نخبة من كتاب نوادر مخطوط

أكل السم والحيات

إن الحمَل الشاعر كان صاحب نادرة، فرآه صديق له يأكل سمنًا فقال له: يا ابن عبد الله، لا تأكل السمن؛ فإنه سم زِيدَتْ فيه نون. فقال له: وينبغي لك أن تأكل الحية؛ لأنها حياة سقط منها الألف.

الفضولي المخذول

ويُحْكَى أن رجلًا صادف جاريةً ومعها طبق مغطى، فقال لها: يا جارية، ما في هذا الطبق؟ فقالت: والله يا سيدي، ما غطيناه إلا حتى لا يعرف فضولي مثلك ما فيه!

الأسماء الحصينة

من نوادر الأعراب ما أُخبر عن رجل منهم، أنه وقف على قوم فسأل عن أسمائهم، فقال أحدهم: اسمي مُحرز. وقال آخر: اسمي وثيق. وقال آخر: اسمي منيع. وقال آخر: اسمي ثابت. فقال الأعرابي: ويحكم، والله ما أظن الأقفال عُمِلَتْ إلا من أسمائكم.

اللص المُسْتَخْدَمُ

دخل لص إلى دار وصاحبها منتبه، فلم يجد في البيت شيئًا، فلما خرج قال له صاحب الدار: رد الباب من البرد. فقال اللص: إي والله، من كثرة ما أخذتُ لك تستخدمني.

اللص السكران

وقيل إن صاحب الشرطة أُتي بلص، وقالوا: هذا وجدناه سرق جملًا. فقلت له: فعلتَ ذلك؟ فقال: كنت سكران وقد حملني عليه. فقال له: لمَ لا سرقتَ كلبًا؟ قال: خشيت أن يعضني. فضحك منه وتركه.

الصبي المتأنق في أكله

قال بعضهم: رأيت بالكوفة صبيًّا ومعه قرصة، وهو يكسر لقمةً، ويدخلها إلى شق في حائط يخرج منه دخان ويأكلها، (قال): فبقيت أتعجب منه إذ وقف عليه أبوه يسأله عن خبره. فقال الصبي: هؤلاء (وأشار إلى أصحاب الحائط) قد طبخوا سكباجة حامضة كثيرة التوابل فأنا أتأدم برائحتها، (قال): فصفعه أبوه صفعةً كاد يقلع بها رأسه، وقال له: ويحك! أتريد أن تعود نفسك من اليوم أن لا تأكل الخبز إلا بأدم.

الدعاء الصالح

قيل لرجل اشتكى عينيه: بماذا تداويهما؟ قال: بدعاء الوالدة — أبقاها الله — الكثيرة الصوم والعبادة. فقيل له: منذ كم تشتكي عينيك؟ قال: منذ سنة. فقال له صديق: أحب أن تخلط مع دعاء الوالدة قليلًا من العنزروت، فإنه أسرع للإجابة.

الصوفي المجاب الدعوة

حُكِيَ أن بعض الصوفيين حمل يومًا على رأسه حنطةً، وأتى بها طحانًا ليطحنها لعياله، فقال له الطحان: أنا مشغول. فقال: اطحنها وإلا دعوتُ عليك وعلى حمارك ورحالك فيبطل. قال: أوَأنت مُجاب الدعوة؟ قال: نعم. قال: فادعُ الله أن يصيِّر حنطتك دقيقًا، فهو أنفع لك وأسلم لدينك.

المغفل واللصوص

اجتاز بهلول بسوق البزازين، فرأى الناس اجتمعوا على باب ينظرون إلى نُقب قد نُقب على بعضهم، فاطلع على النقب ثم قال: ويحكم! ألا تعلمون ذا عمل من؟ قالوا: لا. قال: فإني أعلم من هو. فقال الناس: هذا بهلول يرى اللصوص بالليل ولا يتحاشونه، فأنعموا له القول لعله يخبر بذلك. فسألوه أن يُخبر فقال: إني جائع، فهاتوا أربعة أرطال رقاق ورأسين. فأحضروا له ذلك وأكل، فلما استوفاه قال: أشتهي فالوذجًا. فأحضروا له رطلي فالوذج فأكله وفرغ منه، وقام وتأمل النقب ثم قال: أوَصحيح أنكم لا تعلمون؟ قالوا: لا. قال: هو من عمل اللصوص، وعدا.

المتنبئ النازل عن رتبته

وقيل ادعى رجل النبوة، فأمر الحاكم بضرب عنقه، فلما حضر السياف ولم يَبْقَ إلا أن يُضرب قال: لِمَ تقتلوني؟ قيل له: لأنك تدَّعي النبوة. فقال: لستُ مدَّعيها. قيل له: فأي شيء أنت؟ قال: صِدِّيق. قال الحاكم: اضربوه بالسياط، فلما أحضروا السياط ليضربوه قال: لأي شيء تضربوني؟ قيل له: لأنك تدعي أنك صدِّيق. قال: لا أدعي ذلك. قيل له: فمن أنت؟ قال: من التابعين. فقال الحاكم: اضربوه بالدرة وعزروه. فلما أرادوا ذلك قال: ولِمَ؟ قيل له: لادعائك ما ليس لك. فقال: ويحكم! من ساعة كنتُ نبيًّا، أتريدون أن تجعلوني في ساعة واحدة من آحاد الناس، وتحطوني من النبوة إلى منزلة العوام؟! أمهلوني إلى الغد أصير معكم إلى ما شئتم، فضحكوا وأطلقوا سبيله.

الدينار المفرَّخ

ومن نوادر أشعب أن جاريةً أودعت عنده دينارًا، فقال لها: دعيه تحت الفراش. فلما مضت وضع معه درهمًا، ثم جاءته بعد ذلك، وطلبت منه الدينار، فقال لها: خذيه بيدك من موضع وضعتيه — وضَعتِهِ. فمدت يدها لتأخذه فوجدت معه الدرهم فقالت: ما هذا؟ قال: «يا جارية، لا أستحل لك شيئًا، هو دينارك ولد عندنا درهمًا، فخذيه وولده، وإن تركته فهو قد استأنس بالمكان، ويلد كل يوم درهمًا.» فتركته وذهبت، فأخذه، فجاءت له بعد ذلك تطلبه، فتلقاها بالبكاء، فقالت له: ما القضية؟ قال: مات دينارك في النفاس. قالت: ويحك! الدينار يموت؟! قال: ويحكِ! تصدقين بالولادة ولا تصدقين بالموت؟!

السائل الثقيل

ويُحْكَى أن بعضهم وقع من دابة فانصدعت رجله، فجعل الناس يدخلون عليه للسلام، ويسألونه: كيف وقعتَ؟ فلما أكثروا عليه وضجر كتب قصته في رقعة، وطرحها بين يديه، فكان إذا دخل عليه عابر وسأله عن سبب وقوعه دفع إليه القصة المكتوبة، فدخل عليه فيمن دخل بعد ذلك رجل، فسأله عن حاله فأعطاه القصة، فشرع يسأله، فقال: إنما كتبناها لأجل ترك الكلام. فجعل يلومه على عدم تحرزه عن الوقوع. فقال: حتى نستريح ها نحن نجيب عن هذه الأسئلة على الحاشية، ودعنا من إلحاحك.

العطف بعد التصغير

عمل بعض النحويين كتابًا في التصغير، وأهداه إلى رئيس كان يختلف إليه، فنقَّص عطيته، فصنف كتابًا في العطف وأهداه إليه، وكتب معه: رأيت باب التصغير وأهديته إلى الرئيس فصغرني، وأرجو أن يعطفه عليَّ بابُ العطف.

القالي وكتاب الجمهرة

حدَّث يحيى بن علي السريري قال: كان للقالي اللغوي نسخة من الجمهرة بخط حسن، فدعته الحاجة إلى بيعها، فاشتراها الشريف المرتضي بستين دينارًا، وتصفحها فوجد في أثنائها مكتوبًا بخط القالي:

أنستُ بها عشرين حولًا وبعتُها
فقد طال وجدي بعدها وحنيني
وما كان عندي أنني سأبيعها
ولو خلدتني في السجون ديوني
ولكن لضعفٍ وافتقارٍ وصبيةٍ
صغار عليهم تستهل عيوني
فقلتُ ولم أملك سوى فيض عبرة
مقالة مكويِّ الفؤاد حزين
وقد تحوج الحاجات يا أم مالك
كرائم من ربٍّ بهن متين (كذا)

(قال): فأمر الشريف المرتضي وكيله بحمل النسخة إلى القالي وإبقاء الثمن له.

أثرٌ بعد عين

وحكى إبراهيم بن المهدي قال: قدم المأمون مدينة السلام من خراسان فأمن الناس غيري، فتواريت واختليت اختلاءً شديدًا، فقالت لي عجوز من الأزد وكانت تخدمني: سأحتال لك في أن يصل إليك مال. فركبت زورقًا فلما جاءت المأمون في قصره صاحت: صاحبة نصيحة. فأمر بها فأُدخلت عليه، فقالت له: إن دللتك يا أمير المؤمنين على إبراهيم المهدي فما تجعل لي؟ قال: مائة ألف درهم. قالت: وجه معي رسولًا، وادفع إليه ألف دينار، ومُرهُ أن يدفعها إليَّ عندما أريه وجه إبراهيم، فوجه المأمون حسين الخادم ودفع إليه الدنانير، وأمره بما قالت، فجاءت مع حسين الخادم حتى دخلت مسجدًا فيه صندوق فاتت بحمال فحمله، فجعلت تطوف به في الأسواق والشطوط فمرةً يسمع صوت الباعة ومرة صوت الملاحين، فلما أظلم الليل أدخلته دارًا، وفتحت عنه فإذا بمجلس عظيم في صدره إبراهيم بن المهدي يشرب، وبين يديه جوار يغنِّين، فانكب حسين على رجل إبراهيم يقبلها، فسأله إبراهيم عن المأمون، وتناولت منه المرأة الدنانير. قال له إبراهيم: كُل عندي لقمةً، واشرب عندي قدحًا، وتحمل عني رسالةً، وامض محفوظًا. قال: أفعل. فقدم إليه طعامًا فأكل ثم سُقي شرابًا فيه بنج فشربه فسكر، وأُدخل الصندوق وأُقفل عليه، وحُمل حتى أُتِيَ باب العامة، فلما أصبح الناس رأوا الصندوق ليس معه أحد، فأنهوا خبره إلى صاحب الحرس، فكتب الخبر إلى المأمون، فأُحضر وفُتح فإذا حسين الخادم مسبوت، فعولج حتى أفاق. فقال له المأمون: رأيت إبراهيم؟ قال: إي والله. قال: أين هو؟ قال: لا أدري. وحدثه بالقصة، فقال المأمون: خُدِعنا والله وذهب المال. قال إبراهيم: فتفرجت بالألف دينار مُديدةً.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤