الفصل الأول

المنظر الأول

(على أطمة ﺑ «يثرب» … الوقت ليل.)

يهودي (يصرخ بأعلى صوته) : يا معشر يهود!

(جماعة من «يهود» يُقبلون، ويجتمعون إليه.)

الجماعة : ويلك! … ما لك؟
اليهودي (يشير إلى السماء) : انظروا! … انظروا!
الجماعة (يتطلعون إلى السماء) : ماذا؟
اليهودي (يشير إلى السماء) : طلع الليلةَ نجمُ «أحمد»!

المنظر الثاني

(«عبد المطلب» بجوار الكعبة.)

امرأة (تجري نحوه تصيح) : أبشر يا «عبد المطلب»! … أبشر!
عبد المطلب : ماذا؟
المرأة : جاءت آمنة بولد، لا ككل الولْدان!
عبد المطلب : ولد؟
المرأة : لقد نظرَت — وهو يَخرجُ منها — أن قد خرج منها نور، رأت به قصورَ «بُصْرى» من أرض الشام!
عبد المطلب (في فرح) : إنها والله لَلرؤيا التي رأيتُ … هلمِّي بنا!
المرأة : أيُّ رؤيا؟
عبد المطلب : ألم أرَ في منامي كأن سلسلةً من فضة خرجَت من ظهري لها طرف في السماء وطرف في الأرض، وطرف في المشرق وطرف في المغرب؛ ثم كأنها شجرة، على كل ورقة منها نور؛ وإذا أهل المشرق والمغرب كأنهم يتعلقون بها ويحمدونها؟!
المرأة : فَلْتُسمِّ المولود «محمدًا»!
عبد المطلب (في فرح) : نعم! ولألتمس له المَراضع!
المرأة : هلمَّ فانظر إليه!

(يذهبان مسرعَين.)

المنظر الثالث

(في سوق «عكاظ» … «حليمة» مرضع «محمد» بين نسوة، وهي تحمله على صدرها، وعلى مقربة منها: أتانُها، وشاةٌ لها …)

إحدى النسوة : مَن هذا الصبي؟
حليمة : هو يتيمٌ لا أب له ولا مال!
المرأة : إنا لنرجو أن يكون مباركًا.
حليمة : إنه لكذلك، ولقد رأينا بركته.
المرأة : كيف ذلك؟
حليمة : كنتُ لا أُروِي ابني من لبَني، فهو وابني الآن يَرويان، ولو كان معهما ثالثٌ لرَوِي! … لقد أمرَتني أمه أن أسأل عنه!
المرأة : ها هنا في السوق عرَّاف من «هذيل» يُريه الناس صبيانهم.
حليمة : نعم! … لأعْرضنَّه على عرَّاف «هذيل» وأسأله عنه!
المرأة (تشير إلى مكانٍ في السوق) : هلمِّي بنا إليه … إنه جالس في مكانه.

(تنهض حليمة بمحمد، وتتجه إلى العراف.)

حليمة : أيها العراف! … انظر إلى هذا الصبي وأخبرني عنه!
العراف (ينظر وجه محمد) : ابن مَن هذا؟
حليمة : هو يتيمٌ لا أب له!
العراف (يصيح) : يا معشر «هذيل»! … يا معشر العرب!

(يجتمع إليه الناس من أهل الموسم.)

الناس : ما لك؟ … ما لك؟
العراف : اقتلوا هذا الصبي!
حليمة (تنسلُّ ﺑ «محمد») : وا ولداه!
الناس (يلتفتون، ولا يرَون شيئًا) : أيُّ صبي؟
العراف (يلتفت حوله باحثًا عن «حليمة») : هذا الصبي! اقتلوه! … اقتلوه!

(الناس لا يرَون شيئًا.)

المنظر الرابع

(صومعة «بحيرا» الراهب ﺑ «بصرى» من أرض الشام.)

بحيرا (ينظر من صومعته إلى رَكبٍ مقبلين) : هذا ركب تجار قريش … عجبًا! … ماذا أرى فيه؟ … قد تغير هذا العام؟! … كثيرًا ما يمرُّون بي فلا أرى ما أرى!

(ينهض إليه خادمه «نسطاس».)

نسطاس : ماذا ترى؟
بحيرا : انظر تلك الغمامة التي فوق القوم!
نسطاس (ينظر) : نعم! … إنها تُظل غلامًا بين القوم!
بحيرا : هذه الغمامة لا تُظل إلا نبيًّا!
نسطاس : نبيًّا؟ … أتُرى هو الذي حدثتَني عنه؟
بحيرا : أكبرُ ظنِّي … لقد آن أوانه!
نسطاس (ينظر) : هذا الغلام.
بحيرا : فلنتبين الأمر! … يا «نسطاس»! … اصنع طعامًا للقوم!
نسطاس (يسرع إلى ما أُمر به) : نعم!
بحيرا (ينادي) : يا معشر قريش! … إني قد صنعتُ لكم طعامًا، وأحب أن تحضروا كلكم؛ صغيركم وكبيركم، عبدكم وحركم!
أبو طالب (مِن بين القوم) : والله يا «بحيرا» إن لك لشأنًا اليوم! … ما كنتَ تصنع هذا بنا، وقد كنا نمر بك كثيرًا، فما شأنك اليوم؟
بحيرا : صدقتَ … قد كان ما تقول؛ ولكنكم ضيف، وقد أحببتُ أن أكرمكم، وأصنع لكم طعامًا فتأكلوا منه كلكم!

(يجتمعون إليه، ويتخلف الغلام محمد.)

أبو طالب (لبحيرا الذي ينظر في القوم باحثًا) : ما لك تنظر في القوم؟ … عمَّن تبحث يا «بحيرا»؟
بحيرا : يا معشر قريش! … لا يتخلفَن أحد منكم عن طعامي!
الجميع : يا «بحيرا» ما تخلَّف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك، إلا غلامًا، هو أحدث القوم سنًّا، فتخلف في رِحالهم.
بحيرا : لا تفعلوا … ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم!
رجلٌ من قريش : واللات والعزى إنه لَلؤمٌ بنا أن يتخلف ابن «عبد الله بن عبد المطلب» عن طعامٍ من بيننا!

(يقوم إليه فيحتضنه ويُجلسه مع القوم.)

بحيرا (يلحظ «محمدًا» لحظًا شديدًا) : ادنُ مني أحدثْك!

(ثم يقوم، وينتحي به ناحية، بعيدًا عن القوم.)

بحيرا (ﻟ «محمد» هامسًا) : يا غلام! … أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتَني عمَّا أسألك عنه!
محمد : لا تسألْني باللات والعزى شيئًا … فوالله ما أبغضتُ شيئًا قط بغضهما.١
بحيرا : فبالله إذَن، إلا ما أخبرتَني عمَّا أسألك عنه!
محمد : سَلْني عمَّا بدا لك.
بحيرا : أتحب العُزلة؟
محمد : نعم!
بحيرا : أتتأمل في السماء والنجوم؟
محمد : نعم!
بحيرا : أتلعب مع الغلمان كما يلعبون؟
محمد : كلا!
بحيرا : أترى في نومك رؤًى تصدُق في يقظتك؟
محمد : نعم!
بحيرا (يُقبل على «أبي طالب») : يا «أبا طالب»! … يا «أبا طالب»!
أبو طالب (في دهشة) : ما شأنك يا «بحيرا»؟
بحيرا (مشيرًا إلى محمد) : خبِّرني، ما هذا الغلام منك؟
أبو طالب : ابني!
بحيرا : ما هو بابنك؛ وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيًّا.
أبو طالب : إنه ابن أخي!
بحيرا : وما فعل أبوه؟
أبو طالب : مات وأمه حُبلى به!
بحيرا (في شبه همس) : صدقتَ … ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود؛ فوالله لئن رأَوه وعرفوا منه ما عرفتُ ليبغُنَّه شرًّا؛ فإنه كائنٌ لابن أخيك هذا شأنٌ عظيم، نجده في كتبنا وما رويناه عن آبائنا.
أبو طالب (متعجبًا) : شأنٌ عظيم لابن أخي هذا؟!
بحيرا : نعم … إن وجهه وجه نبي، وعينه عين نبي!
أبو طالب : نبي؟ … وما النبي؟
بحيرا : هو الذي يُوحَى إليه من السماء، فينبئ به أهل الأرض.

المنظر الخامس

(قبائل «قريش» مجتمعة عند الكعبة … أعرابي وراعٍ يرعى غنمه على مقربة منهم.)

الأعرابي (مشيرًا إلى المجتمعين) : مَن هؤلاء؟
الراعي : تلك قبائل قريش يختصمون.
الأعرابي : فيمَ يختصمون؟
الراعي : في بناء الكعبة … كل قبيلة تريد أن تضع حجَر الركن دون الأخرى.
الأعرابي : أرى واللات أنهم يتحاورون ويتحالفون ويُعدُّون للقتال.
الراعي : أجل … مررتُ بهم الساعة أسوق غنمي، فوجدتُ «بني عبد الدار» قد قرَّبَت جفنةً مملوءة دمًا، ثم تعاقدوا هم و«بنو عدي» على الموت … وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم!
الأعرابي (يسرع بالانصراف) : هلمَّ بنا قبل أن يستفحل الخطْب.

(أبو أمية بن المغيرة ينهض في «قريش».)

أبو أمية : يا معشر قريش! … احقنوا دماءكم، واجعلوا بينكم — فيما تختلفون فيه — أوَّلَ من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه.
قريش : رضينا!
أبو أمية (يلتفت) : أرى غلامًا داخلًا!
قريش (صائحين) : هذا الأمين! … هذا «محمد»!
أبو أمية : أترضَون حكمه؟
قريش : نعم!
أبو أمية (صائحًا) : يا «محمد»! … تعلم أنا كنا قد أجمعْنا رأينا على بنيان الكعبة! … وأن القبائل جمعَت الحجارة لبنائها، كل قبيلة تجمع على حدة، ثم شيَّدْناها حتى بلغ البنيان موضع الركن كما ترى، فاختصمْنا فيه؛ كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى، حتى كاد ينشب بيننا القتال … وقد رأينا الآن أن نحتكم إليك في أمره، فاحكم بيننا بما ترى!
محمد : هلمَّ إليَّ ثوبًا!
أبو أمية : ائتوه بثوب.

(يُحضرون ثوبًا فيتناوله «محمد»، ويفرشه على الأرض، ويأخذ حجر الركن، فيضعه فيه بيده.)

محمد : لتأخذْ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوه جميعًا!
أبو أمية (معجبًا فرحًا) : مرحى! … مرحى!

(يمر بهم شيخٌ غريب.)

الشيخ (صائحًا بهم) : يا معشر قريش! … أرضيتم أن يضع هذا الركنَ وهو شرفكم، غلامٌ يتيم دون ذوي أسنانكم؟!
أبو أمية (في غضب) : من هذا الرجل؟
قريش : هذا شيخٌ من «نجد»!
أبو أمية : بل إنه الشيطان … اغرب أيها الرجل … لا شأن لك بما نحن فيه … إن هذا الغلام اليتيم لخليق أن يجمع رأي العرب يومًا، وأن يوحِّد الناس.

المنظر السادس

(في دار «أبي طالب».)

أبو طالب (لمحمد) : يا ابن أخي! … أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا، وهذه عيرُ قومك، وقد حضر خروجها إلى الشام! … و«خديجة بنت خويلد» تبعث رجالًا من قومك في مالها، فلو جئتها فعرضتَ نفسك عليها لأسرعَت إليك.
محمد : ما أحببت!
أبو طالب (ينظر إلى الباب) : ها هو ذا غلامها ميسرة!
ميسرة (يدخل) : مولاتي قد أرسلَتني إلى «محمدٍ الأمين» تعرض عليه الخروج في تجارتها إلى الشام وتعطيه ضعف ما تعطي رجلًا من قومه.
أبو طالب (لميسرة) : وما حمَلها على ذلك؟!
ميسرة : قد سمعَت بأمانته وحُسن خُلقه!
أبو طالب (يلتفت إلى «محمدٍ» فرِحًا) : يا «محمد»! … هذا رزقٌ قد ساقه الله إليك!

المنظر السابع

(في دار «خديجة بنت خويلد»، وهي مع «نفيسة بنت منبه» و«ميسرة».)

ميسرة (لخديجة) : لقد ربحَت تجارتك يا مولاتي ضِعف ما كانت تربح!
نفيسة : إنه الأمين! … أوَلم يدعوه بالأمين!
ميسرة : بل إنه النبي!
خديجة : نبي؟!
ميسرة : نعم … لقد باع سلعته فوقع بينه وبين رجلٍ تَلاحٍ، فقال له: احلف باللات والعزى. فقال «محمد»: ما حلفتُ بهما قط! … وإني لأمرُّ فأعرض عنهما. فقال الرجل: القول قولك. ثم همس لي: هذا والله نبي يجده أحبارنا منعوتًا في كتبهم.
خديجة (كالمخاطبة لنفسها) : نبي؟! … نعم … تحس نفسي ذلك!
نفيسة (لخديجة) : ماذا بك؟!
خديجة (متفكرة) : يا «نفيسة»!
نفيسة : لبيك!
خديجة : انطلقي إلى «محمد» فاذكريني له!
نفيسة (في عجب) : أنتِ؟ … إنكِ أوسط «قريشٍ» نسبًا، وأعظمهم شرفًا، وأكثرهم مالًا … إن كل قومك حريص على زواجك لو قدر على ذلك … وقد طلبك أكابر «قريش» وبذلوا لك الأموال فلم تفعلي.
خديجة : انطلقي إلى «محمد» فاذكريني له!

المنظر الثامن

(عند «محمد».)

نفيسة (لمحمد) : يا «محمد»! … ما يمنعك أن تتزوج؟
محمد : ما بيَدي ما أتزوج به!
نفيسة : فإن كُفيتَ ذلك. ودُعيتَ إلى الجمال والمال والشرف … ألا تجيب؟
محمد : فمن هي؟
نفيسة : «خديجة»!
محمد (في دهش) : «خديجة بنت خويلد»؟!
نفيسة : نعم!
محمد (فرحًا) : وكيف لي بذلك؟
نفيسة (في ابتسامة) : عليَّ!
محمد (في فرحٍ وبلا تردُّد) : فأنا أفعل!
١  يُلاحَظ أن الكلام الذي على لسان النبي في هذا الكتاب هو كلامٌ تاريخي، وردَت نصوصه في كتبٍ معتمدة، هي على سبيل الحصر: سيرة ابن هشام وتفسيرها للسهيلي، وطبقات ابن سعد، والإصابة لابن حجر، وأُسْد الغابة لابن الأثير، وتاريخ الطبري، وصحيح البخاري، وتيسير الوصول، والشمائل للترمذي وللبيجوري. وكذلك الوقائع الواردة في هذا الكتاب كلها صحيحةٌ مروية في الكتب السابق ذكرها. على أن ترتيب هذه الوقائع وتنسيقها لم يُتبع فيه النظام الزمني المعروف في كتب التاريخ؛ لِما هو مفهوم من أن هذا الكتاب ليس عملًا تاريخيًّا ولا علميًّا، وإنما هو عملٌ فني.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤