الفصل الأول

لغز بلاد بونت

يتكرر ذكر بلاد «بونت» أو «أرض الإله» في النصوص المصرية القديمة بشكلٍ متواتر، كما في نصوص أمنمحات الأول مؤسس الأسرة الثانية عشرة بالدولة الوسطى، الذي حكم حوالي ٢٠٠٠–١٩٧٠ق.م. حيث يُذكر أنه أرسل ثلاثة آلاف جندي برئاسة القائد «حنو»؛ لإحضار المر (البخور) من بلاد بونت، وإحضار «الأحجار» من هناك.١ وبالنظر إلى الحرف المرسوم الأول في هيئةِ ثلاث هِضاب، فقد احتسب معظم المؤرخين بلاد بونت بلادًا أجنبية، حيث اعتيد الإشارةُ لبلاد الأجانب بجبل مثلث القِمم. لكن نظرية هذا الكتاب تقوم على أن الحرفَ هنا يقصد الإشارة لمنطقةٍ جبليَّة فقط، ولا تعني أنها كانت بلادًا أجنبيَّة بالنسبة لمصر.
وقد تكرَّر إرسال البعثات إلى بلاد بونت، في عهد «أمنحمات الثاني ١٩٣٨–١٩٠٣ق.م.»، حيث أكدت لوحة نصر تخصه «أن جلالة الفرعون قد قام بتوطيد سلطانه، في أرض الإله في بونت».٢ كما وصلتْ إلينا قصائدُ غزليَّة مصرية قديمة، منها قصيدة رائعة في ستة مقاطع، تتضمن مجموعةً من بلاغيَّات التشبيه الجماليَّة، تَليق بمفاهيم الجمال في ذلك الزَّمان، حيث نجد الحبيب يُشبه حبيبته بجواد الفرعون، الذي تم اختياره من بين ألف حصانٍ أصيل، كما يشبِّهُها بالطيور المهاجرة إلى مصر، قادمةً من بلاد «بونت».٣ لذلك سجل الفرعون المقاتل «رمسيس الثالث» الذي حكَم حوالي ١١٨٢–١١٥١ق.م. خلال الأسرة العشرين، أنه قد أرسل سُفنَه في حملةٍ بحرية وبريَّة إلى أرض الإله، المعروفة لدى المصريين باسم بلاد «بونت»، لإحضار المر لمحرقات الإله.٤
أما أشهر الرِّحلات المصرية إلى بلاد «بونت/أرض الإله»، على الإطلاق، فقد كانت البعثة المصرية السلمية إلى «بونت»، زمن الفرعونة «حتشبسوت»، التي حكمت حوالي ١٤٩٠–١٤٦٨ق.م. خلال الأسرة الثامنة عشرة من الدولة الحديثة، المعروفة بدولة الإمبراطورية. وهي الرحلة التي سُجِّلت تفاصيلها على جدران معبد روعة الروائع، المُقام بالدير البحري بالأقصر، والذي أمرت الفرعونة ببنائه خصِّيصًا؛ لتسجل عليه تقريرَيْن بأهم حدثَيْن في حياة الفرعونة. وكان الحدث الأول هو اصطفاء الإله «آمون»، رب الدولة المركزية المصرية لها؛ لتكون حاكمًا مطلقًا للبلاد. أما الحدث الثاني فكان بعثتها السِّلمية إلى أرض الإله، بلاد «بونت».

وقد تمَّ تدوين أمر تلك الرحلة الكبرى بكثيرٍ من التفاصيل الدقيقة، مما سَمَح للمؤرخين بوضع مجموعة فروض؛ لتحديد «أين تقع بلاد بونت» في ضوء تلك التفصيلات. ومع ذلك فقد جاءت هذه الفروضُ شديدةَ التباعد عميقةَ التنافر، فهناك مَن افترض أنها تقع في قارَّة أفريقيا؛ استنادًا إلى ما جاء ذكرُه مكتوبًا، أو مرسومًا بالنقش عن مُنتجات بلاد «بونت»، خاصة بعض الحيوانات المُستقدَمة من بونت، والتي توجد بإفريقية وحدَها. ولما كانت الرحلة قد خرجت من العاصمة طيبة/مدينة الأقصر، واتجهت إلى «قفط» إلى الشمال منها مباشرة، ومنها أخذَتْ طريقَها بريًّا عبر الصحراء الشرقية، حتى ميناء القصير على ساحل البحر الأحمر. ومن هناك انطلقت السُّفن إلى بلاد «بونت». فقد ذهب الفرضُ إلى أن الرحلة قد أبحرت من ميناء القصير في البحر الأحمر جنوبًا، إلى بلاد الصومال ملتزمةً السَّاحل الإفريقي، أو ربما إلى بلاد أثيوبيا. وهو ما سنرى نموذجَه عند المصرولوجيست «جاردنر» وآخرين.

وقد ارتسم هذا الفريق الخطوط الرئيسية التي وضعها المصرولوجست «ماريت Mariette»، صاحب الفضل الأول في كشف لوحات بونت على جُدران معبد «روعة الروائع» بالدير البحري عام ١٨٧٧م، حيث أكد «ماريت» أنَّ الرسوم جميعًا تُشير إلى أن بلاد بونت تقع على الساحل الأفريقي الشرقي شماليَّ الصومال. وقد اعتمد في ذلك على تحليلِ نقوشِ رحلة حتشبسوت، من حيث شكلُ المساكن، وصِفات الملكة التي تشير ملامحُها إلى عنصرها الإفريقي، وتحلِّيها بخلاخيل المعدن أسفل السِّيقان. وهي عادة أفريقية مستمرة حتى الآن، إضافةً إلى علامةٍ لا تجعل بونت خارجَ أفريقيا على الإطلاق، وهي وجود حيوان «الزراف» ضمن المنتجات التي أحضرَتْها البعثةُ من بلاد بونت. و«الزراف» حيوان أفريقي قُح، مع أشجار البخور، وهي أشجار تنمو على ساحل الصومال حتى الآن.٥
ورغم تركز معظم الفُروض على الساحل الإفريقي الشرقي؛ فقد أعمق بعضها داخل القارة، مثل «هيرتسوج Herzog»، الذي أكد وقوع بونت في المنطقة الحدودية الواقعة بين السودان والحبشة الآن، وبين النِّيلَيْن الأزرق والأبيض، وأن رحلة حتشبسوت وصلتْ هناك بالإبحار في النيل، وليس بالإبحار في البحر الأحمر.٦ وقد رد عليه «كيتشن Kitchen» مؤكدًا أن بونت هي المنطقة الممتدة من بور سودان حتى شماليِّ أريتريا، على الساحل الصومالي.٧ وحول ذات الجهات، ذهب «كرال Krall»، الذي وضع بونت في المنطقة الممتدَّة من سواكن وحتى مصوع، باعتبارها مناطق منتجة للصمغ العربي، وهو ما كان يستخدم كبخور مثل المر.٨ وضمن هذا الفريق يأتي عبد المنعم عبد الحليم الذي لا تعود أهميته إلا لصُراخه المتواصل ضد كتابي هذا، وهو مدرس بجامعة الإسكندرية، ويرى أن بونت بلا جدال هي الساحل الصومالي تحديدًا.٩

ولم يزلِ الخلاف قائمًا حول النخيل المرسوم في لوحات حتشبسوت؛ هل كان نخيل أشجار الدوم كما ذهب هيرتسوج وكتشن، أم هو نخيل البلح كما يعتقد «عبد المنعم عبد الحليم» في رسالتيه الماجستير والدكتوراه؟

وقد أضاف لرصيد الذاهبين ببلادِ بونت إلى الصومال، أن التقرير المصري صوَّر لنا أربعين نوعًا من الأسماك والكائنات البحرية، بينها خمس سمَكات، واضح أنَّها نهرية وليست بحرية. وهو ما يشير إلى أن الميناءَ البونتي، الذي رسَتْ فيه سفن حتشبسوت، كان يقع عند مصبِّ نهرٍ صغير. وفي الصومال نجد لدينا نهرًا كان يُعرف باسم نهر الفيل، ويعرف الآن باسم نهر جلوين.١٠
واتجهت فرضيات أخرى إلى أن أرض الإله «بونت»، كانت تقع على الساحل الغربي لجزيرة العرب في منطقة جبال عسير، كما نجد عند «الصليبي» و«زياد منى»، مع اتجاهاتٍ أُخرى نزعت إلى الفانتازي، كالقول إن تلك الرحلة كانت نحو الأمريكتَيْن، وأن المصريين هم من اكتشف أمريكا قبل الجميع، وأنها هي التي دُوِّنَت في مدونات مصر القديمة باسم بلاد بونت. وبسبيل ذلك تمَّ إجراء مقارنات لبعض المفردات المصرية بلغاتِ الهنود الحمر، وموروث حضارات المايا والأنكا.١١

هذا بينما افترض آخرون أنَّ بلاد بونت المذكورة في الوثائق المصرية هي ذات بلاد «أوفير» التي جاء ذكرُها بالكتاب المقدس، وكانت محلًّا لبعثاتٍ متشابهة أرسلها الملك الإسرائيلي سليمان بن داود أشهر مُلوك إسرائيل الموحدة. إلا أن «أوفير» نفسَها وجدت في تحديد موضعها تضاربًا في الفروض، أشدَّ اتساعًا من التضارُب حول موضع بلاد بونت. ولم تزل حتى اليوم بلدًا مجهولًا بدَوْرها.

ولحل الإشكال تم اللجوء إلى حلٍّ وسطي أو تلفيقي، يلخص الأمر في إنهاءٍ يائس للإشكال، يقول: إن المصريين قد استخدموا اسم بونت بمعنيَيْن؛ الأول: معنى عامٌّ يشير إلى أي موقع جغرافيٍّ يزرع اللبان/المر/البخور. ومعنى خاصٌّ قصدوا به سواحلَ إفريقيا من الصومال جنوبًا حتى السودان شمالًا.

ورغم أن حلَّ لغز بلاد بونت يُمكن أن يؤدِّي إلى حلولٍ تسلسلية لمجموعة من المتشابكات التاريخية المُلغزة، كما يمكن أن يفصح عن تدقيقاتٍ هامَّة لتحديد ملامح العالم القديم، مع فرزٍ واضح للأجناس والهجرات، فقد ظلَّت جميع الفروض ناقصةَ التمام والإقناع، وظلت أرض الإله بونت لغزًا يبحث عن حل.

وعلى مُتون صروح معبد روعة الروائع بالدير البحري، نقَشَ الفنان المصري القديم صورًا وكتابات جدارية، تصف أهم حدثَيْن في حياة الفرعونة حتشبسوت. الحدث الأول: هو قصة ميلادها الإلهي من أبيها الإله آمون نفسه، إضافةً إلى الحدث الثاني، والأهم تاريخيًّا، وهو مجموعة جداريات بونت التي تصِفُ رحلتَها إلى أرض الإله.

وتصور اللوحات الرائعة طريق الرحلة البري من «قفط» حتى «القصير»، مع رسوم للسفن البحرية الضخمة المجهَّزة بصفوف المجاديف أدوارًا، مما يشير إلى كونها سفنًا بحرية بل محيطيَّة. وخلفها تظهر لوحة بلاد بونت، في هيئة تلالٍ كثيرة جميلة تزينها النباتات. ثم نشاهد ثلاثة أجناس من البشر بخلاف المصريين، يحدِّدهم لنا «عبد المنعم عبد الحليم» نفسه، فيقول: «إن سكانها خليطٌ من عدَّة سُلالات: (أ) السلالة التي تنتمي إليها الطبقة الحاكمة، أي: البونتيون أنفسهم، ويشبهون المصريين. (ب) السلالة الزنجية. (ﺟ) سلالة ثالثة، لعلها المسماة إرم، وهي قريبة الشبه بالبونتيين.»١٢ هذا إضافة إلى تصوير اللوحة لمجموعةٍ متنوعة من الحيوانات منها القردة، مع صور واضحة لجلودِ فهودٍ أو نمور، وكثيرٍ من الأشجار والنباتات، التي تشبه إلى حدٍّ بعيد نباتات الساحل اليمني.
وقد عادت البعثة بكثيرٍ من تلك الأشجار بجُذورها، وهو ما يعني أن هناك أشجارًا بعينها قد استُجْلبت من بلاد بونت؛ لتُستزرع في أرض مصر، مع كميَّات من خشب الأبنوس والعاج، إضافةً إلى معادن تتضح فيها الفضة، ومعدن آخر ربما كان ذهبًا، مع أحجارٍ كريمة. ويحيطنا «فليكوفسكي» علمًا بأن الفنان المصري، وهو ينقش بإزميله اسم بونت في مواضعَ متعددةٍ، لم يضع فوق الاسم تلك العلامةَ الهيروغليفية، التي كان المصريون القُدماء يضعونها فوقَ أسماء البلاد الأجنبية.١٣ مما أوعز بشدَّةٍ إلى أن المصريين القدماء كانوا يرون أن هناك رباطًا من نوعٍ ما بين بلاد بونت وبين مصر، وأنها ربما كانتْ تابعة لمصر، أو أن المصريين كانوا يعتقدون أنها جزءٌ من مصر، ناهيك عن تقديسها بحسبانها أرض الإله. لكنَّ النصوص المصرية لم تسمِّ لنا هذا الإلهَ، أو تقدم له أيَّ تعريف ولا مرة واحدة.

وفي الجزء الأسفل من جدارياتِ بونت في معبد روعة الروائع، يمكنك أن تشاهد مرسًى بحريًّا، رُسمتْ تحته الأسماك في المياه للتوضيح. وعلى يمين المرسى يقف الملك البونتي، الذي دُوِّن بالاسم «بارح» أو «فارح» أو «فرح» أو «باروخ» مع اللقب «عظيم عظماء إرم». أما الملكة فكانت ضخمةَ الجثة، ورسمها الفنان بواقعيةٍ شديدة، أراد بها أن يُبرز ما يكتب باعتباره تقريرًا تسجيليًّا.

ويصف لنا المصرولوجيست الأشهر «السير آلن هنري جاردنر» معبدَ روعة الروائع بقوله: «إن المعبد الجنازي لحتشبسوت في الدير البحري، يقع داخل نصف دائرة من القمم العالية، وهو يدين بكثيرٍ من وحيِه إلى أثر منتوحتب الأول الأكثر بساطة، والواقع على الخط نفسه جنوبًا. ولم يبقَ سوى آثار الممر الصاعد في رفقٍ إلى الأسوار التي يؤدي مدخلها إلى بهوٍ واسع، يرى فيه الزائر في مواجهته رواقًا بالأعمدة فوق رواق بالأعمدة، لكنها تصعد من المنحدر الرئيسي إلى المستوى العلوي. ويكشف صف من أعمدة الحجر الجيري بشمال البهو عن جمال المبنى، قبل أن يحوِّله الزمن والتدمير البشري إلى حالته الراهنة. ومع ذلك فليس في مصر اليوم عمارة في مثل هذا السموِّ يمكن رؤيتها. أما الرواق التالي إلى أعلى ففيه منظر أكثر تشويقًا. فعلى الجانب الجنوبي منه مُثلت الرحلةُ إلى بونت، في السنة التاسعة لحكم حتشبسوت. كما مُثل على الجانب الشمالي حمل أمِّ الملكة بها عن طريق معجزة ثم ولادتها. وتصور المجموعة السابقة من الصور سفن الملكة حتشبسوت وهي تبدو في هذه المرحلة، كملكةٍ تصل إلى هدفها عند باب المندب» (ملاحظة للمؤلف: ليس في اللوحات أيةُ إشارات أو كتابات تُوعز إلى باب المندب، وكانت تلك إضافة من جاردنر لاعتقاده أن الرحلة قد اتجهت جنوبًا عبر البحر الأحمر إلى الصومال، التي يعتقدها جاردنر ذات بلاد بونت). ويتابع جاردنر وصفه: «ثم يتقدمُ رئيس ملتحٍ وزوجته المشوهة تشويهًا فظيعًا. وهناك عدد من الرؤساء أقل أهمية، يَخِرُّون على وجوههم أمام شعار الملكة يتحدثون. إنهم يلتسمون السلامَ من جلالتها بقولهم: المجد لك يا فرعون مصر، أيتها الشمس الملكية التي تضيءُ كقرص الشمس. ويعيش الأهلون وسط أشجار النخيل، وفي أكواخٍ ذات قِبابٍ مستديرة، يمكن الوصول إلى أبوابها عن طريق سلالم نقَّالة. وقد أقام الرسول المصري خيمته في ناحيةٍ قريبة، ثم قدم الهدايا من الجعة والنبيذ واللحوم والفواكه كأمر حتشبسوت. لكن الواضح أن جيوشَها أفادت أكثرَ من عملية التبادل، فهناك صورٌ متقنة لكل الأشياء الثمينة، التي حُملت من هناك إلى السفن. ومن بين هذه المنتجات: أشجار المر والأبنوس، ثم العاج، والذهب، والقرود، وجلود الفهود. ويُرى الأسطول في الصف العلوي من اللوحة، وهو يبدأ طريق العودة إلى الوطَن، وقد تجاهل الرسام أمرَ الانتقال من الصحراء إلى النيل.»١٤

والواضح تمامًا أن حتشبسوت كانت ترى في تلك الرحلة أهمَّ إنجازاتها على الإطلاق، وهو الأمر الذي تشِي به ببساطة ووضوح روايتُها المدونة، ناهيك عن تكريسها كل هذا البناء الهائل؛ لتسجِّل عليه ذلك التقرير عن بَعثة بونت. كما تتضح الأهمية في أن الفرعونة قد أولت عظيمَ اهتمامها إلى الجانب المعرفي العِلمي، فأرفقت برحلتها خبراءَ يقومون بدور الصحفيين الذين كتبوا بالفعل ريبورتاجًا مصورًا علميًّا دقيقًا رائعًا، وصفوا فيه أرضَ الإله وصفًا طبيعيًّا وبيئيًّا، وراعوا الجغرافية البشرية لبيان الأجناس التي تسكن تلك البلاد. كما أولوا عنايتهم لبيان عادات وتقاليد أهلِها، مع دراسةٍ علمية مُمتعة لمختلف أنواع الأسماك والحيوانات البحرية، إضافةً إلى مسحٍ تفصيلي لمنتجات بلاد بونت، من أخشاب ثمينة وجلد الفهد، وسبائك الذهب والفضة، مع أحمال البخور والعطور والتوابل، والأعشاب التي ربما كانتْ للكيمياء العلاجية. ولم ينسَ التقرير أن يوضح أهمية أشجار بلاد بونت، التي دفعت البعثة المصرية إلى الإتيان بها بجذورها إلى مصر، مما يعني أنها أشجارٌ لا تنمو في مصر، وأنها نوعٌ خاص ببلاد بونت. حتى التفاصيل الصغيرة لم تَفُت عين الصحفي المدققة، مثل إحضار البعثة لكُحل العيون (الإثمد)، مع تصويرٍ واضح لأنواع الحيوانات المستجلبة من هناك. فترى كلابًا أشبه بالكلاب السلوقية الموجودة اليوم، مع القردة التي تعلقتْ بصواري السفن، لتضيف إلى اللوحة بهجةً تستدعي الابتسامة، مع الزراف وتنويعاتٍ أخرى، قُصد بها أن يكون التقرير مشوقًا، إلى جانب كونه مستوفيًا.

وقد سجلت الموسوعة الأثرية العالمية، تحت مادة «بونت» الآتي:
PUNT: بلاد تقع جنوبيَّ بلاد مصر. كان الوصول إليها عن طريق البحر الأحمر. وقد صور الناس يعيشون في بيوتٍ تشبه خلايا النحل، وصورت الملكة التي كانت تحكمُهم بدينة جدًّا. ومن بونت كان يأتي الذهب والبخور، ومختلف أنواع السلع لأغراضٍ دينية. وموقع بونت غير مؤكد، لكن حسبما يتضح من منتجاتها، لا بدَّ أنها كانت تقع في مكانٍ ما بالقرب من الصومال.

أما «حتشبسوت» نفسها؛ فقد سجلت:

لقد منحتُهم الذهب،
فتلقيتُ منهم الذهب الأخضر،
من بلاد الآمو،
وأشجارًا يانعة من المر بأعدادٍ كبيرة،
من عجائب أرض بونت.
ولم يحدثْ ذلك من قبل في عهد أي إله،
منذ خلق العالم.
لقد أحضرت إحدى وثلاثين شجرة،
من خشَب البخور،
لم يُعرف لها مثيلٌ منذ فجر الخليقة.١٥

وهنا ملاحظة لا تفوت مدققًا، نضعها في الاعتبار حتى يأتي حِينُ معالجتها. وتتمثل في السؤال: ما معنى أن تهدي الملكة ذهبًا لتتلقى ذهبًا، في رحلة قُصد منها تبادل منتجات مع منتجات بونت؟ فهل كان ذهب بونت يختلفُ عن ذهب مصر؟ يبدو ذلك؛ لأن النص قد ميَّز ذهب «بونت» بأنه ذهب أخضر. فماذا كانت تَعني بالذهب الأخضر؟ أما الملحوظة الثانية التي ننبه إلى وجوب تذكُّرها، فهي القول: إن هذا الذهب من بلاد الآمو. والآمو أو العامو هي الكلمة التي استخدمَها المصريون القدماء؛ للدلالة على بدو آسيا الساميين عمومًا، وعلى الهكسوس — خصوصًا — الذين سبق واحتلوا بلادَهم في نهاية الدولة الوسطى. وقد طُردوا منها زمنَ «أحمس» مؤسس الأسرة الثامنة عشرة، وحكم حوالَي ١٥٧٥–١٥٥٠ق.م. أي قبل زمن حتشبسوت بحوالي ستِّين عامًا، أو تزيد قليلًا.

ولا يصح أن نتغافل عن عبارتها «منذ فجر الخليقة» وتكرارها. وهو ما يؤكد على أهمية تلك الرحلة للملكة، ولتقديرها الأمور. أما الغريب حقًّا فكان مسألة تجاهل الفنان لطريق العودة من البحر الأحمر، من ميناء القصير حتى قفط على النيل شماليَّ الأقصر، في رحلة عودة برية عبر الصحراء الشرقية، الممتدة ما بين البحر الأحمر وبين النيل. فعاد بالسفُن فورًا من «بونت» إلى الأقصر عبر النيل، دون المرور بالطريق البريِّ، رغم أنه فصَّل ذلك بوضوحٍ في رحلة الذهاب. فهل تجاهل الفنان الدقيق الدءُوب الفاحص المدقِّق الطريقَ البري، أم أنه كان لم يزل يقدِّم لنا تقريرًا دقيقًا وعلميًّا وحقيقيًّا؟ وإذا كان كذلك فإن لغز «بونت» يكون قد ازداد تعقيدًا. فكيف وصلت السفن إلى طيبة/الأقصر، دون المرور بالطريق البريِّ من ساحل البحر الأحمر إلى النيل في الوادي؟

ونظرًا لأن التحف التي جلبتها «حتشبسوت» من بلاد «بونت»، تتشابه إلى حدٍّ بعيد مع التحف التي ذكرها الكتاب المقدس، والتي أحضرَتْها بعثة الملك الإسرائيلي «سليمان» إلى بلاد باسم «أوفير»، فقد ذهب الباحثون إلى احتساب «بونت» هي ذات بلاد «أوفير» المجهولة. وتحت مادة «أوفير» بموسوعة تاريخ العالم، نقرأ تلك الفقرة الموجزة:
أوفير OPHIR: موقع أوفير التوراتية التي كان الملك سليمان يحصل منها على سفنٍ محمَّلة بالذهب والأحجار الكريمة (سفر ملوك أول، ١٠: ١١) موضع اختلاف كبير دون الوصول إلى حلٍّ مقبول. والتخمينات تمتدُّ من الساحل العربي، حتى سيلان أو ساحل مالا بار.
هذا بينما سجَّل «زينون كاسيدوفسكي» إشكالية «بونت/أوفير» في قوله: «لا يزال الباحثون حتى الآن يختلفون. بعضهم يقول: إن أوفير التوراتية هي الهند. وبعضُهم الآخر يعتقد أنها الجزيرة العربية. وفريقٌ ثالث يؤكد أنها مدغشقر. أما المستشرق الأمريكي أولبرايت فيعتقد أنها الصومال. بينما يلفت فريقٌ آخر من العلماء الانتباهَ إلى اللوحات الجدارية، التي اكتُشفت في معابد طيبة؛ حيث وجدوا هناك رسمًا لملكة سوداء من بلاد تُدعى «بونت»، ويفيد النص المثبت أسفل اللوحة أن السفن المصرية كانت تحمل من تلك البلاد الذهبَ والفضة، والأخشابَ السوداء والحمراء، وجلد النمر، والسَّعادين (القردة) الحية، والعبيد السود. وقد أدَّى ذلك إلى نشوء افتراضٍ مؤدَّاه: أن بونت هي أوفير التوراتية.»١٦
إلا أن المشكلة الحقيقية والمستعصية أمامَ كل تلك الفروض، هي تكرار القول في النُّصوص المصرية: «حينما أوجه وَجهي إلى مشرق الشمس، فإني أولِّي وجهي إلى بلاد بونت.»١٧ وهو ما دفع باحثين آخرين إلى افتراض مواضع أخرى لبلاد بونت، تتفق وهذه الإشارة. وذلك مثل د. عاطف عوض، الذي افترض لبلاد بونت بلاد الساحل العماني الحالي، حتى إن سلطنة عمان رأتْ في نظريته أمرًا يستحق الاحتفاء به. فتم تحديد زمن افتراضي لوصول سُفُن الفرعونة إلى عمان. أقيم بهذه المناسبة احتفال كرنفالي شعبي تمثيلي، يصوِّر وصول البعثة المصرية إلى بلاد عمان. وما زالت هذه النظرية قائمة هناك، كأمرٍ مفروغ من صِحته. هذا بينما ذهب د. رمضان عبده علي إلى وقوع بونت في بلاد اليمن. وقد اعتبرت صحيفة الأهرام القاهرية ذلك كشفًا جديدًا يستحقُّ التسجيل والإعلان (وهو ما فضلنا نقله من الصحيفة بالتصوير كما في الشكل رقم ٣٦). وإن تكرار الإشارة إلى وقوع بونت جهة مشرق الشمس بالنسبة لمصر، أمرٌ لا يجعل بونت تقع أبدًا جنوبيَّ مصر. فهي بهذا المعنى يجب أن تقع في منطقةٍ ما شماليَّ بلاد الحجاز الحالية، أو في سيناء، أو شرقيَّ سيناء. وهو الأمر الذي يؤكده تقرير مسئولٍ حكومي اسمه «خنوم حتب»، عاش خلال الأسرة السادسة الفرعونية يقول إنه قد زار بيبلوس (جبيل الآن جنوبي بيروت بلبنان) وبونت، إحدى عشرةَ مرة، وذلك بصحبة سيده «خوي» مرة، وبصحبة سيده «تتي» مرة أخرى.١٨ وهو الأمر الذي ما كان ممكنًا حدوثُه في حياة فردٍ واحد في ذلك الزمان، لو كانت بونت هي الصومال أو اليمن أو الهند، ناهيكَ عما يُوحي به التقرير أن زيارة بيبلوس وبونت كانت تتمُّ في رحلةٍ واحدة، مما يعني وجوبَ وقوع بونت على الطريق ما بين مصر وبين بيبلوس بلبنان. وهكذا تكتمل دائرة الالتباسِ، ويستغلق اللغز تمامًا، إلى حد عدم إمكان تصوُّر واضح يحلُّ مشكلةَ موقع بلاد بونت.

(لوحات تتعلق بالملكة حتشبسوت ورحلتها السِّلمية إلى بلاد بونت.)

(انظر الأشكال رقم «٣٢، ٣٣، ٣٤، ٣٥».)

figure
شكل رقم «٣٢»: رأس حتشبسوت — أسرة ١٨ — المتحف المصري.
figure
شكل رقم «٣٣»: الدير البحري/معبد حتشبسوت.
figure
شكل رقم «٣٤»: ملك وملكة بونت في لوحات حتشبسوت.
figure
شكل رقم «٣٥»: حاملو الهدايا من أهل بونت (شعب إرم).
figure
شكل رقم «٣٦»: الأهرام ٢٧ / ٢ / ١٩٩٧م.

ولغز بلاد الحور

والألغاز غير المحلولة في التاريخ كثيرة وحاشدة، ونموذجًا لتلك الألغاز (لغز بلاد الحور)، وبلاد الحور تلك التي يخبرنا علم التاريخ أنه قد قامت فيها دولة باسم الدولة الحورية، عاصرتْ زمن الأسرة الثامنة عشرة الفرعونية. وجاء اسم هذه الدولة في نصوص مصر تحت اسم «دولة ميتان» أو «ميتاني»، وأنه في «ميتاني» قد سكن الشعب الحوري. وكان لتلك الدولة تسمية أخرى ترد في النصوص، على التبادل مع تسميةِ «ميتاني» هي التسمية: «نهارين». ولنطالع ما سجلته موسوعة تاريخ العالم عن بلاد «ميتاني»، تحت مادة «ميتاني»:

أعالي ما بين النهرين «ميتاني»: ربما كان موطن الحوريِّين في بلاد «النايري»، وهو الاسم الذي أطلقه الآشوريون على الإقليم الواقع إلى الشمال والشرق من بحيرة «فان». تحرك الحوريون من هناك جنوبًا في أوائل القرن السابعَ عشر ق.م. إلى شرق آشور وغربها، وأسسوا عددًا من الإمارات اتَّحدت بعد ذلك تحت حكم ملوك «ميتاني». امتدت مملكة «ميتاني» من قرقميش على الفرات حتى قُرب نهر دجلة الأعلى، مشتملة على وديان البلخ والخابور ومقاطعة نصيبين. وفي شرقيِّ دجلة تشتمل أيضًا على مِنطقة «أرابخا/كركوك الحالية»، التي كانت قبل ذلك مملكة حورية منفصلة. وليس من المعروف إذا كانت قد شملت إربيل أيضًا. انتشر الحوريون كذلك في أجزاء من آسيا الصغرى، وسورية وفلسطين، دون أن ينظموا ممالك دائمة. ثبت وجودهم حوالي منتصف الألف الثاني في بوغاز كوي عاصمة الحيثيين (الأناضول)، وفي رأس شمرا (أوغاريت على الساحل السوري قُربَ اللاذقية)، وفي أورشليم وطناخ، وفي بلاد آدم (الحور). وربما اشتملت جموع من الهكسوس على فئات من الحوريين.

موقع بلاد الحوريين إذن غير مؤكد «ربما كان موطن الحوريين في بلاد النايري إلى الشمال والشرق من بحيرة فان»، «وليس من المعروف» إن كان قد شمل مساحات بعينِها من الأراضي. لكن دلائل وجودهم تتناثرُ في «أجزاء من آسيا الصغرى وسورية وفلسطين»، و«في بوغاز كوي، وفي رأس شمرا، وفي أورشليم، وفي بلاد آدم». وقد وصفت الموسوعة بلاد «آدم» تحديدًا بأنها بلاد «الحور». ثم «ربما اشتملت جموع من الهكسوس على فئات من الحوريين». إذن ليس هناك شعب في المنطقة أثبت وجودَه على تلك المساحة الواسعة. وفي الوقت ذاته ليسَ من المؤكد، بل وليس من المعروف عنه أشياء كثيرة. و«ربما» التي تتكرر لتؤكِّد عجزًا واضحًا عن تحديد موطن واضح لدولة واضحة، اسمها دولة «الحوريين» الميتانية، وهو الموقف من بلاد «بونت» وبلاد «أوفير». ويضيف المؤرخ العراقي «طه باقر»، متحدثًا عن بلاد «ميتاني» باسمها الذي يرد معها على التبادل بلاد «نهارين»، فيقول: «من الدويلات الآرامية آرام النهرين، ويعني اسم هذه الدولة: آرام ما بين النهرين، أي الفرات والخابور. وورد ذكرُها في المصادر المسمارية باسم «نهارينا». ويبدو أنها اختفَتْ من الوجود في حدود القرن التاسع ق.م. عندما قضى الآشوريون على جميع الدُّوَيلات الآرامية تقريبًا في تلك المنطقة.١٩ ويؤكد لنا ذلك المؤرخ الرصين أن في تلك المنطقة الآرامية عاش ذلك الشعب المعروف بالشعب الحوري، وذلك استنادًا إلى نص الملك الآشوري «شلمناصر الأول»، الذي حكم في العصر الآشوري الوسيط حوالي ١٢٧٤–١٢٤٥ق.م. والنص يتحدث عن حملاتِ ذلك الملك العسكرية إلى بلاد «أرمينيا» وأرارات، في أقصى شمال العراق، داخل حدود «أرمينيا» الحالية شرقيَّ تركيا، وأنه في طريقه إلى هناك قد غزا موطنَ الحوريين، الذي لا بدَّ أن يقع في تلك الحال في طريقه إلى «أرمينيا»، ما بين النهرين الأعلى، وأنه قد ورَدَ ذكر إحدى القبائل الآرامية الكبرى هناك، باسم «أحلامو» أو «أخلامو»، ومعناها الأحلاف.٢٠
أما المصرولوجست «جاردنر»، فيؤكد ذات المذهب، فيقول: «إن الحوريين قد جاءوا إلى منطقتنا قادمين من عند إقليم «بحر قزوين»، وإنهم هم الذين مهَّدوا الطريق للحيثيين، الذين وفَدوا بعدهم إلى منطقتنا قادمين من الأناضول في نهاية عام ١٦٠٠ق.م. وأن سقوط دولة الحوريين «ميتان» كان على يد الملك الحيثي «شوبيللوليوماش». والمعلوم أن دولة ذلك الملك، قد قامت في تركيا الحالية.»٢١
ويذهب الأركيولوجست «جارستانج» ذات المذهب، بحثًا عن الموطن الأصلي للحوريين، فيؤكد أنهم قَدِموا إلى منطقتنا من أرمينيا كموطن أول لهجرتهم، وأنهم قد انحدروا من هناك إلى الفرات الأعلى بينه وبين الخابور؛ ليؤسِّسوا مملكة ميتاني، التي ورد ذكرُها في نصوص مصر والرافدين، وهي مملكة آرية. ولا تنتمي في رأيه إلى مجموعة الشعوب السامية المُتاخمة لها، وأن تلك المملكة قد سقَطَت فريسةً للغزو الحيثي، عندما تخلَّتْ مصر عن مساعدتها، زمن الفرعون «آمنحتب الرابع/إخناتون»، لتنتهي دولة «ميتاني» من التاريخ وإلى الأبد.٢٢
وقد خرج «جاردنر» من قراءَته لوثائق مصر القديمة، بأن «ميتاني» منذ بداية ظهورها كدولة، قد وقعتْ تحت الهيمنة المصرية، حيث ترافَقَ ظهورها مع خروج مصر خارج حدودها، وتأسيسها للإمبراطورية المصرية، وحيث أرادت مصر بتلك الهيمنة إيقافَ زحف الحيثيين، الذين بدءُوا يهاجمون بلاد الشام الواقعة تحت النفوذ المصري، وذلك بغرض تأمينِ الحدود الشمالية للولايات المصرية في الشام. لكن الحيثيين تمكنوا زمن الفرعون «إخناتون» من القضاء على الدولة الميتانية، وتوسيعِ حُدودهم جنوبًا في بلاد الشام، على حساب الإمبراطورية المصرية، التي بدأت تخسر بعضَ نفوذها هناك، نتيجةً لانغماس الفرعون «إخناتون» في فلسفته الدينية، وإهماله للشئون العسكرية والسياسة الخارجية.٢٣
ونعود لموسوعة تاريخ العالم نتابع سردها الرصين والموضوعي، الذي يسوق المعلومةَ غير المؤكدة في صيغة الاحتمال والظن، لنستمع إليها وهي تقول: «تعرف اللغة الحورية معرفة غير تامة من خطاب دوشراتا ملك الميتانيين، إلى آمنحتب الثالث الملك المصري والد إخناتون، ومن بضع نصوص من مكتبة بوغاز كوي (عاصمة الحيثيين شمالي الأناضول)، ومن بضع كلمات ذُكرت هنا وهناك على اللوحات المسمارية، التي وجدت في نوزي وبالقُرب من كركوك. وربما كانت هذه اللغة قريبةً من اللغة الفانية والعيلامية، غير أنه لا يمكن إدماجُها في أية فصيلة لغوية معروفة. أما صلات الجنس الحوري بأجناسٍ أخرى، فهي غير معروفة. والأسرات الملكية والأمراء الميتانيون من أصلٍ هندوآري؛ إذ كانوا يحلفون بآلهةٍ هندوآرية؛ مثل أندرا وميترا وفارونا وناستيا. وكان أعظم عمل للحوريين، أو على الأصح لقادَتِهم من الهندوآريين، هو إدخال العربة ذات العجلتين التي تجرها الخيل إلى مصر وغرب آسيا، حيث أصبحت معروفة. وربما كانت النحوت الغائرة المعروفة بالحيثية، التي اكتُشفت في شمال سوريا: قرقميش، سنجرلي، تل أحمر، وفي أعالي ما بين النهرين: تل حلف، والتي يرجع تاريخُها من منتصف الألف الثاني إلى القرن التاسع ق.م. ربما كانت هذه النحوت حورية في أسلوبها إن لم تكن في أصلها، كما يتضح من مقارنتها بالأختام الحورية. أما أهم آلهة الحورين فهي: تيشوب إله الزوابع، هيبات إلهة الشمس، ولا يُعرف عن آلهة أخرى عديدة سوى أسمائها.» وتتابع الموسوعة القول: «إن عاصمة مملكة «ميتاني» قد حملت اسم «واشوكاني»، وأنه في زمن الملك الميتاني أرتاتاما حوالي ١٤٤٠ق.م. زمن الفرعونة حتشبسوت، سادتْ علاقات ودية مع مصر، وأنه قد ازدادت عُرى الصداقة مع مصر زمن الملك الميتاني التالي «شورتانا» حوالي ١٤٣٠ق.م. حيث تزوَّجَ الفرعون المصري «آمنحتب الثالث» ابنةَ «شورتانا»، وكانت تحمل اسم «جيلوخيبا». لكن لتتحول العلاقات إلى حالة عَدَاء واضحة زمن الملك الميتاني «توعي»، ثم يخلُفه «دوشراتا» ليعيد التحالف مع «آمنحتب الثالث» ملك مصر. ولا يطول الأمر حتى يلهو «إخناتون» ابن «آمنحتب الثالث» بفلسفته الدينية، ويترك حليفته «ميتاني» تسقط فريسة الغزو الآشوري، زمن «شلمناصر الأول» حوالي ١٢٧٥ق.م. ليزيلها تمامًا من على صفحات التاريخ.

أي هذه التزمينات لسقوط دولة «ميتاني/نهارين» نصدق؟! هل سقطت على يد الآشوريين في القرن التاسع/٩٠٠ق.م. قبل الميلاد، كما أفادنا طه باقر المؤرِّخ والعراقي الرصين المعروف، والمعتبر بين طبقات المؤرخين المحدثين؟ أم أنها سقطت على يَدِ الآشوريين بالفعل، لكن زمن شلمناصر الأول الآشوري حوالي ١٢٧٥ق.م. كما قررت موسوعة تاريخ العالم، التي شارك فيها جِلَّة من المتخصصين كما ينبغي أن يكون التخصص؟ أم أنها لم تسقط على يد الآشوريين، بل على يد سكَّان تركيا القدماء المعروفين «بالحيثيين»، زمنَ الفرعون المصري إخناتون، أي حوالي ١٣٤٠ق.م. فيما يؤكِّده المؤرخ الشهير جارستانج؟ أم أنها سقطت على يد الملك الحيثي شوبيللو ليوماش حوالي ١٣٩٠ق.م. فيما يصر عليه جاردنر المؤرخ العالي الذكر؟! وهكذا يصبح بيدِنا أربعة تزمينات بينها فروقٌ زمنية فادحة، لدينا «٩٠٠ق.م.، و١٢٧٥ق.م.، و١٣٤٠ق.م.، و١٣٩٠ق.م.»! وهذا فقط ما وقع بأيدينا ناهيك عما لم يصِلْنا.

وحتى الآن نجد كل ما جاءنا عن «ميتاني»، جاء مدونًا في عددٍ من السِّجلات، ولم يعثر على تلك السجلات أبدًا في الموقع الذي حدَّده المؤرخون لها بين الفُرات والخابور في الفرات الأعلى. وكل معلوماتنا عن «ميتاني» قد جاءت من تلك السجلات التي عُثر عليها في مصر، أو آشور، أو أوغاريت، أو العاصمة الحيثية بشمال تركيا، دونما أثر أركيولوجي حقيقي في موطنها، الذي تمَّ التواضع عليه. ذلك الموطن الدولة الذي تمَّ تحديدُه في ضوء السجلات غير الميتانية، وفق فروض مُعقَّدة تمَّ فيها تتبع خط سير الحملات المصرية نحو «ميتاني»، وعبورًا على أيةِ مواضع؟ مع دراسة الإشارات التي وردت في الرسائل الميتانية إلى فراعنة مصر، ولم يُعثر أبدًا على الخطابات المماثلة في موقع أعالي النَّهرين، مع دراساتٍ مطولة معقدة، انتهت إلى فرضٍ يضع تلك المملكة في الرَّافدين الأعلى، مع حيرةٍ غير خافيةٍ حول ذلك الانتشار والتشظِّي الواسع للشعب الحوري، بطول المنطقة وعَرضِها في الأناضول، وفي جميع بوادي الشام، وفي داخل فلسطين. وأما الأشد أهمية فهو التواجد الذي أشار إليه الجميع، وأهمله الجميع، في بلادٍ باسم آدم حملت أيضًا اسم بلاد الحور، وهو الأمر الذي نراه أمرًا.

figure
شكل رقم «٣٧»: مساكن بلاد بونت كما صورتها لوحات حتشبسوت.
figure
شكل رقم «٣٨»: الموضع المفترض لبلاد «ميتاني» بأعالي الرافدين. الأسهم تشير إلى هجراتٍ قادمة من وسط آسيا.

آدم أم آدوم؟

«اللغة الكارية» وردت إليها إشارات عدَّة في المصادر القديمة. وربما كانت أقدم تلك الإشارات إشارة «استرابون» المؤرخ الكلاسيكي اليوناني إلى اللغة الكارية، بوصفها لغة لمن يُسميهم «سكان الكهوف». كذلك وردت إشاراتٌ بالكتاب المقدس إلى قومٍ يَسكنون الكهوف، لكن على مستوى التاريخ كعِلم، ظلَّتِ اللغة الكارية لغة مجهولة لشعبٍ مجهول، يسكن كُهوفًا مجهولة في بلادٍ مجهولة.

ومع علوم التاريخ الحديثة التي فكَّت رموز كثيرٍ من اللُّغات القَديمة، يعود الحديث عن اللغة الكارية إلى الظهور، بعد أن تمَّ إسقاطها من حسابات البحث العلمي منذ زمنٍ بعيد. فقد بدأت نصوص الحضارات القديمة تُفصح عن إشاراتٍ إلى اللغة الكارية، فنجد النصوص الأكادية بالرافدين تحدِّثُنا عن لغةٍ باسم «اللغة الحورية»، التي يتحدث بها شعبٌ يعيش في بلادٍ تحمل اسم أصحابِ تلك اللغة، أي الشعب الخوري الذي يعيش في بلاد الخور. ووردت تلك البلاد باسم «بلاد الخور»، كذلك وردت إشارات متكرِّرة في النصوص المصرية القديمة إلى لغةٍ باسم «لغة خارو». وعند فك رموز الهيروغليفية الحيثية بتركيا القديمة، وُجدت إشارات عديدةٌ إلى اللغة الحورية، بل وتم العثور على ألواحٍ مكتوبة بتلكَ اللُّغة. وهو الكشف الذي ترافق مع اكتشاف سجلَّات تل العمارنة بمصر، لنَجِدَ بالعمارنة رسالةً تتكون من ستمائة سطر، مكتوبة بتلك اللغة، موجهة من ملك باسم «دوشراتا» يحكم في بلاد باسم «ميتاني». والرسالة موجَّهة إلى الفرعون آمنحتب الثالث. وهو الأمر الذي أدَّى إلى إلقاء اللُّغَتين أو بالأحرى اللغة الوحدة (الحورية/الخورية) في رحم اللغة الكارية؛ إذ سنكتشف بعد قليل أنها جميعًا ليست سوى لغةٍ واحدة، والربط بينها وبين البلاد التي ذُكرت في تلك الرسائل باسم بلاد ميتاني، واعتبار سكان تلك البلاد هم أصحاب تلك اللغة. ومرة أخرى يعود الاعتبار إلى كلام استرابون والكتاب المقدس، حول اللغة الكارية لغة سكان الكهوف. ذلك الكلام الذي جاء في شكل ومضاتٍ سريعة، تشير إلى شعبٍ يسكن الكهوف ويتكلم الكارية، واحتسب لوقتٍ طويل من خيالاتِ استرابون، ومبالغات المحرر التوراتي.

وبمرور الوقت تزايد الكشف عن تواجد تلك اللغة وانتشارها، في ألواحٍ عُثر عليها في تلِّ تعنك، وفي وادي جرزيل بفلسطين. ثم كانت المفاجأة، وهي أن تلك اللغة لم تكن مجردَ لغة بدائية مجهولة لشعبٍ مجهول. حيث تم العثور على الأقلِّ على مدينة واحدة من مُدن شرقيِّ المتوسط، كان أهلها خليطًا من عدَّة أجناس، ويتحدثون عدةَ لغات بينها اللغة الحورية، بل وضح أنهم كانوا يستخدمونها في المكاتبات الرَّسْمِية. وكانت تلك المدينة هي «أوغاريت» على الساحل السوري قرب اللاذقية، وتحمل الآن اسم «تل شمرا». ثم كان من بين الإشارات التي وردت في أوغاريت، على ساحل المتوسط الشرقي وتل العمارنة بمصر، إشارة أخرى تقول: إن البلاد التي سكَنَها الشعب الحوري الذي تكلم اللغة الحورية، كانت تعرف أيضًا باسم بلاد «آدم»، والتي أطلقت عليها نصوص تلِّ العمارنة اسم بلاد «ميتاني»، وأيضًا «نهارين». وهو الاسم الذي اعتادته المصادر الآشورية في الإشارة إلى بلاد الحور.

ووفق الإشارات التي وردت عن بلاد «ميتاني» في نصوص أكاد ومصر وبلاد الحيثيين، وتفسير تلك الإشارات لدى المؤرخين، فقد انتهى هؤلاء إلى وجوب وقوعها بين الفرات والخابور بالفرات الأعلى. ورغم ذلك فإنه أبدًا لم يعثر هناك حتى الآن على دلائل واضحة، تشير إلى دولة بذلك الاسم «بلاد ميتاني» أو «بلاد آدم». وليست هناك أية كهوف سكنية تشير إلى أصحابها. فقط عثرنا على مخلفات مدينة تُدعى «نوزي»، ربما كانت بعض سجلاتها باللغة الحورية، أو على التدقيق كما ذكرت موسوعة تاريخ العالم «بضع كلمات»، وتلك الكلمات البضع أبدًا لم تتحدَّث عن نفسها، باعتبار أن اللغة المدونة بها هي لغة نوزي، كما لم تفصح لنا عن اسم شعبها، أو دَولتها أو هويتها.

وهكذا تم وضع اللغة الحورية وشعبها الحوري شعب آدم الميتاني ساكن الكهوف، في ملفٍّ صغير يؤكِّدُ أن بلاد الميتاني تقع أعالي الفرات. وربما كانوا هُم، احتمالًا، أولئك الذين حملوا اسم بلاد آدم الحورية، وتكلموا اللغة الحورية، لكن الملفَّ وُضع مرةً أخرى بين عددٍ من الملفات المسجلة، تحت عنوان «غير مؤكد وأقرب للمجهول».

وهنا نمسك من كلِّ ذلك الشتات بطرَف خيطٍ، يتمثل في واحدٍ من الأسماء المتعددة لذلك الشعب، الاسم الذي فضَّل أن يُطلقه على نفسه، «شعب آدم»، الذي ورد له مثيلٌ بالكتاب المقدس لكن باسم «آدوم». وسنحاول الآن تحديد موقع «آدوم التوراتي» الجغرافي؛ للتأكد من مدى التقائِه من عدمه، مع شعب آدم الحوري الميتاني (التاريخي). وهذا التحديد سيعتمد بالضرورة على ما جاء بالكتاب المقدس عن الشعب الذي سكن بلاد آدوم، إضافةً إلى ما يمكن أن نعثر عليه في نصوص المنطقة إن وجدنا. ثم علينا محاولة التأكد والتيقُّن إن كان شعب «آدوم» التوراتي فعلًا هو المذكور في المدوَّنات التاريخية باسم «آدم/الحور/الميتاني/نهارين»؟ وفي حال الوصول إلى إجابةٍ، سنحاول تقديم القرائن والأدلة الممكنة.

يمكن التعرف على موضع بلاد «آدوم»، التي جاء ذكرها بالكتاب المقدَّس من عدة مواضع ومتكررات بهذا الكتاب، أبرزها النص الذي يحدِّثنا عن حدود دولة إسرائيل جغرافيًّا، وكيف تتماسُّ حدودها الجنوبية مع دولةٍ تجاورها من جنوبها. ويصف موقع تلك الدولة بقوله:

تخم آدوم:٢٤ برية صين نحو الجنوب، أقصى التيمن.
أقصى بحر الملح من اللسان المتوجِّه نحو الجنوب.
(يشوع، ١٥: ١-٢)

وهو ما يعني أن الحدود الجنوبية للدولة اليهوذية — حسب سياق النصِّ الذي ورَدَ به الاقتباس — كانت على خطٍّ حُدودي مع بلاد تسمى آدوم، وأن على تلك التخوم (الحدود) تقع برية باسم برية «صين». ومن جانبنا جهدنا بحثًا على تلك الحدود في خريطة المنطقة الحالية، حتى وجَدْنا برية تحمل اليوم اسم برية «تسين»، دون تغيير لساني يُذكر عن برية «صين»، وتقع في ذات الموضع الذي حدَّدَتْه التوراة لبرية صين. ثم إن هذه التخوم تقع عند أقصى بحر الملح جنوبًا. و«بحر الملح» هو الاسم التوراتي للبحر الميِّت، وإن تخوم «حدود» آدوم هذه تبدَأُ عندما ينتهي لسانُ البحر الميت الممتدِّ جنوبًا.

وتقول التوراة: إن سكان تلك المنطقة سُموا آدوميين؛ لأسبابٍ صاغتها التوراة على طريقتها. وأهم تلك الأسباب: أن جد الآدوميين البعيد كان يُدعى آدوم، وأن آدوم هذا كان شقيقًا توءَمًا ليعقوب بن إسحاق بن إبراهيم المعروف باسم إسرائيل. لقد كان المحرر التوراتي يعلم أن هناك لونًا من القَرابة القبلية، بين سكان بلاد آدوم، وبين الشعب الإسرائيلي، فجعل الآباء الأسطوريين للشعبين أشقَّاءَ، بل وتوائم.

ومع استمرار القراءة نفهم أن آدوم لم يكن الاسم الأصلي الأصيل لجد الآدوميين؛ لأنه كان يحمل اسمًا أولًا هو «عيسو»، ثم بعد زمن وبعد أن كبر وأصبح شابًّا يافعًا، اكتسب اسم «آدوم». ومرة أخرى تشرح لنا التوراةُ على طريقتها لماذا حمل عيسو عندما يفع شابًّا اسم «آدوم»؟ لتفسر لنا صفةً أخرى لهذا الشعب الآدومي، تضيف لمعلوماتنا عنه مزيدًا من الرَّصيد. وفي هذا التَّفسير يقدِّم لنا الكتابُ المقدس قصة، تتضمن معلومةً كان يعرفها المحرر التوراتي عن يَقين، تحكي أن عيسو كان ذات يومٍ جائعًا، فلجأ لأخيه التوءَم يعقوب ليطعمه، وكان يعقوب قد طبَخَ عدسًا. ويقول النص في ذلك:

فقال عيسو ليعقوب: أطعمني من هذا الأحمر؛ لأني قد أعييت؛ لذلك دُعي اسمه آدوم. فباع بكوريته ليعقوب، فأعطى يعقوب عيسو خبزًا، وطبيخ عدس.

(تكوين، ٢٥: ٣٠–٣٤)
النص يقول: إن عيسو عندما أكل العدس «الأحمر»، حمل بعدها اسم آدوم. فماذا يعني هذا الكلام الساذج؟ يمكننا أن نجد مزيدًا من التوضيح في نصٍّ آخر، يحكي لنا قصة ميلاد السلفَيْن الأسطوريين للشعبين الإسرائيلي والآدومي، حيث يقول عن رفقة زوجةِ إسحاق، وحملها للتوءَمين:

فلما أكملت أيامها لتلد؛ إذا في بطنها توءَمان. فخرج الأول أحمر كله كفَروةِ شعر، فدعوا اسمه عيسو. وبعد ذلك خرج أخوه ويده قابضة بعقب عيسو، فدعي اسمه يعقوب.

(تكوين، ٢٥: ٢٤–٢٦)

مرة أخرى تفسر لنا القصة ذلك الأمرَ الذي كان يعرفه المحرِّر التوراتي، وهو أن الشعب الآدومي كان «شعبًا أحمر» كما هي عادة التوراة في وضعِ معانٍ لأسماء الأعلام، مثل بنيامين أي: ابن اليمين. ويعقوب سُمي كذلك؛ لأنه كان يمسك بعقب أخيه التوءَم عيسو عند ولادته. كذلك سُمي عيسو بهذا الاسم؛ لأن اسم عيسو يعني الأحمر، واسمه الثاني آدوم يعني أيضًا الأحمر. وكان الترميز إلى اللون الأحمر في الاسم عيسو «فروة شعر»، والترميز إلى اللون الأحمر في الاسم آدوم «طبيخ عدس». أما معنى كلمة «آدوم» في اللغتين العبرية والعربية، فهو الصخر أو التراب «الأحمر». والمقصود هو اللون الأشقر الضارب إلى حمرة، أو الأحمر الضارب إلى غُبرة. وهو الأمر الذي يرجح استنتاجاتِ المؤرخين أن الشعبَ الميتاني — حسب موسوعة تاريخ العالم — من الجنس الهندوآري. وعادةً ما يحمل هذا الجنس صفة الشقرة الضاربة إلى حمرة. وهذا أول القطر في محاولة التيقُّنِ من تطابق القصة التاريخية، عن شعب آدوم الحوري الميتاني التاريخي، مع الشعب الذي ذكره الكتاب المقدس باسم شعب آدوم.

ومع محاولة البحث عن تطابق، نحاول أيضًا تدقيق الموقع الجغرافي لبلاد آدوم التي سكَنَها الشعب الحوري صاحب اللغة الحورية الكارية. نمسك بتلابيب «آدم» التي رأيناها ذات «آدوم»، لنطالع خريطة المكان الذي حدثنا عنه الكتاب المقدس جنوبيَّ البحر الميت. فنجده امتدادًا طوليًّا على الجهتين الأصليتين الشمال والجنوب، يسير مع امتداد «جبال الشراة أو السراة»، التي تطلق عليها التوراة اسم جبال «سعير»، التي يوازيها من الغرب وادٍ عظيم، يمتد بنفس الطول يسمى «وادي عربة».

لكن المصادر التاريخية وصفت شعب «آدم/التاريخي» بأنه شعب «حوري»، فهل نجد أية إشارة بالكتاب المقدس تشير إلى أن شعب «آدوم/التوراتي»، بدوره كان يحمل تلك الصفة «حوري»؟ هنا تقفزُ بين أيدينا نصوصٌ واضحة، ونحن نقلب دفتي المقدس تقول:

وفي سعير سكن قبلًا «الحوريون»، فطردهم بنو عيسو، وأبادوهم من قدامهم، وسكنوا مكانهم.

(تثنية، ٢: ١٢)

ها قد بدأت الأمور تنجلي بين أيدينا. ولدينا الآن قرينة جديدة، تتمثل في أن شعب «آدم» المزعوم أنه سكن أعالي الفرات، كان يحمل الصفة «حوري»، وهي ذات الصفة التي أكد المقدس على أنها كانت صفةَ شعب «آدوم»، الواقع على امتداد جبال السراة (سعير)، ووادي عربة جنوبي البحر الميت.

لكن النص هنا حاول القول إن «آدوم» أُناس و«الحور» أناس أُخر. لكن الحدث حدَثَ في ذات المكان، حيث أباد الآدوميون (بنو عيسو) الحوريين واستوطنوا بلادهم. ونظن أن ذلك يعود إلى سببٍ تأسيسي. فلما كان الحوريُّون أشقاء للإسرائيليين، وكان معلومًا أنهم هندوآريون وليسوا ساميين. وحتى لا تلحق الهندوآرية بإسرائيل؛ فقد تمت الصياغة بهذا الشكل، لكنها لم تلحق باستنتاجنا أي خلل؛ فنحن ما زلنا في ذات المكان الذي حددته التوراة. وما يشغلنا الآن هو أن ذلك الموضعَ كان سكنًا لشعب الحور الذي نعتقد الآن، أنه ذات شعب آدوم (وهو ما سنقدم عليه قرائن كافية). شعب آدوم الذي سكن جبال عسير/السراة ووادي عربة ذلك الوادي الذي كان سببًا في إطلاق اسم العرب أولًا على سكان آدم وسيناء وبعض بوادي الشام القريبة. ولم يتمَّ تعميم اسم عرب على سكان المحيط الأوسع في بوادي الشام وجزيرة العرب، إلا بعد ذلك بزمنٍ طويل. فظل العرب هم سكان عرابة/عربة ومحطيها في النصوص الرافدية، التي بدأت ذكرهم حوالي ٨ق.م. أو قبله بقليل، حتى زمن المؤرِّخين الكلاسيك قبل القرن الميلادي الأول، الذين أخذوا يتحدثون عن عرب جزيرة العرب المعروفة الآن. وهو أمر سيأتي تفصيل بيانه في مكانِه من هذا العمل.

ونعود نمسك بأول القرائن الدالة والشاهدة «آدم = آدوم = بلاد الحور»، نحاول العثور على مزيدٍ من التحديد الدقيق خاصةً الجغرافي. وليس في أيدينا عن البلاد الذي ذكرَها علم التاريخ باسم «آدوم» سوى شذراتٍ يسيرة تمامًا، إضافةً إلى ما ورد عنها بالكتاب المقدس. وإن نصًّا بالمقدس أو نصَّيْن كما أوردنا، لا يؤكدان شيئًا ولا ينفيان شيئًا، إزاء قضية كبرى كتلك التي بين أيدينا، نحاول فيها تحديد موضع مخالف تمامًا لما تعارف عليه رجال التاريخ، كموطنٍ ومستَقَرٍّ للشعب الحوري الميتاني في منطقة المتوسط الشرقي، الذي أسكنوه أعالي الفرات، دونما دلائل وبيئات حاسمة واضحة كافية مؤكدة، أو حتى شبه مؤكدة.

وعليه نعود للوثيقة التاريخية الكبرى المتاحة، الكتاب المقدس، ننقِّب فيها بحثًا عن مزيدٍ من التأكيد، على أن بلاد «آدم» التاريخية في موقع «بلاد آدوم» التوراتية، وأن ذلك الموقع يتموضَعُ في المساحة الواقعة بطول وادي عربة شرقيَّ سيناء. ونقرأ قصة عن يعقوب بن إسحاق، الذي سبق وذهب في رحلةٍ طويلة إلى الشمال السُّوري، ثم عاد يريد دخول فلسطين مع أنعامِه وعبيده، بالعُبور من جنوبي البحر الميت. لكن هذا العبور كان يعني اختراقَ منطقة شعب أخيه عيسو/آدوم. وهنا نجد يعقوب يضطر إلى دفع رسوم عبور عالية؛ ليتمكَّن من العبور عبر آدوم، إلى النقب جنوبيَّ فلسطين. وهو ما نفهمه من النص:

وأرسل يعقوب رسلًا قدَّامه إلى عيسو أخيه، إلى أرض سعير بلاد آدوم. وأخذ مما أتَى بيده هدية لعيسو أخيه، مائتي عنزة وعشرين تيسًا ومائتي نعجة، وعشرين كبشًا، وثلاثين ناقة مرضعة، وأولادها.

(تكوين، ٣٢: ٣، ١٣، ١٤)

ومثل تلك الهدية أو ضَريبة العبور، تعني أنه كان مع يعقوب مثلها عشرَ مرات على الأقل، لو افترضنا أنه دفع العشر ضريبة العبور المتوافق عليها في الزمن القديم. وهو ما يفسِّر لنا عدم تمكُّنِه من عبور نهر الأردن مباشرة إلى فلسطين، واضطراره للدوران من جنوبِ البحر الميت، بما معه من سوائم؛ لأن عددَها سيصل على الأقل إلى ألفَي عنزة ومائتي تيس وألفي نعجة، ومائتي كبش وثلاثمائة ناقة وأولادها، وعبوره بذلك كله على بلاد آدوم، التي وضح موضعها الجغرافي هنا كحاجزٍ كبير يفصل شرقيَّ المنطقة في البوادي الشامية شماليَّ جزيرة العرب، عن غربيِّها شبهِ جزيرة سيناء، بحيث لم يكن بإمكان يعقوب أن يجد أيَّ منفذ للعبور، مما يعني أن سيطرة آدوم قد امتدَّتْ من جنوبيِّ البحر الميت حتى خليج العقبة، لتغلق المنطقة تمامًا على أيِّ عبور، وأن تلك البلاد كانت قبائل أو عصابات تقطعُ الطريق، أو دولة قوية مقتدرة تأخذ رسومها ممن يعبرون أرضها، أو تستولي على ممتلكاتهم.

وهكذا كان المحرِّر التوراتي يعرف بصلةٍ قوية بين القبائل الآدومية والقبائل الإسرائيلية. وكان يعلم بالتحديد وبالقطع وباليقين، الموضع الدقيق لبلاد آدوم ومساحة سيطرتها، وأن آدوم قد سكنوا جبال سراة سعير، ووادي عربة جميعًا، «فسكن عيسو في جبل سعير وعيسو هو آدوم (تكوين، ٣٦: ٨)». أما بلاد سعير نفسها فقد اكتسبت اسمَها، حسب التخريج التوراتي، من اسم ساكنيها الأوائل «بنو سعير الحوري» (تكوين، ٣٦: ٢٠).

ما زلنا ندعم موقعَنا الجغرافي لبلاد «آدم الحورية التاريخية» في بلاد «آدوم الحورية التوراتية» لمزيدٍ من اليقين. ونعمد إلى الكتاب المقدس لنؤكد أن محرِّري التوراة كانوا يعلمون يقينًا معلومة معروفة لديهم، بشكلٍ واضح تمامًا لا تقبل الالتباس، يعودون إليها كل مرة دون خطأٍ واحد، مما يشير إلى أنهم بين الأساطير والترميزات كان لديهم طوال الوقت، خريطةٌ واضحة تتأكد دومًا. ونموذجًا لذلك حكايةٌ جاءتْ ضمن حكايا التوراة عن خروج بني إسرائيل من مصر عبورًا على سيناء، في عَددٍ هائل من البشر تحت قيادة النبي موسى. وتقول الرواية إن النبي موسى بعد أن وصل مع أتباعه حدودَ فلسطين الجنوبية، كان بالإمكان أن يتعرض من سكَّانها لرد فعل عسكري قوي، ففضل مفاجأتها بعبور الأردن من شرقيِّه إلى غربيِّه، والهبوط الصاعق على أريحا. لكن ذلك كان يعني أولًا عبورَ وادي عربة وجبال سعير؛ كي يصبح في الموضع المطلوب حسب خطته. وبالفعل تم العبور وفق التخطيط المُعد له، ولم يخبرنا المقدس إن كان موسى قد دَفَع رسومَ عبورٍ أم لا. لكن الصورة التي تَحكيها التوراة تصوِّر ذلك العبور تسلُّلًا هادئًا ساكنًا مرتعبًا، رافقته أوامر إلهية بعدَم التحرش أبدًا بسكان بلاد آدوم، وهو ما جاء في شكل أوامر من يهوه إلى نبيه موسى، قائلًا:

أوصِ الشعبَ قائلًا: أنتم الآن مارون بتحكم إخوتكم بني عيسو الساكنين في سعير، فيخافون منكم فاحترزوا جدًّا. لا تهجموا عليهم؛ لأني لا أعطيكم أرضَهم ولا وطأةَ قدم؛ لأني لعيسو أعطيت جبلَ سعير ميراثًا. فعبرنا عن إخواننا بني عيسو الساكنين في سعير على طريق العربة (أي وادي عربة [المؤلف]) وعلى أيلة (حاليًّا ميناء إيلات [المؤلف]) وعلى عصيون جابر (في الجوار الغربي منه [المؤلف]). ثم تحولنا ومررنا في طريق برية موآب.

(تثنية، ٢: ٨، ٥، ٤)

مرة أخرى يسجل المحرر التوراتي، بشديد الدقة، ذكرياته عن بلاد آدوم، فهي بلاد عيسو السَّاكنِين في سَعير، وأن بلادَهم تقع في جِبال تُعرف باسمهم، فهي جبال سعير ووادي عربة. ومن موانيها المشهورة: ميناء أيلة، وكلها تقع في المساحة الواقعة بين البحر الميت وخليج العقبة. ويؤكِّد هذه الموضعة الجغرافية أن النص يقول إنه بعبور وادي عربة وجبل سعير من غربه إلى شرقه، يصلون إلى طريق برية موآب. وموآب دولة تاريخية معلومة تقع إلى الشرق من البحر الميت في قسمه الجنوبيِّ، أي تلاصق بلاد آدوم المفترضة في هذا الموضع من الشرق، والشمال الشرقي، وهو الأمر الذي يفيد بمدى وضوح الجغرافيا ودقَّتِها عند المحرر التوراتي.

والآن هل نجد في وثائق التاريخ كعلم ما يؤيد ما ذهَبْنا إليه؟ وهل ثمة إشارة إلى بلاد «آدم» كما نقصدها نحن «آدوم سعير»، في أي مدونات أو وثائق في علم التاريخ؟ وهل نجدُ في هذه الوثائق أية إفادات، تدعم الموقع الجغرافي الذي حدَّدَتْه التوراة لبلاد آدوم؟

نظن أننا عثرنا على أول تلك الإشارات، وأننا أول من عثَر عليها في أكثر من وثيقةٍ حقيقية، أولها ملحمة «كارت ملك صيدون». وتروي تلك الملحمة قصة حملة عسكرية كبرى، يقوم بها (كارت ملك صيدا على الساحل الجنوبي)، على بلاد حددت الملحمة موقعَها إلى الجنوب من بلاد صيدا، وليس إلى الشمال منها بين الفُرات والخابور. وكان هدف الحملة بلدًا يحمل اسم «آدوم الكبرى».٢٥ وهو الاصطلاح الذي لا يُشير لآدوم كمجرد دولة جنوبية، إنما دولة تستحق أن تُوصف بأنها كُبرى.

وتحكي الملحمة، بالأسلوب الرمزي الغنائي الملحمي، قصةَ تحرُّكِ جيوش عظيمة من صيدا، تحت قيادة ملكها الذي حمل اسم كارت، ليتزوج ابنة ملك آدوم. فيما يبدو أنه كان فرضًا لاتحادٍ بالقوة، حيث كان الزواج هو عقدَ الوحدة والأحلاف بين الأُسر الملكية. ولا يفوتنا التنبيه إلى أن اسم «كارت» نفسه يلتقي مع اللغة «الكارية»، ومع اسم مدينة «أوغاريت» التي عُثر فيها على تلك الملحمة. فهي مدينة «أو كارت»، وورد اسمها في سجلات العمارنة، بإسقاط الراء المعترضة «أوكات». فالاسم كارت يعني إذن: الكاري، أو الحوري.

ومع البحث نمسك بوثيقةٍ أخرى، تؤكد صدق ما نفترضُه هنا، فنقرأ عن حملة قام بها الفرعون «رمسيس الثالث»، اتجهت إلى بلادٍ يَسكنها شعب يسمى بالسعيريين، وجاء النص على لسان الفرعون وهو يقول:
لقد قضيت على «السعيريين» من قبائل «شاسو».٢٦

ونحن نعلم أن السعيريين تعني سكانَ جبال سعير، لكن النص هنا لا يحدد لنا مكانًا. فقط يقول: «السعيريين من قبائل شاسو». والكلمة «شاسو» كانت تعبيرًا مصريًّا شائعًا، يشير إلى بدوِ شبهِ جزيرة سيناء، مع اصطلاحاتٍ أخرى مثل «عامو» و«ستيو»، التي تطلق على الآسيويين عمومًا، وعلى الهكسوس خصوصًا.

لكن، ألم يكن المصريون القدماء يعلمون ما عرفناه في بحثنا هنا، وهو أن شاسو (سعير) هم الآدوميون؟ وإذا كانوا قد عرفوا ذلك، فهل يمكننا أن نجد نصًّا مصريًّا قديمًا يفيدُ ذلك؟ نعم هناك نص آخر عثرنا عليه، وقد جاءَ في تقريرٍ رسمي لموظف من عهد الفرعون مرنبتاح من الأسرة التاسعة عشرة، حوالي ١٢٢٤–١٢١٤ق.م. يقول فيه:
انتهينا من السماح لقبائل «الشاسو الآدومية» بتخطي قلعة مرنبتاح التي في زيكو، ليظلوا هم وقُطعانهم أحياء بفضل إحسان فرعون.٢٧

هكذا وصف النص قبائل الشاسو بأنهم من الآدوميين. والنص الأسبق يتحدَّث عن الشاسو بوصفهم من جبال سعير. وهكذا أصبح لدينا قرائن كافية على معرفة المصري القديم أن الشاسو هم الآدوميون الذين يسكنون جبال سعير، مما يدعم رؤيتنا التي تموضع مركز دولة «آدم» الحورية الرئيسي في بلاد آدوم، في وادي عربة وسراة سعير؛ لأنها هي فقط التي تحمل اسم «سعير»، وليس أي مكان آخر. ولكنا نطمح إلى المزيد من القرائن التي يمكن أن ترقى بفرضنا، من مستوى الفرض المحتمل إلى مستوى النظرية، التي تحمل أدلة كافية على صدقها.

وبسبيل ذلك نتذكر النصَّ التوراتي السالف إيراده. ويحدثنا عن ميناء باسم «عصيون جابر»، يقع إلى الجوار من ميناءٍ يُدعى «إيله»، وأن كِلا الميناءَين يقع في بلاد آدوم، حيث عبر موسى برجاله. وإن ما يؤكد لنا أن كلًّا من المينائين كان يقع على خليج العقبة، وأن «إيلات» الحالية هي بالفعل ميناء يقعُ بجوار إيلات. والعقبة الحالية هو أن محرري التوراة كانوا يُطلقون على البحر الأحمر اسم بحر «سوف»، والشديد الدلالة هنا هو أن محرري التوراة رغم اختلافِهم مشربًا وزمنًا بتعدد الأسفار، فإن الجغرافيا كانت واضحة لديهم؛ لأنها معالم مستقرة وثابتة. وليس هناك أية حاجة واضحة للَّعبِ بها لصالح أسطورة الشعب المختار، كما هو دأب الكتاب المقدس. فيقول لنا سفر ملوك أول: «وعمل الملك سليمان سُفنًا في عصيون جابر، التي بجانب أيلة في أرض آدوم» (ملوك أول، ٩: ٢٦). والنص هنا يُشير إلى اتساع ملك سليمان — حقيقة أو مبالغة من المحرر التوراتي — على حساب دولة آدوم، حتى إنه اتخذ من الميناء الآدومي «عصيون جابر» ميناءً له على البحر الأحمر.

وللمزيد نبحث عن أسماء مواضع وردت في التاريخ ضمنَ بلاد آدم، وعن أسماء مواضع وردت في الكتاب المقدَّس، تقَعُ ضمن بلاد آدوم، لنحاول مطابقتها معًا، ومع واقع الجغرافيا. لذلك نسير مع الأسفار شوطًا بعيدًا، إلى ما بعد قيام مملكة إسرائيل الموحدة زمن شاول وداود وسليمان، وانقسامها بموت سُليمان إلى إسرائيل في الشمال ويهوذا في الجنوب، لنستمع إلى حديثٍ عن حرب وقعت بين المملكة الجنوبية يهوذا، زمن مُلكها المعروف باسم «أمصيا بن يوآش»، وبين مملكة آدوم. يقول ذلك الحديث: «هو (أي أمصيا [المؤلف]) قتل من «آدوم» في وادي الملح عشرة آلاف وأخذ «سالع» بالحرب» (ملوك ثاني ١٤: ٧). والمعنى أن الملك الإسرائيلي أمصيا احتلَّ بلاد آدوم بمجازر، واستولى على عاصمتها سالع. و«سالع» كلمة عبرية كنعانية تعني «الصخرة»، وظلت سالع تعرف بهذا الاسم حتى زمن اليونان الذين أطلقوا عليها اسمًا جديدًا. لكنه يحمل ذات المعنى الذي كان يحمله اسم سالع، فأسموها «بترا» أي الصخرة باليونانية. واستمر ذلك الاسم بعد ذلك زمن الرومان، وحتى الأزمنة الحديثة والمعاصرة، فهي لم تزل تحمل اسم البتراء. ثم نعلم أنه في زمن الرومان كانت بترا هي عاصمة البلاد الواقعة بين البحر الميت وخليج العقبة. وهكذا تكون سالع التي ذكرتها التوراة تقع في الموقع ذاته. وهو ما يؤكد لنا طول الوقت أين تقع بلاد آدوم، التي افترضنا أنها بلاد آدم الحورية (ميتاني) التاريخية، التي مَوْضَعَها المؤرخون بالفرات الأعلى بين الفرات والخابور.

ويستمر بحثنا على دأبه؛ لتأكيد موقع بلاد آدوم، بين العقبة والبحر الميت، فنجد سفر إشعيا يقول: «وحي من جهة «دومة» صرخ إليَّ صارخ (من سعير)» (إشعيا، ٢١: ١١).

وعندما كانت التوراة تغضب على شعب؛ لأنه عادى شعب الرب، فإنها كانت تستنزل عليه اللعناتِ المرتجاةَ في قابل الأيام. وهو ما حدث في مراحلَ متأخرة من التاريخ الإسرائيلي، حيث قلَّبَت الأيام العلاقات، وتحولت القرابات والود إلى معاركَ دموية. ويبدو أن بلاد آدوم كانت صُلبة في صراعها مع الإسرائيليين، إلى الحد الذي دفع إشعيا ليجأر بنبوءاته تستنزل على الدمار الإلهي على آدوم:

هوذا على آدوم ينزل، وعلى شعب حرمته للدينونة للرب ذبيحة في بُصرة، وذبحًا عظيمًا في أرض آدوم، وتتحول أنهارها زفتًا وترابها كبريتًا، وتصير أرضها زفتًا مشتعلًا ليلًا ونهارًا لا تنطفئ.

(إشعيا، ٣٤: ٥–١٠)

كما هو واضح، إشعيا الأريب يلحظ الأرض البركانية في المنطقة، فيتنبأ بأن فناء آدوم سيكون بالزفت المشتعل والكبريت. وطوال الوقت نجد آدوم بلادًا لا تقع عند الفرات الأعلى. فالنص يذكر من مدن آدوم مدينة باسم «بُصرة». وليس في أعالي الرافدين أي «بُصرة»، لكنا نجد حتى الآن بُصرى شمالي البتراء في سراة سعير. ثم لا يفوت المدقق أن نص إشعيا يشير إلى أن بلاد آدوم كان بها حتى زمنه أنهارٌ تسقيها، تلك التي يتنبأ أن مياهها ستتحول إلى كبريت.

ومثل النص السالف نجد نصًّا آخر، يقول بلسان الرب في نُبوءة النبي الإسرائيلي حزقيال:

وأمد يدي على آدوم، وأقطع منها الإنسان والحيوان، وأصيرها خرابًا من التيمن إلى ددان، وأجعل نقمتي في آدوم بيد شعبي إسرائيل.

(حزقيال، ٢٥: ١٣، ١٤)

ويضيف النص هُنا إلى معلوماتنا الجغرافية، كي نرسم خريطة واضحة لبلاد آدوم، فيقول: إن من مدن بلاد آدوم إضافةً إلى «بُصرى» مدينتين أخريين، هما «التيمن» و«ددان». وتقع «التيمن» في شرقيِّ جبال سعير شمالي جزيرة العرب. كذلك «ددان» هو الاسم الثابت تاريخيًّا لبلدة العلا الحالية شمالي السعودية، مما يشير إلى توسعٍ جغرافي نحو الشرق يتبع دولة آدوم، قد يصل بنا إلى تيماء ومدينة العلا، وجميعها كما نرى لا تقع في الرافدين الأعلى. فليس هناك أي موضع باسم «التيمن» ولا باسم «ددان».

وفي الروايات التاريخية نلمس صلاتٍ وطيدة بين مصر وبين بلاد آدم الحورية. فنسمع من علم التاريخ عن زيجات تمت بين البلاط المصري وبلاط بلاد آدم الميتاني. وهي ذات الصلات التي نلمسها في روايات الكتاب المقدس عن علاقة آدوم بمصر، وذلك في روايةٍ يرويها محرر الكتاب المقدس حول الصراع الذي دار بين ملك الدولة الإسرائيلية الموحدة: سليمان، وبين جيرانه الآدوميين. فيروي لنا أن الملك داود ومن بعده سليمان قاما بحروب احتلَّا بها بلاد آدوم، فهرب رجال القصر الآدومي الحاكم بولي العهد الصغير إلى مصر. وكان اسمه «هداد» أو «حداد». ويقول النص:

إن هدد هرب هو ورجال آدوميون من عبيد أبيه معه ليأتوا إلى مصر، وكان هدد غلامًا صغيرًا. وقاموا من مديان وأتوا إلى فاران، وأخذوا معهم رجالًا من فاران إلى مصر إلى فرعون مصر. فأعطاه بيتًا، وعين له طعامًا وأعطاه أرضًا. فوجد هدد نعمة في عيني فرعون جدًّا وزوجه أخت امرأته، أخت تحفنيس الملكة. فولدت له أخت تحفنيس جنوبث ابنه، وفطمته تحفنيس في وسط بيت فرعون. وكان جنوبث في بيت فرعون بين بني فرعون.

(ملوك أول، ١١: ١٧–٢٠)

وتلك الرواية تَشِي بأكثر من سر؛ فهناك صلة حارة بين ملوك آدوم وبين الفراعنة. وهي الصلة الحارة التي حدثتنا عنها وثائق تل العمارنة، بين الفراعنة وبين الميتانيين في بلاد آدم الحوري. لكن الملحوظة الهامَّة هي أن التقليد المصري كان يسمح للمصري بالزواج من أجنبية، لكنه لم يكن يحقُّ للمصرية إطلاقًا أن تتزوج من غير مصري، فما بالُنا والنص هنا يقول إن المصرية التي تزوجت الأجنبي الآدومي كانت أميرة من البيت المالك، بما لها من قداسةٍ دينية وقانونية. إنه أمرٌ لا يجبُ أن يمر بسرعة نضيفه إلى رصيدنا نحو الكشف المأمول، حيث لم يصلنا من علم التاريخ في الوثائق المصرية، أن هناك أميرة مصرية تزوجت أجنبيًّا سوى في حالة «ميتاني» فقط. وهو ما تؤكد التوراة أنه قد حدَث مع ملك آدوم. أفلا يعني ذلك أن «ميتاني» هي ذات عين آدوم؟

وربَّما حدَث مرةً أخرى في حالة زواج سليمان من بنت الفرعون، الذي لم تذكر التوراة اسمه. وربما كان هذا الفرعون هو شيشنق؛ لأن شيشنق هجم على دولة سليمان بعد موت سليمان مباشرة، على أن نقبل رواية التوراة عن هذا الزواج، بتحوطٍ وتحرز، وربما بشكٍّ عظيم، فقد تكون كاذبة تمامًا. أو ربما نصدقها إذا نظرنا إلى زمن شيشنق كبداية لانحطاط القوة المصرية الصلفة، ناهيك عن كون هذا الزمن زمن حكم الشناشقة لم يكن زمنَ حكم مصري؛ لأن الشناشقة وشيشنق هذا لم يكونوا مصريين بل ليبيون؛ لأن شيشنق الأول هو مؤسس لأسرةٍ ليبية حكمت عرش مصر. ومن هُنا يمكن أن نفهم عدم حرصِهم على التقاليد المصرية المقدسة.

ونعاود البحثَ وراء وثائق التاريخ، نبحث عما يؤيِّدنا، فنجد نصًّا يمكن أن يعطينا دليلًا جديدًا، هو نص آمنحتب الثاني ١٤٣٦–١٤١٣ق.م. يسوقه لنا جاردنر مع تعقيباته قائلًا: «نفهم من النص أن الفرعون المصري كان في مجلس شراب، فانطلق لسانه بالاحتقار لأعدائه الأجانب، بمن فيهم العجوز رباح وقوم نخسى الذين لا جدوى منهم، وأنه بعد أن عاد جلالته من رتنو العليا، وبعد أن قهر أولئك الذين لم يستشعر حبهم له، وبعد أن مد حدود مصر في حملة النصر الأولى له، عاد جلالته فرح القلب إلى أبيه آمون، ووضعهم مقلوبين على مقدم سفينة جلالته التي كان اسمها: عا خبرع مثبت الأرضين. وقد علق ستة من هؤلاء الأعداء على واجهة سور طيبة، أما السابع فقد أرسل بسفينةٍ إلى النوبة. وهناك علق على جدار سور نبتة ليكون عبرة. ونخسى لا تبعد كثيرًا عن قادش على نهر الأورنت، وهي الحملة نفسها التي جاء ذكرها على تمثال لأمنمحات عُثر عليه في مدامود، يشير فيه أنه شهد جرأة وإقدام مولاه آمنحتب الثاني، حيث غزا ثلاثين مدينة في ناحية نخسى. ونلتقي بفقرة تصف تدمير مكان يُدعى «شمس آدوم»، لا يبعد أكثر من مسيرة يوم عن قطنا. وهي مدينة هامة على بعد أحد عشر ميلًا إلى شمال شرقي حمص.»٢٨
وحتى يمكن فهم النص الذي قدمه جاردنر مصحوبًا بوجهة نظره الشخصية، فإن بلاد رتنو العليا اصطلاح مصري يشير إلى بلاد سورية ولبنان الحالية. بينما كان يعبر عن فلسطين ومحيطها الجنوبي باسم رتنو السفلى. ويبدو لنا أن الاسم «رتنو» من «ردن»، ومنه الكلمة «أردن». وهكذا يكون هناك أردن أعلى يقصد به نهر العاصي، الذي يحمل اسم «أورنت»، ويلتقي تمامًا مع كلمة «أردن» بظاهرة القلب،٢٩ ويكون هناك رتنو سُفلَى يقصد به نهر الأردن الحالي ومحيطه.
وحول قراءة أسماء الأعلام في اللغات القديمة، يُبدي الباحثون قلقهم «من صعوبات البحث في التاريخ القديم عمومًا؛ إذ إن كتابة الأسماء القديمة لا تخضع لأية قواعد مُتعارف عليها. فإذا أخذنا أسماء باللغات التي لها قرابة عائلية مع اللغة العربية، مثل: الأوغاريتية والآرامية والعبرية والأكادية وغيرها، نجد اختلافًا في تهجئةِ أسماء العلم، قد يؤدي إلى فوضى في هوية الأسماء الشخصية وأسماء الأماكن.»٣٠

ونعود إلى قصة حملة آمنحتب الثاني، الذي اضطر عند عودته من بلاد رتنو إلى تدمير موضع باسم «شمس آدوم». وليس في المناطق الشمالية بين الفرات والخابور، أي آدوم. وليس هناك موضعٌ باسم شمس آدوم. فقط لدينا آدوم التي نتحدث عنها، الواقعة في البلاد في البلاد الصخرية، في محيط جبال سراة ووادي عربة. ومن هنا يجب استبعاد ملاحظة جاردنر التوضيحية، التي ليست بالنص المصري، والتي تقول: إن شمس آدوم تبعد عن «قطنا/حمص» مسيرة يوم. ويجب في ظلِّ ما جمعناه حتى الآن، أن نفهم أن حملة آمنحتب الثاني عند عودتها إلى مصر، هبطت إلى بلاد سعير الحوري في حملةٍ تأديبية، اضطرَّ معها إلى تدمير شمس آدوم، أو عاصمة آدوم. ويدعمنا في ذلك التفسير أنه قد ترافَقَ في النص مع اسم شمس آدوم، اسم لموضعٍ آخر باسم قادش. فبماذا تفيدنا قادش هنا؟

إنَّ الدارس للجغرافيا القديمة للمنطقة، سيكتشف أنه كان هناك أكثر من «قادش». فالكلمة تعني الحرم والمقدس والقدس والقديس (قديش بالعبرية). فهناك واحدة من تلك القوادش في الشمال السُّوري على نهر العاصي، ثم هناك أخرى في الجليل الفلسطيني تعرف في التوراة باسم قادش نفتالي، ثم لدينا أهم القوادش قادش أورشليم التي استقرَّ اسمها في العربية «القدس». ثم نعلم من التوراة بوجود قادش أخرى تقع في سيناء وجنوبي فلسطين، وردت مُعرَّفة مرتين: مرة باسم «قادش برنيع»، ومرة أخرى باسم «قادش عين مشفاط». وورد ذكر قادش سيناء هذه أكثر من مرة في قصة البطرك إبراهيم، وفي قصة الخروج الإسرائيلي من مصر، حيث كانت محطة كبرى للخارجين من مصر عند آخر حُدود سيناء الشرقية. وقد استقروا فيها ثمانيةً وثلاثين عامًا بعد رحيل في سيناء استمر سنتين، وهو ما جعل رحلة التيه تستغرق أربعين عامًا.

ووفق الإحداثيات المعطاة لنا بالتوراة حول قادش سيناء، فإنَّها لا بد أن تكون قد قامتْ على الحدود الغربية لبلاد آدوم الجنوبية لبلاد فلسطين الشرقية لشبه جزيرة سيناء. ونظنها هي بالتحديد المقصودة قادش الواردة في نص آمنحتب الثاني؛ لترافقها مع شمس آدوم.

figure
شكل رقم «٣٩»: خريطة تبين موقع بلاد آدوم.

وللتبسيط السريع نقتطع بعض الإحداثيات التي أعطانا إياها الكتابُ المقدس، وتتعلق بالموضع «قادش» لتأكيد ارتباطها بشمس آدوم، وبلاد آدوم فيما نزعم.

في قصة ميلاد إسماعيل بن إبراهيم يتم طرده هو وأمه هاجر، فيذهبان ليستوطنا في بادية تحمل اسم «برية فاران» (تكوين، ٢١: ٢١). وفي موضعٍ آخر بالتوراة نجد قادش سيناء تقع في محيط بريتين، الأولى باسم «برية فاران» (عدد، ٣: ٢٦). والثانية باسم «برية صين» (عدد، ٢٠: ١). وبالبحث علمنا أن برية فاران هي برية «باران» الحالية. التي تقع على حدود سيناء الشرقية، وتتاخم من الغرب بلاد آدوم الحورية. وإلى الشمال من «باران» عند لسان البحر الميت الجنوبي غربًا، نجد برية باسم «برية تسين»، وهي ما يُطابق «صين» التوراتية. وقد أكد الإصحاح العشرون من سفر العدد أن قادش، كانت تقع في طرف تخوم آدوم الغربية، وبذلك تقع جنوبي فلسطين. ويؤكد ذلك بشكلٍ آخر سفر يشوع، ضمن المدن الواقعة على الحدود الجنوبية لفلسطين:

وكانت المدن القصوى التي لسبط يهوذا إلى تخم آدوم جنوبًا: قبصئيل، وعيدر، وياجور وقينة، وديمونة، وعدعدة، وقادش، وحاصور، ويثنان.

(يشوع، ١٥: ٢١، ٢٢، ٢٣)
وفي تحديده لأرض يهوذا بفلسطين، أوضح الكتاب المقدس أن حدودها الجنوبية «جانب الجنوب يمينًا، من تامارا إلى مياه مريبوت قادش النهر إلى البحر الكبير» (حزقيال، ٤٧: ١٩).٣١ بل إن المسافة بين قادش النهر هذه وبين جبال سعير بآدوم، قد تم تحديدها في قول المقدس: «أحد عشر يومًا من حوريب على طريق جبل سعير إلى قادش برنيع» (تثنية، ١: ٢).

وإعمالًا لهذه المعطيات الإحداثية تم تحديد قادش سيناء عند الأركيولوجي «ترامبول»، بموضع «عين قديس» الآن شرقي سيناء. وكان معنى أن يسكنها عدد هائل من البشر الخارجين من مصر تحت قيادة موسى لمدة ثمان وثلاثين سنة، أنها كانت عامرة ومؤهلة طبيعيًّا بكميات من المياه؛ لإيواء هذا العدد من البشر. وتتكرر إشارة الكتاب المقدس مرة أخرى إلى أنهار بالمنطقة، كانت تجري في هذه المنطقة زمن الأحداث، فهي «قادش النهر» (حزقيال: ٤٧).

وهكذا نرى أن قادش سيناء هي المقصودة في حملة آمنحتب الثاني، حيث يقول بعد تدميره شمس آدوم إنه «عاد» إلى قادش فقدموا له الولاء، وعاد إلى مصر بعددٍ كبير من الأسرى يصل إلى ١٥٠٧٠ من النجاسو.٣٢ ولا نعرف الآن — ومؤقتًا — ماذا تعني كلمة النجاسو، مع ملحوظة لها أهميتها وردت في نص الجملة، وإن كانت غير مقروءة بوضوحٍ تشير إلى «العابيرو»، وهي الكلمة التي كانت تفسر كلما وردت بأنها تعني العبرانيين.٣٣

وفوق كل ما سلف، فإنك تلمس في قراءتك للمقدس التوراتي إشارات واضحة، إلى أن شعب آدوم لم يكن شعبًا عاديًّا في المنطقة، بل كان شعبًا من الكبار الأذكياء الحكماء، وهي صفات تشير إلى كيانٍ هام بالمنطقة، يردد عنه الكتاب المقدس الذكريات بلسان الرب الإسرائيلي مهددًا:

ألا أبيد في ذلك اليوم — يقول الرب — الحكماء من آدوم، والفهم من جبل عيسو؟ فيرتاع أبطالك ياتيمان؛ لكي ينقرض كل واحد من جبل عيسو بالقتل، من أجل ظلمك لأخيك يعقوب، يغشاك الخزي وتنقرض للأبد.

(عوبيديا، ١: ٨، ١٠، ٩)
١  آلن جاردنر، مصر الفراعنة … سبق ذكره، ص١٤٥.
٢  نفسه، ص١٥٩.
٣  سامي سعيد الأحمد، الرعامسة، سبق ذكره.
٤  نفسه، ص١٦١.
٥  Ariette. A, Deir el Bahri, Leipzig, 1977, p. 63–82.
٦  Herzog, PUNT in Abhand Lungen des Deutschen Archiologischen in Stitutes Kairo 6, 1968, p. 29.
٧  Kitchen, Punt and How to out there in Orientalia 40, 1971, p. 188.
٨  Krall, studien zur Gesehichte des Alten Aegyptien IV “Das Land punit wien, 1890”.
٩  عبد المنعم عبد الحليم، محاولة لتحديد موقع بونت، مطبوعات جمعية الآثار بالإسكندرية، دراسات أثرية وتاريخية، العدد الخامس، ١٩٧٤م، ص١٨، ١٩، ٢٠، ٢٩.
١٠  Neville, E, Le commerce de L’Ancienne Egypte avec Les Nations voisnne, Geneve, 1911, p. 67.
١١  انظر: محمد نجيب البهبيتي، المعلقة العربية الأولى أو عند جذور التاريخ، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب في ١٩٨١م، مجلدان.
١٢  عبد المنعم عبد الحليم، موجز رسالتَيْه للماجستير والدكتوراه، جامعة الإسكندرية، ص١٧.
١٣  فليكوفسكي، عصور في فوضى، ترجمة رفعت السيد، دار سينا، القاهرة، ١٩٩٥م، ص١٤٢.
١٤  جاردنر، سبق ذكره، ص٢٠٨، ٢٠٩.
١٥  فليكوفسكي، عصور في فوضى … سبق ذكره، ص١٤٨، ١٤٩.
١٦  زينون كاسيدوفسكي، الواقع والأسطورة في التوراة، ترجمة حسان ميخائيل، أبجدية للنشر، دمشق، ١٩٩٠م، ص٤٢٩، ٤٣٠.
١٧  فليكوفسكي، عصور … سبق ذكره، ص٣٥.
١٨  K. Sethe, U. R. K, pp. 140-141. انظر أيضًا Breasted, Ancient Records, VOL, Sec 892.
١٩  طه باقر، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، دار الشئون الثقافية العامة بوزارة الثقافة والإعلام، بغداد في ١٩٨٦م، ص٤٩٥.
٢٠  نفسه، ص٤٩٠.
٢١  جاردنر، سبق ذكره، ص١٧٩، ٢٥٨، ٢٥٩.
٢٢  جار ستانج، سبق ذكره، ص٢٤–٢٦.
٢٣  جاردنر، سبق ذكره، ص٢٥٨، ٢٥٩.
٢٤  كلمة «تخم» تعني: حدود.
٢٥  أنيس فريحة، ملاحم وأساطير من الأدب السامي، دار النهار، بيروت، ط٢، ١٩٧٩م، ص٨٩.
٢٦  جاردنر، مصر الفراعنة … سبق ذكره، ص٣١٧. انظر أيضًا: سامي سعيد، الرعامسة، سبق ذكره، ص١٦٠.
٢٧  جاردنر، مصر الفراعنة … سبق ذكره، ص٣٠٢.
٢٨  نفسه، ص٢٢٢، ٢٢٥.
٢٩  أي تغيير مواضع الحروف للكلمة، مع الحفاظ على المعنى.
٣٠  حسني حداد، ود. سليم مجاعص، بعل هداد، دار أمواج، بيروت، ١٩٩٣م، المقدمة، ص/ط.
٣١  يقصد بالبحر الكبير: البحر الأبيض المتوسط.
٣٢  جاردنر، مصر الفراعنة … سبق ذكره، ص٢٢٤، ٢٢٥.
٣٣  نفسه، ص٢٨.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤