الفصل الثاني عشر

مستيزات في ماكيلادورا وسياسة نسوية للحدود: إعادة النظر في حجة آنزالدوا

مليسا رايت

إن التعبيرات عن الاختلافات في الواقع تعمل على دمج المجتمعات الحدودية.

إيريس يونغ

يناقش هذا المقال بزوغ فتاة مستيزية جديدة مسيَّسة، وذلك على الحدود الثقافية الفاصلة بين المكسيك والولايات المتحدة. إنها تشغل وظيفةً مرموقة في منشآت ماكيلادورا المتعددة الجنسيات، وتضع أمام عملية التنظير النسوي تحدياتٍ عديدة متعلقة بسياسيةٍ جديدة للحدود. ومن خلال عرض بحث أجري في إحدى منشآت ماكيلادورا، يبين المقال أن تفهم الحركية بين المكان المجازي والمكان المادي مسألة حيوية من أجل تصور سياسات نسوية على الحدود الثقافية.

(١) لنتصور الحدود

على طول الحدود الممتدة بين المكسيك والولايات المتحدة، تظهر مستيزة جديدة، لغتها الإسبانية والإنجليزية و«الإسبانجليزية»، وتشغل وظيفةً في منشآت ماكيلادورا.١ أحيانًا تكون حاصلة على شهادةٍ جامعية، لكنها في الأغلب اقتصرت على شق طريقها عبر الدرجات الوظيفية في الشركة فترتقي من عملٍ تتقاضى عنه الأجر بالساعة إلى وظيفةٍ لها هيبة وقوة وأجر أعلى كثيرًا. إنها تأتي من كلا الجانبين على الحدود السياسية. فجنسيتها مكسيكية أو أمريكية، لكن تسمي نفسها «المكسيكانة Mexicana» …٢ ضمن محدداتٍ أخرى للهوية تقوم على أساس المكان، مثل الأمريكية المكسيكية والحدودية والنورتنية والتشيكانية.٣ كثيرات من هؤلاء المكسيكانات تبوأن مواقع مرموقة في المجتمع المحلي وفي شركات رجال الأعمال على كلا الجانبين للحدود. لقد تحدَّين الاستثناءات التي تقصر دورهنَّ على مواقع للعمل لا تتطلب مهارات وتتقاضى أجرًا منخفضًا (انظر Forbel 1979)، وأثرن بعض القضايا الشائكة في المقاربة النسوية لسياسات العرق والجنوسة والطبقة والجنسية عبر الحدود حيث تمثل هذه المجددات حلولًا وسطًا بين سياسات اليسار واليمين.
إنني أشير إلى هؤلاء المكسيكانات بأنهن «مستيزات» لكي أنخرط في مناقشات آنزالدوا «المستيزة الجديدة» (Anzaldúa 1987). والمستيزات اللائي أناقش وضعهن ذوات سياسية جديدة على الأراضي الحدودية الواقعة بين المكسيك والولايات المتحدة، ومع تعزيز رمزية الحدود بوصفها انقسامًا مستديمًا يشق التضاريس الاجتماعية، حددن هويتهن كمكسيكانات وحققن المكاسب في منشآت ماكيلادورا. إنهن يُثرن التحديات في وجه حجة آنزالدوا التي تقنع بأن مجتمع المكسيكانة يستطيع أن يظفر بقاعدةٍ أساسية في الأراضي الحدودية الثقافية فقط من خلال مقاومة خطاب الحدود من حيث هي خط فاصل. وبشكلٍ أعم، يتحدين النظرية النسوية ليفحصن كيف تتقاطع الاختلافات السياسية أو الجغرافية مع الإصرار على تأكيد الهوية ومع صياغة تصور لمجتمعاتٍ تتبوأ فيها المرأة مواقع القوة والنفوذ والحث على التغيير.
تضع آنزالدوا تصورًا للمستيزة الجديدة بوصفها ذاتًا ثقافيًّا تصنع وحدةً سياسية من خلال إزالة الانفصال بين الأمم، من التصور الاجتماعي ومن الممارسة السياسية معًا. وكتبت تقول: «إن الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك جرح فاغر es una herida abierta حيث يتفتت عالمٌ ثالث في مواجهة عالم أول وفي مواجهة تدفق الدماء». فعلى طول هذه الحدود تنساب «دماء الحياة لعالمين اندمجا ليشكلا عالمًا ثالثًا؛ هو الثقافة الحدودية» (Anzaldúa 1987, 3). وتجادل بأن المكسيكانة قد انحطت قيمتها وشاهت سمعة ثقافتها المتكاملة في مرحلة ما بعد الاستعمار ذات الحدود الجغرافية الفاصلة. تكتب آنزالدوا بوصفها مستيزة جديدة، وتدعو إلى «انعتاق، يحررنا من الرؤية من خلال خيالات تفوق البيض، وأن نرى أنفسنا في هيئتنا الحقيقية وليس في الشخصية العرقية الزائفة التي أعطيت لنا والتي أعطيناها لأنفسنا. أبحث عن وجه المرأة فينا، عن ملامحنا الحقيقية» (١٩٨٧، ٨٧). رؤيتها النبوئية صرخة حرب من أجل المكسيكانات، من أجل وحدتهنَّ في مواجهة دولة فصلتهنَّ عن بعضهنَّ على طول الأراضي الحدودية من خلال أيديولوجيات النزوع إلى الجنس الآخر وكراهية النساء والإمبريالية. إنها رحلةٌ من أجل إعادة التوحيد الثقافي، وفي سويدائها يقبع ما يمارسه معنى الحدود من تخريبٍ سياسي، في الخطاب وفي الممارسة معًا، وتتنبأ آنزالدوا بجغرافيا بازغة سوف تمهِّد التربة لبثِّ الحياة في أعطاف سياسات ثقافية ونسوية، من خلال إعادة تخيل الحدود ليس بوصفها موضع الانقسام، بل بوصفها رتق التحام، حيث تتلاقى مظاهر مختلفة لثقافةٍ متحدة في جوهرها.
تقدم آنزالدوا أكسير الخيال لمواجهة مشكلة عملية ابتليت بها المكسيكانات المشاركات في الجماعات السياسية بمجتمعهنَّ التي تسعى إلى تنظيم ما يحدث على جانبَي الحدود.٤ في الجانب الخاص بالولايات المتحدة الآن، ثمة عسكرة درامية (Dunn 1996)، وحماس يتأجج للجدران التي هي ترسيم مادي للخط السياسي (انظر Fox 1995-96). وإدانة واسعة للمهاجرين المكسيكيين بوصفهم متطفلين على المجتمع «الأمريكي»، مما يرهق شبكات العمل الاجتماعي ويثير الضغائن في التوترات التاريخية على كلا الجانبين (انظر أيضًا Anaya and Lomeli 1989). أما تصور الجانب المكسيكي لذاتٍ حدودية فليس أيسر منالًا، حيث توجد انقسامات بين المكسيكيين والأمريكيين، والمنحدرين عن سلالاتٍ مكسيكية أو عن سواها، يتوطد تعزيز هذه الانقسامات بفعل الأيديولوجيات القومية التي تفصل المكسيكيين «الحقيقيين» عن المهاجرين وأحفادهم في الولايات المتحدة (انظر Cordoba and Socorro 1995-96).

إنها تقارير عن انقسامٍ جغرافي عنيد متصلب يقف على طرف النقيض من رؤية آنزالدوا للوحدة الجيوسياسية، فيما لا تمثل بالضرورة عقبات لا يمكن تذليلها عند صياغة تصورات تتجاوز الحدود السياسية، وبدلًا من أن تكون عقبات، فإنها تلقي الضوء على الحاجة إلى تفهُّم خطابات الاختلاف الجغرافي وكيف تمارس فعلها في تجسيد الذوات السياسية ومجتمعاتها المحلية.

وفي مواجهة خلفية عمل آنزالدوا، أقدم بعضًا من بحوثي الإثنوغرافية عن المكسيكانات وكيف يجتزن التضاريس المتحولة في الأراضي الحدودية المكسيكية-الأمريكية في محاولاتهن صعود درجات السلم الوظيفي في منشآت ماكيلادورا المتعددة الثقافات. إن أولئك المكسيكانات يمثلن مستيزة جديدة بمعنى أنهن يقوضن الخطابات التاريخية حول ما يكنَّه من حيث هنَّ نساء منحدرات عن أصلٍ مكسيكي، وبالتالي حول كيفية انتمائهن إلى مؤسسةٍ متعددة الجنسيات.٥ إنني أسميهنَّ «مستيزات ماكيلادورا»؛ لأنهنَّ يعبرن عن هويةٍ ثقافية قائمة على إبحارهنَّ الحاذق بين شطآن موقع عملهن المتعدد القوميات، الماكيلادورا، وعلى سياسة الاختلاف التي تمثل خاصة مميزة للأراضي الحدودية المكسيكية الأمريكية.
ومن خلال التركيز على مستيزة ماكيلادورا، أريد إظهار أن السياسة النسوية، اتباعًا لحجة إيريس يونغ (Iris Young 1990). ينبغي أن تأخذ في اعتبارها كيف تعمل التعبيرات عن الاختلافات في الواقع على دمج المجتمعات الحدودية. ومما هو حاسم في هذا المشروع، التمحيص النقدي للعلاقات بين الحدود بوصفها تعبيرًا مجازيًّا عن عددٍ جمٍّ من الانقسامات الاجتماعية، والحدود من حيث هي مكان مادي؛ أي مكان تفرضه السياسة ويكون عبوره مسألة مادية بدنية (انظر Katz and Smith 1993).
وفي البحث عن تفهُّم الفضاءات المجازية وكيف تتجسد في أمكنةٍ تتميز بأنماطٍ معينة من السكان، سوف أخرج بمحصلةٍ من عمل جوديث بتلر Judith Butler (1993) في التفاعل بين الخطاب والمادة لتشكيل موضوعات اجتماعية مفهومة. تحاج بتلر بأن الخطاب يقوم على المادة مثلما تقوم عليها المعالم الخطابية المميزة للهوية، كما هي الحال في العرق والجنس والإثنية وهلمَّ جرًّا، فتتأتى إلى مجال الرؤية بوصفها الماديات التي تشكل الجسمانية الحقة للجسد. ونتيجة لهذا، فإن ما يُدرَك بوصفه قد تأسس ماديَّا في الواقع مُشكل خطابيًّا؛ وبالتالي في حالة سيولة، على الرغم من تموضعه في مادةٍ تبدو غير قابلة للتغير. وبهذه الحجة تقتطع بتلر فضاء سياسيًّا بين الخطاب والمادة، وفيه تبين كيف أن الفعل السياسي يمكن أن ينطوي على جهودٍ لزعزعة الرمزيات الخاصة ببناء الذوات واقتلاعها من الماديات المتحددة بأنها متموضعة في أجسام تلك الذوات (انظر أيضًا Butler 1997). وهي تشير إلى هذه الزعزعة بأنها «إعادة خلق الدلالات»، أو «إعادة صياغة/صياغات جذرية، لأفقٍ رمزي تتجسم فيه الأجساد أصلًا» (Butler 1993, 23).
تكتسب هذه الفكرة عن إعادة خلق الدلالة أهمية في تأويلي الخاص لمستيزة ماكيلادورا بوصفها ذاتًا جديدة قوضت دعائم المعاني التاريخية للغتها وللجسد والجنسانية والآراء والعمل في مجتمع شركات ماكيلادورا. إنها ترتقي الدرجات الوظيفية للشركات، وبرزت أخيرًا في جماعاتٍ ثقافية موالية لقطاع الأعمال مثل لولاك٦ (رابطة مواطني أمريكا اللاتينية المتحدين). وهذا ينطوي على إعادة النظر في رؤيةٍ موحدة للمكسيكانة التي ظفرت بموطئ قدم في جغرافيا حدودية موحدة. مستيزة ماكيلادورا التي تستطيع المطالبة بمعيارٍ ذي اعتبار للمنزلة والثروة المادية إنما تتحدى تمثيلات المكسيكانات بوصفهنَّ عمالة غير ماهرة وطيِّعة، وهي تمثيلات تذيع على مستوى عالمي، فيما تدعم ممارسات استغلال اليد العاملة المكسيكانية، بمعدل أجر خمسين سنتًا في الساعة، وممارسات إقصاء أغلبية المكسيكانات من جني مغانم الحراك العالمي الذي تنعم به عاصمة متعددة القوميات وينعم به المديرون فيها.٧ تبين مستيزة ماكيلادورا أن قوتها الاجتماعية ترتكن على تأويل لحدودٍ جغرافية لها جانبان وعلى ذاتٍ مكسيكانية مباينة. ومن ثم آمل أن أبين، عن طريق مفهوم إعادة خلق الدلالة، أن السياسة الطبقية لا تنفصم عن أيٍّ من سياستَي المكان ذي الجانبين (انظر Harvey 1996)، ولا عن تفاوضيات الهويات المتبلورة كجزءٍ لا يتجزأ من نتاج الأمكنة. علاوة على ذلك، أهدف إلى إثبات أن السياسة النسوية على حدود المكسيك-الولايات المتحدة، التي تأخذ في اعتبارها كيفية تصور المرأة على كلا الجانبين لمجتمعاتها المحلية والتحالفات معها، لا بد لها أن تتفهم أن الطبقة لا تشكل مقولةً منفصلة ولا هي منعزلة عن السياسة الاجتماعية للهوية في المناطق الحدودية الثقافية.
وما يلي هذا تأويل لبحثٍ إثنوغرافي أجريته داخل إحدى منشآت ماكيلادورا سوف أشير إليها بالتعبير «مكسيك على المياه» أو (م. ع. م MOTW٨ فهي منشأة خارج الحدود لشركةٍ متعددة الجنسيات مقرها الولايات المتحدة. تقع المنشأة في مدينة سيوداد خواريز بولاية تشيهواهوا التي تمتد على حدود إل باسو …٩ في تكساس.١٠ أُخذت هذه الحالة من بحثٍ إثنوغرافي في منشآت ماكيلادورا استغرق عامًا كاملًا (Wright 1996). وتكشف تجارب المكسيكانات التي سوف أعرضها هنا كيف يمارس التشبيه المجازي في حدود المكسيك-الولايات المتحدة فعله بوصفه انقسامًا ثقافيًّا وإثنيًّا وطبقيًّا وعرضيًّا وجنسيًّا يتجسد من خلال إنتاج المكان والذوات التي تمثل السكان القاطنين على الحدود.١١

(٢) مكسيك على المياه

يبدأ يوم «م. ع. م» في سيوداد خواريز حين يقود المديرون والمهندسون الأمريكيون سياراتهم عابرة الجسر الدولي لتحط في باحة انتظار السيارات بالمصنع. ويتدفق نزول مئات المكسيكيين، عمال شغيلة وفنيين وإداريين مساعدين، من الحافلات التي تنقلهم من طرقاتٍ متفرقة في سيوداد خواريز. يحدث هذا الملتقى الدولي كل صباح، بلحظاتٍ معدودة قبل أن تبدأ خطوط الإنتاج في ضخ أجزاء مختلفة، كمفاتيح التشغيل والمكربنات …١٢ والمعدات الكهربائية وأجهزة القياس، وهي أجزاء من الزوارق الآلية التي تنتجها «م. ع. م» منذ ما يزيد على عقدٍ من الزمان. حين وصلتُ أنا «م. ع. م» في سبتمبر من العام ١٩٩٣م، كان المديرون والمهندسون جميعًا أمريكيين، وكل العمال المأجورين مكسيكيين. دعاني مدير المصنع إلى القيام ببحثي وسمحوا لي بترك سيارتي في الساحة الأمريكية بموقف السيارات؛ مما يعكس ترحيبًا بمقدمي في داخل منطقة الإدارة الأمريكية ﻟ «م. ع. م»، حيث تم تزويدي بمكتبٍ خاص بي. لقد بدأت بحثي في «م. ع. م» خلال شهرٍ من بدء عملية «حصار الحدود» التي حظيت بتغطيةٍ إعلامية واسعة، وسميت فيما بعد ﺑ «ضبط الخط»، وهي علمية اضطلع بها حرس الحدود في سبتمبر من العام ١٩٩٣م.١٣ إنها عسكرة حدود آمنة إداريًّا وجدت مسوغاتها المتواترة في الأزمة التي تمثلها المكسيكانة المهاجرة من قبيل حَملِها وأطفالها الفقراء واستهلاكهم خدمات الرعاية الاجتماعية في الولايات المتحدة. وإذ كنت أبحث عن تفهُّمٍ لكيفية تنظيم المكان والعمل في م. ع. م، فقد جئت لأرى كيف أن الانقسام بين مناطق الإدارة الأمريكية ومناطق الإنتاج المكسيكية تحرسه الشرطة لتأمين إقصاء المكسيكانة. ومع مرور الوقت سمعت خطابات داخل «م. ع. م»، هي رجع الصدى لما نسمعه بطول الولايات المتحدة وعرضها، من مجادلةٍ حول ضرورة منع النساء المكسيكيات من الانتفاع بالخدمات الاجتماعية في أراضي الولايات المتحدة التي يمولها دافعو الضرائب. وفي «م. ع. م» كذلك، تمثيلات للمكسيكانة التي تدور حول الدافع الإنجابي وحياتها الجنسية؛ مما يعجِّل بهدر موارد الولايات المتحدة (انظر أيضًا Femandez-Kelly 1983).

ثمة حفظ بوليسي للحيلولة دون الحراك الاجتماعي للمكسيكانة في «م. ع. م»، يتركز حول محال ظهورها في مكان العمل. وأُدرجت التوصيفات اللفظية للمصنع ذاته في «حدود» ذات صبغة قومية تفصل المناطق المكسيكية عن المناطق الأمريكية. إن الأبواب ولغة المراقبة والأزياء تصنع معالم لهذا الانقسام التصوري وتستجلب الحدود إلى صميم الحياة داخل فضاءات «م. ع. م»، ولا يمكن التسامح إزاء حضور المكسيكانة في النطاق الإداري إلا إذا كان مصحوبًا بمراقبةٍ مشددة.

في أثناء جولتي المبدئية في «م. ع. م»، شرح لي ستيف مدير المصنع، وهو رجل «من أصولٍ إنجليزية» جاء أخيرًا من جورجيا، كيف أن البنية الفيزيقية للمصنع منقسمة على طول خط قومي. وبينما نحن نتجول في الطابق التجاري راح يروي لي: «ها هنا نضع مستخدمينا المكسيكيين، ولدينا منهم الآن ما يقرب من خمسمائة، نحو نصفهم من الإناث. كان هذا أقل كثيرًا من منشآتٍ أخرى في ماكيلادورا؛ لأننا بدأنا كمتجرٍ للآلات. أما الآن فلدينا الكثير من الأعمال الكهربائية، تضطلع بها فتيات». واصلنا السير عبر قسم صنع المكربنات وعملية التجميع وتقريبًا سائر العمالة فيه من الذكور، فانتقل إلى وصف خططه لترقية بعض المستخدمين المكسيكيين لاعتقاده أن «المكسيك تستطيع إخراج مهندسين من نوعيةٍ جيدة، وأعتقد أننا ينبغي أن نشجع هذا».

ومع هذا، بينما كنا نواصل رحلتنا خلال العملية المتصلة بهذا وبلغنا مناطق للتجميع الكهربائي وقص الأسلاك وهي مأهولة أساسًا بالإناث، أدركت أن استبشاره بالقدرة الفنية المكسيكية لا يمتد إلى المكسيكانات. فحين سألته عما إذا كان ينتوي ترقية مستخدمات في أعمال التجميع الكهربائي، كان رده «لا أعتقد أن لدينا ترقيات كثيرة لهذا المكان»، «تكاد النساء المكسيكيات أن يفتقرن إلى تنشئةٍ ثقافية للمهن الصناعية. إنهنَّ هنا لكي يجدن قرينًا للزواج وإنجاب بضعة أطفال، قد يبدو هذا فظًّا، لكنه الواقع هنا». وحين اكتملت جولتنا في عمليات الإنتاج، توقفنا عند بابٍ معدني به نافذة غير شفيفة. وبينما كان يمسك بمقبض الباب ليفتحه، قال لي: «الآن هذه هي إدارتنا، المكان الذي توجد فيه مكاتب الأمريكيين. لدينا مديران مساعدان للمصنع، ومديرون للأقسام الأخرى؛ الهندسة، المخزن.»

عند عبوري من هذا الباب، لم أستطع إنكار إحساس ساطع بالانتقال من نطاقٍ ذي تصميم مكسيكي واعٍ إلى نطاقٍ أمريكي. لاحظت العديد من الملصقات على الحائط تعلن عن التجربة النابضة في صنع «م. ع. م» للزوارق الآلية. بعضها يشجع فريق العمل لإنتاجه عالي الجودة، كلها كانت بالإنجليزية. وأيضًا اللغة التي يمكن أن تسمعها في المنطقة الإدارية هي الإنجليزية. إنها مساحةٌ شاسعة مقسمة إلى عدة مكاتب على طول الجانبين وتمتلئ بالحجيرات في الوسط. تتناقض هذه المعالم المرئية والمسموعة مع معالم المنطقة المكسيكية، حيث تبث الأجهزة الصوتية ألحانًا شعبية تذيعها محطة سيوداد خواريز للإذاعة المحلية وترى إشعارات باللغة الإسبانية تُجمل السياسة العامة للشركة فيما يتعلق بالأمن والسلوك العام المرغوب. تكشف هذه المعالم عن جهودٍ متضافرة لإعادة إنتاج تراتبية هرمية [هيراركية] للمكسيكيين والأمريكيين في التنظيم الاجتماعي والمكاني للشركة. إنها عين التراتبية الهرمية التي تفصح عنها خطابات حدودية أوسع مجالًا.

إن الانقسام الأممي في المصنع قد مثَّل أيضًا انقسامًا في قانون العمل فيه وهيكل الأجور ونظامه الضريبي.١٤ يعمل الموظفون المكسيكيون وفقًا للمبادئ التوجيهية التي يفرضها قانون العمل المكسيكي. وبينما ينبغي على الأمريكيين احترام هذه القوانين في تعاملهم مع العمال المكسيكيين، كان الفهم العام للقانون هو أن الأمريكيين مرتبطون بقانون العمل الأمريكي في تعاملاتهم بعضهم مع بعض. وكما شرح لي ستيف، لا يملك مكسيكي سلطة على أي أمريكي، ولا يكسب دخلًا أعلى من دخله، تحت أي ظرفٍ من الظروف؛ لأن هذا كما قال «ضد الطبع العام لشركةٍ أمريكية».

ومع هذا، فعلى خلاف سلطات المهاجرين التي تراقب التخم الدولي على بُعد بضعة أميال فقط، فإن عبور الحدود الدولية داخل «م. ع. م» لا يعتمد على شهادة ميلاد. لا تُفحص مواطَنة المرء؛ وبدلًا من هذا كان أداء الهوية هو الذي يوضع موضع الاختبار. وأي أداء لامرأةٍ يمكن تأويله بأنه دلالةٌ على وجود مكسيكانة في الحيز الأمريكي يعد أمرًا خطيرًا.

مثلًا، على الرغم من وصف ستيف للمنطقة بأنها حكرٌ على الإدارة الأمريكية، كانت الأغلبية العظمى من الناس الذين يعملون في ذلك الجانب من الطاقم الإداري من المكسيك، وكلهن نساء. كثيرات هاجرن من أماكن مختلفة في شمال المكسيك ليجدن عملًا في ماكيلادورا، وهن الآن يساعدن في الأعمال المكتبية في «م. ع. م» ليعشن في مستوى الفقر، الحد الأدنى من الأجور. كان ثمة تسجيل دقيق لكل شيءٍ يتعلق بأدائهنَّ الوظيفي، من مدى سرعة كتابتهن على الآلة الكاتبة إلى كيفية ارتدائهن الملابس وطريقتهن في الكلام وكيف يقدمن أنفسهن، كل هذا في إطار جهد لإظهار التحكم الإداري للولايات المتحدة في المكسيكانة النافرة بطبعها من التحكم. وقد لاحظت أن خمس عشرة أو ما يقرب من هذا العدد من السكرتيرات والموظفات المكتبيات يرتدين الملابس نفسها — لباسًا يتكون من بذلةٍ مخططة ذات لون رمادي كالح مع بلوزة حمراء وأحذية رياضية مناسبة لهذا. فسألت: «هل يرتدين زيًّا موحدًا؟» وشرح لي ستيف أنه كان ثمة تعليمات بأن ترتدي النساء المكسيكيات في الإدارة زيًّا موحدًا، «وفي ذلك كان لا بد أن تشاهدي ما اعتدن أن يلبسنه. كان يشبه هذا الذي يُعرض للالتهام في أعماق خواريز أفنيو [حي بيوت الدعارة]، وليس هذا مريحًا لبعض الشبان.»

في أثناء بحثي في «م. ع. م» طَفَتْ على السطح أكثر من مرة الإشارة إلى البغاء عند مناقشة أمر الموظفات. مثلًا، حين طلبت من أحد مديري الإنتاج، وهو روجر، أن يصف قوة العمالة، قال: «بعض أولئك الفتيات لهن وظائف ثانية. أتعلمين، سمعت أن بعضهن يعملن في الحانات!» كانت الرسالة المبلغة أنك لا تستطيعين تمييز الفارق بين العاهرة والأنثى العاملة في ماكيلادورا، وهي رسالة شائعة في المقابلات التي أجريتها. قال مديرٌ آخر من مديري الإنتاج، وهو بيرت «نحن لا نعلم ما الذي تفعله أولئك الفتيات في أثناء الليل، ولكننا لا نريدهن أن يفعلنه هنا». أما المدير العام ستيف، فقد زاد على هذا التفسير في محاورةٍ لاحقة أنه «من المهم لعملائنا أن يشعروا إبَّان وجودهم هنا وكأنهم في مكتبٍ أمريكي. وأيضًا بما يجعل السكرتيرات أكثر حرفية، فلا تكون السكرتيرة مجرد فتاة أتت من الشارع.»

كانت هذه السردية الإدارية عن الفتاة المكسيكية التي تعمل في «م. ع. م» جهدًا مبذولًا لمساعدتي على أن أراها كما هي، ولكي أستجلبها في نسيج الحياة كتجسيدٍ لتلك الفوضى الجنسية الشائعة بين نساء العالم الثالث، وفقًا للمعلمين المرشدين في الشركة، ووفقًا لمواقع العمل الصناعي الأخرى حول العالم (راجع Ong 1987). فليست هذه الصورة للأنثى المكسيكانة في ماكيلادورا خاصة ﺑ «م. ع. م» (انظر أيضًا Slazinger 1997; Wright 1997)، ولا هي تعطي صورة ثبوتية، نجدها حصريًّا في الناس الذين ولدوا على هذا الجانب من الحدود أو على الجانب الآخر. الأحرى أنها امراةٌ ارتحلت مع الخطابات التي تسعى إليها وتعيد تكوينها١٥ في لفتاتها وملبسها ولغتها وتصفيف شعرها وفي مواقف القوى العاملة النسائية. كل امرأة تعمل في «م. ع. م» عليها أن تدعم منصبها بأنها ليست مكسيكانة، وإلا فلتخاطر بتفسير وضعها بأنها حالة أخرى من الهيئة الجسدية المكسيكانية ذات الخطورة. والنظر إليها بمثل ذلك التجسد إنما يهدد الحياة المهنية لأي امرأةٍ داخل مجال إدارة «م. ع. م» التي هي إدارة أمريكية بإمعانٍ.

لقد صادفت مثل هذا التهديد حينما حاول اثنتان تصفان نفسيهما بأنهما مكسيكانتان أن يغيرا وظيفتيهما ويصعدا في سلم وظائف شركة «م. ع. م». كلٌّ من هاتين المرأتين وصفت نفسها لي بأنها مكسيكانة، وكلٌّ منهما واجهت تحدي الاضطرار إلى الإقلاع عن خطاب المكسيكانة لكي تضفي المشروعية على مطلبها بأن تحلَّ في مجال الإدارة الأمريكي، لكي تتقاضى راتبًا أعلى وتمارس سلطةً أكبر. في هاتين الحالتين، أن يكون المرء أمريكيًّا أو مكسيكيًّا، ذكرًا أو أنثى، امرأة من أصولٍ إنجليزية أو من أصولٍ مكسيكانية، إنما يتوقف على أداء موقف الذات على النحو الذي تُفهم به الذات في المجال الرمزي للتمثيل. وسوف نرى كيف أن المرأة التي ولدت وترعرعت في المكسيك تحول نفسها إلى أمريكية، بينما المرأة التي ولدت وترعرعت في الولايات المتحدة تتملص من مقاييس الشركة لتُرى كأنها تجسد صورة المكسيكانة. كلٌّ منهما صادفت خطابًا يعيد تكوين التمثيل التاريخي للمكسيكانات بشكلٍ عام، من حيث إنهنَّ عُرضة للطعن في سلوكهنَّ الجنسي ويمثلن خطرًا على الشركات الرأسمالية من حيث إن أجسادهن ولغتهن وطريقتهن في السلوك تعرض الدليل على المكسيكانة التي قد ترابض داخلهن. وكافحت كلٌّ منهما لتقدم دلالةً جديدة عن ذاتها داخل الخطاب المهيمن حول ما تكونه المكسيكانات وما الذي يستفزهن داخل جدران «م. ع. م» وخارجها.

(٣) روزاليا

حين قابلتُ روزاليا كانت مديرة العاملين من المكسيكيين. وقد عملت في ماكيلادورا اثني عشر عامًا، بدأتها كعاملة للهاتف، ثم ارتقت من موظفةٍ إلى سكرتيرة، وأخيرًا إلى منصب المدير المساعد لشئون الموظفين في منشأة ماكيلادورا التي عملت بها. كانت تربي طفليها بمفردها وحصلت من فورها على شهادةٍ جامعية في إدارة الأعمال بعد سنواتٍ من الدراسة المسائية. كانت المرأة المهنية الوحيدة في عائلتها المباشرة، وتعبر عن فخرها بما أنجزته. حين طلبت منها أن تسرد لي تاريخها المهني، أخبرتني بأن «كثيرين يقولون إن المرأة لا تستطيع الحصول على مهنة. تسمعين هذا عن النساء المكسيكيات خصوصًا، لكنه غير صحيح، قد ترغبين في هذا، لكن عليك أن تنجزيه.»

حين دار هذا الحوار كان مكتب روزاليا يقع في إحدى الحجيرات المصممة للطاقم الإداري المكسيكي في منطقة الإنتاج. ولم يحدث في تاريخ «م. ع. م» أن ارتقت أي امرأةٍ مكسيكية لما يعلو على هذا المنصب؛ ومع هذا استطاعت روزاليا في غضون شهرين من الوقت الذي استغرقه إجرائي البحث أن تتلقى عرضًا بالترقية، ليس هذا فحسب بل باتت أول مكسيكانة تشغل مكتبًا في منطقة الإدارة الأمريكية، وأصبح لها سلطة على عاملين أمريكيين. وبعد شهرٍ من هذه الترقية، طلبتُ من روزاليا أن تصف لي الأحداث التي أحاطت بترقيتها. قالت: «كان واضحًا أن ستيف يحتاج إلى شيءٍ من المساعدة مع الموظفين الأمريكيين. كنت أقوم فيما سبق بأعمال التأمينات … أخبرته بأنني أستطيع النهوض بأعباء الوظيفة. أريته دفاتري عن قانون العمل في الولايات المتحدة … يعلم أنني مهنية. أنا لست مجرد واحدة مكسيكانة.»

أما ستيف فشرح لي قراره بهذه الطريقة: «عرفت أنها كانت مبادرة ضخمة في نقل روزاليا إلى هذا المكتب، لكني عرفت أيضًا أنها الأفضل لهذه الوظيفة. إنهم ينظرون إليها ويرونها مجرد امرأة مكسيكية أخرى. لكني أعرف روزاليا، وأعرف أنها صارمة كالسيف وطموحة، وسوف ينتهي بها المطاف بأن تبين لنا جميعًا أنها بما تحمله في رأسها ليست مجرد امرأة مكسيكية، وسوف تتوافق مع الأمريكيين.»

مع ذلك، حين أعلن ترقية روزاليا، اندفع أربعةٌ من المديرين الخمسة للخروج من الاجتماع غاضبين احتجاجًا على ترقيتها.

واحدٌ من مديري الإنتاج، وهو روجر راح يزمجر في أثناء خروجه من المكتب قائلًا: «هذا اعتداء على خصوصيتي.» وحين كان مدير إنتاج آخر، وهو بيرت، يخرج من غرفة اجتماع الطاقم الإداري، سألته: «ما الخطأ؟» وفي أثناء سيره متجهًا إلى مكتبه الذي يقع في القاعة على الجانب الآخر من مكتب روزاليا، أجاب «إن روجر مستاءٌ من روزاليا. وأنا أيضًا، لا أفهم لماذا ينبغي أن تحتل مكتبًا هنا. الوضع الذي كانت فيه هو الأفضل لها». في خارج القاعة سألت روجر عما يجعله منزعجًا هكذا من ترقية روزاليا، قال: «لا أريد أن أبدو متعصبًا، والسبب أنني لا أشعر بأي شيءٍ ضد الشعب المكسيكي. بَيد أنها امرأةٌ مكسيكية جدًّا، والمرأة في تلك الثقافة لا تعرف ماذا يعني أن تخوض في لعبةٍ قاسية جدًّا.»

واصلت الحديث قائلة: «وما علاقة هذا بالخصوصية؟»

صرخ روجر، «اسمعي. إنها ليست مؤهلة تمامًا لمتابعة شئوننا. أقسم بالمسيح إنها مجرد سكرتيرة. ربما توجد علاقة يلعنها الرب بينهما»، وسرعان ما تدخل بيرت قائلًا: «هل ننتظر منها أن تباشر مطالباتنا بالتأمينات أو بأرصدة العمال؟» وأضاف متهكمًا: «إنها لا تعلم حتى ماذا يعني هذا». في داخل القاعة، كان التبرم والتذمر من قِبل العاملين الأمريكيين الآخرين أكثر دهاءً، لكن لا يزال مسموعًا، فاقتربت من سينثيا، وهي واحدة من مهندسي الجودة، قالت: «ما الذي تعرفه امراةٌ مكسيكية عن التحرش الجنسي؟ إنها مكسيكانة مكسيكانة». مكسيكانة مكسيكانة، كما يفترض أنني أفهمها، تعني أن روزاليا تحديدًا مكسيكية مكسيكانة، فيتلاءم وضعها مع أدنى الصفوف في التراتب الهرمي السياسي والاقتصادي لأهل «م. ع. م».

أعربت سينثيا بوضوحٍ عن هذه المسألة: «هل تعرفين أنها الآن رئيسيتي؟ إنها تحصل على نقودٍ أكثر مني. هذه إهانة.» جانب من هذا الاعتراض كان من نصيب ستيف، فقد عطل الناموس الاجتماعي حين سمح لروزاليا أن تنتقل بلحمها وشحمها إلى الفضاء الاجتماعي الأمريكي. خافوا من تدنيس النطاق الأمريكي بحضور مكسيكانة فيه. أوجز بيت وروجر هذا الشعور حين اشتكى كلاهما قائلًا: «رؤساؤنا في إلينوي، ماذا تحسبينهم سيقولون حين يجيئون إلى مكاتبنا ويرونها؟» كانت سينثيا هي الأخرى معنية بهذا التصور: «لا تعرف روزاليا كيفية التصرف مع الناس في هذه الشركات. تبدو كأنها من خارج هذا المكان، وليس ذلك من قبيل المصادفة.»

علمت روزاليا بأمر هذه الهواجس، وسرعان ما التحقت بدورةٍ مكثفة للغة الإنجليزية، واشترت ملابس جديدة من محالِّ ديلارد في إل باسو، وملأت استمارات الحصول على البطاقة الخضراء. كانت ستنتقل إلى الإقامة في إل باسو. وفي غضون شهرٍ واحد، راجعت مدارس إل باسو من أجل مدرسة لطفليها واختارت الحي السكني الذي ستعيش فيه. سألتها عن سبب انتقالها، وكانت إجابتها: «لا بأس، الوظيفة أمريكية، وهذا يعني ضرورة حصولي على البطاقة الخضراء.»

لكي تتأهل روزاليا لمنصب إدارة الموارد البشرية، على نحو ما كان عليه في الشركة، لا بدَّ لها أن تصبح مقيمة أمريكية حاملة للبطاقة الخضراء. كان منصب إدارة الموارد البشرية في هيكلته منصبًا أمريكيًّا، راتبه بالدولار الأمريكي، وتُستحق عليه ضرائب للحكومة الأمريكية، ويحكمه قانون العمل الأمريكي. وليس أقل من هذا دلالة، أن مرتبته تعلو مرتبة مناصب أمريكية عديدة، من ناحية الأجر والمنزلة والقوة في الشركة. كانت روزاليا تُظهر أن هذه المديرة للموارد البشرية لن تكون من العمالة المكسيكية، بل بالأحرى من العمالة الأمريكية.

طرحتُ المسألة على هذه الصورة: «في منشآت ماكيلادورا، يجب على المرء فهم الفارق بين أن يكون مكسيكيًّا وأن يكون أمريكيًّا. يقولون في وجهي صراحةً: إن المكسيكانة لا تستطيع النهوض بأعباء هذه الوظيفة؛ ذلك أنني لا أفهم التحرش الجنسي أو لا أستطيع أن أفض إضرابًا. أنت تشهدين، أنا مكسيكانة لكن لدي حس الأعمال الأمريكي، وهذا يعني أنني على درايةٍ بالجانبين معًا.» وإذ تبين روزاليا أنها تستطيع الإقامة في الولايات المتحدة، عملت على انتزاع الاستعارة المجازية للحدود الدولية خارج الشركة. وذلك لكي تعيد التفاوض بشأن وضعها في مواجهة الحدود داخلها. كانت تلقي بمكسيكانيتها وراء ظهرها، تتأمرك. وليس أدل على هذا من أنها كانت تعمل على إثبات اختلافها عن أغلبية المكسيكانات، فهي ليست مرتبطة ثقافيًّا بالفوضى الجنسية.

ذات يوم أخبرني ستيف في أثناء تناول الغداء، «أنها في الواقع أثارت دهشة الكثيرين حين جاهرت بهذا، أحسبهم تصوروا أنها لن تستطيع مغادرة المكسيك. ولكنك تعلمين أنني أحسبها قد وضعت نصب عينيها التعيين في وظيفةٍ دولية. إنها جادة، تريد أن تُعامل كأمريكيةٍ ومهنية حقيقية … أعتقد أنها تستطيع أن تصل إلى هذا.»

على أي حال، يكشف توصيف روزاليا ذاتها لهذه النقلة عن أنها قد اعتبرت نفسها مكسيكانة من نمطٍ جديد، تتفهم كيف تتفاعل الحدود بوصفها مجازًا بمعية التنظيم المادي للسلطة ورأس المال والنفوذ في المناطق الحدودية السياسية. وحين سألتها عما إذا كانت ستفتقد المعيشة في سيوداد خواريز، قالت: «سأظل دائمًا مكسيكانة. بَيد أني أحتاج أيضًا إلى تفهُّم الأمور الأمريكية، هنا أنا أمريكية، أمثِّل العمالة الأمريكية في الشركة، أترجم السياسة؛ لذلك أريدك أن تعرفي ماذا يعني عبورك الجسر كل صباح، أن يكون أطفالك في مدرسةٍ أمريكية وتحاولين سد طلباتهم، أجل أنا مكسيكانة، ولكني لست من الصورة التقليدية للمكسيكانة.»

لقد بدلت هيئتها في نظر الجميع لتغدو بتلك الصورة التي تُفسر عمومًا بأنها الصورة النمطية للمدير الأمريكي. تغيرت الملابس التي ترتديها لتكتسي بألوانٍ أغمق، أصبح ثوبها أطول وكعب حذائها أقصر.١٦ وفي غضون أسابيع قليلة من دراستها للغة الإنجليزية، باتت لا تتحدث الإسبانية إلا نادرًا. تعاملت أيضًا مع مشكلةٍ دقيقة من مشكلات التأمين المتعلقة بالعاملين الأمريكيين في الخارج وبفطنتها للبيروقراطية في الشركات الأمريكية أثارت إعجاب زملائها الذين كانوا متشككين. وقد سألتُ ستيف كيف وجد أداءها الوظيفي، فأجاب: «أنت تعلمين. لقد تغيرت فعلًا، أعتقد أنهم في المقر الرئيسي لا يعرفون حتى أنها مكسيكية.»
لقد ظهرت قدرات روزاليا على تبديد الاضطرابات العمالية؛ مما أثار المزيد من إعجاب المديرين الآخرين، في فبراير من العام ١٩٩٥م، انخفضت قيمة البيزو (أمام الدولار الأمريكي) بما يقرب من سبعين في المائة، فترك الآلاف من العمال وظائفهم في ماكيلادورا. راجت الشائعات بأن هناك من ينظم اتحادات في جميع الأرجاء الصناعية للضغط على ما يرى المصانع فيرفعون الأجور للتعويض عن التراجع المباشر في قيمة قدرتهم على العمل (بلغة الدولار)، وأيضًا للحد من انهيار قدرة العمال الشرائية. أصاب الشلل مصنعين مجاورين ﻟ «م. ع. م» بسبب انسحاب العمال، وأضرب ما يقرب من خمسة آلاف عامل في مصنعٍ مجاور لتجميع تلفزيونات آر. سي. إيه؛ مما دفع إلى إيقاف عمل الشركة في إلينوي (انظر Kern and Dunn 1995). إلا أن العمل استمر في «م. ع. م» كالمعتاد. انهال ستيف بالثناء على روزاليا حين سألته: كيف واصلت «م. ع. م» العمل؟ فأجاب: «تعرف روزاليا ما الذي يجب أن تفعله، كان لها مخبرون في أرجاء المكان بأسره … في عيادة الطبيب، فكلهم يتحدثون إلى طبيبهم، وعلى خطوط الهاتف. إنها صعبة المراس، أصعب من كل ما يتصوره أي شخصٍ عنها، أعتقد أنها الآن أمريكية مثلما أنا أمريكي.»

وأيضًا أثبتت روزاليا وجودها خارج جدران «م. ع. م»، فبعد ترقيتها بعامٍ واحد، عُينت في وظيفةٍ مرموقة برابطة تجارة ماكيلادورا في سيوداد خواريز، وأفصحت عن أملها في فتح الباب لمديرات مكسيكانات أخريات ليلتحقن بالمجموعة.

وفيما كانت روزاليا تعبُر تقسيمات تفصل بين المكسيك والولايات المتحدة، فإنها تعاود تأكيد ذاتها في «م. ع. م»، أصبحت مكسيكانة مهنية لبيبة حين أفصحت عن المغزى في أن تكتسب معارفها بوصفها مكسيكانة، وفي لغتها والرؤية السياسية الخاصة بها. لقد تعاملت مع الحدود بوصفها تعبيرًا مجازيًّا عن الانقسام لكي تقتطع لنفسها مكانًا بوصفها نمطًا خاصًّا من المكسيكانة لها حراكها عبر انقسامٍ بين الدولتين. افترضت سياسة للانقسام الجغرافي. وكانت حركتها داخل الفضاء الأمريكي تعني وضع مسافة تفصلها عن أغلبية المكسيكانات العاملات في الشركة. بَيد أنها ظلَّت تعرِّف نفسها بأنها مكسيكانة، لديها القدرة على صنع روابط بين الحدود، وعلى أن تطرق اتصالات سياسية وأن تقوي وضعها من خلال وعيها الذاتي بنفسها بوصفها فاعلة سياسية. إنها ليست ذلك النوع من المستيزة الجديدة التي تتصورها آنزالدوا، بل هي من نمطٍ أصبح أكثر بروزًا في الفضاء الراهن الذي هو المنطقة الحدودية بين الولايات المتحدة والمكسيك.

جنبًا إلى جنب مع جهود روزاليا من أجل الترقية، كانت ثمة واحدة من زميلاتها الأمريكيات، هي سينثيا، تبذل هي الأخرى المساعي للحصول على مقعدٍ في الإدارة. كانت روزاليا الجهة التي عينتها الشركة لإدارة ذلك الأمر، وعالجته بما يكشف عن رؤيتها في أن الإخفاق في إدراك سياسة الاختلاف الجغرافي في منشآت ماكيلادورا مسألة كارثية للمكسيكانة التي تطمح إلى تحسين وضعها المادي.

(٤) سينثيا

حين قابلت سينثيا لأول مرة في سبتمبر من العام ١٩٩٣م، كانت تعمل مهندسة جودة تراقب إنتاج أنظمة الوقود. التوصيف المهني لهذه الوظيفة ينطوي على إدارةٍ أكثر مما ينطوي على هندسة، فكان دورها متابعة اتصال الإدارة بمهندسي التصنيع في الطابق التجاري، وكلهم رجال مكسيكيون. كانت سينثيا حاصلة على شهادةٍ جامعية في الهندسة والكيمياء، أمضت معظم سنوات الدراسة مع أسرتها، والتحقت بفصولٍ دراسية مسائية بجامعة تكساس في إل باسو لاستيفاء متطلبات الحصول على درجة الماجستير في الهندسة الصناعية. وعلى الرغم من أن والديها كانا الجيل الأول كمهاجرين مكسيكيين، قالت إنها تعلمت أن تتحدث الإسبانية بطلاقةٍ في مدرسةٍ مسائية. التحقت بالعمل في «م. ع. م» قبل إجراء بحثي بعامين، وذلك حين حسمت أمرها بأنها وإن كانت من أوهايو فإن جذورها تمتد على جانبَي الحدود. قالت لي: «أتعلمين، أسرتي بأسرها عمال مهاجرون، جامعو محصول الطماطم. جاءت أمي ذات يوم لتخبر أبي بأنها لا تكاد تتحمل منظر الطماطم مرةً أخرى، فارتحلا إلى أوهايو، وافتتحا متجرًا لبيع بانادريا (الخبز المكسيكي). وفيه عملت وأنا طفلة.»

تصف سينثيا نفسها بأنها طموحة، تتحدث عن مشاركتها في جماعةٍ ثقافية موالية لقطاع الأعمال وهي لولاك (رابطة مواطني أمريكا اللاتينية المتحدين)، وفي دوائر سياسية في إل باسو. ومنذ لقائنا الأول أخبرتني بطموحاتها في الانتقال إلى الإدارة. «إنني مديرة كفء، وأفضل من يكتب في هذا المكان بأسره. أنا أكتب التقارير كلها، أكتبها حتى نيابة عن رجالٍ آخرين. وأنا الآن أحيانًا أكتبها نيابةً عن ستيف»، صدَّق ستيف على هذا: «سينثيا تكتب التقارير جيدًا. إنها موهوبة، لكنها تدخل دائمًا في نزاع. ويا له من وقتٍ طويل أنفقناه في محاولة تحديد ما هي «مشكلة سينثيا».

وإن هي إلا أيام قليلة في «م. ع. م»، وأتت البيِّنة على هذا. خلال واحدٍ من الاجتماعات الأسبوعية للمديرين، بعد ترقية روزاليا بفترةٍ وجيزة، ورد اسم سينثيا حين أقر روجر، بلهجةٍ آمرة، «لا بد أن يتحدث أحدٌ مع سينثيا».

وفي صباح اليوم التالي أتت سينثيا إلى مكتبي وأغلقت الباب. «هل تعلمين ماذا قالوا لي؟ أولئك الملاعين … إنها فيونكاتي. قالوا إنني لا أستطيع وضع الفيونكات في شعري». استلَّت من شعرها فيونكة أرجوانية لامعة وعرضتها عليَّ. «أعطتني أمي إياها في عيد ميلادي … وكانت روزاليا هي التي أخبرتني بذلك … «لتخفف من نبرتها»؛ فأولًا هذا شعري أنا. دعاني ستيف إلى مكتبه وقال إنه يريد أن يراني أبدو أكثر بوصفها مهندسة أمريكية. قال إني أصبحت أقرب شبهًا بالمكسيكية. ليذهب إلى الجحيم، ألا يعرف إلى من يتحدث؟»

وعلى مدار سلسلةٍ من الحوارات، شرح لي ستيف كيف أن سينثيا التي تتبوأ تلك الوظيفة، ببساطةٍ لا تبدو مهنية محترفة، «لا أدري هل هي هنا لتكتشف جذورها أم ماذا؟ لست أبالي، كل ما أريده أن يسلك المهندسون لديَّ سلوك المهندسين. لا أستطيع أن أرى رئيسة عمل عندي تهبط إلى هنا من أجل مناقشة مسائل تتعلق بأنظمة الوقود والفيونكات المبهرة اللامعة تتماوج على رأسها … قد يبدو هذا سيئًا للغاية، بل كيف يمكن أن يحدث مثل هذا أصلًا. إذا أرادت أن تكون مديرة، لكان من الأفضل لها أن تعمل على تخفيف حدة مثل هذه الأشياء المكسيكية.»

لم تنحنِ سينثيا أمام هذه الضغوط. ذات يوم جاءت مرتدية ثوبًا بنفسجيًّا فاقعًا بأزرارٍ من حجر الراين اللامع وفيونكة تتناسب معه. وعند المدخل أخبرتني: «لديَّ الجرأة على أن أقول لهم أي شيء.» وحين سألت سينثيا عما إذا كان شيء لا يغريها لبذل جهد من أجل تخفيف التوتر، أعربت عن غضبها وقالت: «انظري، أنا لست فتاة بيضاء مثلك. ولست أخجل مما أكونه، أنا أعرض ذاتي، أنا امرأة، وأعرض هذا، أنا مكسيكانة، وأعرض هذا. في الخارج أرتدي الجينز الأزرق أما هنا فأنا مهنية وهذا ما أعرضه، إذا لم يعجبهم هذا، فعليهم اللعنة.»

في غضون هذا كانت قد تلقَّت مذكرات مكتوبة لا تتعلق بملابسها تفيد بتعبيراتٍ عامة غير محددة عن أنها لا تقوم بواجباتها الوظيفية. وحصلت في واحدٍ من التقارير على درجاتٍ منخفضة في السلوك الوظيفي، وفهمت سينثيا أن هذا تمهيدٌ قانوني لفصلها من العمل. عبرت روزاليا عن الصراع بهذه الكلمات: «هنا ينبغي أن يكون المرء هذا الشيء أو ذاك. فإما أن يكون مكسيكيًّا أو أمريكيًّا، لا مكان هنا للأمريكي المكسيكي.»

ومن المفارقات حقًّا إهدار ساعات من عمل الهيئة الإدارية في النزاع حول مظهر سينثيا، فيما كان أداؤها كمهندسة جودة، بمقاييس عيوب المنتجات وموثوقيتها، يحصل على درجات الإثابة في الشركة، وعلى مستوى العالم بأسره. منحتها الشركة ووالديها تذاكر طيران إلى ميامي لحضور حفل توزيع جوائز، ومع ذلك، لم تحُلْ هذه الإثابة من دون إجبارها على تقديم استقالتها بعد هذا بفترةٍ وجيزة.

في الأيام القليلة التي سبقت استقالتها، أعلن ستيف أنه قام بترقية رجل مكسيكي إلى وظيفة مدير هندسي، وهي الوظيفة التي كانت تطمع فيها سينثيا. وفي تفسيرٍ لهذا القرار أخبرني: «لا أعتقد أن منشآت ماكيلادورا قد تأهبت بعدُ لسينثيا». «هذا الشاب يسلك سلوك المهندس، وأعرف من أين أتى». وبهذا فهمت أنه كان معجبًا بالحضور الذكوري الصارم، بارتداء رابطة العنق، وتفهُّم لا يشوبه تردد أو تضارب للفارق بين المجال المكسيكي والمجال الأمريكي في «م. ع. م».

سألت روزاليا تفسيرًا لأن يمثل المظهر الذاتي لسينثيا مثل هذه المشكلة، ويستحق مثل هذا الاهتمام في حين أن عملها يقدم للشركة فائدةً جليلة صريحة؟! فراحت تبرر الاهتمام بمظهر سينثيا عن طريق مناقشة الحدود الدولية وكيف تمارس فعلها: «لا بأس، قد يبدو هذا غير ذي صلة بالموضوع، بَيد أن مظهر الناس وكيف يسلكون مهم حقًّا لكي ينتظم عمل كل شيء؛ ذلك يشبه الحدود، يجب أن تُظهري أوراقك، ولا يتوقف الأمر على من تكونين. إذا لم تسلكي السلوك الصحيح، فلن يجعلوك تعبرين؛ فلديهم قواعد صارمة، وكذلك نحن. لم ترغب سينثيا في قبول هذه القواعد، فلم تبدِ مهنية وضايقت كل شخص. والحق أنها لم تعرف تمامًا من تكونه هنا، وتلك هي مشكلتها الكبرى.»

ما عرضته سينثيا في «م. ع. م» كان صورة متنافرة، أقرت بأنها امرأة «أمريكية مكسيكية»، صورة معينة من صور المكسيكانة، في سياقٍ كان الانقسام القاطع فيه هو الناموس. ومع رفضها الاعتراف بالحدود بوصفه تعبيرًا مجازيًّا عن الانقسام، كانت تمثل تهديدًا لنظامٍ اجتماعي انبنى على تفرقةٍ عنصرية أممية داخل انقسام للعمل. كانت تتحدى بشكلٍ مباشر الخطاب السائد للمكسيكانات بوصفهن غير مهنيات، وكان هذا جهدًا في إعادة صياغة الدلالة، ليس فقط دلالة ذات الفرد الأخرى، بل دلالة التأويل الرمزي للمكسيكانة بشكلٍ عام. وعلى خلاف روزاليا، لم تقم بتعديل مظهرها الخاص ليناسب الإطار الرمزي السائد للمكان وللذوات. وبدلًا من هذا اصطدمت بالتمثيل ووضعت في تصورها فضاء للمكسيكانة وواجهت معارضةً قوية. إنها مثل آنزالدوا، تخيلت بشكلٍ أو بآخر توحيدًا ممكنًا بين الجانبين المكسيكي والأمريكي. حاولت التفاوض مع الغموض الاجتماعي، عاملة على إدراج ما هو مكسيكي فيما هو أمريكي، والأنوثة في السلطة، في سياقٍ يلقي بمثل هذه الاضطهادات الخطابية والمادية في خانة المستحيل.

على أن تعبيرات سينثيا عن الوحدة الاجتماعية عبر جغرافيا يعاد وصلها تعبيرات لا تطعن في التقسيمات الطبقية، وهي تقسيمات مفطورة في انقسام العمل الذي يفصل المكسيكانات المهنيات عن المكسيكانات من عمال اليومية الكادحين عبر الحدود الأممية. وفي إشارةٍ إلى الإناث من العمال الشغيلة الذين رأستهم، تفسِّر وضعهن بأن «هؤلاء الفتيات محظوظات بالحصول على مثل هذا العمل وهن لا يعرفن حتى هذا. والواقع أن الثقافة المكسيكية لم تعلمهن كيف يحترمن عملهن. أسرتي مكسيكية، ولكن حين يتعلق الأمر بالعمل، يكون علينا أن نتحلى بأخلاقيات العمل الأمريكية». ربما هددت سينثيا نظامًا اجتماعيًّا يدور حول استبعاد مظاهر معينة للمكسيكانات من الإدارة الأمريكية، لكنها أعربت عن إخلاصٍ متين للحدودية الأممية والجنسية للتقسيمات الطبقية، التي حافظت على العملية الرأسمالية وسلامتها. مثلًا، حين عرفت أنني حضرت ملتقًى عماليًّا في سيوداد خواريز، اتصلت بي تليفونيًّا في المنزل، وسألتني: «هل أنت واحدة من الذين تنزف قلوبهم من أجل البشر الشغيلة الكادحين؟» وحين أخبرتها بأنني لا أفهم ماذا تقصد، أبلغتني بأنها لا تستطيع أن تخاطر ولن تتحدث معي مرةً أخرى، وحينئذٍ تلقيت مكالمةً من ستيف الذي سألني عما إذا كنت «أتجسس لمصلحة العمال».

على الرغم من مشكلات سينثيا مع «م. ع. م»، فإنها لم تتركها وهي في موقف ضعف، بحثت عن الدعم والمشورة من المجتمع القانوني الواسع في إل باسو وسيوداد خواريز كلتيهما. ولأن ستيف تخوَّف من رفع دعوى قضائية، أذن بصرف مكافأة مادية لها مشفوعة بتوصيةٍ مشددة لشركات أخرى راحت تعمل فيها، وبعد هذا بفترةٍ وجيزة، ذُكر اسمها في مجلةٍ صناعية تجارية واسعة الانتشار بوصفها من صفوة النساء العاملات ومن المهندسين ذوي المكانة العالية في صناعات ماكيلادورا. أرجعت الكثير من نجاحها إلى تجربتها بوصفها امرأة تعرف جيدًا الثقافتين الأمريكية والمكسيكية معًا الموجودتين في البيئة الحدودية.

وكما قالت لي قبل إقالتها: «أحسب أن أولئك الرجال البيض تدهشهم المفاجأة. هناك جمعٌ غفير منا، ونحن نعلم ماذا ينبغي أن نفعل. هذا واحد من أماكن قليلة تستطيع فيها المكسيكانة أن تفعل شيئًا مذكورًا في مجال الصناعة، يخافون منا لأننا نعرف دخائل الجانبين معًا هنا.»

(٥) السياسة النسوية ومستيزة ماكيلادورا

بعد نشر «الأراضي الحدودية» بنحو عشر سنوات، قالت آنزالدوا في معرض الحديث عن المستيزة الجديدة والمستيزية: «المستيزة الجديدة حساسة تجاه عرقها وثقافتها المستيزية وعلى وعيٍ بهما. لديها وعي سياسي بما يحدث في هذين المجتمعين والعالمين المختلفين؛ لذلك تنظر إليه بمنظورٍ مختلف. لم تعد مجرد تشيكانية، وليس هذا كل ما تكونه. إنها نسوية في الأوساط الأكاديمية، سحاقية في مجتمعات الشواذ، وهي الشخص الذي يعمل في أمريكا الصريحة» (Anzaldúa and Hernandez 9, 96-1995). وهي في «م. ع. م» المكسيكانة العاملة تحت إدارة أمريكية، وفي استعارةٍ لتصور آنزالدوا (وبالتالي تقويض له) نقول إنها إعادة الدلالة لمكسيكانة ماكيلادورا لكي تصبح مستيزة ماكيلادورا الجديدة.

أما عن رؤية بتلر لإعادة صياغة الدلالة في انطباقها على هذه المستيزة الجديدة، فإن روزاليا وسينثيا يطرحان أمام المستيزية التساؤلات الآتية: هل نستطيع اعتبار إعادة صياغة الدلالة تدميرًا جزئيًّا، أو بمزيدٍ من التوجه إلى صلب الموضوع، نعتبرها حتى إعادة صياغة راديكالية لتتلاءم مع ظروف الوضع القائم وأشكال الخضوع لها؟ تعاد صياغة الدلالة لمستيزة ماكيلادورا لتصل إلى مدى لم يتوقع منها أحد أن تبلغه، وتظل مثيرة للدهشة حين تبلغه. لكن إعادة صياغة دلالتها بوصفها ذاتًا حدودية جديدة إنما تتزامن مع تعزيز مكانة السيناريو الذي تتبعه الشركة، وهو نحت هويات العمالة على أساسٍ من علائم الجنس والقومية والثقافة، تلك المجلوبة إلى الأماكن والمواضع في ساحة العمل بالشركة. كل امرأةٍ تعبر عن هجينٍ ثقافي سيرتد صداه في رؤية آنزالدوا للمستيزية، فيما نجد كل امرأةٍ تعمل بجديةٍ إنما تحافظ على حدود الانقسام الطبقي الذي تزدهر فيه صناعات ماكيلادورا. وبينما تتأمرك روزاليا وتصنع سينثيا لنفسها اسمًا مذكورًا في مجال الصناعة، تكدح أغلبية المكسيكانات في ماكيلادورا من أجل الحصول على أجورٍ تبقيهن تحت خط الفقر. كثيرات يعشن في ظروفٍ مرهقة اقتصاديًّا، قلةٌ قليلة لا تمثل نسبة يعتد بها هي التي تتاح أمامها فرصة للترقي في الصفوف الوظيفية. إن نجاح روزاليا وسينثيا يطرح سؤالًا هو: هل يمكن أن تتراكب الصورة التي تضعها آنزالدوا للمستيزة الراديكالية مع مستيزة ماكيلادورا الموالية لقطاع الأعمال، وذلك في سياسةٍ نسوية للحدود؟

إن روزاليا وسينثيا يثيران هذا التساؤل من حيث يعطلان فاعلية بعض شفرات تأويل مواقفهما الذاتية، وهي شفرات تظل ثابتة بالنسبة إلى الأخريات. مستيزيتهما الجديدة تتجلى في هجنتهما وفي إظهارهما نفسيهما بوصفهما امرأتين عارفتين بكلا الجانبين للحدود وكذَاتَين تقطنان تلك الأماكن. ولكن يُستبعد من مستيزيتهما الاختلاط بالمكسيكانات غير المهنيات، أو حتى الاختلاط بعضهم مع بعض بالمغزى الاجتماعي، إلا في أن كلتيهما تساند اتحادات ماكيلادورا التجارية، وكلتيهما ناشطة في بعض جماعات مجال الأعمال السياسية المحافظة. علاوة على هذا، أضفتْ كلتاهما على أجواء المؤسسة تنوعًا. وقد مثلتا دليلًا في يد مديري الشركة على التزام المؤسسة بترقية النساء والأقليات إلى وظائف أعلى. أما في البحث عن طريقةٍ لدخولهما في إطار رؤية آنزالدوا للمستيزة الجديدة، فمن المفيد معالجة الطريقة التي تبدو بها كلٌّ منهما مختلفة عن الأخرى، وإلى أي مدى كانت مفاوضاتهما بشأن الاختلاف تتولد عنها تأثيرات مشتركة.

تبين روزاليا أن المكسيكانة يمكن أن «تتصرف كأمريكية» — لقد غيرت لغتها وملابسها والدائرة الاجتماعية التي تتحرك فيها وجنسية محل الإقامة ومدارس أطفالها. عبرت الحدود خارج الشركة وعكست الحدود التي عبرتها لتقيم داخلها. وإذ تفعل هذا، يتداعى معها تصور المكسيكانة المرتبطة بالتقاليد، التي ترسم لها الثقافة مستقبلًا غير مهني والتي تظل إلى الأبد في مرتبةٍ أدنى من الناحية الاجتماعية.١٧ غير أنها لكي تُظهر هذا التغيير، تنصلت من وضعها في المؤسسة كمكسيكانة. لقد قبلت التوقعات بكينونة المكسيكانة رأسًا على عقب عن طريق إظهار المسافة التي تفصلها عن هذه المقولة. بعبارةٍ أخرى، استمرارية مقولة المكسيكانة، أتاحت لروزاليا أن تتجاوز الاحتمالات التي تطرحها تلك المقولة — عن طريق التنصل منها؛ ولهذا ترغب روزاليا في أن توجد المكسيكانة كذاتٍ قابلة للحياة؛ لأنه من دون هذا لن تستطيع أن تقف معارضة لها (راجع Bulter 1997). ولن تسمح لسينثيا أو لأيٍّ سواها بأن تفسد معنى هذه الذات الذي هو ذو قيمة عالية بالنسبة إليها وبالنسبة إلى الشركة. هكذا تثبت روزاليا أنه «يمكن وجود مكسيكانة، ليست دائمًا من ذلك النمط التقليدي للمكسيكانة»، وفي غضون هذا ثمة الأغلبية العظمى من اللائي جلبن الذات المكسيكانية إلى الحياة في أرجاء الصناعات بماكيلادورا، يواصلن العمل من أجل أجر زهيد وليس أمامهن إلا أقل الفرص للتقدم المهني بينما يتخلق على أيديهن ذلك العدد الجم من منتجاتٍ تتلهف عليها أسواق الولايات المتحدة.

من الناحية الأخرى، ترفض سينثيا أن «تتصرف بوصفها أمريكية». وفقًا لسردية شركة «م. ع. م». إنها ليست مثل روزاليا التي هاجرت أخيرًا إلى أراضي الولايات المتحدة، بل تفصح عن هويتها بأنها «أمريكية» ذات ميراث مكسيكي طويل ولها حق الإقامة هنالك؛ وتبعًا لهذا تكافح في «م. ع. م» لأنها تتحدى رؤية الشركة للمكسيكانة كذاتٍ موحدة متجانسة تمثل عمالة غير مهنية، حاولت «تهريب» نمطها المكسيكاني إلى داخل النطاق الأمريكي، حيث المكسيكانة محظورة صراحة، وسرعان ما أجبروها على إخلاء مكانها، بَيد أن قصتها ليست مأساة، وبعد أن جربت التحرش الجنسي والعرقي السمج في «م. ع. م»، وجدت عملًا في مؤسسةٍ أخرى وواصلت احتلال مكان مرموق — بوصفها مكسيكانة — في صناعات ماكيلادورا المكسيكية.

وعلى الرغم من أن روزاليا وسينثيا تعبِّر كلٌّ منهما عن مستوًى ما من ازدرائها للأخرى، فإن كلتيهما مارست فعلها في سحب صورة المكسيكانة من المناطق الخلفية في مكاتب الموظفين بماكيلادورا وعنابر الإنتاج فيها لتضعها في الصدارة والمركز فيما يتعلق بمراكز القوة في تلك المؤسسات. وهما لهذا مستيزتان جديدتان، وفقًا للمغزى الذي أسهبت فيه آنزالدوا. وعلى قدر ما أعادتا تشكيل نفسيهما كامرأتين لهما قوة ونفوذ ينبعث مرتكزهما من تراثهما الثقافي ومن معرفتهما بعالمين رُسما بفعل الحدود والمناطق الحدودية؛ ومع هذا، من الواضح أنهما ليستا ذلك النمط من المستيزات الذي تفكر فيه آنزالدوا؛ ذلك أنه في إعادة تشكيلهما لذاتيهما، أو إعادة خلق الدلالتين، عملت التأثيرات المشتركة أيضًا على استبعاد المكسيكانات الأخريات من حصد المغانم المادية والاجتماعية المستحقة للمديرين في ماكيلادورا.

توضح روزاليا وسينثيا ما هو على المحك في صياغة الذوات الحدودية حول جغرافيا للاختلاف؛ وبالتالي ما الذي يجب أن تتحداه سياسة نسوية موضعها هو المناطق الحدودية. في مسار جهودهما رأينا كيف تعمل جغرافيا للاختلاف على دمج الطبقة في داخل صياغة الذوات الحدودية والانقسام السياسي، ورأينا كيف أن رمز الانقسام يتردد رجع صداه في أعطاف المناشط اليومية. وسوف يتعين على السياسة النسوية الساعية إلى توحيد قواها عبر هذه الجغرافيا أن تتصدى لمدارك الاختلاف وكيف تندمج في المناشط اليومية، التي تبث الحياة في أعطاف المناطق الحدودية وفي المناشط الحدودية وسكان الحدود من أمثال مستيزة ماكيلادورا.

هوامش

(١) منشآت ماكيلادوا مرافق لتجهيز الصادرات تقع في المكسيك.
(٢) ها هنا اشتقاق لمفردةٍ جديدة، ففي اللغة الإنجليزية النسبة إلى المكسيك بمفردةٍ واحدة هي Mexican فيقال Mexican man وMexican woman، وهذه المستيزة الجديدة تريد تأكيد أنثى مكسيكية جديدة بمفردةٍ لغوية جديدة هي mexicana، ونلاحظ أن اللفظة توصيفية بإمعانٍ، فهي لا تبدأ بالحرف الاستهلالي المكبر كدأب اللغة الإنجليزية في كتابة المفردة التي تحمل نسبة شخص إلى قومية أو جنسية؛ لذلك يمكن القول إن «مكسيكانة» ترجمة وليست تعريبًا؛ لأن قواعد الاشتقاق في اللغة العربية تحمل وضع الألف والنون للتوصيف المعزز كما في غضبان وجوعان وعطشان … أو بالأحرى غضبانة وجوعانة … وهنا «مكسيكانة». [المترجمة]
(٣) استخدم مصطلح أمريكي ليشير إلى انتشاره المشترك في سيوداد خواريز وإل باسو ومصطلح «الأمريكي» في منشآت ماكيلادورا ليشير إلى مواطنين من الولايات المتحدة، على الرغم من أن المصطلح مضلل.
(٤) بُذلت جهودٌ مشتتة ومحدودة النطاق لتشكيل روابط وتنظيمات ثنائية القومية، لكنها أبعد ما تكون عن التلاحم، ولكن فيما وراء منظمات الشركات وبعض الأنشطة المسكونية، تظل مثل هذه الجهود جزئية تعاني نقص التمويل والموارد البشرية.
(٥) في مناقشةٍ أوفى للسياق الثقافي للمؤسسة المتعددة الثقافات: انظر (Schoenberger 1997) و(Martin 1994).
(٦) لولاك LULAC هي مختصر الحروف الأولى من التعبير The League of United Latin American Citizens؛ أي رابطة مواطني أمريكا اللاتينية المتحدين. [المترجمة]
(٧) تشير رايت هنا إلى ما سوف تفصله فيما بعد من أن المكسيكانات بكل فعاليات جهودهنَّ لا يلتفتن بما يكفي للطبقية ومشكلات العمال أو حتى المكسيكانات من العمال. [المترجمة]
(٨) الرمز الاختزالي الذي وضعته المؤلفة هو (MOTW) فهو بدوره مختصر الحروف الأولى من التعبير Mexico on the Water؛ أي مكسيك على المياه. [المترجمة]
(٩) تشيهواهوا Chihuahua إحدى المحافظات الحدودية لدولة المكسيك، تقع على حدودها مع الولايات المتحدة، وهي الوسطى في هذا وبها ماكيلادورا. المحافظة إذن ليست ساحلية، فلا شطآن لها على خليجٍ أو محيط، على أن معنى كلمة تشيهواهوا في اللغة الأصلية القديمة هو «مكان تجمع مياه الأنهار»، ربما لهذا اختارت الكاتبة عنوان «مكسيك على المياه». أما سيوداد خواريز Juarez Ciudad فأكبر مدينة في هذه المحافظة. ومن المراكز الصناعية ومن مراكز ماكيلادوا بطبيعة الحال، ومن أكثر المدن تسارعًا في النمو الاقتصادي، وأيضًا في معدلات العنف والجريمة والاعتداء على النساء العاملات في ماكيلادورا. أما مدينة إل باسو El Paso فهي مدينة أمريكية في ولاية تكساس، سادس أكبر مدن ولاية تكساس، وأكبر مدينة في غربها، المهم أنها تواجه مدينة سيوداد خواريز المكسيكية مباشرة، المدينتان معًا من أكبر المناطق الحضرية ثنائية القومية هنالك. [المترجمة]
(١٠) أنا أستخدم أسماء مستعارة زائفة في سائر إشاراتي للأفراد والشركات، فقد اتفقت على هذا مع الذين زودوني بالمعلومات.
(١١) إنني أقدم هذا التفسير بوصفه تأويليًّا للأحداث والمحاورات والإجابات عن الأسئلة، وأنا أشترك مع جموعٍ من الإثنوغرافيين في الاعتقاد بأن تمثيلَ ذاتي أنا ينبغي ألا يحتل المقدمة والمركز في دوري الذي هو تقديم تأويل مفهوم (انظر Strathem 1991; Geertz 1988).
(١٢) يشتهر جدًّا تعريب المُكربِن carburetor، وفي أوساط العمال والعوام، فيقال: كربريتور، ولكن الترجمة العربية دقيقة ومطابقة وسهلة النطق. [المترجمة]
(١٣) انطوت هذه العملية على زرع عملاء لحرس الحدود الأمريكية كل مائتي ياردة على طول مسافةٍ قدرها عشرون ميلًا تمتد على الحدود في منطقة سيوداد خواريز وإل باسو؛ وذلك من أجل خلق عارض مادي يمكن أن يحول دون الهجرة غير الشرعية. لا تزال هذه العملية فاعلة في الواقع.
(١٤) في الوقت الذي أُجريت فيه هذه الدراسة، كانت الأغلبية العظمى من عمال «م. ع. م» عمالًا شغيلة، ومثل العمال في سائر منشآت ماكيلادورا، يتقاضون الحد الأدنى من الأجور الذي كان يقل عن دولارٍ أمريكي في الساعة. وبعد سلسلةٍ من التخفيضات لحقت بقيمة عملة البيزو منذ العام ١٩٩٤م، أصبح الحد الأدنى من الأجر يعادل الآن ما يقرب من نصف دولار في الساعة. وظائف المرتبة الأعلى من مرتبة العمال الشغيلة تتقاضى أجرًا أكثر قليلًا. ويتقاضى مراقب الإنتاج المستوى الأقل من أجور الموظفين. المراقبون من الولايات المتحدة يتقاضَون ما يدور حول خمسة وعشرين ألف دولار في العام، ويتقاضى المراقبون المكسيكيون ما يتراوح بين ٨ آلاف و١٣ ألف دولار في العام. ويتقاضى المهندسون ما يزيد على هذا المعدل مع التفاوت مجددًا بين أجور العمالة الأمريكية وأجور العمالة المكسيكية. ويتقاضى المديرون الأمريكيون ما يزيد على هذا بشكلٍ ملحوظ، فيتراوح بين أربعين ألفًا ومائة وثلاثين ألف دولار في العام.
(١٥) الترجمة الدقيقة هنا تعيد خلقها recreated her، ولكنها قد لا تكون مستساغة للقارئ العربي. [المترجمة]
(١٦) يتواصل الاهتمام بأنماط زي النساء في سائر منشآت ماكيلادورا، من حيث كونه يفصح عن منزعٍ أمريكي أو عن منزعٍ مكسيكي، وغالبًا بالإشارة إلى تمثيلٍ ثقافي وليس إلى انقسامٍ قومي. وبشيءٍ من الإسهاب نوقشت الاختلافات بشكلٍ عام ككلٍ واحد: هل الملابس ملائمة؟ وهل هي مريحة؟ وإلى أي حد؟ وماذا عن اللون (زاهٍ أم هادئ)، وما هو طراز الحذاء، وماذا عن وضع مساحيق الزينة وتصفيف الشعر؟ على أي حال، ثمة محادثات متواصلة حول هذا الاختلاف ولا يمكن الإحاطة بها داخل الحدود المتاحة لهذا المقال (راجع Garber 1992; Bourdieu 1984).
(١٧) في مناقشاتٍ لهذا الخطاب الذي هو خطاب المرأة في أقاليم العالم الثالث وكيف يمثل الارتباط بالتقاليد وبالذات التي هي أدنى من الناحية الاجتماعية، انظر (Mohanty 1991). وبوصفه شاهدًا على أسلوب وضع هذا الخطاب موضع الممارسة في التحليلات السياسية والاقتصادية لأقاليم العالم الثالث، بما فيها المكسيك، انظر (Forbel 1979).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤