١٤

ترامى — قبل أن أبلغ شارع الميدان — تداخل الأصوات، حشود ملأت صحن جامع علي تمراز، وامتدت إلى الشوارع المتفرعة منه؛ سراي محسن باشا، رأس التين، إسماعيل صبري، التمرازية، فرنسا، حتى مقام الولي محمد شرف، خلف الجامع، علا سوره الحديدي وسط تزاحم الحضور، رءوس متجاورة، تهتز بالتلاوات والتسابيح والأدعية، تتخللها البيارق والرايات والأعلام الملونة والزينات واللافتات في زواياها أسماء الخلفاء الأربعة العظام، والبخور يضوع الجو في شفافية كالسحر.

زرت الضريح في زاويته القديمة، زرته في جامعه الحالي.

لولي الله الشيخ علي تمراز في نفسي مكانة العلماء الصالحين الذين حاربوا مع السلطان الظاهر بيبرس ضد غزوات الصليبيين. نُسب إليه — في زمن دنياه — الكثير من الكرامات. يمد الأسمطة والموائد للمريدين والفقراء والمحتاجين وعابري السبيل. الطعام يأتيه من السماء، لا ينفد بعد أن يأكل منه، ويدعو الناس لتناوله.

لم يعد المؤذن يضع راحتيه على خده، وينطلق بآخر صوته في الأفق بالأذان والإقامة، يغنيه الميكروفون عن رفع الصوت، يصل مداه إلى صيادي البلانسات، قرب البوغاز، وإلى الشوارع ما بعد ميدان المنشية.

تناقل الناس ما يُروى — منذ عشرات السنين — عن أفعاله الطيبة في قعداتهم على القهاوي والرمال ورصيف الكورنيش وداخل البيوت والبلانسات.

لم ينكر صفة الدرويش التي أطلقها عليه وجهاء العصر وعوامُّه. الدرويش صوفي، والصوفي الحقيقي لا ينعزل عن الناس، لكنه يطَّلع، ويقرأ، ويلتقي الناس في الأسواق وحيث يقيمون. أكثر تردده على المساجد والزوايا التي يقل فيها المصلون.

جاوزت زحام الدراويش، أراهم ولا يرَونني، عدا الأولياء، فإني ألجأ إلى الهاتف، أهجس به في خاطر المرء، ينشأ حوار، يتصور أنه مناجاة في نفسه. أزوره في الحلم، أو أخاطب وجدانه، أو أخاطبه عبر الكشف، يُعلِمني بما هو فيه، أنصحه بما ينبغي الأخذ به.

الأعمدة الرخامية البيضاء الاثنا عشر، تُداخلها خيوط سوداء متعرجة، وعقود البناء، والمقرنصات، والزخارف الجصية وتكوينات الأرابيسك. حزم الضوء تتسلل — على جوانب الصحن — خلل النوافذ، القبة الوسطى ذات الست عشرة نافذة من الزجاج الملون، تتوسطها ثريا هائلة، بها الكثير من المصابيح الكهربائية، إلى جانب قبتين صغيرتين، تعلو إحداهما ضريح الولي.

تخطيت الصفوف ناحية الباب الخلفي — دون أن يفطن المصلون — حتى الضريح على يمين المحراب والمنبر، تعلوه قبة تنفذ من ثقوبها أشعة الشمس وسواد ظلمة الليل، يحيط به سياج من المعدن المشبك، مكسو بالخضرة، مطرز بالآيات القرآنية والأدعية، تضوعه روائح البخور ولبان الدكر والجاوي الأبيض والمستكة والصندل والحنتيت.

اخترقته.

لما ناديت ولي الله باسمه، أطال التحديق فيما حوله، ثم عاد إلى الكتاب بين يديه. عرف أنه لا يوجَد ما يلفت النظر، أخذه الاستغراق، كأنه لا يرى ما حوله.

أعرف عن عزوفه عن التكالب على الدنيا، وزهده عما في أيدي الناس، وأنسه إلى ذكر الله. يذكر الله قائمًا، وقاعدًا، ومستلقيًا، ونائمًا. الطريق الصحيحة في الإكثار من ذكر الله، والمداومة عليه، دونًا عن بقية العبادات؛ ذلك لأن الذكر هو ما تسعى إليه هذه العبادات. نحن نصلي، نصوم، نزكي، نحج إلى البيت الحرام، يحركنا ذكر الله، هو التأكيد لكل العبادات.

يقضي الوقت ما بين الخروج من الضريح، والعودة إليه في ارتياد الأسواق، والشراء من المحال، والجلوس على القهاوي، والتوقف بالفضول للفرجة على ما يثير الدهشة. حفظ قسمات الحي وتضاريسه، لكثرة سيره فيه، تنقله بين ميادينه وشوارعه وحواريه وأزقته. يسير على قدميه، يركب الدابة، يخالط الناس، يستقبلهم في مسجده الصغير، ثم في الجامع الذي حل — بإنفاق الإسكندراني باشا — محل المسجد. عرف حسن الإسكندراني ما نُسب إلى الشيخ علي التمرازي من الكرامات. لا يشغلني نفي صفة الولاية عنه، الولاية تتحقق بالإخلاص في محبة الله، الزهد والاعتكاف واعتزال الدنيا، الائتناس بالدعاء، قصر اللقاءات على أهل المعرفة، الاقتباس من لطائف الإشارات، والعلوم الظاهرة والجوانية؛ الظاهر والباطن، الجلاء والخفاء، المكاسب والمراتب، الوجد والتواجد والوجود، الغيبة والحضور، الصحو والسكر، المحو والإثبات، المحاضرة والمكاشفة، يصبح إلى النور في أفعاله وأقواله وإرادته وحركاته.

يتولد الكلام من العفوية؛ مشهد عابر، نداء، ملاحظة، سؤال. يلتف الناس حوله، يكتفون بالنظر إليه، أو ملامسة عباءته، أو يبادرونه بأسئلة في أمور دينهم ودنياهم، ويحدثهم عن عِبَر الآخرة والدنيا، لا يُظهر ضيقًا، بل يجيب بما يسع الأفهام، ويلاطف، ويبش في الوجوه.

يخالط الناس، لكن قلبه معلق بالسماء، بالحق سبحانه وتعالى.

تردد على مجالس الورع والحكمة، خالط أهل الذكر والمعرفة والعلم، حفظ المناجاة والمدائح وسيرة الرسول والإنشاد وسير الأولياء والصالحين والتابعين. صار من أصحاب الرياضات والمجاهدات، له مواقف ومقامات وأحوال ومكاشفات، وإن رفض ما نُسب إليه من وقائع وكرامات وخوارق. يستعيد قول البسطامي: لو رأيتم الرجل يطير في الهواء، ويمشي على الماء، فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف وقوفه عند أوامر الشرع ونواهيه.

سلك طريقَه الكثيرُ من تجار شارع الميدان وباعته، ومن قاطني شياخة التمرازية، وما حولها، انفتحت عليهم بأقواله أحوال المحبة والرضا والأنس والطمأنينة. اجتمع عليه خلق كثير من الإسكندرية والمدن الأخرى، أخذوا العهد على يديه.

إذا جلس المريد بين يدَي ولي الله ليأخذ العهد، فإن الولي يشترط التوبة بداية للخطوات التالية. التوبة مقام أول، تسبق ما عداها من العبادات، ولا تجوز العبادات إلا بها.

فُقد الكثير من كتب ولي الله المؤلفة، وإن تناقل أتباعه من أقواله ما يصنع له مكانة حقيقية بين أولياء الله. رُويت عنه مواقف ومقامات وأحوال. ينخرط المريدون في الأذكار والأدعية والابتهالات، تستغرقهم تمامًا، فيما يعود هو إلى العالم الذي اختاره. قدراته الروحية تُبطل كل سحر. نظرات عينيه تغنيه عن إصدار الأوامر، أو استعمال جسده في تحريك الأشياء.

أصعب الأحوال أن يبلغ إشفاق الولي على مريديه حد المؤاخذة. وجد ولي الله علي تمراز في الدراويش، أتباع الطريقة، من أحسنوا التلقي والفهم. كرامة المرء في عمق تدينه. لأنهم اختاروا الله على سواه؛ فقد اختاروا الذل على العز، والفقر على الغنى. انقطعوا إلى العبادة والزهد، زهدوا في الدنيا وما فيها مما يتكالب عليه الناس، وجدوا الفقر في جنب الله أغلى من كنوز الدنيا. شاغلهم أن يخرجوا من ظلمات طلب الدنيا، إلى نور طلب الآخرة. أنوار الكواكب تهدي إلى الدنيا. ما يأملونه أن يهدي قلب الولي علي تمراز، كما تهدي قلوب الأولياء، إلى الله سبحانه.

أعرف أن مقام ولي الله لا يخلو — أو يكاد — من الزائرين. نذروا لمقامه نذورًا من المال والطعام، نحروا الذبائح، قدموا العطايا التي تخفف عن مريديه وطالبي البركات.

ترضيه زيارة الضريح، لكن المغالاة تحزنه. هو يرفض البدعة، وإهدار الوقت، والزهو، وانغماس المريدين في غيبوبة التواكلية.

قال لرؤية المولد في ساحة المرسي: هذه بدع تخالف شرع الله!

حرص ألا يكون صحن المسجد موضعًا لغير عبادة الله، رفض أن تُنسب إليه الولاية، ما رُوي من كرامات ومكاشفات ومناقب هبات من الله، صنعت تصور الناس له في موضع الولي. يحرص على السنة، والتجرد، والأدب، والمسكنة، لا يستعظم نفسه ويستصغر الناس. يصل ما بين أحاديثه قول الولي أحمد الرفاعي: «إن خطر لي أني شيخ على أحد من خلق الله، إلا أن يتغمدني الله برحمته، فأكون كآحاد المسلمين.»

أشفق على مريديه أن يضيعوا دنياهم على حساب الآخرة، من سكن إلى الله من المريدين، اكتفَوا بالذات الإلهية، انشغلوا عن مباهج الدنيا بأشواق السماء، قطعوا العلائق مع الخلق إلا لضرورات العيش، والوقوف متجاورين، عابدين، خاشعين، بين يدَي الله. اقتصروا على الفرائض والرواتب، لا يخطر في نفوسهم شيء إلا الله سبحانه. سلموا لقضاء الله، رضوا بقدره، الله هو الذي يحيي ويميت، يمنح الرزق ويمنعه، له أسبابه وأحكامه التي تتعلق بالآخرة والحشر والقيامة والجنة والنار.

يجدون أنفسهم باقين بحول الله وجلاله في دنيا الناس، وإن عاشوا فيها بالقرب، يخافون المفارقة، يأنسون عبودية الله. إذا صار في قلب العبد همٌّ سوى الله، فإن حاله يُفضي إلى الحَجب عن الله.

حسبُ الصوفي من العلم — في ظنهم — العلمُ بالوحدانية، ومن العمل تأدية الفرائض مع محبة الله ورسوله، وأن الله مع من أحب، ولو قصَّر في العمل، من لم يعرف نفسه بالفقر والفاقة والعجز والضعف والمسكنة، لم ينل صفوة اليقين.

جاوزوا الفرائض الظاهرة من طهارة وصلاة وصوم وجهاد وغيرها مما قد يصعب أداؤه، إلى الفرائض الباطنة من توكل وتفويض وصبر ورضًا وزهد وتوبة.

على من ابتلاه الله أن يصبر؛ فالابتلاء مدخل إلى الترقية. الصبر أول مقامات التوكل. يقينهم أن أحدًا — في مجال التوكل — لا يغني عن الله. التوكل استعادة وعبادة، وإيمان بالغيب. الأمر كله لله، لا يشاركه فيه أحد، هو رب العالمين، ومالك الموجودات.

التوكل مثله مثل الخوف والرجاء وغيرها من المقامات والأحوال، قصَروا وعيهم على أن المخلوق لا يملك من أمر الخالق شيئًا، صرفوا همهم إلى الله، فيكفيهم مَن دونه، استراحوا من هموم الدنيا والآخرة. تغريهم هِبات الناس بالقعود عن طلب الرزق، يرفضون السعي لاجتلابه، التكسب في يقينهم معلوم، الرزق يأتي في وقته. لكل امرئ حظه من الدنيا، يأتيه حتى وإن لم يكن مستعدًّا لتلقِّيه. يتلون القرآن، يدارسونه، يذكرون الله كثيرًا، الذكر قوت الأرواح، تتوافق الأصوات بنغمة روحية، ينتقلون منها إلى نغمة روحية أخرى، فثالثة، وهكذا. تركوا الدنيا ومن فيها وما فيها، عاشوا متوحدين مع الذكر، تأخذهم أوقاته من الدنيا الفانية، إلى الحضرة الإلهية بتعدد أكوانها، تنزل عليهم السكينة، تغشاهم الرحمة، تحفُّهم الملائكة، يذكرهم الله فيمن عنده.

في فترات الصمت عن القول بالذكر، يعلو قرع الطبول والدفوف والأهازيج والتسابيح والأوراد والإنشاد. تمتد الأيدي إلى الصواني، تحمل الطعام والماء والمشروبات والحلوى، يرسلها التجار والباعة في بحري، وسكان البيوت المطلة على الميدان. يفاضل المريدون، الدراويش، بين ما يُقدَّم إليهم، يختارون فقير الطعام، القبول بتناول الطعام لمجرد تقوية الجسد، فلا يأخذهم الضعف عن أداء الفرائض والطاعات، وموالاة الذكر والتوحيد والحمد. احتفالات مولد الشيخ تمراز ثمانية أيام في السنة، غاب المولد بلزوم المريدين الساحة المقابلة للجامع وما حولها، أخذ توالي الأيام ما اعتاد أهل الحي إقامته من احتفالات مولد، وحلقات ذكر، وسوق للعيد، يبدأ من قبل عيدَي الفطر والأضحى، يمتد لأيام طويلة بعد انتهائهما. ثبت المشهد المتكرر للأجساد المتلاصقة والقراءات والدعوات والابتهالات.

أشفق الشيخ من قعود المريدين عن السعي إلى الرزق، لا صلة للقعود عن العمل بالتصوف. أفرد في خطبة له بصلاة الجمعة حكاية إبراهيم بن أدهم. لم يمنعه ثراؤه من أن يحرس بساتين الناس، ويحصد زراعاتهم، ويضرب لبيوتهم الطوب اللبن من الطين.

رفض أن تكون العبادة حرفة للمريدين، دعاهم — في هواتف لا تنتهي — إلى التوكل لا التواكلية، فرق بين التعلق بالله والتوكل عليه، وبين التعطل. لا توكل إلا مع الإيمان، هو باب اليقين. نحن نحيل إلى القضاء والقدر ما في نفوسنا من ميل إلى التقاعس والتواكل، وانعدام الإقبال على المعرفة، والسكوت عن الأخطاء، والفشل فيما نهمل صنعه.

ليس الزهد في الامتناع عن الطيبات مما أحله الله. لا زهد في الحلال، ولا رفض للمباح من اللذات، ما أحله الله من الخطأ تحريمه. التوكل مقام، والزهد من شروط التوكل، من يعرف حقيقة الزهد فإنه يظفر بالتوكل، التوكل وليس التواكل أعلى مقامات اليقين.

أظهروا الموافقة، ثم غلبهم الشوق إلى التجرد والزهد والعودة للسياحة.

عمق تأثر الشيخ لما فعله المعلم عبادة حفظي تاجر الأقمشة في شارع فرنسا بنفسه، هجر بيته ودكانه، استغنى عن كل شيء، لزم ساحة الجامع بملابس فقيرة، لا يبدلها، يأمل أن تواتيه السماء بطعامه.

فاضت مشاعره بما حرص على كتمه.

هاتف خليفته، فينصح المريدين بنزع المرقعة المهملة، وتهويش الشعر، وإطلاق اللحى دون تهذيب، المريد العاطل يركن إلى البطالة، ويرتزق من سؤال الناس.

شكا الخليفة — في وقفته أمام الضريح — من قعود الدراويش عن طلب العيش، ترك الأسباب، واعتزال الدنيا بكل ما فيها، حبسوا أنفسهم في الميدان، وما حوله، يكتفون بالتسبيح والتحميد وتلاوة القرآن، كأنهم ينتظرون أمطار المدد، تنزل على الحشود المتلاصقة، فتبدل حياتهم إلى ما يأملون.

حاول أن يصل المعنى إلى مريدي ولي الله ومحاسيبه، طال ترقبه لإفاقتهم من غفلة التواكلية، يردهم الله إلى مقام الدلالة والإرشاد، فيعودون إلى جماعة المؤمنين.

ردوا على الخليفة بأن الزهد ليس رفضًا للحياة الدنيا، إنما هو سعي إلى الحياة الآخرة، ما تحفل به من السلام والطمأنينة والصفاء الروحي.

أزمع الشيخ علي تمراز أن يبتعد عن الدنيا ومن فيها، يفرغ إلى عبادة الرحمن، بلا همٍّ ولا انشغال بأوهام تخرج عن صحيح الدين. حتى الخليفة لم يعد يهمس له بهواتفه.

قطع جلوسه في الحضرة، لزم حجرة نومه وكتبه، لا يغادرها إلا لضرورة. يَقصُر حياته على مراقبة الله إياه، يستغني به عن رؤية المريدين، وبقية الخلق. مال إلى الاستغراق الكلي في القراءة والتأمل والزهد والعبادة، أنس بالخلوة، فرارًا إلى الله، ينسى — في رحاب الخالق — غلبة التواكلية على حياة المريدين، والشطط في الفهم والأفكار والتصرفات. قرأ في علوم الأولين والآخرين، وقرأ الأحزاب والمقامات والأحوال والرموز والإشارات. أجاد فهم المتون والشروح والحواشي والهوامش، وفتوح الصوفية وكشوفهم وفناءاتهم، حفظ سرائر الحروف والألفاظ والتعبيرات، اطمأن إلى علم الله، لا يبتعد عنه إلى علوم الخلق، فانقطع عن نفسه، وانقطع إلى ربه، اختاره على ما سواه، لا يجد وحشة في الوحدة، ولا إحساسًا بالانفصال عن المحاسيب، استغرق أوقاته في الاشتغال بالذات الإلهية، اعتصم بالله، فوَّض أمره إليه، سكن إلى أنوار التجليات، وحلاوة القربة، وأنس المحبة، وصفاء الوقت.

لما طرق الإشفاق نفسه، تبدَّلت مشاعره، هم محسوبون عليه، مسئوليته إفاقتهم من الغفلة في الفكر والفعل، فيغترفون من فيوض بحار الألوهية، ومن المدد الرباني. نسي ما أزمعه مِن جعل همِّه ربَّه، ينقطع عن هموم الدنيا والآخرة، يغمره شعور بالراحة، ويمسي بلا هم.

لو أن القائد البحري حسن باشا الإسكندراني لم يفطن إلى الشاهد فوق قبره، ما بنى فوقه زاوية، هي الجامع الحالي.

وهو يُغالب التحير.

– طلبت من الخليفة أن يستعيد أمامهم نصحكم بالعمل على السبب، يجعل المرء مكوكه سبحته، أو يحرك أصابعه في الخياطة. هززت رأسي مؤمِّنًا.

ليست الصوفية بالرهبانية، ولا بأكل الشعير والنخالة، إنما بالصبر على الأوامر، واليقين في الهداية، تتعدد طرقنا في الرياضة والمجاهدة، لكن السكون هو ما نرفضه. أخالف الرأي بأن يفتقر المرء بعد الغنى، ويذل بعد العزة، ويخفى بعد الشهرة. السعي إلى الرزق والكسب الحلال دعوة الإسلام لأهله. ذلك يدفعهم إلى البعد عن الفاقة والذلة، وتأدية الزكاة للمُعوِزين. الانشغال بالله وحده لا يعني أن نهمل أمور دنيانا. خلقنا الله لنعبده، ولنعمِّر الأرض.

في لهجته المشفقة: تمنيت لو أن الإسكندراني أبقى على الضريح المُهمَل.

قلت: أنت تتعرف إلى سيطرة القبطان على السفينة إن واجه عاصفة عاتية.

ودعته بوعد المراجعة. يعود إلى مريديه وناسه، فيعودون إلى صحيح اليقين، وإلى أنفسهم. ليكن هاتفك فيمن يترأس الجماعة أن الخوف من الزلل في الخطأ يعني ضعف اليقين، أو انعدامه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤