٥٠٠٠٠ كيلومتر من المخاطر!

كان التمثال لفتاةٍ زنجية، ذات ملامح أوروبية جميلة، أثارَت انتباهَ «عثمان» الذي لم يلتفت لسؤال «أحمد» إلَّا عندما دفعه في كَتِفِه، فأفاق على ابتسامة وهو يسأل إن كان قد رأى هذا التمثال على صدر «مارلو»؟

فقال «عثمان» وهو يحاول الخروج من شروده: نعم … نعم، ولكن هناك ما هو أخطر … إنه يُشبه إلى حدٍّ كبير الشابَّ الزنجي الفائق الأناقة، الذي جالَسَ الراقصة «بتريشيا» في الفندق، ثم زارها في الكواليس واختفى.

وأيضًا يُشبه إلى حدٍّ أكبر … إحدى راقصات فريق الزنجيات الحسناوات. والذي زاد عددُه في نفس اليوم الذي اختفى فيه الشابُّ الزنجي … إلى ست راقصات، رغم أن عددهم خمس راقصات كما رأيتهم أكثر من مرة …

رقم «صفر»: تقصد أن الشاب الزنجي هو نفسه الراقصة الحسناء؟

عثمان: نعم، هو نفسه «بيزا»؛ لأنها تركَت لي في نفس اليوم كارتًا مع عامل مصعد الفندق مكتوبًا عليه: مع تحيات «بيزا» …

فقال رقم «صفر» مازحًا: مع تحيات رقم «صفر» … لقد اتضحت الأمور الآن بعضَ الشيء؛ فإن هذا التمثال يُشبه «بيزا».

ريما: ولكن مَن الذي نحتَه؟ وهل كانت «بيزا» المقصودة … أم أنها الصدفة؟

أحمد: المهم الآن أن «بيزا» أصبحت قريبة منا جدًّا، بعد تحديد ملامحها، واتضح أن هناك علاقةً مؤكَّدة بين «بيزا» و«مارلو»، وشخص ما في «زيمبابوي» هو الذي نحتَ لها هذا التمثال.

إلهام: ولكنَّ كثيرًا من أهل «زيمبابوي» يُجيدون فنَّ النحت، وبالذات أبناء قبائل الشونا.

لذا سيكون البحث عن ناحت هذا التمثال … أمرًا عسيرًا.

رقم «صفر»: المهم أن تَخلُدون الآن للنوم … فأمامكم رحلة طويلة، ومهمة شاقَّة في بلاد أعرض ستارة مائية في العالم.

أحمد: شلالات «فيكتوريا».

رقم «صفر»: نعم وعندها الفندق الذي ستنزلون فيه … وفقكم الله.

انصرف الشياطين … كلٌّ إلى غرفته وبداخلِ كلٍّ منهم إحساسٌ عميق بالرضا والحب لذلك القائد رقم «صفر» الذي كان اللقاء معه هذه المرة وديًّا للغاية. وتمنَّوا لو أن تكون كلُّ اجتماعاتهم ولقاءاتهم … في هذا المقر.

ولفَّ الصمتُ المقر، ولم يَعُد الشياطين يسمعون غيرَ صوت الرياح، وكان هذا آخرَ ما سَمِعه «أحمد» و«إلهام» و«عثمان» قبل أن تنقلهم طائرة هليكوبتر إلى مطار القاهرة، ومنه إلى مطار «هراري» الصغير على متن إحدى طائرات شركة مصر للطيران … ورغم أن «هراري» تقع في قلب أفريقيا، إلا أن نظافة شوارعها وعصرية مبانيها جعلَت الشياطين يشعرون بأنهم في عاصمة أوروبية في نفس الوقت الذي شعروا فيه أنهم جوعى، فتناولوا طعامهم في أحد مطاعم العاصمة «هراري» والتي تعني في لغة قبائل «الشونا» المدينة التي لا تنام. وكان المطعم يُقدِّم أصنافًا من اللحم المشوي، من صيد براري «زيمبابوي» التي تمثِّل ١٣٪ من مساحتها. وقد جحظَت عينَا «عثمان» حين قرأ بالإنجليزية في قائمة الطعام التي قُدِّمت لهم … لحم ذيل تمساح، لحم خرتيت، لحم حمار وحشي، لحم نعام، ولحم غزال، وضحكت «إلهام» كثيرًا للتعبير الذي ظهر على وجهه.

وسأله «أحمد» ضاحكًا: ماذا ستأكل من هذا؟

عثمان: خرتيتًا، ثم أكمل ضاحكًا: و«إلهام» نعامة، أما أنت …

«أحمد» باسمًا: حصانًا، أقصد سأجرِّب لحم الحصان. وأعتقد أن «إلهام» غزالًا، أقصد … ستفضِّل لحم الغزال.

فابتسمت «إلهام» في حياء، وشكرَته على هذه المجاملة الرقيقة، وصدَّقت على اقتراحه وطلبَت لحم الغزال، وكان انطباعهم جميعًا جيدًا عن الطعام الذي أكلوه بعيدًا عن جنون البقر.

وكان أمامهم وقت، قبل أن يستقلُّوا الطائرة إلى منطقة الشلالات، فقاموا بجولة في المدينة وخرجوا منها إلى حيث حديقة «شابونجو»؛ المتحف المفتوح لفنون النحت «الزيمبابوية» حيث تمثال «بيزا» الذي أثار إعجابهم لمهارة صانعه وشفافية روحه، التي ظهرَت في ابتسامتها الساحرة … ولكن لفت نظرهم … أن التمثال له ذراعان مقطوعان وأنه يُحاكي في هذا … تمثال آلهة الجمال عند اليونان «فينوس». وتساءلوا … هل هي حالة من العشق؟ وهل يعني هذا أنهم يستطيعون الوصول ﻟ «بيزا» … عن طريق هذا العاشق الفنان.

ورأى «أحمد» أنها محاولة لا بد منها، فحصل من إدارة الحديقة على اسم وعنوان صانع التمثال … إنه «روبيرت» أحد أبناء قبائل الشونا، وله أسفارٌ عديدة إلى المملكة المتحدة فهو يعمل بالتجارة، بجانب احترافه لفن النحت، وهو يقيم في العاصمة ولكنه هذه الأيام يقيم في البراري في سيارته اللاندروفر، فهي عادته منذ حصل على عدة جوائز عن أعمال فنية في معارض ومسابقات دولية، وأصبحت أعمالُه مطلوبة على مستوى العالم.

فقال «عثمان»: معنى ذلك أننا سنحتاج لسيارة سفاري حتى نستطيع الوصول إليه؟

أحمد: نعم.

إلهام: ولكن ما أدراكم أن هذه «بيزا»؟!

أحمد: «بيزا» في «زيمبابوي»، وهذا التمثال يُشبهها … وهو أيضًا في «زيمبابوي» وصانعه موجود، فلماذا لا نبدأ بتأكيد هذا الظن أو نَفْيه.

عثمان: وكيف سنصل إليه ومساحة البراري لا تقل عن ٥٠٠٠٠ كيلومتر مربع، ناهيك عن أخطار الأدغال وسط الحيوانات المفترسة والأسود الضارية.

أحمد: إنها محميَّات طبيعية والاستفسار عن السيارات التي تَجُوبها أمرٌ يسير.

إلهام: وهل سنتحرك من هنا في سيارة سفاري؟

أحمد: لا، فلدينا حجزٌ في فندق شلالات «فيكتوريا»، وأرى أننا اليوم متعَبون، ولم يَعُد لليوم بقية غير بضع ساعات فنستقل فيهم الطائرة إلى الشلالات.

إلهام: نعم، ونحصل على حمَّام دافئ.

عثمان: وتنامان.

أحمد: وأنت.

عثمان: لم أنَم حتى نعود إلى مصر.

كانت المسافة بالطائرة من «هراري» إلى مطار مدينة شلالات «فيكتوريا» الأبيض الصغير الواقع وسط البراري قد استغرقَت ساعةً ونصفًا، ومن وراء سور الأسلاك الفاصل بين الغابة والمطار، كانت الغزلان تُتابع الحركة فيه وكأنها تشاهد تصويرَ فيلم. وعلَّق «عثمان» ضاحكًا: إنها في رحلة لحديقة البشر؛ فهذه المرة وقفنا نحن في الأقفاص ووقفوا هم يتفرَّجون.

كان فندق شلالات فيكتوريا من أفخم وأغلى وأقدم الفنادق في «زيمبابوي»؛ فقد أنشأته شركة قطارات جنوب أفريقيا البريطانية عام ١٩٠٤م مع وصول السكك الحديدية ﻟ «زيمبابوي»؛ فقد كان هناك مشروع استعماري كبير يهدف إلى ربط مصر بطريق رأس الرجاء الصالح عبر خط سكك حديدية يسمى «كايرو-كاب». وبعد أن أنهى «أحمد» إجراءاتِ مراجعة الحجز مع موظف الاستقبال وقبل أن ينصرفوا إلى غُرَفهم، سأله عن إمكانية الحصول على سيارة سفاري للدخول إلى البراري، ولكن الموظف أخبره أنها محميَّة طبيعية، وغير مسموح باستعمال السيارات، أو حتى الدرَّاجات. فتعجَّب الشياطين … فما سمعوه من إدارة الحديقة غير ذلك، فهل كان مزاحًا، أم أن «روبيرت» هذا حالة خاصة؟

وأصرَّ «أحمد» على أن يتأكد من هذا، فأعاد الكلام على أسماع الموظف، الذي بدَا عليه الارتباك وهو يؤكد له أن القانون يمنع دخولَ أيِّ نوع من التكنولوجيا الحديثة إلى المحميات، أو حتى لمس زهرة برية، أو إزعاج حيوان شارد أو غيره. تظاهرَ «أحمد» بتصديق كلامه، وقد تحركَت حاسَّة الشك في نفسه، وكان الحال هو نفسه مع «إلهام» و«عثمان»؛ بسبب الارتباك الذي ظهر على الموظف بمجرد ذكرِ اسم «روبيرت» …

وفي طريقهم إلى غُرَفهم والتي سبقَتها إليها حقائبهم، شردَ كلٌّ منهم بأفكاره في اتجاه. وفي الطابق الثاني والأخير للفندق المكوَّن من طابقَين. كانت تقع غرفة «إلهام» وبجوارها غرفة «أحمد» و«عثمان»، الذي ترك «أحمد» سابحًا في أفكاره، ممدَّدًا على فراشه، وهبط الدَّرَج مسرعًا إلى الدور الأرضي خارجًا من بَهْوٍ داخلًا في الآخر حتى بلغ التِّراس الخلفي، ثم هبط الدَّرَج مغادرًا الفندق عبر بوابة في السور السلكي المرتفع، الذي يفصل الفندق عن الغابة، مع تنبيه الحارس الأسود بالعودة قبل ميعاد إغلاق البوابة في السادسة مساء. ففي الظلام تنشط حاسَّةُ الافتراس عند الحيوانات.

وفي الثامنة مساءً … استيقظ «أحمد» وقد نال قسطًا وافرًا من النوم، فاغتسل في سرعة، وقد لفت نظرَه عدمُ وجود «عثمان» ووجود حقيبته كما هي لم تُمَسَّ، حتى فراشه، ومعنى ذلك أنه لم يُبدل ملابسه، ولم يَنَم … إذن أين ذهب؟

فرفع سماعة التليفون طالبًا الاستقبال سائلًا عن «عثمان»، فغاب الرجل دقيقة ثم أخبره أن أحدًا لم يرَه من قبل الغروب، فطلب منه أن يوصلَه بغرفة «إلهام» التي شعرَت بقلقٍ بعد الذي سمعَته من «أحمد»، وطلبَت منه أن يلقاها في المطعم. ومن المطعم إلى البوابة، سارَا في سرعة يقصدان الحارس الذي لم يكن موجودًا، فسألَا عنه ضابطَ أمن الفندق، وعرفَا أنه يتناول طعامه في المطبخ، فطلبَا منه أن يوصلهما إلى المطبخ. وهناك عرفَا أن «عثمان» عبَر البوابة إلى الغابة، ولكن الحارس غير متأكد إن كان قد عاد أم لا …

ضغطَت «إلهام» بيدها في قلق على يد «أحمد» الذي حاول أن يُطمئنَها، رغم قلقه هو، وعاد كلٌّ منهما إلى غرفته مسرعًا، فأخرجَا أجهزة الاتصال الخاصة بهما، وحاولَا الاتصال به فسمعَا صوتَ صفيرِ الجهاز الخاص به يخرج من حقيبته؛ فعرفَا أنه خرج من غيره، ففتحَا الحقيبة عنده ليطمئنَّا على وجود سلاحه معه فلم يجداه بالحقيبة، فطمأنَهُما هذا قليلًا. ثم اتصل «أحمد» بموظف الاستقبال، طالبًا منه الصعود إليه …

وحكى له عمَّا حدث وسأله إن كانت قد وقعَت حوادثُ افتراس لأحد النزلاء من قبل، فطمأَنه أن هذا لم يحدث بالمرة، ولكن هذا لأن النزلاء يلتزمون بتعليمات الفندق، ويعودون قبل السادسة وهو ميعاد إغلاق البوابة، والحادثة الوحيدة التي وقعَت هي السقوط في جرف الشلَّال.

فسأله «أحمد» إن كان هذا يعني أن مَن يعود بعد هذا الميعاد لا تفتحون له؟ فقال الموظف إن هذا غير معقول طبعًا.

أحمد: ولكني لم أجد الحارس عند البوابة، وقد يكون «عثمان» قد عاد ولم يجد مَن يفتح له.

الضابط: أنا لا أظن هذا … وعلى العموم هذا ليس خطأ الحارس.

أحمد: أعلم، ولكننا لسنا في مجال البحث عن المخطئ؛ نحن نريد إنقاذ حياة إنسان.

الضابط: ليس بيدي شيء أفعله؛ فدخول الغابة ليلًا … مغامرة غير مأمونة العواقب.

أحمد: سأدخل أنا.

الضابط: لا … أرجوك … فأنت الآن مسئوليتي، ولن أسمح لك بعبور البوابة.

أحمد: بل ستسمح لي … فلديَّ من الأسباب ما يجعلني لا أصدق قوانينك الصارمة.

الضابط: مثل؟

أحمد: مثل «روبيرت».

جمدَت ملامحُ الضابط، ولم يبدُ عليها تعبيرٌ ما. ولكنه سأل «أحمد» بلا مبالاة مفتعَلة.

الضابط: «روبيرت» مَن؟

فآثرَت «إلهام» أن تنتهيَ هذه المباراة الكلامية بالتصريح بما تعرف قائلة: هناك أكثر من سيارة لاندروفر داخل الغابة، وأنتم الذين قدَّمتم لهم التسهيلات اللازمة لخرق القانون.

بُهت ضابط الأمن لِما يعرفه هؤلاء الغرباء، فجذبها من ذراعَيها في رفق، حيث انتحى بهما جانبًا، قائلًا لهما — همسًا: هذا الكلام خطير، ويُعرِّضنا للمساءلة القانونية.

أحمد: إذن، نريد سيارة للبحث عن زميلنا … ونحن لا نخرق القانون بل نحن حماتُه، ولكن نحن في ظروف استثنائية، وتلك لها قوانينها الخاصة.

قال الضابط: ليس لديَّ إلا سيارة الدورية.

أحمد: سنستعيرها منك، وقبل الفجر تكون عندك.

ورغم رفض الضابط وخوفه أن يحتاج السيارة ليلًا، أو يكتشف أحدٌ عدمَ وجودها، إلا أن إصرار «أحمد» وتذليله لكل العراقيل التي كان يضعها الضابط، جعله يُذعِن لمطلبهما، وعندما كان يُعِدُّ لهما السيارة كانا يُبدلان ملابسهما، ويحملان أجهزة الاتصال والأسلحة الشخصية استعدادًا لمواجهة مخاطر الغابة.

ومن بوابة جانبية بعيدة عن ساحة الفندق خرج «أحمد» بالسيارة ومعه «إلهام» من نطاق الأمان إلى ٥٠٠٠٠ كيلومتر من المخاطر.

وكما طلب منهما ضابط الأمن لم يُضيئا أنوار السيارة بل أرهفَا السمع، وعلى ضوء بطاريته الذي كان رغم ضعفه الشديد، يُشبه ضوء القمر في ليلة تمامه، سار موقِظًا كلَّ حواسِّه، وكانت السيارة مزوَّدة بكشَّاف مثبَّت بجوار المرآة الجانبية، فأضاءه «أحمد» وأطفأه بسرعة وهو يتوغَّل في الغابة ببطءٍ شديد خوفًا من الاصطدام بجزع شجرة ممدَّد على الأرض، أو السقوط في وحل بقوة اندفاع السيارة فتنزلق العجلات ولا يستطيع الخروج من الغابة ليكون فريسة سهلة لحيواناتها المفترسة إلى جانب الجوع والعطش. وبعد أن ابتعدَا عن الفندق بالقدر الكافي، أضاء «أحمد» الكشاف الجانبي، وحرَّكه بذراع من داخل السيارة ليدور بضوئه باحثًا بين الأشجار عن «عثمان»، ولكن سحابة كثيفة من البعوض الرقيق تجمَّعَت على الضوء فجعلت الرؤيةَ تبدو صعبة. فأطفأه وأضاء الكشافات الأمامية فبدَت له عِيدان الأشجار التي تُغطِّي الأرض أمامه، وكأنها ثعابين تتلوَّى. فقالت له «إلهام»: إننا لم نُحدِّد وجهتَنا بهذه اللاندروفر ولا خططَنا في البحث في هذه الغابة الشاسعة، ومن غير المعقول أن نسير على غير هدًى آمِلين أن نجد «عثمان».

أحمد: لا يا «إلهام»، إن ما يدور برأسي الآن، أن أتحرك في نطاق الفندق في دائرة يزداد قطرُها في كل دورة؛ فأنا أعتقد أن «عثمان» لم يبتعد كثيرًا عن هنا.

فقد دخل الغابة مُترجِّلًا؛ أي بدون وسيلة تُعطيه الفرصة لقطع مسافة كبيرة في هذه المدة البسيطة …

إلهام: من قبل الغروب حتى الآن، ليست مدة بسيطة.

أحمد: لا تنسَي أنه بمجرد حلول الظلام ستكون حركتُه صعبة، وينبغي أن يكون هذا سببَ عدم رجوعه.

إلهام: تقصد أنه قابعٌ في مكان ما حتى الصباح؟

أحمد: نعم …

إلهام: إذن يجب إطلاق كلاكس السيارة أو أي صوت يُعبِّر عن وجود إنسان بالغابة … فقد يكون في خطرٍ ببقائه ساكنًا هكذا، فقد تَحمِل الريحُ رائحتَه إلى حيوان جائع، وهم كثيرون بالغابة، أو قد يهاجمه البعوض الذي تزخر به الغابة وينقل له أمراضًا خطيرة.

أحمد: أو يهاجمه ثعبانٌ سامٌّ أو غيره، ولكني لا أستطيع الإتيان بصوت؛ ففي هذا خطرٌ على رجلِ الأمن وسُمْعَتِه في الفندق.

إلهام: إذن سأفتح زجاج النافذة قليلًا … وأُطلق صفيرنا المميَّز … ففي هذا الهدوء سيكون مسموعًا لمدًى بعيد.

واعترض «أحمد» خوفًا من دخول البعوض من النافذة، ولكنها أصرَّت فأنزلت زجاج السيارة قليلًا، وأطلقت من فمِها صفيرًا متقطِّعًا له دلالة معينة بين الشياطين، ثم أرهفَت سمعها فلم تجد استجابة، وأعادَت الكرَّة مرة أخرى، و«أحمد» يدور بالسيارة ببطءٍ في دائرة أوسع مُطلِقًا بين الحين والآخر ضوءَ الكشاف العلوي الذي كان يخترق الغابة بين الأشجار لمسافات بعيدة، ورأى على بُعد جسمًا متحرِّكًا في خفَّة ثم اختفى بسرعة.

فقال ﻟ «إلهام»: «فهد».

فقالت له: إنه بعيد عنا.

أحمد: لا … بل هنا وعلى جسمه بقعٌ بُنِّيَّة. وفي نفس اللحظة شعرَا بجسد ثقيل يسقط فوق سقف السيارة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤