ورقة قديمة قذرة

عندما وصل المفتش «سامي» كان معه أحد ضبَّاط البحث الجنائي يحمل عدسةً مكبِّرةً لفحص الأوراق. وقد بدأ المغامرون الخمسة والمفتش «سامي» والضابط «أحمد» عملهم في فحص الورق فورًا، وأخذ «تختخ» يُدوِّن مواصفات كل ورقة وما عليها.
  • الورقة الأولى: كشف حساب منزلي … به كيلو لحم كندوز، و٢ كيلو كوسة، وكيلو طماطم، وحسابات أخرى. وفي ظهر الورقة حساب آخر به مرتب موظَّف ووجوه إنفاق هذا المرتب.
  • الورقة الثانية: صفحة منزوعة من كتاب مذكِّرات سياسي مصري عن ثورة ١٩١٩م، ودور «سعد زغلول» فيها. وفي ظهر الورقة الحديث نفسه عن الثورة.
  • الورقة الثالثة: ورقة صغيرة مقطوعة من جريدة يومية تتحدَّث عن سرقة وقعت في منزل أحد أساتذة الجامعات في أثناء سفره مع أسرته إلى المصيف، ونوع المسروقات. ولم يكن بالورقة تفاصيل عن القبض على الجناة، وإنما كان بها أن المسروقات تُساوي ألف جنيه.
  • الورقة الرابعة: ورقة من كراسة تلميذ في المدرسة يدرس الجبر، وقد كانت المسألة المطلوب حلها صعبة، ولكن التلميذ استطاع حلَّ المسألة.
  • الورقة الخامسة: ورقة من جريدة غير معروفة الاسم، فيها تهنئة من ناظرة مدرسة تُهنِّئ المربي الفاضل الأستاذ «جعيص» بترقيته مديرًا عامًّا. وظهر الورقة مطموس تمامًا عدا كلمات هي: مصر منذ ٤ آلاف سنة.
  • الورقة السادسة: ورقة من جريدة الجمهورية بها عنوان كبير: «وقَع ملك التزييف.» ثم كلمات مطموسة: «زوَّر ختمًا رسميًّا … بضائع …» وفي ظهر الورقة صورة لفريق رياضي غير معروف في مصر.

بعد أن انتهى فحص الأوراق قال المفتش: إننا نستطيع استبعاد ورقة حساب اللحمة والخضار، كما نستطيع استبعاد ورقة السياسي الذي يتحدَّث عن ثورة ١٩١٩م، والورقة الخاصة بالتلميذ النابغة الذي استطاع حل مسألة الجبر، فتبقَّى عندنا ثلاث ورقات يمكن أن نهتم بها … الورقة التي تتحدَّث عن سرقة منزل أستاذ الجامعة.

وهنا قال «محب»: يجب أن نتذكَّر أن هذه الورقة فيها تقدير للمسروقات بأنها تُساوي ألف جنيه، وقد كان الرجل يهذي بكلمة: ألف … ألف … في أثناء وجودي في منزل الدكتور «رياض».

قال المفتش: هذه ملحوظة مُهمَّة جدًّا، وسوف أبحث هذا الحادث، وأرى ما جرى فيه، وهل قُبض على اللصوص أولًا.

ثم مضى المفتش يقول: وهناك الورقة الخاصة بالمدير «جعيص»، ولا أظن أنها تُهمُّنا في شيء، وهي الورقة الخامسة. ثم هناك الورقة السادسة، وهي مُهمَّة جدًّا، وفيها عنوان: «وقع ملك التزييف»، فلعل هناك أسرارًا أخرى لم تُكتشف عن هذا الملك المزيِّف.

وطوى المفتش الورقتَين قائلًا: شكرًا للمغامرين الخمسة، وسوف أتصل بكم إذا ظهر شيء هام.

وانصرف المفتش «سامي» ومعه الضابط، وجلس المغامرون الخمسة وقد كسا وجوههم الوجوم … فقد ظنوا أنهم كانوا في أثر شيء هام، ثم اتضح أنهم كانوا واهمين.

ومرةً أخرى وجد «عاطف» الفرصة للسخرية فقال: لقد انتهت المسألة بحصولنا على أربع ورقات قديمة … ربما كان أهم ما فيها مسألة الجبر التي حلَّها الطالب النجيب … وكشف اللحم والكوسة الذي قد نستفيد منه في مستقبل أيامنا عندما نكبر، وورقة السياسي … وورقة الأستاذ «جعيص»!

وأمسكت «لوزة» بالورقات التي تركها المفتش والتي تقرَّر إهمالها لعدم أهميتها، وأخذت تُعيد النظر في ورقة حسابات الأكل، وقالت بصوت هامس: أليس من الممكن أن تكون عليها كتابة بالحبر السري مثلًا؟

سمع «تختخ» كلمة الحبر السري فقال: نستطيع إجراء تجرِبة؛ فنحن نعرف أن بعض أنواع الحبر السري تظهر بتسخين الورقة … هاتي مكواةً ساخنةً يا «نوسة».

وأسرعت «نوسة» إلى داخل المنزل، ومضت بضع دقائق والأصدقاء يتبادلون بعض الأحاديث، ثم عادت «نوسة» ومعها مكواة كهربية ساخنة … وتجدَّد الأمل في العثور على كتابة بالحبر السري، وأمسك «تختخ» بالورقة الأولى ورقةِ حساب اللحم والخضار … وأجرى المكواة على وجهها فلم يظهر شيء على الإطلاق، وبقيت الورقة كما هي؛ مجرَّد حساب الغذاء في منزل ما.

ومرةً أخرى جرَّب «تختخ» المكواة على الورقة الثانية، ورقة الطالب النجيب الذي حلَّ مسألة الجبر … وتعلَّقت أنظار الأولاد بالورقة … ولكن المكواة مضت عليها بدون أن تُظهر أي شيء … وبقيت الورقة مجرَّد امتحانٍ لتلميذ مذاكر، وكذلك كانت ورقة السياسي الذي أرَّخ لثورة ١٩١٩م.

لم يبقَ سوى ورقة الصحيفة، ولم يكن ممكنًا أن يكون عليها أي كتابة، ولكن «لوزة» بإصرارها العجيب أمسكت بالمكواة وأخذت تمر بها على الورقة، وقد تعلَّقت عيناها بها … ولكن الورقة بقيت كما هي؛ مجرَّد ورقة تحية من ناظرة إلى الأستاذ «جعيص».

ولم يعُد هناك ما يمكن عمله، وبدا اليأس على الوجوه لولا أن ظهر آخر من كانوا يتوقَّعون … الشاويش «فرقع»!

دخل الشاويش الحديقة مهرولًا، وعندما وصل إلى الأصدقاء صاح: أين سيادة المفتش؟

ونظر إليه «عاطف» في بلاهة وقال: المفتش؟! إننا لسنا في أوتوبيس يا حضرة الشاويش!

الشاويش في غضب: لا تدَّعوا العبَط! … إنني أسأل عن المفتش «سامي».

عاطف: المفتش «سامي»؟ آه، إنه ليس موجودًا الآن … تعالَ وفتشني.

كان وجود الشاويش كافيًا لإنعاش الأصدقاء، وتبادلوا النظرات، واتفقوا بدون كلمة واحدة على أن يعرفوا من الشاويش أخر تطوُّرات التحقيق، وهل وصل إلى شيء؟

قال «تختخ» بخبث شديد: لقد جاء المفتش خلف أدلة قيل إنها ظهرت عن الرجل الذي وُجد في منزل الدكتور «رياض».

الشاويش: نعم، لقد حضرتُ من أجل هذه الأدلة … أين المفتش؟

تختخ: إنه يبحث الأدلة الآن.

الشاويش: أين؟

تختخ: لن نقول لكَ حتى تقول لنا ما هي الأدلة الجديدة.

الشاويش: أرجوكم بسرعة … أُريد أن أعرف مكان المفتش … قد سألتُ عنه في مكتبه، فقالوا لي إنه حضر إلى المعادي.

تختخ: يا حضرة الشاويش، لقد جاء المفتش إلى هنا، وعرفنا كل شيء عمَّا حدث، واختطاف الرجل من المستشفى، ومن الأفضل أن تقول لنا معلوماتك الجديدة؛ حتى ندلَّكَ على مكان المفتش.

شعَر الشاويش أن رأسه يكاد ينفجر من الغيظ، ولكن لم يكن أمامه إلا أن يقول ما عنده، فقال: لقد قال لي أحد الممرِّضين إن الرجل المصاب كان يهذي باسمه طول الوقت ويقول: أنا «الروبي» … «الروبي» … الدكتور «رياض» «رياض».

تختخ: هل هذا كل ما حصلتَ عليه؟

الشاويش: وهل تظنني أكذب؟ أين سيادة المفتش؟

تختخ: إنه في مكتبه.

وكأنما انفجرت قنبلة في وجه الشاويش. لقد استطاع هؤلاء الأولاد العفاريت أن يضحكوا عليه … حصلوا على المعلومات ولم يقولوا له أين المفتش، فصاح وهو في أقصى حالات ثورته: هل هذا كل ما تعرفه؟

تختخ: وهل تظنني أكذب؟

كان الرد أكثر ممَّا يحتمله الشاويش فصاح: فرقعوا من وجهي! … فرقعوا جميعًا!

وهزَّ «عاطف» رأسه في أسًى وقال: أظن أننا لن نستطيع الفرقعة من هنا يا حضرة الشاويش؛ فنحن في منزلنا.

واكتشف الشاويش حقًّا أنهم في منزل واحد منهم وليسوا في الشارع، فاستدار على عقبَيه وغادر الحديقة وهو يتوعَّد الأصدقاء، ولكن الكلب «زنجر» الذي ظلَّ هادئًا طوال الوقت لم يُعجبه الوعيد، فطار خلفه، وأعمل أسنانه برفق في إحدى قدمَيه، ممَّا جعل الشاويش يقفز جاريًا وقد ارتفع صوته بمزيدٍ من التهديد، ثم قفز إلى درَّاجته واختفى.

عاد «زنجر» يهز ذيله، في حين انهمك الأصدقاء في مناقشة ما سمعوا من الشاويش … لقد اتضح الآن أن الرجل «الروبي» كان يقصد منزل الدكتور «رياض» حقًّا ولم يكن ذلك بالمصادفة، وهذا دليل هام نحو معرفة الحقيقة … فما هي علاقة الدكتور «رياض» بهذا الرجل؟! … ولماذا كان «الروبي» يُريد مقابلةَ الدكتور؟ وهل هذه المقابلةُ لها علاقةٌ بورقةٍ من الأوراق التي وجدها «محب»؟ كانت الأسئلة كثيرةً كالمعتاد … والإجابات قليلة … وقال «محب»: تعالَوا نحاول مقابلة الدكتور «رياض» … إن مناقشةً معه قد تكون مفيدةً في كشف بعض الحقائق. لقد قال الدكتور «رياض» في أثناء التحقيق الأوَّلي إنه يذكر هذا الرجل … «الروبي». طبعًا لم يقل الدكتور إنه يذكر اسمه، لكنه قال إنه يذكر شكله … ولعله — لو قلنا له الاسم — يتذكَّر الرجل. وافق الأصدقاء على الاقتراح وركبوا درَّاجاتهم، وخلفهم «زنجر»، واتخذوا الطريق إلى منزل الدكتور «رياض».

عندما وصل الأصدقاء إلى فيلا الدكتور «رياض» كانت مفاجأةً لهم أنه وجدوا الفيلا مغلقة، وباب الحديقة مغلقًا، والنوافذ مغلقة … كل شيء كان مغلقًا.

دار الأصدقاء حول الفيلا مرتَين … فلم يجدوا منفذًا إلى دخولها، ولم تكن هناك حياة؛ وبحث الأصدقاء عن البستاني أو البوَّاب، ولكن أحدًا منهما لم يكن موجودًا … ولم يكن أمامهم إلا اللجوء مرةً أخرى إلى الكوَّاء … وتقدَّم منه «محب» لأنه تعامل معه من قبل، وسأله عن الدكتور «رياض» فقال: لقد أغلقتُ باب الدكَّان أمس بعد منتصف الليل … ربما في الواحدة والنصف صباحًا، وكان الدكتور «رياض» ما زال ساهرًا؛ فقد كان عنده ضيوف حضروا في سيارةٍ كبيرة، ومررتُ أمام الفيلا فوجدتُ نافذة غرفته مفتوحة، وسمعتُ حوارًا بين عدد من الأشخاص بصوت مرتفع، وكأنهم في خناقة … وذهبت إلى منزلي، وعندما عدتُ في الصباح وجدتُ الفيلا مغلقةً تمامًا، وليس بها أثر لحياة.

عاد «محب» فروى للأصدقاء ما سمعه، وأحسُّوا جميعًا أن اللغز يزداد تعقيدًا … وقالت «نوسة» معلِّقة: إنه لم يعد لغز «الروبي» وحده … لقد أصبح لغز الدكتور «رياض» أيضًا. واتجهوا جميعًا متثاقلين إلى منازلهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤