نحن …

١

الكلمة التي تهز الضوء، يتم إسقاطها في الظلام.

٢

يعد ذلك انقلابًا صريحًا على الحديقة، كل من يسمى على الورد ملكًا، خارج إطار الدستور وتقاليد الورد.

٣

من القوانين الثابتة التي لا تتغير، أن كل احتلالٍ يولِّد نقيضه، يولِّد مقاومة لا بدَّ لها أن تنتصر، ولو بعد ألف عام.

٤

يُعلِّم الأب الصالح ابنه: بأن عليه العيش كإنسانٍ مستقل، يتوصل مع من حوله إلى العيش دون أب.

٥

المثقَّف الحقيقي لا يقول ولا يصمت، أما المثقف المزيف فيقول ويصمت.

٦

إن مدرسة السياسة الحقيقية، ليست الجامعة، وإنما الدولة.

٧

الأمنية العاقر، لا تبكي على جنينها الذي لم يأتِ، إنما تبكي على ذاتها التي لم تنجب.

٨

مستعبدون بالخوف، نبحث عن الأمل كي يحرِّرنا، مرابطون في معسكرات الصبر.

٩

ولأن قلوبنا نائمة، استيقظ اللسان في أفواهنا، بيدَ أن الشفاه، بندف الثلج مختومة.

١٠

علمتنا التكنولوجيا، ألا نتعلم كل شيء، فهي تنوب عنا فيما نجهل.

١١

تتوجَّع البراعم عندما تتفتح، وتستريح عندما تشيخ على حضن غصن.

١٢

وإن الجبان ما كان جبانًا، لو لم يقرضه الشجاع من مخاوفه، وإن الأمنية العاقر تلد بعد لَأْيٍ؛ العملاق الذي اقترض قامة القزم.

١٣

إن الاهتداء بربٍّ سياسي، لا يعني صدق الإيمان به، وإنما يعني أن المصلحة اقتضتِ الاهتداء بذلك الرب.

١٤

إن الذين يكبرون بالزهر وبماء الورد لن يسعهم التمرد على النسيم وعطر الأرض.

١٥

عجز اليقين أن يثبت نفسه، فكان الظن أقوى للتحقق، وأكثر إيمانًا بالإنسان.

١٦

صحوت أنا وأخي ذات يوم، فوجدنا أعناقنا قد شُدَّت إلى حبل مشنقة. لم نتفاجأ حقيقةً، وكأن شعاع تشفٍّ قد أبرق في أعماقنا، وكان بإمكاننا فك تلك الحبال الغليظة، والعيش سوية بسلام، لكننا أبَيْنا إلا أن يحكم كل واحدٍ منَّا على الآخر بالإعدام.

١٧

المجتمعات التي يتعهَّر فيها الفكر، يجعل منها الفكر عاهرة.

١٨

من كَثُر اغتراره بالصدق، أباح لنفسه الكذب؛ لفرط ظنه أن شخصه لا يكذب.

١٩

لقد أضحت كلماتنا رممًا، وليالينا غثيانًا، لطالما تقيأت الأيام، ونحن الرميم في حالة المخاض.

٢٠

متى يُفضُّ الخاتم الذي على أفواهنا، ومن ذا الذي سيرمِّم فينا ما أتلفه الناس في أنفسنا؟

٢١

الطريق التي ليس فيها زاد، لن يكفي زاد سالكها عبورها.

٢٢

إن أحق الناس بالشفقة، طالب علم، كل القادرين على نفعه جهال.

٢٣

من قرأ ولو القليل من الأدب الصهيوني، لوجد أن الفرق بات معدومًا بينه وبين الأدب العربي المعاصر، ففي كليهما تحريض وتجيير وعنصرية ومقت.

٢٤

من علامات الحداثة: أن يعوي الإنسان في منتصف الليل، وتهجع الكلاب عن العواء.

٢٥

لا نهاية يمكن لنا أن نقف عندها، فكل نهاية بداية لما بعدها.

٢٦

وحدهم الأغبياء من يفهمون السقوط في الطريق، سقوطًا للطريق، فلا يغيرون طريقهم أبدًا، وحين يموتون، يموتون دونما خجلٍ من الحياة.

٢٧

لا شيء يغري المكدود مثل الفشل.

٢٨

إن أول من قال بالعذر: نذل، وإن أول من وقف حال عجزه عن الوقوف: بطل.

٢٩

المترسمون برسوم العلماء في أمتنا، أو العلماء والدعاة أنفسهم، يفتقرون وبشكلٍ فاقع، إلى العلوم العقلية والاجتماعية والإنسانية في المجموع، كالفلسفة والمنطق والقانون والسياسة … إلى غير ذلك، فتجدهم يعاندون ما سوى الدين بجلافة، وينطقون بما لا يوائم الدين بجهل، وفي أفواههم عبارة سمجة: «ألا إن كل هذا الصوف في جوف الفرا.»

٣٠

اغفر لنا عجزنا أيها الضعف الشامت، اغفر لهذا الألم الذي يمزِّق نياط القلوب، ويلفظ الكبد فلذةً فلذة.

٣١

نحن معشر المغتربين داخل الوطن وخارجه، على ملامحنا سمات المنبوذين، وفي نظراتنا تهمة الإنسانية، نتخبَّط في طريق الحياة المؤدية إلى الموت، كما لو أننا لم نُخلق للحياة، فلا نجده بنا رحيمًا، ما لم يفضَّ صدورنا بسكاكين الكد، والأحزان الثقال، هذا حالنا مع آخر ما ينشد، فكيف يا ترى حالنا إذا ما نشدنا الحياة؟

٣٢

يُقتل الطغاة على أيدي بسطاء مغمورين، لا يكاد الناس يعرفونهم، كما لو كان في طيات ذلك دعوة للتواضع.

٣٣

يقف أطفال اليمن المدماة وجوههم، الخاوية بطونهم، الرثة ثيابهم، وينظرون إلى هذا العالم الوضيع، بعيونٍ ساخطةٍ دامعة، ويهتفون: لماذا …؟

٣٤

إن البطولة الفارغة؛ تمضي نحو الداخل.

٣٥

ربما! إننا لن نفلح وإلى الأبد، في معرفة ما هي الفتنة.

٣٦

تعدو الفيَلة ذات الأنياب العاجية، عند مطاردتها إلى أقرب شجرة غليظة، فتكسر فيها أنيابها، وذلك في سبيل حفاظها على حريتها دون الأسر، بينما عبيد الآدمية المايزون بالعقل، يلهثون خلف عاج القوة والنفوذ، ويناصرون العابث والوغد، ويركبون كل مركب، كما يركبون الموجة المتخمة بالزبد.

٣٧

ردة الفعل؛ ليست الفعل، إنما هي خليطٌ من حماقة الكافر، وحماسة المؤمن.

٣٨

لماذا تسارع النعجة في مناصرة أحد الذئبين حين اصطراعهما؟ أليس الأَولى بها أن تهجم مع القطيع الذي تنتمي إليه على كلا الذئبين، بحيث تؤمِّن على صغارها ومرعاها مستقبلًا، دون أن تخاف من مصارعة أي ذئبٍ بعد ذلك؟

٣٩

يجب ألا تمشي الكلمة إلا وصاحبها معها، لا أن يمشي ويتركها وحيدة تبحث عن مفعولها.

٤٠

الشك فضيلة باذخة، ورأس مال العقل الإنساني.

٤١

لا شيء مثل القوة تبطش بذاتها.

٤٢

الأفكار أقوى من الظروف، والكفاءة الشخصية أجلُّ من الإمكانيات، وبين ذلك الضراعة والسعي.

٤٣

وحدهم الأموات من يراكمون المصيبة؛ إذ لا يكتفون بمصيبة مواتهم، كذلك هم العرب.

٤٤

أزعم جادًّا أن لو قرأتم عشرين مجلدًا عن تاريخ الإسلام، لما فهمتم شيئًا عن الإرهاب بالمعنى المطلق لهذا المصطلح الحداثي، وبالمقابل لو قرأتم خمسين صفحة عن الإرهاب بالمعنى المطلق، الذي لا معنى له، لأدركتم وضعنا العربي بصورةٍ أفضل.

٤٥

إذا استطعنا يومًا أن ندرك الله بعقولنا، فهذا يعني أن الذي أدركناه ليس الله.

٤٦

لم يتبقَّ منَّا سوى كلماتٍ غامضة، ترتعش بها شفاهنا، وتدمى بها جراحنا، علَّنا نؤكد فيها ومن خلالها إنسانيتنا.

٤٧

نحن العبيد الآبقون في عالم الحرية، والصعاليك المغلوبون في وحدة الوجود العبثية، تروِّعنا مظاهر الحياة الفارهة، وفي بطنها رفاتنا، رفات مَن يغالي نفسه كما تغالي العذراء في بكارتها، خشية انطواء بساط، أو انطفاء شمس.

٤٨

نستمطر الطريق اللاحبة من أعماقنا المبلَّلة بالعجز والخجل، ونستنطق ألسنتنا المقيدة في زنزانة أفواهنا، ثم نمضي بتقلُّع، كمن يشتد به الحبل إلى سارية مسجد أو نخلة فارعة، حتى إذا حفَّت بنا مكاره الطريق تأملنا منافذها، وإذا غُلِّقت خضنا في معركة المعنى كي لا نكع، أو ننساق في رحابة الفخوذ المطرزة بالشهوة، عن المعنى المتحيز للأثر.

٤٩

إن أجمل ما في الجنون، عدم وجود الألم، مقارنة بالعقل الذي يكتوي بجنون الألم.

٥٠

تطبيق القانون بشكلٍ مطلق على كل نواحي الحياة، يعزِّز في الإنسان نسبية القصور لاستغلال المطلق.

٥١

أجمل قيم الحب؛ ليس الحق، إنما العاطفة.

٥٢

إن إقرار العلم بعظمة الكون، دليلٌ على أن العلم لم يجد نفسه إلا في عظمة غيره.

٥٣

من يفتح مصحةً عقلية للعالَم، كي يدرك أن التمنطق بالقوة بحاجةٍ إلى علاج.

٥٤

التخصص طعنة نجلاء في نخاع الخيال، إذ يفرض القواعد التي لا تهديك إلى سواها، وفي سواها الخيال الذي أحدثها.

٥٥

تبحث المرأة عن البطولة، فلا تجد للبطولة من طريق ما لم تستحِل إلى رجل، وحين تبحث عن النصر تسترد إليها أنوثتها، كما لو كانت هي الطرف الأضعف، الذي يجب أن يقف معه الجميع، كيما ينتصر على القوة «الغاشمة».

٥٦

في العصر العباسي؛ تخلفت الحرة وتقدمت الجارية، ثم حملت الحرة جريرة الجارية، ولا يزال أثر ذلك إلى يوم الناس هذا.

٥٧

ما أجمل تاريخنا! وما أعظمه للذين لم يقرءُوه! ما أقبحه وأكثر دسائسه وسيلان دمه، للذين قرءُوه!

٥٨

المغامرة في المجهول، ميراث الإنسان الذي لا يورَّث.

٥٩

تخيَّلوا:

احذفوا كل أولئك المفكرين من الوجود، وكل أولئك العباقرة، ثم انظروا للعالم، ما عساه يكون بدونهم؟

ثم احذفوا دعاة التسطيح، وسلفية القصور، وصوفية المقابر، وانظروا للعالم، ما عساه يكون بزوالهم؟

٦٠

في معركة صفين، رُفعت المصاحف على الرماح، ولم يجد الطرفان بدًّا سوى التوسل بالنصوص، من الزاوية التي يراها كل طرفٍ منهم، فكيف يقال اليوم وكل يوم، علينا بالعودة للكتاب والسنة، إذا ما أردنا أن يصلح حالنا؟

٦١

وحدها التفاحة الناضجة من تسقط.

٦٢

كيف لكفٍّ صغيرة أن تنزح ماء البحر، عن كوةٍ استلبتها رياح الوعي، عن البقاء مع الملح.

٦٣

حين تكون العبودية هي الكسب الوحيد، لا يكون القيد قيدًا.

٦٤

لقد انقلب الكثير من اليمنيين على الدين، بسبب انقلاب الحوثيين على دنياهم.

٦٥

إذا ما كانت النار امرأة، فما أجمل شهيقها وزفيرها!

٦٦

لعل ما يؤكد أننا مصابون بالجنون، رؤية الظالم والمظلوم في آنٍ؛ لعدالة قضيتهم.

٦٧

حين يستحيل الجهل إلى رغبةٍ مجموعية، نشعر بجمال الرأي وضياء المسرح، ممثلون نحن، وممثَّل بنا في الوقت ذاته، والمبكي أن لكل واحدٍ منا تخوفاته، ونزعة تقهقر ضاحكة في الركود، كلما أراد الترميم خشي الكلفة، وكلما ثوى تحسس الضعف الراكب على خوذة رأسه.

٦٨

قد يُسن للعاشق، أن ينحر بدن الحب، كأضحيةٍ بلا ثواب، على خشبة الشهوة، أو مسرح العذاب.

٦٩

متى سمع الناس حجةً لعاشق؟

٧٠

عجبتُ لمن لا يريد أن يرى طريقًا أخرى للوصول إلى الحق، إلا طريق الفشل التي جربها.

٧١

من يجهل أقدار النبلاء، لن يعرف مواطئ السفهاء.

٧٢

في يوم عاشوراء:

ندم المنتصرون، وانتصر المنهزمون.

٧٣

من شق عصا الطاعة.

لماذا سموها عصا؟

٧٤

بعض الناس يحبك ليتزين بك، تمامًا كحال الأهل والأقرباء، في المجتمعات القبلية.

٧٥

ما أحوج الإسلام للتخلِّي عنا، بعد أن دخلناه كذريعة للخروج منه!

٧٦

يجب القول إن الذين قاموا بثورة ٢٦ سبتمبر حُسينيون، وأن الذين لا يزالون يقاومون زينبيون، وأن الإمامة وأحفادها الحوثيين والعفاشيين، يزيديون.

٧٧

على أفواه السكك وأبواب المساجد، نبحث عن النصر، والهزيمة في داخلنا.

٧٨

كلما شابَ الزمان، زادت السبتمبرية شبابًا، إذ في رِواقها المُمتد؛ مددُ العدالة الألِق، الذي ينزع المُلْك من المَلِك، أو ينزع المَلِك من المُلْك.

٧٩

الأذى يشعرنا بالغربة، بالخيبات، بالألم، ولكنه وحده القادر على أن يجعلنا خلقًا آخر.

٨٠

يبرز أحد أقزامهم وكلهم أقزام، ليقول: عليك بظل ناقتي أيها الشعب، وظل ناقتي عليك كثير.

٨١

تشبع الكلمات في الألم، وتجوع وتعرى في السعادة.

٨٢

النموذج الملوَّث، يجب أن يغيَّر، لا أن يفسَّر، ومن ذلك وضع العادات والتقاليد البالية، تحت قدميَّ هاتين.

٨٣

من عابه عمله، وتعثَّرت به قدمه في مواطن الإنجاز، انتسب، وتكبر، وتفاخر بجده الميت.

٨٤

سيموت أناسٌ كثر خائنون لمبادئهم، لا يمدحون أنفسهم، إلا بذم غيرهم.

٨٥

وحدهم الأغبياء لا يدفعون ثمن غبائهم، بينما الأذكياء يدفعون الأثمان غاليًا.

٨٦

درس الحب الأول والوحيد:

إن الذين يحبون لا يَفتُرُون.

٨٧

لا تكون الجنة جنة؛ إلا بمن يجتن فيها، وإن كانت جنة بالنسبة للناظرين إليها.

٨٨

الكوكب الأكثر بعدًا منا في النظام الشمسي، يقع على بعد أكثر من ٢٨٧ مليون إنسانية، وقليل كرامة.

٨٩

يقولون بأنهم رجالٌ عظماء، وأنا مستعدٌّ لإقناع نفسي؛ كي أعترف بذلك، ولكن أن يقال بأنهم رجالٌ يعرفون الله ويتقونه، فهذا ما لا أصادق عليه، ولتنظروا إلى مواقفهم، وإلى واقعنا.

٩٠

النار هناك لم تحرق، والسكين هنا لم يقطع، وإبراهيم [الشعب]، لا يزال يبحث عن ربه.

٩١

في اللحظة التي تنفرد فيها الخلية بالتصرف، وذلك من خلال انتقالها إلى مواطن الخلايا الأخرى، وأكل حقوقهن وما تحت تصرفهن، يكون السرطان.

٩٢

لا عدلَ إلا بين أولئك الذين ينتمون إلى ذات الطبقة الأرستقراطية الواحدة.

٩٣

قد يتصرف الإنسان كخنزير، ثم لا يتحرج من أن يُلقِي اللوم على الآخرين.

٩٤

حين ننسى الحب، نذكر الكرامة.

٩٥

القول في الناس، وتتبع أخبارهم، محاسنها ومقابحها، من شيات وعلامات الفارغين.

٩٦

العبثية العاقلة، دافع رئيس لتجديد روح الواقع، وتنقية الوجود من التنميط.

٩٧

إن كل عملية تستغرق وقتًا كافيًا للتحول، دون أن تدرك نفسها فيك، ودون أن تدرك نفسك فيها، فهي عمليةٌ لا تناسبك، ولا تناسبها.

٩٨

أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ.

لم يقُل فسالت الجبال، ولا الآكام، إنما قال أودية؛ وذلك لأن غيث الله وخيراته أيًّا تكن، لا تتنزل على الرءُوس المتشامخة.

٩٩

كيف نحوِّل الكتابة إلى خمرةٍ نشربها، دون أن نكتب؟

١٠٠

الغرور الساذج يتولد، وكذلك يختفي، تحت وقع تغيير فجائي.

١٠١

أخطر ما في اللغة كلمة: «كيف»، وأخطر منها، كلمة: «لماذا».

١٠٢

الخيال كونٌ آخر، موازٍ للكون، يجلس على عرشه الفلاسفة.

١٠٣

النحافة والشحوب والاصفرار لدى بعض الشعوب الفقيرة، ليست مقبولة، ولكن الذي أدَّى بهم إلى حالتهم تلك؛ أي الفقر، مقبول ومقبول جدًّا.

١٠٤

الديانات المؤسساتية ليست جديرةً بالمحافظة على الحق، فضلًا عن أن تكون جديرة على الديانات ذاتها، ذلك أن الله ليس في وارد أحكامها وفتاويها، بعد أن اتخذت ربًّا سياسيًّا من دون الله.

١٠٥

الجنة لن تُخلق على الأرض، ذلك أن البشر يعرفون كيف يخلقون الجحيم.

١٠٦

عن ذلك الإنسان المقهور:

كيف يعيش في الظلام، من يبحث عن حاجته في النور؟

١٠٧

لا يخجل الناس من أن يختلفوا، حتى في شأن الموت.

١٠٨

يعبِّر الحب الأول عن تعرية فاضحة للوعي، وكأنما يريد أن يقول: ليس بالوعي وحده ندرك الحياة.

١٠٩

بم نحيط عما يضيق عن الوصف؟ وكيف لنا أن نبلغ لبَّه، ونحن أشبه بنبتةٍ على خصر جبل، أو كدودةٍ عارية لم تقوَ بعد على استلاب لباسها؟

١١٠

أليس من المؤسف أن يعترف المرء، أن العيد مجرد شعيرة دينية، ليس له علاقة بالواقع؟

١١١

الإلحاد بالذات وتكريسها في قالب المجتمع، يعدم الفرق بينه وبين الإلحاد بالله؛ ذلك أن الحرية قلب الإيمان، ولا إيمان لمن لا قلب له.

١١٢

ستبقى الجماهير قصة طريفة في دماء السياسة، كقصة الصراط المستقيم عند كثيفي اللحى، الذي لا يعرف الاستقامة.

١١٣

إن الذين يقومون بقتل الشمس، بسهمٍ ليلي عند كل مغيب، ساهموا بقتل مشاعري، بسهمٍ من الشمس قبل مغيبها.

١١٤

تستحيل المرأة إلى قطعةٍ من البلور عديمة الشكل، تُمحى فيها كل الألوان، حين تفهم عن قصد، كل ما تفهم.

١١٥

اركبوا قشة التبلُّد عند كل عجيبة في القهر، ولا تركنوا للبطولة التي تسوقكم للبحر.

١١٦

مسكينة تلك الورقة، يكسوها الحبر، وتعريها الممحاة.

١١٧

تضج الوديان لصدى أصواتكم، ولكنها ليست أصواتكم، كالصوت الصادر عن الوتر، ولكن الوتر ليس الصوت، أو كالجمال الذي في الوردة، ولكن الوردة ليست الجمال.

١١٨

وحدها المطارات تعرف وجهتنا، بينما نتخبَّط فيما دونها من حياة.

١١٩

أن نحوِّل الجامد إلى متغير، والكائن إلى ما نريد، سنضيِّع رفيقًا، وسنوجِد نبيًّا.

١٢٠

حين تغدو الأماكن غير صالحة للعيش، نجد في الكتابة مكانًا صالحًا للحياة.

١٢١

في تعريف المأساة:

ألا يشعر المرء أنه في وطن، حتى في وطنه.

١٢٢

كمغتربين عن أوطاننا، وكطامحين في تطلُّعاتنا:

سعيدون بفكرة التعاسة، وبمساكنة الكآبة، وفي نعاسنا الأحلام التي لا تحبل.

١٢٣

يتمسك التقليدي بأهداب الفضيلة داخل إطار محدد، وهو إطار القبيلة، أو الأسرة، أو المجتمع المصغر، كأن يكون قرية أو حارة في مدينة، ولكنه سرعان ما يتفلَّت عن تلكم الفضائل إذا ما صار إلى إطارٍ آخر، حيث تزول الكُلفة التي كان يتعامل بها، وتبقى حقيقة الذات، التي يجهلها.

١٢٤

لماذا تقف الهاشمية عند فرع انتسابها لآل البيت، دون إكمال قراءة شجرة انتسابها إلى آدم؛ كي تفهم أننا من آل آدم كلنا؟

١٢٥

يُمثِّل وصولنا إلى النضج النفسي صعوبة كبرى، بإزاء النضج العقلي، إذ أجد في الأخير يسرًا عند المقارنة، فالثورة الغرزية في أشكالها المختلفة المطلقة، والتي تطالبنا بالإشباع على نحوٍ دائم، مناطة بالنفس وأعماقها وحاجتها المُلحَّة والعاجلة، ومدى سموها في الآن ذاته عن تلكم الحاجات، والسمو لا يتأتى إلا من خلال بوابة النضج، ولا نضج للنفس، وإن استقطَر العقل عصير المعرفة، حتى يجد المرء خطواته في مسارها دونما رجوع، فإن عادت به خطوته للوراء عند كل خطوة يخطوها للأمام، على الرغم من شدة قلقه المعرفي حيالَ ما يحدث له من انتكاس، فلا يزال يكابد مرارة النفس وتشوُّفاتها، في خِضَم جحيمٍ من الصراع الحارق، يتطلب منه الكثير من التجارب الإيمانية، والخبرات الإنسانية، كيما يصل إلى ذلك النضج القدسي.

١٢٦

من ثدي العقل يُصنع حليب الخيال، فيخترق الإنسان جنبات الكون، ومن قعر بحر اللذة تُقذف رسائل الغباء، فتعجز عن الوصول إلى الشاطئ.

١٢٧

العلمانيون مصابون باضطرابٍ نفسي، إذ يفسِّرون كل شيءٍ يندر عن الإسلاميين تفسيرًا جنسيًّا.

١٢٨

ويلهم من التاريخ، الذين نصرهم إلى زوال، وأمجادهم بغير مجد!

١٢٩

إذا كان الصراع هو الحل، لحل الصراع، فما الحل؟

١٣٠

الصدفة حجة الحيارى، والعمل والمثابرة برهان الصدق والنضج معًا، واعتمال الفكر في الوسائل، أجلُّ من اختيار الغاية وترك الوسيلة، أو اختيار الوسيلة القاتلة للغاية المختارة، فاختلاف الناس في المسائل، واشتباكهم لاختلاف نجاعتها، أما الغايات فملاحظةٌ خُطَّت بقلم الزمان على صدرِ جبل، لا يجهل قراءتها سوى اثنَيْن:
  • (١)

    متكبرٌ، أبى إلا أن يقف على رأس ذلك الجبل؛ كي لا يرى ما خُطَّ على صدره.

  • (٢)

    قزمٌ، اندسَّ في وطأة الأرض، فلم يستطع رؤية الجبل، فضلًا عن أن يرى ما خُطَّ عليه.

١٣١

عجيبة هي اليمن: جائعة، وعارية، ومريضة، وباردة، وفقيرة، وتائهة، إلا أنها وعلى نحوٍ دائم تتحدى بالحلم، وتنطق بالحكمة، وتقاوم بالإيمان.

١٣٢

الإنسان حيوانٌ اقتصادي.

الإنسان حيوانٌ مصنِّع.

الإنسان حيوانٌ اجتماعي.

الإنسان حيوانٌ مستهلِك.

الإنسان حيوانٌ عربي.

الإنسان حيوان … إلخ.

لا شكَّ أن الحيوان المصنِّع أكثر إنسانية.

إصرارٌ غريب على حيوانية الإنسان، هذه الحيوانية المُستقاة من النظرية الداروينية، أحالت واقعنا حيوانيًّا بامتياز، حتى أصبح القتل والسلخ مجردَ ترف، أما القرآن فقد أماز الإنسان أيَّما مَيْزٍ، ولكننا نؤمن بالقرآن، ونُطبِّق نظرية داروين حيال الإنسان.

١٣٣

كانت قريش متدينة قبل محمد ، وكانوا يُلقَّبون بالحُمْس؛ أي المتشددين في الدين، فما ميزة المتسربل في ثوبٍ أبيض إن لم يتقدَّم عن قريشٍ بخطوة على أقل تقدير، مفادها الفكر وتوسيع مدارك الوعي الإنساني، والاحتياط من الاختباط، ثم الوقوع في إيمان قريش وكفرها، فعجزُنا البادي ليس مناطه قلة المصلين، أو كثرة الذنوب، كما يحلو للجامدين الترداد، وهذا ليس منافاة للنقص الذي يعترينا، أو التقليل من عقابيل الذنوب، إنما المراد الإمساك على الجراح النازفة، وتطييب قروحها، تلك الجراح التي لا يُلتفت إليها رغم عوارها الواضح، وانتفاجها الفاضح. وفي ظني أن المعركة التي يجب أن ننصر الله فيها كي ينصرنا، لم تقُم على هذا التنميط المُخِل، وهذه السكونية الباردة، بل إن قوامها، وممسك زمامها، المنهج القويم والمسار الجميل، الذي سار على خطه حبيب الحق وسيد الخلق، ذلك المسار الباذخ غير المنقوص، وغير المقتضب، وغير الحصري، وغير الجمودي، فبالسعي يُعذَر المقبِل وإن قصَّر نتيجة نقصه، وبالركود نجد القبح مستفزًّا في القصور والميول عن المسار.

١٣٤

إذا ما أردنا تجفيف منابع التطرف، والأفكار العدوانية، والفئويات المتشنِّجة، فلا أنجع من خدمة الناس، وتلمُّس احتياجاتهم، وسد فجوة حياتهم.

١٣٥

يعتقد بعض أولئك الطقوسيين، أن ملازمة المحراب، وجر أذيال السبحة وراءَهم، يعذرهم عن مسئُولية التفكير، فضلًا عن عدم إدراكهم لمعنى التكامل والنضوج الشخصي، الذي لا يمكن أن يقتصِر على معنى التدين.

١٣٦

لماذا يعيش العباقرة وحدهم، وإذا ما قضوا سار الجميع في جنائزهم، واستظلوا بعد ذلك في ظلال تاريخهم الوارف؟

لماذا يكره المبدعون الناس، وطرق الناس، ونظرة الناس، هل لأن الناس فراخٌ، لا يضعون بيوضهم إلا تحت حجرة العادات والتقاليد، أم أنها الفوارق المتباينة بين السقف والقاع؟

أروني فرخة واحدة — منهم — لا تبيض في الظلام، ولها الحديقة والكِرس.

١٣٧

حين يضيع الإنسان تضيع الأديان، حيث لا قيمة وقتئذٍ للبكائيات الدينية، أو التهويل من تركها.

١٣٨

يعيش العربي باحثًا عن الحرية، حتى إذا ما وجدها، قايض ما بينها وبين آخرته، كما لو أن الحرية نقيض اليوم الآخر، بينما الأمانة (الحرية) وهو القول الراجح، التي احتملها، وناءت عن حملها الجبال تنشده، وأفواه المعذبين المكممة تطلبه بأن ينهس، وأسماعهم في سكونٍ عَلَّها تسمع صدى الحقيقة ينطلق من فيه، أما البعض الآخر منهم، فيستحيل إلى «طرطور-ورشة» لا يعلم من أمور أمته شيئًا.

١٣٩

المجرمون مجربون، والخطر لا يهيمن أبدًا بدون خطر، كما أن لا معنى للاستمرار، إلا أننا لذلك نستمر.

١٤٠

إنها لخطةٌ بلهاء، تلك التي يتتابع عليها الأفراد والجماعات على ذات مسار، ولا أبله من مشايخ ودعاة، حفظوا كتاب الله، ومنهم من حفظ معه الأمهات الست، ولكنهم لم يحفظوا لهذه الأمة كلمة شرف، أو وجودًا إصلاحيًّا باذخًا، ولنسأل سويةً، هل تسمعونهم؟ هل ترونهم؟ باستثناء تلكم البرامج التي يتقاضون من ورائها الذهب، دون أن يتغير الحال، أو يحمد المآل، بمعنًى آخر: ما الفرق بين وجودهم وعدم وجودهم؟

١٤١

من أقدار الله، أن الكاتب داخل أقدار السلطة، ومن أقدار السلطة أن تمنع وأن تبطش بشخص الكاتب، ولكنها لا تقدر على منع الناس من القراءة له، وما بين هذين القدرين يقف القلم على ناصية الثقافة عاريًا، ينشد صاحبه كي لا تستزل به قدمه في محطة الرغيف، وألا يتقوَّس ظهره كلما هَم بالتقاط اللقمة، وفي ختام نقاش الأضداد، يقف كل واحدٍ منهما في مبعدةٍ عن الآخر، لا ندري أيهما أولًا سيرتدي قميص العفة، فللكاتب عورة عند ذاته، كما أن للقلم عورة عند غيره.

١٤٢

يحدث في الحرب، أن تخلق السياسة ساحةً ما، كسجنٍ أو مدينة، لغاياتٍ متوحشة أقلها الموت، وذلك لإشباع غرور الظَّلمة، كما لو كانت ترضية عادلة بين فقراء الإنسانية، وعبيد العبيد.

١٤٣

تسقط المبادئ حين تسقط الإنسانية، فالإنسانية أسمى، وهي بمثابة الدالة على صحة المبدأ من عدمه.

١٤٤

أرباب القتل، ومفجِّرو الدم، أولئك عشاق المعبد، لا تجد فيهم من لا يقدر على بعج البطون، أو طحن الأشلاء، رغم صلاتهم وحرارة دموعهم، وتنهداتهم الرتيبة البلهاء.

١٤٥

يفجرون بيوت الأبطال، ليبنوا لأصحابها مجدًا، يا لغبائهم!

١٤٦

إذا ما كان العذاب المصدر الوحيد للإدراك، فلندرك.

١٤٧

إن محاربة السكونيات بالتحركات البلهاء، وادعاء الفرادة، كنبتةٍ ترفض ملاحقة جذورها: منطق وفكر، كل أولئك الذين ذبحوا صغارنا مذ فجر التاريخ إلى يوم الناس هذا.

١٤٨

فلترتدِ أقدام أيامنا الزجاج، ولتكن لأقدامنا حذاءً من فولاذ.

١٤٩

قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا، قدمت الاستعاذة واشترطت التقوى؛ لأنه لا قيمة للاستعاذة عند من لا تقوى له.

١٥٠

إن تحطيم قوالب الرؤية والفكر، التي تكرِثنا بها وسائل الإعلام من ناحية، وانعدام وجود حق الشعوب في معرفة المعرفة من ناحيةٍ أخرى، لمن واجب المثقف المستقل، الذي يسعى في محاربة التبسيط والتسطيح، وفي مصارعة الأحزاب والفئويات اللحجة الضيقة، إذ لا يمكن أن نجد مثقفًا حقيقًا بهذا اللقب بغير هذا المسار، ما لم يساوِ بيَّاع المسابح في الطرقات، أو المهرج على ظهر جمل.

١٥١

يا إنسان الإيمان، كيف يستقيم إيمانك بالله وكفرانك بالإنسانية، إن كنت تبحث عن الله، فكن إلى جوار أضلع المظلومين المكسورة، وانظر بدموعك إلى عيون الأطفال الذين ماتوا فاتحي عيونهم، حتى إن دموعهم لم تسعفهم، كما لم يسعفهم إيمان العرب بالله، ولا إيمان الغرب بعذابات المسيح.

١٥٢

إن غياب الإله عن الفكر والروح معًا، يُنجب فكرة الكاهن، فيكون لحضوره القدر البالغ الذي يضاهي أو يزيد عن حضور الإله، فيباركه الناس، ويتخذون منه قدسيةً صاخبة، فيباركها بالإزاء ويغسلها بما أراد، بالزيت أو الدم، الأمر سيان، وحقيقة الحقيقة أن تلكم القدسية مُسيَّسة، يقوم على استغلالها لغرض القوة والهيمنة، وكما أن الإله غائب عند مُريديه، فتغيُّبه عند ذلكم الكاهن أولى.

١٥٣

كان محمد عليه الصلاة والسلام وحيدًا، وكانت بالإزاء قريش، وكان معاوية داهية، إلا أنه نال لقب رأس الفئة الباغية، وبالإزاء كان عليٌّ أكثر منه دهاء وأكثر تُقًى، ومع ذلك قُتل في محرابه، وعاش معاوية من بعد سنين طوالًا، فلا معيار للكثرة؛ إذ إنها ما ذُكرت في القرآن إلا ذُمَّت، ولا معيار للذكاء إذا ما كان في الباطل، وإنما المحز الذي يجب أن نضع عليه سكين الوعي، هو محز الحقيقة والحقيقة فقط، وما دون ذلك ليس سوى رتوش تُغري الجهلاء، ويستغلها الجبناء، وتنطلي على الدهماء.

١٥٤

لا تبحثوا عن أعدائكم طالما كان لكم أصدقاء، بل ابحثوا في أصدقائكم تجدوهم، وفي أقربائكم تشعرون بهم، ولتثقوا أن لا أعداء آخرين لكم.

١٥٥

صلاة الفجر بمثابة أمنٍ قومي بالنسبة للفرد، إذا ما أقامها في الجماعة أقام أمنه الداخلي المتمثل في السلام والطمأنينة والتصالح مع الروح، وأقام بالإزاء أمنه الخارجي؛ المليء بالمكائد والمخاطر والصعاب.

١٥٦

يتساوى العِثار بالنَّجاح إذا ما كانت الأرض التي أنجبتهما واحدة؛ ذلك أن الأوحال خليط طين وماء، ولا قيمة لأي منهما حال اختلاطهما، ما لم يجرِ الماء إلى النهر وحيدًا، وتتماسك ذرات الطين ببعضها أسفل الوادي.

١٥٧

نحن أبناء الهدهد الذي لم يُذبح، نرى الكثير يسجد لغير الله، يظلِم ويضطهِد عباد الله، يكفر بالإنسان من حيث هو، يدمر الأوطان ويمزق النسيج المجتمعي الواحد، وحين نُبلِّغ رسالتنا بأقلامنا إلى سليمان الواقع، يقوم بذبحنا دائمًا.

١٥٨

إن الإحساس بالعدل لَأكرم وأجلُّ من ميزان العقل والتمايز به، فالأول هو المائز الأساس بين الإنسان والحيوان، أما الأخير فقد استُخدِم في تقويض العدل منذ فجر البشرية الأول، ولم يشارك في إقامة صرحه إلا سياسةً، ولفترة مؤقتة — لحسابات — سرعان ما تتعرَّى خصوصيتها بظلمٍ صارخ حيال ما رأيناه في يومٍ من الأيام عدلًا، فشكَّل حيوانيةً مركَّبة على حيوانية الإنسان، وكان في نسج خيط الباطل أقرب منه إلى نسج خيط العدالة، كما لو كان هو الباطل والباطل فقط.

١٥٩

في فم يومنا هذا، كانت بلابل الأمل تحدونا بتنغيمها، وكان بنا الشجن إلى كل يومٍ مثله، حتى أتانا اليقين في صورة ثورة، فصرنا البلابل وصرنا الأمل، مؤمنون في الوقت عينه، بأن الفكرة الصلبة تولد في الهواء الطلق، بينما الفكرة المتعفنة لا تُولَد إلا في قصور الظَّلمة، والقلوب الخائفة، والعيون الوقحة.

١٦٠

إن الدولة التي غذَّت وأنضجت ثمرةَ الإرهاب، هي ذات الدولة التي أصابته بالتعفُّن.

١٦١

خيوطٌ خفيفة تربط القلوب ببعضها، وقيودٌ ثقيلة تُكبِّلها، وعيونٌ جائعة تخلُق الجمال، ونورٌ يفتش في الظلام عن النور، ووجهٌ كالذهب المحروق، يشاهد التبر المتشظِّي عنه.

١٦٢

الركاكة التي تدب في عظامنا، فنتعثر، ثم نسقط، هي كذلك اللسان الذي نحمله، ولا يحملنا عند بغيتنا لبصق الكلمة في وجه الظالم والغاشم، إذ تخلَّقنا في أرحام الأمهات قبل أن نخرج منها، مهشَّمِي الروح، مطأطئي الرأس؛ لكون السلطة الأبوية أفزعتها حين كنا في أعماقها ساكنين، ولا عتب على أيٍّ من الأبوين؛ فقد استشربوا القمع قبلنا، وكانوا كالجدار لا أذُنَ له ولا لسان، ثم توارثنا تلكم الضآلة كابرًا عن كابر.

أما هؤلاء البشر، الذين لا نشبههم ولا يشبهوننا، فكأنما خُلقوا بشكلٍ آخر لا يمتُّ لنا بصلة، صغيرهم وكبيرهم، أحرار، لا يعانون من فقدان الثقة ولا من رهبة المعتقل، ولا من استلاب الرزق؛ لأن لهم صرحًا ممردًا بالديمقراطية، وتربية مورَّدة بالحرية.

فنرى العرابدة في شوارعهم إذا ما تحدثوا وجدنا الثقة تتطاير من بين جوانحهم، كأنها بساطٌ، على أن ذلك السكِّير أو العربيد ليس له من الوعي الثقافي ما عند ذلك العربي، الذي يثغثغ ويحسب الحروف بالمسطرة خشيةً من الساطور.

١٦٣

إن الذين يجدون في الموت بهجةً وسرورًا، لا مصيبةً كما وصفه الله في كتابه، أولئك حياتهم مصيبة، وموتهم بهجة وسرور.

١٦٤

أما بعد:

فبقدر ما يكون الطائر، يكون فيه الدم، وبقدر ما تصمت الشفاه، تثرثر الأصابع.

وفي الختام:

إن الإرهاب لا يُولد، إنما يصير كذلك، وإن يد الفأس من تلكم الشجرة، ولكن هذا العالم، كالمحيط بلا ذاكرة، وكالتيس الذي أجَّر عقله لقرنيه.

والسلام.

١٦٥

كم تبدو الدول العربية واقعية بغير كلمة «لا إله إلا الله»؛ إذ إن نصاب الكفر وكل أصناف اللعنة ستكون بها كاملة، حينها سنتعايش بحقارةٍ مطلقة، وبلا ألم.

١٦٦

أما إنني لا آسى على شيءٍ من دنياكم هذه، ولكن آسى على ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وعلى أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية.

عبد الله بن عمر

بإمكان الكثير من العرابدة، أن «يتصرمحوا» في شوارع الشهوة ومكباتها، ويعبثوا بالكواعب والكاسات، فليس من شأنهم قيام الليل ودموعه السخينة، ولا صيام النهار وأيامه الصائفة، إلا أن في مقدورهم أن يقاتلوا فئةً تعتاش من دمائهم وعليها، وأن يصنعوا للوعي فرجة يطل من خلالها وجه الحقيقة.

أصلحوا معاشر العرابدة ما لم يستطع ابن عمر إصلاحه، واتركوا قيام الليل وصيام النهار لمن أقدامهم ملساء كوَعْيهم، لا يستقيمون على صراط، حتى يعثروا؛ فقد يكون فضلكم أكبر، وقدركم عند الله أعظم، مع تنزيهنا لابن عمر من أن يكون منهم والترضي عليه، إلا أن الأتباع لجُّوا في عِثارهم وتمادوا.

١٦٧

تسكن بين جنبات أرواحهم مدينة، ضحوا لأجلها أرواحهم، وأعادوا الدمعة التي انهمرت يومًا إلى أحداقها، وبقيت دماؤهم كسواقي الماء في خنادقها، تخلق من ركامها حياة.

١٦٨

يحصرون حياتهم في فكرة، فإذا ما ذهبت فكرتهم، بقُوا في مكانها بفعل العادة.

١٦٩

إن نمط الحياة السياسية في عالمنا العربي بشكلٍ خاص، والعوالم الأخرى بشكلٍ عام، لمثالٌ ممتازٌ لما يجب ألا يكونَ عليه الإنسان.

١٧٠

رؤساء اللامعقول، لم تنتخبهم الشعوب، وإن اصطنعوا لها صناديق من ذهب، واكتتبوا عقار رئاستهم باسمها، إنما هناك فترات وحِقَب وحالات من المصالح السياسية الاستراتيجية، تدفع بَواطِن الدول إلى الضغط على منظومة القيم بل وتخترقها، حيث تُجنِّد وسائل إعلامها بعد ذلك على عقلنة ما يخالف أبجديات المنطق، ويعمل على تصلَّب درزات جماجم الشعوب.

١٧١

إن أكبر لوحة متحف، هي تلك التي رسمها مجموعة من الحَمقى على شكل وطن، ثم هُرعوا يلطخون بزيتها حياة الشعب.

١٧٢

كلما اكتملت دورة الوعي المأخوذة من ثمار المعارف — إذ الوعي عاجز عن الاكتمال — بدا لذلكم الوعي أن لا شيء يمكن له أن يغريه، لا دولة عظمى، ولا فيلسوف كبير، ولا امرأة حسناء. لا شيء البتة، إلا أمر واحد، هو محاولة الخروج من ذلكم الوعي الدوري المتأتي من صبابة العلم المطلق، إلى السعي الدائم بغية اكتمال الوعي الذي لن يكتمل، إلا أنه يظل يسعى دون تململ، وفي كل وعي يجد لذة مفرطة تشدُّه لما بعدها، هنا يكمن الإغراء الأكبر للأفذاذ من الناس على ندرتهم.

١٧٣

أن ندرك جهلنا، هو أن نمنح أنفسنا الوسيلة للتعلم والتخلُّص منه، فالوعي ابن الحرية.

١٧٤

الجهل في تعريفه ليس أكثر من احتشاد، من تطابق، من توافق، فيما كان عليه الكهنوت الديني أو السياسي، أما الوعي فزئبقي الملمس، لا يمكن تأطيره، أو اختطافه، أو حشده.

١٧٥

هل تعلمون كيف تنام الغيوم؟ أو كيف تستيقظ؟

سلوا المطر؛ فالابن سر أبيه، وسلوا المِحن تحدثكم عن شذوذ العباقرة.

١٧٦

يضطر كليل البصر إلى كسر عكَّازته التي يتوكأ عليها، فيظنه الرعيان متهورًا، بينما يفهم القطيع أنه لا يحتاج سوى نظارة.

١٧٧

يا بني، دعك من المثقفين الذين لم تصقلهم المعاناة ولم تُربِّهم التجربة، فالكتب وحدها لا تصنع العظماء، ولا تنجب النبلاء.

يا بني، إن مثقفي وطنك يسكنون في ذواتهم التي استحالت في أعينهم إلى قديس، فيتحامون عن قديسهم بالسباب والقذع الممضِّ الحارق، كما تتأكلهم الغيرة ويتعاورهم الحسد، ولا مجد في مساعيهم للمجموع إلا تحت ظلال مجدهم.

يا بني، لا يسعدني أن أقوم بتربيتك على شاكلة أحدهم؛ ففي كل واحدٍ منهم غضاضة كبرى، لا يستطيع الالتفات إليها؛ إذ شغلته محاسن ما يقال عنه، وما يجد هو عن قديسه.

دعهم يا بني؛ فقلوبهم من عجين، وأدمغتهم من مخاط.

١٧٨

اغتالونا في عقولنا، كما لو كانت ميدانًا للحرب، قبل أن يغتالوا عقولنا.

١٧٩

يا رب، هذه الأرض لم تعد قابلة للنهوض — أعني أرض حبيبي محمد — فاجتثَّنا جميعًا أرجوك؛ إذ لا سعة في أن نظل محقورين ومدفوعين بالأبواب من طغاة العالم «وطيبينا»؛ لأن الخسارة التالية التي نخشاها التفلت عن الدين. هل بقي لنا سواه؟ لا أوطان، لا ديانة حنيفية، لا معتصم، لا إنسان … إلخ. وفي النهاية بأي طريقةٍ نبحث عن الله، وجميع المنافذ إليه قد سُدَّت؟

١٨٠

يرافق الإنسانَ توقٌ لا ينضب حيال البحث عن الأجمل، إذ كلما آضَ إلى جميل، وجد أنه لم يصل النهاية بعد، وأن هناك ما هو أجمل.

١٨١

جزءٌ من مأساة الإنسان: أن في إمكانه الهبوط إلى مستوى البهيمة، كما في إمكانه الارتقاء إلى الصفيح الأعلى.

١٨٢

إن الأمنيات مرتبةٌ خفيضة، في مراتب الوعي، لا ينتظرها إلا أولئك الذين لا يجدون ما يعملون.

١٨٣

الدعاة المتسارعون إلى المنابر، لتعريفنا ما نعرف، ما جدواهم؟

١٨٤

لا تزال أحلامنا كجنينٍ في ضمير الغيب، ترشف الحليب النيِّئ من ثدي امرأة سمراء، غشيتها ذنوب فرجها، ولم يسترها لسانها الطاهر.

١٨٥

متى تنتصر العين على الخرزة، وينتصر الدم على السكين؟ بل كيف ينتصر العنق الأعزل، على خيانات المقتدرين؟

١٨٦

والحب إذا بكى، أحجمت السماء عن إرسال حبال المطر، وتخشَّعت الأرض في أثوابها السمراء، وآن لكوثر الآلهة أن يجف.

١٨٧

إن ما أنجبته أقلام الأحرار، لَأنبل مما أنجبته بعض تلكم الأرحام، فقد أنجبت الأقلام حضارة، بينما أنجبت الأرحام من هدُّوا صروحها.

١٨٨

تكمُن مشكلة المتدين، في استباحة دم العلم، وتشوُّفه لإغلاق فمه، مع إيمانه المطلق بالحقيقة الدينية، كما تكمن مشكلة العلماني في تقديس المستباح من قِبل المتدين، وكفرانه بأصالة الحقيقة الدينية، إذ يرى بها منادح واسعة على نحوٍ دائم. والصحيح استلاب المعرفة أولًا من محاجرها، بشقَّيْها العقلي والروحي، لتكوين حقيقةٍ ما، حيث لا يقين ما لم يكن قبل ذلك شك، وهذا مما يتعذر توفره في الطرفين، نظرًا للاحتكار الناشب في فهم كل منهما.

١٨٩

يبقى الإنسان أكبر من حاجته، أكبر من كل ما يضمحل، وأكبر من كل مركَّب، فبنوال المال لن يشبع، وبالوصول إلى السُّلطة لن يقنع، وسيظل في لهثٍ مستمر لنيل المزيد، ولا حاجة أكبر من الإنسان، سوى الإنسان، ولا نهاية لغايةٍ كاملة، غير غاية الوصول إلى الله. «وأن إلى ربك المنتهى.»

١٩٠

ألا ليت القادرين علينا، في صنع ألف جحيم، أن يصنعوا لنا جنةً واحدة.

١٩١

أحدٌ أحد، أقل من معلومة، على لسانٍ حبشي، إلا أنها جسدت الإيمان الكامل، فأين ما نعلم نحن؟ وأين ما يجهله بلال؟

١٩٢

نبحث عن المنقذ، وكان بمقدورنا أن يكون كلٌّ منا المنقذ.

١٩٣

يتوسع الجحيم يومًا بعد آخر، وكل منا يستعذب أنين الآخر.

١٩٤

دستور الحلم اليقظة التي لا تنام، ومفهوم الوعي الشك في اليقينيات المتجذِّرة في الشك، ميسمان في قلب جمرة واحدة، كفيلان بكيِّ فصوص الدماغ، واستقطار الشخصية الناضجة.

١٩٥

إن الكاتب المستنير الذي لا يملك زمام حريته، يفكر دائمًا بالانتحار؛ إذ يشعر كما لو كان مومسًا يلاحقها العار، بين فتيات المدينة العفيفة.

١٩٦

إن الأثر التاريخي للثورات، يمثل إلماعاتٍ فاقعة في العقل الجمعي، فيضوِّئ طريقها، ويشعل جذوتها، ويجعل كُنهَ خطرها على الطغاة في مسارها، لا حدوثها كواقعةٍ عارضة في المسار، مما يحيل نجاحها إلى قدسية، كما أن للحظة تاريخها، حاضرًا مفعمًا بتاريخ اللحظة.

١٩٧

اغتيال العقل، أهون من اغتيال الضمير؛ فللضمير قوة على استعادة العقل من ربقة الكهنوت، وليس للعقل تلك القوة على استعادة الضمير.

١٩٨

ستنتهي الجمهورية إذا ما انتهت من حربها مع الحوثيين، وقد صَنعت قرونًا أخرى لرأس «تيس» في الجهة الأخرى، وسمَّنته بعلَفها وسقته من قِربتها، ولن يكون معها الإقليم كما هو معها اليوم، بل سينقسم، وسيكون له رأي آخر.

١٩٩

عندما يبحث ابن الإسلام عن أحد العُمَرين، فثقوا تمامًا أنه يبحث عن عمرو بن هشام، لا عن عمر بن الخطاب، فقد بنى الأول للأبناء مجدًا، بينما هدم الأبناء مجدَ الثاني.

٢٠٠

يتذكر النهر تلك اللحظة التي مرَّ بها قبل أن يبلغ البحر، ولا تتذكر الصخور والأوحال والأدغال، انسكابات النهر، حين كان شاقًّا طريقه من بينها.

٢٠١

من يصطنع ورقة التوت، يعجز عن إسقاطها؛ لأنها سقطت حين اصطُنعت، لا حين أراد إسقاطها.

٢٠٢

جمرةٌ هي الحياة، لامسَتْ أفواهنا وشققت أوجاعنا، حتى صار أحدنا كبخورٍ محروق، في موقدٍ من جمرها.

٢٠٣

اغفروا للجوع الذي يقود صاحبه إلى خبز الذل، واغفروا للمرض الذي يقود صاحبه إلى العَماية والزلل، فإن أسمى مراتب الوعي، الصمت المبطَّن بالمعرفة.

٢٠٤

«والذي نفسي بيده لن تؤمنوا حتى تحابوا …» الحديث.

هل نحن متحابون؟

لا.

هل نحن مؤمنون؟

نعم!

٢٠٥

المجرمون مجربون، والخطر لا يهيمنُ أبدًا بدون خطر، كما أن لا معنى للاستمرار، إلا أننا لذلك نستمر.

٢٠٦

بوابلٍ من الدموع على خد صغيرتك، تهاجم التباريح التي تتأوهها، وتدافع البلوى التي تتعاندها، ثم تقف متصنعًا للابتسامة في وجهها الصغير؛ علَّك ترى ابتسامتها على مرايا دموعك الساخنة، تحاول آنًا وبعد آن، ففيها روحك التي تتعانى الآلام، وفيك روحها القائمة في ميعة الطفولة، فتنادي مرارًا هديلك التي لا تريد لها أن تسكت، وأن ترتحل، وأن تغيم، تنادي اسمها بلذَّة العاشق لسحر الخالق، كمن يتذوق العسل فلا يقنع، ويتناول التمر فلا يشبع، وكأن تلك التأتأة هد … ي … ل ألذ مما طاب للناس ولذَّ.

إنها الألذُّ، والملاذ، والقوة الباقية للقلب، في تصاريف الحياة ونواشبها الثقال، إنها البُنَيَّة التي بها وجدت أمل الراحة على راحتَيْها اللدنة، والشمس الدافئة التي أضاءت لك مشارقك ومغاربك؛ بفضل بريق عينيها، وتحننت على أنفاسك من برد الوحدة، وتعاسة الاغتراب عن النفس.

هي هديلك وهديل كل أب، وتلك مشاعرك كما هي مشاعر الآباء حيال هديلهم، إنما لا أدري يا عزيزي: لماذا أشعر بخطئِي حين أعمم على الآباء كافة فكرة المشاعر الجياشة التي انتابَتْك، وأني في ذات الوقت لفي حيرةٍ وشك إذا ما نزعت عنهم ذلك، فبعد أن رُزقت بطفلي الوحيد، عجَّت في رأسي عواصف السخرية المعجونة بالصدمة، نظير ما وجدت من حبٍّ جارف لا يمكن أن يسقط، وإن تحدَّر طفلي في عقوقه الأبدية، أجدني مضطرًّا لأن أكون طفله إن هو أبى أن يكون طفلي، وأن أكون أباه إن رضي أن يكون طفلي المطيع.

***

قد أكفر بجل أو بكل ما جاء في هذا الكتاب يومًا ما، وقد أظل على إيماني؛ وذلك لأني إنسانٌ حي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤