مغامرة في أعماق المحيط!

عندما استقرت الطائرة في الفضاء، لم يكن أمام الشياطين إلا أن يستغلوا الفرصة في النوم، إلا «أحمد»، الذي استغرق في قراءة الجرائد التي اشتراها، كان يعرف أنَّ الرحلة طويلةٌ تمامًا، ولذلك كان يقرأ بعض الوقت، ثم يشرد مفكرًا في هذه المغامرة الجديدة في هدوءٍ، وفتح حقيبته السحرية الصغيرة، وأخرج منها صورة ﻟ «سافرن»، ظلَّ يتأمل الصورة، كان «سافرن» رقيق الملامح، يبدو على وجهه الذكاء، خاصةً أنَّه ذو جبهةٍ عريضة، يلبس نظارةً طبيةً بيضاءَ، لا تُخفي لون عينيه الزرقاوين، له شاربٌ رقيق، ربما يُميِّزه، وأَنْفٌ طويل بعض الشيء، قال في نفسه: إنَّ ظاهرة الأنوف الطويلة تتكرر في كثيرٍ من المشاهير في الذكاء وبعض العظماء …

ظلَّ يُحدِّق في الصورة … شفتان رقيقتان، يبدو من شكلهما التصميم. مدَّ يده مرة أخرى، وأخرج صورةً كاملةً لهذا المُزيِّف الخطير، لم يكن «سافرن» طويلًا، لكن قوامه يبدو متناسقًا، أنيق الثياب. أعاد الصورتين إلى الحقيبة، ثم أخرج تقريرًا أعده جهاز البحث في المقر السري، كان التقرير عن «سافرن» أيضًا، أخذ يقرؤه … كان التقرير يقول: اسمه «جان كلود سافرن»، السن ٤٥ سنة، نشأ في أسرةٍ فقيرة في جنوب إنجلترا، عمل في عدة حرف، منها: إصلاح الأجهزة الكهربائية، عمل في براويز الصور، عمل نقاشًا، وفي فترة من حياته عمل مُرَمِّمًا للوحات القديمة، ثم عمل فترةً في نسخ الصور.

ظلَّ «أحمد» يتأمل الأعمال التي عمل بها «سافرن»، ثم ابتسم، إصلاح الأجهزة الكهربائيَّة. همس لنفسه: شيءٌ غريبٌ!

لكنَّه قال في نفسه: إنَّ بقية الأعمال يمكن أن توصله إلى التزوير، فالذي يقوم بترميم اللوحات القديمة، يحتاج لمهارةٍ فائقة، كذلك الذي يعمل في نسخ الصور، إنَّه يحتاج لمهارةٍ أيضًا، فالذي ينسخ الصور لا بد أن يكون قادرًا على تقديم صورةٍ تشبه الأصل تمامًا، وهذا في حدِّ ذاتِه يُشبه عملية التزييف، لأنَّه يقوم بتزييف الصور الحقيقية، وتقديم صور مزيفةٍ.

شرد لحظةً، وتذكر حوادث سرقة اللوحات العالمية المشهور، تذكر حادثة سرقة اكتُشفت بالصدفة، عندما اختفت لوحة «الجيوكندا» المشهورة، فبعد بحثٍ طويل، وصل لإدارة المتحف خطابٌ يحدد المكان الذي توجد به اللوحة، وعندما وصلوا إليه، كانت اللوحة موضوعةً في صندوقٍ خشبي، وعادوا بها إلى المتحف، وذات يوم وصل خبير في اللوحات القديمة، واكتشف أنَّها ليست اللوحة الأصلية، ولكنَّها مقلَّدة، أو مزيَّفة، وجرت عمليات بحث طويلة حتى عثروا على اللوحة الأصلية بعد سنوات. قال «أحمد» في نفسه: من يدري، قد يكون «سافرن» هو مزيِّف لوحة «الجيوكندا»!

ظلَّ «أحمد» يقرأ التقرير، حتى جاء صوت مذيعة الطائرة، يقول: إنَّهم سوف يهبطون في «الدوحة» في «قطر» للتزود بالوقود، وعرف «أحمد» أنَّ هذه أول محطة في طريق الرحلة.

ظلَّت الطائرة ساعة في مطار «الدوحة»، ثم أقلعت من جديدٍ. وطوال ساعة الترانزيت كان الشياطين قد استيقظوا واجتمعوا حول «أحمد»، وتبادلوا أحاديثَ بعيدةً عن المغامرة، وعندما حلَّقت الطائرة من جديدٍ، أخذ كلٌّ منهم مكانه.

كانت المحطة الثانية هي مطار «دلهي»، في الهند، ثم كانت المحطة الثالثة في مطار «طوكيو» في اليابان. عندما وصلت الطائرة، كان النهار يكاد ينتهي. غادر الشياطين المطار بسرعة، وفي الخارج، كان عميل رقم «صفر» يجلس إلى عجلة القيادة في سيارة تاكسي، وما إن رآهم حتى أشار إليهم إشارةً فهموها، فاتجهوا إليه، وعندما استقلُّوا التاكسي، رحَّب بهم، وهو يقول: إنَّ الطائرة التي سوف تتحرك إلى «يوكوهاما» لن تتحرك قبل منتصف الليل، ولهذا جئت آخذكم إلى جولةٍ في مدينة «طوكيو»، فأنتم لم تزوروها من قبلُ، وقد أعددت لكم سهرةً، ترون فيها فنون اليابان القديمة!

أخذ العميل يدور بهم في شوارع «طوكيو» الحديثة، ثم أخذهم إلى الأماكن القديمة، حيث يوجد الطابع الياباني الأصيل، وفي النهاية أخذهم إلى أحد النوادي التي تشتهر بتقديم الألوان القديمة من الفنون اليابانية. كانت سهرةً ممتعةً، فقد نسي الشياطين خلالها أيَّ شيءٍ، وغرقوا في الأطعمة اليابانية، وجربوا أكل الأرز بالعصيِّ، وضحكوا طويلًا، وعندما كانت الساعة تقترب من منتصف الليل، كان العميل يصحبهم مرةً أخرى إلى المطار، حيث ودعهم هناك، وحيث اتجهوا مباشرةً إلى الطائرة، قبل أن تتحرك بثوانٍ. وتحركت فعلًا عندما دقَّت الساعة منتصف الليل تمامًا … وبعد ساعة، كانت الطائرة تهبط في مطار «يوكوهاما». كان عليهم أن يتحركوا بسرعة، فهم لن يقضوا الليلة في المدينة، فسوف يرحلون مباشرةً إلى الشاطئ، حيث ينتظرهم لنش يبدأ بهم الرحلة إلى «جزيرة الشيطان»، ولذلك، فقد غادروا المطار بسرعة، وفي خارجه كانت سيارة ماركة «هوندا» سوداء في انتظارهم، ركبوها بسرعة، فانطلقت تُسابق الريح إلى شاطئ المحيط الهادئ.

كان الليل يغطي كل شيءٍ، ولم تكن السيارة نفسها تظهر، ولم تمضِ نصف ساعة، حتى كان هواء المحيط يداعب وجوههم. كان الجميع في صمتٍ تامٍّ، فلم ينطق السائق بكلمة … ولا الشياطين … وعندما توقفت السيارة عند الشاطئ في منطقةٍ مهجورة، كان صوت ارتطام الموج بالشاطئ كأنَّه سيمفونيةٌ رائعة. في دقائق، كانت السيارة قد اختفت. فجأةً أعطى جهاز الاستقبال في جيب «أحمد» إشارة، فعرف أنَّ هناك رسالةً استقبلها، وكانت من عميل رقم «صفر»، رحَّب بهم، ثم قال: إنَّ التعليمات كلها في تابلوه اللنش، ثم تمنى لهم رحلةً موقفة، ومغامرةً ناجحة …

هبط الشياطين إلى اللنش، فابتسم «قيس»، وقال: إنَّ المسألة تبدو مخيفةً، فنحن منذ وصلنا إلى المطار لم ننطق بكلمة، وكأننا في الطريق إلى المجهول!

ردَّ «خالد»: إنَّه المجهول بالتأكيد، فهذه المناطق لم نرها من قبلُ، بجوار أننا في الطريق إلى مخلوقات لا تعرفنا!

ابتسم «قيس»، وقال: تقصد الحيتان!

قال «خالد»: نعم، إلا أن تكون لك بهم علاقةٌ سابقةٌ!

وضحك الشياطين دون صوت. عندما استقروا في اللنش، فتح «أحمد» التابلوه بسرعة، فوجد رسالةً، فتحها وبدأ يقرؤها، ثم ابتسم، ولم يكن أحد يرى ابتسامته، فالليل مظلمٌ تمامًا، لكن الرسالة كانت مكتوبةً بنوع من الحبر السري، الذي يمكن قراءته في الظلام، وأحسَّ الشياطين بابتسامة «أحمد» عندما بدأ يتحدث، فقد جاء صوته مرحًا …

قال «فهد»: هذا يعني أنَّك تعرف أسرار اللنش الآن!

ردَّ «أحمد»: نعم، وعلينا أن نُجري تجربةً سريعةً حتى نتأكد من كل شيءٍ، قبل أن نصبح في عُرْضِ المحيط!

نظر «أحمد» إلى تابلوه اللنش، الذي كان يضيء ضوءًا خافتًا، ثم قرأ بعض التعليمات، وضغط زِرًّا، فتحرك اللنش في نعومةٍ، ثم أخذت سرعته تزداد. قال «خالد»: إنَّه رائع، ينبغي أن نصحبه معنا بعد انتهاء المغامرة.

ابتسم الشياطين لحظةً، ثم ضغط «أحمد» زِرًّا، فارتفعت نوافذ اللنش، وأصبح محكمًا تمامًا، ثم بدأت أجهزة التكييف عملها، ضغط زِرًّا ثالثًا، فأخذ اللنش يغوص في أعماق المحيط، كانت جوانب اللنش مصفحةً، لكنها كانت شفافةً، وكان هذا يعطيهم الفرصة لرؤية الحيوانات البحرية التي تلمع في عمق المحيط، ثم علَّق «باسم»: هذه رحلةٌ رائعةٌ، وأقترح أن ندعو الشياطين جميعًا للاستمتاع بمثل هذه الرحلة!

كان اللنش قد تحول إلى غواصةٍ صغيرةٍ، تندفع بسرعةٍ عالية في عمق الماء … قال «أحمد»: إنَّ هذا سوف يعطينا الفرصة لتحقيق مغامرةٍ جيدةٍ!

ابتسم «باسم»، وقال: هذا إذا لم تبتلعْنا الحيتان!

قال «خالد»: هل سنظل هكذا في الظلام؟!

نظر «أحمد» في التابلوه، يقرأ التعليمات، ثم ضغط زِرًّا صغيرًا، فانبعث ضوءٌ خافتٌ أضاء جوانب اللنش، فقال «باسم»: إنَّه نهارنا الخاص.

وعلَّق «قيس»: إنَّ الأسماك سوف تتجمع حول الضوء!

وقبل أن ينتهي من كلامه، كانت إشارة ضوءٍ حمراء تتردد في تابلوه اللنش، ثم ظهرت علامةٌ سوداءُ تتحرك على شاشة الرادار الصغير، فهتف «خالد»: هناك شيء في الطريق إلينا!

قال «قيس»: هل هي غواصة العصابة؟

ردَّ «أحمد»: لا يزال هناك وقت حتى نصل إلى جزر «يونين»!

قال «خالد»: من يدري، لعل غواصة العصابة تقوم بجولةٍ استكشافيةٍ في المنطقة، قبل أن تبدأ عملها!

كان الجسم الأسود مندفعًا في اتجاه اللنش بقوةٍ، ولم يكن أمام الشياطين إلا الانتظار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤