الفصل الثامن عشر

داني فَأْرُ الْمُرُوجِ يَرُدُّ الْمَعْرُوفَ

رَقَدَ هُنَاكَ الْأَرْنَبُ بيتر، بَعْدَمَا جَرَّ قِطْعَةَ الْوَتِدِ عَبْرَ مَسَافَةٍ طَوِيلَةٍ، بَلْ مَسَافَةٍ طَوِيلَةٍ جِدًّا فِي الْحَقِيقَةِ. لَكِنِ الْآنَ لَمْ يَعُدْ قَادِرًا عَلَى جَرِّهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ حَيْثُ انْحَشَرَتْ فِي شُجَيْرَاتِ الْعُلَّيْقِ. وَلِذَا سَقَطَ بيتر عَلَى الْجَلِيدِ وَبَكَى. أَجَلْ يَا سَيِّدِي، بَكَى بيتر! فَكَمَا تَرَوْنَ قَدْ بَلَغَ بِهِ الْإِعْيَاءُ وَالْإِنْهَاكُ وَالْفَزَعُ مَبْلَغَهُ، كَمَا كَانَتْ رِجْلُهُ مُتَيَبِّسَةً بِشِدَّةٍ وَمَجْرُوحَةً وَتُؤْلِمُهُ لِلْغَايَةِ. وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ كَانَ مِنَ الْمُؤْلِمِ لِلْغَايَةِ أَنْ يَصِلَ بِالْفِعْلِ إِلَى بَيْتِهِ وَيَعْلَقَ عِنْدَ أَعْتَابِهِ بِالضَّبْطِ. وَلَمْ يَسَعْ بيتر سِوَى أَنْ يَرْقُدَ هُنَاكَ وَيَبْكِيَ. وَلَوِ افْتَرَضْنَا مُجَرَّدَ فَرْضٍ مَجِيءَ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ لِلْبَحْثِ وَوَجَدَتْ بيتر عَالِقًا عَلَى هَذَا النَّحْوِ! فَكُلُّ مَا عَلَيْهَا فِعْلُهُ هُوَ أَنْ تُمْسِكَ بِذَلِكَ الْوَتِدِ الْكَرِيهِ الْعَالِقِ فِي شُجَيْرَاتِ الْعُلَّيْقِ وَتَجْذِبَ بيتر إِلَى الْخَارِجِ حَيْثُ يُمْكِنُهَا الْحُصُولُ عَلَيْهِ. فَلَا غَرَابَةَ إِذَنْ مِنْ بُكَاءِ بيتر!

وَسُرْعَانَ مَا أَدْرَكَ بيتر أَنَّ شَخْصًا مَا كَانَ يَمْسَحُ دُمُوعَهُ، كَانَ داني فَأْرَ الْمُرُوجِ، وَكَانَ يُغَنِّي بِصَوْتِهِ الْعَجِيبِ الضَّئِيلِ. وَبَعْدَ قَلِيلٍ تَوَقَّفَ بيتر عَنِ الْبُكَاءِ وَاسْتَمَعَ، وَهَذَا مَا سَمِعَهُ:

الْبُكَاءُ لَا نَفْعَ مِنْهُ! وَلَوْ لِلَحْظَةٍ! وَلَوْ لِلَحْظَةٍ!
امْسَحْ عَيْنَيْكَ … أَوْقِفْ دُمُوعَكَ!
اسْتَخْدِمْ حُنْكَتَكَ! هَيَّا اسْتَخْدِمْ حُنْكَتَكَ!
وَتَذَكَّرْ أَنَّ غَدًا لَا يَحْمِلُ أَيَّ نَدَمٍ
فَالْأَمْسُ وَلَّى وَفَاتَ وَالْغَدُ بَعْدَهُ آتٍ
اطْرُدْ قَلَقَكَ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، لَنْ يَحْدُثَ أَسْوَأُ مِمَّا كَانَ!

وَابْتَسَمَ بيتر عَلَى غَيْرِ رَغْبَةٍ مِنْهُ.

«هَذَا عَظِيمٌ! هَذَا عَظِيمٌ! ابْتَسِمْ يَا بيتر مِلْءَ فَمِكَ، كُلُّ مَشَاكِلِكَ يَا سَيِّدِي سَتَنْتَهِي الْيَوْمَ. وَبَيْنِي وَبَيْنَكَ، لَا أَحْسَبُهَا سَيِّئَةً فِعْلًا كَمَا تَظُنُّ، وَالْآنَ اثْبُتْ فِي مَكَانِكَ لَا حَرَكَةَ، فِي حِينِ أَذْهَبُ وَأَرَى … مَا سَوْفَ يُعْمَلُ يَا تُرَى.»

وَبِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ انْطَلَقَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ بِسُرْعَةٍ وَخِفَّةٍ مُدْهِشَةٍ بِالرَّغْمِ مِنْ ضَعْفِ رِجْلِهِ، وَفِي دَقَائِقَ مَعْدُودَةٍ أَدْرَكَ بيتر مِنْ خِلَالِ الْهَزَّاتِ الْبَسِيطَةِ فِي السِّلْكِ الْمَشْدُودِ حَوْلَ رِجْلِهِ أَنَّ داني كَانَ يَقُومُ بِشَيْءٍ مَا فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى. وَبِالْفِعْلِ كَانَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ قَدْ بَدَأَ فِي قَرْضِ تِلْكَ الْقِطْعَةِ مِنَ الْوَتِدِ كَيْ يُحَوِّلَهَا عَنْ آخِرِهَا إِلَى فُتَاتٍ، وَهَكَذَا جَلَسَ هُنَاكَ وَأَخَذَ يَقْرِضُ وَيَقْرِضُ. وَارْتَقَى قُرْصُ الشَّمْسِ إِلَى أَعْلَى فِي السَّمَاءِ، وَتَزَايَدَ جُوعُ داني فَأْرِ الْمُرُوجِ، إِلَّا أَنَّهُ وَاصَلَ قَرْضَهُ لِذَلِكَ الْوَتِدِ الْمُتْعِبِ.

وَبَعْدَ قَلِيلٍ، حِينَ نَظَرَ داني عَبْرَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ الْمَكْسُوَّةِ بِالْجَلِيدِ، رَأَى شَيْئًا جَعَلَ قَلْبَهُ يَخْفِقُ، كَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون قَادِمًا مُبَاشَرَةً بِاتِّجَاهِ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ! وَلَمْ يَقُلْ داني أَيَّ شَيْءٍ لِبيتر، بَلْ أَخَذَ يَقْرِضُ بِأَقْصَى سُرْعَتِهِ.

وَأَوْشَكَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون عَلَى الْوُصُولِ حِينَ تَوَقَّفَ داني عَنِ الْقَرْضِ. وَفِي هَذَا الْوَقْتِ كَانَ مَا تَبَقَّى مِنَ الْوَتِدِ هُوَ جُزْءًا ضَئِيلًا فَقَطْ، وَأَسْرَعَ داني كَيْ يُخْبِرَ بيتر أَنْ لَا شَيْءَ يَمْنَعُهُ الْآنَ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى مَلَاذِهِ السِّرِّيِّ جِدًّا فِي قَلْبِ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ. وَحِينَ كَانَ بيتر يَجُرُّ نَفْسَهُ بِبُطْءٍ عَلَى الطَّرِيقِ، كَانَ داني يَخِفُّ الْخُطَى مِنْ خَلْفِهِ لِيَحْرِصَ عَلَى أَلَّا يَعْلَقَ السِّلْكُ بِالشُّجَيْرَاتِ. وَوَصَلَا بِأَمَانٍ إِلَى مَلَاذِ بيتر السِّرِّيِّ جِدًّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَعِدَ فِيهِ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون إِلَى حَافَةِ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ.

وَقَالَ: «إِذَنْ هَذَا هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ ذَلِكَ الْأَرْنَبُ الَّذِي أَتْلَفَ شَجَرَةَ الْخَوْخِ خَاصَّتَنَا! سَنُجَرِّبُ نَصْبَ بَعْضِ الْفِخَاخِ وَنُوقِفُكَ عَنِ التَّخْرِيبِ.»

وَبَقِيَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون حَتَّى نِهَايَةِ فَتْرَةِ بَعْدِ الظَّهِيرَةِ مَشْغُولًا جِدًّا بِالْعَمَلِ حَوْلَ حَافَةِ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤