النشيد القومي

رأينا أن ننشر هذا النشيد بعد ما كتبناه عن نشيد شوقي، ليقارن القراء بينهما ويعلموا ما الذي يخشاه شوقي من التفات الأذهان إلى غيره، فإن صاحب النشيد المنشور هنا شاب لم يظهر بعد شيئًا من شعره للقراء، وشوقي يملأ طباق الأرض باسمه كل يوم منذ نيف وثلاثين سنة، ومع هذا فالفرق بين النشيدين لا يخفى على أحد، وقد اتصل بنا أنه كان ثالث الأناشيد التي اختارتها اللجنة، فإذا حسبنا للمحاباة حسابها جاز أن نقول إنها حكمت بتفضيله على نشيد «كبير الشعراء»، ويرى القارئ التفاوت بين النشيدين حتى في الخصلة التي اشتركا فيها، فإن مخاطبة الشعب هنا أشبه بمناجاة النفس، وهي في نشيد شوقي مخاطبة أجنبي معتزل للشعب الذي يناديه. وهذا هو النشيد:
يا بني النيل وأحفاد الألى
أطلعوا الفجر لتاريخ قديم
رفعوا الأهرام والعالم لا
يبتني إلا خصاصًا من هشيم
اذكروا أن ثرى هذا البلدْ
من تجاليد الجدود العظماءْ
لا تطأها أرجل العادي الألدْ
وبكم أبناءهم بعض الذماءْ
تربها التبر المصفى المنتقدْ
لا الذي يقني الشحاح الأدنياءْ
فامنعوا كنزكمُ أن يبذلا
أو تعيشوا عمركم عيش عديم
لن تروا في الأرض عنه بدلا
ما لكم كنز سوى هذا الأديم

•••

اذكروا أن عليكم واجبَا
لبنينا في بطون الأعصرِ
فاحفظوا هذا التراث الواصبَا
فهو حق الوارث المنتظرِ
نتقاضي الإرث عصرًا ذاهبَا
فلنصنه للعصور الأخرِ
سنؤديه إليهم أكملَا
لم يغيره زمان أو خصيمْ
فحمى مصر تحاماه البلى
وبنوها خير من يحمي الحريمْ

•••

اذكروا حاضركم كيف يقامْ
ليس يغنينا تليد القدماء
ما التماثيل المهيبات الجسامْ
وأبو الهول رهين الصحراء!
ما المسلات على باب الرجامْ
والنواويس وفيها المومياء!
ما عظيم تالد من العلا
في ثنايا حاضر غير عظيم!
فاجعلوا عهد العلا متصلَا
كاتساق الدر في العقد النظيم

•••

اذكروا مهما بلغتم سؤددَا
أنكم لم تبلغوا أوج الكمال
أبعدوا فوق المنال المقصدَا
فبنو الشمس لهم أقصى المنال
كم عبدنا قرصها المتقدَا
فاتقدنا في حماس ونضال
نبتني الهيكل يتلو الهيكلا
خالدًا في ساحة الرمل مقيم
وسيبقى موطن الشمس إلى
يوم لا يبقى لها قرص ضريم

•••

اذكروا أن التفاني والغلابْ
في سبيل المثل الأعلى البعيد
نفثا فيكم وأنتم من ترابْ
شعلة غراء من معنى الخلود
شعلة تجلو عن الحق الحجابْ
وتصفي النفس من رجس الوجود
فاضرموا في النفس هذي الشعلا
اضرموها تكفلوا الفوز العميم
مثلما أضرمت النار على
مذبح الرب بمحراب كريم

•••

اذكروا ذلك وامضوا قدمَا
لا تكن وجهتنا غير الأمام
تزدجينا دقة القلب كما
يُقرَع الطبلُ لجرَّارٍ لُهام
فنسوغ الموت ذودًا للحمى
ونذيل العمر سعيًا واعتزام
فبحق نحن أحفاد الألى
أطلعوا الفجر لتاريخ قديم
رفعوا الأهرام والعالم لا
يبتنى إلا خصاصًا من هشيم
عبد الرحمن صدقي

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤