حواء

figure
حواء.
بينا تتناول يدُها التفاحة،
تُنصت،
تفهم،
أن الجسدين
كأنهما الموجة
تتبعها الموجة،
تعرف
أن العالم لن تُوجَد فيه
شفاهٌ تكفي
كي تتحدث عمَّا يغمرها
ويحولها
من أسرار،
تشعر
أن الناس ستخلط يومًا
بين العيش
وبين الموت،
تلتمس جوابًا
عن أسئلة
لم يطرحها أحدٌ بعد،
بينا تتناول يدها التفاحة
تنصت
في الصمت.

الصورة لنحْتٍ بارز أبدعه فنان من العصر الأوربي الوسيط يُدعَى جيسليبر توس الأوطوني (حوالي سنة ١١١٥م) لم أستطع للأسف أن أتوصل لمعلومات أخرى عنه ولا عن الموضع الذي يُوجَد فيه هذا النحت البسيط البديع. وعزائي أن الشاعر فالتر فريتس (المولود سنة ١٩٢٩م في مدينة كارلزروه، والمعروف بمجموعاته الشعرية وقصائده النثرية التي تتبلور حول الموضوعات و«الموتيفات» الأثيرة لديه كالطبيعة، والمناظر الريفية، والحب، ولوحات الوجوه المصورة — البورتريهات — وتجاوب الحياة اليومية، والأشياء البسيطة المحسوسة)، استطاع هذا الشاعر أن يتأمل النحت أو صورته ويعبِّر عمَّا انطبع منها في وجدانه في لغةٍ مقتصدة في كلماتها وصورها وإشاراتها وإيحاءاتها الهامسة، ولا بُد أن جسد حواء المندمج في حضن الطبيعة الثرية المنعَّمة بالأشجار والأوراق والثمار إلى حدِّ التوحُّد الصوفي والحسِّي معها، ووجهها الذي يميل على الأرض، وكأن الفم يهمس له بسِر أو يتلقف منها سرًّا تصونه وتضنُّ به على أي مخلوقٍ آخر (حتى ولو كان هو آدم الذي يشاركها الحياة والاغتراف من منابع جنَّتها العدنية!) ويدها التي تلتفُّ حول التفاحة وتقبض عليها (ولا ندري إن كانت هي نفسها التفاحة التي أكلَتها من شجرة المعرفة!) والشجرة ذاتها بجذعها المتين وغصونها القوية وأوراقها العريضة المثقَلة بطعام الأرض ورحيقها ونداها … كل هذا الذي صوره الفنان وعبَّر عنه بمباشرةٍ حسية ربما يتهمها المتسرع بالفجاجة أو الغلظة، كل هذا الحضور الجسدي الحي الضاغط الذي يفرض نفسه ببساطةٍ ريفية بريئة من أي زخرف أو تزويق، كل هذا يعبِّر عنه الشاعر كما أحسَّه وذاق طعمه في لمساتٍ لغوية موجزة ونغماتٍ حية وحييَّة تكشف عن الحوار السرِّي الحميم بين حواء — الطبيعة الأم — وطبيعة حواء الأم الخالدة …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤