فشل حافظ

ادعاؤه أنه الخواجا روفان صيدناوي – معاكسة الظروف له.

***

وقبل أن يخطر له الذهاب إلى الدير ساح سياحة مطولة في الوجهين البحري والقبلي دون أن يقف له رجال البوليس على أثر فكأني به كان يتمثل دائمًا بما كتبته تحت رسمه:

أيها الباحثون عني أفيقوا
إنني كالهواء في كل أرض
إن رآني النسيم غض حياء
لخداعي وإنني لستُ أغضي

وقد وصل به الرحيل إلى بلدة الشين، فلما حط رحاله فيها سأل بعض الناس عن كبير هذه البلدة وسريها، فقيل له إنه حضرة الخواجا قلد غالي مفتش زروعات سعادة المحامي الشهير خليل بك إبراهيم الذي يملك هناك مساحة واسعة من الأطيان، فقصد إليه.

ولما وصل إلى السراي التي شيدها سعادة خليل بك هناك أرسل إلى الخواجا قلد كارت فزيت هذه صورته:

figure

وغني عن البيان أن الشعب المصري كله يعرف أن أفراد عائلة صيدناوي الشهيرة كلهم أغنياء وأصحاب أملاك وأطيان كثيرة، فرأى حضرة الخواجة قلد نظرًا لما فُطر عليه من اللطف ومكارم الأخلاق أن يرحب بضيفه الكريم، فأسرع إليه وبالغ في إكرامه بينا كان صاحبنا حافظ «قد أعطى النعمة استحقاقها»، فجلس منتفخ الأوداج كبرًا وفي يده عصا ذهبية يديرها لاعبًا بها تارة وناكتًا بها الأرض طورًا.

وبعد أن شرب القهوة وبعض المرطبات سأله الخواجا قلد عن الداعي الذي حمله على تشريفه، فقال له «الخواجا روفان» أستغفر الله بل «حافظ نجيب» إنه كان على مقربة من الشين يعاين أرضًا يرغب صاحبها في بيعها له، وقد صادف أن جميع النقود التي كانت معه قد أنفقت، فذهب إلى المحطة ليبدل فيها ورقة مالية بمبلغ مائة جنيه فلم يجد، ولما سأل الناس عن محل يمكن أن يوجد فيه هذا القدر من الذهب، أشير عليه بالذهاب إلى تفتيش خليل بك إبراهيم، فسرَّه ذلك إذ ستكون هذه الزيارة سببًا للتعارف مع محامٍ شهير وغني من أكبر أغنياء القطر.

ثم زاد على قوله هذا شيئًا كثيرًا من «المعر والفشر»، فقال إنه يملك أطيانًا عليها أربعة عمد من عمد البلاد، وغير ذلك مما لا يدخل تحت حصر أو قيد.

فقال له الخواجا غالي إنه يأسف كثيرًا لعدم وجود مائة جنيه في خزينته، ثم نادى أحد الخادمين وأعطاه الورقة المالية دون أن يمعن النظر فيها وأمره بالذهاب بها إلى واحد يعرفه من التجار ليصرفها له، فلم يجد ذلك التاجر لحسن حظه مائة جنيه ذهبي في صندوقه. أقول لحسن حظه؛ لأن تلك الورقة المالية لم تكن إلا إحدى الأوراق الملغاة التي عرف القراء سرها فيما تقدم به البيان.

وعند ذاك أظهر حافظ أسفًا وضجرًا من هذه الحال، فقال له الخواجا قلد إنه إذا كان يريد من النقود ما يمكنه من السفر إلى مصر فهو يعطيه ما يشاء، وللحال أخرج من جيبه جنيهًا وسلمه إليه، فأخذه حافظ منه وكتب كلمة على كارت باسم الخواجة روفان إلى أحد أفراد عائلة كوهين بالمنصورة ليدفع الجنيه إلى الخواجا قلد، ثم سلمه إليه شاكرًا لطفه.

قال حضرة الفاضل توفيق أفندي خليل إبراهيم الذي قص عليَّ هذه الحكاية إنه عندما ذهب أحد المستخدمين إلى الخواجا كوهين بالمنصورة لقبض الجنيه، أغرب هذا الأخير في الضحك عندما ذكرت له أوصاف الخواجا روفان أي «حافظ نجيب»، وقال إن الخواجا روفان على غير ما سمع من الوصف، وإنه لا عمل له في الشين أو ما يجاورها على الإطلاق. ثم عرفوا بعد البحث أن الخواجا روفان الذي زراهم لم يكن إلا حضرة المحتال الظريف حافظ أفندي نجيب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤