الفصل الرابع

الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ تَسْعَى لِلنَّيْلِ مِنْ داني فَأْرِ الْمُرُوجِ

لَمْ يَحْظَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ مُنْذُ زَمَنٍ مِثْلَمَا اسْتَمْتَعَ بِلُعْبَةِ الْغُمَّيْضَةِ تِلْكَ، فَظَلَّ داني يَبْتَهِجُ وَيَضْحَكُ طَوَالَ فَتْرَةِ مَا بَعْدَ الظَّهِيرَةِ وَهُوَ يُفَكِّرُ فِيمَا حَدَثَ. وَبِالطَّبْعِ ريدي كَانَ هُوَ «مِحْوَرَ الْحَدَثِ»؛ فَهُوَ كَانَ «مِحْوَرَ الْحَدَثِ» طَوَالَ الْوَقْتِ، وَهُوَ لَمْ يُمْسِكْ قَطُّ بِداني وَلَوْ مَرَّةً. وَلَوْ أَمْسَكَ بِهِ … حَسَنًا؛ لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ الْمَزِيدُ مِنَ الْقِصَصِ عَنْ داني فَأْرِ الْمُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أَيُّ أَثَرٍ لِداني فَأْرِ الْمُرُوجِ بَعْدَهَا.

لَكِنَّ داني لَمْ يَسْمَحْ لِنَفْسِهِ أَبَدًا بِالتَّفْكِيرِ فِي هَذَا الشَّأْنِ، بَلْ كَانَ يَسْتَمْتِعُ بِاللُّعْبَةِ بِقَدْرٍ أَكْبَرَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِأَنَّهَا مِثَالٌ لِلْأَلْعَابِ الْخَطِيرَةِ. وَيَا لَهَا مِنْ مُتْعَةٍ حِينَ يَغُوصُ دَاخِلَ إِحْدَى الْفَتَحَاتِ الدَّائِرِيَّةِ الصَّغِيرَةِ فِي الثُّلُوجِ، وَيَجْرِي بِطُولِ أَحَدِ أَنْفَاقِهِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي صَنَعَهَا، ثُمَّ يَتَلَصَّصُ مِنْ فَتْحَةٍ أُخْرَى وَيُرَاقِبُ الثَّعْلَبَ وَهُوَ يَحْفُرُ بِأَقْصَى سُرْعَةٍ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَ الْفَتْحَةِ الَّتِي تَرَكَهَا داني لِتَوِّهِ! وَفِي النِّهَايَةِ اسْتَسْلَمَ ريدي فِي امْتِعَاضٍ وَغَادَرَ وَهُوَ يُتَمْتِمُ فِي غَضَبٍ بَحْثًا عَنْ شَيْءٍ آخَرَ لِلْغِذَاءِ، وَوَقَفَ داني فَوْقَ الثُّلُوجِ وَشَاهَدَهُ وَهُوَ يُغَادِرُ. وَصَاحَ داني بِصَوْتِهِ الْحَادِّ الصَّغِيرِ وَالْمَرِحِ:

ريدي الثَّعْلَبُ الْمَاكِرُ بِذِهْنٍ حَاضِرٍ شَاطِرٍ،
وَذِهْنِي أَنَا حَاضِرٌ وَبِرَشَاقَةٍ أَكْثَرَ قَادِرٌ.

فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَخْبَرَ الثَّعْلَبُ ريدي الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ بِكُلِّ مُحَاوَلَاتِهِ لِلْإِمْسَاكِ بِداني فَأْرِ الْمُرُوجِ. وَاسْتَمَعَتِ الْجَدَّةُ وَرَأْسُهَا مَائِلٌ عَلَى نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَحِينَ أَخْبَرَهَا ريدي كَمْ أَنَّ ذَلِكَ الْفَأْرَ سَمِينٌ سَالَ لُعَابُ الْجَدَّةِ. وَلَعَلَّكَ أَيُّهَا الْقَارِئُ تُدْرِكُ أَنَّ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَقَدْ غَطَّتِ الثُّلُوجُ مَنْطِقَتَيِ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَالْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، فَإِنَّ الْجَدَّةَ ثعلبة وَريدي يُلَاقِيَانِ مَشَقَّةً فِي الْحُصُولِ عَلَى مَا يَكْفِي لِيَأْكُلَاهُ، وَكَانَا جَائِعَيْنِ مُعْظَمَ الْوَقْتِ.

قَالَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة: «سَوْفَ أَذْهَبُ مَعَكَ إِلَى الْمُرُوجِ غَدًا فِي الصَّبَاحِ، وَحِينَهَا سَنَرَى إِذَا كَانَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ ذَكِيًّا كَمَا يَظُنُّ نَفْسَهُ.»

وَهَكَذَا وَفِي وَقْتٍ مُبَكِّرٍ مِنْ صَبَاحِ الْغَدِ الْمُشْرِقِ، ذَهَبَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ وَالثَّعْلَبُ ريدي إِلَى الْمُرُوجِ، حَيْثُ يَعِيشُ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ. وَكَانَ داني يَشْعُرُ فِي أَعْمَاقِهِ أَنَّ ريدي سَوْفَ يَعُودُ؛ لِذَا كَانَ يَرْقُبُ الْمَكَانَ، وَرَآهُمَا بِمُجَرَّدِ خُرُوجِهِمَا مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. وَحِينَ رَأَى الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ، خَفَقَ قَلْبُ داني أَسْرَعَ قَلِيلًا مِنْ ذِي قَبْلُ؛ فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْجَدَّةَ ثعلبة شَدِيدَةُ الذَّكَاءِ وَشَدِيدَةُ الْحِكْمَةِ، وَأَنَّهَا مُلِمَّةٌ بِمُعْظَمِ حِيَلِ سُكَّانِ الْمُرُوجِ وَالْغَابَةِ الصِّغَارِ.

قَالَ داني لِنَفْسِهِ: «سَتَكُونُ هَذِهِ اللُّعْبَةُ أَكْثَرَ إِثَارَةً مِنْ سَابِقَتِهَا.» وَهَرْوَلَ إِلَى أَسْفَلَ مُتَوَارِيًا عَنِ الْأَنْظَارِ لِيَتَحَقَّقَ مِنْ أَنَّ جَمِيعَ أَنْفَاقِهِ الصَّغِيرَةِ خَالِيَةٌ؛ كَيْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يَجْرِيَ بِسُرْعَةٍ عَبْرَهَا إِذَا احْتَاجَ لِذَلِكَ. ثُمَّ تَلَصَّصَ مِنْ إِحْدَى الْفَتَحَاتِ الصَّغِيرَةِ الْمُتَوَارِيَةِ خَلْفَ أَجَمَةٍ مِنَ الْأَعْشَابِ الْعَالِيَةِ.

قَامَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ بِتَجْهِيزِ ريدي لِلْبَحْثِ عَنْ فَتَحَاتِ داني الدَّائِرِيَّةِ الصَّغِيرَةِ، وَبِنَفْسِ السُّرْعَةِ الَّتِي وَجَدَهَا بِهَا، جَاءَتِ الْجَدَّةُ وَاشْتَمَّتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا؛ فَهِيَ تَعْلَمُ أَنَّهَا تَسْتَطِيعُ مِنْ خِلَالِ الرَّائِحَةِ مَعْرِفَةَ أَيِّ الْفَتَحَاتِ كَانَ داني عِنْدَهَا آخِرَ مَرَّةٍ. وَأَخِيرًا أَتَتْ مُبَاشَرَةً نَحْوَ أَجَمَةِ الْأَعْشَابِ الْعَالِيَةِ، فَانْحَنَى داني وَانْطَلَقَ بِطُولِ أَحَدِ أَنْفَاقِهِ الصَّغِيرَةِ، وَسَمِعَ الْجَدَّةَ ثعلبة وَهِيَ تَشْتَمُّ عِنْدَ الْفَتْحَةِ الَّتِي غَادَرَهَا لِتَوِّهِ، وَفَجْأَةً اخْتَرَقَ شَيْءٌ مَا الثُّلُوجَ، اخْتَرَقَهَا عِنْدَ كَعْبَيْهِ بِالضَّبْطِ، وَلَمْ يَحْتَجْ داني أَنْ يَنْظُرَ خَلْفَهُ كَيْ يَعْرِفَ أَنَّهَا الْجَدَّةُ ثعلبة بِنَفْسِهَا، وَصَرَخَ بِصَوْتِهِ الْحَادِّ فِي رُعْبٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤