الفصل السابع

التهام المزيد والتضخُّم أكثر

ما مقدار سرعة الالتهام؟

الفكرة الشائعة عن الثقب الأسود بأنه «يمتصُّ كل شيء» من الوسط المحيط به، ليست صحيحة إلَّا بالقُرب من أفق الحدث، وحتى في تلك الحالة، لا يحدُث ذلك إلَّا إذا كان الزخم الزاوي للمادة المنهارة المتساقِطة نحوه ليس كبيرًا جدًّا. أمَّا بعيدًا عن الثقب الأسود، فيكون مجال الجاذبية الخارجي مُطابقًا لمجال الجاذبية الخارجي لأي جسمٍ كروي آخَر له الكتلة نفسها. ولذا، يمكن لجُسَيم ما أن يدور حول ثقبٍ أسود وفقًا لديناميكيات نيوتن، تمامًا كما سيدور حول أي نجمٍ آخر. فما الذي يمكن أن يحلَّ لُغز هذا النمَط من الدوران المستمر في دوائر (أو قطوع ناقصة في الواقع) ويمهد الطريق لسلوكٍ أغرَب؟ الإجابة أنَّ الثقب الأسود دائمًا ما يدور حوله أكثر من جُسَيم واحد. إذ تُعَد الظواهر الفيزيائية الفلكية التي نرصدها ثريةً لأنَّ الثقوب السوداء يدور حولها قدْر كبير من المادة ولأن هذه المادة يُمكن أن تتفاعَل مع نفسها. وفوق ذلك، فقانون الجاذبية ليس القانون الفيزيائي الوحيد الذي يجب الخضوع له، بل يجب الخضوع أيضًا لقانون حفظ الزخم الزاوي. ويؤدي تطبيق هذه القوانين على الكميَّات الكبيرة من المادة التي قد تنجذِب نحو الثقب الأسود إلى ظهور ظواهر لافتة قابلة للرصد، وتتجسَّد بعض أبرز أمثلة هذه الظواهر في حالة أجسامٍ غريبة تُسمَّى أشباه النجوم. تُعرَف أشباه النجوم بأنها أجسام موجودة في مراكز المجرات تتضمَّن ثقبًا أسود فائق الضخامة عند مركزها بالضبط، وبسبب تأثير هذا الثقب على المادة القريبة منه، يمكن أن يجعلها أشدَّ سطوعًا من كل الضوء المنبعِث من جميع النجوم في إحدى تلك المجرات، عبر أجزاء المجال الكهرومغناطيسي كلها. سنتعرَّف على أشباه النجوم، وأمثلة أخرى ﻟ «المجرَّات النشِطة»، في الفصل الثامن، مع نظائر مُصغَّرة لها تُسمَّى أشباه النجوم الميكروية، وتكون كتلة ثقوبها السوداء أقل بقِيمٍ أُسيَّة من كتلة الثقوب الموجودة داخل أشباه النجوم. أمَّا الآن، فدعونا نعود إلى التفكير في المادة الموجودة حول الثقب الأسود.

كما ذُكِر سلفًا، لا يمكن رصد ثُقبٍ أسود مُنعزل مباشرة، لأنه ببساطة لن يبعث ضوءًا؛ بل كل ما يُمكن هو اكتشاف ثقب أسود عن طريق تفاعُلاته مع مواد أخرى. فأي مادة تسقط نحو الثقب الأسود تكتسِب طاقة حركة، وبسبب الحركة المضطربة، أي دورانها في مدار حلزوني عكس اتجاه دوران مادة ساقطة أخرى تسلك سلوكًا مُشابهًا، تُصبح ساخنة. ويُؤيِّن هذا التسخين الذرَّات، مؤديًا بذلك إلى انبعاث إشعاع كهرومغناطيسي. ومن ثَمَّ، فتفاعُل الثقب الأسود مع المادة القريبة منه هو الذي يؤدي إلى انبعاث إشعاعٍ من المنطقة المجاورة للثقب الأسود، وليس إشعاعًا مباشرًا من الثقب الأسود نفسه.

الثقوب السوداء ليست كيانات مُنعزلة وغير متفاعلة في الفضاء. بل إنَّ مجالات الجاذبية الموجودة لدَيها تجذب نحوَها كل المواد، سواءٌ أكانت غازات أم نجومًا قريبة. ولأنَّ الشد الجذبي يزداد بقوةٍ مع زيادة القُرب، تتفتَّت النجوم تمامًا إذا كان حظها عثرًا بما يكفي ليجعلها تقترب من ثُقبٍ أسود؛ ويُصوِّر شكل ٧-١ مثالًا على ذلك. وثمة جزء مُعين من المادة المجذوبة سيبتلِعه الثقب الأسود تمامًا أو سيُراكِمه. لا يقتصر ما يحدث على أنَّ المادة تهرع بوتيرةٍ مُتسارعة إلى داخل الثقب الأسود، متحركةً بسرعةٍ بالغة عبر أفق الحدث. بل ينشأ شيءٌ أشبه بطقوس تَودُّد مُعقدة بينما تقترِب المادة المجذوبة بتأثير الجاذبية من الثقب الأسود. ففي كثيرٍ جدًّا من الأحيان، وُجِد أنَّ المادة المتراكِمة تتَّسِم بشكلٍ هندسي مُعين يُميزها؛ شكل قرص. وإذا كان مجال الجاذبية يتَّسِم بتماثُلٍ كروي، فلن يؤدي الثقب الأسود أي دورٍ في تحديد المستوى الذي سيتراكم فيه الغاز ليُشكِّل قرصًا تراكميًّا، بل سيتحدَّد مستوى القرص وفق طبيعة الغاز المتدفِّق بعيدًا عن الثقب الأسود. ولكن إذا كان الثقب الأسود ذا زخم زاوي، فسيستقر الغاز المتراكم في نهاية المطاف ضِمن المستوى العمودي على محور دورانه، بغضِّ النظر عن الكيفية التي يتدفَّق بها على بُعد أنصاف أقطار أطول. وإذا كانت المادة المجذوبة تدور على الإطلاق، فيجب التفكير في ذلك من منظور الالتزام بقانون حفظ الزخم الزاوي الذي عُرض سلفًا في الفصل الثالث عند استعراض مسألة دوران المادة التي تنهار في النهاية لتكوِّن ثقبًا أسود دوَّارًا. فالدوران يعني أنَّ المادة وهي تفقد طاقتها ستتبع مدارات (دائرية إلى حدٍّ كبير لكنها في الواقع) حلزونية مُتجهة نحو الداخل. وبالقُرب من الثقب الأسود، يؤدي تأثير لينز-ثيرينج، الذي عُرِض في الفصل السادس، إلى أنَّ القرص التراكُمي ربما يُصبح مُحاذيًا للمستوى الاستوائي للثقب الأسود الدوَّار عند أنصاف الأقطار القصيرة. (وفي هذا السياق، يُعرف هذا التأثير باسم تأثير باردين-بيترسون.)
fig15
شكل ٧-١: تصور فني عن قرص تراكُمي (تنبعِث منه نفثة كما هو موضح-طالِع الفصل الثامن) ونجمٍ مانح يُفتَّت بفعلِ قوى المد والجذر الناشئة عن الجاذبية من الثقب الأسود الواقع عند مركز القرص التراكمي.

وإذا كان الغاز يكوِّن جزءًا كبيرًا من المادة المنهارة المتساقطة، فيمكن عندئذٍ أن تصطدم ذرات الغاز بجُسَيمات الغاز الأخرى في مداراتها الخاصة، وتؤدي هذه الاصطدامات إلى إثارة الإلكترونات في تلك الذرَّات ورفعها إلى مستويات طاقةٍ أعلى. وعندما تعود هذه الإلكترونات إلى مستويات الطاقة المنخفِضة، تُطلَق فوتونات ذات طاقةٍ مساوية بالضبط للفرْق بين مستوى الطاقة الأعلى الذي كان الإلكترون يشغَله ومستوى الطاقة الأدنى الذي انخفض إليه. ويعني إطلاق الفوتونات أنَّ ثمة طاقةً إشعاعية تترك سحابة الغاز المنهارة، وبذلك تفقد السحابة قدرًا من الطاقة. وبينما تتضمَّن هذه العمليات خروج طاقة، فإنها لا تتضمَّن خروج أي قدرٍ من الزخم الزاوي. ولأن الزخم الزاوي يبقى في النظام، تُواصِل المادة المتراكِمة الدوران في أي مستوى يحافظ على اتجاه مُحصِّلة الزخم الزاوي الأصلية. ومن ثَم، دائمًا ما ستُكوِّن المادة المجذوبة قرصًا تراكميًّا؛ وهو بمثابة حالة تظلُّ فيها المواد التي تدور حول الثقب الأسود مُعلَّقةً فترة طويلة بعض الشيء. واعتمادًا على مدى القُرب الذي يُمكن أن تبلُغه المادة التي تدور حول الثقب الأسود منه، يمكن أن تُصبح المادة ساخنةً جدًّا لدرجة أنَّ الإشعاع المنبعِث من القرص التراكُمي يكون مكوَّنًا في الواقع من فوتونات الأشعة السينية، وهذا يُكافئ درجات حرارة عالية تصل إلى ١٠ ملايين درجة (سواءٌ أكانت وحدة القياس المُستخدمة الكلفن أم الدرجات المئوية، فهذا ليس مهمًّا عندما تكون درجات الحرارة مرتفعة للغاية هكذا).

يُظهر تحليل بسيط لبعض المعادلات المعروفة من فيزياء نيوتن أنَّ إطلاق طاقة الوضع القائمة على الجاذبية عند سقوط كميةٍ مُعينة من الكتلة الساقطة يعتمِد على نسبة كُتلتها مضروبة في نسبة كتلة الثقب الأسود الذي تدور حوله في مدار حلزوني، ومدى القُرب الذي يُمكن أن تبلُغه الكتلة الساقطة من الثقب الأسود. في حالة جسمٍ جاذب ذي كتلةٍ مُعينة كالثقب الأسود، كلما اقتربت منه الكتلة الساقطة، زادت طاقة وضْع الجاذبية التي تُطلِقها، كما يتَّضح في المخطط المُبسَّط في شكل ٧-٢. ويساوي مقدار الطاقة المُتاح لتُطلِقه المادة في صورة إشعاعات، الفرق بين الطاقة التي كانت موجودة لدى الكتلة الساقطة عندما كانت بعيدة قبل أن تُسرَّع (تُحسب باستخدام معادلة أينشتاين الشهيرة ، حيث يرمز إلى الطاقة، و إلى الكتلة، و إلى سرعة الضوء) والطاقة الموجودة لدَيها عند أقرب مدار دائري مُستقر إلى الثقب الأسود.
ومع أنَّ الاندماج تُعلَّق عليه آمال كبيرة في أن يكون مصدرًا مُستقبليًّا لإمداد كوكب الأرض بالطاقة، فإنه لا يُنتِج سوى ٠٫٧٪ من الطاقة المتاحة وفق معادلة «». وفي المقابل، يمكن إطلاق قدْرٍ أكبر بكثير من كتلة السكون المتاحة في صورة طاقةٍ من المادة المتراكمة، عبر الإشعاع الكهرومغناطيسي أو أي نوعٍ آخر من الإشعاع. وكما أوضح في الفصل الرابع، يعتمِد مدى القُرب الذي يُمكن أن تبلُغه المادة المتراكِمة في اقترابها من الثقب الأسود على مدى سرعة دوران الثقب الأسود. فإذا كان الثقب الأسود يدور بسرعة، فيمكن أن يدور القرص التراكُمي على بُعد مسافةٍ أقصر بكثيرٍ من الثقب الأسود في مدارات أصغر بكثير. وفي الواقع، يُمثِّل تراكُم الكتلة على ثقبٍ أسود دوَّار الطريقة الأكثر فاعلية من بين الطُّرق المعروف أنها تَستخدِم الكتلة للحصول على طاقة. ويُعتقد أن هذه العملية هي الآلية التي تَستمِدُّ بها أشباه النجوم وقودَها. فأشباه النجوم تُعَد بمثابة مواقع أقوى إطلاق للطاقة المستدامة في الكون، وستُناقَش بمزيدٍ من التفصيل في الفصل الثامن.
fig16
شكل ٧-٢: مُخطط بياني يُوضِّح كيف تقلُّ طاقة وضع كتلة مُعينة (جُسيم اختبار) مع انخفاض المسافة التي تبعُدها عن ثقبٍ أسود.

ذكرتُ بالفعل أنَّ الكتلة والطاقة بينهما تكافؤ، وفي حالة ثقبٍ أسود من نوعية شفارتزشيلد (أي غير دوَّار)، يمكن نظريًّا إطلاق كميةٍ من الطاقة تُكافئ ٦٪ من كتلته الأصلية، وأنَّ الحلول التي توصَّل إليها روي كير لمعادلات المجال التي وضعَها أينشتاين تُظهر أنَّ طول نصف القُطر من آخِر مدار دائري مُستقر إلى الثقب الأسود الدوَّار يكون أقصر بكثيرٍ ممَّا لو كان المدار موجودًا حول ثقبٍ أسود غير دوَّار له الكتلة نفسها. ومن حيث المبدأ، يمكن استخلاص قدْر أكبر بكثير من طاقة الدوران من ثقوب «كير» السوداء، ولكن فقط إذا كانت المادة الساقطة تدور في نفس اتجاه دوران الثقب الأسود نفسه. أمَّا إذا كانت المادة تدور عكس اتجاه دوران الثقب الأسود، أي في مدارٍ عكسي، فيمكن إطلاق حوالي ٤٪ من طاقة السكون في صورة إشعاع كهرومغناطيسي. ولكن إذا كانت المادة الساقطة باتجاه ثُقب أسود يدور بأقصى زخم زاوي تدور حوله في نفس اتجاه دوَرانه، فيمكن من حيث المبدأ إطلاق نسبةٍ لافتة تبلغ ٤٢٪ من طاقة السكون في صورة إشعاع، إذا كان من الممكن أن تفقد المادة قدرًا كافيًا من الزخم ليجعلَها قادرةً على الدوران حول الثقب الأسود في أقرب مدارٍ دائري مباشر مُستقر إلى مركزه.

ما مقدار سرعة الالتهام؟

يساوي معدل تراكُم الثقب الأسود في مركز مجرَّتنا، في منطقة الرامي أ، التي تعرَّضنا لاكتشافها في الفصل السادس، جزءًا واحدًا من ١٠٠ مليون جزء من كتلة الشمس سنويًّا. ولا يبدو هذا الرقم كبيرًا جدًّا إلى أن تُدرِك أنَّ هذا يكافئ التهام كتلةٍ مقدارها ٣٠٠ كتلة أرضية سنويًّا. ولتفسير مستويات شدة الإضاءة الهائلة التي عادةً ما تتَّسِم بها أشباه النجوم، يلزم أن تكون معدلات سقوط المادة مساويةً لكتلة شمسِنا بضعة أضعاف في السنة الواحدة. وأمَّا لتفسير شدَّة الإضاءة التي عادةً ما تتَّسِم بها أشباه النجوم الميكروية الأصغر حجمًا، التي سنستعرِضها هي أيضًا في الفصل الثامن، ربما يلزم أن تكون معدلات سقوط المادة جزءًا واحدًا من مليون جزءٍ من هذه القيمة.

ومن السياقات الأخرى التي قد يحدُث فيها استخراجٌ للطاقة على غرار هذه العملية دفقاتُ أشعة جاما. وهي ومضات مفاجِئة من حِزَمٍ مُكثفة من أشعة جاما تبدو مرتبطةً بانفجاراتٍ عنيفة في المجرات البعيدة. وقد رُصِدَت لأول مرة باستخدام أقمارٍ صناعية تابعة للولايات المتحدة في أواخِر ستينيات القرن الماضي، وكان يُحسَب في البداية أنَّ الإشارات المُستقبَلة صادرة من أسلحة نووية سوفيتية.

ونظرًا لأنَّ المادة التي تدور في مدارٍ حلزوني مُتجه إلى داخل الثقب الأسود موجودة في كل مكانٍ عبْر القرص التراكمي، يجد الفيزيائيون أنه من المفيد إجراء حساباتٍ بسيطة وتوضيحية مفيدة لفهم مقادير بعض الكميات الفيزيائية المهمة جيدًا؛ فعند اعتبار أنَّ المادة المتراكِمة تأخذ شكلًا كُرويًّا وليس شكل قُرص، تظهر بعض الحدود المثيرة للاهتمام. ويكمنُ مثال توضيحي جدًّا على ذلك في عالم النجوم، التي تُعَد أكثر شبهًا بكثيرٍ بكراتٍ من البلازما مُقارنةً بالأقراص التراكُمية. وقد أشار السير آرثر إدينجتون إلى أنَّ الإشعاع المنبعِث من تصادُم الإلكترونات المُثارة بأيوناتٍ أخرى في الغاز الساخن لدى نجمٍ ما سيؤثر بضغطٍ إشعاعي على أي مادةٍ يعترِضها لاحقًا. ويمكن للفوتونات أن «تُشتت» الإلكترونات الموجودة في البلازما المؤيَّنة الساخنة داخل النجم (وهذا يعني ببساطةٍ أن «تُعطيها طاقة وزخمًا»). ويُوَصَّل هذا الضغط، الذي يؤثر من الداخل إلى الخارج، عبر قوًى كهروستاتيكية (وهي قُوى مُناظرة لقوى الجاذبية لكن الفرق أنها تحمل شحناتٍ كهربائية) إلى الأيونات الموجبة الشحنة مثل أنوية الهيدروجين (المعروفة كذلك باسم البروتونات) وأنوية الهيليوم والعناصر الأثقل الأخرى الموجودة.

في حالة النجوم، تتَّجِه مُحصِّلة الإشعاع النهائية نحو الخارج في اتجاه أنصاف الأقطار، وهذا الضغط الإشعاعي الناتج المُتجه نحو الخارج يؤثر عكس اتجاه تأثير قوة الجاذبية التي تسحب المادة إلى الداخل نحو المركز. وفي حالة شكل النجوم شِبه الكروي، يُوجَد حدٌّ أقصى لمقدار الضغط الإشعاعي المتَّجِه نحو الخارج، وعندما يتجاوز الضغط هذا الحد، يفوق قوة الجاذبية المتجهة نحو الداخل، ويُفجر النجم نفسه ببساطة. يُعرَف هذا الضغط الإشعاعي الأقصى باسم حدِّ إدينجتون. ومن المؤكد حتمًا أنَّ الضغط الإشعاعي الأعلى ينتج من مستوًى أعلى من شدة إضاءة الإشعاع، ويمكن تقدير شدة إضاءة جسمٍ مُعين من سطوعه إذا عرَفنا المسافة إلى الجسم. ولذا يُمكن استنتاج مقدار الضغط الإشعاعي داخل جسمٍ ما باستخدام بعض الافتراضات المُبسِّطة، بما فيها اعتبار القرص التراكُمي شِبه كروي. يُمكن استخدام هذه الطريقة البسيطة أحيانًا للتوصُّل إلى تقديرٍ دلالي لكتلة الثقب الأسود؛ استنادًا إلى شدة الإضاءة المرصودة للإشعاع المنبعِث من البلازما المحيطة، فإذا اعتُبِر أنها واصِلة إلى الحد الأقصى المتمثِّل في «شدة إضاءة إدينجتون» (الذي ستؤدي شدة الإضاءة عند تجاوزه إلى ضغطٍ إشعاعي عالٍ بما يكفي ليفوق قوة الجاذبية الناتجة من الكتلة في الداخل وبذلك سيُفجِّر الجسم نفسه)، عندئذٍ يُمكن تقدير الكتلة.

ويُمكن التفكير في «شدة إضاءة إدينجتون» من منظورِ وجود مُعدَّلٍ أقصى يُمكن أن تتراكم به المادة، في حالة وضع افتراضاتٍ مناسِبة عن مدى كفاءة عملية التراكُم. يُعطي ذلك كمية تُسمَّى «مُعدل إدينجتون»، وهذا الحد يُعَد قيمةً قصوى (في حالة الكفاءة المُفترَضة). وتُوجَد حالات يُكسَر فيها هذا الحد الأقصى المعين، أهمها رفض افتراض أنَّ الجسم يتَّسِم بتماثُل كروي (فهذا الافتراض مناسِب في حالة النجوم، ولكن من الواضح أنَّه لا ينطبق على شكل القُرص الهندسي الذي تتخذه الأقراص التراكمية التي نحتاج إلى أخذِها في الحسبان لفهم كيفية نمو الثقوب السوداء).

كيفية قياس سرعة الدوران داخل قرصٍ تراكُمي

بفضل التقدُّم الذي أُحرِزَ في التكنولوجيا المتعلِّقة بمجال الفلك، أصبح من الممكن قياس السرعة التي تدور بها المادة حول ثقبٍ أسود، على الأقل في حالة الأمثلة القريبة نسبيًّا من كوكب الأرض. ويتمثَّل أحد أكبر التحدِّيات في صعوبة الحصول على معلوماتٍ على مقياسٍ زاوي دقيق بدرجةٍ كافية. فمقدار الاستبانة المكانية المطلوبة يجب أن يكون أدق ١٠٠ مرة على الأقل، إن لم يكن ١٠٠٠ مرة، من الاستبانة التي عادةً ما تتحقَّق باستخدام التلسكوبات البصرية. ومن حيث المبدأ، تتمثَّل طريقة تحقيق استبانة أدق باستخدام التلسكوب في إجراء الأرصاد عند أطوالٍ موجية أقصر وإنشاء تلسكوبٍ أكبر، لا سيما لتقليل النسبة بين الطول الموجي الذي يُجرَى الرصد عنده وقُطر التلسكوب المستخدَم. ولكن مع الأسف، فالحل الثاني سرعان ما يُصبح باهظًا إلى حدٍّ بشِع بسرعةٍ كبيرة، فيما ينقل الحل الأول أطوال الرصد الموجية المرئية المعتادة إلى نطاق الأشعة فوق البنفسجية، التي يبدو لها غلاف الأرض الجوي مُعتمًا بعضَ الشيء. وتتمثَّل طريقة تحقيق نسبةٍ أصغر بين الطول الموجي وقطر التلسكوب، على عكس ما قد يتبادر إلى الذهن بالبديهة، في إجراء الأرصاد عند الأطوال الموجية الراديوية (وهي أطوال موجية أطول بكثيرٍ سواءٌ من الطول الموجي للضوء المرئي أو الطول الموجي للأشعة فوق البنفسجية) التي عادةً ما يبدو الغلاف الجوي والغلاف الأيوني شفَّافَين لها، وافتراض أنَّ قطر التلسكوب يكاد يُساوي قطر الأرض.

fig17
شكل ٧-٣: تصورٌ فني عن مصفوفة الخط الأساسي الطويل جدًّا من الهوائيات التي تُعطي، مُجتمعةً، صورًا ذات استبانةٍ مساوية للاستبانة التي كانت ستتحقَّق باستخدام تلسكوبٍ له فتحة ذات قُطر يُساوي جزءًا كبيرًا من قُطر الأرض.
ويتضمَّن هذا النهج بضع مسائل تقنية تستدعي مناقشتها قليلًا؛ إذ اتضح أنه من الممكن، بفضل بعض النظريات والمعادلات الرياضية المفيدة جدًّا التي ابتكرها عالم الرياضيات الفرنسي جان باتيست جوزيف فورييه، استعادة جزءٍ كبير من الإشارة التي سترصُدها فتحة تلسكوب كاملة، حتى وإن لم تكن مساحة التجميع الفعلية موجودة إلَّا في أجزاء فرعية مُتناثِرة من الفتحة الكاملة التي كانت ستُصبِح الخيار المُفضَّل الأمثل. فإذا كانت الإشارات الصادرة من الهوائيات المنفِصلة (التي يُشبه كل منها تلسكوبًا مفردًا — انظر شكل ٧-٣ الذي يوضح «مصفوفة الخط الأساسي الطويل جدًّا») مترابطة معًا، من الممكن إعادة إنشاء صورٍ لمناطق صغيرة من السماء تحتوي على تفاصيل دقيقة بقدْر دقَّة التفاصيل التي كان سيُمكن الحصول عليها لو كان من الممكن إنشاء تلسكوبٍ كامل بحجم الأرض. وعلى سبيل إعطاء فكرة عن مدى دقة هذه الاستبانة ليس إلا، تخيَّل أنني كنتُ أقف فوق مبنى «إمباير ستيت» في نيويورك، وأنك كنتَ تقِف في سان فرانسيسكو. بهذا المستوى من الاستبانة، سيُمكن توضيح تفاصيل قريبة جدًّا من بعضها بمسافاتٍ فاصلة تساوي حجم ظفر إصبعي الصغير. (أحاول تجاهل حقيقة أنَّ الأرض كرة، ولذا لا يُوجَد خط رؤية مباشر بين سان فرانسيسكو ومبنى إمباير ستيت، لكنكم تفهمون الفكرة.) هذا يعني أنَّ استخدام أدوات مثل «مصفوفة الخط الأساسي الطويل جدًّا» يُتيح رؤية سماتٍ مُفردة تَبعُد عن بعضها أقلَّ من شهرٍ ضوئي في مجراتٍ أخرى.
fig18
شكل ٧-٤: قاست مصفوفة الخط الأساسي الطويل جدًّا توزيع مادة تدور في مداراتٍ داخل القرص التراكُمي لمجرة «إن جي سي ٤٢٥٨» (المعروفة كذلك باسم مجرة «مسييه ١٠٦») حول ثُقبها الأسود المركزي الذي تُساوي كتلته كتلة شمسِنا ٤٠ مليون مرة.
تُشكِّل الاستبانة العالية عبْر صورةٍ ما بالمعنى المكاني، والاستبانة العالية بالمعنى الطيفي (بمعنى أنَّ المرء يستطيع تمييز الأطوال الموجية لسماتٍ مُعينة في طيفٍ ما بدقة شديدة) مزيجًا قويًّا جدًّا. فقد استخدم فريق بقيادة جيم موران من جامعة هارفارد «مصفوفة الخط الأساسي الطويل جدًّا»، مُستفيدِين من تأثير دوبلر، في إجراء عمليات رصدٍ للقُرص التراكُمي المحيط بالثقب الأسود المركزي لدى مجرةٍ قريبة تُسمَّى مجرة «إن جي سي ٤٢٥٨». قاسوا التبايُن في الطول الموجي لإشارةٍ طيفية مُعينة («ميزر مائي») عَبر القرص التراكُمي الدوَّار، واستخدموا هذا الانزياح نحو الأحمر ونحو الأزرق، أثناء اقتراب المادة التي تبعث إشعاع الميزر من كوكب الأرض وابتعادها عنها، لاكتشاف التبايُن في السرعة التي تدور بها المادة حول الثقب الأسود عند مسافةٍ مُعينة. وتؤكد هذه البيانات الجميلة للغاية أنَّ المادة تدور حول الثقب الأسود بالكيفية التي كانت قوانين كبلر ستصِفها تمامًا، وهذه المدارات موضحة في شكل ٧-٤.

مادة دوَّامية الحركة

في أقرب مدارٍ مُستقر إلى مركز ثقبٍ أسود ذي كتلة تعدل كتلة شمسنا ١٠٠ مليون مرة، يكون الزخم الزاوي أصغر بأكثر من ١٠ آلاف مرة من الزخم الزاوي لمادةٍ تدور في مداراتٍ في مجرَّة عادية. ومن الواضح أنَّ تراكُم المادة بفعلِ الثقب الأسود يتطلَّب تبديد مُعظم هذا الزخم الزاوي، وهذا يتحقَّق بعملياتٍ تحدُث داخل القرص التراكمي. يمكن اعتبار أنَّ المدارات الموجودة في القرص التراكُمي أقرب إلى أن تكون دائرية، مع أنها في الواقع تتَّخِذ مسارًا حلزونيًّا نحو الداخل بشكلٍ تدريجي ودقيق جدًّا يصعُب ملاحظته. وتنصُّ قوانين كبلر على أنَّ المادة التي تدور عند أنصاف أقطار أقصر ستتحرَّك بوتيرةٍ أسرع من المادة التي تدور في مداراتٍ أكبر بقليل. وهذا الاختلاف في سرعة الدوران يسمح للثقب الأسود بامتصاص البلازما التي يتكوَّن منها القرص التراكُمي؛ والتي تُعَد بمثابة حَرقٍ ينشأ من احتكاك المدارات الداخلية السريعة الدوران بالمادة المجاورة الموجودة في مداراتٍ ذات أنصاف أقطار أطول قليلًا. وسيؤدي هذا الاختلاف في السرعة إلى أنَّ المادة الموجودة في المدارات الأكبر قليلًا ستُسحَب بوتيرة أسرع قليلًا، بفعلِ تأثيرات الاضطراب اللزج، ولذا ستُصبح المادة الموجودة في المدارات الداخلية أبطأ قليلًا بالتبعية. ومن ثَم، نظرًا لأن الحركة المدارية ازدادت في المدارات الأبعد، فإنَّ الزخم الزاوي انتقل إلى المادة الخارجية من المادة الداخلية، رافعًا درجة الحرارة في أثناء ذلك.

بوجهٍ عام، يُعتبَر الزخم الزاوي كمية محفوظة، ويمكن أن تفقد المادة الأقرب إلى الثقب الأسود زخمًا زاويًّا بانتظام، ما يزيد من احتمالية أن يبتلِعها الثقب الأسود. لاحظوا أنه إذا كانت كتلة مُستديرة لزِجة من المادة المدارية لها زخم زاوٍ كبير للغاية، فستبقى بعيدًا عن مركز الكتلة التي تدور حولها؛ حيث ستكون السرعة التي تتحرك بها أكبر من أن تسمح لها بأي اقتراب. فما نوع تأثيرات اللزوجة التي قد تكون مرتبطةً بالبلازما داخل الأقراص التراكُمية؟ يمكن أن تكون اللزوجة بين الذرَّات صغيرةً في هذه الحالة؛ فالبلازما الغازية التي يتكوَّن منها القرص التراكمي مختلفة تمامًا عن لزوجة العسل الأسود. وفي الواقع، قد تكون المجالات المغناطيسية مهمَّة جدًّا في نقل الزخم الزاوي من حركة التدفُّق التراكُمي نحو الداخل. فمن أين تأتي المجالات المغناطيسية إذن؟ تكون البلازما في القُرص التراكمي شديدة السخونة، وبذلك تتأيَّن الذرات جزئيًّا لتتحوَّل إلى إلكترونات ونيوكليونات موجبة الشحنة. ولذا تُوجَد تدفُّقات لجُسَيمات مشحونة، وتُنتج الشحنات المتحركة مجالات مغناطيسية، كما هو موضح في معادلات جيمس كليرك ماكسويل. وحالما تنشأ ولو مجالات مغناطيسية ضعيفة للغاية، يمكن مطُّها وتضخيمها بفعلِ الاختلاف في سرعة الدوران، وتعديلها بفعلِ اضطراب البلازما، حتى تصل إلى المستويات التي يمكن عندَها أن تعطي اللزوجة المطلوبة. وهذا هو أساس ما يعرف بعدم الاستقرار الدوَراني المغناطيسي. كان أول مَن أدرك أهمية هذه الآلية في هذا السياق ستيف بالبَس وجون هولي في أوائل التسعينيات من القرن العشرين عندما كانا يعملان في جامعة فيرجينيا.

وبفعلِ الاضطراب اللزِج ووسائل أخرى على الأرجح، يمكن أن تفقد البلازما الزخم الزاوي في النهاية وتدور في مدار عند أنصاف أقطار أقصر وتكون أقربَ إلى الثقب الأسود. وحالما تصِل البلازما الغازية إلى أقرب مدارٍ مُستقر من الثقب الأسود، لن تُوجَد حاجة إلى مزيدٍ من الاحتكاك لكي تنزلق إلى داخل الثقب الأسود، وبعد ذلك لن تُرى مجددًا أبدًا، لكنها ستكون قد زوَّدت مقدار كتلة الثقب الأسود ودوَرانه.

ما خصائص الأقراص التراكُمية وما مدى سخونتها؟

رأينا أنَّ تأثيرات اللزوجة والحركة المضطربة تؤدي دورًا مهمًّا في تبديد الزخم الزاوي من المادة التي تدور في المدارات بحيث يمكن أن تدور على مسافةٍ أقرب من الثقب الأسود وتُبلَع داخِلَه. غير أنَّ إحدى نتائج تأثير اللزوجة أنَّ الحركة المدارية الحلزونية للكتلة تتحول إلى حركةٍ عشوائية، وبذلك تسخن المادة. وكلما زادت الحركة الحرارية العشوائية للمادة، زادت طاقتها الحرارية وزادت درجة حرارتها. وكما ذُكر في الفصل الخامس، حيثما تُوجَد حرارة، سيُوجَد إشعاع كهرومغناطيسي حراري. وهكذا فكل جسمٍ يُصدِر إشعاعًا حراريًّا، إلا إذا كانت درجة حرارته عند الصفر المطلق.

وهذا الارتفاع في درجة الحرارة هو الذي يُسبِّب الإشعاع الشديد الإضاءة الذي نرصد انبعاثه من الأقراص التراكُمية. وإذا كان القرص التراكُمي واحدًا من الأقراص التراكمية التي تُحيط بالثقوب السوداء الفائقة الضخامة الموجودة عند مراكز أشباه النجوم، فعادةً ما يبلغ حجمه مليار كيلومتر، ويكون الجزء الأكبر من الإشعاع المنبعث من تلك الأقراص التراكمية واقعًا في نطاق الأشعة المرئية والأشعة فوق البنفسجية من الطيف. أمَّا إذا كان القرص واحدًا من تلك الأقراص التراكمية التي تُحيط بالثقوب السوداء الأقل ضخامةً بكثير داخل ما يُسمَّى أشباه النجوم الميكروية (التي ستُستعرَض في الفصل الثامن)، فإنَّ حجمه عادةً ما يكون أصغر مليون مرة، ويكون معظم إشعاعه مكونًا من الأشعة السينية. وكلما كانت كتلة الثقب الأسود أكبر، كان أقرب مدار دائري مُستقر منه أكبر قُطرًا، وبالتبعية سيكون القرص التراكُمي المحيط أبرد.

فإذا كانت كتلة أحد الثقوب السوداء الفائقة الضخامة تساوي كتلة شمسنا ١٠٠ مرة، فستكون درجة الحرارة القصوى في القرص التراكُمي المحيط به نحو مليون كلفن، أمَّا إذا كان الثقب الأسود ذا كتلةٍ نجمية عادية، فيُمكن أن تصل درجة الحرارة القصوى في القرص التراكمي المحيط به إلى مقدار أعلى ١٠٠ مرة من ذلك.

كيف يُمكن قياس سرعة دوران الثقب الأسود؟

نظرًا لأنَّ رؤية الثقوب السوداء مُباشرة غير مُمكنة في الواقع، فلا يُمكن كذلك رؤيتها تدور. ولكن تُوجَد طريقتان رئيسيتان لقياس سرعة دوران الثقوب السوداء. فكما نوقش في الفصل الرابع، عندما تكون سرعة دوران الثقب الأسود كبيرةً جدًّا، فمن الممكن أن تدور المادة في مدارٍ مستقر حول الثقب الأسود أقرب إليه بكثيرٍ ممَّا كان سيكون ممكنًا لو لم يكن الثقب الأسود يدور. وقد اتضح أنَّ حرارة المادة في هذه المدارات الضيقة جدًّا تزداد بفعلِ تأثيراتٍ قوية ناجمة عن الحركة المضطربة واللزوجة في أثناء دورانها في مسار حلزوني نحو الداخل، ويمكن أن تؤديَ هذه الحرارة الهائلة إلى انبعاث أشعةٍ سينية، اعتمادًا على مدى القُرب الذي وصلَت إليه المادة من الثقب الأسود أثناء دورانها قبل أن يبتلِعها. هذا وتتنبَّأ النسبية العامة بأنَّ شكل الخطوط الطيفية (الناشئة من الانزياح نحو الأحمر تحت تأثير الجاذبية) يتأثر بالمسافة بين المادة الباعِثة للإشعاع والثقب الأسود بطريقةٍ لها أثر مميز. وينشأ هذا الأثر من بعض ذرَّات الحديد المتألِّقة داخل هذه المادة، وقد ابتكر أندرو فابيان من جامعة كامبريدج طريقة استخراج المعلومات من ضوء الأشعة السينية.

ويُعَد تفسير هذه القياسات صعبًا، بسبب العديد من العوامل المختلفة، مثل مَيل القرص بالنسبة إلى الأرض، وبالطبع طبيعة الرياح والمواد المتدفِّقة إلى الخارج من سطح القرص التراكمي، بالقُرب من الحافة الداخلية (على طول خط الرؤية الواصل بيننا وبينها) التي تحمل خصائصها مفتاح قفل صندوق المعلومات المتعلقة بالثقب الأسود التي يتعذَّر الوصول إليها بطريقةٍ أخرى. وتتضمَّن الطرق الأخرى لقياس الزخم الزاوي للثقوب السوداء ذات الكتلة النجمية قياس نطاقٍ كبير من طيف الأشعة السينية والأخذ في الحسبان درجات الحرارة المختلفة للمناطق الداخلية الأقرب في القرص التراكمي (التي تكون أسخن) والمناطق الخارجية الأبعد (التي تصير أبرد تدريجيًّا). ومن الممكن تقدير مَيل القرص من شكل طيف الأشعة السينية ومن أعلى درجة حرارة (بافتراض أنك تعرف كتلة الثقب الأسود، وبُعده عن الأرض) لاستنتاج المسافة بين الثقب الأسود والمادة التي تدور في أقرب مدارٍ إليه. وقد ابتكرت كريستين دون من جامعة دورهام طرقًا مُشابهة من أجل قياس الزخم الزاوي للثقوب السوداء الفائقة الضخامة في مراكز أشباه النجوم. وتجدُر الإشارة إلى أنَّ مدى القُرب الذي يُمكن أن تصِل إليه المادة من الثقب الأسود أثناء دورانها حوله (قبل أن يبتلِعها) يوضح مدى السرعة التي يدور بها الثقب الأسود نفسه حتمًا.

الثقوب السوداء تُبعثِر الكثير من الفُتات عند الالتهام

يتضح أنَّ مجرد جزء صغير (يُقدَّر بنحو ١٠٪، مع أنه يمكن أن يكون أكبر بكثيرٍ جدًّا) من المادة التي تنجذب نحو الثقب الأسود يصِل إلى أُفق الحدث ويُبتلَع بالفعل. ويتناول الفصل الثامن ما يحدث للجزء المتبقِّي الذي لا يُبتلَع بالفعل داخل أفق الحدث من المادة الساقطة نحو الثقب الأسود. فمن مختلف أجزاء القرص التراكُمي نفسه، يمكن أن تنبعِث المادة كريحٍ؛ أمَّا من داخل أقرب نطاقٍ حول مركز القُرص التراكمي، فتتدفَّق نفثات سريعة جدًّا من البلازما نحو الخارج بسرعاتٍ قريبة جدًّا من سرعة الضوء. وكما يُوضِّح الفصل الثامن، فإنَّ ما لا يلتهِمه الثقب الأسود يُطرَد من المدارات الموجودة حوله ويُبصَق بشكلٍ مُذهل نوعًا ما.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤