لعنة الفراعنة

في اللحظة التي ظنَّ فيها الأصدقاء أنهم وقعوا في أيدي الحراس لا محالة، تذكَّروا «زنجر» عندما زمجر في الظلام، ثم انطلق كالرصاصة في اتجاه الحُرَّاس، وكان أسود كقطعةٍ من الليل فلم يرَه أحد … وفجأةً قفز من الظلام إلى صدر أحد الحُرَّاس فأوقعه على الأرض … وقبل أن يُفيق كان قد أعمل مخالبه وأنيابه في الآخر.

وقال «محب»: هيا بنا بسرعة … إنهما حارسان فقط فيما يبدو … وسيجد «زنجر» وسيلةً للإفلات. أسرع الأصدقاء ومعهم «الروبي» في اتجاه الحمير، وكانت الريح تحمل لهم صوت الصراع الدائر بين «زنجر» وبين الحارسَين، ثم سمعوا طلقةً في الظلام، وسكن كل شيء، وقال «محب»: أخشى أن يكونوا قد أصابوا «زنجر»!

تختخ: لم يعُد أمامنا ما نفعله إلا الهرب … فاركب أنت يا «محب» و«عوَّاد» و«الروبي»، واترك لي أحد الحمير … وسوف أعود لأرى ما حدث!

محب: ولكن يا «تختخ» كيف تعود وحدك؟

تختخ: لا وقت للنقاش … انطلقوا أنتم!

وانطلق الثلاثة، وعاد «تختخ» يتسلَّل في الظلام باحثًا عن «زنجر». كان كل شيء أسود بعد أن اختفى القمر وخلَّف بعده ظلامًا موحشًا … وبرغم أن «تختخ» كان يُحس بشيء من الخوف … فإن حبه ﻟ «زنجر» كان أكبر من أي خوف … وهكذا تقدَّم سريعًا … ولمحت عيناه النيران التي كان يسهر حولها الحُرَّاس فاتجه إليها … وفوجئ بالحُرَّاس الثلاثة معًا … وكان واضحًا على اثنَين منهم أنهما خاضا صراعًا رهيبًا مع «زنجر» فقد تمزَّقت ملابسهما … وأُصيبا بجراحٍ في جسدَيهما.

كان الثلاثة يتحدَّثون، وقال أحدهم: إنه وحش … لا يمكن أن يكون إلا هذا!

الثاني: بل هو الكلب الذي كان مع الأولاد الذين حضروا في الصباح!

الثالث: ولكن ما الذي أتى بهم إلى هنا؟ … ألم يقل لنا «هوَّاري» إنهم سيهربون بعد أن أهاج الحميرَ وجعلها تُلقي بهم على الأرض؟!

وأدرك «تختخ» أن «هوَّاري» هو زعيم العصابة … وهو لص الآثار … وهو العدو المجهول … ووقف فترةً يُفكِّر … ثم قرَّر الذهاب إلى المكان الذي دار به الصراع بين «زنجر» والحارسَين، واتجه إلى هناك … ولم يكن هناك شيء واضح في الظلام، ولم يكن في الإمكان تحديد المكان بالضبط، وبعد فترة من البحث لم يجِد «تختخ» أمامه إلا أن يعود.

شقَّ طريقه محاذرًا بالقرب من الحُرَّاس الثلاثة … وألقى عليهم نظرةً أخيرةً فوجد أن أحدهم قد اختفى، وأدرك أنه أسرع لتحذير «هوَّاري»، وأنه لا بد أن يسبقه ويستعين برجال الشرطة قبل أن يختفي «هوَّاري» إلى الأبد.

وانطلق يجري إلى حيث موقف الحمير … ووصل وأنفاسه متسارعة إلى المكان، ولم يكَد يتوقَّف ليلتقط أنفاسه حتى أحسَّ بشيء يمرق في الظلام، ثم أحسَّ بجسدٍ دافئ يلتصق به … ولسان رطب يمسح يدَيه … كان «زنجر»! لم يشعر «تختخ» في حياته بفرحةٍ كالتي أحسَّ بها في تلك اللحظة … وحمل الكلبَ الأمينَ الشجاع بين يدَيه، ووضعه على الحمار، ثم قفز هو أيضًا وانطلق في الطريق إلى منزل «عوَّاد» حيث سبقهما «محب» ومعه «الروبي» و«عوَّاد». عندما وصل «تختخ» إلى المنزل كان الأصدقاء جميعًا في انتظاره. كان «الروبي» يتناول طعامًا، فقال له «تختخ»: إني أُريد أن تروي قصتك بسرعةٍ حتى أعرف ماذا حدث بالضبط وحتى نتصرَّف سريعًا.

أنهى «الروبي» طعامه وأخذ يشرب كوبًا من الشاي ويتحدَّث: جئتُ أعمل في هذه الحفريات من قريةٍ صغيرةٍ في الصعيد، ولاحظتُ من أول يوم في العمل أن هناك شخصًا يُدعي «هوَّاري» من قرية هوَّارة المجاورة للحفريات يتمتَّع بنفوذٍ قوي بين العُمَّال؛ فهو يرأس مجموعةً منهم تقوم بالحفر بحثًا عن قبر الملك، أمَّا أنا فأعمل مع مجموعةٍ أخرى في البحث عن جدران قصر التيه. وذات يوم عثرتُ على فتحةٍ كبيرةٍ في الأرض، وعندما دخلتُ فيها ودقَقتُ على جدرانها أدركتُ أن خلفها فراغًا، وهذا يدل أحيانًا على وجود مقبرة، فأغلقتها وذهبتُ لإبلاغ مفتِّش الآثار. وبينما كنتُ أبحث عنه قابلني «هوَّاري»، وعندما علم أنني أبحث عن المفتِّش سألني عن السبب فأخطرته باكتشافي، فطلب مني أن أسير معه ليدلَّني على مكان المفتش، وسرنا طويلًا، ثم فوجئتُ بأنني أصبحتُ قرب قرية هوَّارة، وإذا «هوَّاري» يُشير إلى بعض أقاربه فيُحيطون بي، ثم أدخلوني بالقوة منزلًا وحبسوني فيه، وطلب مني «هوَّاري» أن أدلَّه على مكان الفتحة التي عثرتُ عليها، ولكني رفضت، فضربوني ضربًا شديدًا، ولكني بقيتُ مُصِرًّا على الرفض … وذات يوم حضر ومعه صحيفة، وجلس يقرأ ما نُشر بها عن احتمال وجود مدخلٍ خفيٍّ لقبر الملك «أمنمحات»، وقال لي إنه يعتقد أن الفتحة التي وجدتُها هي المدخل الخفي للقبر، ووعدني بمبلغٍ كبير إذا أنا دللتُه على الفتحة.

وصمت «الروبي» لحظات، ثم مضى يقول: وأخبرني «هوَّاري» أنه يعمل لحساب الدكتور «رياض» العالم الأثري المعروف، وكنتُ قد عملتُ معه في حفريات قديمة … فقلت له إنني على استعدادٍ لأن أدلَّه على مكان الحفرة إذا قابلني بالدكتور «رياض» فوافق على ذلك.

وخرجنا ذات مساء من المنزل ومعنا من أعوانه حارس إلى «القاهرة»، ومنها إلى المعادي، حيث كنتُ أعرف مسكن الدكتور «رياض» من قبل. ووصلنا إلى المعادي وقال لي «هوَّاري» إنه سيُقابل الدكتور أولًا حتى يُخبره قبل أن يراني، فانتظرتُ مع الحارس الذي كان يحمل مسدسًا، وغاب «هوَّاري» قليلًا، ثم عاد وأخبرني أن الدكتور لا يستطيع مقابلتي الآن، فلم أُصدِّقه، وعرفتُ أنه يخدعني … فقلتُ له إني إمَّا أن أرى الدكتور أو لا أُخبره بشيء على الإطلاق، وتشاجرنا … وكان منزل الدكتور قريبًا منا فاندفعتُ إليه … وطاردني «هوَّاري» والحارس داخل الفيلا واستطاعا اللحاق بي، وحاولا قتلي لولا وصول الدكتور «رياض» في الوقت المناسب، وقد رأيتُه قبل أن يغمى عليَّ.

نوسة: ولكن ما سر ورقة الجريدة التي وجدها «محب» في مكان المعركة؟ لماذا كنتما تتصارعان عليها؟

بدت الدهشة على وجه «الروبي» وقال: نتصارع عليها؟! أبدًا … لقد كانت الجريدة في يده بالمصادفة مفتوحةً على الصفحة التي بها موضع البحث عن قبر الملك، في أثناء الصراع تمزَّق جزء منها، وهذا كل ما هنالك!

نظر الأصدقاء بعضهم إلى بعض وابتسم «عاطف» قائلًا: شيء مذهل! … فلولا قطعة الورق هذه لما تحرَّكنا!

محب: ولكن كيف خطفوكَ من المستشفى؟

الروبي: لا أدري؛ فقد أعطاني الأطباء في المستشفى مخدِّرًا للتخفيف من آلامي فنمت، ولمَّا استيقظتُ وجدت نفسي في هوَّارة مرةً أخرى. وتحت تهديد السلاح اضطُررتُ إلى مجاراة «هوَّاري».

قالت «لوزة» بحزن: ودللتَه على مكان الفتحة؟

هزَّ «الروبي» رأسه قائلًا: لا، لم أدله على الفتحة، ولعلي لا أستطيع أن أدل أحدًا على الإطلاق!

تختخ: كيف؟

الروبي: نسيتُ مكان الحفرة تمامًا؛ فقد هبَّت عاصفة رملية على مكان الحفريات أخفتْ كثيرًا من معالمها … وسأحتاج إلى وقتٍ طويل حتى أتذكَّر مكان الحفرة مرةً أخرى … وقد لا أتذكَّرها أبدًا … وبخاصةٍ بعد الذي قاسيتُه وما أصابني من معاملة «هوَّاري» ورجاله.

تختخ: لقد سمعتُهم يتحدَّثون عن أوانٍ نفيسة وحُلِي ذهبية استولَوا عليها.

الروبي: يبدو أنهم في أثناء الحفر يخفون بعض ما يجدون.

محب: ماذا نفعل الآن يا «تختخ»؟

وقف «تختخ» في انزعاج قائلًا: ياه! لقد أضعنا وقتًا طويلًا، وقد انتصف الليل … هيَّا إلى قسم السواحل … سنُقابل الضابط المسئول، ونروي له ما حدث، ولا سيما أن جزيرة القرن الذهبي تقع في قلب بحيرة «قارون» وهو مسئول عنها.

وأسرع «تختخ» و«محب» و«عوَّاد» إلى القسم القريب، وطلبوا مقابلة الضابط الذي قابلهم مندهشًا، ولكنهم عندما رووا له قصتهم اهتمَّ بها جدًّا، وقال إنه يسمع عن «هوَّاري» الكثير ويعرف أنه يقود عصابةً خطيرة.

وسرعان ما كان قارب خفر السواحل الضخم يتحرَّك في اتجاه الجزيرة الصغيرة القابعة في وسط المياه … وعندما وصلوا إلى شاطئ الجزيرة شاهدوا قاربًا به بضعة أشخاص يتحرَّك مسرعًا خارجًا من الجزيرة، فسُلِّطت عليه أضواء الكشَّافات القوية، وإذا بطلقةٍ نارية محكمة تنطلق من القارب فتُصيب الكشَّاف الكبير فينطفئ … وأسرع الضابط ومعه الأصدقاء إلى «الميكروفون»، وتحدَّث فيه إلى من في القارب قائلًا: من الأفضل لكم أن تستسلموا؛ ففي إمكاننا تحطيم القارب وإغراقكم!

ومرةً أخرى انطلقت رصاصة محكمة أصابت كشَّافًا آخر، ولم يبقَ سوى كشَّاف واحد، وهنا أجرى الضابط مناورةً سريعةً بالقارب، فدار دورةً واسعةً حول القارب الهارب، ثم صاح برجاله: استعدوا! … سنصدم القارب وعليكم بالقفز في المياه والقبض على هؤلاء اللصوص.

ونجحت المناورة وأمسك الأصدقاء بالأعمدة الحديدية حتى لا يسقطوا عندما تتم الصدمة.

وتمَّت الصدمة بنجاح، وعلى ضوء الكشَّاف الباقي كان رجال السواحل يُطاردون اللصوص في المياه، واستطاعوا القبض عليهم جميعًا.

ولم يمضِ نصف ساعة حتى كان «هوَّاري» ورجاله مقيَّدين في إحدى غرف القارب البخاري الضخم وهم ينظرون إلى الأصدقاء في حقدٍ قاتل.

وكان رجال السواحل قد وجدوا في يد «هوَّاري» حقيبةً بها كمية ضخمة من الآثار الفضية والذهبية، ذُهل الأصدقاء وهم يتفرَّجون على روعة صياغتها وجمالها.

في صباح اليوم التالي كان الأصدقاء في طريقهم إلى «القاهرة» مرةً أخرى … وعندما وصلوا إلى المعادي أسرعوا يتصلون بالمفتش «سامي» الذي حضر سريعًا ليسمع القصة كاملةً منهم بعد أن أخطرته شرطة «الفيوم» بالقبض على عصابة «هوَّاري» والعثور على كمية الآثار المسروقة.

وفي حديقة منزل «عاطف» … ومع أكواب عصير الليمون روى «تختخ» للمفتِّش ما حدث، وعندما انتهى من القصة قال: هناك شيء لم أعثر على تفسير له حتى الآن … وهو سر اختفاء الدكتور «رياض» المفاجئ.

وابتسم المفتش قائلًا: لقد انشغلتُ أنا أيضًا بهذا، ثم عاد الدكتور «رياض» فجأةً كما اختفى فجأة، واتضح أنه تلقَّى برقيةً مزيَّفةً بأن شقيقته التي في الإسكندرية أُصيبت في حادث سيارة، فأسرع إلى هناك، حيث اكتشف أنه ضحية خدعة … لقد أرادت العصابة إبعاده لأنه الشخص الوحيد الذي شاهد وجه «هوَّاري» والحارس.

قالت «لوزة»: إذا كان ذلك شيء لم نستطِع تفسيره، فهناك شيء أسفت له.

المفتش: ما هو؟

لوزة: إن مدخل القبر الملكي للملك الفرعوني «أمنمحات الثالث» اختفى مرةً أخرى.

ابتسم المفتش قائلًا: لعلَّها لعنة الفراعنة التي طاردت كلَّ من حاول الكشف عنهم … فقد وضعتْ «هوَّاري» ورجاله في السجن، وعرَّضَت «الروبي» لمحنة قاسية.

لوزة: وهل تُؤمن بلعنة الفراعنة يا حضرة المفتش؟!

هزَّ المفتش رأسه قائلًا: من يدري؟ … إن هناك أسرارًا كثيرةً في هذا العالم، ولعلَّ لعنة الفراعنة أحد هذه الأسرار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤