كهنة معابد الفراعنة

(١) نفرر نبت

الكاهن الأكبر لمعبد الفرعون «تحتمس الأول» (راجع Petrie. Hist. III, p. 92).

(٢) بانحسي

كاهن تمثال «أمنحتب الأول» في الردهة الأمامية، قبره في جبانة «ذراع أبو النجا» (راجع G. W. Cat. No. 16)، ولدينا بعض مناظر طريفة في قبره منها؛ منظر ثيران تدرس القمح، ويرى المتوفى وهو جالس على كرسي يلاحظ العمل مرتديًا ثوبًا أبيض فضفاضًا، وقد وضع على رأسه الحليق ثوبًا مطويًّا ليحميه من حرارة الشمس (راجع Wresz. I, pl. 72) وكذلك يرى كاهن مطهر يحرث الأرض بزوج من الثيران قد برك على الأرض، واحد منهما يضربه شخص بعصا لينهض، وخلف الكاهن تسير زوجه ناثرة بذور القمح وراء المحراث من سلة تحملها، وقد غطت شعرها بقطعة نسيج بيضاء وقاية من التراب الذي يثيره المحراث، وحفظًا من حرارة الشمس، وأسفل هذا المنظر منظر آخر فيه رجال يقطعون أشجارًا (Wresz. I, Pl. 112.)، كما يشاهد «بانحسي»، وروحه الذي صور في هيئة طائر برأس إنسان يتسلمان الشراب والطعام من الإلهة «نوت» (الإلهة التي تسكن الجميزة وقد خرجت من الشجرة)، وخلفهما تل يمثل الجبانة، وقد هشم، ولم يبقَ من رسومه إلا لوحتان على اليمين وعلى اليسار، ونفهم من الرسوم الباقية أن البقرة «حتحور» كانت ممثلة خارجة من التل، ولكن لم يبقَ من رسمها إلا جزء من الريشتين اللتين كانتا على رأسها، وتحت هذا المنظر يرى مدخل معبد الإله «آمون رع»، وعلى جانبيه البرجان، وفي الجهة اليسرى نصبت موائد قربان عليها الخبز والطيور، وبينها وضعت الأزهار، وفوق ذلك كتب اسم المتوفى وألقابه (راجع Wresz. I, pl. 113).

(٣) خنسو

الكاهن الأول للفرعون «من خبررع» (تحتمس الثالث)، وقبره في جبانة «شيخ عبد القرنة» رقم ٣١ (راجع G. W. Cat No. 31)، ونقوش هذا القبر لها أهمية عظيمة، وبخاصة سلسلة النسب التي دونها على جدرانه، ومنها نعلم أن ابنه «وسرمنت» كان يشغل منصب الوزارة على ما يظهر في عهد «مرنبتاح» بن «رعمسيس الثاني»، وتدل النقوش على أن «خنسو» هذا قد تزوج من خمس سيدات، وترك وراءه منهن أسرة عظيمة العدد، وكانوا يشغلون وظائف عالية في المعابد، وفي أعمال الحكومة، وقد صور لنا في قبره استقبال تمثال سيده «تحتمس الثالث» في معبده الجنازي (راجع Wresz. I. pl. 129).
وتدل شواهد الأحوال على أن هذا القبر كان في الأصل لموظف آخر يحمل لقب المشرف على الماشية في عهد «تحتمس الرابع»، ولكن اغتصبه فيما بعد «خنسو» هذا الذي نحن بصدده بوضع طبقة من الجص على النقوش الأصلية، وكانت هذه عادة شائعة في ذلك الوقت شاهدناها في بعض المقابر، وبخاصة مقبرة «تحوتي محب» الذي سنتكلم عنه فيما بعد — ولا غرابة في ذلك فالناس على دين ملوكهم، وقد ترك لنا «خنسو» في قبره المغتصب قائمة بأسماء أزواجه وأولاده (راجع Schiaparelli Funeralli II, 292-3; Weil Die. Viziere p. 103). وهاك أسماء أزواجه وما تناسل منهن:
  • (١)
    «ريا»: زوجه، وقد رُزقت منه ما يأتي:
    • وسر منتو: الكاهن المطهر، والمرتل للإله «منتو».
    • وسر منتو: الكاهن الأول للإله «سبك».
    • تاي: الكاهن الأول للفرعون «تحتمس الأول».
    • إوي: الكاهن الأول للفرعون «تحتمس الأول».
    • منتوحتب: الكاهن المرتل للفرعون «أمنحتب الثاني».
    • وسر منتو: رئيس إصطبل بيت رب الأرضين.
    أما بناته فهن:
    • وياي: مغنية «آمون».
    • ويا: مغنية الإله «منتو».
    • تاوسرت: مغنية الإله «آمون».
  • (٢)
    «تاوسرت»: زوجته الثانية، وتحمل لقب مغنية «منتو»، وأولادها هم:
    • خنسو: الكاهن الأول للإله «منتو» سيد زرتي (الآلهة).
    • تنتي أبونت: ابنتها، وتلقب مغنية «منتو».
  • (٣)
    «معي»: زوجه الثالثة مغنية «آمون»، وقد رزق منها «خعمواست» الكاهن الثاني للفرعون «تحتمس الثالث».
  • (٤)
    «معيا»: زوجه الرابعة، وتحمل لقب مغنية «آمون»، وقد رزقت «وسر منتو» الأمير الوراثي، وحاكم المدينة، والوزير، وقد تقلد كرسي الوزارة في عهد الفرعون «مرنبتاح».

    «حوي»: كاهن «منتو» رب «أرمنت».

    «إي»: بنتها، وتلقب مغنية «آمون».

  • (٥)
    أما والدة «خنسو»: صاحب المقبرة فتُدعى «تاوسرت» مغنية «منتو» رب «أرمنت».

    أما اسم والده فلم يُعرف بعد.

    هذا ونستخلص من سلسلة نسب أفراد هذه الأسرة، ووظائفهم أن عبادة الإله «منتو» كانت منتشرة مزدهرة في هذا العصر، وبخاصة في «أرمنت»، كما نستخلص أن ملوك الأسرة التاسعة عشرة كانوا محافظين على استمرار قيام الشعائر الدينية في معابد ملوك الأسرة الثامنة عشرة، وأن الذين كانوا يقومون بأدائها أسر خاصة، كما لاحظنا ذلك من قبل، اللهم إلا شواذ قليلة.

(٤) بكتا

مغنية الفرعون «تحتمس الثالث» (راجع Lieb. Dic. Noms. No. 2052).

(٥) «تحوتي محب»١

المشرف على مصانع الملابس.

يقع قبر هذا الموظف في جبانة «شيخ عبد القرنة» رقم ٤٥، والواقع أنه قبر مغتصب من موظف آخر يُدعى «تحوتي» عاش في عهد الفرعون «أمنحتب الثاني» (راجع مصر القديمة جزء ٤).

ويعد هذا القبر من أهم الوثائق التصويرية التي في متناولنا للموازنة بين العهد الأول من الأسرة الثامنة عشرة، وبين عهد الرعامسة الأول من حيث العادات والأخلاق، والزي، والدين؛ إذ توجد على جدران هذا القبر صور بعض الفتيات الرشيقات اللائي مثلن قائمات بالخدمة في وليمة، وقد دل الفحص الدقيق على أن أجسامهن كانت في الأصل عارية، ثم كُسيت فيما بعد. وتدل شواهد الأحوال على ذلك مما تبقى من آثار الصور الأصلية قبل كسائها، وقد يظن الإنسان لأول وهلة أن هذا العمل قد قام به سكان هذه المقابر في العهد المسيحي عندما كان رجال الدين يتخذون هذه المقابر مأوى لهم، ويضعون طبقة من الملاط على الصور التي كانت تُعد خارجة عن حدود الوقار والحشمة، ولكن الواقع أننا لم نكن لنهتم بهذه التغييرات الجديدة لولا وجود سلسلة كبيرة منها دل الفحص على أنها قد عملت قديمًا عن قصد في عهد آخر من عهود التاريخ المصري القديم، وهو عهد «رعمسيس الثاني».

حقًّا وجدنا في عهد الدولة الحديثة فتيات صورن بملابس محبوكة تُجَسِّم تفاصيل الجسم، كما وجدنا صور فتيات عاريات في مناظر القبور؛ ولذلك يتساءل المرء: هل كان يوجد أناس في العهد المصري القديم يستحيون من رؤية هذه الأجسام العارية؟ وهل المنظر الذي أمامنا في هذا القبر يدل فعلًا على تقى القوم، وورعهم على الأقل في العهد الذي سترت فيه هذه الأجسام بطبقة من الألوان جعلتها تظهر مرتدية بملابس تدل على الحشمة والوقار؟ ولا نزاع في أنه لدينا أمثلة مشابهة للمنظر الذي أمامنا في غير هذا القبر، فعلًا تدل على الخلاعة التي كان يبرزها المثَّال في صوره، وهي التي كانت قد انعكست ظلالها على فكره وعقله من جراء الفتوح السورية، وما جرت على الفاتحين من أنواع الانهماك في التهتك والخلاعة، وقد قلدت ذلك فيما بعد الأسرة المالكة، فنجد أفرادها يمثلون الشعب في مظاهره وخلاعته في عهد «إخناتون». وقد استمر المثالون بضع عشرات السنين يقومون بتصوير مثل هذه الصور بما فيها من فن وإبداع، وإغراق في أنواع الخلاعة والبذخ، ولكن نجد من جهة أخرى أنه منذ عهد «أمنحتب الثالث» أخذ القوم ينحرفون بعض الشيء عن تمثيل مثل هذه الصور في ولائمهم التي كانوا يصورونها على جدران مقابرهم، وقد يكون السبب في ذلك هو الميل إلى التقى إلى أن جاء عهد «إخناتون»، وهز أركان الحياة الاجتماعية والسياسية من أساسها، وأخذ يُدخل على الفن تعاليم جديدة كلها تهدف إلى محاكاة الطبيعة في كل مظاهرها؛ ولذلك وجدنا روحًا جديدًا ظهر في نقوش المقابر وتصاويرها. وبعد انقضاء عهد هذا الفرعون نجد انقلابًا عظيمًا في مناظر المقابر يميل بكليته إلى إظهار التدين والورع في جملته، ولم نجد إلا أمثلة قليلة فريدة من المناظر التي تمثل إقامة الحفلات التي تظهر فيها الفتيات والمغنيات، والراقصات عاريات (راجع Vandier D’Abadie Rev. D’Egypte 3 p. 27 ff & 31 pl. 4. Comp. Brunner. Traut Der Tanz in Alten Aegypten Aegyptologische Forschungen, Scharff. Heft 6. p. 47 note 1, p 82).

ومن ذلك الحين أصبحت تقدم عليها الموضوعات الأخرى التي نجد صورها في «كتاب الموتى»، وعلى جدران المعابد، ومقابر الملوك التي تدل على التدين والوقار، والآن يتساءل الإنسان؛ هل معنى ذلك أن اشتداد الروح الديني والتقى إلى حد بعيد وصل إلى قلب الصور القديمة التي من عهد «أمنحتب الثاني» إلى صور توافق عهد «رعمسيس الثاني»، ومثله في التدين؟ وسنحاول أن نُجيب على هذا السؤال من المناظر التي أمامنا في هذا القبر التي ترجع إلى عهدين مختلفين؛ لكل طرازه وتقاليده الخاصة، فهذا القبر — كما قلنا — يشمل مناظر مثلت على جدرانه لشخصين استولى الواحد منهما بعد الآخر عليه، ونسبه لنفسه، فصاحب القبر الأصلي كان يعمل كاتبًا في عهد «أمنحتب الثاني»؛ أي في العصر الذي كانت الإمبراطورية المصرية قد بلغت منتهى عزها وسلطانها، ويُدعى «تحوتي»، وكان — فضلًا عن ذلك — يعمل في معبد «آمون» في وظيفة رئيسية؛ إذ كان مدير بيت الكاهن الأول ﻟ «آمون» المسمى «مري»، وقد تحدثنا عنه من قبل (راجع الجزء الرابع). ويشمل قبر «تحوتي» هذا على حجرتين صغيرتين لم ينقش فيهما إلا جزءان صغيران من القاعة الأولى، وهما النصفان الشماليان من طول الجدار، ويحتويان على صور لهذا الموظف، وقد رسمت معه والدته محبوبته مرة واحدة، وكانت تُدعى كذلك «تحوتي»، ولا نعلم إذا كانت زوجه قد رُسمت معه في المناظر الأخرى التي عملها له ابنه أم لا؛ لأن مغتصب القبر كان قد غيَّرها كلها تقريبًا إلى صور أخرى تتمشى مع مقاصده، ومع روح العصر الذي عاش فيه، هذا ونشاهد منظر الوليمة الذي كان تنتسب إليه في الأصل امرأتان يحتمل أنهما بنتاه، وقد مثلتا واقفتين أمامه.

أما الموظف الآخر الذي استولى على المقبرة اغتصابًا فكان يُدعى «تحوتي محب» (أي تحوت في عيد)، وقد كان كذلك في خدمة معبد «آمون» إذ كان يشغل فيه وظيفة المشرف على صُناع الملابس، ونجد عددًا كبيرًا من أبنائه وبناته وأحفاده قد مثلوا على جدران المقبرة، كما كتبت كذلك أسماؤهم وأسماء الضيفان الذين معهم في منظر الوليمة القديمة الذي كان قد نقشه صاحب المقبرة الأول. وتدل كل النقوش والصور على أن إتمام صور القبر والتغييرات التي أحدثت فيه قد عملت في عهد «رعمسيس الثاني» (راجع G. W. Cat, p. 21) الذي كان نفسه صاحب شهرة عظيمة في إصلاح معابد الآلهة، وآثار أجداده، كما كان ذات صيت عظيم في اغتصاب آثار أسلافه، ونسبتها إلى نفسه.

وتبلغ المدة التي انقضت بين البداية في إقامة هذه المقبرة والانتهاء من زخرفتها حوالي مائتي سنة، وهذه الفترة تحفظ لنا في ثناياها أحداثًا جسامًا من الأهمية بمكان في تاريخ البشرية؛ إذ في خلالها قام «إخناتون» بإصلاحه الديني المشهور الذي زلزل أركان الحياة الاجتماعية والدينية والسياسية في مصر وخارجها، وهذا العهد بتأثيره في الحياة القومية يشبه عهد الهكسوس واحتلالهم لمصر.

والواقع أننا نشاهد في الصور التي بقيت لنا على جدران هذه المقبرة متجاورة اختلافًا بيِّنًا عند فحصها في الزي والعادات، فالصور القديمة منها تمثل الحياة في النصف الأول من الأسرة الثامنة عشرة، كما تمثل الحياة الحديثة في مجد الأسرة التاسعة عشرة — عهد «أمنحتب الثاني». ثم في عهد «رعمسيس الثاني»، وبين هذين العهدين يقع عهد «إخناتون» الذي جاء في ختام الأسرة الثامنة عشرة. ويلفت النظر أن صور العصر الأول تدل على الخلاعة والمجون في الحياة الاجتماعية، كما تدل الصور الأخرى على حياة التقى والتدين؛ ولا غرابة في ذلك لأن المفتن كان يسير بوحي من عصره في تمثيل صوره.

ففي الجزء الذي أتمه «تحوتي» صاحب المقبرة الأول، وهو الجزء الشمالي والجزء الجنوبي من جدار الحجرة الأولى نكشف عن تغيير في صوره إلى أخرى غيرها تدل على التعبد والتقى؛ إذ نرى فيها صاحب المقبرة وزوجه راكعين أمام الإله «أنوب» متعبدين، كما نشاهد أنه بدلًا من عمل صورتين جديدتين لعيد الجبانة قد صور على الجدار الشمالي منظر للصيد في البر والبحر، على ما يظهر، وعلى الجدار الضيق المقابل للأخير (الجدار الغربي) نجد صورة لوحة جنازية عليها صورة الإله «آمون رع حور اختي» برأس صقر، وهي التي لم نجد مثيلتها قبل عهد الملك «آي» في المقابر. وفوق هذا المنظر رسم مثالو عهد الرعامسة صورًا جديدة منها نرى الفرق البيِّن بين طراز العهدين، هذا فضلًا عن أنه قد شغل كل الأماكن الخالية على سطح الجدران بصور جديدة.

ولم يترك مثالو عصر الرعامسة صورًا من عهد «أمنحتب الثاني» دون تغيير فيها إلا صورة واحدة. أما الصور التي تناولها التغيير فقد جعلها تعطينا معنى آخر جديدًا مخالفًا لما وضعت له في الأصل في عهد «تحوتي» صاحبها الأول، والصورة الوحيدة التي تركها لنا دون تغيير تقع في الجزء الشمالي من الجدار الغربي (راجع Taf. XII)، (انظر الصورة (١))، وتمثل صاحب المقبرة جالسًا مع والدته على المائدة، وكانا يرتديان ملابس العيد على حسب زي عصرهما، فقد ظهرت الأم في ثوب طويل ضيق محبوك، يفسر تفاصيل الجسم، وله حماله يبدو منها أحد ثدييها. أما ابنها «تحوتي» فكان يلبس قميصًا قصيرًا، وفوقه ثوب آخر وضع طرفه على كتفه.
ومن جهة أخرى نشاهد في منظر إحراق القربان (Pi. XII, a.) (انظر الصورة (٤))، وفي نفس الصورة سيدة ترتدي ثوبًا لا يمكن أن يكون من طراز عهد «أمنحتب الثاني»؛ إذ كان ثوبًا واسعًا فضفاضًا عريضًا من أسفله، أسدل على كل جسمها فشمله من الكعب حتى النحر، وقد شدت على صدرها شريطًا عريضًا ينتهي بهدابات منمقة الأطراف قد أرخي على كلا الجانبين، غير أن كل تفاصيل الجسم — وبخاصة الرأس والشعر واليدين — تدل على أن المثَّال الذي أخرجه من عصر الأسرة الثامنة عشرة، في حين أن الملابس كانت من طراز آخر يُنسب إلى الأسرة التاسعة عشرة، وإذا أنعم الإنسان النظر في هيكل هذه الصورة وجد أنه لا فرق بينها وبين صورة والدة «تحوتي» التي تركت بدون تغيير فيها، والواقع أن هذا الثوب الواسع الفضفاض الذي ترتديه قد ألبسها إياه مفتن عصر الرعامسة عندما أراد تغيير الصورة؛ لأنه كان من طراز ملابس السيدات في هذا العصر، وعلى هذا النحو غير مفتن عصر الرعامسة ملابس صورتين أخريين (راجع Ibid pl. XI, b, & d,) انظر الصورة (٢).
وهذا الثوب العريض الطويل يمكن قرنه بالثوب الذي كانت تلبسه زوج «تحوتي محب» التي مثلت جالسة؛ لأنه يشبهه في كثير من التفاصيل (راجع Ibid pl. XI, c. b.). يضاف إلى ذلك أن قميص صاحب المقبرة الأول وثوبه قد غُيرا، وليس في هذا ما يدهش؛ لأن ملابس الرجال في ذلك العهد كانت قد غُيرت بعض الشيء أيضًا. فإذا وازنا بين الثوب الذي كان يرتديه «تحوتي»، والثوب الذي كان يرتديه «تحوتي محب» وجدنا أن ثوب الأخير كان يظهر فيه بعض الانحناء والاتساع من عند الركبة، ولم يقتصر هذا التغيير على صور الأشخاص البارزين، بل نجده ظاهرًا كذلك في جلباب ابن صاحب المقبرة (pl. XI. b.) المرسوم على الجدار الشرقي، كما نجد تغييرًا في الأزهار التي كان يقدمها لوالده (راجع pl. Xi b, XII b.). (انظر الصورة (٢))، فنلحظ أن هناك تغييرًا في كلتا الحالتين عن الملابس الأصلية التي نشاهدها في مناظر «تحوتي» الأصلية، فثوب الخادم قد زيد في طوله، وأصبح ينتهي بانحناء بعد أن كان يُرسم أفقيًّا. أما ملابس السيدات اللاتي كن يجلسن على الحصير في الوليمة (راجع Wresz I pl. 169) (انظر صورة ٣ الوليمة)، فقد وجد المثَّال على ما يظهر مشقة في تغيير صورهنَّ؛ لأن المنظر لم يكن من المناظر المألوفة في عصره؛ ولذلك كان التغيير الذي قام به طفيفًا؛ إذ اقتصر على الزيادة في طول الثوب حتى النحر، وبذلك غطى الثدي الذي لم تستره الحمالة في ثوب زي الأسرة الثامنة عشرة، أما الفتيات اللائي كن يقمن على خدمة هؤلاء السيدات فقد ألبس المثال كلًّا منهن جلبابًا ستر به كل الجسم الذي كان في الأصل عاريًا، وهذا التغيير في صور القبر يعد أهم شيء يسترعي النظر، ويتطلب إيضاحًا شافيًا.
fig35
شكل ١: «تحوتي» ووالدته.
fig36
شكل ٢: «تحوتي محب» وزوجه (؟).
أما مواد الوليمة التي كُدست على الموائد، وقوارير العطور، والأباريق التي كانت موضوعة على قواعد؛ فقد بقيت على حالها دون تغيير، هذا على الرغم من أنها كانت قد تغيرت في عهد العمارنة من حيث الشكل والاختيار. وكذلك نلحظ أن كرسي الجلوس الخاص بصاحب المقبرة وزوجه في عهد «أمنحتب» قد غُير بإضافة رِجل للكرسي الأصلي حتى أصبح يظهر في الصورة وكأنه كرسيان يجلس على واحد منهما الرجل، وعلى الآخر زوجته؛ وذلك تمشيًا مع تقاليد عهد الرعامسة. وهذا فضلًا عن أن طاقة الأزهار التي كانت في يد صاحب المقبرة قد غيرت صورتها لتتفق مع طراز عصر الرعامسة أيضًا؛ إذ قد أبدلت من برعومة بشنين إلى طاقة مفتحة، وأهم تغيير ظهر في الجزء الشمالي من الجدار الغربي (pl. XII, c.) هو أن المثَّال قد غير معظم المنظر فقلبه إلى صورة أخرى لا تمت للأصل بصِلة؛ إذ نرى الآن مغنيتين (انظر الصورة (٥)) قد رجلتا شعورهما بصورة غريبة، وهاتان المغنيتان الأولى «باكنخنسو» زوج «تحوتي محب» التي كانت تلقب مغنية «آمون رع» ملك الآلهة، وزوجه «موت»، وابنه «خنسو»، والأخرى ابنته، وقد كانتا تقدمان في المنظر الصاجات، و«عقد منات» السحري لإلهة جالسة أمامها على عرشها. ويلاحظ أن «عقد منات» ينتهي برأس يمثل صورة الإلهة «موت» متوجة، وكُتب فوق المنظر: «موت» سيدة السماء، و«سخمت» محبوبة «بتاح»، و«باستت» عين «رع»، ومعنى ذلك: أن هاتين السيدتين كانتا تقومان بالغناء والرقص لكل هؤلاء الإلهات في وقت واحد.
fig37
شكل ٣: منظر الوليمة التي في مقبرة «تحوتي».
ويدل ما لدينا من معلومات تاريخية على أن وجود مثل هذه الصورة في المقابر التي من عهد النصف الأول من الأسرة الثامنة عشرة كان معدومًا؛ إذ لم يكن من المألوف وجود صور آلهة الكرنك في المقابر قبل عهد العمارنة. حقًّا كان يتضرع الناس بالأدعية للإله «آمون»، ولإلهة الجبانة «حتحور» وحسب، غير أننا لم نجد تضرعات للإلهة «موت» إلا نادرًا (راجع A. Z. 75. p. 104. Note 1). وهكذا غيرت الصورة الأولى إلى أخرى تمثل الاحتفال بإقامة شعيرة من الشعائر التي كانت تُعقد في المعبد، وهذا هو السبب في وجود صورة المغنيتين والإلهة، وهذا النوع من المناظر كان شائعًا في المقابر بعد عهد «إخناتون»، أو على الأقل كان قد بدأ يظهر بعد ختام هذا العهد. ويدل ما تبقى من الصورة القديمة على وجود آثار يستطيع الإنسان بها معرفة أصل هذه الصورة، فيشاهد بين صورة الإلهة والسيدتين مائدة وضع عند قاعدتها أباريق خمر، وسيقان خس؛ وكذلك يلحظ أن مفتن عهد الرعامسة قد أبرز صورة طاقة البشنين مفتحة أكمامها — لتتمشى مع تقاليد العصر — على المائدة، وطلى الأوزة التي عليها بطلاء جديد، ولا بد أن هذه المائدة كانت في الأصل موضوعة أمام صاحب المقبرة «تحوتي»، وزوجه أو والدته، وهما اللذان قد احتلت مكانهما الإلهة في المنظر الجديد، يدل على ذلك وجود جزء من قدميه الظاهرتين في الرسم تحت الصولجان الذي تمسك به الإلهة في يدها، كما تظهر أمامنا كذلك نهاية الحصيرة الخضراء التي كان عليها كرسيه. ولا نزاع في أن الوليمة التي كان يحتفل بها في الجهة الأخرى من هذه الصورة خاصة بصاحب القبر؛ حيث نشاهد فتاتين تقدمان كأسين من الشراب، وأكاليل من الأزهار. وما بقي من المتن والنقوش التي على المنظر يدل على أن المحتفَل بهم كانوا «يمضون يومًا جميلًا»، ويتلخص المنظر فيما يأتي: يُرى أمام صاحب المقبرة أهله يتمتعون بوليمة أقيمت لهم كما كانت العادة في عهد الأسرة الثامنة عشرة (راجع مصر القديمة الجزء الرابع). وقد نظم المنظر هنا في ثلاثة صفوف: الصف الأعلى وما يليه للنساء خاصة، والأخير للرجال المدعوين، وقد صُفت أمام المحتفل بهم أواني الشراب؛ فنشاهد في الصف الأول أباريق الشراب التي حليت بأوراق العنب، وغيرها موضوعة على قواعد خاصة في هيئة حلقات من القش أو من الخشب، وفي أسفل هذا على اليسار نشاهد إناء من حجر أو معدن (؟) قاتم اللون بشريط حلزوني، وبجانب ذلك قارورة من المرمر فيها عطور. (انظر صورة ٣ الوليمة في مقبرة «تحوتي»).

وفي الصف الأعلى من اليمين نشاهد سيدة تتقبل عطورًا من قارورة صغيرة تقدمها لها فتاة، وفي الصف الثاني من اليسار نرى فتاة تقدم طبقًا غريبًا كانت تملؤه من زجاجتين في يدها الأخرى لإحدى السيدات، وكانت السيدة التي بجانبها تعطرها فتاة أخرى، وتحمل لها أمة نوبية باحتراس الإناء الأسود المنقط بالأبيض الذي كان يحتوي العطور، أما السيدة الجالسة في الطرف فكانت تحلي نحرها بأكاليل من الأزهار جارية سوداء تلبس في أذنيها قرطًا كبيرًا، ويشاهد خلفها جارية أخرى تحمل هذا الإكليل.

أما في الصف الأسفل فنشاهد طائفة من الرجال يتمتعون بشم الرياحين، وأمام الأخير منهم على اليمين إبريق جعة وضع على حمالة.

ويلحظ هنا أن الفتيات اللائي كن يقمن على خدمة المدعوات يظهر عليهن أنهن من الأجنبيات، كما يدل على ذلك بشرة جلودهن السوداء، أو المائلة للشقرة. ونعلم من الصورة والنقوش التي فيها أن «تحوتي محب» قد دعا إلى الوليمة أربعة رجال وتسع سيدات، وهم بلا شك أولاده وأحفاده، وقد يجهل الإنسان الدور الذي كانت تلعبه الفتيات لأول وهلة، ولكن نلحظ أن إحداهن — وهي الرابعة في الصف الثاني — كانت حفيدة «باكنخنسو» زوج صاحب المقبرة، وتدل شواهد الأحوال على أن المثَّال قد أخطأ في وضع لون الفتاة التي تليها؛ وذلك أن مثَّال عهد الرعامسة قد صبغ أجسام الفتيات الجميلات على وجه عام بلون أبيض فوق اللون الأزرق الذي كان هو اللون الأصلي؛ ولذلك لم يكن في استطاعته التخلص منه.

fig38
شكل ٤: زوج «تحوتي محب».
fig39
شكل ٥: صورة زوج «تحوتي محب» وابنته أمام الإلهة «موت».
والآن يتساءل المرء: هل نحن أمام حالة استحياء وحشمة؟ وهل يفهم الإنسان من ستر أجسام الفتيات اللائي كن يحتفلن بالسيدات المدعوات أن المثَّال قد قصد أن يجعل هذا المنظر محتملًا، ولا تزوَر عنه العين استحياء ليتمشى مع ما كان عليه القوم وقتئذ من تقى وتدين؟ وقد أجاب الأثري «ديفيز» عن هذا السؤال عند التحدث عن راقصة مقبرة «نخت» بقوله: إن من حقنا أن ننكر أن هذه الصورة تدل على مظهرها الحقيقي، بل يجب أن نعدها مثلًا من أمثال الحرية في الرسم لا عادة اجتماعية، وأن الفتاة كانت في الأصل تلبس رداء.٢ ولكن من جهة أخرى نعلم أن تملك جسم أبدع خلقة كان من الأشياء المرغوب فيها، وبخاصة من الإماء والراقصات؛ ولذلك يحتمل أن المفتن كان من وقت لآخر يخلع عنهن ملابسهن لأسباب فنية، ونحن من جانبنا نعلم أن المفتن كانت لا تعوقه الملابس عن إظهار تفاصيل جسم السيدات.
ولذلك فإن ما نشاهده في الصورة التي في قبر «تحوتي» من تغير في الرسم الأصلي ليس في الواقع إلا احتجاجًا على عمل فني أكثر منه غلطًا في توخي الحشمة؛ لأن لدينا من العصر الذي بعد عهد العمارنة مقابر قد صُورت فيها الأطفال والفتيات٣ عاريات (راجع Bruyere Fouilles (1930) Tome. VIII, pl. 17, p. 57).

ولكن مع ذلك نجد أن المثَّال في عهد الرعامسة كان يستر الجسم بملابس واسعة لا يظهر منها ثدي المرأة، ولم تكن محبوكة حتى تكشف عن طيات البطن، وعلى ذلك لا يمكن أن نفسر هنا ستر أجسام هؤلاء الفتيات بأنه نوع من الحشمة والاستحياء، بل الواقع أنه كان تغييرًا في كل الملابس القديمة جملة، كما يدل على ذلك تغيير ملابس الرأس، وزينته، وقد شمل ذلك الفتيات والسيدات جميعًا.

ومع ذلك إذا حكمنا على هذا التغير في الملبس بأنه يدل على استحياء، فإن ذلك ممكن إذا نظرنا إليه من ناحية أخرى، فمنذ عهد العمارنة نلحظ أن «التمتع بيوم جميل في بيت الأبدية» قد اختفت الصور الدالة عليه في المقابر جملة، أما ما نجده من إقامة حفلات في مناظر المقابر فكان قاصرًا على أفراد الأسرة، ولم يبقَ لدينا من آلات الطرب والغناء مصورًا على جدران المقابر إلا الضارب على العود الذي كان ينشد الأغاني بصوت عالٍ (راجع J. Vandier, Rev. D’Arch. III, p. 27 ff, p. 31 pl. 4) — ولم يشذ عن ذلك إلا حالات فردية، ولم يكن يحتفل في أغانيه لا بآلهة السكر، ولا بالإله «آمون»، بل كانت نغماته على الرغم مما فيها من الحث على التمتع بملاذ الحياة تمثل لنا نغمة التشكك التي كنا نسمعها في عصر الانقلاب الاجتماعي الذي تلا سقوط الدولة القديمة، وهو العصر الذي يمكن أن نقرنه بعصر العمارنة الذي كان يعد عهد زيغ في نظر المصري وقتئذ، وعلى ذلك نجد أن المرح والترف في عهد الرعامسة الأول كان له حدود معينة، وهذا هو السبب الذي من أجله نجد أن أناشيد الضارب على العود، وعويل المرأة المحزونة لم تعد الآن مقصورة على الدفن، بل اتخذت لها مكانة في ولائم القبور، وكان شعارها التدين، وإظهار الحزن، ومن ذلك نستنبط أن كل مناظر الوليمة المرحة لا تمت لعصر الرعامسة بصلة، ولا يمكن نسبتها له، وأن ما كان يجرى فيه يخدش الآذان، وتزور عنه الأعين، ولم نعرف لها نظيرًا في مقابر هذا العصر بوصفها أعيادًا، كما أنه لم يكن منها الولائم التي كانت تقام في داخل البيوت، ولا يمكن إذن إلا أن نعدها عيدًا لإقامة شعائر آلهة من التي كانت تقام في مصر القديمة حتى أواخر عهودها، ويظهر فيها القوم ورعهم وتقاهم، وعلى هذا الزعم قَلَب مفتن عصر الرعامسة الصورة الأصلية الدالة على إقامة وليمة بذخ وخلاعة إلى صورة تقى وعبادة. ومن التغيرات المختلفة يظهر أن هذا العيد كان للإلهة «موت» التي نصب تمثالها في معبدها، واحتفل به في داخل المعبد لا في القبر، ومن هنا يمكن الإنسان أن يحكم على أن السيدات اللائي اشتركن في إقامة هذا العيد الإلهي كن يقمن بوظائف مغنيات في الاحتفال بإقامة الشعائر، وأن الفتيات اللائي كن يمرحن في داخل بيوتهن عاريات الأجسام قد سترن أجسامهن بمناسبة هذا الحفل.

ولا نزاع في أن مناظر هذا القبر التي شرحناها فيما سبق تضع أمامنا صورة واضحة عن بعض نواحي الحياة الدينية والاجتماعية في عصرين مختلفين لم يكن ليتسنى لنا معرفتها بدون ذلك التغيير الذي أحدثه المفتن في نقوش هذا القبر ومناظره، وهكذا تتفتح أمامنا السبل للوقوف على عادات القوم وتقاليدهم من أمثال صور هذا القبر الذي حفظته لنا الصدف من حد معاول الهدم والتخريب الشائعة في جبانة «طيبة» حتى يومنا هذا.

١  راجع: A. Z. 75. P. 100 ff..
٢  راجع: N. De. G. Davies. The Tomb of Nacht at Thebes p. 58. Note. 1.
٣  ونذكر هنا أن الجسم العاري في حفلات الرقص كان يشاهَد عند المصريين منذ الأسرة الخامسة كما يُرى في مقبرة «كادوا» (راجع Excavations et Giza Vol VI, Part III. P. 84, fig 71. pl. XLIX).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤