الباب الخامس

ضوء النجم

كان يوم الأحد التالي يومًا مشرقًا من أيام الخريف، جوه صحو وبارد، وكانت راشيل وسيسي قد اتفقتا على أن تخرجا في نزهة على الأقدام في الريف. فركبتا القطار أولًا للخروج من تلك البلدة كثيرة الدخان.

نزلت هاتان الفتاتان من القطار، وأخذتا تسيران خلال الحارات والممرات، تتمتعان باستنشاق الهواء العليل. وكانت بالأرض هناك حفر للفحم، فتجنبتا السير وسط الحشائش الطويلة، التي قد تخفي حفر الفحم.

وبينما هما تسيران، صاحت سيسي بغتة تقول لراشيل: «هنا قبعة فوق الحشائش.» فاتجهتا معًا نحو القبعة، والتقطتها راشيل بسرعة، وما إن ألقت عليها نظرة حتى ارتعدت فرائصها من رأسها إلى قدمَيها، إذ قرأت بداخل تلك القبعة، اسم ستيفن بلاكبول. لا بد أن بقيت هذه القبعة فوق الحشائش بضعة أيام، إذ بلَّلَها المطر والندى، فهمست سيسي تقول: «سأسير وحدي مسافة قصيرة.»

ما إن همَّت سيسي بالتقدُّم خطوة واحدة، حتى صرخت راشيل وأمسكتها بكلتا ذراعيها. فأمامهما، وتحت أقدامهما مباشرة، حافة حفرة واسعة تخفيها الحشائش الكثيفة. فقفزتا إلى الخلف، في وقت واحد، ووقعتا على ركابهما.

صاحت راشيل تقول: «وا ربي الرحيم! إنه في أسفل هذه الحفرة، أسفلها.»

فقالت سيسي: «يا راشيل، قد يكون ستيفن حيًّا.» وذهبت إلى حافة الحفرة، ونادت بأعلى صوتها، ولكن، ما من صوت رد عليها.

سارت الفتاتان بعد ذلك في جهتين مختلفتين بحثًا عن نجدة، وأخذت سيسي تجري من مكان إلى آخَر، حتى وجدت اثنين من عمال السكة الحديدية، فأخبرتهما بخبرها، فذهبا معها، وجمعا رجالًا آخرين، وجاء طبيب من كوكتاون ومعه أناس آخرون.

figure
وأخيرًا، أخرج ستيفن من الحفرة ضعيفًا جدًّا. فأرقدوه على الأرض وذهبت إليه راشيل.

أدليت شمعة متقدة في تلك الحفرة، في الساعة الخامسة مساء لتجربة الهواء الذي بداخل الحفرة ومعرفة ما إذا كان صالحًا للنفس. ولما أخرجت الشمعة كانت لا تزال مشتعلة. فربط دلو بحبل، وأنزل رجلان إلى قاع الحفرة.

عاد أحد هذين الرجلين، فعَلَا صياح الناس يقولون: «أهو حي أم ميت؟» فلما أخبرهم بأنه حي، علَتْ صيحة فرحة عظمى شكرًا لله، وترقرقت الدموع في عدة عيون.

أردف الرجل الذي خرج من الحفرة، يقول: «ولكنه مصاب بفظاعة؛ أين الطبيب؟»

كان ستيفن يحاول عبور تلك المنطقة الخطرة بعد أن هبط الظلام، وكان يسرع الخطو ليعود إلى كوكتاون لينقذ سمعته.

وأخيرًا، أُخرج ستيفن من الحفرة ضعيفًا جدًّا.

فأرقدوه على الأرض، وذهبت إليه راشيل وقالت له: «إنك لتتألم ألمًا عظيمًا، الآن، يا عزيزي ستيفن.»

قال: «كنت أتألم من قبل، أما الآن فلا أشعر بأي ألم، الأمر كما سبق أن قلت من قبل؛ هناك الكثير من سوء التفاهم في هذه الحياة، ولكن انظري إلى فوق، يا راشيل.»

تتبعت راشيل عينيه، فرأته يحدق النظر إلى نجم ساطع، وقال: «أضاء لي هذا النجم عندما كنت أتألم وأشعر بالتعب، أضاء في داخل عقلي. فنظرت إليه، وفكرت فيك، يا راشيل. وإنني لأصلي لله قبل موتي، طالبًا منه، أن ينضم الناس بعضهم إلى بعض، أكثر مما هم عليه الآن، ويكون هناك حسن تفاهم بين كافة الأنام، لا تتركي يدي يا راشيل، يا فتاتي المحبوبة.»

أقبل المستر جرادجرايند، وهو وابنته لويزا، فقال له ستيفن: «أنقِذ اسمي يا سيدي، واجعله حسنًا لدى كل الناس. أترك هذا لك.»

ارتبك المستر جرادجرايند، وقال: «كيف؟»

فأجاب ستيفن يقول: «يا سيدي، سيخبرك ابنك كيف.»

استعدَّ الناس لنقل ستيفن إلى البلدة، وسارت راشيل إلى جانبه، ولكن سرعان ما انقلب هذا الموكب إلى جنازة .. أوضح النجم لستيفن بلاكبول طريقه إلى مثواه الأخير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤