الفصل الحادي عشر

حَيْرَةُ الْأَرْنَبِ بيتر وَفَأْرِ الْمِسْكِ جيري

أَخَذَ فَأْرُ الْمِسْكِ جيري يَزْدَادُ ثِقَةً مِنْ أَنَّ ابْنَ عَمِّهِ الضَّخْمَ، الْقُنْدُسَ بادي، لَا يَعْلَمُ مَا قَدْ يَعْلَمُهُ جيري عَنْ بِنَاءِ الْبُيُوتِ. وَدَّ جيري أَنْ يُقَدِّمَ إِلَيْهِ بَعْضَ الِاقْتِرَاحَاتِ لَكِنَّهُ لَمْ يَجْرُؤْ؛ فَقَدْ كَانَ شَدِيدَ الْقَلَقِ مِنْ أَنْ يُضَايِقَ ابْنَ عَمِّهِ الضَّخْمَ. وَلَكِنَّهُ شَعَرَ أَنَّهُ بِحَاجَةٍ إِلَى الْبَوْحِ بِرَأْيِهِ لِأَحَدٍ؛ لِذَا سَبَحَ إِلَى حَيْثُ كَانَ يَرَى الْأَرْنَبَ بيتر كُلَّ لَيْلَةٍ تَقْرِيبًا مُنْذُ بَدَأَ بادي عَمَلِيَّةَ الْبِنَاءِ. وَبِالْفِعْلِ كَانَ الْأَرْنَبُ بيتر هُنَاكَ، مُنْتَصِبًا فِي جِلْسَتِهِ وَمُحَدِّقًا بِعَيْنَيْنِ كَبِيرَتَيْنِ مُسْتَدِيرَتَيْنِ فِي مِنَصَّةِ الطِّينِ وَالْعِصِيِّ الْقَائِمَةِ فِي الْمَاءِ حَيْثُ كَانَ الْقُنْدُسُ بادي يَعْمَلُ.

فَسَأَلَهُ جيري: «حَسَنًا يَا بيتر، مَا رَأْيُكَ؟»

فَسَأَلَهُ الْأَرْنَبُ بيتر بِبَرَاءَةٍ: «وَمَا هَذَا؟ هَلْ هُوَ سَدٌّ جَدِيدٌ؟»

فَأَلْقَى جيري رَأْسَهُ إِلَى الْوَرَاءِ وَرَاحَ يَضْحَكُ وَيَضْحَكُ.

فَنَظَرَ إِلَيْهِ بيتر بِرِيبَةٍ وَقَالَ: «لَا أَرَى سَبَبًا لِلضَّحِكِ.»

فَأَجَابَهُ جيري مَاسِحًا دُمُوعَ الضَّحِكِ مِنْ عَيْنَيْهِ: «عَجَبًا! ذَلِكَ بَيْتٌ أَيُّهَا الْأَحْمَقُ. إِنَّهُ بَيْتُ بادي الْجَدِيدُ.»

فَرَدَّ عَلَيْهِ بيتر بِسُرْعَةٍ: «لَسْتُ بِأَحْمَقَ! كَيْفَ كَانَ لِي أَنْ أَعْرِفَ أَنَّ كَوْمَةَ الطِّينِ وَالْعِصِيِّ تِلْكَ الْغَرْضُ مِنْهَا بِنَاءُ بَيْتٍ؟! فَالْأَكِيدُ أَنَّهُ لَا يَبْدُو بَيْتًا. فَأَيْنَ بَابُهُ؟!»

فَأَجَابَهُ جيري قَائِلًا: «أَصْدُقُكَ الْقَوْلَ؛ إِنِّي عَنْ نَفْسِي لَا أَظُنُّهُ يَرْقَى إِلَى مُسْتَوَى الْبَيْتِ. إِنَّ لَهُ بَابًا، بَلْ ثَلَاثَةَ أَبْوَابٍ، وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُكَ رُؤْيَتُهَا؛ لِأَنَّهَا تَحْتَ سَطْحِ الْمَاءِ، وَكُلٌّ مِنْهَا يَمْتَدُّ مِنْهُ مَمَرٌّ إِلَى أَعْلَى يَخْتَرِقُ مِنَصَّةَ الطِّينِ وَالْعِصِيِّ ذَاتَهَا، الَّتِي تُمَثِّلُ قَاعِدَةَ الْبَيْتِ. إِنَّهَا قَاعِدَةٌ مَتِينَةٌ حَقًّا يَا بيتر. وَلَكِنِّي لَا أَفْهَمُ مَا يَقْصِدُ بادي بِبِنَائِهِ تِلْكَ الْكَوْمَةَ الْكَبِيرَةَ مِنَ الطِّينِ فِي مُنْتَصَفِ الْمِنَصَّةِ تَمَامًا. فَعِنْدَمَا يَفْرَغُ مِنْ بِنَاءِ الْجُدْرَانِ، أَيْنَ سَتَكُونُ حُجْرَةُ نَوْمِهِ؟ لَنْ تَكُونَ ثَمَّةَ حُجْرَةُ نَوْمٍ مُطْلَقًا. فَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيْتًا عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلْ مُجَرَّدَ كَوْمَةٍ كَبِيرَةٍ عَدِيمَةِ الْجَدْوَى مِنَ الْعِصِيِّ وَالطِّينِ.»

فَحَكَّ بيتر رَأْسَهُ ثُمَّ جَذَبَ شَوَارِبَهُ مُتَفَكِّرًا، بَيْنَمَا أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي الْكَوْمَةِ الْقَائِمَةِ فِي الْمَاءِ حَيْثُ كَانَ الْقُنْدُسُ بادي يَعْمَلُ.

ثُمَّ قَالَ: «يَبْدُو ذَلِكَ ضَرْبًا مِنَ الْحَمَاقَةِ فِعْلًا. لِمَ لَا تُنَبِّهُهُ إِلَى الْخَطَأِ الَّذِي يَرْتَكِبُهُ يَا جيري؟! لَقَدْ بَنَيْتَ لِنَفْسِكَ بَيْتًا رَائِعًا فَحَرِيٌّ بِكَ أَنْ تَتَمَكَّنَ مِنْ مُسَاعَدَةِ بادي وَتَنْبِيهِهِ إِلَى أَخْطَائِهِ.»

ابْتَسَمَ جيري بِرِضًا بَالِغٍ عِنْدَمَا ذَكَرَ بيتر بَيْتَهُ الْجَمِيلَ، وَلَكِنَّهُ هَزَّ رَأْسَهُ لَدَى اقْتِرَاحِ أَنْ يُسْدِيَ النُّصْحَ لِبادي.

وَقَالَ مُعْتَرِفًا: «لَا أُرِيدُ؛ فَقَدْ لَا يَرُوقُ لَهُ ذَلِكَ — وَلَا أَظُنُّهُ تَصَرُّفًا مُهَذَّبًا.»

قَالَ بيتر فِي رَفْضٍ: «مَا كَانَ ذَلِكَ لِيَشْغَلَ بَالِي لَوْ كَانَ ابْنَ عَمِّي.»

فَهَزَّ جيري رَأْسَهُ وَقَالَ: «نَعَمْ، أَظُنُّكَ مَا كُنْتَ لِتَشْغَلَ بَالَكَ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ يَشْغَلُ بَالِي أَنَا وَ… وَ… حَسَنًا، أَظُنُّنِي سَأَنْتَظِرُ قَلِيلًا.»

طَوَالَ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ بادي يَعْمَلُ بِكَدٍّ؛ فَكَانَ يَجْلِبُ أَطْوَلَ الْأَغْصَانِ الَّتِي قَطَعَهَا مِنَ الْأَشْجَارِ الَّتِي بَنَى مِنْهَا السَّدَّ، وَفُرُوعًا رَفِيعَةً كَثِيرَةً مِنْ أَشْجَارِ الصَّفْصَافِ وَجَارِ الْمَاءِ. كَانَ يَدْفَعُهَا أَمَامَهُ سَابِحًا. وَعِنْدَمَا يَبْلُغُ قَاعِدَةَ بَيْتِهِ، يُمِيلُهَا عَلَى كَوْمَةِ الطِّينِ فِي الْمُنْتَصَفِ وَاضِعًا أَطْرَافَهَا الْكُبْرَى عَلَى الْقَاعِدَةِ. وَظَلَّ يَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ الْمِنْوَالِ حَوْلَ الْقَاعِدَةِ بِأَكْمَلِهَا حَتَّى اخْتَفَتْ كَوْمَةُ الطِّينِ الْمَوْضُوعَةُ فِي الْمُنْتَصَفِ بَعْدَ حِينٍ؛ فَقَدْ صَارَتْ مُغَطَّاةً تَمَامًا بِالْعِصِيِّ، الَّتِي رُبِطَتْ مِنْ أَعْلَى بِبَرَاعَةٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤