الفصل الثالث

القاهر (الإنسان المُخَرِّب)

تُسَلِّطُهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ.

(سفر المزامير، ٨: ٦)

سيُهيمِن على قصة الإنسانية في القرن الحادي والعشرين صراع اقتصادي وسياسي وعِلمي وعسكري عالَمي عملاق من أجل الموارد. ويَعتمِد مصير الحضارة إلى حدٍّ كبير على هذا الصراع.

في كل العصور السابقة حتى الآن كانت الوفرة التي يتمتَّع بها كوكب الأرض كافية للحِفاظ على ارتقاء المجتمَع البشَري. وكانت الندرة، عند حدوثها، محليةً أو إقليمية أو نتيجةً للتدخُّل البشري أو سوء الإدارة. أما الآن، بحلول حِقبة ما بعد الحداثة، فقد تجاوَزنا نقطةً لا رجعة فيها، ألا وهي اجتماع المطالب المادية لسبعة إلى عشرة مليارات من البشر — يَطمح كلٌّ منهم إلى مُستوى معيشةٍ أعلى — بصورة تتجاوَز القدرة الاستيعابية لكوكب الأرض. ببساطة، نحن نَستخدِم أكثر ممَّا يستطيع الكوكب توفيره بشكلٍ مُتجدِّد.

يصل الاستخدام البشري للموارد الطبيعية إلى نحو ٧٥ مليار طن سنويًّا — أي عشرة أطنان سنويًّا لسدِّ احتياج كلِّ واحد منَّا. وقد نما ذلك الطلب بمقدار عشرة أضعاف خلال قرنٍ واحد من سبعة مليارات طنٍّ في عام ١٩٠٠، ومن المقرَّر أن يصل إلى ١٤٠ مليار طن بحلول عام ٢٠٥٠ (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ٢٠١٥أ). وتنقسم هذه الموارد إلى نوعَين رئيسيَّين؛ الموارد «غير المُتجدِّدة»، مثل المعادن، والطاقة الأحفورية، والمواد الصناعية ومواد البناء؛ وما يُسمَّى ﺑ «مصادر الطاقة المتجدِّدة»، مثل الزراعة والغابات ومصائد الأسماك — والتي تُثْبِتُ الآن أنها غير قابلة للتجدُّد بالقدْر الكافي (الفصل السابع). ثم هناك الموارد البيئية الرئيسية كالمياه والأرض والتنوُّع البيولوجي والغلاف الجوي.

لوضع ما سبق في إطار منظورٍ شخصي، فإن كلَّ مُواطن من سكان كوكب الأرض على مدار حياتِه أو حياتها (وَفق معدَّل الطلب الحالي) سوف:
  • يستخدم ٩٩٧٢٠ طنًّا من المياه العذبة (فيشيتي، ٢٠١٢)، ثُلثاه في صورة طعام.

  • يتسبَّب في فقدان ٧٥٠ طنًّا من التربة السطحية (ويلكينسون وماكيلروي، ٢٠٠٦).

  • يَستهلك ٧٢٠ طنًّا من المعادن وموادِّ التصنيع والبناء (معهد الموارد العالمية، ٢٠١٥).

  • يستخدم ٥٫٤ مليار وحدة حرارية بريطانية من الطاقة (الطاقة الأحفورية بشكل أساسي) (إدارة معلومات الطاقة، ٢١٠٥أ).

  • يتسبَّب في إطلاق ٢٨٨ طنًّا من ثاني أكسيد الكربون (البنك الدولي، ٢٠١٥أ).

  • يتسبَّب في إطلاق ٣٢٠ كيلوجرامًا من المواد الكيميائية الصناعية، والتي يكون الكثير منها سامًّا (كريب، ٢٠١٤).

  • يتسبَّب في إهدار ١٣٫٤ طنًّا من الطعام (جوستافسون وآخرون، ٢٠١١أ).

على الرغم من أن الحجم الهائل لتأثيرك كفرد على الكوكب قد يُشكِّل مفاجأة، إلا أنه تأثير مُتواضِع مقارنةً بما قد يحدث مع زيادة عدد السكان إلى ما بين ١٠ و١٢ مليار نسمة (جيرلاند وآخرون، ٢٠١٤) وبنموِّ الاقتصاد العالَمي — طبقًا لشبكة برايس ووتر هاوس كوبرز — «بمعدَّلٍ مُتوسِّطٍ يَزيد قليلًا عن ٣٪ سنويًّا من عام ٢٠١١ إلى عام ٢٠٥٠، بحيث يتضاعف حجمه بحلول عام ٢٠٣٢، ثم يتضاعَف حجمه مرة أخرى تقريبًا بحلول عام ٢٠٥٠» (برايس ووتر هاوس كوبرز، ٢٠١٢). على سبيل المثال، تتوقَّع منظَّمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يزداد الطلب العالَمي على المعادن وحدَها من ٥٫٨ إلى ١١٫٢ مليار طن بين عامي ٢٠٠٢ و٢٠٢٠ (منظَّمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ٢٠١٥ب). ومن المُفارقات، أن الكفاءة التي يَستخدِم بها العالم مواردَه، التي تزداد شحًّا، آخذةٌ في الانخفاض وليس في التحسُّن، ويرجع ذلك أساسًا إلى نهوض البلدان الصناعية الحديثة — التي تستخدم عملياتٍ صناعية أقلَّ كفاءة — كقُوى تصنيع مؤثرة في العالم (كفاءة الموارد: الاقتصاد والتوقُّعات لآسيا ولمنطقة المُحيط الهادئ، ٢٠١١).

للإفراط في استهلاك الموارد بُعدان؛ الأول هو النُّدرة التي يُدركها الجميع والتي يعالجها السوق في كثيرٍ من الأحيان بتوفير بدائل — وعلى الرغم من ذلك، لا تُوجَد بدائل في حالاتٍ مثل المياه والفسفور. أما البُعد الثاني فهو التلوُّث، وهو ما يصعب كثيرًا علاجه، ويُمكن أن يتسبَّب في تدهور وتدمير الموارد الحيوية الأخرى. على سبيل المثال، يُمكن للإفراط في الزراعة أن يُدمِّر التربة والأنهار وحتى البحار؛ ويُمكن للإفراط في استخدام الوقود الأحفوري أن يُسمِّم الهواء الذي نتنفَّسه، ويُقلِّل من ذكاء أطفالنا، ويسبب السرطان ويزعزع استقرار المناخ ويزيد من حموضة المُحيطات.

سيزيد استخدامنا للموارد أكثرَ من الضعف في نصف القرن المُقبل، وبما أن الموارد الفعلية لا يمكن أن تتضاعف ماديًّا، فإن هذا يُشكل خطرًا بإطلاق سلسلةٍ من الكوارث العالمية المُفجعة. نظرًا لأنَّ البشر في العادة يتنافسون على الموارد بشراسة، فإن النتيجة الرئيسية لذلك ستكون زيادة خطر الصراع — فيما بين الأمم والمُعتقدات والطوائف الدينية والصناعات والشركات والجماعات الاجتماعية — بالإضافة إلى تقلُّب الأسعار والعجز المفاجئ والهزَّات الاقتصادية وفساد الأسواق والحكومات وتَسمُّم مساحات طبيعية وأجيال بأكملها.

هذا المسار، بطبيعة الحال، مسار غير حكيم بالطبع ليسلُكه جنس الهومو. فما هي المشكلات الأساسية؟ وما هي البدائل الحكيمة؟

أزمنة الجفاف

يُستهلك نحو ١٣٨٦ طنًّا من المياه سنويًّا لتوفير احتياجات المواطن العادي على كوكب الأرض. يُعرف هذا باسم «البصمة المائية» الخاصة بنا، والتي تتألَّف من حصيلة كل المياه المُستخدَمة لإنتاج غذائنا أو مُنتجاتنا الاستهلاكية أو تقديم الخدمات التي نعتمد عليها؛ فاستخدامنا غير المباشر للمياه أكبر بكثيرٍ من استخدامنا الشخصي لها. في المُجمَل، يستهلك البشر أكثر من ٩ تريليون طن من المياه العذبة سنويًّا. وأكبر المُستخدِمين من حيث الحجم هم الولايات المتحدة والصين. ومع ذلك، يَستهلك المواطن الأمريكي العادي (٢٨٠٠ طنٍّ) ما يقرُب من ثلاثة أضعاف كمية المياه التي يَستهلكها الصينيون أو الهنود (١٠٠٠ طن)، ويُعْزى ذلك في الأساس إلى استهلاك اللحوم في أمريكا، الذي يُمثل ما يقرُب من ثلث استخدام المياه في الولايات المتحدة (هوكسترا وميكونين، ٢٠١١).

تُحذِّر شبكة البصمة المائية، وهي شراكة عالمية تتألَّف من حكوماتٍ وجامعاتٍ وهيئات مياه، قائلة: «الماء العذْب مورد نادر؛ توافُرُه السنوي محدود، والطلَب عليه آخِذ في الازدياد. لقد تجاوَزَت البصمة المائية للبشرية مستويات الاستدامة في العديد من الأماكن، وهي موزَّعة بشكلٍ غير مُتكافئ بين الناس. تُوجَد العديد من المناطق في العالَم تُستنفَد فيها المياه أو تتلوَّث بصورةٍ خطرة؛ إذ تجفُّ الأنهار، مُقللةً مُستويات المياه الجوفية والبحيرات، وتُهدِّد أنواعًا بالانقراض بسبب المياه الملوَّثة. تُشير البصمة المائية إلى أحجام استهلاك المياه وتلوُّثها الكامن «وراء» استهلاكك اليومي» (شبكة البصمة المائية، ٢٠١٥). من بين هذه، يُمثل الغذاء المزروع الجزء الأكبر من استهلاك وتلوث المياه، بنحو ٧٠٪، أو ٩٧٠ طنًّا سنويًّا للفرد. لذا، يَحتاج إطعامك وحده إلى نحو ثلاثة أطنان من الماء في اليوم.

يُفترَض عامَّةً أن العالم لدَيه مياه وفيرة تكفي الجميع، وأن هطول الأمطار ودورة الماء الطبيعية ستسدُّ النقص، ولكن الطلب الصناعي والزراعي والحضري والطلب الخاص بالطاقة زاد سريعًا حتى أصبح هذا الافتراض القديم غير صحيح. فيُواجِه أربعة مليارات شخصٍ في جميع أنحاء العالَم بالفعل شُحًّا شديدًا في المياه (ميكونين وهوكسترا، ٢٠١٦). بينما تضاعَف عدد سكان العالَم ثلاثة أضعاف خلال القرن الماضي، ازداد استخدامُنا للمياه بستةِ أضعاف. في عام ٢٠١٥. صنَّف المنتدى الاقتصادي العالَمي أزمات إمدادات المياه على أنها أعلى المخاطر العالمية من حيث تأثيرها المُحتمَل على المستقبل الإنساني — حتى إنها أكثر ضررًا من الأزمات المالية وانتشار الأسلحة النووية وفشَلِنا في التكيُّف مع تغيُّر المناخ (المنتدى الاقتصادي العالمي، ٢٠١٥).

تتفاقم ندرة المياه في جميع أنحاء العالم بسبب النضوب السريع لموارد المياه الجوفية في كل بلدٍ تقريبًا؛ حيث تُستخدَم مياه الآبار في زراعة الغذاء. وتُعدُّ المياه الجوفية واحدةً من أكبر الموارد في هذا الكوكب؛ حيث تُمثل ٩٥٪ من المياه العذبة المتاحة على الكوكب. علاوة على ذلك، فهي تُزوِّد السدود والأنهار والبحيرات بجزءٍ كبير من المياه السطحية، وهي مسئولة عن الحفاظ على المساحات الطبيعية. وتُقدِّر اليونسكو إجمالي استخراج المياه الجوفية بنحو ١٠٠٠ كيلومتر مكعب (تريليون طن) سنويًّا، منها نحو ٦٧٪ تُستخدَم للري و٢٢٪ للأغراض المنزلية و١١٪ للصناعة (فان دير جَنْ، ٢٠١٢). من الناحية النظرية، يُوجَد في العالَم ما بين ثمانية وعشرة ملايين كيلومتر مُكعَّب من المياه الجوفية، ولكن الكثير منها في أماكن غير مناسبة، أو يتعذَّر الوصول إليها، أو مالحة، أو يكون ضخُّها باهظ الثمن. وفي الأماكن التي تعتمد على المياه الجوفية في ريِّ المحاصيل، مثل شمال الصين، ومنطقة سهل الجانج الهندي، والشرق الأوسط، وشمال أفريقيا ووسط غرب الولايات المتحدة الأمريكية، تتناقَص منسوبات المياه الجوفية بمقدار متر أو أكثر في السنة منذ عقود، ممَّا يدلُّ على أن المياه تُسحَب بشكلٍ أسرع بكثيرٍ من معدل تجدُّدها الطبيعي، والذي قد يستغرق قرونًا في بعض الأحيان. وفي عالم يُزرَع فيه ما يقرُب من نصف غذائنا عن طريق إنتاج المحاصيل المَروية، يُمثِّل نضوب هذه الاحتياطيَّات خطرًا حقيقيًّا على الأمن الغذائي خلال جيلٍ واحد (انظر الفصل السابع).

وفي الوقت نفسه الذي نقوم فيه بالتنقيب عن المياه الجوفية في العالم بشكلٍ غير مُستدام، فإن تغيُّر المناخ يُجهِزُ على احتياطي حيوي آخر مُهم؛ ألا وهو الغطاء الجليدي والثلجي الموجود فوق سلاسل الجبال الشاهِقة، والذي يُوفِّر تدفُّقًا غزيرًا من الماء لأنهارنا العُظمى، وهو يُعرَف باسم «برج المياه». كشفت الدراسات التي أجرتْها الدائرة العالمية لمراقبة الكُتَل الجليدية؛ وهي مؤسَّسة علمية دولية، أنَّ معدلات فقدان الجليد من الكُتَل الجليدية في الجبال في العقد من عام ١٩٩٦ إلى عام ٢٠٠٥ كانت تعدل ضعف مُعدَّلاتها في العقد السابق، وتعدل أربعة أضعاف معدلاتها في العقد الذي يَسبق ذاك العقد. تتزايد هذه الخسائر منذ أن بدأت القياسات في الأربعينيَّات من القرن الماضي وتَرتبط بقوَّةٍ بارتفاع درجات الحرارة العالمية المُسجَّلة خلال نفس الفترة (الدائرة العالمية لمراقبة الكُتَل الجليدية، ٢٠١٥). يُفيد علماء الجليد بوجود «دليل واضح على أن انحسار الكُتَل الجليدية خلال مائة عام هو ظاهرة عالَمية.» وأن «معدَّلات فقدان الكتلة في أوائل القرن الحادي والعشرين لم يَسبق لها مَثيل على نطاق عالَمي» (زيمب وآخرون، ٢٠١٥).

بما أن المياه الذائبة للكُتل الجليدية في الجبال توفِّر جزءًا كبيرًا من تدفُّق الماء في الأنهار الكبيرة مثل أنهار الجانج الهندي وآسيا الوسطى والأمريكتين الشمالية والجنوبية، فإنَّ انحسار الأنهار الجليدية، وفقدانها التامَّ في بعض المناطق، يُشكل تهديدًا مُتزايدًا لإنتاج الغذاء ولتجدُّد المياه الجوفية وللمدن التي تعتمد عليها في مياه الشرب.

وعلاوة على ذلك، فأنهار ومحيطات العالَم في وضعٍ خطير؛ إذ يوجَد خمسون ألف سدٍّ ضخم يدمرون الأنظمة النهرية الأساسية على مستوى العالم، ممَّا يتسبَّب في انخفاض جودة المياه وزيادة الترسُّبات والتلوُّث (خاصة من أطنان الزئبق المُتراكمة حاليًّا في مياه تلك الأنهار)، وتفاقم الاحتباس الحراري عبر انبعاثات غاز الميثان التي غالبًا ما تخرُج من أعماقها الطينية على هيئة فقاقيع (منظمة الأنهار الدولية، ٢٠١٤). يُقسِّم نحو ٦٠٠٠ سدٍّ من السدود الكبرى أكثر من خمسين حوضًا نهريًّا في العالم — منها ٧٠٣ في المسيسيبي، و٣٧٤ في نهر اليانجتسى، و٢٢٨ في نهر البارانا، و١٨٤ في نهر الدانوب، و١٨٣ في نهر سانت لورانس. من بين الأنهار الكبرى الأكثر تأثرًا بالسدود والإفراط في استخراج المياه وتغيُّر المناخ، هي أنهار الجانج والإندوس، والآمو داريا والسير داريا في آسيا الوسطى، وكولورادو وريو جراندي، والنهر الأصفر، والأمازون والدانوب والميكونج ونهر النيل ونهرا دجلة والفرات ونهر موراي دارلينج (مؤسسة الحفاظ على الطبيعة العالَمية، ٢٠١٦). أما الأنهار الأكثر تلوثًا على الأرض فهي أنهار هاي، وفيسوا، ودنيبر، ودجلة والفرات، والنهر الأصفر، ونهر الدانوب والمسيسيبي. تقول منظمة الأنهار الدولية، وهي شراكة بَحثية عالَمية: «إن دلائل التأثيرات الواقعة على مستوى الكوكب والناتجة عن تغيُّر الأنهار، قوية بما يكفي لأن تستحقَّ تركيزًا دوليًّا كبيرًا … لا بدَّ أن تُصبح السدود خيارًا أخيرًا لإدارة المياه وتوليد الكهرباء … لا يَنبغي بناء المزيد من السدود على منابع الأنهار التي تلعب دورًا مصيريًّا في استدامة النُّظم البيئية للمياه العذبة.»

في عام ٢٠١٥، جفَّت بحيرة بوبو، ثاني أكبر بحيرة في بوليفيا، والتي تبلُغ مساحتها ٢٧٠٠ كيلومتر مربع تمامًا، أما بحيرة تيتيكاكا، وهي أكبر بحيرة في البلاد، فقد كانت تُواجه مشكلة شكَّلت تهديدًا لمدينة لاباز. وفي منغوليا، تسبَّبت الأنماط المُتغيرة لهطول الأمطار في جفاف ثُلث بحيراتها (مجلة «نيو ساينتست»، ٢٠١٦). وفي الصين، فقدت مقاطعة هوبي، والتي تُعرَف باسم «مقاطعة الألف بحيرة»، ٩٠٪ من هذه البحيرات (بيريمان، ٢٠١٢). وفي القطب الشمالي، اختفت ثلث بحيرات التندرا (البحيرات الجليدية)، (أندريسن ولوهيد، ٢٠١٥). وفي أوزبكستان، جفَّ معظم بحر الآرال، وهو رابع أكبر بُحيرة في العالَم (كوبيل، ٢٠١٥). وفي النيجر، اختفَت ٩٥٪ من بحيرة التشاد التي كانت ذات يوم كتلة مائية شاسعة تُوفِّر احتياجات ٥٠ مليون شخص (ليكبيديا، ٢٠١٥).

توضح شبكة «ليكنِت»، وهي شبكة عالمية تضم مائة بلد أن «العديد من بحيرات العالم تواجه أزمة. ويُعتبر تحويل مسار مياه البحيرات لاستخدامها في الري والصناعة، وغزو الأنواع النباتية والحيوانية الدخيلة، والتلوث عن طريق المواد السامة والمواد الغذائية من المصانع والمزارع والصرف الصحي المحلي، والجريان السطحي الملوث للمناطق الحضرية أمورًا شائعة على نطاقٍ يُهدد النُّظم البيئية للبحيرات في كل قارةٍ بشكلٍ كبير في الوقت الحاضر، فيما عدا القارة القطبية الجنوبية» (ليكنِت، ٢٠١٥). إن المشكلة الرئيسية التي تؤثر على بحيرات العالم هي التلوث الناتج عن فرط المُغذيات الذي ينتج بشكلٍ أساسي عن الجريان السطحي للأسمدة والتربة من الزراعة، مما يُؤدي إلى زيادة الطحالب ونفوق الأسماك. تقول شبكة ليكنِت إن «الأسمدة هي المُحرِّك الأوحد الأكبر لتلوُّث المُغذيات على مستوى العالم. ومن المتوقَّع أن يرتفع استخدام الأسمدة في جميع أنحاء العالم بنسبة ١٤٥٪ بين عامي ١٩٩٠ و٢٠٥٠.» كرَّر المؤتمر العالَمي الثالث عشر للبحيرات نفس هذه المَخاوف، وحذَّر قائلًا:

لقد تدهورت الحالة البيئية للبحيرات في جميع أنحاء العالم خلال العقود الماضية بشكلٍ مُثير للقلق، والبحيرات الصينية هي مثالٌ مُحزن على ذلك. تُغطي البحيرات الصينية التي يبلغ عددها ٢٤٨٠٠ بحيرة مساحةً تزيد على ٨٠ ألف كيلومتر مربع، ومع وجود الاستثناءات القليلة، تُعاني جميع البحيرات تقريبًا من التلوُّث الشديد أو على وشك أن تجِف. يعلم الجميع أنه لا بدَّ من القيام بشيءٍ ما. هناك إجماع دولي على الحاجة إلى الإدارة المُتكاملة للبُحيرات والأساليب التقنية المتاحة بالفعل … على الرغم من ذلك، تتجاهَل الشركات الصناعية القواعد البيئية المعمول بها وتُفضِّل دفع غرامات (منخفضة) إذا اكتُشِفَت وهي تُصرِّف مياه الصرف الصحي في البُحيرات بدلًا من معالجة النفايات السائلة أولًا … أدَّى ري الأراضي الزراعية إلى تقلُّص بحر آرال، الذي كان في السابق رابع أكبر مُسطح مائي في العالم، بنسبة ١٠٪ من حجمه الأصلي. (صندوق الطبيعة العالمي، ٢٠٠٨)

في عام ٢٠١٤، كانت تضمُّ مدن العالَم أربعة مليارات شخص، أو ٥٤٪ من سكان كوكب الأرض (إدارة الأمم المتحدة للشئون الاقتصادية والاجتماعية، ٢٠١٤). بحلول منتصف القرن، سيكون هناك سبعة مليارات شخص من سكان المدن، أي أكثر من ثلاثة أرباع البشرية. ستُؤوي المدن الكبرى مثل جوانزو-شنجن ١٢٠ مليون نسمة، وسيتجاوز عدد السكان في كثيرٍ منها الأربعين مليون نسمة. ويأتي مع النموِّ السكاني الضخم في هذه التجمُّعات الحضرية، احتياج لا يُمكن إشباعه؛ إذ تستهلك المدن في الوقت الحاضر ما يُقدَّر بنحو ١٫٥ تريليون طن من المياه، ومن المتوقَّع أن يتضاعف إلى ثلاثة تريليونات طن على الأقل تماشيًا مع عدد سكانها ومع ارتفاع مستويات المعيشة. علاوة على الطلب على المياه، من المُتوقَّع أيضًا أن يتضاعَف حجم قطاع الطاقة العالمي، وهو ما يترتب عليه تأثيرٌ وطلبٌ هائل على موارد المياه المتضائلة. كما تتضمَّن مناجم الفحم وحقول الغاز والنفط جميعها استخدام كميَّاتٍ هائلة من المياه العذبة وتلويثها وهَدْرِها، بينما تتجلَّى بشكلٍ متزايد المواجهة العالمية العنيفة بين المُزارعين ومُنتجي النفط الذين يستخدمون تكنولوجيا التكسير الهيدروليكي. ومع ذلك، عندما يتعلَّق الأمر بحروب المياه، فإن المُزارعين المَحليِّين — والعاملين بالأمن الغذائي — غالبًا ما يَخسرون أمام عمالقة الطاقة المتعدِّدي الجنسيات، الذين يَستطيعون شراء ذِمَم المزيد من السياسيِّين. خلال عقود، سيُواجه هذا الصدام العديد من المناطق باختيارٍ قاسٍ بين الطعام والوقود الأحفوري، أو بين الطعام وحياة المدينة.

في عصر «ذروة الطلب على المياه» الذي تَصطدم فيه الاحتياجات البشرية وجهًا لوجه مع الإمدادات المحدودة، فقد تتسبَّب ندرة المياه في اندلاع حرب. في حين أن غالبية النزاعات الدولية على المياه ما زالت تُحَلُّ بشكلٍ ودِّي، يكشف الجدول الزمني الذي يتعهَّد به بيتر جليك من «معهد المُحيط الهادئ» عن تصاعُد وتيرة النزاعات على المياه التي حدثت عبر التاريخ، وخاصة في أوائل القرن الحادي والعشرين (جليك، ٢٠١٥).

لقد وصفت مشكلة المياه هنا أولًا؛ لأنها في أغلب الظن ستكون أول حالة نُدرة في موردٍ من الموارد الكبرى يضرب حضارتنا بحلول الجيل القادم، وبوتيرةٍ أسرع حتى من التأثير الكامل للاحتباس الحراري. وفقًا لأحد تقارير الأمم المتحدة، قد يتجاوَز الطلَب العالمي على المياه بحلول الثلاثينيَّات من القرن الحادي والعشرين إمداد المياه بما يصل إلى ٤٠٪ (شوستر-والاس وساندفورد، ٢٠١٥أ). المياه أيضًا هي مثالٌ جَلي على انعدام الحكمة لدى البشر، وعلى جشعِنا وإسرافنا وفوضويَّتنا وفشِلنا في توقُّع المستقبل واتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة. إذ يُوجَد ما يكفي ويفيض من المياه العذبة على هذا الكوكب لتلبية احتياجاتنا واحتياجات جميع أشكال الحياة، ولكننا نُديرها إدارةً سيئة بشكل عام؛ إذ إننا نجهل حجم هذا المورد والمُعدَّلات التي يتجدَّد بها أو يُعاد تدويره، فنهدره باستخدام تقنيات قديمة مُهْدِرَة، ولا نُقدره حق قدره، ونُلقي كل مُخلفاتنا فيه، بداية من البراز إلى نفاياتنا الصناعية والعسكرية، والمواد البلاستيكية والأسمدة والعقاقير والسموم المنزلية، مما يَضمَن عدَم صلاحيته للاستخدام، أو على الأقل تُصبح تكلفة تطهيره لمطابقة معايير الشرب أو زراعة الأغذية مرتفعة للغاية.

تُوجَد العديد من الحلول العمَلية لمُجابهة تهديد ندرة المياه العالمية، ولكن ما زال المجتمع البشري وحكوماته متردِّدين في تنفيذها. من بين أفضل هذه الحلول: إعادة تدوير المياه في المناطق الحضرية بالكامل، ونقل عمليات إنتاج الغذاء من النظم عالية الاستخدام للمياه إلى النظم المُنخفضة الاستخدام له، والتحديد الدقيق لكمية موارد المياه كشرطٍ أساسي للإدارة الفعَّالة، وإدارة موارد المياه بأكملها داخل منطقة بعينها واعتبارها وحدة واحدة، بما في ذلك الموارد السطحية والجوفية، واستعادة «دورة المياه الصغرى» للأمطار المحلية من خلال إعادة تشجير المساحات الطبيعية (كراوتشيك وآخرون، ٢٠٠٨)، وتخزين المزيد من المياه تحت سطح الأرض في طبقات المياه الجوفية بدلًا من السدود السطحية، ووضع سِعر كافٍ على الماء لإرسال إشارة واضحة إلى مُختلف المُستخدِمين بوقف هدْر الماء والحفاظ عليه. (هذا أمر مُعقَّد، لكنه قد يتضمَّن وضع تبايُنات سعرية للاستخدامات المختلفة للماء، بناءً على الأولويات المُجتمعية.)1

ليست مجرد تراب

قال جون كروفورد، البروفيسور بجامعة سيدني، لمجلة «تايم» في إحدى المقابلات: «إن التقديرات التقريبية للمعدَّلات الحالية لتدهور التربة تُشير إلى أننا لا يتبقَّى لدينا سوى نحو ٦٠ عامًا فقط من التربة السطحية. صُنِّفَ نحو ٤٠٪ من التربة المُستخدَمة في الزراعة حول العالم على أنها إما مُتدهوِرة أو متدهورة للغاية. ويعني هذا التصنيف الأخير أن ٧٠٪ من التربة السطحية، وهي الطبقة التي تَسمح للنباتات بالنمو، قد فُقِدت؛ نظرًا لأساليب الزراعة المختلفة التي تُجرِّد التربة من الكربون، وتجعلها أقلَّ قوةً وأضعف في المُغذيات؛ إذ يَتراوح معدَّل فقدان التربة بين عشرة أضعافٍ وأربعين ضعف معدَّل تجدُّدها الطبيعي» (كروفورد، ٢٠١٢). وفي تقرير مُنفصل، وجد البروفيسور دنكن كاميرون من مركز جرانثَم للمُستقبل المستدام بجامعة شيفيلد أن ما يقرُب من ٣٣٪ من الأراضي الصالحة للزراعة في العالَم قد فُقدت بسبب التآكُل أو التلوُّث بين عامَي ١٩٧٥ و٢٠١٥ (كاميرون وآخرون، ٢٠١٥).

يُعدُّ تدهور التربة من بين أكبر آثار البشرية على الكوكب، وهو عادة ما يكون الأقل فهمًا أو أقل مصدر قلق لسكان المدينة، على الرغم من التهديد الحقيقي الذي يُمثله على مستقبلهم. قَدَّرَ عالِما التربة الأمريكيَّان بروس ويلكينسون وبراندون ماكيلروي أنَّنا نُزيح نحو ٧٥ مليار طنٍّ من التربة السطحية في جميع أنحاء العالَم كلَّ عام، بناءً على مُستويات التآكُل المُعاصرة المَقيسة في حقول المُزارعين (ويلكينسون وماكيلروي، ٢٠٠٧). هذا أكبر بحوالي أربع مرات من التآكل الطبيعي الذي يحدُث على مستوى كوكب الأرض دون تدخلٍ بشري. ويَنتهي المطاف بمعظم هذه التربة المفقودة في قاع المحيط، وتحملها الرياح أو الأنهار، ومن ثمَّ لا يُمكن استخدامها مرةً أخرى لزراعة الطعام أو الغابات. في حين أنَّ نصيب الأسد من التآكُل يرجع إلى تطهير الأراضي أو زراعة المحاصيل أو الرعي الجائر، إلا أن جزءًا كبيرًا يرجع إلى التنمية الحضرية، والصرف، والطرُق، والأعمال الهندسية سيئة التصميم. بما أنَّ التربة عادة ما تَستغرق ما بين آلاف إلى ملايين السنين لتتشكَّل من خلال التفكُّك الطبيعي للصخور بفعل العوامل الجوية والبيولوجية، فمِثل هذا الفقدان الهائل للتربة السطحية في العالَم يُمثل استنزافًا لا يتوقَّف لأحد الموارد الرئيسية التي تُبقينا على قيد الحياة.

لقد ساهم تدمير التربة السطحية في انهيار الحضارات في الماضي، ومن أبرزها حضارات المايا والإغريق والرومان. كتب ديفيد مونتجمري، مؤلِّف كتاب «التراب»: «استغلَّت العديد من الحضارات القديمة تُربتها بشكلٍ غير مُباشر لتدعم ازدهارها …» (مونتجمري، ٢٠٠٧). «ولكن هذه المشكلات ليست مجرد تاريخ قديم؛ إذ ما زال سوء استغلال التربة يُشكل تهديدًا للمجتمع الحديث، وهو ما يتَّضح من محنة اللاجئين البيئيين الذين نزحوا من السهول الجنوبية الأمريكية، أو ما يعرف باسم «قصعة الغبار»، في ثلاثينيَّات القرن الماضي، ومن الساحل الأفريقي في سبعينيَّات القرن الماضي ومن حوض الأمازون اليوم.» قَدَّرَ الباحثون الجنوب أفريقيون أن فقدان التربة قد أدَّى بالفعل إلى انخفاض إنتاج الغذاء في أفريقيا بنسبة ٨٪، ويتوقَّعون حدوث الأسوأ مستقبلًا (سكولز وسكولز، ٢٠١٣). يزداد ربط العلماء وهيئات الإغاثة بين بداية الحرب الأهلية السورية وأزمة اللاجئين، بجفاف شديد بدأ في عام ٢٠٠٦ ولفظ آلاف المزارعين من أراضيهم (اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحُّر في البلدان التي تُعاني من الجفاف الشديد و/أو من التصحر ٢٠١٤). قالت مونيك باربو، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر: «عندما يصل تدهور الأراضي إلى مستوًى يُهدد سبل عيش الإنسان بصورة خطيرة، يُمكن أن يتحول إلى مشكلة أمنية. ويرجع السبب في هذا إلى أن الأراضي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا باحتياجات الإنسان الأساسية، مثل الوصول إلى الغذاء والماء. فإذا كان تدهور الأراضي يتورَّط في تلبية هذه الاحتياجات، فقد يُؤدي إلى صراعاتٍ على الموارد الأرضية والمائية النادرة، أو يُطلق شرارة أعمال شغبٍ غذائية أو يُحوِّل المُزارِعين أصحاب المزارع الصغيرة إلى لاجئين. ومن اللافت للنظر أن العديد من النزاعات العنيفة اليوم تحدُث في البلدان ذات النظم البيئية الهشة والجافة» (باربو، ٢٠١٤).

تُحذِّر منظمة الأغذية والزراعة من وجود العديد من آثار تدهور التربة: «أولًا: يحدُث فقْدٌ لمليارات الأطنان من التربة فعليًّا كل عام بفعل التآكل المُتسارع الناتج عن حركة المياه والرياح، والتغيُّرات غير المرغوب فيها في بنية التربة. ثانيًا: تتدهوَر أنواع كثيرة من التربة بسبب زيادة المحتوى المِلحي، أو التشبُّع بالمياه، أو التلوُّث من خلال الاستعمال العشوائي للنفايات الكيميائية والصناعية.

ثالثًا: تفقد أنواع كثيرة من التربة المعادن والمواد العضوية التي تجعلها خصبة، وفي معظم الحالات، لا تُستبدل هذه المواد بالسرعة نفسها التي تُستنفَد بها. أخيرًا، تُفقَد ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية الجيدة سنويًّا لأغراضٍ غير زراعية؛ إذ تُغْمَر لبناء الخزانات المائية أو تُرصَف لتشييد الطرُق السريعة والمطارات ومواقف السيارات. سينتُج عن كل سوء الإدارة هذا، أرض زراعية أقل إنتاجية، في وقتٍ ينمو فيه سكان العالم، ويزداد سقف التوقُّعات بين الناس في كل مكانٍ لحياة أفضل» (منظمة الأغذية والزراعة الفاو، ٢٠١٥أ).

يقول كروفورد لمجلة «تايم»: «يعتبر تآكُل التربة في الصين وأفريقيا والهند وأجزاء من أمريكا الجنوبية هو الأكثر خطورة. إذا انخفضَت إمدادات الغذاء، فسيرتفع السعر بالتأكيد. وستصِل الأزمة إلى ذُروتها في البلدان الأشدَّ فقرًا، لا سيما البلدان التي تعتمد على الواردات … إنَّ قدرة الكوكب على إنتاج الغذاء تسبَّبت بالفعل في نشوب صراعات.» أما البلدان الغنية، فهي ليست مُحصَّنة؛ إذ سيتعيَّن عليها التعامُل مع فيضاناتٍ بشرية من اللاجئين الفارِّين، كما في الأزمة السورية، التي يعزو الكثيرون الآن مُحركاتها الرئيسية إلى خليطٍ من التصحُّر وتغير المناخ، وتقلُّب أسعار المواد الغذائية بشكلٍ مُتزايد، مما يؤدي إلى انتشار الأمراض بين سكانها أنفسهم، والصراعات الناشئة عن «حروب الغذاء» والدول المنهارة.

لا تعتبر مشكلة تدهور التربة مشكلة مُنعزلة؛ فهي تتسبَّب على وجه الخصوص في تدهور المياه العذبة، حيث تُعكِّر الأنهار والبُحيرات وتَسُدُّ السدود بالرواسب، وتُسَمِّمها عبر الجريان الكيميائي والمُحمَّل بالمُغذيات. كما تتسبَّب في عواصف ترابية، وتضرُّ بصحة الإنسان، وعندما تدخُل المُحيطات تكون مسئولةً بشكل رئيسي عن «المناطق الميتة» المُقفرة التي تنتشر الآن على طول السواحل المُكتظَّة بالسكان في جميع أنحاء الكوكب، وعن فقدان الشعاب المُرجانية. على الرغم من أنه نادرًا ما يعترِف المُستهلكون أو المزارعون بهذه الصلات، فإنَّ تآكُل التربة يُساهم بهذه الطريقة في فقدان المصائد البحرية.

كما تُوجد صِلات أقل وضوحًا، فوفقًا لكرووفورد، تزرع المحاصيل المختلفة اليوم خصيصًا لمواجهة الاستنفاد الذي تُعاني منه التربة الحديثة التي تُزرَع فيها. وهذه المحاصيل أقل بكثيرٍ في نسبة المُغذيات الدقيقة، وأعلى في نسبة الكربوهيدرات، وهو ما يُعتبَر عاملًا رئيسيًّا في انتشار السِّمنة عالميًا، وكذا الأمراض الأُخرى المرتبطة بالنظام الغذائي التي تودي الآن بحياة ثُلثَي البشر (منظمة الصحة العالمية ٢٠١٢). فمن المُفارقات إذن، أن فقدان التربة هو أحد عوامل زيادة الوزن بين البشر.

باختصار، يُؤدِّي تدهور التربة في العالَم إلى تقويض الآفاق طويلة المدى لصحَّة الإنسان وحضارته اللتين تَضمنان بقاءه في جميع أنحاء الكوكب. لا تلُوح في الأفق حتى الآن نهاية لهذه المشكلة، ومع ذلك، فهي مُشكلة يُمكن حلُّها بسهولة، كما سنرى لاحقًا (الفصل السابع).

انهيار الغابات

من بين أهم قضايا الموارد التي تُواجه العالم، حظيت قضية الغابات بأكبر قدرٍ من الدعاية، ويرجع ذلك أساسًا إلى جهود حركة الحفاظ على البيئة وإلى جاذبيتِها البصرية لوسائل الإعلام.

تُغطي الغابات الآن نحو ٣١٪ من مساحة سطح الأرض، أي أقل بقليلٍ من أربعة مليارات هكتار، أي أقل بمقدار الثلث تقريبًا مما كانت عليه في أزمنةِ ما قبل الصناعة التي غطَّت ٥٫٩ مليار هكتار. أفادت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) أن إزالة الغابات بلغت ذروتها خلال التسعينيَّات، عندما كان العالَم يفقد كل عام ١٦ مليون هكتار من الغابات في المتوسط. بعدئذ، كانت هناك خسارة قدرها ١٢٩ مليون هكتار بين عامَي ١٩٩٠ و٢٠١٥، وفقًا لتقييم موارد الغابات العالَمية الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (٢٠١٥)، والذي وجد أن «الجزء الأكبر من غابات العالَم عبارة عن غاباتٍ طبيعية، أي ما يُعادل ٩٣٪ من مساحة الغابات العالمية أو ٣٫٧ مليار هكتار في عام ٢٠١٥. في الفترة من عام ٢٠١٠ إلى ٢٠١٥، انخفضت الغابات الطبيعية بنسبة ٦٫٦ مليون هكتار سنويًّا (٨٫٨ مليون هكتار نقصان و٢٫٢ مليون هكتار زيادة في الغابات الطبيعية). وهو ما يُعتبر انخفاضًا في الصافي السنوي لفقدان الغابات الطبيعية من ٨٫٥ مليون هكتار في السنة (١٩٩٠–٢٠٠٠) إلى ٦٫٦ مليون هكتار في السنة (٢٠١٠–٢٠١٥)» (منظمة الأغذية والزراعة الفاو، ٢٠١٥ب).

على الرغم من هذا الوضع الذي يبدو مُشجعًا، يُحذِّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة قائلًا: «مع الأسف، هناك عدد قليل جدًّا من الدول التي لدَيها أي تقديرات للمعدلات الفعلية لإزالة الغابات» (برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ٢٠٠٧). وهي طريقة دبلوماسية للقول إنَّ لدى الكثير منها سبب وجيه لعدَم الكشف عن سجلَّاتها. كما أنه يَكمُن وراء البيانات الأولية لمناطق فقدان الغابات صورة أكثر تعقيدًا وإرباكًا للتغيُّرات في كثافة الغابات ونوعها ومزيج الأنواع فيها. لا تتدهور الغابات فقط بسبب النشاط البشري المباشر مثل قطع الأشجار وبناء الطرق وتمهيد الأراضي لأغراض الزراعة، ولكن أيضًا بسبب العوامل التي يُحرِّكها البشر مثل غزو الآفات وتغير المناخ وحرائق الغابات وفقدان الأنواع وغزو الأعشاب الضارَّة وتغيُّرات منسوبات المياه وخاصَّةً تجزُّؤ الغابات الذي يُعرِّض صحة الغابات على المدى الطويل للخطر. والجدير بالذِّكر أيضًا أنَّ الكثير من عمليات «استبدال» الغابات القديمة التي تدعم الأرقام، تتكوَّن غالبًا من زراعات المحصول الواحد لنخيل الزيت أو غيره من الأشجار التجارية. عادةً ما تُجلَب هذه الأشجار من أماكن أُخرى، وتفشل في تعويض فقدان ثراء الأنواع الذي يحدُث عندما تُزال الغابة الأصلية.

في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، تُعاني كل فئة رئيسية من أنواع الغابات على كوكب الأرض من التدهور (صحة الغابات، ٢٠١٥). في حين أن المُعدَّل الحالي لفقدان موارد الغابات في العالَم لا يُهدِّد وحدَه الحضارة بشكل مباشر، على العكس من ندرة المياه والتربة، إلا أنه يَنطوي على عدد من الآثار الضارة التي ستُحدِث تأثيرًا عالميًّا واسعًا، وتَشمل هذه:
  • فقدان خدمات النظام البيئي مثل الماء النظيف والهواء والأكسجين الذي يصلُح للتنفُّس.

  • التشريد وفقدان الثقافات والمُجتمَعات البشرية التي تعتمِد على الغابات.

  • فقدان استقرار التربة وإعادة تدوير المواد الغذائية، وهو ما يُؤدي إلى تلوُّث وتدهور الأنهار والبُحيرات.

  • فقدان الأخشاب وحطب الوقود والحيوانات والغذاء والمُنتَجات الطبية مع ما يترتَّب على ذلك من آثارٍ اقتصادية على المُستهلِكين.

  • تَسارُع وتيرة الاحتباس الحراري الناجم عن إطلاق الكربون الذي عادة ما يكون مُخزَّنًا في الغابات.

  • التغيُّر في أنماط هطول الأمطار المحلية بسبب إحلال مناطق حارَّة وعارية تنتُج فيها رطوبةٌ أقل محلَّ الغابات (دورة المياه الصغرى).

  • تسارُع وتيرة فقدان الأنواع، خاصة في المناطق المدارية وشِبه المدارية.

  • زيادة الفقر.

يَرجع تدمير غابات العالَم في المقام الأول إلى الجشع والإدارة السيئة والفساد من جانب العديد من الحكومات وشركات الأخشاب؛ ومن ثمَّ ليس من السهل علاجه. حتى البلدان التي تُشجع زراعة الأشجار؛ فهي نادرًا ما تُعَوِّض الثراء الأصلي للغابة التي فقدت. ومع ذلك، فبرامج مثل برنامج خفض الانبعاثات الناتِجة عن إزالة الغابات وتدهورها التابع للأمم المتحدة، الذي يُموِّل المزارعين والسكان المَحليِّين لإعادة زراعة الغابات كمَصارف للكربون لمواجهة الاحتباس الحراري (آلية خفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها، ٢٠٠٨)، تفتح نافذة أملٍ جديدة من خلال خلق حافزٍ اقتصادي للتجدُّد، وقد تُخفِّف هذه التدابير من الدافع الاقتصادي الكاسح الذي دمَّر غابات العالَم في نصف القرن الماضي، وذلك على الرغم من أنَّ هذه التدابير، نادرًا ما تدعمها الدُّوَل الغنية حتى الآن.

سرطان التصحُّر

يُوضِّح وديد عريان أحد خبراء التربة في جامعة الدول العربية أن «التصحُّر كالسرطان، ينتشِر ولا يُمكن ملاحظته على الفور.» ويَضرب عريان المثَل بسوريا، حيث تسبَّب الجفاف في نزوح مئات الآلاف من الناس، وإفلاس المُزارعين، وتضخُّم المدن وتأجيج السخط الذي أدى إلى الحرب الأهلية، وكذلك دارفور في غرب السودان، التي دمَّرتها الحرب بالمثل بسبب نقص المياه والتربة الخصبة (رسائل ديسكفري الإخبارية، ٢٠١٣).

تتكوَّن حوالي نصف مساحة الأرض في العالَم من «أراضٍ جافة»، حيث يكون هطول الأمطار منخفضًا، وتكون التربة ضعيفة ومُعدَّلات التبخُّر مرتفعة. يحدُث التصحُّر عندما يتمُّ الإفراط في تطهير هذه الأراضي القاحِلة أو الإفراط في حصدها أو رعيِها، مما يؤدي إلى تجريد الغطاء النباتي الذي يُثبِّت تربتَها ويُعيد تدوير رطوبتها المحلية، وعندما يؤدي ذلك جنبًا إلى جنبٍ مع تغيُّر المناخ إلى تغير أنماط هطول الأمطار.

تُحذِّر الأمم المتحدة من أن «ظاهرة التصحُّر تصنف بين أكبر التحديات البيئية في عصرنا.» مضيفةً بأسف: «ومع ذلك، لا يعرفها معظم الناس أو لا يفهمونها.»

في الواقع، يَقترن التصحر بفقدان التربة وإزالة الغابات. وهو يؤثر بشكلٍ مباشر على حوالي ١٫٥ مليار شخص في ١٦٨ دولة، ويُؤدِّي إلى هجر حوالي ١٢ مليون هكتار من الأراضي المُنتِجَة التي كان من المُمكن أن تمدَّ حوالي ٦٠ مليون شخص بالغذاء (الأمم المتحدة، ٢٠١٥). ويَعتبَر تأثيره حادًّا للغاية في أفريقيا والصين وشِبه القارة الهندية وآسيا الوسطى والشرق الأوسط. إنه، كما تقول الأمم المتحدة، «… قضية عالَمية لها تداعياتٌ خطيرة في جميع أنحاء العالَم على التنوُّع البيولوجي، والسلامة البيئية، والقَضاء على الفقر، والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والتنمية المستدامة.» يقدِّر العلماء أن الأراضي الخصبة تتحوَّل في الوقت الحاضر إلى صحراء بمعدَّلات أكبر بمقدار ثلاثين إلى خمسةٍ وثلاثين ضعف ما كانت عليه في الماضي (الأمم المتحدة، ٢٠١٥).

صنَّفت قمَّة الأرض الرسمية التي أُقيمت في ريو دي جانيرو عام ١٩٩٢ التصحُّر، إلى جانب تغير المناخ والانقراض، باعتبارهما أحد التهديدات الرئيسية للتنمية المُستدامة للمجتمع البشري. تقنيًّا، يُمكن إصلاح الخسارة في الأراضي الجافة في العالَم من خلال زراعة الأشجار والغطاء النباتي للمساحات الطبيعية، واستقرار التربة، وتحسين إدارة المياه، واستخدام أساليب الزراعة التي تُحافظ على البيئة، و«الرعي الدقيق». في الممارسة العمَلية، بينما يُساهم العالَم الثري في التصحُّر بسبب مَطالبه الاقتصادية، إلا أنه لا يريد أن يدفع ثمن إصلاح ذلك. ونتيجة لذلك، لا يُفعَل سوى القليل جدًّا وبعد فوات الأوان، لتجنُّب وقوع كارثة في العديد من المناطق، وهو الأمر الذي سيُؤدي في النهاية إلى أن تطال آثار هذه الكارثة الجميع.

تدمير المُحيطات

حتَّى في أواخر القرن العشرين، اعتقد الكثير من الناس أنه من غير المعقول أن تتجاوَز المطالب البشرية وفرة مُحيطات العالَم الشاسعة، أو أن تُسبِّب لها ضررًا من شأنه أن يُتلف صِحتها ويستنزِف حياتها. ولكن هذا لم يَعُد صحيحًا.

فقد صرحت منظَّمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة أن «٦١٪ من الأرصدة السمكية البحرية ذات الأهمية التجارية المقدَّرة في جميع أنحاء العالم اليوم يتمُّ صيدُها بالكامل، و٢٩٪ منها يتمُّ الإفراط في صيدِها. وحوالَي ٩٠٪ من مخزون الأسماك المفترِسة الكبيرة قد استُنفِد بالفعل. إن مُحيطاتنا وبِحارنا معرَّضة لخطر تلَف لا يُمكن إصلاحه للموائل والوظائف البيئية والتنوُّع البيولوجي بسبب الإفراط في صيد الأسماك، وتغيُّر المناخ، وتحمُّض المُحيطات، والتلوث، والتنمية غير المستدامة للمناطق الساحلية، والتأثيرات غير المرغوبة الناتجة عن استخراج الموارد غير الحيَّة من المُحيطات» (منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، ٢٠١٥ﺟ). ويُبين شكل ٣-١ أعلى وأقل كميات صيد الأسماك في العالَم منذ منتصَف التسعينيات.
fig4
شكل ٣-١: تجاوز العالَم «الذروة السمكية» في عام ١٩٩٤. (المصدر: منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) وتقرير حالة الموارد السمكية وتربية الأحياء المائية في العالم، ٢٠١٤.)

يَعتمِد حوالي ثلاثة مليارات شخص على المأكولات البحرية في جزءٍ كبير من نظامِهم الغذائي، وتُشير الفوضى التي وصفتها منظمة الفاو إلى شيءٍ واحد بمُنتهى الوضوح، وهو أن كمية الغذاء المُستخرَج من البحار عن طريق الصيد التقليدي لا يُمكن أن تتضاعَف بما يتناسَب مع التضاعُف المتوقَّع في الطلَب العالمي على الغذاء. بل إنها ستكون أقلَّ بكثير.

ويتَّضح الضرر في ثلاث قضايا: المناطق الميتة، وتدمير السواحل، وتحمُّضها.

لقد انتشرت المناطق الميتة، ومساحات شاسعة من المحيطات والخلجان ومصبَّات الأنهار التي تَفتقر إلى الأكسجين؛ ومن ثم تفتقر إلى الحياة، في جميع أنحاء الكوكب في السنوات الأخيرة، مدفوعةً بفيضان من صنع الإنسان من التربة والمواد المُغذية والمواد الكيميائية السامَّة من الأرض. يوجَد الآن حوالي ٤٧٠ منطقة ميتة تُغطي مساحة إجمالية قدرها ٢٤٥٠٠٠كم٢ (دياز وروزينبرج، ٢٠٠٨).

يضاف إلى ذلك تدهور وفقدان ثلث البيئات الساحلية في العالم، مثل غابات المانجروف، وطبقات الأعشاب البحرية، وأنظمة الكثبان الرملية، والخلجان، ومصبات الأنهار والمُستنقَعات المالحة، والشواطئ والشِّعاب المرجانية. كل هذه ليست فقط حاضنات للعديد من الأسماك والطيور والجمبري والسلاحف والحيوانات البحرية الأخرى، ولكنها تحتوي أيضًا على ما يقرُب من نصف غاز الكربون المُخزَّن في المحيطات، والذي يتم إطلاقه الآن في الغلاف الجوي حيث يتسبَّب في تسارُع ظاهرة الاحتباس الحراري (منظمة الحفظ الدولية، ٢٠١٥).

يقول معهد سميثسونيان: «أحيانًا يُطلَق على تحمُّض المحيطات «التوءم الشرير» لتغير المناخ لسببٍ وجيه. فما لا يقلُّ عن ربع ثاني أكسيد الكربون الناتج عن حرق الفحم والنفط والغاز لا يَبقى في الهواء، بل يذوب في المحيط. منذ بداية العصر الصناعي، امتصَّ المحيط حوالي ٥٢٥ مليار طن من ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي، وهو ما يساوي حاليًّا حوالَي ٢٢ مليون طن يوميًّا» (معهد سميثسونيان، ٢٠١٥). يُغيِّر ثاني أكسيد الكربون المُذاب هذا كيمياء البحر، ويُحوِّل المحيطات ببطءٍ ولكن بثباتٍ أكثر إلى محيطاتٍ حمضية وهو ما يُصاحبه آثار باهظة الكُلفة على مليارات الكائنات الحية، من المحار إلى الشعاب المرجانية والعوالق والطحالب الدياتومية التي تَعتمِد على الظروف القلوية للمياه لتشكيل هياكلها العَظمية من الكالسيوم والتي تُشكِّل أساس السلسلة الغذائية للمحيطات. يخشى العلماء أن تُؤدي مثل هذه العملية إلى نفس الانقِراضات البحرية العظيمة الأخرى التي حدثت في الماضي، وأنَّ البشر قد يكونون تسبَّبُوا، عن غير قصدٍ وجهل، في إطلاق شرارة حدثٍ مُماثل من المُحتمل أن يجرِّد المحيطات من الحياة، وهو ما سيتسبَّب لنا بدوره في خسائر فادحة.

صراع الطاقة

تُعتبَر الطاقة الرخيصة هي شريان الحياة للحضارة الحديثة. يحتاج العالَم ليظلَّ يَعمل إلى استخدام ٥٥٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ وحدة حرارية بريطانية (٥٥٠ كوادريليون وحدة حرارية بريطانية) من الطاقة الأوليَّة سنويًّا (إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، ٢٠١٥ب). لتوضيح ذلك، يستهلك المواطن الكندي العادي حوالي ٤٠٠ مليون وحدة حرارية بريطانية سنويًّا للحفاظ على نمط حياته، ويستهلك المواطن الألماني العادي ١٦٥ مليون وحدة، والأرجنتيني ٩٠ مليون وحدة، والصيني ٨٠ مليون وحدة، والمصري ٤٢ مليون وحدة. لسد هذا الاحتياج الشديد العالمي للطاقة في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، استُهلِكَ ٣٣ مليار برميل نفط، و١٢٠ مليار قدم مكعب من الغاز، و٨٫٥ مليارات طن من الفحم، و٢٠ تريليون كيلووات في الساعة من الكهرباء كل عام.

من هذا الإجمالي، وفَّر الوقود الأحفوري حوالي ٨٠٪ من إجمالي الطاقة الأوَّلية، بينما وفَّرت المصادر المُتجدِّدة حوالي ٢٠٪ في السنوات من ٢٠١٣ إلى ٢٠١٥ (مصادر الطاقة المتجدِّدة، ٢٠١٤). انظر شكل ٣-٢.
fig5
شكل ٣-٢: إجمالي استهلاك الطاقة في العالَم، حسب المصدر. (المصدر: شبكة REN21، تقرير الحالة العالمية للطاقة المُتجددة لعام ٢٠١٤.)

تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أنه بحلول عام ٢٠٤٠، سيرتفع الطلب العالمي على الطاقة إلى ٨٢٠ كوادريليون وحدة حرارية بريطانية، ويرجع ذلك أساسًا إلى النمو الاقتصادي في البلدان النامية وحديثة العهد بالتصنيع. وهو ما سيتضمَّن زيادةً بنسبة ٣٠٪ في انبعاثات الكربون العالمية.

على الرغم من الكثير من النقاش حول «ذروة النفط»، فإنَّ العالَم ليس في خطرٍ وشيك يتمثَّل في نفاد النفط في حدِّ ذاته، أو في نفاد الغاز والفحم، بل في استنزاف تلك الاحتياطيَّات الرخيصة وسهلة الاستغلال. ووفق تقديرات الوكالة الدولية للطاقة، تُقدَّر الاحتياطيَّات المؤكدة في عام ٢٠١٤ ﺑ ١٤٢ سنة من الفحم، ٦٤ سنة من الغاز الطبيعي و٥٤ سنة من النفط. ومع ذلك، فيما يتعلق بالنفط على وجه الخصوص، يحتاج العالَم إلى إيجاد إقليمٍ نفطي جديد بحجم المملكة العربية السعودية كل ٥ سنوات لمواكبة الطلَب على النفط، في الوقت الذي يَتجاوز فيه إنتاج السيارات في العالم الإنتاج العالَمي للنفط (المنظمة الدولية لصانعي السيارات، ٢٠١٣). لتلبية الطلب البشري على الطاقة سوف تُصبح البدائل ضرورية. وتُحذِّر وكالة الطاقة الدولية مما يلي:
  • يتعرَّض نظام الطاقة العالمي لخطَر عدَم تلبية التوقُّعات والآمال المُعلقة به.

  • تمنحنا التطورات في التكنولوجيا والكفاءة سببًا للتفاؤل، ولكن الجهود السياسية المُستمرة ضروريةً لتغيير مؤشرات الطاقة نحو الأفضل.

  • من المُقرِّر أن ينمو الطلَب العالَمي على الطاقة بنسبة ٣٧٪ بحلول عام ٢٠٤٠، ولكن مسار التنمية نِسبة إلى تنامي تعداد سكان واقتصاد العالَم المُتنامي أقلُّ كثافةً في استخدام الطاقة ممَّا كان عليه في السابق (الوكالة الدولية للطاقة، ٢٠١٤).

يشير إيان دنلوب، أحد كبار المُديرين التنفيذيِّين السابقين في صناعات النفط والغاز والفحم الدولية وأحد الدُّعاة الحاليِّين لاتخاذ إجراءاتٍ عاجِلة بشأن المناخ، إلى قصورٍ آخر خطير وغير مُعترَف به على نطاقٍ واسع يتعلَّق بتوليفة الطاقة العالَمية ككل: «للحُصول على الطاقة، لا بدَّ من بذْل الطاقة. فائض الطاقة هو ما يُحرِّك مُجتمعنا. ومع ذلك، فقد انخفَضَت نسبة الطاقة المُستهلَكة إلى الطاقة المُنتَجة (عائد الطاقة على استثمارات الطاقة)» (دنلوب، ٢٠١٤). يقول دنلوب إننا نحتاج إلى عائد طاقة على استثمارات الطاقة بنسبة حوالي عشرة إلى واحد للحفاظ على أيِّ حضارة صناعية. تصلُ عوائد النفط الجديدة إلى نسبة حوالَي خمسة وعشرين إلى واحد. تُنتج مصادر غير تقليدية مثل الزيت الصخري والرمال القطرانية وتحويل الفحم إلى سوائل، طاقة صافية أقل بكثيرٍ لكل وحدةٍ من الجهد، وفقط حوالي نصف الطاقة المطلوبة للحفاظ على الاقتصاد الحديث الذي تَعتمد عليه الحضارة. باختصار، لا تُعتبر هذه المصادر حلًّا لنُدرة الطاقة في العالَم، ولا هي في الواقع، الثمرة الحالية لمصادر الطاقة المُتجدِّدة، على الرغم من أن التطوُّر التكنولوجي قد يرفع من أدائها.

ومع ذلك، فبالنسبة إلى الوقود الأحفوري، لن تكون قضية الوفرة هي القضية الحاسمة في القرن الحادي والعشرين، بل ستكون كيفية تفاعُل المُجتمَع مع تغيُّر المناخ (الفصل الخامس) ومع التسمُّم البطيء لجيلٍ كامل من الأطفال (الفصل السادس).

بَصمتنا الضخمة

تصِف شبكة البصمة العالَمية التأثير المشترك للطلب المُتزايد على الموارد. تعمل هذه المجموعة الأكاديمية في جميع أنحاء العالم منذ عام ٢٠٠٣ لتوثيق آثار «تجاوُز القدرات البيئية العالمي»، وهو ما يَعني أنَّ البشر يأخُذُون من الأرض موادَّ وغذاءً وطاقةً أكثر ممَّا تستطيع توفيره أو تجديده على المدى الطويل (شبكة البصمة العالمية، ٢٠١٦). تشتهر شبكة البصمة العالمية بشعارها الصغير (شكل ٣-٣) الذي يُصوِّر تأثير الإفراط في استخدام البشرية لمخزونات كوكبنا.

يقول صندوق وايتلي للطبيعة: «تَستخدِم البشرية اليوم ما يُعادل ١٫٦ كوكب لتوفير الموارد التي نستخدِمها ولامتصاص نفاياتنا. وهو ما يعني أنَّ الأرض تحتاج الآن إلى سنةٍ وستة أشهر لإعادة تجديد ما نَستخدمه في السنة. تُشير سيناريوهات الأمم المتحدة المُخفَّفة إلى أنه في حالة استمرار مؤشِّرات السكان والاستهلاك الحالية، فبحلول ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين، سنحتاج إلى ما يُعادل كوكبي أرض لتوفير ما نحتاجه من موارد. ونحن بالطبع، ليس لدينا سوى كوكب واحد فقط.»

fig6
شكل ٣-٣: كم عدد الكواكب التي تحتاجها البشرية لتوفير احتياجاتها؟ (المصدر: شبكة البصمة العالمية، ٢٠١٦. www.footprintnetwork.org.)

ويُردِف مُحذرًا من أن تحويل الموارد إلى نفايات أسرع من تحويل النفايات إلى موارد يضعُنا في حالة «تجاوز للقدرات البيئية»، ويُرهِق الموارد التي يعتمد عليها جميع البشر والحياة على الأرض: «يُساهم تجاوز القدرات البيئية أيضًا في نشوب صراعاتٍ على الموارد وحروب وهجرات جماعية وحدوث مجاعاتٍ وأمراضٍ ومآسٍ إنسانية أخرى، كما أنه عادة ما يكون له تأثير أكبر على الفقراء.»

إن الأثرياء، سواء من البلدان أو المدن أو الأفراد، هم من يسحقون الكوكب بلا اكتراث، ويَستهلكُون في المتوسط خمسة أو ستة أضعاف كمية الموارد التي يحتاجها الشخص الفقير. كما أنهم أكثر من يُعرِّض مُستقبل الحضارة للخطر بسبب مَطالبهم الشرِهة، وليس البشر الأكثر عددًا الذين يقعون في الطرف الأدنى من السلسلة الاجتماعية والاقتصادية. وفقًا للمُقارنات الوطنية لصندوق وايتلي للطبيعة، فإن المواطن السعودي أو الإماراتي العادي، على سبيل المثال، يَستهلك موارد أكثر من المواطن الكيني أو الرواندي بنحو أحد عشر ضعفًا. بينما يَستهلك المواطنون الأمريكيون والدنماركيون والبلجيكيُّون ثمانية أضعاف، ويستهلك الأستراليون والكنديون سبعة أضعاف، والألمان والسويسريُّون والبريطانيون واليابانيون خمسة أضعاف؛ ومن ثمَّ فهؤلاء المواطنون هم الذين يقع على عاتقهم عبء المسئولية الأكبر لقيادة النظام العالَمي وتحويله من نظامٍ يتَّسم بفرْط الاستهلاك وفرط النفايات والتلوُّث، إلى نظام ترشيد وإعادة تدوير وإعادة استخدام الموارد.

الانهيار البيئي

تُؤدِّي ندرة الموارد والانقراض وتدهور الخدمات البيئية، مثل الهواء النَّقي والمياه والمساحات الطبيعية الصحية وما إلى ذلك، في نظر العديد من العلماء إلى احتمال انهيار الحضارة الحديثة، إن لم يكن انقراضها الفعلي. وقد كانت هذه هي الأطروحة الأساسية لكتاب جارد دايموند «الانهيار: كيف تحقق المجتمعات الإخفاق أو النجاح» (دايموند، ٢٠٠٥) الذي صدَر في عام ٢٠٠٥، والذي حدد فيه ثمانية عوامل مشتركة بين الحضارة الحديثة والحضارات التي أخفقت في الماضي:
  • (١)

    إزالة الغابات وتدمير الموائل.

  • (٢)

    مشكلات التربة (التعرية، الملوحة، وفقدان خصوبة التربة).

  • (٣)

    مشكلات إدارة المياه.

  • (٤)

    الإفراط في صيد الحيوانات.

  • (٥)

    الإفراط في صيد الأسماك.

  • (٦)

    تأثير الأنواع الدخيلة على الأنواع المحلية.

  • (٧)

    الزيادة السكانية.

  • (٨)

    زيادة نصيب الفرد من التأثير على البيئة.

ومع ذلك، حذَّر دايموند من أن هذا الوضع يزداد سوءًا في السياق الحديث بسبب التغيُّر المناخي وتراكم السموم اللذَين يُحدثهما الإنسان في البيئة، وكذا نقص الطاقة وتزايد هيمنة الاستخدام البشري على قُدرة التمثيل الضوئي للأرض (أي تدميرنا الأرعن للغابات والمراعي في العالَم) …

يجد الكثير من الناس صعوبةً في استيعاب فكرة أن البشر لديهم القدرة على تدمير بيئتنا إلى حدٍّ يجعلها غير قادرة على توفير احتياجاتنا. اقترح جون شرامسكي، الأستاذ بجامعة جورجيا، طريقةً لتصوُّر ذلك، حيث درس فريقه توازن الطاقة على الأرض الذي تُمثله الحياة النباتية. وخلصوا إلى أنه إذا واصلنا تدمير النباتات والأشجار بالمعدلات الحالية، فسيُعرِّض ذلك وجودنا للخطر. يقول شرامسكي: «يُمكنك أن تفكر في الأرض كبطارية كانت تشحن ببطء شديد على مدى مليارات السنين. تُخَزَّن طاقة الشمس في النباتات والوقود الأحفوري، ولكن البشر يستنزفون تلك الطاقة بشكلٍ أسرع بكثيرٍ مما يُمكن تجديده.» يعتقد الباحثون أنه منذ ألفي عام، كان لدى الأرض حوالي ١٠٠٠ جيجا طن (مليار طن) من الطاقة المُخزَّنة في شكل كربون نباتي. ومنذ ذلك الحين، قلَّل النشاط البشري هذا الاحتياطي الضخم إلى النصف. يُحذِّر شرامسكي قائلًا: «إذا لم نَعكس هذه المؤشِّرات، فسوف نصِل في النهاية إلى نقطةٍ تُفرَّغ فيها «بطارية الكتلة الحيوية» إلى مُستوى لن تعود الأرض فيه قادرةً على تأمين احتياجاتنا» (شرامسكي وآخرون، ٢٠١٥).

كتب عالم الأخلاق فيل توريس في مجلة «نشرة علماء الذرة» يقول إنَّ الانهيار البيئي موجود إلى جانب الأسلحة النووية والاحتباس الحراري باعتباره «خطرًا واضحًا وحاليًّا» على المستقبل الإنساني. يقول توريس: «يُمكن أن تكون تداعيات فقدان التنوُّع البيولوجي شديدةً مثل تلك المُتوقَّعة من تغيُّر المناخ، أو حتى الصراع النووي … يُعدُّ فقدان التنوع البيولوجي «عاملًا مُضاعفًا للتهديد»، سيعمل من خلال دفع المجتمَعات إلى شفا الانهيار على تفاقم النزاعات القائمة وإشعال صراعات جديدة تمامًا بين الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية. وفي الواقع، يُمكنه حتى أن يُشعل فتيل الإرهاب» (توريس، ٢٠١٦).

في تحليلِهم للمؤشِّرات العالمية المُعاصرة، يُعلق عالِما السكان بول وآن إيرليش قائلَين:

… اليوم ولأول مرة، تتعرَّض الحضارة العالمية للإنسانية (المجتمع العالَمي المُتزايد الترابط والمُتقدِّم تكنولوجيًّا الذي نُعتبَر جميعًا بدرجةٍ أو بأخرى جزءًا منه) للتهديد بالانهيار بسبب مجموعة من المشكلات البيئية. تجد البشرية نفسها مُتورِّطة فيما وصفَه الأمير تشارلز بأنه «عمل انتحاري واسع النطاق»، في مواجَهة ما وصفه كبير المُستشارين العلميِّين لحكومة المملكة المتحدة جون بيدنجتون ﺑ «العاصفة الكاملة» من المشكلات البيئية. (إيرليش وإيرليش، ٢٠١٣)

يشير العالمان بول وآن إيرليش إلى أن الانهيار سيكون حتميًّا في حالة حدوث حربٍ نووية صُغرى أو مجاعاتٍ كبرى، ولكنه يُمكن أن يحدُث بالقدْر نفسه من خلال التسمُّم العالَمي والفشل المجمع للنظم الإيكولوجية الرئيسية التي نعتمِد عليها في البقاء. كما يُشيران إلى أنَّ العلماء قد حذَّروا الإنسانية مرارًا وتكرارًا من كل هذه المشكلات، وقد تمَّ تجاهلُهم مرارًا وتكرارًا أيضًا. نتيجة لذلك، لا تزال العديد من الحكومات تطرح أسئلة مثل «كيف نُطعم عشرة مليارات شخص؟» بدلًا من «كيف يُمكننا تقليل حجم السكان بنسبة تستطيع معها الأرض أن تُوفِّر احتياجاتنا؟»

واختتما قائلَين: «لا يُوجَد الكثير من الأدلَّة على قيام المُجتمَعات بالتعبئة وتقديم التضحيات لمُجابهة الظروف التي تسُوء تدريجيًّا وتُمثل تهديدًا كارثيًّا حقيقيًّا للأجيال القادمة. ولكنَّنا نرى، أن هذا النوع من التعبئة هو بالضبط الذي نحتاجه بشدَّة لتجنُّب وقوع الانهيار.»

هل سنَشهد نهاية التعدين؟

ومع ذلك، هناك أمل في أن ينتهي استنفاد احتياطيات الأرض من الطاقة والمعادن. فالتعدين، إلى جانب الزراعة، هو أحد الركائز الأساسية للحَضارة. كان البشر يستخرجون المعادن من الأرض لعشرات الآلاف من السنين، بداية من حجَر الصوان لصناعة الأدوات، وأكسيد الرصاص للطلاء، والطين لصناعة الفخار، وصولًا إلى المعادن التي أفضت إلى عصور البرونز والحديد والكمبيوتر. في الوقت الحالي، نقوم باستخراج حوالي عشرة مليارات طن من الخامات المعدنية كل عام (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ٢٠٠٨) وننقل حوالي ١٠٠٠ مليار طن (أو أكثر) من الصخور والتربة والمياه ومُكوِّناتهم الكيميائية للقيام بذلك (برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ٢٠٠٢). لذلك قد يكون الأمر بمثابة صدمةٍ عندما ننظُر إلى أنَّ القرن الحادي والعشرين قد يَشهد نهاية التعدين.

لن يكون المُحتجُّون الخُضر ولا سياسيُّوهم هم من سيضعون نقطة النهاية لأحد أكثر فنوننا التقنية قِدمًا وأهميةً كما قد يتوهَّم بعض المُشتغلين بالتعدين، بل ستكون نساء العالَم.

لقد اتَّخذت النساء القرار بالفعل، دون العودة إلى الرجال، بالحدِّ من عدد سكَّان العالَم. في حين أن عدد السكان نفسه مُستمر في النمو ببطء من حيث القيمة المُطلَقة (نتيجة لطول أعمار الناس وكذا زيادة عدد المواليد)، فإن الخصوبة (أي عدد الأطفال المولودين لكل امرأة) تتناقَص في كلِّ قارةٍ وفعليًّا في كل الأمم والمُجتمعات تقريبًا. وهو نتيجة إجماع عالَمي غير مُعلَن يضمُّ المليارات من القرارات الفردية التي تتَّخِذها الإناث عندما يحصلن على تعليمٍ وتمكين ذاتي ودخلٍ ومهنة ومياه نظيفة ورعاية صحية ومزيد من التحرُّر من الفقر والعنف والقمع وبيوت أكثر أمانًا. وفقًا للأمم المتحدة، انخفَض عدد الأطفال لكل امرأةٍ من ٤٫٤ في السبعينيات إلى ٢٫٤ في الوقت الحاضر، وسرعان ما سيقترب من ٢ (أو نمو سكاني يبلغ صفر) في منتصَف القرن. سيَستكشِف الفصل العاشر الآثار الجذرية لهذا التطوُّر على بقاء الحضارة والأنواع البشرية. ومع ذلك في الوقت الحالي، نحن بحاجة إلى النظر فيما يعنيه ذلك بالنسبة إلى استخدام مواردنا.

إنَّ القرار العالَمي الذي اتَّخذته النساء لتقليل عدد أطفالهن، بل وحتى عدم إنجاب أطفال على الإطلاق، يعني أنه في وقتٍ ما من منتصَف إلى أواخر القرن الحادي والعشرين سيصل العالَم إلى «ذروة النمو السكَّاني»؛ ومن ثمَّ وببعض الحظ، سيبدأ تراجع بطيء وثابت في الأعداد إلى مستوى أكثر استدامة. هذا هو السيناريو الحكيم على الأقل، أما البديل فسنُناقشه في الفصل الرابع.

تعني «ذروة النمو السكاني» ببساطة، أن الطلب على المعادن والمواد الجديدة المُستخرَجة من الموارد الخام سيُصبح طلبًا محدودًا؛ وذلك لأن جميع المعادن التي تحتاجها البشرية تقريبًا موجودة بالفعل في مجاري نفاياتنا. بدلًا من الاضطرار إلى نقل ومُعالجة ما يصل إلى ٣٠٠ طنٍّ من الصخور والتربة والخامات المعدنية والخَبَث لاستخراج طنٍّ واحدًا أو أقل من المعدن النقي، يُمكننا غربلة مجاري النفايات للحصول على أيِّ شيءٍ نَحتاجه، كالحديد والنحاس والألمنيوم والزنك والقصدير والمَنجنيز أو أيٍّ من المعادن النادِرة الأربعين الموجودة في هواتفنا المحمولة، باستخدام مجموعةٍ من التقنيات الحديثة المُتطوِّرة، مثل تقنية الأفران الشمسية قيد التطوير حاليًّا. بل إنَّ صانعي المنتجات المُعقَّدة، مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر اللَّوحي، على الأرجح سوف يلجئون إلى تصميمها بشكلٍ يضمن سهولة إعادة تدوير مكوناتها المعدنية التي يُعتبر الكثير منها نادرًا ومُكلفًا، كما قد يشجعون المُستهلكين على الاستعاضة عن أجهزتهم القديمة بأخرى جديدة، وهو ما يعرف باسم التصنيع «من المهد إلى المهد». في عالمٍ يشهد انخفاضًا حادًّا في الطلَب على المواد الخام الجديدة، ستأتي التعليمات الفِعلية «لوقف التعدين» في الواقع من مسئولي الحسابات والمُساهِمين في الشركات، بعدما ستجتمع لديهم الأدلة الدامغة على أن إعادة تدوير المعادن الموجودة أكثر ربحيَّة من استخراجها من جديد؛ ومن ثمَّ ستقوم شركات التعدين الذكية بإعادة توصيف نفسها بسرعةٍ كشركات «إعادة معالجة الموارد».

ستُؤدِّي نهاية التعدين أيضًا إلى وضع حدٍّ لإحدى أكبر الأفعال البشرية التي تُسبِّب التلوث، والتي تُطلِق حوالَي تريليون طنٍّ من التربة والصخور والأحماض والمياه الملوثة والمعادن السامة سنويًّا في البيئة، وهو ما يُلحق ضررًا بالأنهار والبحيرات والحياة البرية والهواء والبيئة المعيشية وسلامة الغذاء وصحَّة الإنسان. إن المنطق وراء إعادة تدوير المعادن ليس اقتصاديًّا فحسب، بل إنها تؤدِّي إلى فوائد صحية كبيرة، وتزيد من فُرَص بقائنا وتضع نهايةً للتدمير العبَثي للعالَم الطبيعي.

إن «نهاية التعدين» ستُنهي حقبةً من التاريخ الإنساني والتكنولوجيا امتدَّت لأكثر من ستة آلاف عام، ليحلَّ «عصر إعادة الاستخدام» محلَّ «عصر الاستخراج». وهو ما يُوضِّح نوع التحوُّل في السلوك والفكر البشري الذي يجب أن يحدُث إذا أردْنا أن نتعلَّم العيش ضمن الحدود الواضحة لكوكبنا، وإذا أردنا أن نتجنَّب أنواع الكوارث التي يتوقَّعها الكثير من العلماء والباحثين الآن.

تفادي حدوث النُّدرة

الإفراط في استخدام الموارد يُهدِّد مُستقبَل الحضارة والإنسانية على عدَّة مُستويات، من خلال تعريض كلٍّ من الكوكب والبشر للتلوُّث والتسمُّم، ومن خلال تدهور النُّظم الطبيعية الحيوية، بما في ذلك المياه العذبة والتربة والغابات والكائنات الحية والغلاف الجوي والمُحيطات، ومن خلال عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي الذي تُولِّده النُّدرة، والصراعات التي تُشعلها.

غالبًا ما يُنظَر إلى التوفير — فن اقتصاد أو توفير الموارد الشحيحة — من المنظور الإسرافي الحديث كواحدةٍ من الفضائل العتيقة والمحبوبة لدى الأجيال السابقة، والتي تراجَعَت أهميَّتُها في القرن الحادي والعشرين. ولكن أهميتها لم تتراجع أبدًا، فقد كانت دائمًا وما زالت مهارةً أساسية لبقاء المجتمع والحضارة الإنسانية. لقد أدركتْ جَدَّاتنا أن التوفير ضروري للبقاء، ومن الأفضل لنا أن نحذوَ حذوهُنَّ ونستجيب لنصائحهن. فالمُجتمعات السابقة التي لم تدَّخِر طعامًا لأيام القحْط غالبًا ما بادَت، وبالمِثل، فإنَّ المجتمعات الحديثة التي تتجاهَل حدود مواردها تُقامر مقامرةً عمياء على مُستقبلها.

لحُسن الحظ، هناك بدائل عملية ومُربِحة يُمكن تطبيقها عوضًا عن الإفراط في استخدام الموارد. يُقدم الفريق الدولي المعني بالموارد والتابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، من بين آخرين، حجةً قوية ﻟ «فصل» الموارد عن النمو الاقتصادي أو ما يُعرَف في بعض الأحيان ﺑ «الاقتصاد المبني على الحدِّ من استخدام المواد» (الفريق الدولي المعني بالموارد، ٢٠١١). ويعني هذا بشكلٍ أساسي خلق اقتصاد يكون فيه النمو المُستمر مُمكنًا دون الاعتماد كليًّا على النمو في استهلاك الموارد المادية مثل الطاقة والمعادن والأخشاب والمياه وما إلى ذلك، وهو ما يعني توليد المزيد من الثروة، أو الناتج المحلي الإجمالي، مقابل استهلاكٍ أقلَّ للموارد. ويَعتمِد هذا على تحقيق كفاءةٍ تقنية أكبرَ في استخدام الموارد، وعلى إعادة تدوير الموارد المادية بما يُقارب ١٠٠٪ قدْر الإمكان، واستخدام أدمِغتِنا لإيجاد طرُقٍ أفضل للاستعاضة عن الموارد القديمة التي في طريقها لأن تُصبح نادرةً أو الموارد التي تُنتِج آثارًا جانبية غير مرغوبٍ فيها مثل التلوُّث وتغيُّر المناخ. ومن الأمثلة التقليدية على الفصل إحلال الطاقة المُتجدِّدة النظيفة —مثل طاقة الرياح والمدِّ والجزر والطاقة الشمسية والبيولوجية— محلَّ الطاقات الأحفورية مثل الفحم والنفط والغاز (على الرغم من أن هذه الطاقات التي يُزعَم أنها «نظيفة» تفرض طلبًا كبيرًا على المعادن والمواد النادرة). وثمَّة مثال آخر هو «الإيكولوجيا الصناعية»، حيث تستفيد إحدى الصناعات من «النفايات» الناتجة عن صناعة أخرى، مما يؤدِّي إلى التخلُّص من النفايات وتحويلها إلى أموال. والمثال الثالث هو «الإدارة الجيدة للمنتجات» حيث يقوم المُصنِّعون بجمع المواد التي يحتاجون إليها لصُنع منتجاتٍ جديدة من مجرى نفايات المنتجات القديمة، مما يخلُق دورة حياةٍ من المهد إلى المهد.

مثال مُهم على الفصل هو إنتاج الغذاء بدون تُربة باستخدام تقنيات مثل الزراعة المائية والزراعة المائية المركَّبة (أكوابونيك) والثقافات الحيوية لزراعة المحاصيل وتربية الثروة الحيوانية والأسماك والبروتينات بطرُق لا تحتاج إلى تربة وتحتاج إلى كميةٍ قليلة جدًّا من الماء والأسمدة الصناعية والمُبيدات الحشرية؛ لأنها تُعيد تدوير كلٍ من الماء والمُغذِّيات وتستخدِم وسائل إنتاجٍ شديدة النظافة. سيُتيح هذا للعالَم أن يزرع قدْر ما يحتاج إليه من الغذاء مع تقليل التأثير البشري بشكلٍ كبير على التربة والمساحات الطبيعية والمُحيطات والمياه العذبة والأنواع البرية. (المزيد عن هذه التفاصيل مذكور في الفصل السابع.) يخلُص الفريق الدولي المعني بالموارد إلى أنه «تُوجَد بالفعل تقنيات فعَّالة لدى كلٍّ من البلدان النامية والمُتقدِّمة للتقليل بشكلٍ كبير من الاستخدام الكثيف للموارد ولتحقيق الفصل المُطلَق لاستخدام الموارد قدْر الإمكان» (الفريق الدولي المعني بالموارد، ٢٠١٤).

في نفس الوقت الذي نُقلل فيه اعتمادنا على الموارد المادية، نحتاج إلى تنمية جانب الاقتصاد الذي يعتمد على العقل البشري؛ مثل الفن، والعلوم، والترفيه، والأدب، والبرمجيات، وتكنولوجيا المعلومات، والتصميم، والوسائط المُتعدِّدة، والإنترنت، ووسائل التواصُل الاجتماعي، ومِهَن الرعاية، والثقافة، والسياحة، والخدمات، والرياضة، وما إلى ذلك. سيكون هذا «الاقتصاد القائم على المعرفة» (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ١٩٩٦) أو «الاقتصاد الإبداعي» (كانينجهام، ٢٠١٣) في الغالِب هو مصدر الوظائف في المُستقبل. ولهذا النوع من الاقتصاد بصمةٌ مادية أقلُّ من «الاقتصاد القديم»، كما أنه يُحدِث تلوُّثًا أو خطرًا أقلَّ بكثيرٍ على تغيُّر المناخ، وقبل كلِّ شيء، لا يَحدُّ إمكانات نموِّه سوى حدود العقل البشري نفسه. فمن الناحية النظرية، إمكانيات هذا النوع من الاقتصاد لا حصر لها …

ما الذي يجب علينا فعله؟

  • (١)

    إعادة تدوير كل ما هو نادر، وخاصة المياه والمعادن والأخشاب والبلاستيك والمواد الغذائية والمُغذيات والمنسوجات ومواد البناء.

    كيفية التطبيق: «الحل هو تحسين اقتصاديات إعادة التدوير وجاذبيتها الاجتماعية من خلال المزج بين تعزيز طلب المُستهلكين على المنتجات المُعاد تدويرها والحوافز التي تُقدِّمها الحكومة. ويُمكن تحقيق ذلك من خلال التوعية العامة والتعليم، ومن خلال تسويق الصناعة لنجاحاتها، ومن خلال البحث والتطوير، ومن خلال النظام الضريبي. كما يجِب تشجيع واعتماد مناهج مثل «الإيكولوجيا الصناعية» والتصنيع «من المهد إلى المهد» على نطاق واسع (الفصل السادس).»
  • (٢)

    الفصل بين النمو الاقتصادي ومحدودية الموارد المادية من خلال التركيز على تحقيق النمو في «الاقتصاد القائم على المعرفة»، وفي المنتجات والمِهَن التي تنتج عن العقل البشري الذي لا يهدأ وخياله الذي لا ينضب.

    كيفية التطبيق: «لا بدَّ أن تُعزِّز الحكومة والصناعة هذا الحل باعتباره حلًّا يعود بالنفع على جميع الأطراف بالنسبة للاقتصاد في القرن الحادي والعشرين، والذي يُمكن أن يُحقِّق استمرارًا في نمو الاقتصاد والوظائف وفي الوقت نفسه يعمل على تقليل مطالبنا المادية على هذا الكوكب.»
  • (٣)

    تسعير الموارد الطبيعية بما يُناسب قيمتها الحقيقية، وإلغاء الدعم.

    كيفية التطبيق: «يجِب أن يضغط المواطنون على الحكومات للقضاء على التناقُض المُتأصِّل في سياساتها، مثل دعم الوقود الأحفوري (وهو ما يُشجع على إهدار استخدامه)، وفي الوقت نفسه محاولة الحدِّ من تغيُّر المناخ عن طريق الحدِّ من استخدامه.»
  • (٤)

    التخلُّص التدريجي من الإلقاء الدائم للنفايات والاستعاضة عن ذلك ﺑ «التنقيب» في مجاري النفايات.

    كيفية التطبيق: «تبادل الإشارات الاقتصادية ضروري. قد تكون هناك حاجة إلى زيادة الرسوم وتشديد القوانين وتغليظ العقوبات للحد من التخلُّص من النفايات وإلقائها والحد من التلوث. قد تكون هناك حاجة إلى حوافز نقدية واجتماعية لتشجيع إعادة التدوير وإعادة الاستخدام.»
  • (٥)

    الإحلال التدريجي للطاقة المُتجدِّدة غير الملوِّثة؛ مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمد والجزر والطاقة الحرارية الجوفية والوقود الطحلبي ودورة وقود الثوريوم النووي، محل الوقود الأحفوري.

    كيفية التطبيق: «السوق هو أفضل وسيلة لتحقيق هذا التحوُّل بسرعة من خلال: أنظمة مُقايضة انبعاثات الكربون، وتوعية المستهلك مما يؤدي إلى زيادة الطلَب على الطاقة النظيفة، وسحب الاستثمارات في شركات الوقود الأحفوري (لتحفيزهم على التحوُّل إلى استخدام مصادر الطاقة المُتجدِّدة)، وإلغاء الدعم، وتطبيق قيودٍ بيئية أكثر صرامةً على التعدين والاستخراج، وفرْض عقوباتٍ على التلوُّث … إلخ.»
  • (٦)

    الاستعاضة عن جزءٍ كبير من الزراعة بنُظم إنتاج غذائي حضري مُكثَّفة ومُستدامة، والاستعاضة عن الصَّيد بالاستزراع المائي وزراعة الطحالب.

    كيفية التطبيق: «انظر الفصل الثاني والسابع.»
  • (٧)

    تعزيز التعاون العالَمي حول إدارة واستعادة المياه العذبة والغابات والتربة والمساحات الطبيعية والمُحيطات.

    كيفية التطبيق: «تحقيق تعاون وطني ومحلي أكبر، وتبادُل المعرفة عبر الإنترنت، ووكالات الأُمم المتحدة، والاتفاقيات الدولية، وتبادُل المعلومات فيما بين المزارعين.»
  • (٨)

    تزويد النساء بالموارد وتمكينهنَّ للحدِّ من النموِّ السكاني البشري، وتربية الأطفال وتعليمهم بشكلٍ أفضل.

    كيفية التطبيق: «تعميم التعليم والرعاية الصحية وتمكين المرأة وتنظيم الأسرة. يُمكن توفير ذلك بشكلٍ تعاوُني على المستويات العالَمية والوطنية والمحلية، وأيضًا عبر الإنترنت ووسائل التواصُل الاجتماعي والشركات العابرة للحدود الوطنية التي تتمتَّع بالمسئولية.»
  • (٩)

    فرض رسوم على استخدام جميع الموارد، بما في ذلك الغذاء، وإعادة استثمار الأموال في إعادة زراعة وتجديد الغابات، والمُروج، والهوامش الصحراوية، والمراعي، ومصائد الأسماك، والنظم البيئية الساحلية.

    كيفية التطبيق: «يُمكن تحقيق ذلك على أفضل وجهٍ من خلال نظام الضرائب أو عن طريق وسيلةٍ تُشبه تداول الكربون التي تضع تكلفةً أعلى على أنظمة إنتاج أقلَّ كفاءة وغير مستدامة، وتُكافئ الأنظمة الأكثر كفاءةً والتي تقوم بإعادة التدوير والتجديد؛ ومن ثمَّ تُشجع عملية التحوُّل. من الضروري أن يتلقَّى المُزارعون مؤشِّرات الأسعار التي تُسهِّل التحوُّل إلى الزراعة المتجددة، وكذا تشجع المُنقِّبين عن المعادن على إعادة مُعالجة المعادن.»
  • (١٠)

    تأسيس تعليمٍ عالمي مجاني لضمان أن يفهم كل مواطن على كوكب الأرض الحاجة إلى الحفاظ على نُظُم وموارد الأرض الحيوية التي تدعمه والاعتناء بها.

    كيفية التطبيق: «من بين أهداف التنمية المستدامة، فبالفعل تُوجَد حاجة إلى وعيٍ عالمي بأن التعليم ليس مجرد أمر مرغوب فيه، بل إنه سيلعب دورًا حاسمًا أيضًا في المصير الإنساني. التعليم المجَّاني ليس رفاهية، ولكنه شرْط أساسي لبقائنا على قَيد الحياة في القرن الحادي والعشرين؛ فالبلدان ذات التعليم المُعمَّم المجَّاني تتقدَّم بسرعةٍ أكبر.»

ما الذي يُمكنك فعله؟

  • قلِّل بوعيٍ من استهلاكك المنزلي للموارد المادية ومن النفايات الشخصية ومن استخدام الطاقة.

  • تعرَّف على ما يدخل في تكوين الطعام والمُنتجات التي تشتريها ومدى استدامته.

  • اختر نظامًا غذائيًّا وأنشطةً وسلعًا استهلاكية تُحافظ على الموارد الطبيعية، بدلًا من تدميرها أو إهدارها، وتشفيك أنت وعائلتك بدلًا من أن تُسبِّب لكم الأمراض.

  • شارِك بشكلٍ فعَّال كمواطن عالَمي في الحركة العالَمية للمُستهلك ونمَط الحياة عبر الإنترنت لتبادُل المعرفة والأفكار والنصائح لمُستقبَل مُستدام.

  • استخدِمْ قوَّتك كمُستهلِك لإرسال إشارة للمُصنعين والمزارعين والصناعة والحكومة بأننا نُقدِّر السلع والخدمات المُستدامة وبأنَّنا سنُكافئ أولئك الذين يُقدمونها.

  • استخدِم قوَّتك كناخبٍ لدعم السياسيِّين الذين تُثبت أعمالهم (وليس فقط كلامهم) أنهم مُلتزمون بتطبيق الاقتصاد المعرفي المُستدام.

  • علِّم أطفالك أن يُقدِّرُوا الهواء النقيَّ والماء والتربة والغابات والحياة البرية والمُحيطات بقدْر ما يُقدِّرون الحياةَ والحُرية؛ إذ إنها هي ما يُشكِّل حياتهم.

  • عِشْ مثل أجدادك: قلِّل من مُمتلكاتك وأصلِحْها وحافظ على الأشياء لمدَّةٍ أطول، قم بإعادة التدوير، وأعِد اكتشاف فضيلة التوفير (والرضا به).

هوامش

(1) This is complicated, but it involves maybe setting price differentials for different water uses, depending on societal priorities.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤