الباب السابع

مسز سبارسيت

كان المستر باوندرباي رجلًا أعزب، ترعى بيته سيدة عجوز، نظير أجر سنوي يدفعه لها؛ إنها مسز سبارسيت  Sparsit .. عاشت قبل ذلك أيامًا تختلف عن أيامها الحالية؛ إذ كانت زوجة رجل ثري، ولكنه مات فقيرًا بعد أن أنفق كل أمواله على الخمر. بيد أنه كان لمسز سبارسيت أقارب من عِلية القوم. فلها عمة عظيمة، لا تزال على قيد الحياة، اسمها ليدي سيد جرز Lady Seadgers.

لمسز سبارسيت أنف ضخم معقوف، وحاجبان كثيفان أسودان. ومع ذلك، فما زالت أنيقة المنظر، وأخلاقها محترمة جدًّا. وكان المستر باوندرباي يعاملها بأدب جم، احترامًا لثرائها السابق.

يقول المستر باوندرباي لأصدقائه: «ورغم هذا، فكيف تصير الأمور أخيرًا؟ إنها هنا تعمل بأجر مائة جنيه في العام، ترعى بيت جوزياه باوندرباي، أحد مواطني كوكتاون.»

بينما كان المستر باوندرباي يتناول طعام إفطاره على المائدة، قالت له مسز سبارسيت: «إنك تتناول طعام إفطارك ببطء، في هذا الصباح، يا مستر باوندرباي!»

قال: «لماذا يا مدام؟ إنني أفكر في وعد توم جرادجرايند السخيف، بأن يأخذ فتاة السيرك».

قالت: «تنتظر هذه البنت الآن، لتعرف ما إذا كانت ستذهب إلى المدرسة مباشرة، أم إلى بيت المستر جرادجرايند (ستون لودج).»

فقال المستر باوندرباي: «قلت لتوم جرادجرايند: إن بوسع هذه الفتاة أن تبيت هنا الليلة الماضية، ويمكنه أن يقرِّر ما إذا كان سيأخذها إلى بيته في هذا الصباح.»

– «حقًّا، يا مستر باوندرباي، ما أصوب تفكيرك!»

انكمش حاجبا مسز سبارسيت الأسودان، عندما شربت قليلًا من الشاي.

قال باوندرباي: «يتضح لي، أن لويزا لن تحصل على أي شيء طيب من مثل هذه الصحبة.»

تناولت مسز سبارسيت قليلًا من الشاي مرة أخرى، وقالت: «أنت أب آخر للويزا يا سيدي.»

– «إن قلتِ إنني أب آخَر لتوم، أي توم الصغير، وليس صديقي توم جرادجرايند، كنتِ أقرب إلى الحقيقة. سآخذ توم الصغير في مكتبي، يا مدام.»

– «أليس توم صغيرًا لذلك العمل، يا سيدي؟»

خاطبت مسز سبارسيت المستر باوندرباي بلقب «سيدي» لتبين سلوكها المؤدب.

فقال المستر باوندرباي: «لن آخذه الآن، لا بد لذلك الغلام أن يتم تعليمه، قبل أن يأتي إليَّ سيكون قد نال قسطًا كافيًا من التعليم وقتذاك، ولكن ذلك الغلام لا يعلم ما نِلتُه أنا نفسي من تعليم بسيط؛ لذا أجد صعوبة في مخاطبة الناس كأنداد لي .. والآن، كنت أتحدث معكِ عن أعضاء السيرك، ماذا تعرفين عنهم؟ كان يسرني أنا نفسي أن أعمل في سيرك عندما كنت صبيًّا. ولكنك، في ذلك الوقت، كنت قد خرجت من الأوبرا الإيطالية، تتحلين بمجوهراتك.»

فقالت باحترام: «هذا أكيد، يا سيدي. عرفت الأوبرا الإيطالية وأنا صغيرة السن جدًّا. آمل في أن أعتاد تغيرات الحياة، ولكن كل امرئ يلذ له أن يسمع عن تجاربك، وعن مصاعب حياتك أيام صباك.»

فقال المستر باوندرباي: «حسنًا يا مدام! ربما يقول البعض إنهم يحبون أن يسمعوا عما سار فيه جوزياه باوندرباي.»

في تلك اللحظة، وصل المستر جرادجرايند مع ابنته لويزا. فاستدعيت سيسي جوب إلى الحجرة، فقال لها المستر جرادجرايند: «يا جوب قررتُ أن أخبركِ بأنني سآخذكِ إلى بيتي. وعندما لا تكونين بالمدرسة، فستعملين في مساعدة مسز جرادجرايند؛ لأن صحتها ليست طيبة. وقد أخبرتُ الآنسة لويزا بأن حياتك في السيرك قد انتهت الآن. يجب ألا تتحدثي عنها بعد ذلك، وأنتِ الآن جاهلة؛ أعرف هذا.»

قالت: «نعم؛ يا سيدي. أنا جاهلة جدًّا، ولكنني تعلمت القراءة، وكنت أقرأ لوالدي»، ثم أخذت تبكي.

نظرت إليها لويزا، وسألها المستر جرادجرايند بقوله: «ماذا كنتِ تقرئين لأبيك؟»

انتحبت سيسي، وقالت: «كنت أقرأ له عن الحوريات، وعن المخلوقات الغريبة.»

– «الزمي الصمت! هذا يكفي؛ لا تتكلمي عن أمثال هذه الخزعبلات، بعد الآن …» ثم استدار نحو صديقه، وقال له: «يا باوندرباي، هذه البنت في حاجة إلى تدريب وتعليم دقيقين. سألاحظ هذا بعد الآن، يا باوندرباي، وأنا أجد متعة فيه.»

وهكذا، صحب المستر جرادجرايند وابنته، سيسيليا جوب معهما إلى ستون لودج، ولم تتكلم لويزا أثناء الطريق بأية كلمة، سواء أكانت طيبة أم خبيثة … ثم باشر المستر باوندرباي عمله اليومي، وأخذت مسز سبارسيت تفكر طول المساء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤