مؤامرة الحمير

في صباح اليوم التالي كانت قافلة من الحمير تحمل الأصدقاء و«عوَّاد» في طريقهم إلى هوَّارة، وكان «زنجر» في أسعد حالاته في ذلك اليوم، يجري هنا وهناك، ويسبق الحمير ويعود إليها، وينبح ويقفز على أقدام الأصدقاء … ومضت القافلة تشق طريقها مسرعة، ومرَّ نحو ساعة، وأشرفت القافلة على منطقة الحفريات، ونزل الأصدقاء من فوق الحمير، وبدءوا يقتربون من المنطقة الساكنة. لم يكن هناك عمل منذ فترة، ولم يكن هناك إلا بعض الحرَّاس يجلسون في الظلِّ يشربون الشاي.

اقترب الأصدقاء من الحُرَّاس وألقَوا عليهم التحية، ثم قال «تختخ»: نحن قادمون من «القاهرة» لمشاهدة منطقة الحفريات.

قال أحد الحُرَّاس: إن الزيارة ممنوعة.

تختخ: لماذا؟

الحارس: هذه هي الأوامر … الاقتراب من منطقة الحفريات في أثناء العمل بها ممنوع إلا بإذن خاص من مصلحة الآثار.

تختخ: ألَا نستطيع أن نُلقي نظرةً سريعة؟

الحارس: آسف جدًّا … هذا ممنوع تمامًا، ولا سيما أن الحفريات متوقِّفة منذ فترة.

كان واضحًا أن محاولة دخول منطقة الحفريات مستحيلة، فقال «تختخ» يسأل الحارس: هل تعرف شخصًا اسمه «الروبي» كان يعمل معكم؟

الحارس: إنني شخصيًّا اسمي «الروبي»!

ونظر «تختخ» إلى «محب» الذي نظر إلى الحارس فاحصًا مدقِّقًا، ثم قال بصوت هامس: لا، ليس هو «الروبي» الذي شاهدته في منزل الدكتور «رياض».

انصرف الحارس إلى شرب الشاي، ولجأ الأصدقاء إلى ظل شجرة، فجلسوا تحتها يتحدَّثون، وتركوا الحمير ترعى غير بعيد.

قالت «نوسة»: رحلة غير ناجحة للأسف، فلم نفعل شيئًا، ولم نحصل على أية معلومات تُفيدنا.

محب: هذا صحيح، ولكننا لم نخسر المعركة بعد، فما زال أمامنا جزيرة القرن.

تختخ: جزيرة القرن؟ … هل …

وقبل أن يُتم جملته قال «محب» بين دهشة الأصدقاء: نعم، إن «الروبي» عندما كان يهذي كان يقول ألف … القرن، والقرن الذهبي جزيرة في وسط بحيرة «قارون»، كما قال «عوَّاد» … وهذه هي ورقتنا الأخيرة.

عاطف: ولماذا نُضيِّع وقتنا هنا؟ … هيا نذهب إلى الجزيرة.

فكَّر «تختخ» قليلًا، ثم قال: أرى أن نتمهَّل قليلًا قبل الذهاب إلى الجزيرة … إننا حتى الآن لا نعرف من هو عدوُّنا … وما الذي نبحث عنه … إن معلوماتنا ناقصة، ويجب ألَّا نلعب بورقتنا الأخيرة إلا بعد أن تكون عندنا معلومات أوفر … إذا ذهبنا إلى الجزيرة في وضح النهار نكون كمن يُلقي بنفسه في البحر بدون أن يتعلَّم العَوم … إننا ببساطةٍ نُعلن للعدو المجهول عن أنفسنا.

محب: ومن أين نحصل على معلومات أخرى، وقد انتهت رحلتنا إلى منطقة الآثار بالإخفاق؟

تختخ: سنعود مرةً أخرى.

لوزة: متى؟

تختخ: في موعدٍ آخر … فبصراحة أُحس أننا مراقبون … أُحس أن أمورًا تجري في الخفاء حولنا … أُحس بالخطر.

قال «عوَّاد»: إن هذه المنطقة مشهورة بالمجرمين الفارِّين من وجه العدالة، وقد أصررتُ على الحضور معكم؛ لأنني خائف عليكم.

عاطف: هيا بنا إذن.

تختخ: نعم … هيا بنا.

كانت الحمير تقف في ظل شجرة أخرى تأكل، فاتجه الأصدقاء إليها، وسرعان ما قفزوا إلى ظهورها وبدءوا رحلة العودة.

وبعد نصف ساعة شعرت «لوزة» أن الحمار الذي تركبه يُسرع في السير أكثر من اللازم، وأن خطواته غير منتظمة، ووجدت نفسها تبتعد عن الأصدقاء … ولمَّا نظرت خلفها وجدت القافلة الصغيرة قد تفرَّقت، وأخذ كل حمار منها يجري في اتجاهٍ مخالف … وبعد لحظات — وقبل أن يُدرك الأصدقاء ما حدث — كانت الحمير تجري وتقفز في الهواء كأنما أُصيبت بمسٍّ من الجنون … وتنهق بصوتٍ مرتفع كأنما ركبتها الشياطين!

لقد حدث للحمير شيء لا يعرفه أحد، ففقد الأصدقاء السيطرة عليها، وأخذت «لوزة» تُنادي طالبةً النجدة؛ فقد أحسَّت أنها ستسقط عن ظهر الحمار، إلى الأرض … ولكن أحدًا لم يُنجدها … فقد كانوا في منطقةٍ خالية من السكَّان … وكان كل واحدٍ منهم مشغولًا بنفسه، يُحاول عبثًا السيطرة على حماره.

وفجأةً وقف حمار «لوزة» … ورفع رجلَيه الأماميتَين عاليًا، ووجدت «لوزة» نفسها تطير في الهواء، وتسقط على الأرض بشدة، ثم غابت عن الوعي.

لم تغِب «لوزة» عن وعيها إلا دقائق قليلة، وعندما أفاقت ونظرَت حولها شاهدت الأصدقاء جميعًا متناثرين على الأرض، في أماكن مختلفة، وكلٌّ منهم يُحاول أن يقف على قدمَيه … ولم يكن هناك إلا «زنجر» وحده القادر على الجري، فأسرع إليها وأخذ يلحس وجهها ويدَيها، وأدركت سريعًا ما حدث لها ولأصدقائها، وأدركوا هم جميعًا ما حدث لهم … ولحسن الحظ أن أحدًا منهم لم يُصَب إصابةً بالغة.

واستطاع «محب» بعد جهدٍ جهيد أن يقف على قدمَيه، ثم يتجه إلى «تختخ»، فمدَّ إليه يده وأوقفه، وسارا معًا يجمعان بقية الأصدقاء، واجتمعوا جميعًا وقد تعفَّرت ثيابهم، وأُصيب بعضهم إصابات كانت لحسن الحظ خفيفة. وكان «عوَّاد» ينظر حوله يرقب الحمير التي شردت، ثم قال: لقد دسَّ بعضهم للحمير طعامًا أهاجها!

تختخ: ذلك واضح جدًّا … لقد كنا ضحية مؤامرةٍ بدون أن نأخذ حذرنا، وكان يجب أن نكون أكثر حذرًا … لقد كان قلبي يُحدِّثني أننا مراقبون، ولكني في الحقيقة لم أتوقَّع أن يتصرَّف العدو بهذه السرعة.

نوسة: ولكن ما الذي يُخيفهم منا؟

تختخ: لا بد أنهم علموا لماذا حضرنا إلى هنا.

محب: يبدو أن الخطأ صدر منا؛ فقد كنتُ أتحدَّث مع «عوَّاد» عن الورقة التي عثرتُ عليها، والمشهد الذي رأيتُه في منزل الدكتور «رياض»، ولا بد أن أحدهم قد سمع ما قلت.

نوسة: ماذا تقصد بأحدهم؟ من هم؟

تختخ: إننا لا نعرف حتى الآن، ولكنهم بالتأكيد الذين كانوا يُطاردون «الروبي» لأسباب ما زلنا نجهلها.

عاطف: المهم الآن كيف نعود إلى منزل «عوَّاد» وقد شُرِّدت الحمير؟

تختخ: ليس أمامنا إلا أن نسير.

لوزة: لا أستطيع، إن قدمي قد التوت … إنني أشعر بألم فظيع!

تختخ: سأسندك حتى نصل.

ووقفوا ينفضون ثيابهم، وكان «عاطف» قد أُصيب بجرح في ساقه، فنظَّفه له «تختخ» بمنديله ثم ربطه. كانت ذراع «نوسة» تنزف بعض قطرات من الدم، فأسرعت «لوزة» تربط لها ذراعها.

وبدءوا رحلة العودة سيرًا على الأقدام، وهم جميعًا يشعرون بالضيق والألم، وقال «تختخ»: ولكن يا «عوَّاد» كيف نتمكَّن من إعادة الحمير؟

عوَّاد: ستعود من تلقاء نفسها؛ فهي تعرف طريقها.

وكان طريق العودة على الأقدام شاقًّا وطويلًا، ولكنهم تحاملوا على أنفسهم، وتحمَّلوا آلامهم في شجاعة، واستطاعوا أن يصلوا إلى منزل «عوَّاد» بعد جهد جهيد، فاغتسلوا وطهَّروا جراحهم، وفضَّلت «لوزة» أن تأوي إلى فراشها، في حين جلس بقية الأصدقاء يتحدَّثون عمَّا حدث، وعمَّا يجب أن يفعلوه.

قال «تختخ»: سنعود الليلة إلى منطقة الحفريات.

وبدت الدهشة على وجوه «محب» و«عاطف» و«نوسة»، ولم يكن «عوَّاد» موجودًا؛ فقد ذهب ينتظر عودة الحمير.

عاطف: غير معقول … كيف تذهب إلى عرين الأسد بعدما حدث؟

تختخ: إنهم الآن لا يتوقَّعون عودتنا … فهم يعرفون أننا أُصبنا بجراحٍ تمنعنا من العودة إلى منطقة الحفريات، أو أننا ارتعبنا وخفنا منهم ولن نُعاود الكرة … وهذه فرصتنا.

محب: ولكن كيف؟

تختخ: سأذهب أنا وأنت و«عوَّاد»، ويبقى «عاطف» مع «نوسة» و«لوزة» … وعليه أن يتظاهر بأننا جميعًا موجودون فيخرج إلى الشرفة ويتحدَّث وكأنه يتحدَّث معي ومعك ومع «عوَّاد»، على حين نقوم نحن بالتسلُّل ليلًا في ملابس الفلَّاحين.

محب: وهل نذهب سيرًا على الأقدام؟

تختخ: لا … على الحمير … ولكن سنُغطِّي حوافرها بقماش سميك حتى لا يُحدث سيرها على الأرض صوتًا، وسوف نتخذ طريقًا مختلفًا غير الطريق المعروف.

وفي هذه اللحظة عاد «عوَّاد» وهو يبتسم قائلًا: لقد عادت الحمير جميعًا، وقد أصبحت في حالتها الطبيعية.

وشرح «تختخ» ﻟ «عواد» خطته، فقال «عوَّاد»: بعد الذي حدث أحب كثيرًا أن أعرف من هم الذين خلف هذه الحوادث، وإني على استعدادٍ لأن أفعل أي شيء.

تختخ: عظيم! وهل تستطيع تدبير ثيابٍ كثياب الفلَّاحين لي أنا و«محب».

عوَّاد: طبعًا بمنتهى البساطة.

تختخ: ونحتاج إلى حبل … وسأقوم بعمل عُقَد فيه ليصلح سلَّمًا؛ فإنني أظن أننا سنصعد إلى مكانٍ مرتفع، أو ننزل مكانًا منخفضًا.

وقضى الأصدقاء بقية اليوم في غرفهم، متظاهرين أنهم مرضى، ولن يخرجوا في تلك الليلة، ولكن عندما هبط الظلام كان هناك ثلاثة أشباحٍ تتحرَّك في الظلام، وتجر الحمير الثلاثة، بعد أن ربطوا حوافرها بالقماش السميك … كانت الأشباح الثلاثة هي «تختخ» و«محب» و«عوَّاد»، ومعهم «زنجر».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤