مغامرة مع زورق آخر!

كان الضوء شديدًا، حتى إن الشياطين عندما تقدموا، جاءت لحظة لم يستطيعوا فيها أن يفتحوا عيونهم. لقد أغلقوها لشدة الضوء، وفي النهاية لم يستطع «أحمد» التقدم بالزورق، فتوقف مكانه … واستخدم أجهزة النداء، قال: أطفئوا الضوء … إنني لا أرى شيئًا!

جاءه النداء: «ابقَ مكانك.» فتح عينيه بعد لحظة، فلم يرَ شيئًا … كانت هناك كتلة من السواد تُخفي كل شيء. في نفس الوقت كان الزورق يكاد ينقلب. استخدم أجهزة التنبيه … غير أن الزورق ظل يتمايل. فجأة … كان الزورق يقف فوق الكتلة السوداء. أرسل «أحمد» ضوءًا متقدمًا في اتجاهه … استخدم أجهزة النداء: يبدو أننا نقف فوق حوت ضخم!

جاءه النداء: هذا صحيح، تصرف بحذر، وإلا هلكت!

ضغط «أحمد» جهاز إطلاق القذائف فتمايل الزورق بشدة. ثم بدأ يلمس سطح الماء … إلا أن الاهتزاز اشتد، حتى كاد الزورق ينقلب، رفع السرعة فانطلق الزورق بعيدًا عن نقطة الدوَّامات التي كانت تزداد، ومع اختفاء الجسم الأسود … أضاء كشافات الزورق، فلمعت الدماء التي كانت تنفجر من باطن المحيط إلى السطح … وفي هذه اللحظة … تأكد الشياطين أنهم كانوا أمام حوت ضخم … فجأة … وجد «أحمد» نفسه أمام زورق كبير، فأوقف المحركات، وتوقف زورقهم.

جاءه نداء الزورق الآخر: هل أنت وحدك؟ أجاب: معي زملاء!

اقترب الزورق الآخر حتى لامس زورق الشياطين، وظهر ضابط بحْري، قال: مَن أنتم؟ أجاب «أحمد» بسرعة: إننا من هواة الصيد.

الضابط: وإلى أين؟

أحمد: إلى جزر «أزورس» للصيد.

الضابط: إنها منطقة خطرة!

ثم بعد لحظة أضاف: هل معكم تصاريح؟

نظر الشياطين إلى بعضهم، لم يكن أحد منهم قد فكَّر في هذا الموقف … غير أن «أحمد» مدَّ يده إلى تابلوه الزورق وفتحه، فإذا بعض الأوراق فيه، فتحها وقرأها بسرعة، ثم قال: نعم!

نظر إليه الشياطين، وقال الضابط: هل يمكن أن أراها؟

أعطى «أحمد» التصاريح إلى «باسم» الذي استطاع أن يقرأها بسرعة، وهو في طريق تقديمها إلى الضابط.

أخذ الضابط التصاريح، ثم قرأها، وأعادها إلى «باسم» قائلًا: إن منطقة جزر «أزورس» خطرة هذه الأيام، ويجب أن تحذروا!

ابتسم «باسم» وشكره، فقال الضابط: يمكن أن تستمروا، لقد هدأت العاصفة الآن، ولكن يبدو أن هناك عواصف أخرى في الطريق، فخذوا حذركم.

أطلق زورق الشرطة البحْرية صَفَّارةَ تحية للشياطين … فرد عليه «أحمد» مثلها، ثم انطلق بالزورق.

ظل الشياطين في انطلاقهم، ولم يكن أمامهم شيء … سوى اتساع المحيط الهادئ الآن. وشيئًا فشيئًا … بدأ ضوء الفجر يظهر، فبدت المياه غامقة اللون. كان الفجر بديعًا، حتى إن الشياطين أخذهم المنظر، فاستغرقوا فيه … كان الزورق ينطلق في سرعة … فجأة، دق جهاز الاستقبال في الزورق. ابتسم «بو عمير» وقال: يبدو أن «خالد» يرسل تحية الصباح!

أخذ «بو عمير» يتلقى الرسالة، غير أن الدهشة ملأت وجهه، حتى إن الشياطين ركزوا أبصارهم عليه … وما زالت الدهشة تملأ وجهه: هناك رسائل متبادلة بين اثنين!

نظر له «أحمد» قليلًا، ثم قال: «مصباح» … تعالَ مكاني!

انتقل «مصباح» إلى عجلة القيادة، وجلس «أحمد» أمام جهاز الاستقبال … كانت هناك رسالة شفرية إلى مكان ما. كانت الرسالة هكذا: س ١٣ . س ٢٤ . ع . ٨-٣-٣٠٦. سجل «أحمد» الرسالة ثم أخذ يقرؤها … ونقلها إلى الشياطين. استغرقوا في التفكير فيها، إلا أن أحدًا منهم لم يصل إلى حلها.

قال «بو عمير»: يجب إرسالها إلى رقم «صفر»!

ردَّ «أحمد»: هذا أسرع بالنسبة لنا. وبسرعة استخدم جهاز الإرسال الخاص بالشياطين، ثم أخذ يرسل الرسالة: من «ش. ك. س» إلى رقم «صفر»، سجلنا هذه الرسالة … ثم أرسلها، وانتظر قليلًا، فجاءه الرد: من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»، حُوِّلت إلى مركز حل الشفرة، سوف نرسلها إليكم بعد قليل!

ظل «أحمد» ينظر في الشفرة التي أمامه … كانت معقدة تمامًا. فجأة، قال «مصباح»: هناك رسالة أخرى … إن المؤشرات أمامي تشير إلى ذلك!

بدأ «أحمد» يسجل الرسالة. كانت هي الأخرى رسالة شفرية، فسجَّل الآتي: س ٨ . ١٣ . ٥٤ . ٥ . ٩-١٠٢.

قال «أحمد»: هناك رقم مشترك بين الاثنين، هو رقم التخاطب، وهو س ١٣. وصمت لحظة، ثم أرسل الرسالة الشفرية إلى رقم «صفر» الذي رد: انطلقوا كما أنتم … الرسالة وردُّها سوف تكون أمامكم بعد قليل!

كان النهار قد طلع … وبدا سطح المحيط لامعًا تحت أشعة الشمس الوليدة، وكان الشياطين يشعرون بالإرهاق … قال «أحمد»: إن الرحلة لا تزال طويلة، ونحتاج إلى الراحة … سوف نقسم أنفسنا إلى فريقين … واحد يسهر والآخر ينام.

رد «مصباح» بسرعة: سوف أبدأ أول نوبتجية … عليكم بالنوم لمدة ساعتين، ثم أوقِظ اثنين منكم، ويبقى واحد ينام أربعة ساعات، ثم يوقظه أحد الاثنين لنيام مكانه … وهكذا.

تحرك الثلاثة، وأخذ كل منهم مكانًا، واستغرق في النوم … كانت الساعة السادسة صباحًا، ولم يكن هناك أي صوت سوى ارتطام الموج بالزورق … وكان النوم يُداعب عينَيْ «مصباح»، فمدَّ يده وأدار جهاز الراديو المُثبَّت في تابلوه الزورق، فانبعثت منه موسيقى هادئة، حرك المؤشر حتى عثر على محطة تذيع موسيقى صاخبة، فابتسم وقال في نفسه: إنها ستدفعني إلى اليقظة!

كان «مصباح» يتذكر أيام الإجازة التي كان يقضيها الشياطين في القاهرة … والسهرات التي كانوا يخرجون إليها تحت سفح الهرم … وأخذ يدندن بأغنيات على نفس إيقاع الموسيقى.

مرت نصف ساعة و«مصباح» في قيادته للزورق يُسلِّي نفسه بأغنيات مختلفة، وفجأة أضاء جهاز الاستقبال في الزورق … عرف أن هناك رسالة من مكان ما، فقال في نفسه: إما أنها من «خالد» … أو من رقم «صفر» … أبطأ من سرعة الزورق، ثم بدأ بتلقي الرسالة، كانت تقول: من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س». الرسالة تعني أن الناقلة قد تحركت، وأنها سوف تصل إلى المكان المحدد لها في الثانية عشرة تمامًا. عليكم بإطلاق القذائف، كل شيء مُعَد. أما الرسالة رقم ٢ فهي تعني: وصلت التعليمات، سوف نقوم بالتنفيذ. نحن في الانتظار. س ١٣ هو رقم التخاطب …

ابتسم «مصباح» فقد تذكر أن «أحمد» قد استنتج رقم التخاطب، فرد على الرسالة: من «ش. ك. س» إلى رقم «صفر». عُلِم!

مرت الساعتان، وابتسم «مصباح»، وأطلق صَفَّارة من صَفَّارات الإنذار، حتى يستيقظ أحدهم. لكنه فجأة رآهم جميعًا أمامه. قال: صباح طيب للشياطين. ثم أخبرهم برسالة رقم «صفر» وقال في النهاية: مَن سيتولى القيادة؟ إنني في حاجة إلى النوم.

تقدَّم «أحمد» بسرعة، ثم أخذ مكانه … حاول «بو عمير» و«باسم» أن يتكلما، إلا أن «أحمد» قال: بعد ساعتين سوف أوقظ «بو عمير». فعاد كلٌّ من الشياطين إلى مكانه.

كانت الشمس قد ارتفعت تمامًا، وبدأ سطح الماء يعكس ضوء الشمس، فأصبح سطح المحيط كالمرآة، كان الزورق في انطلاقه لا يهدأ، وفجأةً لمعت لمبة حمراء أمامه، فنظر إليها وفكَّر بسرعة … هناك نصف ساعة فقط، ثم ينتهي الوقود … هذه مسألة مزعجة … وظل يفكر في حلِّ هذه المشكلة … إن الرحلة طويلة ولا يمكن أن يكون عميل رقم «صفر» قد نسِيَ شيئًا، أو أنه لم يدرك خطورة المسألة. نظر إلى التابلوه، ثم فكَّر: قد تكون هناك تعليمات مع التصاريح! مدَّ يده، وجذب التصاريح، ثم أخذ يقرأ، وابتسم عندما وجد ورقة مكتوبًا في أعلاها … «تعليمات».

قرأ التعليمات ثم نظر إلى التابلوه، وأخذ يقرأ ما يشير إلى كل زِرٍّ أمامه، حتى وصل إلى زِرٍّ مكتوب تحته: «وقود إضافي» … ثم بعده «خزان إضافي». هزَّ رأسه، ثم زاد سرعة الزورق، واستمر في انطلاقه. فجأة، لَفَتَ نظرَه شيء يعلو ويهبط، فرفع المنظار المكبِّر، ثم أخذ يضبط عدستيه، حتى شاهد هذا الشيء. كان زورقًا متوقفًا … يرفع علامة بيضاء، ففكر: هل يذهب إليه، أم يستمر في طريقه؟ … وفي لحظة، كان قد اتخذ قراره … من الضروري أن يذهب إليه، فربما يكون وقوده قد نفِد، وربما تكون هناك مشكلة أخرى.

أخذ اتجاه الزورق، وظل الزورق يظهر أكثر فأكثر … ثم بدأ الرجال على ظهره يظهرون بوضوح. كان أحدهم يمسك بعَلَمٍ أبيض، وهو يشير به، وكان آخر يمسك مكبرًا للصوت … ما إن أصبح «أحمد» قريبًا منهم … حتى أبطأ من سرعة الزورق، وفكر بسرعة هل يدنو أكثر، أم يتحدث إليهم أولًا؟!

قرر في النهاية أن يتحدث إليهم، فأوقف الزورق، ثم تحدَّث في مكبِّر الصوت: ماذا عندكم؟

ردَّ الذي يحمل المكبِّر: اقتربْ … إننا في حاجة إلى مساعدتك!

أحمد: ماذا عندكم؟

وظهر الشياطين عندما قال الرجل: لقد نَفِدَ وقودنا، ونحن نعمل بالصيد، لقد اكتشفنا أن خزَّان الوقود مثقوب.

فكر «أحمد» بسرعة … غير أن «باسم» قال: يبدو أنَّ كلامهم غير صحيح!

لم يرد «أحمد» عليهم. فقال الرجل: نحتاج إلى كمية من الوقود فالمركب الكبيرة تقف على بُعد ساعة فقط. وسكت لحظة، ثم قال: أو خذونا معكم أينما تتجهون!

قال «أحمد»: نتجه إلى الشرق!

الرجل: لا يهم … أي مكان هناك أفضل من وضعنا هذا.

أحمد: ليس لنا مكان محدد نذهب إليه … إننا نُجري بعض الأبحاث في أماكنَ متفرقة.

الرجل: إذن أعطونا بعض الوقود.

أحمد: إن ما لدينا لا يكفي!

الرجل: إذن اصحبونا معكم … وسوف نعوِّضكم بوقود من المركب الكبيرة!

فكر «أحمد» قليلًا، ثم قال: أين هي؟

الرجل: في اتجاه الجنوب الشرقي، إن ذلك لن يُعطِّلكم كثيرًا!

نظر «أحمد» إلى الرجال على سطح الزورق قليلًا، ثم تقدم في اتجاههم حتى أصبح أمامهم، فظهر أحد الرجال بخرطوم طويل، أطاح به إلى الشياطين، وتلقَّفه «باسم» ثم جذبه، ونزل به أسفل الزورق، حتى إذا اختفى قال بصوت مرتفع: هل يمكن أن تسحب الوقود الآن؟

رد أحد الرجال: إنَّ زورقكم لا يزال بعيدًا، والخرطوم لا يصل إلى خزَّان الوقود عندنا.

فكر الشياطين بسرعة … إن هذه قد تكون حيلة، حتى يستطيعوا القفز إلى الزورق، فتحفز الشياطين، وأخذ «أحمد» يقترب في هدوءٍ، حتى تجاور الزورقان، وفي أقل من ثانية، كان عدد من الرجال يقفزون إلى زورق الشياطين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤