السقوط في الشلال الوحشي!

حسم «أحمد» المعركة بينه وبين الشاب الزنجي لصالحه، ونوى أن يسلِّمَه لمسئولي الفندق، لكنه عاد وتراجع؛ فقد يضيع منه طرفُ الخيط الوحيد الذي سيُوصله ﻟ «عثمان» و«بيزا» و«روبيرت»، فساقه إلى غرفة «إلهام» التي تركَتها مفتوحة … بعد حادث التفتيش، فقيَّده إلى سور البلكونة الحديدي.

ووقف ينظر إليه قليلًا قبل أن يسأله قائلًا: لماذا هربت؟

فامتنع عن الإجابة، فكرَّر السؤال، ولكنه أيضًا لم يُجب.

فقال له: بيني وبين من أعرفه أظن أنه أنت … شارب … فاسمح لي أن أخلِّصك منه.

نظر الشاب له في قلقٍ بالغ، فتركه وذهب إلى غرفته ليُحضرَ ماكينة الحلاقة، وكان كلُّ مَن بالغرفة قد غادروها … ما عدا «إلهام»، فأخبرها بما حدث وهو يبحث عن ماكينة الحلاقة، ووسط الفوضى التي خلَّفَها تفتيش الغرفة، وقد كانت «إلهام» أسرع في الوصول إليها. فعادَا سويًّا إلى العامل المزيَّف المقيَّد؛ فلم يجدَا إلا كارتًا مُلقًى مكانه مكتوبًا عليه: مع تحيات «بيزا» في «زيمبابوي». كانت المفاجأة مثيرة؛ فهل إلى هذا الحد هم قريبون من «بيزا» … أم أن الشابَّ خلَّص نفسه وترك لهم هذه الرسالة وهرب …

وكان ظهر الكارت عبارة عن صورة فوتوغرافية لتمثال «بيزا» يتوسَّط بعضَ التماثيل في حديقة «شابونجو» مما دفعهما للظن بأن تكون «بيزا» رمزًا لهذه الجماعة، وليست هي التي زارتهم، وخلَّصَت العامل المزيَّف. ورأى أحمد أنه لا جدوى من المطاردة في الفندق، فلن يلحقَا به ولن يستطيعَا العثور عليه، وسط كل هذه الممرات، ومع وجود موظف الأمن المتواطئ معه. وفي رُسغه، شعر بوخزٍ من ساعة يده فرقص معه قلبُه طربًا، فضغط زرًّا أسفل الشاشة للساعة وتلقَّى رسالة من «عثمان» يُخبره فيها أنهم مطاردون منذ سؤالهم عن «بيزا» و«روبيرت» في حديقة «شابونجو»، وأنه طارد «مارلو» وكان متخفيًا في شارب، واستطاع الوصول عن طريقه ﻟ «روبيرت» وأعوانه.

أما «بيزا» فلم تظهر حتى الآن ولكنها ستكون بصحبة «روبيرت» وبعض أصدقائه الأوروبيِّين في زيارة لشلالات فيكتوريا مساء اليوم، ثم ختم الرسالة قائلًا: «سألقاكم في الطائرة ٤٤٥ المتجهة إلى هناك في السادسة، «عثمان».»

تنفَّسَت «إلهام» الصُّعَداء وهي تقول: نعم؛ إنه «مارلو».

أحمد: تقصدين العامل المزيَّف؟

إلهام: ومَن غيره؟ إن الفرصة مواتية لنا للقبض على «بيزا» و«روبيرت».

أحمد: المهم أولًا أن نتصل برقم «صفر»؛ فليس لنا هنا سلطة الاعتقال.

إلهام: ولكن «روبيرت» ليس لدينا عليه قرائن نقدِّمها للشرطة في «زيمبابوي».

أحمد: يكفي أنه يحمي «بيزا» وهي مطلوبة من الشرطة المصرية عن طريق الإنتربول.

إلهام: سيدَّعي أنه لا يعلم عنها شيئًا، وأظن أنه سيحميها.

أحمد: ولم يخبرنا «عثمان» من أين سنستقل الطائرة إلى شلالات فيكتوريا؟

«إلهام» وهي ترفع سماعة التليفون: سأتصل بإدارة الفندق وأعرف.

وكانت المعلومات التي حصلت عليها «إلهام» من إدارة الفندق سخيَّة ومثيرة؛ فقد عرفت أن شلالات فيكتوريا التي يُطِلُّ عليها الفندق هي أجمل شلالات العالم؛ حيث تصنع ستارة مائية عرْضُها ۱۷۰۰ متر وارتفاعها من أعمق نقطة للسقوط ١٠٨ أمتار … وتصطدم مياهُه بالصخر، فترتد رذاذًا كثيفًا، يصنع العديد من أقواس قزح المتعددة الألوان الفائقة الارتفاع، ولأنه يصعب رؤية قمَّة الشلال ومجرى مائه قبل السقوط فإن زائري «زيمبابوي» يحرصون على ركوب الهليكوبتر من «سفاري لودج» وهو اسم الموقع الذي تُقلِع منه الطائرات، وهو لا يرقى إلى مستوى المطارات؛ ليشاهدوا السفاري، وقمَّة الشلال وغيره. وعرفتْ أيضًا أن هناك سيارة ستُقِلُّهم إلى «سفاري لودج» عند الحجز، فطلبت منهم حجزَ مقعدين على الطائرة، وبعد أن أخبرها الموظف بمواعيد قيام الطائرات وأرقامها، وعرفت أيضًا أن هناك جسرًا معلَّقًا يمكنهم منه رؤية الشلال، بالقرب من الفندق.

أثارَت الفكرة «أحمد» وقد رأى أن اليوم في أوله، وميعاد قيام الهليكوبتر … ونهاية المهمة لا يزال بعيدًا، وأن أمامهم فرصة لرؤية الشلال من أسفل، وقد شجَّعتْه «إلهام» على هذه الرحلة القصيرة إلا أنها طلبت منه الحذر … فلا أحد يعلم أين يختبئ لهم «مارلو» أو أعوان «روبيرت».

وعبر السور السلكي المرتفع الذي يفصل الفندق عن الغابة، انطلق «أحمد» و«إلهام» يقطعان الطريق بين الأشجار الكثيفة والأوراق سيرًا على الأقدام، والتي كانت تُسبِغ مشاعر الغموض على الغابة، وكأن الفهد الذي حاورهم بالأمس لا زال يترصَّدهما، وسط هذا السكون الذي لا يقطعه إلا حفيفُ أوراق الشجر التي يحرِّكها الهواء. وإلى أن بدأ صوت الهدير يَصِل ضعيفًا إلى أسماعهما ويزداد قوة كلما اقتربا من الشلال، حتى صار رعدًا ممدودًا، ووسط مشاعر الدهشة رأيَا رذاذَ الماء يرتفع من مسقط الشلال يجتاح ملابسهما وجسدهما … وعندما نظرت «إلهام» إلى «أحمد» لم تجده أفضل حالًا منها، لكنه كان شاخصًا ببصره في موقع عندما وقعَت عيناه عليه، صاحَت قائلة: لا يا «أحمد» لا داعي … ولكن صوتها ضاع مع رعد هدير الشلال. فعادت تصيح بكل قوتها قائلة: الهبوط هنا خطر … وليس أمامنا وقتٌ لذلك.

فنظر إليها «أحمد» مبتسمًا، وهو يعتصر شعره المبلَّل بيديه، ثم أجابها بإشارة من يده فردَّت عليه قائلة: لا تنسَ موعد الطائرة.

أحمد: لا زال لدينا وقت.

وأمام إصراره ونزولًا على رغبته، ذهبت معه تستطلع هذا المهبط الصخري الذي كان عبارة عن درج منحوت في الصخر هابط إلى قاع الشلال البالغ عمقه أكثر من مائة متر، مما دفع «إلهام» للاعتراض على النزول وسط فيض الماء المتصاعد منه رذاذًا، وفي مواجهة هذا الهول المسمى بالشلال الوحشي، ولكن إصرار «أحمد» وحماسه كانَا أكبر من اعتراضها. وسانده في ذلك أمرٌ صدر لهما من رجل مسلح طلب منهما ألا يلتفتَا إليه حتى لا يتردَّدا في النزول.

كان «أحمد» بعيدًا عنه فلم يصله صوتُ التهديد؛ فقد كان صوت هدير الماء أعلى بكثير. فدار حول قمة الدرج الصخرية وبدأ الهبوط بحذر، وخلفه ورغمًا عنها وتحت تهديد السلاح كانت «إلهام» تدور حول قمة الدرج، وحين التفت «أحمد» ليطمئن عليها، رأى خلفها هذا الرجل المسلح، الذي أشار له يأمره بمواصلة الهبوط، وكما تعلَّم وتدرَّب «أحمد» ففي حالة مواجهة خطرَين عليك بالحذر من الأقل عقلًا أولًا، وقد كان الشلال هو الهول الذي لا يفكر، فإذا ما انشغل عنه لحظة ابتلعه.

لذا … فقد واصل هبوط الدرج، وهو منشغلٌ بألَّا تنزلقَ قدمُه على صخر هذا الدرج المبتل المنزلق، وخلفه كانت «إلهام» تهبط الدرج، مطبقةً لنفس القانون المنطقي، وتاركةً النتيجة للوقت. وكلما زادت مسافة الهبوط، ازداد شعورهما بالرغبة في النوم؛ فدوامة الهدير الراعد وسط هذه الشلالات الساقطة لها تأثير منوِّم، وليس لهما مخرجٌ من هذا غير أن يُركِّزا ذهنهما في أن يظلَّا يقظَين. وقد رأى «أحمد» أنها فرصة للتخلص من هذا الغريب الذي يُهدِّدهما؛ فهو منشغل بمراقبتهما؛ لذا سيكون من السهل خضوعه لتأثير الشلال. فواصل «أحمد» الهبوط، وواصل الرذاذُ السقوطَ عليه فابتلَّت ملابسه حتى شعر أنها أصبحت عبئًا عليه. ووسط هدير الشلال الذي يصمُّ الآذان؛ علا صوتُ الرجل يأمرهما بالتوقف.

لم يلتفت إليه «أحمد» وواصل الهبوط، فاختلط صوت الرجل مرة أخرى بصوت الهدير يأمره بالتوقف فلم يُصغِ إليه. فعلَا صوتُ طلقة من مسدسه في اتجاهه فتوقف ملتفتًا إليه، فرآه وقد نال منه التعب يقاوم السقوط في وقفة غير متَّزِنة، فعرف أنه مهما حاول التصويبَ بدقَّة فستخيب رصاصاتُه. فأصرَّ أن يستدرجَه إلى قاع الشلال؛ حيث لن يستطيع الاستمرار في مقاومة التأثير المنوِّم له. وكانت «إلهام» تتابع ما يحدث في غير اكتراث؛ فما يهمُّها في هذا الوقت هو الحفاظ على يقظتها كاملة، إلا أن الرجل الذي لم يجد من «أحمد» فائدة صرخ فيها قائلًا: إن لم يتوقف هو وأنتِ عن الهبوط فستهبطَا في قاع الشلال جثتَين.

فتعجَّبَت «إلهام» من إصراره على النزول خلفهما، ولماذا لم ينتظرهما بالخارج، وفي نفس الوقت يطلب منهما عدمَ مواصلة الهبوط … بدأ «أحمد» يشعر بالتعب، وبأن الوقت يمرُّ وميعاد الطائرة قد اقترب، وراوده سؤال هو: هل هدف هذا المسلح هو ألَّا يلحقَا بالطائرة؟ إذن فليس لديه أمرٌ بقتلهم، فشجَّعه هذا على مواصلة الهبوط، وكانَا قد قطعَا أكثر من سبعين مترًا.

حتى بدَا لهما الشلال وكأنه يسقط من السماء، وحين رآهما الرجل ينظران لأعلى رفع رأسه أيضًا لأعلى فاختلَّ توازنه واختلطَت بصوت هدير الشلال … صرختُه وهو يهوي إلى قاعه ليضيع وسط مياه نهر «الزامبيزي».

وكانت رحلة الصعود شاقَّة؛ فقد نالهما التعب، وارتخَت عضلات سيقانهما، وأصبح الحفاظ على التوازن فوق هذه الدرجات الصخرية المبتلَّة، يتطلَّب بذلَ جهد فوق طاقتهما، هذا غير صخب شلال الماء الساقط وتأثيره المنوِّم الذي يستهلك هو الآخر طاقةً كبيرة لمقاومته. على قمة الدرج ارتمَت «إلهام» وبجوارها «أحمد» والإجهادُ بادٍ عليهما، ولولا عربات «الريكشا» … ما تحرَّكا، وهي عبارة عن كرسي له عجلتان كبيرتان يجرُّه رجل، ارتمى عليه «أحمد» وخلفه عربة أخرى بها «إلهام»، فهو لا يسَعُ إلا لفردٍ واحد فقط، وكانت رحلة العودة بطيئة، هذا ما شعرَا به. فقد اقترب موعد الطائرة وهما على غير استعداد لها، وفي الفندق أبدلَا ملابسهما، بعد أن حصلَا على حمَّامٍ دافئ وتناولَا على عَجَل طعام الغداء، وصعدَا إلى غرفتَيهما لينالَا قسطًا يسيرًا من الراحة، بعد أن طلبَا من موظف الاستقبال الاتصال بهما عند حضور العربة التي ستُقِلُّهما إلى «سفاري لودج» حيث سيستقلان الطائرة.

لكن تأثير شلالات فيكتوريا المنوِّم، والذي قاوماه وهما في مواجهته قهَرَ مقاومتهما وهما على أسِرَّتهما، فراحَا في سُباتٍ عميق. استيقظ «أحمد» منه على أثرِ حلمٍ مخيف، رأيَا فيه وشعر أنه يسقط من قمَّة الشلال إلى قاع نهر «الزامبيزي»، ورغم أن الحلم راوده أكثر من مرة في هذه المدة القصيرة التي نامها، إلا أنه هذه المرة شعر وكأنه قد اصطدم بقاع الهُوَّة السحيقة التي يهوي إليها الماء، فارتطم بصخرة بها وشعر بعدها بصداع شديد، فاتصل بإدارة الفندق يطلب فنجانًا من القهوة، وسأل عن السيارة الميكروباص التي ينتظرها، فأخبره الموظف بأنها مرَّت منذ قليل وانصرفَت دون أن تحمل أحدًا من النزلاء … فتعجَّب «أحمد» لِما حدث وأنَّب الموظف المسئول لذلك، وغادر الغرفة مسرعًا حيث أيقظ «إلهام». وتوجَّها على الفور إلى إدارة الفندق فقدَّما شكوى مكتوبة، وتهديدًا بأن يشكوَهم للمسئولين بسبب الإهمال المتعمَّد …

وكان اعتذار مدير الفندق كافيًا لأن يُقنعَ «أحمد» بأن ما حدث ليس إهمالًا منهم ولكن بتدبير من أحد أعوان «بيزا»؛ ودليل ذلك أن إحدى سيارات الأمن بالفندق، حملَتهما إلى مقلع الطائرة بأمرٍ مباشر من مدير الفندق … وقد كان يقودها موظف الأمن الذي اتهم «أحمد» بالبلاغ الكاذب، مما أثار قلقَه وشكَّ في أنهما سيلحقان بالطائرة، فهو يشك أن هذا الرجل … من أعوان «روبيرت». وقد حدَّثَته نفسه بأن يُقيِّده في السيارة ويقودها هو إلى المطار، ولكنه تراجع لأنه لا يعرف الطريق، ولكن «إلهام» وكأنها كانت تقرأ أفكاره همسَت له قائلة: من الممكن أن يدلَّنا على الطريق تحت تهديد السلاح. وكأنها كانت الإشارة، فأخرج «أحمد» مسدسه وألصقه بظهر السائق … وأمره بالتوقف، فلم يلتفت إليه، وكأنه يعرف أنهما في حاجة إليه لمعرفة الطريق، فقال له «أحمد»: نحن نعرف أنك ستؤخرنا عن ميعاد الطائرة ولذلك لن يهمَّنا وجودُك … فالنتيجة واحدة. ثم بدأ «أحمد» و«إلهام» في تهديده، وأمسكَته «إلهام» من يده وضغطَت بقوة فصرخ الرجل متألِّمًا، فصاح فيه «أحمد» طالبًا منه أن يرسم له خريطة الوصول إلى مقلع الطائرة على عجل. كادت السيارة تصطدم بإحدى الأشجار العملاقة، إلا أنه توقَّف بها في آخر لحظة، وترك كرسيَّه ﻟ «أحمد» طالبًا منه القيادة على أن يدلَّه هو على الطريق. فنظر له قليلًا محاولًا قراءة ما يدور بذهنه، ثم عاد وأصرَّ على أن يرسم الرجل لهما خريطةً واضحةَ المعالم وينتظرهما في البراري، ويواصلَا هما الرحلة، فإن وصلَا وكانت الخريطة صحيحة … أرسلَا له مَن يعيده إلى الفندق، وإن لم يصلَا أو تأخَّرَا في الوصول فسوف يتركانه حتى يحلَّ الظلام، وتنشط حاسَّة الافتراس عند الحيوانات ويُصبح صيدًا سهلًا لهم، وأعقب «أحمد» هذا الكلام بقوله مهدِّدًا: وليس هناك مجالٌ للرفض.

اضطر السائق لتنفيذ ما طلبه منه «أحمد» حتى إنهما جرَّداه من سلاحه؛ كي لا يعتمدَ عليه في حماية نفسه فيخل بالاتفاق، وأيضًا … حتى لا يصطادهما من ظهرهما، وغادر العربة وانتقل «أحمد» إلى كرسيه وبجواره «إلهام» وودَّعاه … وانطلقَا يُكملان الطريق إلى «سافاري لودج» الذي وصلاه في غضون ربع ساعة، فلم يجدَا طائرتهما اﻟ ٤٤٥، فانزعجا للغاية ودارَا حول أرض الهبوط يبحثان عمن يسألانه.

وقد كان هناك جمعٌ من السائحين يقفون في انتظار قيام طائرتهم، فتفحَّصَهم «أحمد» في حذر، فلم يجد بينهم «عثمان»، ولكنه وجد بعض الرجال الزنوج فاختار أحدهم … وتوجَّه إليه ليسأله … ولكن لم يكن يعرف الإنجليزية، فعرف أنه أخطأ الاختيار … وبدأ يشعر بالقلق إلا أن توافُدَ جمعِ السائحين على المكان جعله يطمئن الى أن هناك رحلاتٍ كثيرةً لم تَقُم … وهذا يضع احتمالًا كبيرًا لعدم قيام رحلتهما بعد. وهدر صوتُ مروحة طائرة … ستستعدُّ للإقلاع، وركَّابها يتسابقون في الصعود إليها، وأخرى تستعد للهبوط بالتحليق فوق أرض المطار الصغير.

إلا أنه شاهد عن بُعد طائرةً تختفي بين الأشجار … وكأنها معطَّلة … أو أنها في فترة راحة … حتى يحين موعدُ قيامها، فتحركت بداخله روحُ الفضول، وأراد أن يعرف المزيد عنها، فدار بالسيارة دورةً واسعة حول المكان مقتربًا بقدر ما يستطيع منها، فلمح رجلَين زنجيَّين يجلسان من خلفها القرفصاء، وبيدِ كلٍّ منهما بندقية آلية في وضع الاستعداد، فنظر ﻟ «إلهام» وأومأ برأسه إيماءً حتى لا يلفتَ الأنظار إليه، فسألته «إلهام» قائلة: هل تشك في شيء؟

أحمد: نعم … فهي إما تخصُّ رجال الدولة من البوليس أو الجيش.

إلهام: أو رجال عصابة مسلحة، ولكن مَن الذي سيسمح لها بالبقاء في مكان حيوي كهذا؟

أحمد: وإذا كانت تخصُّ رجال الدولة … فهل هي هنا للقبض على «روبيرت» أم لمهمة أخرى؟

إلهام: ما يهمُّنا الآن هو «عثمان». قالت هذا ثم صاحَت بشدة من الألم؛ فقد اصطدم برأسها جسمٌ غريب وكأنها ثمرةٌ سقطَت من أعلى شجرة ثم تدحرجَت داخل السيارة … تحت المقعد، وانحنَت تبحث عنها ثم نادت تقول: «أحمد» إنها كرة «عثمان» الجهنمية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤