عذراء أتيكا

figure
عذراء.

فتاة الأكروبوليس.

عذراء (١)

بسمتكِ الصافية بعيدة
بُعد السنوات الضوئية
(غامضة كغموض الفجر)
من ذا يحملكِ لبَيته؟
أيجيء عريسكِ يومًا،
أيجيء اليوم،
فيزفك في موكبه
المتألق بعيون الزهر،
ويهلل لكما الطير؟١

عذراء (٢)

سرب النحل
ضاع وتاه
بين مسامِّ المرمر،
ها هو ذا الآن
يبحث عبثًا
عن نكتار،
والنكتار
— خمر الآلهة —
رحيق خلود،
ورحيق حياة،
إذ لا شيء سوى هذا الثغر،
ثغركِ يا عذراء الحُسن البِكر،
يمكن أن يرتشف رحيق الفجر
من شفتَي زمن «ديدالي»،٢
زمن الإبداع الحرِّ.
  • (أ)

    القصيدتان عن تمثالٍ شهيرٍ يحمل اسم فتاة الأكروبوليس أو عذراء «أتيكا»، وهو محفوظ في متحف أثينا، ويرجع إلى حوالي منتصف القرن السادس قبل الميلاد، ويصور التمثال فتاةً ترتدي ثوبًا طويلًا بلا أكمام، يشع وجهها المضيء — كفنارةٍ قديمةٍ شامخة تقف على شاطئ بحر الزمن البشري اللامحدود! — بابتسامةٍ صافية تفيض البهجة والأمل والاستبشار على صدرها الواثق المتحدي — بنهدَيه البازغَين كعصفورين نزقين — وعلى جسدها الرشيق الممشوق القوام، بل تكاد تغمر بنورها الهادئ تلك الخصلات السوداء المتدلية — كأسراب النحل السوداء! — من رأسها حتى جانبَي صدرها، ولا يقلل من الجمال المبهج العذب لهذا التمثال أن ذراعه اليسرى مبتورة؛ فالذراع اليمنى المشرقة بالبياض، والمضمومة القبضة على دعوةٍ مكتومة للحب واللقاء، تنسينا تأثير الزمن المخرِّب، وتؤكد أن نور الجمال الخالد، ومعه الأمل وحب الحياة، لا ينطفئ بسهولة … ويرجح أن يكون هذا التمثال واحدًا من تلك التماثيل التي تصور حاملات السقف ولا يزال بعضها قائمًا حتى اليوم في معبد الأكروبوليس، وهي مجموعة المعابد والأطلال المقدَّسة على المرتفَع المطلِّ على مدينة أثينا …

    والقصيدة الأولى كتبها الشاعر «أورس أوبرلين» — المولود في مدينة بيرن السويسرية سنة ١٩١٩م — الذي عرف باهتمامه بجمع التحف الفنية وشغفه بدراسة الآثار وتاريخ الفن، مع مزاولته لمهنته كطبيب أسنان. وقد كتب القصيدة في سنة ١٩٦١م على أثر زيارته لمتحف الأكروبوليس ومشاهدته للعذراء …

    أما القصيدة الثانية فكتبها الشاعر والكاتب الألماني جورج هيرمانوفسكي، الذي وُلِد سنة ١٩١٨م في بلدة ألنشتين ودرس الأدب وتاريخ الفن بجامعة بون، وظهرَت القصيدة في ديوانه «القارب» الذي صدر في عام ١٩٧٠م.

  • (ب)

    الديداليُّ نسبة إلى المهندس والفنان الأسطوري المبدع دايدالوس الذي نشأ في منطقة «أتيكا» ومارس فيها مهنته، ثم لم يلبث أن ترك وطنه أو قريته متجِهًا إلى كريت وملكها الخرافي مينوس، وذلك — فيما يقال — بعد أن أكلَت الغيرة المهنية قلبه وأوغرَته على ابن شقيقته فدفعه من قمةٍ شاهقة على جبل الأكروبوليس ليلقى حتفه! … أقام المتاهة الشهيرة التي عاش فيها الثور الأسطوري «المينوتاوروس»، ودخلها البطل ثيسيوس الذي قتل هذا الثور، ولم يمكنه من الخروج منها إلا الخيط الذي كانت «أريادنة» ابنة الملك قد أعطَته له وظلَّت تمسك به على مدخله، وقد صنع كذلك بقرةً من الخشب لياسيفاي زوجة الملك الذي أمر بسجنه، ربما لمنعه من إفشاء سرِّ المتاهة لأحد، أو لحقده عليه وغيرته منه … وقد تمكن ديدالوس مع ابنه إيكاروس — أول إنسان غامَر بتقليد الطير! — وبمساعدة جناحَين من الشمع من الطيران فوق السجن وفوق جزيرة كريت كلها حتى صهرَتهما الشمس فسقطا في البحر الإيجي، أو هبطا — في قولٍ آخر — على أرض صقلية لدى الملك كوكالوس.

    وتُطلَق صفة «الديدالية» على المرحلة المبكرة من تطوُّر الفن الإغريقي التي ترجع للنصف الثاني من القرن السابع قبل الميلاد …

١  محمد مندور، فن الشعر، سلسلة المكتبة الثقافية، العدد ٣٠٥، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٧٤م، ص٣-٤.
٢  محمد مندور، فن الشعر، سلسلة المكتبة الثقافية، العدد ٣٠٥، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٧٤م، ص٣-٤.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤