الرجال والرؤساء
ذهب ستيفن لمقابلة المستر باوندرباي الذي كان بحجرة الاستقبال في بيته، وكانت الأسرة وقتذاك تتناول الشاي، وكان هناك زوجة المستر باوندرباي، صغيرة السن، وأخوها، وشاب جميل أنيق، من لندن.
وقف ستيفن عند الباب بأدب، ممسكًا قبعته في يده، وقال: «فيمَ تريد أن تتحدَّث إليَّ، يا سيدي؟»
فقال المستر باوندرباي: «أخبرني عن نفسك، وعن اتحاد العمال ذاك.»
فأجاب ستيفن بقوله: «عفوًا يا سيدي، ليس لديَّ ما أقوله عنه.»
استشاط المستر باوندرباي غضبًا، وثار وصار مثل الريح التي إنْ وقف في طريقها شيء هبَّت عليه وقهرته.
فقال المستر باوندرباي: «يا هارتهاوس! ها هي عيِّنة منهم. فعندما كان هذا الرجل هنا ذات مرة قبل الآن أخبرته بأنه يسير في الاتجاه الخطأ، وحذَّرته من صانعي الشغب، وها هو الآن خائف أن يتكلَّم عنهم.»
فقال ستيفن: «قلت إنه ليس لديَّ ما أقوله عنهم يا سيدي، ولم أقُل إنني خائف أن أتكلم.»
زاد غضب المستر باوندرباي شيئًا فشيئًا، فقال: «هنا رجل من لندن، وأريده أن يسمع المناقشة بيننا. فمِمَّ تشكو؟»
قال ستيفن: «لم آتِ إلى هنا لأشكو يا سيدي، بل جئت لأنني استُدعيت.»
فقال المستر باوندرباي، وقد وضع ذراعَيه على صدره: «هل تشتكون بطريقة عامة أيها الناس؟»
تردَّد ستيفن لحظةً، ثم قال: «انظر حول هذه البلدة يا سيدي، يجب على الناس أن يعملوا بجد منذ الطفولة إلى الشيخوخة، بدون أي تغيير، انظر كيف تتحدَّث عنا، وتقول دائمًا إننا مخطئون. هنا شيء خطأ، خطأ تمامًا.»
فقال المستر باوندرباي: «طبعًا؛ هو كذلك. والآن؛ ربما أمكنك أن تخبر هذا السيد بما ستعمله لتصحيح الخطأ.»
قال: «لست أعرف يا سيدي.»
فقال المستر باوندرباي: «سأخبرك بشيء يساعدك، سنقبض على ستة خطباء من أمثال سلاكبريدج.»
هزَّ ستيفن رأسه بجدية.
فقال المستر باوندرباي، وهو يصيح كالريح العاصفة: «لا تقُل إننا لن نستطيع القبض عليهم؛ لأننا سنفعل هذا، أكيدًا.»
أشارت لويزا إلى ستيفن لكي يذهب نحو الباب، ولكنه لم يكُن سريعًا بما فيه الكفاية.
فقال المستر باوندرباي، وقد اشتدت حمرة وجهه: «قف لحظة يا ستيفن. أخبرتك في المرة الأخيرة التي كنت فيها هنا ومعك شكوى، أخبرتك برأيي. والآن أجدك سيِّئ الطباع، فحتى زملاؤك العمال لا يتحدثون معك الآن. لم أفكِّر، قط في أن أولئك الأشخاص يمكن أن يكونوا على حق في أي شيء، ولكني أتفق معهم الآن، ولن تكون لي بك أية صلة.»
رفع ستيفن عينَيه بسرعة إلى وجه المستر باوندرباي.
فقال المستر باوندرباي: «يمكنك أن تُنهي العمل الذي تقوم به، ثم تذهب إلى أي مكان آخَر.»
فقال ستيفن: «أنت تعرف جيدًا يا سيدي أنني إنْ لم أعمل عندك فلن يكون بوسعي أن أجد عملًا في أي مكان آخَر.»
فأجاب المستر باوندرباي، بقوله: «ما أعرفه أعرفه، وما تعرفه أنت تعرفه، ولن أقول شيئًا عن هذا الموضوع بعد الآن.»
نظر ستيفن بسرعة إلى لويزا، ولكنَّ عينَيها كانتا تنظران إلى أسفل نحو الأرض. فانصرف ستيفن وهو يَئِنُّ، وقال بصوت منخفض: «فلتساعدنا السماء جميعًا في هذا العالم!»