«جوتار» وعصابة بيع الرقيق!

قال «أحمد» ﻟ «قيس»: المهم هو الدكتور «جوتار»! …

اختفى «قيس» في إحدى الحجرات بحثًا عن الدكتور في نفس الوقت الذي أسرع فيه «أحمد» يحمل «كابلان» إلى حجرة أخرى. شدَّ وثاقه، ثم أخفاه تحت أحد الأَسِرَّة بينما كانت «هدى» قد انطلقت إلى الحجرة التي دخلتْها «سافيرس». أسرع «أحمد» بالعودة إلى الطرقة، ألقى نظرة سريعة فلم يجد أحدًا. لكن في نهاية الطُّرقة كان يرتفع سُلم إلى الطابق الثاني. قفز قفزتين متتاليتين، فأصبح هناك. أسرع بالصعود إلى السُّلم. لكن بعد عدَّة درجات لم يجد شيئًا. كان السُّلَّم قد انتهى، دون أن يظهر أي باب يؤدي إلى الطابق. فكَّر بسرعة: هل يُمكن أن يكون السُّلم مجرَّد خدعة؟ لكنه نفى ذلك …

أخذ يتأمَّل الجدران. لم يكن يظهر شيء أبدًا … أخذ يمسح الجدران بكفِّه مُحاولًا أن يلمس أي أثر. فجأة توقَّفَت يدُه. كان هناك خيط رَفيع لا يُمكن للعين أن تراه. مشى بيده مع الخيط الرفيع الذي لا يظهر في الجدار الأبيض. انتهى الخط. نزل معه مرةً أخرى، فإذا به ينتهي قبل درجة السُّلم بقليل. وقف يتأمل الخط، ثم قال في نفسه: إنه يكفي لارتفاع باب.

ضغط بكتفه على المساحة التي تلي الخط فانفرج باب متوسط العرض. لكنَّه كان موصدًا تمامًا … فكر هل يمكن أن يكون فتحه عكسيًّا؟ … أخرج خنجره وبواسطة سنِّه الرفيع ضغط على الخط فانفتح الباب. كان فعلًا يفتح بطريقة عكسية. قفز إلى الداخل. ثم وضع خنجره في مكانه. كان هناك طُرقة متوسِّطة يفتح عليها عدد من الأبواب، كانت كلها مغلقة. اقترب من أحد الأبواب ثم ضغط برفق. انفتح الباب في هدوء. كانت هناك سيدة ترقُد على سريرٍ بجوارها طفل. أَغلق الباب دون صوت. مرَّ على كل الحجرات، الواحدة بعد الأخرى. كان بعضها خاليًا. والبعض الآخر مشغولًا بنزلائه. عاد إلى الباب بسرعة. وما كاد يصل إلى هناك، حتى لفَت نظره باب صغير لا يكاد يظهر، عاد إليه. كان هناك زر صغير أبيض، يختفي بين الألوان البيضاء التي تُغطي كل شيء …

ضغط الزر، فصدَرَ صفير خافِت، ظلَّ مُستمرًّا، وعندما انقطع، كان مصعد صغير، يتوقف خلف الباب. دفع الباب برفقٍ فانفتح. دخل المصعد ثم ضغط الزر، فنزل. وعندما توقف، وجد نفسه مرة أخرى أمام حجرة الدكتور «جوتار» خرج بسرعة. كان كل شيء هادئًا، وكأنه لا تُوجد جريمة ما. لكن لم تمرَّ لحظة، حتى رأى عددًا من المُمرضين يَجرُون معًا في اتجاه باب الخروج، الذي كان بعيدًا عنه. أسرع فأخرج قنبلة دخانية ثم نزل مسمار الأمان وألقى بها بقوة، فسقطت عند باب الخروج. وقبل أن يصل الرجال إلى هناك كانت قد انفجرت. انتشر الدخان بسرعة. في نفس الوقت كان صوت القنبلة كافيًا ليتراجَع المُمرضون. لكنهم كانوا مذعورين تمامًا، فوقفوا أمام «أحمد» بلا حركة.

أخرج «أحمد» مسدسه في هدوء، وقال لهم: إنَّكم الآن، تُعرِّضون أنفسكم للخطر، الأحسن أن تطيعوا الأوامر!

ردَّ واحد منهم بتردُّد: ماذا تريد؟ …

قال «أحمد»: لا شيء!

ثم أشار إلى إحدى الحجرات. وقال: ادخلوا هذه الحجرة. تبعهم «أحمد» حتى أصبح داخل الحجرة بخُطوة واحدة. لكن فجأة. شعر بعصًا غليظة تنزل على رأسه. ورأى الدنيا تدور، ثم سقط على الأرض. لكن الموقف لم ينتهِ. فقد كانت «هدى» قد عادت واشتبكت مع الرجل الذي ضرب «أحمد». كان رجلًا رفيعًا، لكنه حديديُّ القوة.

أمسك الرجل بذراعها وهو يقول: تعالَي يا صغيرتي …

لكن «هدى»، كانت قد قفزت في الهواء، وضربتْه بقدمَيها معًا، ضربة مزدوجة، جعلت الرجل يترك يدها، ويبتعد في قوة حتى اصطدم بالجدار. وقبل أن يتمالَك زمام سيطرته، كانت خلفه، وضربته يدًا مستقيمة جعلته يصرخ ويقع على الأرض. أسرعت إلى «أحمد» الذي كان قد بدأ يفيق، فساعدته على القيام.

وقف لحظة، يتمالك نفسه، حتى أصبح عاديًّا، فسألها: أين الرجال؟ …

ولم يكد ينطق بكلمة، حتى كانت «زبيدة» تدخل وقد ساقت الرجال جميعهم أمامها. كانت تمسك مسدسًا ويبدو على وجهِها الجدُّ الشديد.

قال «أحمد» بسرعة: رائع … يجب أن نتخلَّص منهم حتى نرى الباقين …

تصرَّفت «زبيدة» بسرعة، أدخلتهم إحدى الحجرات، كان في الحجرة نافذة واحدة عريضة. تقدمت منها، ثم ضغطت على مصراعها بقوة، فلم يتأثَّر. عاجلته بقبضة المسدَّس حتى استطاعت في النهاية أن تُغلق النافذة بطريقة لا يمكن فتحها إلا بتحطيمها. تراجعت بسرعة ثم أغلقت الباب بالمفتاح. كان «أحمد» و«هدى» قد اختفَيا. سمعَت صوت أقدام تجري خلفها، فاستدارت بسرعة. رأت رجلًا قويَّ البنيان، يلبس نظارات طبية، ويُحاول الفرار.

صرخت: أنت …

نظر إليها الرجل، ثم تسمَّر في مكانه. اقتربت منه بسرعة. كان الرجل يرتجف.

قال بصوت مُرتعِش: أنا لا أدري ماذا حدث؟ لقد جئت من أجل زوجتي. فوجدت خناقات، وناس تجري …

تشممت «زبيدة» رائحة مطهرات تصدُر عن ملابسه. قالت له في هدوء: تقدَّم …

تقدم الرجل مطيعًا … لكن فجأة، كان يضرب يدها، فطار المسدس. لم تتحرَّك من مكانها. فقد نظرت له في هدوء. كان المسدس بعيدًا عنهما. ظلَّ الرجل ينظر لها في تردُّد، ثم فجأة، انقَضَّ على المسدس. لكن «زبيدة» كانت أسرع منه. فقد طارت في الهواء، وضربته ضربة مزدوَجة جعلته يدور في مكانه، ثم وقفت تراقبه. لم يستطع الرجل السيطرة على نفسه. فاصطدم بالحائط، ثم ارتد ووقع على الأرض. لكنه وبسرعة، وقف على قدميه.

قالت «زبيدة» في نفسها: إنها مغامرة هادئة … فهؤلاء الرجال لا يعرفون القوة … كان الرجل ينظر إليها في دهشة.

قالت له: تقدَّم. كان المسدَّس لا يزال مُلقًى على الأرض … تقدَّمَ الرجل.

قالت له: اتجه إلى هذه الحجرة … وأشارت إلى الحجرة التي سجنت فيها الرجال. تقدم الرجل إليها.

قالت له: افتح الباب …

أدار الرجل المفتاح، في نفس اللحظة، كانت هي قد قفزت في اتجاه المسدس ووجهته إليه.

قالت: ادخُل.

دخل الرجل بسُرعة، فأغلقت الباب بالمفتاح. نظرت حولها، ولم يكن شيء يظهر. كان الهدوء قد سيطر على المكان.

أرسلت رسالة سريعة إلى «أحمد»: أين أنتم؟ … لكنها لم تتلقَّ ردًّا. قالت في نفسها: لا بد أنهم مُشتبكون في معركة …

أسرعت بالتحرك إلى غرفة الولادة، دخلت فلم تجد شيئًا، اتجهت إلى الصالة الخلفية، التي تُطلُّ على الحديقة ناحية «عثمان» ثم فتحت الباب الزجاجي المطل على الحديقة. ولم تكد تفعل ذلك، حتى دوت طلقة بجوار قدميها. ارتدت بسرعة واختفَت. قالت في نفسها: لا أظن أنها إحدى طلقات الشياطين … ظلَّت في مكانها. فكرت لحظة، ثم أرسلت رسالة سريعة إلى «أحمد»: ماذا حدث؟ …

جاءها الرد: يبدو أن الدكتور «جوتار» يعمل تبعًا لعصابة، إنَّ أعدادًا من الرجال قد وصلت إلى المستشفى.

عادت «زبيدة» بسرعة إلى الاتجاه الآخر، حيث يوجد مدخل المستشفى. فتحت البوابة الزجاجية الأخرى، لكن طلقة مفاجئة، جعلتها ترتدُّ. قالت في نفسها: إنَّ المستشفى محاصر، ويبدو أن العدد كبير … لكن، لا بد من حل … أرسلت رسالة أخرى إلى «أحمد»: أين أنتم؟

جاءها الرد: أنا و«هدى» في الجزء الخلفي. و«قيس» و«عثمان» عند البوابة الأمامية …

فكَّرت: إنَّ الليل يغطي كل شيء الآن. ونحن يمكن أن نلعب معهم لعبة سريعة وخطيرة … أرسلت رسالة إلى الشياطين: يجب أن تَختفُوا جيدًا. سوف أقوم بمغامرة. راقبوا ما حولكم …

اقتربت من البوابة. ثم فتحتها في هدوء. قالت في نفسها: إن التمرين الليلي، كان ينفعنا الآن … لكن هذه فرصة لأُجرب فكرة ما. أخرجت من حقيبتها الصغيرة قنبلة زمنية ضوئية دحرجتها بعيدًا في هدوء. لم يكن يُسمع صوت، حتى ولا صوت مياه المضيق. مرَّت دقيقتان، ثم فجأة، انبعث ضوء قوي، أضاء المكان كله، حتى ظهر كل شيء. وكأنه في وضَح النهار. ظهر الرجال، يجرُون في كل اتجاه.

تحدثت «زبيدة» وهي في مكانها بصوت عالٍ: قفُوا مكانكم، وألقوا أسلحتكم، إن المنطقة محاصَرة. ثم اتبعت ذلك بقنبلة ضوئية أخرى … ولم يكد ضوء القنبلة الأولى ينسحب حتى كان ضوء القنبلة الثانية يُغطِّي المكان.

كان الرجال يقفون في أماكنهم. كانوا عشرة أفراد. كان كل منهم يحمل مسدسه.

صرخت «زبيدة»: ألقوا مسدساتكم بعيدًا …

وفي لحظة واحدة كان كل من الرجال يلقي مسدَّسه. وظهر «قيس»، و«عثمان»، بيد كلٍّ منهما مسدس.

جاءت رسالة إلى «زبيدة»: ماذا حدث؟ هل استخدمت قنابل ضوئية. كانت الرسالة من «أحمد» … ردت «زبيدة»: لقد سيطرنا على المكان، سوف أنتقل إليكم …

كان «قيس» و«عثمان»، قد ساقا الرجال أمامهم إلى حجرة البوابة الخارجية، ثم سجنوهم فيها. وعاد «عثمان» إلى «زبيدة» بسرعة. في نفس الوقت كان صوت طلقات الرصاص المكتوم يصل إليهما.

همس «عثمان»: إنهم يستخدمون كاتم الصوت.

قالت «زبيدة»: ينبغي أن نُكرِّر التجربة، إن قنبلة ضوئية، يمكن أن تجعلهم يتوقفون عن إطلاق الرصاص.

أخرج «عثمان» قنبلة ضوئية، وثبتها في فوهة المسدس … ثم رفع يده إلى أعلى، وأطلق القنبلة. ارتفعت في الهواء. وعندما بدأت تهبط إلى الأرض، انفجرت فأضاءت المكان خلف المستشفى. وفي لحظة، توقَّفَ صوت الرصاص. بسرعة، كانت «زبيدة» و«عثمان» قد انتقلا عن طريق الحديقة إلى خلف المستشفى، حيث كان «أحمد» و«هدى» قد سيطرا على الموقف تمامًا.

كان عدد من الرجال يقف وقد رفعوا أيديَهم إلى أعلى.

قالت «هدى»: لقد اختفى الدكتور «جوتار»! …

نظر الشياطين إلى بعضهم. وأضافت «هدى»: أيضًا اختفت «خديجة» وابنها … فقد أعدته إليها. وعندما عدتُ لحجرتها، لم أجدها هناك …

ابتسمت «زبيدة» وهي تقول: إن «خديجة» في أمانٍ؛ فقد نقلتها بالسيارة إلى خارج المستشفى حتى تكون بعيدًا عن المعركة …

هتفت «هدى» في فرح: رائع يا «زبيدة». لقد كنتُ أخشى أن يُصيبها مكروه …

كان الرجال ينظرون إليهم في ذُهول؛ فقد كانوا يتصرفون، وكأن شيئًا لم يحدث.

ساق «قيس» و«عثمان» الرجال أمامهم.

فقال «أحمد»: إن «جوتار» يعمل مع عصابة لتجارة الرقيق، إنه يقول للأم إنها فقدت ابنها أثناء عملية الولادة وتخرج الأم حزينة لا تقول شيئًا. في نفس الوقت تكون هناك سيدة لا تنجب، وتُريد أن يكون لها ولد. فتَبيع لها العصابة طفلًا، لا يدري من أمور الدنيا شيئًا …

التفت «قيس» قائلًا: هل نسيتم «جوتار»؟ …

ضحكت «زبيدة» وهي تقول: كيف ننساه وهو الرأس المُنفِّذ؟ إنني احتفظت به مع مجموعة أخرى …

نظرُوا لها في دهشة. لكن نظرتهم لم تستمر؛ فقد كانت صفارات النجدة تملأ المكان. وفي دقائق كان رجال الشرطة يحوطون رجال العصابة. وتقدم قائدهم ليقول ﻟ «أحمد»: لقد حللتُم اللغز الذي كنا نعيش فيه منذ سنوات؛ فنحن لم نكن نعرف حقيقة المسألة. بعد أن انتشرت ظاهرة اختفاء الأطفال، في هذا «الشارع الأصفر» … صمتَ لحظة ثم أضاف: هل أدعوكم لشاي الصباح؟ فإن نور الفجر قد بدأ …

قالت «زبيدة»: ليس قبل أن ترى الرأس المنفِّذ!

تقدموا جميعًا إلى الحجرة الداخلية. فتقدمت «زبيدة» وفتحت الباب، فظهر الرجال الذين سجنتهم. وبينهم ظهر «جوتار» …

نظرت «زبيدة» إلى «هدى» وقالت: ما رأيك في هذه المفاجأة؟ …

تسلَّمت الشرطة رجال العصابة، وبينهم «جوتار» … في نفس الوقت اتجه الشياطين إلى خارج المستشفى، حيث كانت «خديجة» داخل السيارة، في مكانٍ سرِّي، وعندما رأتهم ابتسمت في ارتياح. قفزت «زبيدة» و«هدى» بجوارها. وركب بقية الشياطين في المقعد الأمامي، وانطلقوا … في نفس الوقت الذي كانت أضواء النهار، قد بدأت تنتشر في الوجود.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤