيد كهل ميسور إلى حد ما؛ وفي الثامنة والنصف جاء جونزاليس يسأل بلغةٍ إنجليزية متقنة عن البرنامج. وجلس بين الاثنَين الآخرَين.

عندما تعالى هتاف جمهور الطابق الأرضي والشرفة إعجابًا بأغنيةٍ وطنية، التفت مانفريد مبتسمًا إلى ليون، وقال:

«لقد طالعتُ الأمر في صحف المساء.»

أومأ ليون برأسه في هدوء.

وقال: «لم يكن في الأمر مشقَّة تقريبًا. عندما دخلتُ كان أحدهم يقول: «كنت أظن أن باسكو قد مات.» وكاد أحدهم أن يقترب مني ويبادلني الحديث.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤