الورقة الثالثة

في صباح اليوم التالي اتصل المفتش «سامي» ﺑ «تختخ»، ودار بينهما حديث طويل حول الرجل الذي خُطف، والرجل الذي غاب؛ الدكتور «رياض»، وعن الأوراق التي أخذها المفتش «سامي» معه لبحثها … قال المفتش: إن الورقة الخاصة بسرقة منزل أحد مديري الجامعات منزوعة من جريدة الأخبار، وقد تمكَّن رجال الشرطة من القبض على العصابة التي سرقت المنزل، وهم جميعًا الآن في انتظار المحاكمة … وليس هناك أي لغز وراء هذه السرقة، وبخاصةٍ أن المسروقات قد رُدَّت إلى صاحبها، ولم تعُد هناك ذيول لحادث السرقة.

قال «تختخ»: والورقة الثانية؟

ردَّ المفتش: الورقة الثانية الخاصة بملك التزييف تتعلَّق برجل كان يُجيد التزييف، وقد زيَّف الشهادات والأوامر الإدارية وغيرها من الأوراق الحكومية. وقد وأوقع به رجال الشرطة … وصادروا أدوات التزييف، ولم يعُد هناك شيء خفي حول هذا الموضوع. وقد فحصنا كل شيء في هذه القضية ولم نجِد شيئًا يستحق الذكر … لا أسرار أو ألغاز، ولا علاقة لملك التزييف هذا بالرجل المدعو «الروبي»، ولا بالدكتور «رياض» ولا بأي شيء ممَّا حدث في المعادي!

تختخ: معنى ذلك أن «محب» كان واهمًا عندما تصوَّر أن الورقة التي وجدها في منزل الدكتور «رياض» لها علاقة بالرجل المطارَد.

المفتش: أو أن الورقة التي كان لها قيمة لم يعثر عليها «محب» في عربة «الزبالة»؛ فمن الصعب أن تعثر على ورقةٍ صغيرةٍ في كل هذه الأوراق وبقايا الطعام وغيرها من قمامة المنازل.

تختخ: شيء غاية في الغرابة! … ولكن ما رأيك في اختفاء الدكتور «رياض»؟

المفتش: لا أظن أننا يجب أن نُطلق عليه اسم اختفاء؛ فقد يكون الرجل قد سافر للمصيف، أو ذهب في زيارة، أو شيء من هذا القبيل، ولعله يعود بين لحظة وأخرى، وعلى كل حال سوف أُكلِّف بعض رجالي بالبحث عنه.

تختخ: يبدو أن هذا اللغز كان مجرَّد فقَّاعة في الهواء.

المفتش: لا تنسَ أن هناك رجلًا خُطف من المستشفى.

تختخ: لعلَّه لم يُخطف، بل ترك المستشفى بمحض إرادته عن طريق النافذة.

قال المفتش ضاحكًا: في هذه الحالة يمكن اتهامكم بإزعاج السلطات بدون مسوِّغ، وهذه جريمة عقوبتها الغرامة.

تختخ: سندخر الغرامة حتى تتصل بنا.

انتهت المكالمة، وترك «تختخ» نفسه لتفكير عميق … أهناك لغز حقًّا أم مجموعة مصادفات؟ وهل كان «الروبي» يقصد منزل الدكتور «رياض» حقًّا بدليل أنه كان يهذي باسمه، أو أن قصده دكتور «رياض» آخر؟!

وقطع عليه حبل تفكيره صفارة من الحديقة عرف فيها صفارة «عاطف»، فأطل من النافذة، فشاهد «لوزة» و«عاطف» في الحديقة، وأشارا له بالنزول، فأسرع ينزل، وروى للصديقَين ما قاله له المفتش «سامي».

قال «عاطف»: إن «لوزة» عندها إحساس كالمعتاد بأن ورقةً من الأوراق الثلاث التي استبعدناها فيها رائحة لغز. وما دمتَ تثق بإمكانيات أنف «لوزة» فاسمع منها.

قالت «لوزة» وهي تُخرج الورقة من جيبها: إن الورقة التي أقصدها هي الورقة التي تُهنِّئ فيها إحدى ناظرات المدارس الأستاذ «جعيص» بترقيته إلى منصب مدير.

قال «تختخ»: لا أظنك يا «لوزة» تقصدين أن اللغز الذي نبحث عنه متعلِّق بهذه التهنئة!

وأضاف «عاطف» ساخرًا: أو بالأستاذ «جعيص»!

ردَّت «لوزة»: انتظرا قليلًا من فضلكما. لقد اهتممنا بأحد وجهَي الورقة الذي به بعض الكلمات الواضحة، ونسينا الوجه الآخر وعليه كلمات: منذ ٤ آلاف سنة … ومنذ أربعة آلاف سنة كان الفراعنة يحكمون مصر.

تختخ: وماذا في ذلك؟! هل التاريخ المذكور هو موضوع اللغز؟

لوزة: نعم … هذا ما أقصد!

تختخ: كيف؟

لوزة: لسبب بسيط غاب عنا … هو أن الدكتور «رياض» عالم آثار فرعونية، وهذا الرجل «الروبي» لجأ إليه، وفي يده ورقة خاصة بأحد الفراعنة؛ فهناك إذن صلة بين الدكتور «رياض» وفرعون الذي حكم مصر من ٤٠٠٠ سنة!

نظر «تختخ» إلى «عاطف»، ونظر «عاطف» إلى «تختخ»، ثم نظر الاثنان إلى «لوزة» … لقد كان في كلامها كثير جدًّا من المنطق.

وأضافت «لوزة»: إنني أُريد أن أعرف اسم الجريدة التي نشرت الموضوع الخاص بالأستاذ «جعيص» أو فرعون؛ لعلَّ في المقال الذي نُشر عن فرعون ما يكشف لنا شيئًا من هذا اللغز.

تختخ: معكِ حق.

ومدَّت «لوزة» يدها بالورقة إلى «تختخ» وأضافت: لقد تحدَّثتُ مع «نوسة» وطلبتُ منها أن تبحث عن الأُسرة الفرعونية التي حكمت مصر منذ ٤ آلاف سنة، وستحضر خلال دقائق.

ولم تكَد «لوزة» تنتهي من حديثها حتى كانت «نوسة» و«محب» يدخلان الحديقة. كانت «نوسة» دائرة معارف المغامرين الخمسة؛ فهي تُحب القراءة والتأمُّل؛ لذلك يلجئون إليها دائمًا عندما يُريدون معرفة شيء من الكتب.

جلست «نوسة» وقد أمسكت بورقة وسألت «تختخ»: هل اقتنعتَ بوجهة نظر «لوزة»؟

ردَّ «تختخ»: الحقيقة أنها وجهة نظر مقنعة. وما رأيك أنت؟

نوسة: إنني مقتنعة أيضًا، وقد بحثتُ عن الأسرة التي حكمت مصر منذ أربعة آلاف سنة، ووجدتُ أنها الأسرة الثانية عشرة، ومن فراعنتها «أمنمحات» الأول والثاني والثالث والرابع.

محب: ولكن ما المناسبة التي دعَت إحدى الصحف إلى أن تكتب عن هؤلاء الفراعنة؟

لوزة: إن في إمكاننا — إذا حدَّدنا الصحيفة التي كتبت الخبر، وحصلنا على العدد الذي كُتب فيه عن هذا الفرعون — أن نعرف ما هي حكاية «أمنمحات»، وما الذي دفع الصحيفة إلى أن تكتب عنه؟

تختخ: إن ذلك ليس صعبًا؛ فكل صحيفة لها طابع مُعيَّن فيما تكتب، ونوع مُعيَّن من الورق، و«بنط» معين، وحروف معينة.

لوزة: ماذا تقصد ﺑ «البنط» يا «تختخ»؟

تختخ: الحجم الذي تكون عليه الحروف. وأكثر «الأبناط» استعمالًا وهو ما نراه في الجرائد عادة، هو «بنط» ٩، وأكبر منه «بنط» ١٢، وأكبر منه «بنط» ١٦، ثم «بنط» ١٨ وهو قليل الاستعمال … وبالرغم من تشابه الحروف، فلكل جريدة طابعها الخاص في الإخراج.

نوسة: مسألة سهلة إذن … هاتوا الجرائد الصباحية الثلاث، ونحن نعرف ما هي الجريدة التي كتبت عن «أمنمحات» … ثم يذهب أحدنا إليها، ونستطيع استخراج النسخة الخاصة التي نشرت موضوع هذا الفرعون، ونعرف الحكاية.

أسرع «تختخ» إلى داخل منزلهم، وأحضر الجرائد الثلاث: الأهرام والأخبار والجمهورية، وجلس الأصدقاء الخمسة يُقارنون بين مختلِف أشكال الطباعة في كل جريدة، واتفقوا جميعًا على أن الجريدة التي نشرت الموضوع هي جريدة «الأهرام».

قال «محب»: لقد ذهبتَ قبل الآن يا «تختخ» إلى جريدة الأهرام، عندما كنا نعمل في حلِّ لغز «الوثائق السرية»، ولعلَّك تستطيع أن تتفاهم مع صديقك هناك؛ ليستخرج لكَ العدد الذي نُشر به الموضوع.

تختخ: في إمكاني هذا طبعًا، وتستطيع أن تأتي معي.

واتفق المغامرون الخمسة على أن يذهب «تختخ» و«محب» إلى «القاهرة» لزيارة جريدة الأهرام، على أن يذهب بقية الأصدقاء إلى حديقة منزل «عاطف» حيث اعتادوا الجلوس هناك عند الكشك الصغير.

وهكذا انطلق الصديقان إلى محطة المعادي، وبعد نصف ساعة تقريبًا كانا يقتربان من مبنى الأهرام الضخم في شارع الجلاء، وذهبا معًا إلى الاستعلامات حيث تحدَّث «تختخ» مع صديقه الأستاذ «محمود مراد» الذي رحَّب بمساعدتهما.

وبعد أن استقبلهما المحرِّر، ذهبوا جميعًا إلى قسم الأرشيف والمعلومات، وهو قسم كبير مُنظَّم على أحدث نظم الأرشيف والوثائق والمعلومات في العالم، ولم يستغرق بحثهم عن موضوع «أمنمحات» سوى دقائق قليلة، وعثروا على الموضوع.

كان الموضوع يشغل مساحة ثلث صفحة تقريبًا، تحت عنوان «توت عنخ آمون يجد منافسًا». وكان المحرِّر الذي أعَدَّ الموضوع يتحدَّث عن كشفٍ أثري هام في «الفيوم» حول هرم الملك «أمنمحات الثالث» … وروى المقالُ أن كل الدلائل تُشير إلى أن هذا الكشف الأثري مُقبلٌ على مزيدٍ من الكشوفات الأثرية الهامة، تَفتح صفحاتٍ كانت مجهولةً في تاريخِ مصرَ الفرعوني خلال حُكم «أمنمحات الثالث»، فرعون مصر منذ نحو ٤ آلاف سنة؛ فقد كشف البحث الأثري عن أكثر من ١٠٠ مقبرة و١٥٤ مومياء، وعلى تماثيل وتمائم وآنية بلا حصر.

وقال المحرِّر إن بطن الأرض ما زال يُخفي أكثر ممَّا أعطى، وإن الأيام ستضع كشف «الفيوم» الأثري — إذا صدقت توقُّعات علماء الآثار — في مقام كشف «توت عنخ آمون» الذي أقام الدنيا وأقعدها منذ ٤٥ سنة.

وقال كاتب المقال: إن قصر التيه سوف تكشف عنه الحفريات القادمة في منطقة هوارة. وإن بحر وهبة — وهو ترعة لمياه الري — قد اخترقت قصر التيه وأتلفت محتوياته كما أتلفت هذه المياه من قبلُ مومياء الأميرة «نفرو بتاح» ابنة «أمنمحات الثالث». وإن تابوت الملك «أمنمحات الثالث» نُهب في عصر بعيد، وضاعت مومياؤه، إلا أن هناك أملًا في أن يكون هذا الفرعون قد خدع اللصوص وشيَّد لنفسه غرفةَ دفنٍ أخرى غير غرفة الدفن التي نُهبت.

وجاء في المقال أن الأثريين عثروا بجوار تابوت الأميرة «نفرو بتاح» على حُلِي وأوانٍ فضية قُدِّرت بأكثر من مليون جنيه.

وطلب «تختخ» من صديقه أن يحصل على نسخةٍ من المقال، وسرعان ما أُعِدَّت نسخة حملها من هناك وأخذها معه شاكرًا، وانصرف هو و«محب» عائدَين إلى المعادي.

وعندما جلسا في القطار كان «تختخ» مستغرقًا في تفكير عميق، فقال «محب»: إنك تُفكِّر في شيء هام يا «تختخ»، فما هو يا ترى؟

ردَّ «تختخ» وكأنه يحلم: هل تتذكَّر كلمات «الروبي»؟ … لقد كان يقول ألف ألف ألف … إنه لم يكن يقصد رقم ألف، ولكن يقصد المقطع الأول من كلمة: «الفيوم»، نعم «الفيوم» … هذا هو اللغز!

عندما اجتمع الأصدقاء في حديقة «عاطف» كانت أمامهم حقائق كثيرة، وبعد أن كانوا يبحثون عن إبرة في كومةٍ من القش، أصبح عندهم الكثير من الأدلة يكفي لوضع تصوُّر للأحداث التي مرُّوا بها والتخطيط لما ينبغي عمله في المستقبل.

قال «محب» مُلَخِّصًا الموقف: عندنا مجموعة من المعلومات والأدلة يمكن أن تُكوِّن قصة … فهناك رجل يدعى «الروبي» كان يُريد الوصول إلى الدكتور «رياض»؛ ليقول له شيئًا يتعلَّق بكشفٍ أثري في «الفيوم»، وقد أحضر في يده ورقةً عن هذا الكشف الأثري، لا ندري لماذا أحضرها، ولا كيف حصل عليها، ولا متى حصل عليها … ويصل «الروبي» إلى فيلا الدكتور «رياض» وخلفه رجل أو أكثر يطارده، ونحن لا نعرفه … ويتمكَّن المجهول من ضرب «الروبي» وأخذ الجزء الأكبر من الورقة التي تتحدَّث عن كشف «الفيوم» الهام، وقد عرفنا الآن ما في هذه الورقة، ولكن «الروبي» اختفى، وكذلك الدكتور «رياض»، فلم يعُد أمامنا مكان يمكن الذهاب إليه، ولا ناس يمكن الحديث إليهم.

قالت «نوسة»: لا، إن أمامنا ناسًا يمكن الحديث إليهم.

عاطف: ورحلة شاقة إلى «الفيوم».

لوزة: تستطيع أن تبقى أنت!

تختخ: قبل أن نُقرِّر السفر يجب أن نتصل بالمتفش «سامي» ونُخطره بكل هذه الحقائق.

وانهمك «عاطف» في قراءة الموضوع الصحفي، في حين أسرعت «لوزة» وأحضرت التليفون، وأدار «تختخ» قُرص الأرقام برقم تليفون المفتش «سامي»، ولكن اتضح أن المفتش قد قام برحلةٍ سريعة إلى أسوان للتحقيق في قضية هامة … ووضع «تختخ» السمَّاعة قائلًا: إن المفتش ليس موجودًا، ولم يعُد أمامنا إلا أن نعتمد على أنفسنا ونُسافر … إن علينا أن نصل إلى هوَّارة حيث بنى «أمنمحات الثالث» قصر اللابرانت وهرمه ومعبده الجنائزي.

عاطف: لقد لحظتُ شيئًا في الموضوع المنشور في الأهرام … إنهم لم يعثروا على آثار هامة؛ فقد سرق اللصوص قبر «أمنمحات الثالث»، وتسرَّبت المياه إلى مقبرة الأميرة «نفرو بتاح»، وأتلفت مومياءها، ولكن هناك أشياء ذات قيمةٍ ماديةٍ كبيرة، منها بعض رقائق الذهب والعقود الذهبية، وثلاث أوانٍ فضية عُثر عليها بجوار التابوت تُساوي أكثر من مليون جنيه. وإذا لم يخِب ظني فإن هذه الحُلِي الذهبية أو هذه الأواني الفضية هي مدار هذا اللغز.

محب: إنكَ تسبق الحوادث يا «عاطف».

عاطف: أبدًا؛ فليس من المعقول أن يسرق اللصوص هرم «أمنمحات الثالث» مثلًا أو يسرقوا قصر اللابرانت … الذي لم يظهر على وجه الأرض بعد! … ولكن المعقول أن يسرق اللصوص الأواني أو الحُلُي الذهبية.

نوسة: ومن الذي تحدَّث عن لصوص في هذا الموضوع؟

عاطف: إذن ما هو اللغز؟ … وعن أي شيء نبحث؟ … إنكم تُكوِّنون قصةً ظريفةً عن رجل يجري، ورجل يُطارده، ودكتور في الآثار، ومدينة اسمها «الفيوم» … ولكنكم لا تقولون لنا ماذا وراء كل هذه الدوشة، ولا عن أي شيء نبحث عندما نذهب إلى هوَّارة هذه؟!

تختخ: معكَ حق، ولا بأس أن نتبنَّى وجهة نظركَ كبداية للبحث، ونُريد الآن خريطةً لمنطقة «الفيوم» تُبيِّن آثارها … هيا أيتها المثقَّفة العظيمة هاتي لنا المطلوب.

نوسة: لا بد أن أعود إلى منزلنا وأقضي بعض الوقت في البحث … وأقترح أن يكون ذلك بعد الظهر، وسأُحدِّثك تليفونيًّا عندما أجد الخريطة … فمتى نرحل؟

تختخ: في الصباح الباكر.

لوزة: هل نأخذ معنا «زنجر»؟

تختخ: إنها مشكلة في المواصلات أن تأخذي كلبًا معك.

لوزة: لا بد أن نأخذه؛ فإنني أعتقد أننا سنحتاج إليه.

محب: لا بأس ولكن أين ننزل؟

تختخ: عند صديقنا «عوَّاد» الذي نزلنا عنده عندما اشتركنا في مطاردة المهرِّب الدولي … وحللنا اللغز الذي يحمل الاسم نفسه.

في المساء اتصلت «نوسة» تليفونيًّا ﺑ «تختخ»، وقالت له: لقد أخرجتُ كلَّ الكتب التي تتحدَّث عن عهد «أمنمحات الثالث».

تختخ: إننا لا نُريد بحثًا عن هذا الفرعون، ولكننا نُريد خريطة.

نوسة: وقد عثرتُ على خريطةٍ تُبيِّن موقع هوَّارة حيث بنى «أمنمحات الثالث» هرمه … إنها قريبة من بحيرة «قارون» لحسن الحظ.

تختخ: هذا ما يُهمُّنا!

نوسة: سأنقل صورةً من الخريطة وأهم المعلومات عن الهرم وقصر اللابرانت.

تختخ: لا بأس … وإلى اللقاء في السادسة صباحًا عند محطة المترو.

وفي الصباح الباكر اجتمع الأصدقاء ومعهم «زنجر»، وركبوا مترو حلوان إلى «القاهرة»، ثم إلى محطة أوتوبيس «الفيوم». وبعد جدال مع السائق والكمسري استطاعوا إقناعهما بركوب «زنجر»، وانطلقت السيارة إلى «الفيوم».

قالت «لوزة» وهم يمرُّون بمنطقة أهرام الجيزة: يا لها من أهرام عظيمة هذه التي تركها الفراعنة!

نوسة: هذه هي أهرام الأسرة الرابعة التي كان منها «خوفو» و«خفرع» و«منقرع»، أمَّا أهرام هوَّارة التي سنذهب إليها فمن بناء فراعنة الأسرة الثانية عشرة، ومنهم «أمنمحات الثالث» … الذي يُهمُّنا أمره؛ فهو الوحيد بين الفراعنة الذين يحملون اسم «أمنمحات» الذي بنى هرمًا في منطقة هوَّارة، وبنى قصر اللابرانت أو التيه.

لوزة: ما أجمل أن يعرف الإنسان كل هذه المعلومات!

نوسة: إن قصة الحضارة المصرية القديمة قصة رائعة، وليس أهم ما تركوه هي المباني من أهرامات ومعابد وغيرها، ولكن ما خلَّفوه للعالم من تشريعات وقوانين، وفنون وتقاليد وعلوم تشهد لهم بالتفوُّق والتقدُّم.

ومضت العربة المزدحمة تشق الصحراء الساكنة في طريقها إلى «الفيوم» … وكان على الأصدقاء أن ينزلوا عند أوبرج «الفيوم»، ثم يواصلوا رحلتهم على الأقدام أو على ظهور الحمير على شاطئ بحيرة «قارون»؛ للقاء صديقهم «عوَّاد» حيث ينزلون في ضيافته.

وبعد نحو ساعة ونصف ساعة وصلت العربة إلى أوبرج «الفيوم»، على شاطئ بحيرة «قارون»، ونزل الأصدقاء وتذكَّروا — عندما رأوا شاطئ البحيرة — المغامرتَين اللتَين مرُّوا بهما في هذا المكان؛ «لغز المهرِّب الدولي»، و«لغز الموسيقار الصغير» … وهذه هي مغامرتهم الثالثة.

قالت «نوسة»: هل تنتهي هذه المغامرة بالنجاح، كما انتهت المغامرتان السابقتان؟

تختخ: نرجو ذلك … ومن المهم أن نكون على حذر؛ فنحن بعيدون عن «القاهرة»، وعن المفتش «سامي»، ولا ندري من هم أعداؤنا.

كانت الساعة تقترب من التاسعة صباحًا، والشمس ما تزال في جانب الأفق، والجو لم يسخن بعد، فقالت «لوزة»: أتمنَّى أن نمشي إلى بيت «عوَّاد» … فبرغم أن المسافة طويلة، إلا أن الجو مناسب.

وهزَّ «زنجر» ذيله دليل الموافقة … وهكذا انطلقوا جميعًا، وقد حملوا حقائب السفر القماش على ظهورهم كالكشَّافة، وقطعوا المسافة بجوار شاطئ البحيرة إلى حيث منزل «عوَّاد»، قريبًا من قسم سواحل مصايد بحيرة «قارون»، واستغرقت المسيرة نحو ساعة، وكانت مفاجأةً مفرحةً لهم أن وجدوا «عوَّاد» يجلس على شاطئ البحيرة يصطاد السمك. وكان حضورهم بالنسبة له أكثر من مفاجأة مفرحة، فأسرع إليهم يشد على أيديهم جميعًا، ويسألهم عن سبب حضورهم المفاجئ.

قال «تختخ»: لقد جئنا خلف معلومات عن الكشوف الأثرية التي تمَّت أخيرًا في منطقة هوَّارة قريبًا منكم، وعندنا بعض استنتاجات عن حوادث غير طبيعية تحدث هناك.

عواد: لغز آخر؟

تختخ: نعم، لغز آخر. هل تعرف رجلًا هنا يدعى «الروبي»؟

ضحك «عوَّاد» قائلًا: «الروبي»؟ نعم أعرفه.

التفت الأصدقاء إليه باهتمام قائلين: تعرفه؟

عوَّاد: طبعًا؛ فأكثر سُكَّان محافظة «الفيوم» يُحبون اسم «الروبي»، وواحد من كل عشرة من سُكَّان المحافظة تقريبًا «روبي»، فأي «روبي» في هؤلاء تُريدون؟

ابتسم الأصدقاء لدعابة «عوَّاد»، واتجهوا جميعًا إلى غرفهم التي نزلوا فيها من قبل، أيام «لغز المهرِّب الدولي»، واغتسلوا، ثم عادوا إلى الجلوس مع «عوَّاد» على شاطئ البحيرة يصطادون السمك.

قال «تختخ»: إننا نُريد أن نذهب إلى هوَّارة فهل هذا ممكن؟

عوَّاد: ممكن طبعًا.

تختخ: سنقضي اليوم معك، وفي الصباح الباكر نذهب.

عوَّاد: سأُدبِّر لكم عددًا من الحمير لتحملكم إلى هناك.

تختخ: هذا مناسب جدًّا؛ فنحن نُريد أن نتمكَّن من الحركة سريعًا ولا نتقيَّد بمواعيد المواصلات وغيرها.

وانصرف الأصدقاء إلى صيد السمك بالسنانير، ولم يلحظوا أنهم كانوا مراقبين طول الوقت، وبخاصةٍ «محب» … فقد أخطأ «محب» خطأً كبيرًا عندما أخرج الورقة التي عثر عليها مع «الروبي» في منزل الدكتور «رياض»، وأخذ يعرضها على «عوَّاد»، ويروي له القصة كاملة … لقد انتقلت كلماته إلى أذن رجل كان يُراقبهم، وسرعان ما كانت هناك عيون شريرة تُراقبهم جميعًا بدون أن يُحسوا.

وعندما أقبل الليل جلس الأصدقاء مع «عوَّاد» يتحدَّثون حول نار مشتعلة، يشوون عليها الذرة، ويتحدَّثون عن ذكرياتهم في المدرسة، وكانت العيون الشريرة تُراقبهم من بعيد.

وعندما آن أوان النوم، واتجهوا جميعًا إلى غرفهم، تذكَّر «محب» كلمةً أخرى نطق بها «الروبي» في أثناء غيبوبته في منزل الدكتور «رياض»، وقرَّر أن يسأل عنها «عوَّاد»؛ فقد تكون ذات معنًى بالنسبة له، أو تُفسِّر شيئًا في اللغز.

انتهز «محب» فرصة مرور «عوَّاد» ذاهبًا إلى غرفته واستوقفه قائلًا: «عوَّاد»، هناك كلمة … قد تسخر مني كما سخرتَ عندما سألناك عن «الروبي»!

عوَّاد: ما هي؟

محب: قرن، قرن … هل هناك شيء له هذا الاسم؟

عوَّاد: طبعًا، هناك جزيرة القرن الذهبي وسط بحيرة «قارون».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤