الفصل السابع

يمر اليوم بطيئًا وتجري السنوات سراعًا، تمضي الدراسة بفكري ومجدي متزاملين سنوات قليلة، ثم ما يلبث فكري أن يتخلف، ثم يتخلف حتى يصبح التخلف ديدنه وطبيعته، ومنذ تخلف أول مرة توقف مجدي أن يذهب إلى عمته وهيبة كما كان يناديها، ولكنها هي أصرت أن تستمر في المذاكرة له.

– واحد خائب لا داعي أن يخيب اثنان.

وربما استطاعت أخته إلهام أن تخفف بنجاحها المطرد وطء خيبة فكري.

وكانت وهيبة تقول: الخيبة هذه لا قاعدة لها ولا أصول، أنا ربيت فكري ومجدي وإلهام، وربما كنت أكثر اهتمامًا بفكري فهو ولدي الأول، والإنسان إنسان وليس ملاكًا، ومع ذلك فاز هو بالخيبة والآخران ناجحان والحمد لله.

وعلماء التربية يقولون البيت وثقافة الآباء والاهتمام والبيئة ووجع الدماغ. كلام كله فارغ وإلا فليفسر لي أعظم عالم في التربية سبب خيبة فكري ونجاح أخته وقريبه الذي يعيش معهما نفس الظروف، وحياتك يا أختي الخيبة موهبة من عند الله، أنا عندي ليسانس آداب وكان المفروض أن أصبح مدرسة. كل كلام علماء التربية لا يساوي قرشًا.

ولم يكن كل هذا وغيره كثير ليؤثر في حرص فكري على التخلف في الدراسة مع الذكاء العقلي المفرط، فقد كانت المذاكرة بالنسبة إليه كارثة من الكوارث الكبرى، وفي غير ذلك هو فتى مولع بكل ما يولع به أبناء سنه من رياضة وألعاب وبنات وفسحة، قريب إلى قلوب أصحابه يحبون صحبته ويسعون إليها.

ومن بين هؤلاء تعرف على حمدي الفنجري وعلى هشام دردير. أما الأول فأبوه كان نجارًا وله محل صغير للموبيليا والتنجيد، وأما الآخر فأبوه مدير عام بالسكة الحديد، وكوَّن هذا الثالوث وحدة لا تنفصم، ولم يقطع فكري صلته بمجدي كل القطع، إلا أن انصراف مجدي إلى المذاكرة في أوقاتها جعل الصلة بينهما هينة، فمجدي صديق الثالوث كلما أراد أن يروح عن نفسه أو يذهب إلى السينما أو إلى النادي.

وحين وقعت أحداث ٦٧ كان أثر الأحداث على مجدي مروعًا، أما الثلاثة الآخرون فإن الأمر لم يهز لهم أي كيان، وإنما اضطر ثلاثتهم أن يتظاهروا بالحزن مع الحزن العام الذي زلزل الجميع.

وفي انتصار ٧٣ كانت الدنيا كلها إشراقًا في عيني مجدي، بينما الدنيا كلها لم يتغير منها شيء عند الثالوث الآخر.

إنهم جميعًا أبناء جيل واحد، ولكن هيهات أن تتوحد المشاعر في أبناء أي جيل، حتى وإن توحدت بينهم الظروف البيئية، إنما تتشابه هذه المشاعر إذا كان الوعي الثقافي متقاربًا في أفراد الجيل، فالذي شعر به مجدي شعر به أصدقاؤه في كلية الهندسة، لا يكاد يشذ عنهم إلا قلة نادرة تقاذفتها آراء متطرفة أو أفكار لا استواء لها، ولكنهم يظلون مع ذلك قلة نادرة لا تكاد تذكر.

أما فكري وصاحباه ومن كان مثلهم فهم في عالمٍ خاص بهم، بعيد كل البعد عن دنيا الوطن، وعن فرح زملائهم في المدرسة.

يبدو أن الأجيال ليست سنوات ينتسب إليها أبناء الفترة الواحدة، ولكنها قدرٌ من التثقيف إذا تقارب فيه الأفراد كونوا وحدة الجيل.

•••

كانت إلهام في السنة الثانية من كلية الآداب، وكان من الطبيعي أن تسبق أخاها الأكبر، فهي لم تتخلف مطلقًا في دراستها، وقد أخذت الفتاة عن أمها شعرها الناعم المنساب، وأضافت إليه عينين واسعتين سوداوين وقوامًا دقيقًا، فهي رقيقة القسمات وادعة الملامح، عيناها تطلع هانئ، مطمئنة إلى المستقبل، لا يعرف القلق إلى نفسها سبيلًا إلا ذلك القلق الجميل، الذي يصاحب تلك السن التي تنهد من المراهقة إلى الشباب.

كانت إلهام تشعر أن أمرًا ما تدبره أمها مع نعمات أم مجدي، ولم يكن هذا بالذي يخفى عليها، ولكنها كانت تتظاهر أنها لا تفهم شيئًا، وهي تتغابى في ذكاءٍ نافذ عن الإشارة من أمها أو التلميحة من خالتها نعمات.

•••

حين سكن سويلم عمارته الجديدة كان من بين شققها شقة مفروشة، كان صاحب العمارة يؤجرها لخبيرٍ ألماني، وحين انتهى عقدها اتفق سويلم مع زوجته على أن يمدا العقد لخمس سنواتٍ أخرى، ثم يجعلا هذه الشقة سكنًا لابنهما بعد تخرجه وزواجه.

وكان بالعمارة أسرة توطدت صلتها بنعمات وسويلم، كان الوالد موظفًا كبيرًا في البنك الأهلي، وكان له ابنة توفيت عنها والدتها منذ خمس سنوات، وتزوج هو بعدها بزوجته الحالية، أما البنت فاسمها سميحة، وكانت في سن إلهام وكانت زميلتها في الكلية، أما زوجة أبيها فهي الست فوزية وكانت طيبة النفس، تعامل ابنة زوجها أحسن معاملة، وقد أنجبت لزوجها الأستاذ فريد عبد القادر ابنه علي، وألحقه بابنته الطفلة هناء.

تعرفت الأسرتان وتزاورت السيدات، ونقل سويلم حسابه إلى فرع البنك الأهلي بالجيزة، حيث يعمل فريد عبد القادر.

•••

كيف ينشأ الحب ولماذا؟ إنه مشاعرٌ لا منطق لها ولا عقل ولا مقدمات، كانت سميحة صبيحة الوجه ولكن الأمر الذي لا يختلف في شأنه اثنان، أن إلهام كانت أجمل منها بكل مقاييس الجمال، هذه المقاييس التي تواضع الناس أن يجعلوا منها قواعد يعطون على أسسها جوائز الجميلات، ولو أن إنسانًا رأى الفتاتين دون أن يكون في نفسه هوًى إلى واحدةٍ منهما لحكم من فوره أن إلهام أجمل، كانت سميحة مستديرة الوجه في براءةٍ وطيبة، في عينيها حزن يكسبهما الحنان الإنساني الشريف، وكانت رشيقة القوام تميل إلى الطول بعض الشيء.

حين رآها مجدي أول مرة رآها في العمارة أحس نحوها بإعجاب، وقد كانا طفلين معًا فلم يكن غريبًا أن يضم ملعبهما أطفال العمارة جميعًا، وفي سن الطفولة الناعمة هذه يبدأ نوعٌ من الحب الذي لا مثيل لطهره على الأرض، كنسمةٍ من نسائم الجنة، أو كنبضةٍ من نبضات الإيمان، أو كتسبيحة متبتل في محرابه أو كهيام متصوف في نجواه، الابتسامة عند الطفل المحب دنيا، والهمسة حياة، والحدب خطرة من روح الله، فإذا خلا الطفل بحبيبته فهذا جميعًا وأكثر، ويشب الحب مع الطفل لحظةً بلحظة وهمسة بهمسة، فإذا بلغ الشباب اندلع الهوى براكين وهزيم رعد ورياح عواصف، لولا الحياء والدين والخلق لاجتاح لا يبقي، ولاندفع لا يتوقف، ولأعلن عن نفسه للعالم أجمع.

نشأ هذا الحب بين مجدي وسميحة، قالاه وهما طفلان في كرة يختارها هي لها حين كانا يتراميان بالكرة، وقالاه ابتسامة لقفتها ابتسامة في خفية عن عيون الصبية، وقالاه سؤالًا عن امتحانٍ لقية سؤال عن امتحان في همسةٍ خبيئة عن الآذان، وقالاه وهما شباب أحبك استقبلتها أحبك، واندلعت ألسنة الهوى وتعالت أمواجه، والفتاة على أبواب الجامعة، والفتى في السنوات الأولى منها، وفي كل عام يمر يزداد الهوى اشتعالًا، فالأمل كلما اقترب من التحقيق ازدادت ملامحه قوة وتبينت معارفه، حتى كأنه تم وتوضحت معالمه، فهو بعد ليس أملًا وإنما فعل حدث، إن لم يكن فعلًا ماضيًا فهو فعل حال يتشكل واقعًا.

تخرج مجدي في كلية الهندسة، وأقام أبوه ليلة فرح كبرى، ودعا كل أصدقائه من التجار ومن سكان العمارة ومن الجيران.

وشاء الله الرحيم بعباده أن يحصل فكري في نفس العام على الثانوية العامة، فكان فرح فؤاد به أكثر من فرح سويلم بتخرج ابنه، فقد كان فؤاد واثقًا أن الثانوية العامة هي نهاية المطاف بالنسبة لفكري، وكان يكاد يقطع أن ابنه لن ينالها عمره كله، وقد هدأت نفسه إلى هذا واطمأنت إليه لا يداعبها أمل مهما يكن ضعيفًا، أن يخيب فكري ظنه ويحصل على الثانوية العامة، وقد كان يريده أن يكون تاجرًا مثله، لكن التجارة لم تعد مثل هذه الأيام الناعمة التي بدأ فيها هو ممارسته للتجارة، إن التجارة أصبحت مسبعة وحوش ضارية، وصارت أيامها فتاكة تلتهم الغافل التهامًا، حتى لا تبقي فيه من باقيةٍ، أو ترفعه إلى سماوات لم يحلم تجار الأزمان الماضية مجتمعين أن يصلوا إلى جزءٍ ضئيل منها، وأين العشرات والمئات التي كانت تلقيها الأفواه من التجار في حرصٍ شديد، وبعد أخذٍ ورد وتفكير وتدبير من كلمة مليون وعشرة ملايين ومائة مليون، يلقيها تجار ما بعد أكتوبر وكأنهم يلقون تحية سلام فاترة لا تعني شيئًا.

إذا لم يكن فكري على قدرٍ مهما يكن ضئيلًا من العلم النظري، فكيف يمكن أن يكون له مكان أي مكان في ميدان الوحوش هذا.

إن فؤاد بدأ حياته في السوق صغيرًا وعرف الخوافي البعيدة من أسراره، فحين استشرى السوق ودخلته النسور الضارية، كان هو قد أصبح حاد الأظافر مثلهم، يجرح إن جرحوا ويهادن إن هادنوا.

وقد أدرك في ذكاءٍ واعٍ أنه لو ترك تجارته التي تعلمها منذ شبابه الباكر أصبح أعمى وسط مبصرين لئام، فأصر أن يبقى في تجارته لا يتركها إلى أي نوعٍ آخر من التجارة.

ولكنه يعلم علم يقين أنه إن كان قد ازداد مع الأيام خبرة في التجارة ومراسًا بالسوق، إلا أن هذه الأيام نفسها قد جعلته شيخًا لا تهب له من الصحة ما كنت تهب ولا من النشاط ما تعود أن يجده، وقد كان يريد من ابنه أن يعينه على سنه وصحته، وإذا ابنه يزيد سنه ثقلًا وصحته وهنًا، وإذا الرعدة لا تتولاه إلا حين يذكر ولده، وقد حاول بالعنف فأخفق وباللين فازداد إخفاقًا، فقال لنفسه اعمل وما عند الله يكون، وعمل، وإذا بالسوق ينقلب من هذا الميدان الذي مرن عليه وعرف دروبه ومنحنياته، وكل مرفق من مرافقه أو ثنية من طرقاته، إلى ميدانٍ آخر قاتل سفاك لا يبقي ولا يذر، وإذا الأثمان تشتعل فهي حريق ما تسامع الناس بمثله، ولا تصور أحد أنه سيسمع بمثله أبدًا، وكما تصبح السوق فاجرة متوحشة يصبح الغني فاجرًا متوحشًا.

ولا يتخلف فؤاد وما تخلف سويلم عن هذا الغنى، ولكن كليهما أدرك في ذكاءٍ أنهما إذا تخطيا عتبة ميدان الأقمشة الذي يعرفانه أصبح كلاهما عدمًا، والربح كما يكون بالملايين تصبح الخسارة بالملايين أيضًا.

قال فؤاد لابنه فكري: مرحبًا بك في دكان أبيك وأجدادك.

– ماذا تقصد؟

– أقصد أننا عائلة ربنا خلقنا للتجارة وليس لنا مهنة غيرها.

– ولكن الجيل اختلف يا بابا.

وتدخلت وهيبة: يمكن أن يختلف الجيل ولا نختلف نحن، واضح أن ليس لك أي ميل للتعليم يا فكري.

– يا نينا أنا حصلت على الثانوية العامة وفي الجامعة الأمر يختلف.

– المسألة ليست مسألة ثانوية عامة وجامعة يا فكري، المسألة أهم من هذا بكثير أنت لا تحب القراءة.

– كل زملائي لا يحبون القراءة.

– إذن فلمن يكتب الكُتَّاب يا ابني؟

وقال فؤاد: يا ابني نحن عائلة تجار.

– أتكون أمي من حملة الليسانس و…

قاطعته وهيبة: المسألة استعداد يا فكري.

– نجرب يا نينا.

- نجرب.

وأسرع فؤاد متدخلًا: نجرب ماذا يا وهيبة؟

– انتظر يا فؤاد، ماذا تريد أن تجرب يا فكري؟

– أدخل الجامعة.

– أي كلية تريد؟

وانقطع الحديث ولم يجد فكري شيئًا يقوله إلا: ليكن معهدًا مثلًا.

وقالت وهيبة: أي معهد تقصد؟

– أي معهد؟

– إذن فأنت لا تهوى دراسة معينة. أنت تريد مجرد شهادة؟

– حتى أكون مثل زملائي.

– أيمكن أن يكون هذا هدفًا في ذاته.

ووجد فؤاد الفرصة سانحة: فكري يا ابني أتريد حقًّا أن تكمل الدراسة وتذاكر؟

ووجم فكري لحظات ثم قال في لعثمة: كنت أقول أجرب.

– كنت تلف علينا يا بني حتى تقول لنا بكرة إننا نحن اللذان منعناك من الجامعة أو التعليم العالي؟

– لا والله أبدًا يا بابا.

– لا. إذن فاسمع: أنا مستعد أن أوافق على دخولك الجامعة، بل أنا أرحب بذلك كل الترحيب، وأكثر من هذا إذا كان مجموعك لا يدخلك جامعة القاهرة فالعالم كله مفتوح أمامك، اختر أي كلية في العالم تريد أن تدرس فيها، وأنا مستعدٌّ أن أقدم كل ما تريد من أموال.

– في الخارج؟

وقالت وهيبة في استنكار: في الخارج يا فؤاد؟

وقال فؤاد: في الخارج، فقط بشرط واحد.

وقال فكري: أي شرط؟

– كل المصاريف التي ستنفقها ستخصم من التركة، ما ذنب إلهام أن تكلفها أنت الألوف؟

وصمت فكري قليلًا واستمر فؤاد: اسمع. أنت لا شك يتهيأ لك أنني أكسب الملايين مثل تجار اليوم لأنك تعيش عيشة مستريحة وتسمع الأرقام الخيالية عن مكاسب التجار، ولكن الأمر بالنسبة لي مختلف كل الاختلاف، أنا أتاجر بشرف، ولم أدخل في عمليةٍ واحدة خارج عمليات القماش التي أعرفها، فأنا أكسب والحمد لله، ولكن المكسب الطبيعي، وأنت منذ الآن تستطيع أن تطلع على حساباتي.

– حضرتك غلطان.

– أترى هذا؟

– كل التجار اليوم يعملون في كل ميادين التجارة.

– مجانين والمستقبل أمامهم مظلم وبكرة أفكرك.

– الحقيقة يا أبي أنك شريف أكثر من اللازم.

– الحقيقة أنه ليس هناك شريف أكثر من اللازم وشريف أقل من اللازم، هناك شريف وغير شريف.

– تعرف رفعت الفنجري أبو حمدي؟

– نعم أعرف ماذا ستقول، بل إن مصر كلها تعرفه، إعلاناته تملأ التليفزيون، وأصبح له أربعة محلات موبيليا، أنا لا أستطيع أن أحكم على طريقة تجارته، ولكن يجب أن نعترف أنه لم يترك مهنته الأصلية.

– نعم هذا صحيح.

– وبالمناسبة أين حمدي الآن؟

– يعمل مع أبيه.

وتسأل وهيبة: هل نال شهادة؟

ويقول فؤاد دون أن ينتظر إجابة ابنه: لم يأخذ الإعدادية.

ويقول فكري: وهل أنت راضٍ عن ذلك؟

– إذا كان ناجحًا في معاونة أبيه فلماذا لا أرضى.

قالت وهيبة: قل لنا أنت.

– ماذا أقول؟

– الحقيقة.

– الحقيقة أنه لا يعمل شيئًا.

قالت وهيبة: اسمع يا فكري، العلم لا يفيد في مجرد حمل اللقب، ولكنه يفيد في كل نواحي الحياة، والذي يعرضه عليك أبوك اليوم يقطع قلبي ويجعلني حزينة كل الحزن، ولكن أنا تناقشت طويلًا مع أبيك وحجته قوية وأنا حجتي ضعيفة، أنت لا تريد أن تتعلم من الكتاب وهو المصدر الحقيقي للثقافة، فلم يبقَ إلا أن تتعلم من العمل، وأنا وأبوك نعلم أنك لا تريد أن تكمل الدراسة، وأنك تُناقشنا لمجرد المناقشة، وأنت الآن في سنٍّ تسمح لك باختيار مستقبلك، فإذا كنت تنوي أن تعمل مع أبيك بحيث تتيح له الفرصة أن يعلمك التجارة والتجارة الشريفة، فأنا عن أبيك أقول: أهلًا وسهلًا.

وقاطعها فؤاد قائلًا: ألف أهلًا وسهلًا.

وأكملت وهيبة: وإن كنت لا تريد أن تصبح تاجرًا مع أبيك فقل لنا ماذا تريد، وربنا يساعدنا أن نحقق لك ما تريد.

وصمت فكري صمتًا تامًّا، أنا فعلًا لا أعرف ماذا أريد، أعود للمذاكرة مصيبة، إذا عملت مع أبي سيحاسبني على الذهاب إلى المحل وعدم الذهاب، أنا ماذا أريد؟ ماذا أريد؟

– الحقيقة يا نينا أنا أعرف ما أريد.

وسارع فؤاد قائلًا: الحمد لله قل لنا ماذا تريد.

– أنا أريد أن أتعلم التجارة.

– ألم نقل هذا أول الأمر؟

قالت وهيبة: انتظر يا فؤاد، إنه لم يكمل.

وأكمل فكري: أنا فعلًا لم أكمل، لا أريد أن أجلس في محل، أنا أريد أن أنزل السوق أشتغل في عمليات تجارية حرة، ولك أن تحاسبني كل عام.

وصاح فؤاد ملهوفًا: الله أكبر، تنزل السوق هكذا وأنت لا تعرف فيه شيئًا؟

– ابن تجار وعندي الموهبة وعندي المخ.

– وماذا أيضًا؟

– ألا يكفي هذا؟

– والتجربة؟!

– تأتي في السوق.

– أتعرف كم يمكن أن تكلفك، أقصد أن تكلفني هذه الكلمة، ربما كلفتني ثروتي كلها وفوقها مثلها عشر مرات.

– ألا تريدني أن أتعلم؟

– عندي في المحل، في الجامعة التي تخرج فيها أجداد أجدادك حتى تخرجت فيها أنا.

– ولكن الدنيا تتطور.

وتقول وهيبة: إذن فأنت تريد …

ويقاطعها فؤاد: أنا أعرف ماذا يريد يا وهيبة وأنت تعرفينه.

وتقول وهيبة: نعم أعرفه، ولكنني أريده هو أن يقول.

ويقول فكري: أنا لن أقول شيئًا.

ويقول فؤاد: ولا مليم واحد.

ويفزع فكري: ماذا؟

– أنت تريد مبلغًا من المال، الله أعلم أين ستنفقه، ثم تقول تاجرت وخسرت. أليس كذلك؟

– وما له؟

– إنه مالي. إنه جهدي وجهد أجدادي. حين أموت أنا أنت حر في نصيبك، أما وأنا على قيد الحياة لا يمكن، ما رأيك؟

– سأعمل معك يا أبي ولكن ستعرف أنني لست كما تظن.

– أهلًا بك، ومكافأة لك على عملك معي خذ هذه المفاتيح لسيارةٍ جديدة اشتريتها لك ليعرف أصدقاؤك أن أباك فرح بعملك معه.

– أطال الله عمرك يا أبي، ربنا يجعلك راضيًا عني دائمًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤