الفصل السادس

داني فَأْرُ الْمُرُوجِ يَتَذَكَّرُ، وَريدي الثَّعْلَبُ يَنْسَى

صَاحَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ: «هَا هُوَ يَنْطَلِقُ هُنَاكَ! لَا تَدَعْهُ يَسْكُنُ ثَانِيَةً!»

وَصَاحَ ريدي الثَّعْلَبُ: «أَنَا أَسْمَعُ خُطُوَاتِهِ!» وَغَاصَ فِي الْجَلِيدِ تَمَامًا مِثْلَمَا فَعَلَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة مُنْذُ دَقِيقَةٍ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِأَيِّ شَيْءٍ، وَحِينَ زَفَرَ الثَّلْجَ مِنْ أَنْفِهِ وَمَسَحَهُ مِنْ عَيْنَيْهِ، رَأَى الْجَدَّةَ ثعلبة وَهِيَ تَخْتَرِقُ الثُّلُوجَ وَتَخْرُجُ خَاوِيَةَ الْوِفَاضِ هِيَ الْأُخْرَى.

قَالَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة: «لَا تَشْغَلْ بَالَكَ، مَا دُمْنَا نَضْطَرُّهُ إِلَى الرَّكْضِ، فَيُمْكِنُنَا أَنْ نَسْمَعَهُ، وَفِي إِحْدَى تِلْكَ الْمَرَّاتِ سَوْفَ نُمْسِكُ بِهِ. وَعَمَّا قَرِيبٍ سَيُنْهِكُهُ التَّعَبُ وَلَنْ يَبْقَى خَفِيفَ الْحَرَكَةِ هَكَذَا، وَعِنْدَمَا يَصِلُ إِلَى تِلْكَ الْحَالَةِ …» وَلَمْ تُكْمِلِ الْجَدَّةُ كَلَامَهَا، غَيْرَ أَنَّهَا لَعِقَتْ شَفَتَيْهَا وَكَأَنَّهَا تَتَلَذَّذُ بِمَذَاقِهِ. وَابْتَسَمَ ريدي الثَّعْلَبُ ابْتِسَامَةً وَاسِعَةً كَشَفَتْ عَنْ أَسْنَانِهِ، ثُمَّ لَعِقَ شَفَتَيْهِ كَأَنَّهُ يَتَلَذَّذُ بِمَذَاقِ داني هُوَ الْآخَرُ. وَبَعْدَهَا وَمِنْ جَدِيدٍ أَخَذَا يَتَنَاوَبَانِ الْغَوْصَ فِي الثُّلُوجِ.

وَهُنَاكَ بِالْأَسْفَلِ فِي الْأَنْفَاقِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي صَنَعَهَا، كَانَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ يَرْكُضُ لِلنَّجَاةِ بِحَيَاتِهِ. وَبَدَأَ يُنْهِكُهُ التَّعَبُ، بِالضَّبْطِ كَمَا قَالَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ أَنَّهُ سَيَحْدُثُ، وَكَانَ يَتَنَفَّسُ بِصُعُوبَةٍ بَالِغَةٍ وَيَتَأَلَّمُ كَمَا جُرِحَتْ إِحْدَى رِجْلَيْهِ؛ فَفِي قَفْزَةٍ مِنْ قَفَزَاتِهَا كَادَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ أَنْ تُمْسِكَ بِهِ لِدَرَجَةِ أَنَّ مَخَالِبَهَا مَزَّقَتْ بِنْطَالَ داني وَأَصَابَتْهُ بِخُدُوشٍ.

قَالَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ وَهُوَ يَلْهَثُ: «يَا إِلَهِي! يَا إِلَهِي! لَوْ كَانَ لَدَيَّ فَقَطِ الْوَقْتُ كَيْ أُفَكِّرَ!» ثُمَّ صَرَخَ بِصَوْتِهِ الْحَادِّ بِرُعْبٍ أَكْبَرَ حِينَ هَوَى الثَّعْلَبُ ريدي إِلَى دَاخِلِ نَفَقِ داني عِنْدَ كَعْبَيْهِ بِالضَّبْطِ. قَالَ داني وَهُوَ يَبْكِي: «عَلَيَّ الذَّهَابُ إِلَى مَكَانٍ مَا! عَلَيَّ الذَّهَابُ إِلَى مَكَانٍ مَا حَيْثُ لَا يَسْتَطِيعَانِ الْوُصُولَ إِلَيَّ!» وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ بِالذَّاتِ تَذَكَّرَ عَمُودَ السِّيَاجِ الْقَدِيمَ!

كَانَ عَمُودُ السِّيَاجِ الْقَدِيمُ يَمْتَدُّ فَوْقَ الْأَرْضِ وَمُجَوَّفًا، وَمَرْبُوطَةً بِهِ أَسْلَاكٌ طَوِيلَةٌ ذَاتُ أَسْنَانٍ حَادَّةٍ وَمُدَبَّبَةٍ. وَكَانَ داني قَدْ صَنَعَ نَفَقًا يَصِلُ إِلَى عَمُودِ السِّيَاجِ الْقَدِيمِ مُنْذُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بَعْدَ تَسَاقُطِ الثُّلُوجِ، فَبِدَاخِلِ التَّجْوِيفِ فِي الْعَمُودِ الْقَدِيمِ كَانَ لَدَيْهِ مَخْبَأٌ سِرِّيٌّ لِلْبُذُورِ. لِمَاذَا لَمْ يُفَكِّرْ فِيهِ مِنْ قَبْلُ؟ لَا بُدَّ أَنَّهُ كَانَ مَذْعُورًا لِلْغَايَةِ فَلَمْ يَسْتَطِعِ التَّفْكِيرَ. لَكِنَّهُ تَذَكَّرَ الْآنَ، وَتَحَرَّكَ فِي مُرَاوَغَةٍ دَاخِلَ النَّفَقِ الْمُؤَدِّي إِلَى عَمُودِ السِّيَاجِ الْقَدِيمِ، وَجَرَى أَسْرَعَ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى، وَمَعَ أَنَّ قَلْبَهُ قَفَزَ وَبَلَغَ حَنْجَرَتَهُ مِنْ شِدَّةِ رُعْبِهِ، إِلَّا أَنَّ فِي دَاخِلِ قَلْبِهِ كَانَ هُنَاكَ أَمَلٌ، وَالْأَمَلُ شَيْءٌ رَائِعٌ.

كَانَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ تَعْلَمُ بِأَمْرِ عَمُودِ السِّيَاجِ الْقَدِيمِ ذَاكَ وَتَذَكَّرَتْ كُلَّ شَيْءٍ عَنْ تِلْكَ الْأَسْلَاكِ الْمُسَنَّنَةِ الْمُثَبَّتَةِ فِيهِ، وَبِرَغْمِ أَنَّهَا كَانَتْ مُغَطَّاةً بِالثَّلْجِ فَإِنَّ الْجَدَّةَ كَانَتْ تَعْرِفُ مَكَانَهَا تَقْرِيبًا، وَبِالضَّبْطِ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَى الْأَسْلَاكِ تَوَقَّفَتِ الْجَدَّةُ عَنِ الْقَفْزِ دَاخِلَ الثُّلُوجِ. وَكَانَ الثَّعْلَبُ ريدي هُوَ الْآخَرُ يَعْلَمُ بِشَأْنِ تِلْكَ الْأَسْلَاكِ، لَكِنَّهُ كَانَ مُتَحَمِّسًا لِلْغَايَةِ حَتَّى إِنَّهُ نَسِيَهَا تَمَامًا.

صَاحَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ بِحِدَّةٍ: «تَوَقَّفْ!»

لَكِنَّ الثَّعْلَبَ ريدي لَمْ يَسْمَعْهَا، أَوْ لَوْ كَانَ سَمِعَهَا فَهُوَ لَمْ يُبَالِ. فَقَدْ تَمَكَّنَتْ أُذُنَاهُ الْحَادَّتَانِ مِنْ سَمَاعِ داني فَأْرِ الْمُرُوجِ وَهُوَ يَرْكُضُ وَيَكَادُ أَنْ يَكُونَ أَسْفَلَهُ مُبَاشَرَةً. تَسْتَطِيعُ الْجَدَّةُ ثعلبة التَّوَقُّفَ إِذَا أَرَادَتْ، أَمَّا ريدي فَسَوْفَ يَتَنَاوَلُ داني فَأْرَ الْمُرُوجِ كَإِفْطَارٍ لَهُ! وَإِلَى الْأَسْفَلِ دَاخِلَ الثَّلْجِ قَفَزَ ريدي بِأَقْصَى مَا يَسْتَطِيعُ عَلَى الْإِطْلَاقِ.

«آااهٍ! آااهٍ! يَاهْ! يَاهْ! يَا إِلَهِي! يَا إِلَهِي!»

لَمْ يَكُنْ هَذَا صَوْتَ داني فَأْرِ الْمُرُوجِ، يَا إِلَهِي! كَلَّا! بَلْ هُوَ صَوْتُ ريدي. أَجَلْ يَا سَيِّدِي، كَانَ هَذَا صَوْتَ الثَّعْلَبِ ريدي؛ فَقَدْ هَبَطَ بِإِحْدَى أَقْدَامِهِ السَّوْدَاءِ مُبَاشَرَةً فَوْقَ إِحْدَى أَسْنَانِ السِّيَاجِ الْحَادَّةِ تِلْكَ، وَآلَمَتْهُ بِالْفِعْلِ عَلَى نَحْوٍ مُرِيعٍ.

صَاحَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ فِي غَضَبٍ: «لَمْ أَلْتَقِ قَطُّ بِأَيِّ ثَعْلَبٍ صَغِيرٍ يَتَوَرَّطُ فِي هَذَا الْقَدْرِ مِنَ الْمُشْكِلَاتِ مِثْلَكَ!» بَيْنَمَا سَارَ ريدي مِنْ خَلْفِهَا وَهُوَ يَعْرُجُ عَلَى سِيقَانٍ ثَلَاثَةٍ عَبْرَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ الْمُغَطَّاةِ بِالْجَلِيدِ، وَأَضَافَتِ الْجَدَّةُ: «لَقَدْ نِلْتَ مَا تَسْتَحِقُّهُ بِسَبَبِ نِسْيَانِكَ!»

قَالَ ريدي بِاسْتِسْلَامٍ: «أَجَلْ يَا سَيِّدَتِي!»

وَفِي أَمَانٍ دَاخِلَ تَجْوِيفِ عَمُودِ السِّيَاجِ الْقَدِيمِ، كَانَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ يُضَمِّدُ الْخَدْشَ عَلَى رِجْلِهِ الَّذِي تَسَبَّبَتْ فِيهِ مَخَالِبُ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤