الفصل الثاني

المدمر (الإنسان المُبيد)

يقول الإله كريشنا:
أنا الهلاك التام، أوزِّع الموت على العالَم، عازم على الْتِهام البشرية.
البهاجافاد جيتا، ترجمة المهاتما غاندي إلى الإنجليزية

عندما مات ذكَرُ السلحفاة «لونسوم جورج» وحدَه في عتمة الليل، ذهب نوع السلاحف الذي كان يَعيش في جزيرة بينتا في طيِّ النسيان. كان جورج يَنتمي إلى نويع «سلحفاة جزيرة بينتا» (كيلونويديس نيجرا أبينجدوني) التي كانت لا تَعيش إلا في جزيرةٍ واحدة من جزُر الجالاباجوس لمليونين أو ثلاثة ملايين عام. قضى السلحفاة جورج الذي اكتشفه عالِم الأحياء المجَري جوزيف فاجفولجي في عام ١٩٧١ سنواته الأخيرة في الأسْر والعزلة، وكان هو السلحفاة الوحيدة المُتبقِّية من هذا النويع. حاول حماة البيئة التابعين لمؤسَّسة تشارلز داروين محاوَلاتٍ يائسة بمُزاوَجة جورج مع إناث سلاحف تَنتمي إلى نُويعات أخرى من جزُر إيزابيلا وإسبانيولا المجاورة، ولكن باءت جهودهم بالفشل. فعلى الرغم من أنَّ الإناث قد وضعت بيضًا، لم تَفقِس بيضة واحدة. في الرابع والعشرين من يونيو عام ٢٠١٢، عثر إدواردو ليِرينا على جورج ميتًا بعد أربعين سنة من رعايته. يبدُو أن جورج قد مات نتيجةً لقُصورٍ في القلب، وكان عمرُه نحو مائة عام — وهو ليس بالكثير بالنسبة إلى هذه المخلوقات الضخمة المُعمَّرة التي يُعرف عنها أنها تعيش حتى ١٧٥ عامًا أو أكثر (منظمة جالاباجوس للحفاظ على الطبيعة، ٢٠١٤).

ربما لم يكن الأمر سوى قلبٍ مُحطَّم، أما البشر فقد بدءوا على الفور بالعراك حول من سيفوز بجثَّته. أكَّد فريقٌ بحثيٌّ من جامعة ييل أن سلحفاة جزيرة بينتا كانت ما تزال موجودة في بعض الجينات التي اكتُشفت في نويع آخر في جزيرةٍ أُخرى (إنجبر، ٢٠١٢)، ولكن إن كانت أسرتك المباشرة قد ماتت وأبناء عمومتك غير المباشرين ما زالوا أحياءً في مكانٍ آخر، فبطريقةٍ أو بأُخرى لا يُمكن اعتبار الأمرَين مُتساويَين. خلاصة القول، كان جورج ببساطة هو أحدث ضحايا الهومو سيبيانز، حيث اعتاد صيادو الحيتان والصيادون على مدار قرنَين تخزين السلاحف الطازجة ليقتصدوا في استخدام مؤن سفُنهم عند الوصول إلى جزر الجالاباجوس، كما اعتادُوا تَرك ماعِزهم الوحشي، للأسباب نفسها، يأكل كل النباتات الموجودة على جزيرة بينتا حتى جرَّدوها من الغطاء الأخضر الذي كانت تحتاجه السلاحف لتعيش. لم يُفلح أيُّ شيءٍ فعَلناه بعد ذلك في إنقاذه.

كان يُسمَع صدى قصة لونسوم جورج الحزينة المُفزعة في جميع أنحاء العالم مرارًا وتكرارًا. في اليوم نفسه الذي مات فيه جورج، مات ما قد يَصل إلى مائة حيوان ونبات آخَر بلا رثاءٍ من وسائل الإعلام العالمية، ودون أن يُلاحظها الغالبية العُظمى من الهومو سيبيانز، النوع الذي أصبح يُسيطر على كل الأنواع الأخرى والذي يَحظى بنصيب الأسد من موارد الكوكب.

لنقُلْها صراحة، الانقراض هو جزء من الحياة، تمامًا كالموت. فقد انقرضت الآن كلُّ النباتات والحيوانات والكائنات الحية التي كانت تعيش على كوكب الأرض تقريبًا (روب، ١٩٨٦). فدون انقراض، لا وجود للتطوُّر أو التكيُّف أو للتغييرات الكبيرة. ودون الانقراض لم يكن من المُمكن أن تظهر أنواع جديدة، مِثلنا، لتحلَّ محلَّ الأنواع القديمة وتَختبر تكيُّفات جسدية وعقلية جديدة وتَستكشف بيئاتٍ جديدة؛ ولكُنَّا ما نزال جميعًا جزءًا من الوسط البدائي. استمر حدوث الانقراض بوتيرةٍ متواصلة منذ أن بدأت الحياة هنا على الأرض قبل ٣٫٨ مليار سنة. ولكن مصدر القلق الكبير لا يَكمُن في الانقراض في حدِّ ذاته، بل في مُعدله. للتوضيح باستخدام تشبيه بسيط، إذا اصطدمت سيارتُك بشجرة بسرعة خمسة كيلومترات في الساعة، فعلى الأرجح لن تُصاب سوى بخدشٍ صغير. ولكن إن كان الاصطدام بسرعة ١٦٠ كيلومتر في الساعة، فستكون النتيجة كارثية بالنسبة إلى السائق والركَّاب على حدٍّ سواء. تُعتبَر السرعة عنصرًا مُهمًّا في مسألة الانقراض مثلما هي مهمة في قيادة السيارات.

يعتبر تحديد عدد الأنواع الموجودة على الأرض مهمةً محفوفة بالصعاب؛ إذ تفاوتَت التقديرات الأولية تفاوتًا ضخمًا من ثلاثة ملايين إلى مائة مليون نوع. وعلى الرغم من ذلك، فمع تطوُّر التقنيات، نجح فريق بحثي بقيادة كاميلو مورا وبوريس وورم من جامعة دالهاوسي في كندا في مُحاكاة العلاقات بين الأنواع ليتكهَّن بوجود نحو ٨٧٠٠٠٠٠ نوع مختلف يعيشون حاليًّا على كوكب الأرض؛ ولكن ربما ما لا يقلُّ عن ٧٫٤ ملايين أو ما قد يصل إلى ١٠ ملايين نوع (مورا وآخرون، ٢٠١١). وهو ما يَشمل ٧٫٧٧ ملايين نوع من الحيوانات و٢٩٨٠٠٠ نوع من النباتات و٦١١٠٠٠ نوع من الفطريات و٣٦٤٠٠ نوع من الحيوانات الوحيدة الخلية و٢٧٥٠٠ نوع من الطحالب. ولكن هنا تأتي الأزمة؛ إذ يقول الفريق البحثي: «على الرغم من مائتين وخمسين عامًا من التصنيف الأحيائي ومن وجود أكثر من ١٫٢ مليون نوع مصنَّفة بالفعل في قاعدة بيانات مركزية، تُشير نتائجنا إلى أن نحو ٨٦٪ من الأنواع الموجودة على الأرض و٩١٪ من الأنواع الموجودة في المُحيط لم تُوصَف بعد.» ومن ثمَّ نحن نَفقد كائناتٍ حية لا نعلم بوجودها من الأساس، ونفقد إلى الأبد جزءًا كبيرًا من كوكبنا دون أن نَستكشفَه مُطلقًا.

السؤال الثاني المُحيِّر هو ما مدى سرعة اختفاء الأنواع، وهل المعدَّل الحالي طبيعي أم لا؟ للإجابة على هذا السؤال، حلَّل يوريان دي فوس من جامعة براون وزملاؤه الأشجار العائلية للكائنات الحية وتوصَّلوُا إلى تقديرٍ يُفيد أنه في ظلِّ الظروف «الطبيعية» لكوكب الأرض — أي دون تدخُّلٍ بشَري أو دون أن يَصطدم بالأرض كوكب سيار — يَنقرِض نحو نوعٍ واحد (من أصل نحو تسعة ملايين نوعٍ من الأنواع التي تعيش الآن) بشكلٍ طبيعي كلَّ عام (دي فوس وآخرون، ٢٠١٤). ومع ذلك، توصَّلَت الأبحاث التي قام بها خيراردو سيبايوس وبول آر إيرليش وزملاؤهما إلى حدوث «فقدان شديد السرعة للتنوُّع البيولوجي على مدار القرون القليلة الماضية، ممَّا يُشير إلى أن الانقراض الجماعي السادس قد بدأ بالفعل.» وخلُصُوا إلى أن متوسِّط معدَّل فقدان الأنواع الفقارية خلال القرن الماضي كان أعلى بمائة مرة من المعدَّل الطبيعي للانقراض. «ثمَّة دليل دامغ على أن معدَّلات الانقراض الحديثة لم يَسبق لها مثيل في تاريخ البشرية، وأنها غير عادية بالمرة في تاريخ الأرض. يؤكِّد تحليلُنا أنَّ مُجتمعنا العالَمي قد بدأ في تدمير أنواع الكائنات الحية الأُخرى بوتيرةٍ مُتسارعة، مُتسببًا في بدء حدوثِ انقراضٍ جماعي لم يَسبق له مثيل منذ خمسة وستين مليون عام. إذا سمحْنا لوتيرة الانقراض المرتفعة الموجودة حاليًّا بالاستمرار، فسيُحرَم البشر قريبًا (خلال ما يُعادل متوسِّط ثلاثة أعمار بشرية) من الكثير من فوائد التنوُّع البيولوجي. وبمقاييس الزمن البشري، ستكون هذه الخسارة دائمة بالفعل.» شعر العلماء أن الحيلولة دون حدوث هذا التضاؤل الدراماتيكي في التنوع البيولوجي وما يترتَّب عليه من فقد في خدمات النظام البيئي ما يزال مُمكنًا من خلال الجهود المُكثَّفة للحفاظ على البيئة؛ بيد أنَّ هذه الفرصة تتضاءل على نحوٍ سريع (سيبايوس وآخرون، ٢٠١٦).

يعدُّ الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة أقدم وأكبر منظَّمة بيئية عالَمية في العالم؛ إذ يُمدِّها أكثر من ١١٠٠٠ عالم متطوع حول العالَم بمعلوماتٍ عن حالة الحياة على الأرض (الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، ٢٠١٦). وعلى الرغم من أنها تعمل على العديد من جوانب الحفاظ على البيئة، تشتهر المنظمة بقائمتها الحمراء الشهيرة للأنواع المُهدَّدة بالانقراض، وهي قاعدة البيانات الأشمل في العالَم حول وضْع أنواع الحيوانات والفطريات والنباتات المُعرَّضة للخطر وارتباطها بسبُل العيش البشرية. وقد حافظت المنظَّمة على هذه القائمة وحرصتْ على تطويرها لأكثر من نصف قرن (القائمة الحمراء للأنواع المُهدَّدة بالانقراض والخاصة بالاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة لعام ٢٠١٦). اعتبارًا من عام ٢٠١٦، أجرت القائمة الحمراء تقييمًا علميًّا ﻟ ٨٣٠٠٠ نوع، ووجدت أن نحو ٢٤٠٠٠ نوع — أي نوع واحد من كل ثلاثة تقريبًا — مُهدَّدة بخطر الانقراض. تحتوي القائمة على مُحرِّك بحث متاح للجمهور على شبكة الإنترنت يُتيح لأيِّ شخصٍ مُهتم، وببعض المُثابرة، اكتشاف الوضع الراهن لأيِّ شكلٍ من أشكال الحياة المُدرَجة فيها.

إليكم نظرة عامة على ما يحدُث للحياة البرية في العالم، كما يُلخِّصها «مركز التنوُّع البيولوجي» في كاليفورنيا:
  • «الضفادع»: نحو ٢١٠٠ من بين ٦٣٠٠ نوع من أنواع الضفادع والعلاجيم والسمندل المعروفة في العالَم في خطر، بمُعدَّل انقِراض يفوق المعدَّل الطبيعي يتراوح من ٢٥٠٠٠ إلى ٤٥٠٠٠ مرة.

  • «الطيور»: ١٢٪ من أنواع الطيور المعروفة في العالم والتي يبلُغ عددها ١٠٠٠٠ نوع صُنِّفَت أنها مُهدَّدة بالانقراض، بينما مائتا نوعٍ من هذه الأنواع على وشك الانقراض الفِعلي.

  • «الأسماك»: في عام ٢٠١٠، اعتبر الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة ١٨٥١ نوعًا من الأسماك — وهو ما يُمثِّل ٢١٪ من كل أنواع الأسماك التي تمَّ تقييمها — في جميع أنحاء العالم مُعرَّضة لخطر الانقِراض.

  • «الحشرات»: من بين ١٫٣ مليون نوعٍ مَعروف من الحشرات واللافقاريات، قدَّر الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة نحو ١٠٠٠٠ نوع، أي نحو ٣٠٪ من هذه الأنواع، معرَّضًا لخطر الانقراض.

  • «الثدييات»: يتناقَص نصف عدد الثدييات المعروفة في العالم والبالغ عددها ٥٤٩١، وخُمسها مُعرَّض دون شكٍّ لخطر الاختفاء إلى الأبد. تُصنَّف ١١٣١ من الثدييات في جميع أنحاء العالَم على أنها عُرضة للخطر أو مهدَّدة.

  • «النباتات»: من بين ٣٠٠٠٠٠ نوعٍ معروف من النباتات في العالم، قام الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة بتقييم ١٣٠٠٠ نوعٍ ووجَد أن أكثر من ثُلثَي هذه الأنواع مُهدَّدة بالانقراض.

  • «الزواحف»: على مُستوى العالم، يُعتبر ٢١٪ (أو ٦٠٠) من إجمالي الزَّواحف التي قُدِّرَت في العالم مهدَّدةً بالانقراض أو عُرضة للانقِراض (مركز التنوع البيولوجي ٢٠١٦).

في عام ٢٠١٤، قدَّرت مجلة «نيتشر» العلمية أن ٧٦٥ نوعًا قد اختفَت منذ عام ١٥٠٠، و٥٥٢٢ نوعًا كانت على شفا الانقراض (موناستيرسكي، ٢٠١٤). ووجدَت المجلَّة أن ما بين ١٠ و٧٠٠ نوع يَختفُون كلَّ أسبوع بنسبة ٤٤٪ نتيجة فقدان الموائل وتدهورها، و٣٧٪ نتيجة الاستغلال المُفرِط، و٧٪ نتيجة التغيُّر المناخي، و٥٪ نتيجة الأنواع الغازِية، و٤٪ نتيجة التلوُّث، و٢٪ نتيجة الأمراض. يُوضِّح شكل ٢-١ أكثر أنواع الثدييات المُهدَّدة حسب البلد.
fig1
شكل ٢-١: البلدان ذات الثدييات الأكثر عُرضة للتهديد. (المصدر: www.theecoexperts.co.uk، بيانات من البنك الدولي.)

أظهرت دراسة أجراها باحثون أمريكيُّون أن عمليات الموت الجماعي للحياة البرية في تزايُد أيضًا. وتكون هذه الأحداث أحداثًا صاعقة يَهلك فيها أكثر من ٩٠٪ من مجموعةٍ مُعيَّنة من الحيوانات — التي عادةً ما يَزيد عددها على مليار فرد. وقد حلَّلُوا ٧٢٧ من هذه الأحداث التي سُجِّلت في جميع أنحاء العالم منذ عام ١٩٤٠، والتي أثَّرت على ٢٤٠٧ من الحيوانات، ووجدوا أن حجمها قد زاد وصارت تزداد كثافتها بالنسبة إلى الطيور والأسماك واللافقاريات البحرية، بينما انخفَضَت بالنسبة إلى الزواحف والبرمائيات، وبقِيَت على حالها بالنسبة إلى الثدييات. بدا أن مُعظَم هذه الأحداث كان ناتجًا عن الجوع والمرض والتسمُّم والضغوط المُتعدِّدة (فاي وآخرون، ٢٠١٤).

الأمر الأكثر إثارةً للقلق هو أن تقريرًا صادرًا عن الصندوق العالَمي للطبيعة وجد أن أكثر من نصف (٥٢ في المائة) من الحيوانات البرية في العالَم قد اختفَت في السنوات الأربعين التي تَلت عام ١٩٧٠. وقد انخفَضَت أعداد الحيوانات البرية بنسبة ٣٩٪، وحيوانات المياه العذبة بنسبة ٧٦٪، والمخلوقات البحرية بنسبة ٣٩٪. تمَّ حساب الانخِفاض في أعداد الحيوانات والأسماك والطيور عن طريق تحليل عشرة آلاف مجموعةٍ مختلفة من الحيوانات تُمثِّل ٣٤٣٠ نوعًا مختلفًا. قال الصندوق العالَمي للطبيعة إن الانخفاضات كانت ترجع إلى أسباب مختلفة: بنسبة ٣٧٪ نتيجة الاستغلال المُفرط، و٤٤٪ نتيجة تدهوُر الموائل وفقدانها، ٧٪ نتيجة التغيُّر المناخي، ١١٪ نتيجة عوامل أُخرى (انظر شكل ٢-٢) (الصندوق العالَمي للطبيعة، ٢٠١٤).
fig2
شكل ٢-٢: تراجُع أعداد الحيوانات البرية في العالم. (المصدر: الصندوق العالَمي للطبيعة (٢٠١٤).)

أما بالنسبة إلى الحيوانات، وكذا إلى نباتات العالم، فقد خلصَت دراسةٌ أجراها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة في عام ٢٠١٥ إلى أنَّ «أكثر من ٢٠٪ من الأنواع النباتية التي جرى تقييمها وُجِد أنها مُهدَّدة بالانقراض … وتعدُّ الموائل التي تحتوي على أكثر الأنواع المُهدَّدة بالانقراض هي الغابات المطيرة الاستوائية؛ حيث يُعتبر أكبر تهديدٍ للنباتات هو تحويل الموائل الأصلية لزراعة الأراضي الصالحة للزراعة وتربية الماشية، واستِغلال الموارد الطبيعية …» كما انتهَت إلى أن «هناك حاجة لاتخاذ إجراءٍ عاجل إذا أردْنا تجنُّب فقدان نوعٍ من بين كلِّ خمسة أنواع من النباتات» (بروميت وآخرون، ٢٠١٥).

يقول إي أو ويلسون العالِم بجامعة هارفارد، والذي يَعتبره الكثيرُون أعظم علماء الأحياء الذين على قيد الحياة في العالَم:

إنَّنا نَهدم المُحيط الحيوي، وبدون اتخاذ إجراءاتٍ لخفضِ المُمارسات الحالية، سيُسفِر المعدَّل الحالي للنشاط البشري عن أن يُصبح ما يصِل إلى نصف أنواع النباتات والحيوانات مُنقرضًا أو على وشك الانقراض بحلول نهاية هذا القرن. لا أعتقد أنه يُمكن للعالَم أن يتحمَّل ذلك؛ إذ سيكون الأمر أبديًّا. (جلانسي، ٢٠١٤)

الضفادع: مأساة حديثة

عندما كتَبَ أرسطوفانيس مسرحيتَه الكوميدية «الضفادع» في حوالَي القرن الخامس قبل الميلاد، كانت هذه المخلوقات الصغيرة وفيرةً، وكان نقيقها المُتناغِم بمثابة خلفية موسيقية للحياة اليومية في كل مكانٍ تقريبًا. بحلول أوائل القرن الحادي والعشرين، أصبحت الضفادع وغيرها من البرمائيات التي كانت لأكثر من ٣٠٠ مليون عام من بين أقوى أشكال الحياة وأكثرها مرونةً على الإطلاق التي استوطنَت الكوكب، أكثر مجموعة من الحيوانات عُرضةً للخطر، وخفَتَ نقيقها المُتناغِم أكثر فأكثر. يُواجه اثنان من كل خمسةٍ من أنواع الضفادع المعروفة خطر الانقراض، وقد حدَثَ انخفاضٌ حادٌّ في أعدادها في جميع البلدان والبيئات، حتى في البراري النائية.

تُعتبَر الضفادع مثالًا مثاليًّا على الطابع المُركَّب والمُتعدِّد الأطراف للاعتداء البشري على العالَم الطبيعي، فتراجُعُ أعدادِها وموتها لا يَرجع إلى عاملٍ واحد فقط، بل إلى تداخل العديد، منها: تدمير الموائل، والأمراض المُعدية، والتلوُّث، واستخدام مُبيدات الآفات، والتغيُّر المناخي، والأنواع الغازية، وفرْط الاستغلال بغرَض التجارة في الحيوانات الأليفة والأغذية.

تُوضِّح الفطريات الأصيصية التي تُعتبَر واحدةً من أكبر قتلة الضفادع هذه النقطة؛ حيث وُجِدت هذه الإصابة في ٢٨٧ نوعًا من الضفادع والعَلاجيم في سبعٍ وثلاثين دولة في ستِّ قارات، وهو وباء يُعتبَر من المستحيل القضاء عليه الآن (كريجر وهيرو، ٢٠٠٩). على الرغم من أن العدوى ظاهريًّا تبدو طبيعية، فيَعتقِد العلماء الآن أننا نحن من نَشرْنا الفطريات الأصيصية في جميع أنحاء العالم. تعود الأصول الأولى لهذه الفطريات إلى جنوب أفريقيا في عام ١٩٣٨ وإلى نوع من الضفادع المحلية وهو الضفدع الأفريقي ذو المِخلب (زينوبوس ليفيس) الذي كان يَحمل العدوى، ولكنه كان مُحصَّنًا ضدَّها. في نفس الوقت تقريبًا، في عام ١٩٣٤، اكتشف علماء الطبِّ اكتشافًا رائعًا سيُغيِّر تاريخ العالَم بالنسبة إلى البشر والضفادع على حدٍّ سواء. فإذا حقنتَ ضفدعًا ببول امرأة، تكشف الهرمونات ما إن كانت حاملًا أم لا. «بعد وقتٍ قليل من اكتشاف اختبار الحمل للإنسان في عام ١٩٣٤، صِيدَت كمياتٌ هائلة من هذا النوع من الضفادع (الضفدع الأفريقي ذو المخلب) في البرية في جنوب أفريقيا، وصُدِّرَت حول العالم» (ويلدون وآخرون، ٢٠٠٤). وبعد ذلك، أصبحت الضفادع الأفريقية ذات المِخلب واحدةً من حيوانات التجارب المُفضَّلة في العالم، وذلك لأنه كان يَسهُل تربيتُها وتكاثُرها. وكما هو متوقَّع، هربَت بعضُها من الأَسْر وأنشأت تجمُّعاتٍ جديدة في البرية إلى جانب الضفادع المحلية الأصلية التي كانت عرضةً للإصابة بالفِطريات، وأصابتْها بالعَدوى مما أدَّى إلى عواقبَ وخيمة.

كانت تجمُّعات الضفادع الموجودة في أي مكانٍ قريب من الزراعة أو النقل أو المدن الحديثة تُعاني بالفعل من هجماتٍ سامَّة مُتعدِّدة مصدرها مُبيدات الآفات، وتلوُّث الهواء والماء، والجُسَيمات البلاستيكية، وانسكاب النفط والكيماويات، والمواد الكيميائية التي تُسبب اضطراباتٍ في الغُدَد الصمَّاء، والرصاص، والزئبق، والمعادن الثقيلة الأخرى. وقد أتلف كل ذلك صِحَّتها ومناعتَها ضدَّ الأمراض الجديدة. كما يَقتل الفيضان السامُّ نفسه العديدَ من الحشرات التي تَعتمد عليها الضفادع كطعام. أدَّت التنمية إلى جَفاف المُستنقَعات والأراضي الرطبة وطبقات المياه الجوفية الضحلة، وإفراغ جداول الماء، وتنظيف وتجفيف المناطق الطبيعية التي كانت مُشبَّعة بالماء ذات يوم لزرع الحبوب وتشييد المدن. وامتدَّ الانخفاض الحاد في أعداد الضفادع بدَورِه إلى انخفاضٍ في أعداد الطيور والأسماك والزواحف والحيوانات الصغيرة التي تتغذَّى عليها.

مأساة الضفادع قصة لا تكمُن أهميتها في مصير الحياة على الأرض بوجهٍ عام فحسب، بل إنها مُرتبطة بالمصير البشري أيضًا. فنحن أيضًا أهدافٌ غير طوعية للعديد من الهجمات السامَّة نفسِها التي عرَّضْنا الضفادع لها، وتتزايد الأدلة على أنها قد بدأت تتسبَّب لنا أيضًا في الكثير من الخسائر الوجودية. باختصار، الضفادع بمَثابة ناقوس الخطر الذي يدقُّ في الكوكب، ويُعتبَر تناقُصها هو التحذير الأوَّلي من الانهيار البيئي الشامل الذي سيَضرب البشرية بقوة أكبر من أيِّ شيءٍ عرفناه في تجربتنا. ومن ثمَّ، يُمكننا إما اختيار الاستسلام، أو اتخاذ خطوات عاجلة لتجنُّب ذلك.

ما اقترفته يدُ الهومو

لم يَعُد هناك شكٌّ لدى عشرات الآلاف من الباحثين الذين يَدرُسون هذه المسألة بتورُّط البشر في التسارُع الدراماتيكي في فقدان الأنواع الذي نَشهدُه الآن في جميع أنحاء العالم. يقول رودولفو ديرزو وزملاؤه في مقالٍ نُشِر في مجلة «ساينس»: «في الخمسمائة سنة الماضية، تسبَّب البشر في موجةٍ من انقراضٍ وتهديدٍ وتراجعٍ لأعداد الأنواع المحلية يُمكن أن تكون مُتشابِهة من حيث النسبة والحجم مع عمليات الانقراض الجماعي الخمس السابقة التي حدثت في تاريخ الأرض» (ديرزو وآخرون، ٢٠١٤). ويُضيفون:

نحن نعيش وسط موجةٍ عالَمية من فقدان التنوُّع البيولوجي الناجم عن الأنشطة البشرية: القضاء على الأنواع وتناقُص أعدادها، والانخفاض الشديد في وفرة الأنواع المحلية. إن التأثيرات البشرية على التنوُّع البيولوجي للحيوانات على وجه الخصوص هي أحد الأشكال غير المُعترَف بها للتغيُّر البيئي العالمي. فمن بين ٥ ملايين إلى ٩ ملايين نوع حيواني على كوكب الأرض، من المُحتمَل أن نَفقد ١١ ألف إلى ٥٨ ألف نوع سنويًّا.

لا يُقلِق علماء الأحياء فقدان الأنواع فحسب، مثل سلحفاة جزيرة بينتا أو وحيد القرن الأبيض الأفريقي، بل الأكثر إثارةً للقلق من وجهة نظرهم هو الانخفاض الحاد في وفرة المخلوقات والنباتات التي كانت وفيرةً قبل بضعة عقود أو حتَّى قبل بضع سنوات. ففي حالة الحشرات، على سبيل المثال، وجد فريق ديرزو أن ثُلثَي دراسات الأنواع تُظهر مُتوسِّط انخفاضٍ في الوفرة بنسبة ٤٥٪. وبالاستعانة بمعلوماتٍ من القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، وجدوا أن ٦٠٪ من أنواع الخنافس التي خضعت للدراسة تكبَّدت خسائر فادحة في أعدادها، وكذا ٤٥٪ من النمل، و٢٥٪ من الفراشات، وكل نوع من أنواع الجنادب والصراصير التي فحصُوها.

على الرغم من أنَّ فقدان «الزواحف المُخيفة» لن يُحزن العديد من الناس، فمِثل هذا الانخفاض الحاد في أعداد الحشرات يمتدُّ بدَوره ويُؤثِّر على أعداد الطيور والضفادع والزواحف والأسماك التي تتغذَّى على الحشرات، ويؤثر هذا الانخفاض بدَوره على الحيوانات الأكبر حجمًا. كما أنه يُعيق عملية التلقيح الناجح للنباتات التي تُوفِّر ما يصِل إلى ثلث حجم الإمدادات الغذائية في العالم، وكذا يُعيق عملية تجدُّد النباتات والغابات. تطوَّرَت النباتات الحديثة إلى حدٍّ كبير لتَعتمد على الحشرات في تخصيبها؛ ومِن ثمَّ إذا فقَدْنا الحشرات، ستُصبح شبكة الحياة بأكملها هشَّة، وفي بعض الحالات ستنهار. تمامًا كسلسلةٍ من قطع الدومينو المُتساقطة، يُؤثِّر تساقُط النُّظُم البيئية بدوره على كل الكائنات وصولًا إلى البشر، وهو ما يُفسد رفاهيتنا من خلال فقدان الخدمات التي تُوفِّرها النظم الطبيعية؛ المياه النظيفة، والهواء، والغذاء، وإعادة تدوير النفايات، وتلقيح المحاصيل وانتشار بذور النباتات، ومواد البناء والتأثيث، والعقاقير الطبية، والصحة والترفيه.

تُوضِّح عالِمة الطبيعة الأسترالية الشابة بيندي إيروين المُهتمَّة بالحفاظ على البيئة، ابنة عالِم الطبيعة ومقدِّم البرامج الشهير ستيف إيروين، مُقدِّمةً تشبيهًا واقعيًّا قائلة: «إذا واصلتَ سحْب قالب طوب تلوَ الآخر من منزلك، فسيسقُط المنزل في النهاية» (سيرفايفينج إيرث، ٢٠١٤). يقول العلماء إنَّ هذا هو ما يحدث الآن على مستوى الكوكب. هذا الحدث مؤثر للغاية لدرجة أنه اكتسب اسمًا خاصًّا به في التاريخ الجيولوجي للأرض، ألا وهو «الفناء الأنثروبوسيني» أو ما يُعرَف جماهيريًّا باسم «الانقراض السادس» (على سبيل المثال، انظر ليكي، ١٩٩٦؛ وكولبرت، ٢٠١٤).

المُحيطات الصامتة

نحن على مَشارف وقوع حدثِ انقراضٍ كبير بسبب البشر في مُحيطات العالَم، على غرار ما حدث بالفعل بين الحيوانات البرية عبر التاريخ الحديث. هذا هو ما توصَّلَت إليه دراسة قام بها علماء الأحياء البحرية الأمريكيُّون الذين يقولون:

لقد تسبَّب البشر في انخفاضٍ حادٍّ في وفرة كلٍّ من الحيوانات البحرية الكبيرة، كالحيتان مثلًا، والحيوانات البحرية الصغيرة، كالأنشوجة. يُمكن أن يُؤدِّي مثل هذا الانخفاض إلى حدوث موجاتٍ من التغيُّر البيئي التي ستَنتقِل إلى أعلى وأسفل شبكات الغذاء البحرية، ويُمكن أن تُغيِّر عمل النظام البيئي للمُحيطات. كان الحصَّادون البشريُّون أيضًا قوة رئيسية للتغيُّر التطوري في المحيطات، وأعادوا تشكيل البنية الوراثية لمجموعات الحيوانات البحرية. ويُهدِّد تغيُّر المناخ بإسراع عملية الفناء البحري خلال القرن القادم. (ماكولاي وآخرون، ٢٠١٥)

ويُحذِّر العلماء من أنَّ معدَّلات الانقراض البحري الحالية، «قد تكون بداية موجة انقراض كبيرة، شبيهة بتلك التي رُصِدَت على الأرض خلال الثورة الصناعية، حيث تزداد بصمات الاستخدام البشري للمُحيطات.» وكذا يُضيفون أن «تدمير الموائل من المُرجَّح أن يُشكِّل تهديدًا متزايدًا للكائنات الحية في المُحيطات على مدى المائة والخمسين عامًا القادمة.» ومع ذلك، فهم يعتقدون أنه ما زال هناك وقتٌ للبشرية لتتصرَّف بصورةٍ مُجدية لمنع فناء الحياة في المُحيطات والذي يُوازي الفناء الذي يحدُث على الأرض.

أكد الصندوق العالَمي للطبيعة هذه النظرة الكئيبة في عام ٢٠١٥، حيث أظهر «تقرير الحياة على الكوكب الأزرق» الذي أصدره أنَّ «مؤشر الحياة على الكوكب الخاص بمجموعات الأنواع البحرية الذي جُمِّعَ خصيصًا لهذا التقرير، قد أظهر انخفاضًا بنسبة ٤٩٪ بين عام ١٩٧٠ وعام ٢٠١٢. وهو ما يستند على المؤشِّرات التي رُصدَت في ٥٨٢٩ مجموعة من ١٢٣٤ نوعًا من أنواع الثدييات والطيور والزواحف والأسماك» (الصندوق العالمي للطبيعة، ٢٠١٥). بالنظر إلى أسماك التونة والماكريل على وجه الخصوص، لاحظَتِ الدراسة انخفاضًا بنسبة ٧٤٪ في أعدادها، ولم تَرصُد «أي علامة على حدوث أي تحسُّن شامل على المستوى العالَمي.» يُمكِن أن يَقضيَ البشر على قرابة نصف الحياة البحرية الضخمة عبر مُحيطات العالَم التي تُغطِّي ٧١٪ من سطح الكوكب، في غضون اثنين وأربعين عامًا فقط، وهو ما يُعطي صورةً مُخيفة لقُدرتنا التدميرية كنوع.

يُعتبَر فقدان ما يُقدَّر بنحو ٧٠٪ من مجموعات الطيور البحرية في العالم، أي ما يُعادل ٢٣٠ مليون طائر، منذ عام ١٩٥٠، وفقًا لما كشفتْه دراسةٌ أجرَتْها جامعة بريتيش كولومبيا، مثالًا دقيقًا على المدى البعيد الذي تَطوله يدُ الإنسان. وقد لوحِظ، حتى الآن، أن أكبر انخفاضات كانت في الأنواع العابرة للمُحيطات والتي تقطع مسافاتٍ بعيدة المدى، مثل طيور القطرس (باليكزني وآخرون، ٢٠١٥). يُعلِّق المؤلِّف الشهير ميشيل باليكزني قائلًا: «تُعتبَر الطيور البحرية على وجه الخصوص مؤشِّرات جيدة على مدى صحة المُحيطات. عندما نرى هذا الانخفاض في حجم الطيور البحرية، يُمكننا أن نرى أن هناك مشكلةً ما في النُّظُم الإيكولوجية البحرية. وهو ما يُعطينا فكرةً عن التأثير الشامل الذي نُحدِثه.» وجدت دراسة أجرَتْها هيئة البحوث الأسترالية وإمبريال كوليدج لندن أن ٩٠٪ من الطيور البحرية كانت تَحتوي على قِطَع من البلاستيك في أحشائها في عام ٢٠١٥، وبحلول عام ٢٠٥٠، سيَنطبِق هذا على ٩٩٪ من الطيور البحرية المُتبقية في العالم (ويلكوكس وآخرون، ٢٠١٥).

لا يُوجَد ما هو أفضل من الحاجز المُرجاني العظيم الذي يقع في أستراليا لإلقاء الضوء على حالة المُحيطات المتردِّية، فهو أكبر كائنٍ حي على الكوكب، حيث يُغطِّي ثلث مليون كيلومتر مربع. خلال ثلاثين عامًا، ماتت نصف شعاب الحاجز المرجاني العظيم (المعهد الأسترالي للعلوم البحرية، ٢٠١٢). في عام ٢٠١٦، تعرَّض ما يَقرُب من ٩٣٪ من الشعاب المُتبقية لأسوأ موجةٍ من ابيضاض المُرجان سُجِّلت على الإطلاق. يُحذِّر بعض العلماء من أن الحاجز المرجاني العظيم، ومُعظم الشعاب المرجانية في العالَم قد تختفي بحلول عام ٢٠٥٠ (كورونوفسكي، ٢٠١٦) نتيجةً لخليطٍ من الاعتداءات الناتجة عن الأنشطة البشرية، بما في ذلك الاحتباس الحراري، وارتفاع نسبة الحموضة في المُحيطات، والعناصر الغذائية، والرواسب، والنفط، وتسرُّب الكيماويات والمبيدات، والتجريف، والصيد الجائر، والتدمير الذي تُحدثه القوارب، والأوبئة والأمراض والأعشاب الضارة والآفات التي تُصيب الشعاب المرجانية، مثل نجم البحر المُكلَّل بالشوك، والمُرتبطة بعوامل الضغط التي يتسبَّب فيها الإنسان.

إذا كان البشر قادرين على قتل كائنٍ حيٍّ ضخمٍ بحجم الحاجز المرجاني العظيم بإهمالهم وسوء إدارتهم وجهلهم، فهم بالتأكيد قادرُون على قتلِ أي شيءٍ على الأرض، بما في ذلك قتل أنفسهم.

الانقراض الجماعي

يَكشف السجلُّ الأحفوري عن خمس عمليات انقراضٍ جماعي على الأقل منذ ظهور الحياة بصورتها المُعقَّدة المُتعدِّدة الخلايا لأول مرة في البحار البدائية منذ نحو ٧٠٠ مليون سنة، وعن نحو مائة عملية انقراض أصغرَ حجمًا. والانقراض الجماعي هو عملية يَمُوت فيها نحو ثلاثة أرباع كل الأنواع الحية الموجودة في وقتٍ ما. وفيما يلي عمليات الانقراض الجماعي الخمس الكبرى:
  • الانقراض الأوردوفيشي-السيلوري: حدث مُزدوَج وقع منذ حوالي ٤٥٠ إلى ٤٤٠ مليون سنة، ومات فيه ٢٧٪ من جميع الفصائل التي كانت موجودةً في ذلك الوقت، و٥٧٪ من جميع الأجناس و٦٠ إلى ٧٠٪ من الأنواع المعروفة.

  • الانقراض الديفوني: وقَعَ منذ حوالي ٣٥٠ مليون سنة، وكان حدثًا طويلًا امتدَّ لمدة ٢٠ مليون سنة، قُضيَ فيه على حوالي ١٩٪ من جميع الفصائل، و٥٠٪ من جميع الأجناس و٧٠٪ من جميع الأنواع.

  • الانقراض البرمي: منذ ٢٥٠ مليون سنة، وقع أسوأ حدثٍ في القصة المعروفة للحياة على الأرض، حيث قُضي على ٩٦٪ من جميع الأنواع البحرية، بما في ذلك كل ثُلاثيَّات الفصوص. اختفت الشعاب المرجانية لمدة لا تقلُّ عن خمس عشرة مليون سنة. كما فقدت ٧٠٪ من الأنواع البرية، ليُصبح المجموع الكلي هو اختفاء ٩٠٪ من إجمالي أشكال الحياة على الأرض في ذلك الوقت.

  • الانقراض الترياسي-الجوراسي: قبل حوالي ٢٠٠ مليون سنة، تسبَّب ثوَران آخر واسع النطاق في القضاء على ما بين ٧٠ إلى ٧٥٪ من أنواع الكائنات البرية والمائية.

  • انقراض العصر الطباشيري الباليوجيني أو انقراض العصر الطباشيري الثلاثي: منذ ٦٦ مليون سنة، قَضى حدثُ انقراض العصر الطباشيري الثلاثي — والذي يُعزى سببه الآن بين قِطاع واسع من الناس إلى اصطدام كويكب بالأرض — على ثلاثة أرباع جميع الأنواع المعروفة، بما في ذلك مُعظَم الديناصورات، باستثناء حفنةٍ من الأنواع الأصغر التي تطوَّرت حتى أصبحت طيورًا الآن.

ما تزال سلسلة الأحداث التي أدَّت إلى عمليات الانقراض الخمسة، وخاصَّة الأحداث الأقدم، محلَّ جدال. على سبيل المثال، اختلَفَت الآراء حول ارتباط الحدث الأقدم بنجمٍ انفجاري، مُستعر أعظم، وقَع في ذلك الوقت وأحدث جلبةً كبيرة، وربما كان قريبًا بما يكفي ليَغمُر الأرض بإشعاع جاما القاتل. أو ربما كان سببه شيئًا آخَر مُختلِفًا تمامًا، ولكنه فُقِد في غياهب الزمن. هناك ما لا يقلُّ عن خمس عشرة نظرية أساسية للانقراض الطبيعي الشامل، وهي تَشمل: ثورانًا واسعًا للنشاط البركاني الذي يُسمِّم الهواء والماء؛ موجاتٍ مُفاجئة من الاحتباس الحراري أو التبريد العالَمي الذي أحدث فوضى عارمة في الطبيعة والسلاسل الغذائية؛ الانخفاض السريع لمُستوى سطح البحر؛ ما أدَّى إلى موت الحيوانات التي تعيش في المياه الضحلة؛ اصطدام نيزك أو مذنَّب بالأرض، وهو ما سبَّب سحاباتٍ شاسعة من الغبار التي تسبَّبت بدورها في «شتاء نووي» مُتجمِّدٍ تموت فيه النباتات وتنهار فيه السلاسل الغذائية؛ الانطلاق المُنفجر لرواسب الميثان المُجمَّدة في قاع البحر، وهو ما يتسبَّب في اضطراب المناخ، وتسمُّم البحار، وانهيار السلاسل الغذائية؛ فقدان الأكسجين في المُحيطات والمياه الضحلة الناجم عن إطلاق المواد المغذية وتفشِّي البكتيريا بشكلٍ ضَخم؛ «انقلاب مياه المُحيط» حيث تؤدِّي التغيرات في توازن نسبة الملوحة ودرجة الحرارة إلى انقلاب مياه المُحيطات من أسفلَ إلى أعلى، ممَّا يُؤدِّي إلى اختناق الحياة البحرية وإحداث فوضى مناخية. ومن المُحتمَل أن العديد من هذه العوامل قد تضافرت معًا في أسوأ موجات الانقراض، مُسببةً مآسِيَ شاملة حُفِرَت في السجلِّ الأحفوري. ومن المُحتمل أيضًا أن التغيُّر المناخي المتطرِّف كان حاضرًا في كل هذه الموجات.

على سبيل المثال، اختلفَت الآراء اختلافًا كبيرًا حول كيف بدأ حدث الانقراض البرمي، فيُقال إنه قد بدأ بفَيض بازلتي نتَجَ عن اندلاعٍ بُركاني في سيبيريا، أو نتيجة لاصطدامٍ هائل لأحد المذنَّبات أو انفجار غاز الميثان من قاع البحر. كل هذه العوامل بدَورها، أطلقت كميَّاتٍ هائلة من الغازات السامَّة والغبار في كلٍّ من الغلاف الجوي والمسطَّحات المائية على الكوكب. وربما يكون قد أدَّى إطلاق كمياتٍ هائلة من ثاني أكسيد الكربون شديد السخونة بفعل الحرارة البركانية من قيعان الطبقات الفحمية الموجودة واحتراق الغابات — والذي ما زال محفوظًا في الطبقات الصخرية منذ ذلك الوقت — إلى ارتفاعٍ مُفاجئ في درجة حرارة الكوكب مما تَسبَّب في فوضى مناخية، وتحمُّض المُحيطات، مما أدَّى إلى انهيارٍ في سلاسل الأغذية البحرية. وتسبَّب بعد ذلك الموت المفاجئ لجزءٍ كبير من الحياة على الأرض وتآكُل الطبيعة بفعلِ عوامل التعرية، ثم انسكاب العناصر الغذائية في المُحيطات والمياه العذبة في تحفيز النمو والانتشار الواسع للفطريات والبكتيريا التي كانت تتغذَّى على البقايا المُتعفِّنة، وجُرِّدت المياه من الأكسجين الذي يبعث فيها الحياة، مما أسفَرَ عن موت الأسماك والحيوانات الناجية الأخرى. ولفترةٍ من الوقت، سيطَرَت الفطريات على الأرض. يُشير السجلُّ الأحفوري، على الرغم من صعوبة فكِّ شفرته، إلى أنه نادرًا ما تقعُ أحداث الانقراض الجماعي مرةً واحدة، ولكن بدلًا من ذلك، تحدُث سلاسل من الكوارث الفارقة، ربما بسبب توالي الكوارث الأقل حجمًا التي سبق وصفُها، حيث تَقضي كلُّ واحدةٍ منها على فئةٍ جديدة من الحيوانات والنباتات التي نجَحَت في النجاة من الهجمة السابقة. يَخشى الباحثون أنَّ هذا هو بالضبط ما نشهدُه اليوم، ولكنَّ الأسباب والعواقب هذه المرة ستكون مُرتبِطةً بنا ارتباطًا وثيقًا (وارد، ٢٠٠٧).

عصر الهومو

نعيش اليوم نحن البشر وجميع الكائنات الحية في عصرٍ جديد، ألا وهو عصر الأنثروبوسين. استُحدِث الاسم أصلًا لوصفِ عصرِنا الجيولوجي، وصاغَهُ العالم بول كروتزن وهو عالِم في كيمياء الغلاف الجوي وحائز على جائزة نوبل ليَعني العصر الذي برَز فيه البشر كقوةٍ من قوى الطبيعة وأثَّرُوا تأثيرًا يكاد أن يكون تأثيرًا تكتونيًّا على الكوكب وكلِّ ما فيه. كتب كروتزن يقول:

للأنشطة البشرية تأثير مُتزايد على البيئة على جميع المستويات، يفوق من نواحٍ كثيرة تأثير العمليات الطبيعية. ويَشمل ذلك، على سبيل المثال، تصنيع مُركَّبات كيميائية خطرة لا تُنتجها الطبيعة، مثل غازات الكلوروفلوروكربون التي تُعتبَر مسئولةً عن التسبُّب في «ثقب الأوزون». ونظرًا لأنَّ الأنشطة البشرية قد ازدادت أيضًا حتى أصبحَت قوى جيولوجية مُهمَّة، من خلال التغييرات في استخدام الأراضي وإزالة الغابات وحرق الوقود الأحفوري على سبيل المثال، فمن المنطقي تخصيص مُصطلَح «الأنثروبوسين» للعصر الجيولوجي الحالي. ويُمكن تعريف هذه الحقبة بأنها قد بدأت منذ حوالي قرنين من الزمن، تزامُنًا مع تصميم جيمس واط للمُحرِّك البخاري في عام ١٧٨٤. (كروتزن، ٢٠٠٦)

يتَّفق آخرون على تاريخ بداية العصر، إلا أنهم يَربطونه بالثورة الزراعية التي أحدثَت بدورها طفرةً في التعداد السُّكاني البشري، وأدَّت إلى إزالة غابات الكوكب على نطاقٍ واسع وإلى فقدان التربة على نطاقٍ عالَمي.

البصمة الرئيسية لعصر الأنثروبوسين هي غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي يَصدُر نتيجةً لحرق الفحم والنفط وقَطعِ الأشجار. كان مُستوى غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض في بداية العصر الحديث حوالي ٢٧٠ جزءًا في المليون، ولكن بحلول عام ١٩٥٠، مع بداية الصناعة، ارتفَعَ مُستواه إلى ٣١٠ أجزاء في المليون (ستيفن وآخرون، ٢٠٠٧). أما اليوم، فيبلغ مُستواه أكثر من ٤٠٠ جزء في المليون وهو في طريقه للوصول إلى ٦٠٠ جزء في المليون بحلول منتصف القرن. وفقًا لما يقوله ويل ستيفن وبول كروتزن من الجامعة الوطنية الأسترالية، «منذ (عام ١٩٥٠) واجه المشروع البشري ثورةً ملحوظة، فيما يُعرَف باسم «التسارُع العظيم»، تسبَّبت في عواقبَ وخيمة على عمل نظامِ الأرض. ارتفع تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي من ٣١٠ إلى ٣٨٠ جزءًا في المليون منذ عام ١٩٥٠، وقد حدث حوالي نصف الارتفاع الكُلِّي لتركيز الغاز منذ عصر ما قبل الصناعة في الثلاثين عامًا الماضية فقط. التسارُع العظيم يكاد يصل إلى مرحلةٍ حرجة. مهما كان ما سيَتكشَّف، فستكون العقود القليلة المُقبلة بالتأكيد نقطةَ تحوُّلٍ في تطور الأنثروبوسين.»

عندما يتحدَّث العلماء عن «نقطة تحوُّل»، فهذا يعني اللحظة التي يَنقلِب فيها نظامٌ فجأة من حالةٍ مُستقرَّة نسبيًّا إلى حالةٍ أخرى. على سبيل المثال، عندما يتحوَّل نهر كان نظيفًا شفافًا ومليئًا بالحياة ذات يوم إلى نهرٍ كريه عكِر وبلا حياة نتيجة التلوُّث والرواسب. وعندما تتحوَّل مساحة من البحر كانت ذات يومٍ وفيرةً بالأسماك والقشريات والمحار إلى مساحةٍ ميتة عقيمة بسبب التدفُّق الهائل للأسمدة والمواد الكيميائية والتربة. وتتحوَّل الغابات أو الأراضي العُشبية إلى أراضٍ صحراوية نتيجة عمليات قطع الأشجار والحرائق أو الرعي الجائر. وتموتُ بُحيرة أو غابة بسبب الأمطار الحمضية. وتتكاثَر الأعشاب الضارَّة في الشعاب المرجانية، وتهجرُها أسماكُها ذات الألوان الزاهية والمُتنوِّعة. وتُقَطَّع الغابات المطيرة، وتُصبح تُربتها شديدة الحمضية بحيث تتوقَّف الأشجار عن النمو، وتصبح الأرض مُغطَّاة بالأعشاب ذات النوعية الرديئة. في كلِّ هذه الحالات، من الصعب للغاية، إن لم يكن من المُستحيل، استعادة الحالة السائدة التي كانت عليها البيئة قبل وقوع الكارثة، على الأقل بمقاييس الزمن البشري. لقد فُقِد الكثير من الأنواع المُهمَّة، وتغيَّر الكثير، كيميائيًّا، وهيدرولوجيًّا، وفيما يتعلق بالمجموعات الميكروبية التي تدعم الحياة. «نقطة تحوُّل» هي تعبير مُلطَّف، ولكنه يعني فعليًّا نقطة اللاعودة.

سيَشعُر معظم العاقلين بالفزع إذا عرفوا المدى الكامل للضرر الذي يُلحقُونه بكوكبهم وبكل أشكال الحياة عليه، بسبب أفعال بريئة تتمثَّل في إطعام أُسَرهم وصنع منازلهم. تَفصلنا طبيعة العالَم الحديث وتعزلُنا عن التدمير الفِعلي الذي يحدُث من خلال سلاسل صناعية وتجارية طويلة تُعمينا عن حقائق الاستهلاك الشامل. على سبيل المثال، يُجادلُ المدافعون عن البيئة بأنَّ استِخراج عمَّال مناجم الليثيوم للمياه الجوفية كان عاملًا رئيسيًّا في انهيار مجموعات طيور الفلامنجو على البُحَيرات المالحة في صحراء أتاكاما، ومع ذلك، فإن طول السلسلة التجارية لا يجعل سوى عددٍ قليل من مالكي الهواتف المحمولة والكمبيوتر اللوحي أو الكمبيوتر المحمول أو المِثقاب أو السيارة الكهربائية أو أي جهاز آخر يعمل بالبطارية، يشعرون بالمسئولية الشخصية عن تدمير الطيور البرية في إحدى الصحاري البعيدة (فيشر، ٢٠١٥)؛ ولكنهم مسئولون فعلًا. غالبًا ما يُعبِّر مواطنو المجتمع الحديث المُهتمُّون عن قلقهم العميق من إبادة وحيد القرن والأفيال الأفريقية والآسيوية على يدِ الصيَّادين غير القانونيِّين، أو من قُرب فقدان الدببة القُطبية جرَّاء ذوبان الجليد في القطب الشمالي، ولكنَّهم نادرًا ما يَشعُرون بالمسئولية عن اختفاء التربة الخِصبة، واقتلاع الغابات والنباتات والقضاء على الحياة الميكروبية التي تدعمها، والحشرات المُفيدة، ومئات الطيور الصغيرة، والضفادع، أو القوارض المحلية. ومع ذلك، فمِن خلال الاقتصاد العالمي كُلنا الآن مُتورِّطُون في جريمة إيذاء النفس المُتمثِّلة في تدمير منزلنا بأيدينا. إن كلَّ دولار نُنفقُه على الغذاء والسلع الاستهلاكية يُرسِلُ إشارةً نقدية صغيرة تُؤدِّي إلى تقليص وتدمير وتسميم الغابات والسافانا والتربة والأنهار والمُحيطات والأنواع والهواء النَّقي بلا رحمة. نحن من يتسبَّب جشعُهم في الحصول على المعادن واللحوم والحبوب والأخشاب والمواد الكيميائية والطاقة الأحفورية في تبديلِ شكل عالَمنا من حالٍ إلى حال، وإلى الأبد.

المُفتَرِس الأعظم

لقد تورَّط البشر في فقدان الأنواع لآلاف السنين. في كتابه الشهير «آكلو المستقبل»، يقول عالم الحفريات تيم فلانري: إنَّ البشر كانوا عاملًا في انقراض الحيوانات الضَّخمة في العصر الجليدي، مثل الماموث العملاق، ووحيد القرن الصوفي، ودِبَبة الكهوف، والأيائل، والكسلان، والطيور العملاقة، والديبروتودون، في قارات أوروبا وأمريكا وآسيا وبالأخص أستراليا (فلانري، ٢٠٠٢). دفع التغيُّر المناخي السريع من العالَم المتجمِّد في العصر الجليدي الأخير إلى العالَم الدافئ لعصر الهولوسين هذه الحيوانات إلى حافة الهاوية، ولكن لا يُوجَد أدنى شكٍّ الآن في أنَّ البشر قد ساعَدُوا في دفع الكثير منها إلى الهاوية فعلًا، عادةً من خلال الصيد، ولكن مؤخرًا، من خلال قطع الأشجار بغرض الزراعة وتشْييد المدن. يقول فلانري إنه في أستراليا، لم يكن الصيد، بل الزراعة بالحرْق التي كان يُمارسها سكان أستراليا الأصليُّون هو السبب في تغيير البيئة الرعوية تغييرًا كبيرًا حتى أنَّ الكنغر العملاق والديبروتودون لم يَعُد بإمكانهم العيش فيها. يُحاكي هذا الحدث الذي وقع على نطاق قارة كاملة مأساةً أصغر، ألا وهي مأساة لونسوم جورج وسلاحف جزيرة بينتا. واليوم تتكرَّر مثل هذه الكوارث القارية في أفريقيا وآسيا، اللتين تُعتبَران آخِر ملاذٍ للحيوانات الضخمة في العالم — مثل الأفيال، والزَّرافات، والأسُود، والنمور، والظباء، والجاموس، والقِرَدة، ووحيد القرن — التي يتقلَّص عددُها بسبب الاحتياجات الإنسانية التي لا تُحصى، والجشع والضغوط، تمامًا كما حدث للذئاب والأسُود والبيسون والدببة والخيول البرية والوشَق وثور الأرخُص في أوروبا في القرون السابقة.

يُمكن العثور على بصمات البشَر الدامية في جميع أنحاء مسرح جريمة اختفاء عدَّة مئاتٍ من الحيوانات الكبيرة خلال العشرة آلاف سنة الماضية.1 في الخمسمائة عام الماضية، لم تدع الأدلة التشريحية مجالًا للشكِّ حول مَن تسبَّب في القضاء على طائر الدودو، أو طائر الموا النيوزلندي، أو بقر البحر ستيلر، أو الحمام المُهاجر الأمريكي الشمالي، أو الكواجا، والمنك البحري، وبط لابرادور، وطائر الأوك العظيم، وذئب هوكايدو، والذئب التسماني، والدب الأطلسي، وذئب تكساس، والقُضاعة اليابانية، والنمر القزويني، والكوجر الأمريكي الشرقي، ووحيد القرن الأسود الغربي، وفهد فورمسان المُرقَّط. ولكن بالنسبة إلى الوسائل، فهي غير مفهومة بشكلٍ واضح. في دراسة عالَمية حول الافتراس، استَنتجَ العُلماء في جامعة فيكتوريا بمقاطعة بريتيش كولومبيا أنه:

كشَفَ المسح العالَمي الذي أجريناه أن البشر يَقتُلون الفريسة البالِغة، وهي أساس تكاثُر المجموعات، بمُعدَّلات متوسِّطة أعلى أربعة عشرة مرة من الحيوانات المُفترِسة الأُخرى، ويستغلُّون آكلي اللحوم الأرضية والأسماك استغلالًا مُكثَّفًا. وبالنظر إلى هذه الهيمنة التنافُسية … يقوم الإنسان بوظيفة «المفترس الأعظم» غير المُستدام، والذي سيستمرُّ في تبديل العمليات البيئية والتطوُّرية على مستوى العالم، ما لم يتم ردْعُه وتقييده على نحوٍ أكبر. (داريمونت وآخرون، ٢٠١٥)

بالرغم من تفوُّقنا الافتراسي، فليس كل الحيوانات البرية المُعرَّضة للانقراض تكون مهدَّدة بسبب الصيد. فالعديد منها، مثل الطيور الصغيرة والجرابيات والنباتات لم يتمَّ اصطيادها أو استغلالها على الإطلاق. وتُعتبر المُسببات الرئيسية للانقراض اليوم أقلَّ وضوحًا، وتبدأ بالضغط الهائل للكثافة السكانية البشرية المُتنامية، وجشعنا الذي لا ينتهي للحصول على الموارد، وفيض السموم الذي نُحدِثه عندما نحصل عليها (الفصل السادس). على الرغم من أنه من الصعب علينا أن نتصوَّر نحن البشر ذلك، فإن أعدادنا كبيرة للغاية واحتياجاتنا كثيرة، بحيث إنَّنا نَستهلك ٢٥٪ من صافي إنتاجية كوكب الأرض الأولية، ألا وهو عنصرُ الكربون العُضوي الذي يُمثِّل أساس الحياة كلها على الكوكب (هابيرل وآخرون، ٢٠٠٧). بعبارة أُخرى، إننا نَستولي على ربع الطاقة المتاحة للحياة على الأرض، مما يجعل هذا الربع غير متاح للأنواع الأخرى. ولكن مع ارتفاع عدد سكاننا بمقدار ثلثٍ آخر إلى عشرة أو أحد عشر مليار نسمة، كما هو مُحتمل أن يحدُث هذا القرن، إذا استمرَّت المؤشِّرات على حالها، والأهم من ذلك أنه إذا نجح عدد كبير من هذه المليارات في الوصول إلى أساليب الحياة المُترَفة الموجودة في أمريكا وأوروبا وأستراليا، وهو ما يَنطوي على مُضاعفة الطلَب على الموارد بثلاث مرَّات، فسوف يُهيمِن البشر وحدَهم على ما يزيد عن نصف إجمالي القدرة الاستيعابية للكوكب بحلول أواخر هذا القرن. قد تَزدهِر الأنواع التي يُمكنها التكيُّف معنا — مثل الكلاب والقطط والماشية والجرذان والحمام والورود والذرة والصراصير وفيروسات الإيبولا والإنفلونزا والسُّل والإيدز وزيكا — وتحصُد حصَّتها من الغنائم، أما باقي الأنواع فستَفنى. علاوة على ذلك، فبالإضافة إلى الاستحواذ على التدفُّقات الرئيسية لطاقة الكوكب، يُخلُّ الإنسان بنظام الأرض بطرقٍ أُخرى من خلال التلوُّث والتغيير الفوضوي في شبكات الغذاء والطبيعة وإمدادات المياه والمناخ وخدمات النظام البيئي التي تعتمد عليها جميع الأنواع الأخرى في بقائها. وقد توصَّلت دراسة مُثيرة للقلق أجراها تيم نيوبولد وزملاؤه، إلى أنه عبر ما يَقرُب من ثلثَي سطح الأرض قد انخفَض ثراء الأنواع إلى أقل من ١٠٪، وهو ما يُعتبَر أحد الحدود الآمنة للبقاء البشري (نيوبولد، ٢٠١٦). ويُوضِّح شكل ٢-٣ مقارنةً أجرَتْها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية بين الزيادة في التعداد البشري وفي الانقراض (سكوت، ٢٠٠٨).
fig3
شكل ٢-٣: انقراض الأنواع والتعداد البشري. (المصدر: هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، ٢٠٠٨.)

من بين جميع التأثيرات البشرية التي تقعُ على المخلوقات والنَّباتات الأخرى، يُعتبَر أهمها على الإطلاق هو تعديل البيئة الطبيعية الأرضية والبحرية، بحيث يقلُّ دعمُها للحياة البرية أكثر فأكثر. السبب الرئيسي في قيامنا بتعديل هذه البيئات هي أعمال الزراعة وصيد الأسماك والرعي بغرَض توفير الغذاء الذي نحتاجه يوميًّا. ومن منظور الانقراض، يُعتبَر الفكُّ البشري هو أكثر الأدوات تدميرًا على وجه الأرض اليوم، ويُصبح أكثر فتكًا مع كل يومٍ يمرُّ بينما يجلس ٢٠٠ ألف شخص جُدد على مائدة الطعام لتناول العشاء ويطلبون طعامًا أغنى (الفصل السابع).

تُفقَد الأنواع البرية عندما تَنهار الغابات، وتُقَطَّع السافانا والمراعي، ويتمُّ اصطياد الأسماك حتى تُصبحَ البحار خالية الوفاض، وتُجفَّف البحيرات والأنهار وطبقات المياه الجوفية وتَنتشِر الصحاري. كل هذا مُوثَّق جيدًا. ولكن هناك جولة ثانية من التأثيرات التي ستكون على القدر نفسه من الضرر، مثل الانجراف الهائل للتربة السطحية المفقودة الذي يفسد المياه ويجعلها راكدةً أو غير صالحة لعيش الكائنات البحرية؛ والفيضانات والجفاف وحرائق الغابات التي تَنجم عن الطريقة التي نُعدِّل بها البيئات الطبيعية والمناخ؛ وتدفُّق المواد الكيميائية السامَّة في الهواء والماء والتربة والسلسلة الغذائية عالميًّا، والتي يُسمِّم بعضها الحيوانات بشكلٍ مباشر، ويضرُّ بعضها الآخر بصحتها بشكلٍ غير مباشر أو يُضعِف قدرتها على التكاثر؛ والتحمُّض المُتزايد للمُحيطات والبحيرات. في حين أنه لا يُوجَد عامل أُحادي قد يتسبَّب في انقراض الأنواع، فإنَّ المزيج الهائل من هذه العوامل قد ثبت أن فتكَهُ بأشكال الحياة المختلفة يزيد أكثر فأكثر. تتسبَّب هذه العوامل مُختلطةً في جعل عالَمنا غير صالح للحياة البرية أكثر فأكثر، وفي النهاية ستجعلُه غير صالح للبشر أنفسهم.

هل يُمكن أن ننقرِض؟

على مدار ٣٫٨ مليار عام من تاريخ الحياة على الأرض، انقرَضَ حوالي ٩٩٫٩٪ من جميع الأنواع التي نشأت على الإطلاق. بالرغم من هذه الإحصائية المشئومة، يتعلَّق الكثير من الناس في عصرنا هذا بفكرة أنَّ هذه الحقيقة البيولوجية الجوهرية لا تَنطبِق علينا بطريقةٍ أو بأُخرى، وبأننا مُختلفون. يتخيَّل البعض أن تفوُّقنا التكنولوجي سيجعلنا نُفلِت من هذه القاعدة الثابتة للحياة، ويتخيَّل البعض الآخَر أنَّ إلهًا رحيمًا سيتدخَّل لإنقاذنا. في الكثير من الحالات يكون الانقراض ببساطةٍ موضوعًا بغيضًا وكئيبًا لا يرغَب الناس في التفكير فيه، ويُفضِّلون دفنَ رءوسهم في الرمال والتظاهُر بأنه لن يحدُث، وللأسف، مثل هذا التصرُّف لا ينفع كوسيلةٍ للبقاء.

وفقًا للسجلِّ الأحفوري، تعيش الأنواع على كوكب الأرض لنحو عشرة ملايين عام قبل أن تستسلِم لمصيرها أو تتطوَّر إلى شيءٍ آخر. ومع ذلك، توجَد فصائل كاملة من أبطال المسافات الطويلة مثل أسماك القرش التي نجَحَت بشكلٍ أو بآخَر في البقاء لمدة ٤٢٠ مليون عام، وقنديل البحر الذي نجح في البقاء لمدة ٥٥٠ مليون عام، والطحالب التي نجَحَت في البقاء لأكثر من ملياري عام. يَعني هذا من الناحية التطوُّرية أن الجنس البشري الحديث ما يزال في البدايات مُقارنة بهؤلاء المنافِسين الأجِلَّاء، وذلك على الرغم من أن سلالة أسلافنا من الرئيسيات تَرجع إلى ٥٥ مليون عام (بيركنز، ٢٠١٣). ولكن سُلالتنا المباشِرة تمتدُّ لنحو أربعة إلى خمسة ملايين سنة فقط، بينما عمر نوعِنا الفعلي، الهومو سيبيان، يبلغ حوالي ٢٠٠ ألف سنة، وعمر نويعنا الحديث، هومو سيبيان سيبيان، يبلغ ٤٠ ألف عام فقط. حتى وقتٍ قريب، كانت أعظم المخاطر التي يتعرَّض لها البشر قد انقرضَت من العالَم الطبيعي، ولكن الآن، كما يقول عالِم الفلك البريطاني مارتن ريس: «هذا هو القرن الأول في تاريخ العالم الذي يكون مصدرَ التهديد الأكبر فيه هو البشرية» (كوجلان، ٢٠١٣).

قد يكون هناك عدد من الجرائم البَشِعة التي تكمُن في مكانٍ ما في تاريخ أسلافنا المُظلم ضدَّ نوعنا نفسه. تحتوي السلالة البشرية التي تعود إلى الزمن الذي كنا نتَشارك فيه سلفًا مُشتركًا مع قِرد الشمبانزي على ما لا يقلُّ عن عشرة أنواع مختلفة من الكائنات التي تُشبه الإنسان، والذي يُعتبَر واحدٌ منها أو أكثر، من أسلافنا شِبه المؤكَّدين. يعتمد عدد أنواع «أشباه البشر» المُميَّزة التي كانت موجودة على عالِم الحفريات الذي تتحدَّث معه؛ إذ إن هذه القضية محلَّ خلافٍ وتأويلٍ وطعن مُستمرٍّ في الأوساط الأكاديمية. فمن ناحية، يقول العالم الجورجي الدكتور ديفيد لوردكيبانيدزه بناءً على دراسته لحفنةٍ من الجماجم بأننا جميعًا من سلالة مشتركة، ولكن شديدة التبايُن جسديًّا، تَنحدِر مباشَرة من الهومو إريكتوس (الإنسان المُنتصِب) الأول منذ حوالي ١٫٧٥ مليون سنة (لوردكيبانيدزه وآخرون، ٢٠١٣). بينما يُعارِض مُنتقدُوه ذلك (شوارتز، ٢٠٠٠)، ويقولون بدلًا من ذلك إننا ننحدِر من تسعة أنواع إلى سبعة عشر نوعًا مميزًا في شجرة العائلة البشرية؛ ألا وهم على سبيل المثال لا الحصر: أوسترالوبيثيكوس الأفريقي، وأوسترالوبيثيكوس روبوستوس، وهومو إرجاستر، وهومو هابيليس (الإنسان الماهر)، وهومو إريكتوس، وإنسان بكين، وإنسان هايدلبيرج، وإنسان فلوريس، ونياندرتال (كورنو، ٢٠١٣). من غير المعروف بالضبط ما ألَم بكل «أبناء عمومتنا» من البشر الأوائل، هل تطوَّرُوا ليُصبحُوا نحن، أم انقرضوا، أم تزاوَجُوا بأنواعٍ أُخرى، أم قَضى كلٌّ منهم على الآخر؟ لُغز الفصيلة الأشهر هو مصير النياندرتال، فمن غير المعروف ما إن كانوا قد انقرضُوا نتيجةً لإبادة جماعية تعرَّضُوا لها من الكرومانيِّين (الإنسان الأوروبي الحديث الأول)، كما يقول جاريد دايموند (دايموند، ١٩٩٣)؛ أم عانَوا من تغيُّر في المناخ لم يستطيعوا التكيُّف معه؛ أم تفوَّق عليهم نوع آخر وتعرضوا لمجاعةٍ نتيجة اصطدامهم بثقافة صيد أكثر تقدُّمًا؛ أم ببساطة تزاوَجوا مع الكرومانيِّين وأصبحوا ما نحن عليه الآن. تُشير عملية التأريخ بالكربون المُتقدِّمة إلى أنهم اختفَوا فجأة وبالكامل في أقل من ٢٠٠٠ عام، منذ حوالَي ٤٠ ألف عام مضى (هيجام وآخرون، ٢٠١٤)، في حين أن اكتشاف عظام أصابع قدَم عمرها ٥٠ ألف عام في جبال ألتاي في سيبيريا قد زَوَّد العلماء بما يكفي من الحمض النووي الخاص بالنياندرتال، لكي يُعلنوا بكلِّ ثقةٍ أنه ما زال هناك جزء كبير من هذا الحمض النووي نحمِلُه اليوم، وأنه لا بدَّ وأن يكون هناك قدْر مُعين من التزاوُج قد حدَث (بروفر وآخرون، ٢٠١٤). ومع ذلك، فإنَّ الرسالة القاسية الواضحة التي تَحملها سُلالتنا تقول إنه ليس هناك أي نوع من البشر مُستثنًى من الانقراض، مهما كان يعتقد أنه ذكي. نحتاج للتفكير في هذه الحِكمة ونحن نُفكِّر ونُخطِّط لبقائنا على المدى الطويل.

يُوضِّح التاريخ بجلاء، بداية من احتلال العالَم الجديد والهند، واغتصاب أفريقيا، وغزوات المغول، ومذابح هنود السهول الأمريكية الكُبرى، وسكَّان أستراليا الأصليين، والكولاك الروسيين، وصولًا إلى الهولوكوست والمحاولة النازية الفاشلة لإخلاء الأراضي من سُكَّانها في أوروبا الشرقية لخلق «ليبنسراوم» أو أماكن إعاشة للمُستوطِنين الألمان، أننا البشر تنافسيُّون عندما يتعلَّق الأمر بالاستيلاء على الموارد التي نَشتهيها للعيش. على عكس الحيوانات المُفترسة الأُخرى، لا نشعُر كبشرٍ سوى بقدْرٍ قليل من الندَم نحو الإبادة المُمنهجة لأعراقٍ وثقافاتٍ كاملة تقف في طريق ما نرغب في تحقيقه، وهي ممارسة لا زالت مستمرة حتى يومنا هذا، بينما يستمرُّ المجتمع الحضَري الزراعي المُعاصر في سحْق وابتلاع وهضْم والقضاء على ثقافات الصيد وجمع الثمار (أي أولئك الذين يتمتَّعون بمعرفةٍ أكبر في كيفية العيش في توازُن مع الطبيعة من حولهم) الموجودة في معظم القارات. إذا أردْنا البقاء على قيد الحياة على مدى المائة عام القادمة، فجزء بغيض من معرفة الذات هو أن نزعة الإبادة الجماعية مُدرَجة في السيرة الذاتية للبشَر منذ أيامهم الأولى، وهي ليست مجرَّد ظاهرة حديثة ظهرت في القرون الأخيرة، ولا تقتصر على أعراق وعقائد وأُمَم بعَينها، فهناك نزعة شريرة في طبيعتنا لا بدَّ أن نقهرها إذا أردْنا تجنُّب أن نكون نحن السبب في هلاكنا في القرن الحادي والعشرين.

أصبحت احتمالية انقراض البشر بسبب أفعالنا خطرًا يتمتَّع الآن بمصداقية كافية تتطلَّب اهتمامًا أكاديميًّا جادًّا. في عام ٢٠٠٤، نشَر البروفيسور مارتن ريس الفلَكي الملَكي البريطاني كتاب «قرننا الأخير» الذي قال فيه إنَّ الإنسانية أمامها فرصة بنسبة ٥٠٪ فقط لتشهد الخروج من هذا القرن، استنادًا إلى مخاطر التكنولوجيا التي تعيث في الأرض فسادًا (ريس، ٢٠٠٤). ويقول البروفيسور نيك بوستروم من معهد مُستقبل الإنسانية في جامعة أكسفورد:

يُقدِّم جنسنا البشري أنواعًا جديدة تمامًا من المخاطر الوجودية والتهديدات التي ليس لها سجلٌّ يُمكننا الرجوع إليه لنحافظ على بقائنا. ومن ثمَّ فطُول عمرِنا كنَوع لا يُعتبر أساسًا مُسبقًا قويًّا لنبني عليه التفاؤل والثقة. يُعزز البحث في سيناريوهات بعينها خاصة بالمخاطر التي تُهدِّد وجودنا الشكوك في أن الجزء الأكبر من الخطر الذي يهدد وجودنا في المستقبل القريب ينبع من المخاطر التي تجلبها البشرية، أي، المخاطر الناتجة عن النشاط البشري. وعلى وجه الخصوص، يبدو أن أغلب المخاطر الكبرى التي تُهدد وجودنا مرتبطة بالتقدُّم التكنولوجي المُستقبَلي المُحتمَل الذي قد يزيد من قُدرتنا على التلاعُب بالعالَم الخارجي أو بتكويننا نفسه.

من الناحية الإيجابية، يُضيف بوستروم أنه «يبدو أنَّ الوعي العام بالتأثيرات العالَمية للأنشطة البشرية في ازدياد … إنَّ مشكلاتٍ مثل تغير المناخ والإرهاب العابر للحدود والأزمات المالية الدولية تَسترعي الانتباه إلى الترابُط العالَمي وإلى المخاطر التي تُهدد النظام العالمي. يبدو أن فكرة الخطر بشكلٍ عام قد أصبحت بارزة. وبالنظر إلى التقدُّم الحاصل في المعرفة والمناهج والسلوكيات والظروف، فإننا نَستطيع تهيئة الظروف المواتية لضمان منع هذه المخاطر التي تُهدِّد وجودنا بدقَّةٍ لم يَسبق لها مثيل. كما أن فرص اتخاذ الإجراءات المناسبة قد تزداد أيضًا» (بوستروم، ٢٠١٣).

تشمل السيناريوهات الحالية لانقراض البشر (أو الفناء الجزئي) التي يَستكشفُها «معهد أكسفورد لمستقبل الإنسانية» وغيره الآتي:
  • التغيُّر المناخي الحاد (ارتفاع في درجات الحرارة من ٣ إلى ٦ درجات مئوية)، وانهيار الإمدادات الغذائية والنُّظم البيئية العالمية التي تؤدِّي إلى الهجرة الجماعية، وحروب الموارد (داير، ٢٠٠٩) والأوبئة والأمراض (ماك مايكل، ٢٠١٢) (هذا الكتاب، الفصل الرابع والخامس والسابع والتاسع).

  • التغير المناخي الجامح أو «المُنفلِت» (من ٨ إلى ٣٠ درجة مئوية)، والذي يتسبَّب في ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى مستوياتٍ لا يُمكن أن يعيش فيها البشر أو أي حيواناتٍ كبيرة أُخرى فعليًّا (هانسن وآخرون، ٢٠١٣) (الفصل الخامس).

  • الحروب النووية الناشئة عن النزاعات الدينية أو العرقية أو السياسية أو النزاعات على الموارد، والتي يليها «شتاءٌ نوويٌّ» يَنطوي على انهيار النظام الاجتماعي وحدوث المَجاعات والأوبئة على نطاقٍ واسع (الفصل الرابع).

  • وصول التطوُّرات في تكنولوجيا المعلومات إلى نقطةٍ تتجاوَز الذكاءَ البشري، الذي مِن ثمَّ يتمُّ استبدال الذكاء الاصطناعي به، وهي نظرية روَّج لها الفيزيائي ستيفن هوكينج (سيلان-جونز، ٢٠١٤) (الفصل الثامن).

  • سلسلة العواقب المُترتِّبة على الأبحاث التي لا تتوقَّف في مجالات البيولوجيا التخليقية وتكنولوجيا النانو، أو فيزياء الكم، مثل الخلق غير المقصود لكائناتٍ أو آلاتٍ أو موادَّ مدمرة تتكاثر ذاتيًّا، أو انتهاك الحدود الفيزيائية المجهولة (الفصل الثامن).

  • وباء عالَمي ناجم عن فيروس مُعْدٍ حديث التطوُّر أو مِن صُنعِ الإنسان، مثل سلالة الإنفلونزا التي تُهاجم الدماغ والعمود الفقري، وهي موجودة بالفعل في الطيور ويُمكِن أن تَنتقِل إلى البشر (الفصل الثامن).

  • انهيار النظام البيئي؛ أو حدوث عمليةٍ أطولَ وأقلَّ وضوحًا يتفاعَل فيها التدهور التدريجي للخدمات المناخية والبيولوجية والبيئية وندرة الموارد الرئيسية مع فقدان الذكاء والصحة نتيجة للتسمُّم الذاتي الوبائي الناتج عن المواد الكيميائية التي يصنعُها الإنسان والأمراض الجديدة (الفصل الثاني والثالث والسادس والثامن).

  • عملية يصِلُ فيها الوهْم إلى ذروتِه في كلٍّ من السياسة والتجارة والاقتصاد والمعتقَدات الدينية والحكايات الشعبية وسلوك المجتمع، مما يشلُّ قُدرتَنا على اتخاذ إجراءاتٍ عملية فعَّالة لإنقاذ أنفسنا (الفصل التاسع).

  • السيناريو الأكثر تفاؤلًا هو أن يتطوَّر نوعنا البشَري بنجاحٍ من شكلِنا الحالي إلى نوع من البشر أكثر حكمةً ويتمتَّعُون بقدرة الأنواع المُختلِفة على التواصُل والتعاون والرعاية والحفاظ على الحِكمة ومشاركتها عالميًّا، بدلًا من نوعِنا الحالي الذي يُفضِّل المنافسة والاستغلال والقتْل والتدمير (الفصل العاشر).

  • وقوع كارثة في نظام الأرض لا يُمكن تجنُّبها، مثل اصطدام كويكب بالأرض أو اندلاع ثورة بركانية على نطاقٍ واسع مثل تلك التي قد تسبَّبت في الانقراض البرمي و/أو انقراض العصر الطباشيري-الثلاثي، أو اندفاع أشعة جاما قادِمة من انفجار نجم قريب.

عند قراءة هذه القائمة القصيرة سيكون واضحًا أن معظَم أشكال الانقراض البشري يُمكن تجنُّبها، ولكن ربما باستثناء الأخيرة. ومع ذلك، يعتمد كل شيء على مستوى الحكمة التي يُمكن أن نتصرَّف بها على نحوٍ جماعي في توقُّعٍ ومنعِ وصول هذه الأشكال إلى نقطةٍ حرِجة. لقد دخلت الإنسانية بالفعل في نطاقِ خطرِ الانقراض، وهذا هو ما وثَّقتْهُ الأبحاث التي أجراها بعض المُفكِّرين البارِزين في العالَم حول هذه القضية، مثل يوهان روكستروم وويل شتيفن وبراين ووكر وهانز يواخيم شينهوبر وتيري هيوز وغيرهم، الذين حدَّدوا سبعة حدود كونية يجبُ ألا يتعدَّاها البشر لضمان سلامتهم (وقد تعدَّينا ثلاثةً منها بالفعل) (روكستروم وآخرون، ٢٠٠٩). سنعود إلى تناول هذه الفكرة في الفصل الختامي.

العبرة من هذا الفصل هو أن الانقراض، على الأقل في القرن الحالي، ما هو إلا خيار لي ولك. وفَهْمنا الصحيح للأسباب الأرجح في وقوع هذه الكارثة هو بداية عمليةِ تجنُّبها على مستوى النوع ككل.

وبالمِثل، فتجاهُل إمكانية حدوث الانقراض البشري هو طريقة جيدة لضمان حدوثه. يَعتمد بقاء الإنسان في القرن الحادي والعشرين بدرجةٍ أقل على النوايا الخبيثة للبعض أكثر من اعتماده على الأغلبية من الأشخاص الصالِحين الذين لا يفعلون الكثير، أو لا يفعلون أيَّ شيءٍ على الإطلاق لضمانه.

إن تجنُّب انقراض البشر يتطلَّب التعاون عبر أفراد ذلك النوع المُنتشِر للغاية والذين يصِل عددهم إلى ١٠ أو ١١ مليار فرد، على نطاق لا يُمكِن تصوُّره حتَّى الآن. إنه يتطلَّب الحكمة الجماعية، وليس فقط الذكاء الفردي، للتنبُّؤ بالمخاطر التي تسبَّبنا فيها وفهمها ومواجهتها. إنه يتطلَّب إحداث تغييرات جذرية في الطبيعة البشرية، ونُظُم المُعتقَدات، وتقاسُم السلطة، والمساواة والسلوكيات؛ بما في ذلك، وعلى وجه الخصوص، التحوُّل من التفكير التنافُسي إلى التفكير التعاوُني (الفصل العاشر). وسيتمُّ التطرُّق إلى المخاطر الرئيسية وسُبُل علاجها المُمكنة في الفصول القادمة.

علاوةً على ذلك، فلا بدَّ من اتخاذ القرار العالَمي سريعًا لتجنُّب حدوث الانقراض. يقول إيان تشامبرز: «لا يُمكن تخيُّل أهمية المُبالغة في التأكيد على السرعة التي يحتاجها الجنس البشري للاستجابة لهذه التحديات العالَمية وإدارتها. الوقت ليس في صالِحنا. فما نفعله أو لا نفعله في العقد المُقبِل سيُشكِّل المُستقبل البعيد لكوكبنا وكل من يعيشون عليه» (تشامبرز وهامبل، ٢٠١٢).

وأخيرًا، فمن الجدير بالملاحَظة أنه ما يزال من المُستبعَد حدوث انقراضٍ بشري كامل في القرن الحالي في ظلِّ مُعظَم السيناريوهات سالفة الذكر. ولكن يتمثَّل الخطر الوشيك في انهيار الحضارة والفوضى التي ستَنجُم عن التطوُّر غير المُقنَّن للعديد من المخاطر وتفاعلها بعضها مع بعض، وليس على خطرٍ واحد بعينه. هذه هي الأزمة المعقَّدة التي سيُواجهُها البشر بلا شكٍّ في القرن الحادي والعشرين.

وباء انتشار الدُّمى اللطيفة

تضاعفَت أعداد ألعاب الحيوانات المَحشوَّة في العالَم في العقود الأخيرة بوتيرةٍ أسرع بكثير من أعداد البشر! إذ تَمتلِك الأُسَر الفقيرة الآن العديد من هذه الدُّمى اللطيفة التي تُحاكي أشكال الحيوانات، بينما تَمتلِك الأُسَر الأغنى العشرات، بل المئات منها في بعض الأحيان. من بين السبعين لعبة أو أكثر التي تُقدَّم إلى الطفل الأمريكي العادي كل عام (تاتل، ٢٠١٢)، يكون عُشرُها أو أكثر، من دُمَى الحيوانات المحشوَّة. تحتوي بعض مراكز التسوُّق والمراكز التجارية على منافذ بيع بالتجزئة مُخصَّصة بالكامل لتجارة بيع الدُّمى المَحشوَّة. حتى المتاحف وهيئات الحفاظ على الطبيعة تَدفع بملايين النُّسخ من الحيوانات البرية المُقلَّدة التي ستَختفي قريبًا من على وجه الأرض. إذا أجرى إحصائي من سُكَّان كوكب المريخ تعدادًا عالميًّا، فمن المُحتمَل أن يجدَ أن أعداد الدُّمى المَحشوَّة تفوق الآن عدد البشر والحيوانات الأخرى بعدة أضعاف، وربما قد يَستنتجُون أنها الأسياد الحقيقية لكوكب الأرض!

قد يبدو من الغريب استخدام شيء يبدو غير ضارٍّ مثل الدُّمى المحشوة كمؤشِّر للانهيار البيئي والانقراض اللَّذَين تسبَّب فيهما الإنسان، ولكنها تُمثل رمزًا لكيف أصبح البشر مُنفصلُون عن العالم الطبيعي وعن واقع البقاء على قيد الحياة والاستمرار فيه. فالمخلوق الذي يُكرِّس الكثير من وقتِه وطاقتِه وماله لقتْل الحيوانات الحقيقية والاستعاضة عنها بدُمى جامدة، مُعظمها مصنوعة من المواد البتروكيماوية نفسها التي تُسهِمُ في حدوث الانقراض، يتَّسم بشيء من العَتَهِ والانفصال، بل وبالبؤس أيضًا. فمن ناحية، يدلُّ حبنا للدُّمى المَحشوة على ارتباطنا العاطفي بمظاهر العالَم الطبيعي الآخِذة في الزوال. ومن ناحية أخرى، فهو يدلُّ على وحشيَّتِنا ولا مُبالاتِنا بمصير الحيوانات البرية الحقيقية التي نتشارَك معها هذا العالم؛ فنحن قادرُون على أن نُحبَّ مسخًا مُزيفًا وصناعيًّا وطفوليًّا، ولكنَّنا لا نُعير الكثير من الاهتمام إلى الشيء الحقيقي. لا يُمثِّل ولعُنا بالدُّمى المَحشوَّة فشَلنا في التعاطُف وفي إعمال إنسانيتنا فقط، بل إنه يرمز أيضًا إلى فشلٍ عميق في التحلِّي بالحِكمة، وإلى عدَم القُدرة على إدراك أننا نُواجه الخطر نفسه الذي نُعرِّض الحيوانات والطبيعة إليه بطُغياننا.

كيف نمنَع الانقراض؟

من الممكن تمامًا للبشرية أن تُبطِّئ، وربما حتَّى أن تمنع موجة الانقراض المُتزايدة، ولكن ليس من خلال أنصاف الحلول التي تُطبَّق في جميع أنحاء العالم الآن. قد تُنقِذ حدائق الحيوان والمتنزَّهات الوطنية والمَحميَّات البحرية وصهاريج الحفظ بالتبريد وبرامج الحفظ والتناسُل ومشروعات زراعة الأشجار والجامعون المُستقلُّون من الهواة القليلَ من القِطَع المُتبقيَّة من أُحجية الحياة التي ورثناها، ولكنها لن تنقِذ الصورة الكاملة. هذه الأشياء هي حلولٌ تفتَّقَ عنها ذهن أفراد حُكماء يُدركون حجم الخسائر ويَبذُلون قصارى جهدهم ليضعوا حدًّا لها في ظلِّ قلة الموارد والتمويل، وفي ظلِّ مجتمع يتَّسِم بالطيش واللامبالاة. لن ينجح سوى جنس بشري يتَّسم بالحكمة في إيقاف الخسائر الحالية (انظر أدناه، والفصل السابع).

مقابل كل شخصٍ يعمل على الحفاظ على حيوانٍ أو نبات أو صورة من صور الطبيعة أو منطقة بحرية، يُنفق مليون شخص آخر، غالبًا دون أن يَعلموا، أموالهم بطرُق تضمن استمرار التدمير، بل زيادته.

كيف سيتصرَّف البشر الحكماء؟ فيما يلي بعض الحلول المُمكِنة (مُستمدة من إجماع علمي مُتزايد) التي يُحتمَل أن تُحدِث فارقًا على نطاقٍ عالَمي. تنطوي جميع هذه الحلول بشكلٍ كبير على فوائد لكلٍّ من البشر والعالَم الطبيعي، وتُحسِّن من فُرَص البقاء في القرن الحادي والعشرين مع الحفاظ على حضارتنا. يُوضِّح أهم هذه الحلول على الأرجح وأبعدها مدًى عالِم الأحياء إي أو ويلسون، وذلك بتخصيص نصف كوكب الأرض لباقي أشكال الحياة: «الطريقة الوحيدة لإنقاذ ما يصل إلى ٩٠٪ من باقي أشكال الحياة هي زيادة مساحة الملاذات من مساحتها الحالية التي تشكل ١٥٪ من مساحة الأرض و٣٪ من مساحة البحر، إلى نصف مساحة الأرض ونصف مساحة البحر. يمكن تكوين هذه المساحة، كما أوضحتُ أنا وآخرون، من الأجزاء الصغيرة والكبيرة الموجودة حول العالم حتى تبقى طبيعية نسبيًّا، دون ترحيل الناس الذين يعيشون في تلك المناطق ولا تغيير حقوق الملكية» (ويلسون، ٢٠١٦أ).

ما الذي يجب علينا فعله؟

  • (١)

    الاستعاضة عن نصف المساحة المزروعة والتي ترعى فيها الماشية بأنظمة غذائية مُستدامة مكثَّفة لا تتأثَّر بتغيُّر المناخ، لا سيما في المدن والمياه الساحلية. وهو ما سيُمكِّن من عملية استعادة الحياة البرية تدريجيًّا لمساحة تبلغ ٢٥ مليون كيلومتر مربع (وهو ما يعدل قارة أمريكا الشمالية حجمًا) وعودة الغطاء النباتي والحياة البرية فيها إلى حالتها الطبيعية.

    كيفية التطبيق: «انظر الفصل السابع لمزيدٍ من التفاصيل، ولكن عامةً يتطلَّب تحقيق ذلك النقل السريع لنصف قدرة إنتاج الغذاء في العالَم أو أكثر إلى المدن لحمايتها من الصدمات المناخية ونقص المياه ولإعادة تدوير المواد الغذائية. وهو ما يتطلَّب تغييرًا جذريًّا في التخطيط العمراني (لإعادة تدوير المياه والنفايات الغذائية)، وتشجيع إنتاج الغذاء، وتسريع الاستثمار وزيادة البحث والتطوير في أنظمة الصوبات، والزراعة المائية والزراعة المائية المركَّبة (أكوابونيك)، وأنظمة الثقافة الحيوية.»
  • (٢)

    سيُمكِّن الرعي المُستدام للأراضي المُخصَّصة للرعي في العالَم (مثل «الرعي الدقيق») من تخفيض أعداد الماشية، واحتباس الكربون، واستعادة الغطاء النباتي ودورة المياه وتحسين الدخل الرعوي. وهو ما سيُؤدي إلى الحفاظ على العديد من الأنواع البرية بشكلٍ أفضل عبر السافانا التي تُغطِّي ٤٠٪ من مساحة اليابسة على كوكب الأرض (انظر الفصل السابع).

    كيفية التطبيق: «يَسمح مفهوم «الرعي الدقيق» — استخدام الأقمار الصناعية والعَدُّ الآلي للماشية لتحقيق التوازن بين توافُر الأعلاف وأعداد الماشية — بتحقيق رعي أكثر استدامةً لأراضي الرعي ودخلٍ أفضل للرُّعاة. يعود القرار للحكومات في تطبيق ذلك من خلال ضمان توافر التكنولوجيا والتدريب اللازمين.»
  • (٣)

    الاستعاضة عن أساليب الصيد المدمِّرة بأشكال مستدامة من الاستزراع المائي في البر والبحر بالاعتماد على الطحالب المُستزرعة.

    كيفية التطبيق: «بدأ الاستزراع المائي في الزيادة بالفعل مع تضاؤل اصطياد أسماك المُحيط وتراجُع تَكلفة إنتاج الأسماك المُستزرَعة مع التقدم التكنولوجي. ستَتسارع وتيرة الاستزراع المائي بشكلٍ كبير عن طريق زراعة الطحالب باعتبارها مصدرًا رئيسيًّا جديدًا لتغذية الأسماك المُستزرَعة وغيرها من الماشية، وكذا لغذاء البشر وكمصدر وقود مُتجدِّد لوسائل النقل.»
  • (٤)

    الاستعاضة عن الفحم والنفط والغاز بالطاقة المتجدِّدة، وهو ما سيُؤدِّي إلى القضاء على المصدر الرئيسي للتلوُّث السام في العالم، والذي يُلحِق الضرر حاليًّا بالحياة البرية وبالبشر بشكلٍ مُباشِر وغير مباشر، وذلك من خلال التسبُّب في تسمُّم المخ وإحداث خللٍ في الوظائف التناسُلية وانهيار المناعة وتغيُّر المناخ.

    كيفية التطبيق: «انظر الفصل الرابع. وضعَت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ والعديد من التقارير الحكومية الفردية2 سُبُلًا وخياراتٍ للحدِّ من تغيُّر المناخ (الهيئة الحكومية الدولية المَعنية بتغيُّر المناخ، ٢٠١٤أ). وهي تَشمل استراتيجيَّات مثل الاستثمار المتسارِع في مصادر الطاقة المتجدِّدة، وأنظمة مُقايَضة انبعاثات الكربون، وتوليد الطاقة المُوزَّعة، وكفاءة استخدام الطاقة في الصناعة والنقل والمدن وتقنيات الطاقة الذكية، وإعادة التشجير وإعادة الغطاء النباتي للمناطق الطبيعية، وإعادة تدوير المواد التي يَحتفظ مُعظمُها بمزايا إضافية للعالَم الطبيعي من حيث تقليل السُّمِّية ونمو الحياة البرية.»
  • (٥)

    بناء شبكة عالمية للأمن الحيوي لمكافحة إدخال الأنواع الغازِية وتأثيرها.

    كيفية التطبيق: «قيد التطوير. يتطلَّب الأمر حجرًا صحيًّا أشدَّ وفرض قواعد أقوى على استيراد وتصدير الأنواع، فضلًا عن مكافَحة الآفات البحرية وإدخال حشرات وفطريات دخيلة. إيلاء أهمية أكبر لمخاطر الأمن الحيوي فيما بين الهيئات الحكومية.»
  • (٦)

    وضع خطة لاستعادة الغابات الكبيرة في العالَم تدريجيًّا، ولإدارة المُحيطات (خاصة خارج الحدود السيادية)، وتطهير بحار العالم وأنهاره ومياهِه العذبة من السموم والبلاستيك والتربة المتآكلة.

    كيفية التطبيق: «كان التقدُّم في هذا الصدد بطيئًا في بعض المناطق وتوقف في مناطق أخرى. يمكن إحياء هذا الأمر من جديد من خلال الاستراتيجية العالمية التي تُعرَف باسم «نظِّفُوا العالم» (الفصل السادس)، وإعادة الاستثمار في برامج مثل خطة الأمم المتحدة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهوُرِها وإعادة التشجير في بلدان العالم.»
  • (٧)

    تخصيص جزء ضئيل من أسعار المواد الغذائية والسِّلَع الاستهلاكية لتمويل إصلاح أو منع حدوث الضرر البيئي الناجم عن إنتاجها. يجب اعتبار ذلك شكلًا من أشكال إعادة الاستثمار الحكيم في رأس المال الطبيعي، وليس «ضريبة بيئية».

    كيفية التطبيق: «أبسط طريقة لتحقيق ذلك هي من خلال فرض ضريبة على استهلاك الأغذية مُخصَّصة تحديدًا لغرَض إعادة الاستثمار في رأس المال الطبيعي وإصلاح المساحات الطبيعية والمياه التالِفة. لتجنُّب حدوث أي انتكاسة، يُمكن إعفاء الفقراء، وتزويدهم بقسائم المعونات الغذائية أو غيرها من الامتيازات الأخرى.»
  • (٨)

    استخدام الأموال التي تمَّ جمعُها ودفعُها ﻟ ١٫٨ مليار من المزارعين والسكان الأصليِّين على مستوى العالم ليَعملوا كمُراقبين على الأرض للإشراف على التنوُّع البيولوجي وتمويل برامج الحفاظ على الموائل الحيوية والأنواع الأساسية.

    كيفية التطبيق: «انظر الفصل السابع.»

مع وجود مُشكلة مثل مشكلة الانقراض، فإن الفرد حتى وإن كان حكيمًا بما يَكفي لفهمها والشعور بالأسى حيالها، غالبًا ما يكون عاجزًا عن منعها. أما الخبر السار فهو أنه لم تَعُد هناك حاجة لأن يكون الأمر كذلك. فيما يَلي بعض التدابير التي يُمكنُنا اتخاذها جميعًا في حياتنا لضمان بقاء أكبر عددٍ مُمكن من أشكال الحياة الأخرى.

ما الذي يُمكنك فعله؟

  • كُن مُستهلكًا واعيًا. تعرَّف على الأطعمة والسِّلع التي تتحلَّل وتُدمِّر العالَم الطبيعي وعلى الأخرى التي تَشفيه، ومارس سلطتك الاقتصادية وحُريتك في إرسال إشارة واضحة إلى الصناعة وإلى أُمَّتك وإلى الاقتصاد العالَمي. الحرية ليست حقًّا فحسب، بل هي مسئولية.

  • استخدم الإنترنت ووسائل التواصُل الاجتماعي لمعرفة الحقائق العِلمية التي تخصُّ الانقراض وشارِكْها مع الأصدقاء والعائلة والمُتابعين. قُم بدورِك كمُعلم وقيادي في حركة الحفاظ على الطبيعة العالمية عبر الإنترنت. دافع عن الأنواع المُهدَّدة بالانقراض والأنواع الأساسية.

  • علِّم أطفالك قِيمة الحياة البرية والمساحات الطبيعية، وكيف تدعم هذه الأشياء حياتنا، وأخبِرهم عن الخسارة التي تلحق بنا عندما نُلوِّثها أو نُدمرها.

  • ادعم السياسيِّين وكذا الشركات التي تتمتَّع بسجلٍّ حافل في تكريس موارد حقيقية لحماية الحياة البرية والمساحات الطبيعية.

  • تجنَّب المنتجات التي تَستخدِم المواد البلاستيكية والمُبيدات الحشرية والتي تتسبَّب في اضطراب الغُدَد الصمَّاء والمُركبات العضوية المُتطايرة وغيرها من الملوِّثات التي تقتُل أو تُضعِف الحياة البرية.

  • تخيَّر الأطعمة والسِّلَع الاستهلاكية التي تُقلِّل من ضغط الإنسان على البيئة الطبيعية وتُشجِّع على استعادة الحياة البرية.

  • اعمل من خلال المجموعات التطوُّعية والاجتماعية والدينية والرياضية على إصلاح بيئتك المَحليَّة واستعادة أنواعها وانشُر مفهوم الاستِهلاك المُستدام.

  • لا تَشترِ أيَّ دُمًى مَحشوَّة بعد الآن. أنفِق نفس المبلغ على هيئةٍ أو نشاطٍ جيد يساعد في الحفاظ على البيئة (مثل زراعة الأشجار) وأنقذ حيوانًا حقيقيًّا لتُسعِد أحفادك. واجعلهم يشاركون في خطط رعاية الحياة البرية.

هوامش

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤