قصة الانتخابات في مصر١

انفصام غير معلن

قالت أمي إنها ولدتنا أنا وأختي في نفس واحد، ملأت أمي صدرها بالهواء ولفظتنا في جسد واحد نحن الاثنتين، اندفعت أختي من الثقب الضيق إلى العالم الواسع، وأنا تأخرت عنها في الخروج دقيقة واحدة أو نصف دقيقة.

أصبحت هي أختي الكبرى وأنا الصغرى، تسبقني في كلِّ شيء، في الحياة وفي الموت، وفي الجزاء والعقاب، وفي الحب والكره وفقدان الشرف.

ورثت عن أبي الاسم والشرف، والتفكير الطويل حتى يضيع الوقت، لم أندفع مثل أختي دون تفكير من الثقب، كانت أمي هي الثقب الذي خرجنا منه، نحاول أن ننساه ونقطع الصلة به تجنُّبًا للعار، ومن أجل السباحة في العالم الواسع حيث أبي وزملاؤه في الجماعة الموقرة.

أيام الجمعة، يرتدي أبي جلبابه الناصع البياض، ولحيته السوداء الناصعة السواد، يرفعها بكبرياء فوق صدره، ليعبر الشارع صعودًا نحو الجامع، نتبعه من ثقب النافذة بنظراتنا المنخفضة ليبدو أكثر طولًا، بشاربه الأسود المفتول على هيئة الصقر، سرحته له أمي بالمشط، وبرمته بأصابعها ليبدو أكثر هيبة، دهنته بالمسك، رائحته في أنفي منذ الطفولة حتى اليوم، يحافظ الدهان على تماسك الشعر في مواجهة هبات التراب، والعواصف، أو رياح الخماسين في فصل الربيع والحب.

وأنا كما كنت في طفولتي، جالسة أطل من وراء الثقب في النافذة، أتبعه بنظراتي الواهنة ليصبح أكثر قوةً. وما إن يصل إلى باب الجامع حتى يركض نحوه الشحاذون، يغرقونه بالدعوات التي تصعد إلى السماء من البوابات المفتوحة، تلبي السماء طلبات أبي الكبيرة والصغيرة، مثل علاوة أول الشهر، أو زوجة جديدة في عيد الفطر.

لم تكن أمي تذهب إلى الجامع، وإن ذهبت فهي تمشي خلف أبي تحت خيمتها السوداء، لا يراها أحد من الشحاذين، وإن رآها واحد لا تمر يدها إليه، وإن مدتها وخطبت بدعوة أو نصف دعوة، فإن الوقت يكون قد فات وبوابات السماء كلها انغلقت بالقفل.

كانت أختي تُشبه أمي، وتحظى بلقب الملاك، تزداد أنوثة وطاعة كل يوم، ليست مثل أختها الأخرى، تلك الأخرى ليست مثلها أبدًا، مع ذلك هما متشابهتان إلى حد الإعجاز، حتى بصمة الإبهام الأيمن متشابهة، الدليل الوحيد على إثبات أن الشخص ليس هو الشخص الآخر، وخط اليد عند التوقيع بالاسم الثلاثي، اسم الأب وأبوه وجده، كان متشابهًا أيضًا عند الأختين.

لم يكن إلا المنظار السحري قادرًا على اكتشاف الأخت من أختها، وقد عجزت عين الأم وعين الأب عن التفرقة بينهما، وإن تعرى الجسد بالكامل، أو تغطى بالكامل.

بينما كانت أختي تلزم الدار طاعةً للرب، كنت أنا أهرب من البيت حين يخرج أبي إلى الجامع، أو حين يذهب إلى الغرزة أو البورصة، أو يسافر إلى الحج أو العمرة، أو أيام الأعياد التي يقضيها مع زوجته الأخرى.

تعودت الهرب أثناء غياب أبي مع رجل من زملائه في الجامعة، أو شخص آخر يُشعرني بالحب، وتبحث عني أمي، لا تكاد تعرفني من أختي إلا حين أغيب في الليل أو حين تفتح فمي وتشم رائحة السبرتو، أو تكشف عن أسناني الحادة المدببة، هذه الأنياب كانت تقبض على حلمة ثديها منذ الطفولة، وتقرقش الزلط، وجذور القرنبيط كالحجر تنسحق بين أسنانها في لمح البصر.

وفي ليلة جاء أبي برجل ليتزوجني أنا وأختي معًا، لم يملك أبي ما يقيم به حفلتين اثنتين للزفاف، ودفع الرجل لأبي خمسين جنيهًا مقدم الصداق، والخمسين الأخرى يدفعها مؤخَّرًا عند الطلاق. وعاش الرجل معنا في الغرفة فوق السرير العريض، على الطرف الآخر بجوار الحائط، حيث ترقد أختي ثُمَّ أنا ثُمَّ أمي ثُمَّ أبي، هكذا بالترتيب الدقيق، دون أن يختل النظام بسقوط الظلام، أو فوضى الأحلام في غيبوبة النوم.

منذ ذلك الحادث الأليم أصاب أختي نوع من المرض، كأنما قام أبي بإيلاج خازوق في جسدها أو في عقلها؛ لأن مظاهر المرض لم تكن بادية، سوى أن أختي كفت عن الضحك، كانت تضحك أحيانًا، ربما ضحكة واحدة طوال العام، لم يخفف عنها المرض إلا اختفاء الزوج، تلاشى فجأة كما ظهر فجأة دون أن يدفع المؤخر، وحصلت أختي على جائزة الأنثى المثالية، وتم انتخابها عضوة عاملة في الجامعة، وتتويج رأسها بقطعة أكبر من القماش الأسود، وفي العيد ترتدي أختي ثوب أمي المبقع بالدم منذ ليلة الزفاف. أمَّا أنا فكانت أمي تلبسني ثياب الولد، بهدف خداع أبي والقضاء والقدر، كأنما أنا لست أختي أو أمي أو امرأة أخرى من ذوات الثقب. وكُنَّا «أنا وأختي» نؤدي اللعبة تحت السرير، حيث تكون هي الأم، وأنا الأب بكامل الزي واللحية والشارب.

أسمع الضحكة الوحيدة طوال العام تفلت من أمي، ومن أختي، دون خوف من الزوج أو الأب، أو المرحوم الجد وأبيه المغفور له، من السلالة الممدودة إلى السماء، وفي بطن الأرض.

تعودت أنا وأختي أن نتشابه في كل شيء، لم تنجح أختي أبدًا في طمس ملامحها بمساحيق الوجه، وظلال الجفون وخطوط العينين، وفشلت أنا أيضًا في معرفة وجهي من وجهها، وإن رأيتها أمامي يساورني الشك أنني أنظر إلى نفسي في المرآة.

كانت أمي تحوط السرير بستارة سميكة داكنة حمايةً لنا من عيون الرجال، يستقبلهم أبي في الغرفة، أفتح جفوني في الليل لأرى عيونهم من خلال الستارة ترمقني بجنون الكحول الرخيص، أو الحشيش المغشوش في السوق الحرة.

تنام أمي على طرف السرير، وأنا وأختي على الطرف الآخر بجوار الحائط، فلا يمكن لرجل منهم أن يعبر إلينا إلا فوق جسد أمي، وكانت نافذتنا الصغيرة ذات القضبان الحديدية المحاذية لأرض الشارع هدفًا للتراب وكرات الطين، يقذفها الصبيان وهم يلعبون في الشارع، أو خصوم أبي في الأحزاب أو الجماعات الأخرى، المنافسين له في التقرب إلى الله وإلى السلطان.

كانوا يلقون علينا القمامة، وسيلًا من الاتهامات بالفساد والرشوة والكذب، يتلقون الضربات من زملاء أبي المؤيدين له في الانتخابات، لم نكن نعرف أنا وأختي الخصوم من الأصدقاء، وكلهم زملاء أبي يتشابهون في الشكل والصوت والحركة، لا أفرق الواحد من الآخر. وفي سن الثانية عشرة من عمري، حين فضَّ أحدهم بكارتي تحت السرير، لم أتبين ملامحه في الظلمة، بعد أن صبَّ لي من زجاجة السبرتو كوبًا، ودسَّ في فمي قطعة من البسبوسة، شعرت به مثل خازوق يشق جسدي، وجسد أختي الراقدة معي، وكانت أمي تخرج في غياب أبي لتمسح بلاط الشقق في العمارة أول الشارع، تمر أمي على طوابقها العشرين طابقًا طابقًا، تمسح بلاطها وهي منكفئة على الأرض فوق ركبتها، برأسها المنكس ومؤخرتها المرفوعة في شموخ، تحميها بكفها الكبيرة من أذى مفاجئ أو خازوق غير مشهود، وتعود أمي لنا بأكياس الطعام وأقراص النعناع.

كان أبي يضربها إن عاد فجأة ولم يجدها، إن حاولنا أنا وأختي حمايتها لا ينالنا إلا الضرب، والشتيمة تنهال على أمي، والثقب الذي خرجت منه أمها وجدتها، ثُمَّ يجلس أبي بعد الضرب ويلتهم الطعام الذي جلبته أمي لنا والنعناع.

كنت أحب أبي وأكرهه حتى الموت، أتمنى أحيانًا أن أموت أنا وأختي وأمي رحمةً بنا، أتضرع إلى السماء أن تنزل عليَّ خازوقًا يشقُّ جسدي حتى الموت، لا يعالجني إلا الهروب مع رجل في الليل، لا يغالبني الإحساس باللذة إلا مع الغثيان، كرهت رائحة المسك ودهانات الشارب واللحية، ولفائف التبغ مع السبرتو والبصل والثوم، أمضغ بين أسناني الحشائش على جانب الطريق، أو أوراق النعناع الخضراء، لأطهر جوفي من الرائحة العطنة والإثم.

وأترك جسدي العاري تحت السرير يتلوى، فوق ملاءة مهترئة مبقعة بالدم، والسوائل المنوية الصفراء، تُشبه القيء الناجم عن حمى الأحشاء، وكانت بعض نسمات هواء رطب تتسلل عبر القضبان وتنعشني قليلًا فأفتح جفوني لأرى الخازوق المغرى بالموت منكمشًا بالخزي.

إنه سحر الحب الذي أموت فيه، الذي يُغنِّي له الراديو والتليفزيون، وفرحة التلاشي الكامل حتى النهاية، لا يزعجني أن أرى نفسي أو أختي تحت جسد غريب أو قريب أو زميل لأبي، أو حتى أبي ذاته، فالنهاية واحدة، ولا شيء يختلف عن الآخر، الفرح كالحزن، والحياة كالموت.

كنت أهرب مع فتى مراهق من عمري، أو عجوز من رؤساء الجماعة، وأكتشف أن العجائز أكثر مراهقةً من الصبيان الصغار، حاولت تدريبهم رغم فارق السن على الحب والرحمة والعدل دون جدوى، إنهم يحفظون هذه الكلمات، يرددونها كل وقت دون عناء، دون وعي، مع الإحساس الطاغي بالإثم، أسمع أنينهم وصراخ أرواحهم المثقلة بالذنب، حتى في أوقات الصمت أو النوم أو الراحة من الكلام بعد موسم الانتخابات.

كانت أختي أكثر طاعةً مني وأقل حكمةً، فهي تصدق ما يقولون من خرافات، يملئون أذنيها بما قاله الموتى من الأسلاف والجدود، بأن أرواحهم طاهرة وأجسادهم مدنسة بحكم الطبيعة وحكمة السماء، وأن خطيئة الواحد منهم لا علاقة لها به، وإنما هو الثقب المثقوب بالخازوق، أو الحَمَل المأكول بالذئب.

ويمشي الواحد منهم في الشارع، كاشفًا وجهه دون حجاب، دون حياء، دون وخزة ضمير، بكل الكبرياء يرفع الواحد منهم وجهه المكشوف نحو السماء، وإن اندفع المولود من الثقب أصبح هو المحكوم عليه مع الأم.

وكان عقل أختي الناقص يمتلئ بالخزعبلات، بينما أنشغل أنا بالعمل النافع، فأقطع الخازوق بسكين المطبخ مثل قطعة من اللحم، أسلقها في الحلة فوق النار، وأعطي أختي لتشرب الحساء دون إدراك، وإن اعترفت لها بالحقيقة لا تصدِّقني، وتقول عني ناقصة العقل، وأن دمي ملوث بغدة الشيطان.

تلقيت أنا وأختي الدروس نفسها من زملاء أبي في الجماعة، لم يكن أبي يسمح لنا أن نلتقي بهم دون حجاب، مع إسدال الستارة السميكة حول السرير، وتسير أختي في موسم الانتخابات، محملة بالبركات، والمنشورات، ووعود محمولة فوق العجلات، بالإعلانات والملصقات، عن الشعب والعدالة والحرية، تترنح الكلمات وأبواق الإذاعات.

لم تكن أختي تتذمر أبدًا، وإن أصبحت هي المرشحة في الانتخابات، يحملوها على العرش لتتلقى الركلات، ثُمَّ يلقون بها بعد الموسم في بئر الملذات، وأنا وأختي داخل جسدنا العاري في برد الشتاء.

أحوط ذراعي حول أختي وأهمس دون صوت: إذا نجحت في دخول الجنة فستحملين لقب الشهيدة. وتهمس أختي في أذني: حانكون شهيدتين مش شهيدة واحدة.

ونكتم الضحكة في أحشائنا مثل المراهقات في شارعنا، نراهُنَّ يمشين بجوار الجدران، وقد نمَت الأعشاب الميتة فوقها والتراب، وكرات الطين الجافة، والمنشورات الممزقة والإعلانات الممسوحة بطفح المجاري، عن المرشحين والمرشحات من كل الجماعات، والأحزاب، والجبهات منهم الأحياء والأموات، يزيد عددهن عن خمسة آلاف أو عشرة أو عشرين أو أكثر، لا يمكن لنا أن نعرف أعداد المراهقات، وأنا وأختي نسير في الظلمة نطل عليهن، كانت أجسادهن غائبة في النوم، فتيات لم يبلغن العشرين عامًا أو الأربعين أو الستين، أرواحهن تلازمنا في ظلام الليل، رغم أن لا أحد من سكان الشارع يتحدث عنهن، أو يذكر التاريخ شيئًا عن موتهن.

وكان هناك صبي مراهق من عمرنا، هو صديقنا الوحيد، أو صديق أختي الوحيدة، يعيش مع أبيه في البيت المجاور، بعد أن ماتت أمه في حادث غير مُعلَن. كبر الصبي منذ الطفولة معنا أنا وأختي، وكان يكسب رزقه بتوزيع المنشورات في المواسم، والإمساكيات والمسابح والأحجبة، لكن متعته الوحيدة في الحياة أن يدقَّ على حافة نافذتنا من الخارج، تقفز أختي من فوق السرير قبلي بدقيقة أو نصف دقيقة، كانت هي الأسبق وأنا من ورائها أتبعها، يتشرب وجهها بحمرة العذرية، نزحف معه تحت السرير لنلعب اللعبة، العريس والعروسة، نتبادل الأدوار، أرتدي زي العريس وتأخذ أختي دور العروسة، وهو الصبي يتفحص الشخصيتين معًا.

كانت بشرته سمراء شاحبة، تعلوها ثلاثة بثور من حب الشباب، تقول عنها أختي: علامات الحب. كانت هي العاشقة للحب العذري، وأنا الناضجة بالعقل والحكمة، أفتح أزرار ثوبي متظاهرة بالنوم أو الموت حتى تتسلل الأصابع إلى جسدي دون عناء.

كانت أصابعه نحيلة شاحبة ترتعش خوفًا من عقاب السماء، وكنت أدربه على فضيلة الشجاعة، لكنه كان ينجذب إلى أختي أكثر مني، تسحره بفنون الأنوثة والتمنع، إن فتح أزرار قميصها تغلقها، تضع أمامه الصعاب، مثل جواد السباق، لا يمتعه إلا القفز على الحواجز.

تقاسمت مع أختي وحبيبها المساحة من البلاط تحت السرير، بدافع اللذة والألم، بالأمل أن يشعر بوجودي مثلها، تملؤني الكراهية لهما هما الاثنين، وأعوي في الليل مثل ذئب، لأملأ قلبهما بالرعب، وكانت أختي مُدرَّبة على الكذب، من طول السير في مواسم الانتخابات، والهتاف بأغلظ الأيمانات، والادِّعاء أن لا شيء يجمعها بالصبي إلا الحب العذري وتوزيع البيانات.

وفي ليلة غاب فيها أبي وأمي قررت التجسس عليهما، رفعت عنهما الغطاء لأكشف عن الحق من الباطل، ولأول مرة أشهد كيف ينتفض الجسد باللذة، كيف تتلاشى برودة البلاط وأحزان الطفولة، كيف تتحول عفونة السوائل المنوية إلى عطر، والمدنس يصبح مقدَّسًا، وتزول من فوق وجه الأرض بقع الدم والدمع.

رأيتهما «الاثنان» معًا، هو يمسح بشفتيه دموعها الهابطة من الرأس إلى القدم، وهي تسرح شعر عانته الغزير بالمسك، كما كانت تفعل أمي بشارب أبي ولحيته، بينما موسيقى كحرية تنبعث من السماء تبارك الحب، كأنما هي الصلاة يؤديها الصبي وأختي تحت السرير فوق البلاط.

ظللت قابعة في مخبئي، متكورة حول نفسي كالقنفذ، أشهد بلوغهما القمة، المرة بعد المرة، حتى أذان الفجر، وحاولت الوقوف على قدمي في النهاية دون جدوى، كانت عظامي تلين من تحتي كالعجين، وشحنات الدم العذري تلهب وجهي، مهانة الغيرة كالجنين، تملؤني بالسائل المر، المتراكم في أحشائي منذ الطفولة.

غضبت من الصبي إلى حد الكره، بدأت أثير غضبه أو غيرته عليَّ، فأظهر الشبق لرجال كبار من زملاء أبي، إن لم يكن هناك رجل إلا أبي أحاول معه أيضًا، حتى أثرت غيرة أمي وغضبها، أصبحت تصفعني على وجهي المرة بعد المرة، وإن هربت منها تصفع أختي نيابةً عني.

كنت أهرب مع أي رجل يصادفني، أبتلع في جوفي جرعات السبرتو الأحمر، بهدف قتل الجنين بالسم، أو إفراغ جوفي من السائل المر، أمضغ بين أسناني قطعة حشيش، وأعض بأنيابي أي خازوق، وأحرض أختي أن تفعل مثلي، ومراهقات كثيرات من عمرنا، أحرضهن على المقاومة والظهور من تحت الحجب، أو الكشف عن وجوههن المختفية تحت المساحيق.

كانت أختي تترنح مثلي بعد أن تشرب السم، ومن حولها العذراوات يؤدين رقصة الملائكة، والمساحة ضيقة تشبه الغرفة التي نعيش فيها، لكنها مفتوحة على السماء، وأنا أرقص تحت ضوء القمر، لم أدرك أنني عارية إلا حين رأيت نفسي في المرآة، وكانت أختي إلى جواري واقفة، تكاد تلتصق بي.

رأيت لأول مرة بطنها المرتفع المملوء بالفرح والحزن، يرمقه أبي وهو راقد في السرير، يبربش بعينيه ويرمقه، يزم شفتيه ويرمقه بضيق، كأنما ينظر إلى نفسه في المرآة.

ثُمَّ انغلقت بوابات السماء المفتوحة، راحت الشمس وراح القمر وعمت الظلمة، دخلت إلى الشق الذي أنام فيه فوق السرير، في المساحة بين أختي وأمي، كانت أمي غائبة في النوم، وأختي لم تكن موجودة، بحثت عنها في كل مكان، ثُمَّ وجدتها راقدة فوق البلاط تحت السرير، عيناها مغلقتان وبطنها مفتوح بالسكين.

وضعت رأسي فوق صدرها كما أفعل كل ليلة، وبكيت دون صوت، حتى لا أوقظ أمي أو أبي، وهمست في أذنها: إذا نجحت في دخول الجنة فستحملين لقب القتيلة. وهمست أختي في أذني: حانكون قتيلتين مش قتيلة واحدة. وأدركت لأول مرة أن أختي هي أنا.

١  القاهرة، ٧ / ١١ / ٢٠٠٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤