الفصل الثالث

الدولة والمجتمع الدولي

١

لا يمكن لدولة ما أن تعيش لنفسها فقط، إذ إنها عضو في مجتمع الدول، وإذا نظرنا إلى ذلك من الوجهة النظرية البحتة نجد أن لكل دولة من هذه الدول نفس الحقوق كما أن عليها نفس الواجبات. ونجد كلًّا منها في هذا النسيج المتشابك الذي يطلق عليه اسم العلاقات الدولية. ولذلك وجب وضع القوانين واللوائح التي تحدد هذه العلاقات وتسيطر عليها، ولكن ليست هناك نظرية كاملة عن الدولة لا تفسر الحقائق التي يترتب عليها وجود هذا المجتمع الدولي.

ويجب أن تتمثل أية نظرية عن الدولة في فلسفة القانون الدولي، وينبغي لها أن تفسر سبب ارتباط هذه الدول بهذا القانون، كما يجب أن تقيم نفسها على فروض قانونية تتمشى مع هذا العالم الذي تعيش فيه. إلا أن مثل هذه النظرية يجب أن تكون راسخة المعالم والأسس حتى تتاح لها الفرصة لإدراك أهمية التغيرات الهائلة التي لمسناها في العلاقات بين الدول منذ ٣٠٠ سنة. وقد حددت هذه العلاقات أول ما حددت منهجًا عمليًّا بالنسبة للقانون الدولي، ولن تكتمل أسس هذه الفلسفة ما لم تحدد قواعد القانون الدولي استمرار تطبيقه الذي يُمكِّن الدولة من أن تجعل من القانون الذي تسنه العامل الذي نقيس به ما تفصح عنه الهيئات الأخرى من سلوك، وما تقوم به من عمل.

ونحن نجد في تاريخ نظرية القانون الدولي أن نظرية الدولة ذات السيادة لها وضعها الهام. فمن الواضح أنه طالما كانت الدولة منظمة ذات سيادة، فلن ترتبط بأية إرادة غير إرادتها، وأن مشكلة سن القوانين لمجتمع دولي يلتزم أعضاؤه بهذه القوانين بعد موافقة هؤلاء الأعضاء لَمشكلة جد خطيرة. أما جوهر العلاقات الداخلية التي تتميز بها الدولة فهو حقها كدولة ذات سيادة في فرض إرادتها على الذين يدورون في فلكها، أما خارج هذا النطاق فنجد أنها ترغمنا على الاعتقاد بأن السبيل الوحيد لارتباط دولة ما بالرغم منها هو الحرب، وأن الحكم القاطع في العلاقات الدولية هو إحراز النصر كنتيجة لنظرية السيادة.

وتتمثل فكرة السيادة في القانون الدولي في ناحيتين، فهي من جهة فكرة منطقية. أما صحتها فهي ناحية شكلية بحتة، ومن هذه الزاوية أمكننا الحصول على نظرية إيجابية للقانون الدولي الذي يرجع جميع القواعد التي يسير عليها قانون الدول إلى العرف الدولي أو المعاهدات؛ إذ إنهما (أي العرف الدولي والمعاهدات) يمثلان إرادة الدول. وتوحي طبيعة السيادة بأن إرادة الدولة هي المصدر الوحيد للقانون، فإذا اعتقدنا خلاف ذلك نجد عندئذ أن إرادة الدولة ستلتزم بالقواعد التي لم توافق عليها؛ وعندئذ لن تصبح منظمة ذات سيادة.

أما من الناحية الأخرى فنجد أن فكرة السيادة في القانون الدولي تتخذ الصبغة الفلسفية، ونجد أن أثرها يكمن في تبرير النظرية الإيجابية، وذلك بالتدليل على أن الدولة لها قيمة أخلاقية مطلقة؛ ولذلك فإن صحة القانون الدولي تعتمد على تحقيق هذه القيمة طالما كان الحكم هو الدولة ذاتها (إذ بدونها لن تكون تجسيمًا للقيمة الأخلاقية المطلقة)، فسنجد أن الدولة ستضع مصلحتها فقط نصب أعينها. وعندما تفعل ذلك ستحقق الأهداف التي تستطيع أن ترمي إليها، إذ عندما تقوم بضمان مصلحتها الذاتية نجد أنها في الحقيقة تكفل الأمن لمصلحة القيم الأخلاقية المطلقة التي تتمثل فيها.

أما هؤلاء الذين أقاموا الصرح القديم للقانون الدولي فلم يرتجفوا من جراء هذه الاستنتاجات، فإذا جارينا هيجل على أن الدولة تعد بمثابة الروح التي تقسم بالإنصاف، والتي تتناول جميع النواحي بطريقة موضوعية، كما أنها السبيل الوحيد الذي يستطيع الفرد بواسطتها أن يبلغ هذه المرحلة من الموضوعية والصدق. ويذكر هيجل أن حقوق الدول الأخرى لم تتحقق بعد ولم توضع في صيغة قاعدة عامة تكون لها السلطة العليا، إلا أنه يمكن تحقيق هذه النواحي عن طريق إرادتها. والدولة فوق القانون، وما القانون الدولي إلا قانون خارجي يختص بالشئون البلدية ويستمد قوته من إرادة الدولة أو الدول التي تحاول القيام بتنفيذه؛ ولذلك فمن الصعب تحقيق نظام دولي حيث تعتبر الدول أجزاء مكونة له، طالما أن هذه الدول هي صاحبة السيادة، وقد ذكر لاسون عبارة مشهورة يقول فيها: إنه لا يمكن للدولة الخضوع لنظام قانوني أو أية إرادة أخرى غير إرادتها … إنها إرادة غير محدودة تتسم بالذاتية. ويصر كوفمان على أنه ليست هناك قاعدة عامة لقانون يربط الدول جميعها، اللهم إلا قانون الحق للقوة؛ ومن ثم نجد أن إحراز النصر في الحروب يعتبر المثل الأعلى الذي تعرفه الدولة، فالانتصار في الحروب يعني ضمان النفس، وبالتالي نجد أن ذلك يضمن لنا انتصار القيم الأخلاقية المجردة.

ولقد حاز هذا الموقف قبولًا لدى الجميع، فنجده وقد حدد معالم النظرية المثالية الإنجليزية في الميدان السياسي. وعندما كتب بوزانكيه أن الدولة ليست لها وظيفة محدودة في مجتمع أكبر من هذا، ولكنها المجتمع الأعلى، وأن العلاقات الأخلاقية تستلزم حياة منظمة إلا أن هذه الحياة تدخل في نطاق الدولة لا في العلاقات بين الدول والمجتمعات الأخرى، كان يعني في الحقيقة أن هناك خارج حدود الدولة فوضى شاملة، إلا إذا اتفقت الدول أو حددت الحروب المسائل المعلقة بينها. إن هذا الاعتقاد في السيادة هو الذي تنطوي عليه فكرة عصبة الأمم، وإن هذا هو الاعتقاد الذي جعل من العسير الوصول إلى اتفاق بشأن مشكلة نزع السلاح، فإذا سلمنا بأن الحروب هي الحكم الأخير الذي يحدد المصير الدولي؛ نجد أن كل دولة تستطيع أن تنظر إلى مثل هذا القيد على أنه يتمشى مع مصلحتها العليا. وطبيعي أن هذا القيد يكفل لها إحراز النصر، ولكن إذا نظرنا إلى السلم على أنه سبيل آخر لشن الحروب، طالما استبعدت فكرة استخدام القوة فإننا نجد أن نفس المشكلة تتغلغل في كل كبيرة وصغيرة تتعلق بالعلاقات الدولية، سواء أكان منها مسائل الهجرة أم المسائل الجمركية، أم مشكلة تحديد ساعات العمل، حيث نجد أن الاتفاق بين الدول هو تمهيد للقيام بعمل ضروري.

ويزج المذهب الإيجابي بنفسه في قضايا منطقية معقدة بمجرد مواجهته للحياة الدولية، ولا يصر مؤيدوه على أن الدول ترتبط بالقانون الدولي فحسب، كذلك ما إذا قاموا أم لم يقوموا بتحديد نظرية تتعارض مع فكرة السيادة، ولأجل تفسير ارتباط القانون الدولي نجد أنه لا يقوم بقبول مقتضيات نظام القانون الدولي فحسب، حيث نجد أن كل دولة لها مكانتها واحترامها، وهو مذهب يفرض بعض الواجبات على الدولة التي تعتمد على إرادتها فقط، بينما تواجهنا صعوبة في محاولة تكييف هذه النظرة ما لم نستخدم وسيلة من وسائل الخيال، وتقوم المحاكم الدولية بتنفيذها. كما أن الصعوبة تكمن أيضًا في جعلها تتمشى مع نظام محكمة العدل الدولية الدائمة. ومما هو جدير بالذكر أنه من المستحيل النظر إلى الدول على أنها الهيئات الوحيدة التي يتناولها القانون الدولي، وهي تعتبر ضربة قاضية للنظرة الإيجابية، فالدول التي لا تتمتع بالسيادة تخلق المشاكل، ولكن يبدو أن المذهب الإيجابي أخذ في التدهور، ويرجع ذلك إلى أن هذه الفروض القانونية تتعارض مع الحقائق، وتتنافى مع تطور العلاقات الدولية في وقتنا هذا، وما من شك في أن التيار يجرفنا إلى حيث ينبغي لنا أن ندرك عدم جدوى الهيئات الدولية التي يرغمنا عالم الواقع على تكوينها، وذلك في حالة سيادة الدولة.

ومن الأهمية بمكان أن نجد أن هذا التطور يدفع فلاسفة القانون إلى وضع اقتراحاتهم عن القانون الدولي على أسس مخالفة لذلك، وهناك الآن اتجاه نحو البدء بالمجتمع الدولي لا بالدولة؛ إذ إن الدولة تعتبر كمقاطعة في هذا المجتمع، وتعد قوانين هذا المجتمع قوانين عليا، وهي تسمو على القوانين المحلية. وعلى ذلك عندما يتصارع القانون الدولي مع هذه القوانين المحلية يجب على القوانين المحلية أن ترتد إلى المركز الثاني من القانون الدولي، والدولة التي تخل بالقانون الدولي تعتبر مثل الفرد الذي يخل بالقوانين المحلية، ومنشأ هذا الفشل هو مواد العقوبات المنصوص عليها في القانون الدولي لهذا المجتمع العالمي؛ لأنها تفتقر إلى التنظيم الدقيق؛ ولذلك نجد تلك المجهودات التي تبذل في سبيل سد الثغرات في عهد عصبة الأمم كما في بروتوكول جنيف عام ١٩٢٤م. ونجد أيضًا تقدم الوسائل (كحلف باريس)،التي تجعل الدولة تتخلى عن حقها في استخدام القوة لتحقيق إرادتها، كما نجد تطور فكرة الأمن الجماعي بين الدول ضد الاعتداء على أية دولة، كما نجد تغلغل مذهب الولاء العالمي في نفوس الأفراد، حتى إننا نجد ظهور مقاومة الفرد لفكرة شن الحروب ما لم تخولها سلطة عصبة الأمم.

وما من شك في أن فلسفة القانون الدولي هي الفلسفة الوحيدة التي تتمشى مع احتياجات عصرنا هذا؛ إذ إن الحقائق التي تمخضت عنها للجيل السابق أوضحت بكل أسف، أنه لا يمكن للحضارة والدولة صاحبة السيادة تحقيق مصالح واحدة، غير أنه إذا كانت النظريات القديمة للقانون الدولي (سواء أكانت النظريات الإيجابية ومن مؤيديها كوفمان، أم النظريات المثالية ومن مؤيديها هيجل) قد أخذت في اعتبارها النواحي التاريخية الماضية، فكان من الممكن أن نقول: إن معارضي النظريات الجديدة يتجهون نحو كتابة أبحاث عظيمة عما ينشدونه؛ إذ إننا إذا وقعنا بعض المواثيق فإننا نقوم بالتوقيع بشيء من التحفظ، ونجد أن بعض الحكومات البريطانية القادمة ربما دفعت البرلمان إلى سن قانون يهدف إلى تحقيق السلام. ولكن طالما لا يمكن لأي برلمان أن يلزم برلمانًا قادمًا باتباع ما ارتآه، نجد أن رجوعه في ذلك يتسم بالصبغة القانونية، ونجد أن الدول تصر على أن أي مشروع يهدف إلى الأمن الجماعي لا يمكن تحقيقه دون حل مشكلة نزع السلاح. ولقد أوضح مؤتمر نزع السلاح الذي عقد عام ١٩٣٢م أننا لم ندرك حتى الآن عالمًا يمكن أن يحقق نزع السلاح. وكلنا يعرف أن عصبة الأمم قد نددت بالاعتداء الياباني على الصين في منشوريا، إلا أن نتيجة هذا التنديد سواء أكانت كبيرة أم صغيرة تعد كما لو كان قرارًا قد أصدره بعض رجال الكنيسة. ويمكن لنا أن نخرج الدولة ذات السيادة من الباب الأمامي لهذا الصرح الدولي. إلا أنه لا تزال توجد به منافذ أخرى من الخلف ليستعيد مكانته القديمة.

ويكمن جوهر المشكلة في الحيلولة دون استخدام أية دولة للحرب كوسيلة من الوسائل التي تنتهجها في سياستها. ويجب أن نعترف بأن هناك بعض الدول التي ترغب في استخدام هذه الوسيلة، والواجب علينا إذن هو إيجاد وسائل أخرى للتصغير من شأن استخدام تلك الأداة. ويجب أن تقوم الدلائل، في ظل الملابسات الحديثة، على أن الحرب لا تجدي وأنها أداة للقضاء على الإمكانيات الاقتصادية للمنتصرين، كما أنها ضربة قاضية للمهزومين. ويجب أن ندرك أن الحرب ستؤدي بنا إلى القيام بثورة اجتماعية، ولا سيما في الشئون الخاصة بالدستور المحلي، ويجب أن ندرك أيضًا أنه من الخطأ شن الحروب، والواجب الملقى على كل مواطن هو أن يرفض بشدة قيام أية دولة تتخذ الحرب أداة لتحقيق أغراضها، كما أن من واجب العلماء الامتناع عن إجراء التجارب التي ترمي إلى إيجاد أسلحة فتاكة لاستخدامها في الحروب، وعندما نسلم بكل هذا فسنسير قدمًا نحو تكوين مجتمع عالمي أفضل.

وينبغي لنا أن نطرح مدلولات تلك النواحي على بساط البحث، فنحن ندرك أن الدولة صاحبة السيادة يتنافى وجودها مع وجود نظام عالمي آخر، فالدولة وهي حارس للمصالح القومية تجد من الضروري الوقوف بجانب عقيدتها، كما أن البواعث التي تدفعها إلى اتخاذ هذا الموقف بواعث لا تتسم بحب الذات. ومن الخطأ أن يداخلنا الشك في صدقها، فعندما يصر قائد بحري بريطاني على أن البحرية البريطانية القوية هي خير من يصون السلام العالمي، فإني على يقين من أنه على حق في ذلك، ولكنه يحقق الهدف الذي يرمي إليه هذا السلام، وهو يشير إلى أن ما تهدف إليه بريطانيا دائمًا من فرض سلطتها على الآخرين في العالم هو تحقيق الخير للعالم، وإني لا أشك في أن السياسيين الذين يؤمنون بأن هدف بريطانيا الوحيد في الهند هو تحقيق مصالح الهند مخلصون في هذا. ويجب ألا يغيب عن البال أن وجهة نظر الأمريكيين واليابانيين عن اختصاصات البحرية البريطانية تختلف عن وجهة نظر اللورد بيتي، إلا أن السياسيين عجزوا عن استمالة الهند لفكرتهم عن المسئوليات البريطانية في الهند. والعلاقات القائمة بين الولايات المتحدة ونيكاراجوا وهولندا وجاوة، وموقف الجنرال جورنج تجاه الطيران الحربي في ألمانيا خير شاهد على تطبيق مثل تلك الحالة. وعندما يختلف النظر إلى المصالح تصبح فكرة السيادة مجرد مبدأ قانوني لتنفيذ تلك الفكرة التي تدور المصالح حولها.

وترمي السيادة إلى المحافظة على نظام العلاقات القائم بين الطبقات، كما أنها تحاول تحقيق المصالح الكامنة في هذا النظام في المجالين الدولي والداخلي؛ ولذلك وجب وضع المصالح القومية العليا للدولة في داخل نطاق دستورها الاقتصادي الذي يحدد أهداف الدولة، فإذا كانت الحرب هي السبيل الوحيد لضمان ما يحتاجه ذلك الدستور، نجد الدولة قد قامت باستخدام كل وسائل الدبلوماسية قبل استخدامها لذلك السلاح الرهيب. فإذا استنفدت هذه الوسائل، فلا مفر من الالتجاء إلى الحرب، وهي تقوم بذلك من أجل العزة الوطنية، أو أي هدف كهذا، وليس هناك أحد ممن يدرسون سيكلوجية الشعوب المتحاربة يعترف بمدى الإخلاص الكامن في هذه الاحتجاجات، ولكن عندما يدرس كل منها بإمعان تبدو لنا على أنها محاولة لتحقيق خير اقتصادي للطبقة التي تسيطر على الدولة المتحاربة.

ومما هو جدير بالملاحظة أن هذا الخير الاقتصادي هو الأساس الذي يقوم على أساسه البنيان الأعظم.

ولا أعتقد أن ملابسات الحرب ترجع في النادر إلى أسباب اقتصادية، كما أني لا أعتقد أن الحقيقة التي تذهب إلى أن الرخاء الاقتصادي للطبقة الحاكمة يقترن بشكل واضح بالرخاء الاقتصادي للمحكومين. كما أن الحقيقة التي تقول: ضرب سيراجيفو بالقنابل قد عجل بنشوب الحرب عام ١٩١٤م، لم تخف أنها كانت في جوهرها تتمثل في الصراع الذي تدور رحاه بين صور الاستعمار، وقد دخلت أمريكا الحرب عام ١٩١٧م؛ إذ أصبحت التزاماتها المالية لبريطانيا وفرنسا كثيرة، مما جعلها لا تطيق فكرة الخسارة. كما أن بقاء بريطانيا في الهند يقترن بمصالحها هناك، ولقد أوضح التاريخ الحديث أن هذه المصالح ترتبط بالعمال، إلا أنه لا يمكن أن نستخلص أن حماية مصالحنا في الولايات المتحدة يترتب عليه إخلالنا بها.

وهذه الفكرة التي اعتنقها غاية في البساطة، إلا أنه يصعب التعبير عنها في هذا العالم المتشابك. وتذهب هذه الفكرة إلى أن الدولة في المجتمع الرأسمالي تحتاج إلى أن تكون صاحبة السيادة حتى تحمي المصالح الرأسمالية، وقد تلجأ أخيرًا إلى الحرب كوسيلة للدفاع عن هذه المصالح وحمايتها، فالحرب هي التعبير الأعلى للسيادة في العلاقات الدولية. ومن الناحية الداخلية نجد أن هدف الدولة هو حماية المبادئ الرأسمالية. أما من الناحية الخارجية فنجد أنها تتطلب جعل استخدام الحرب وسيلة من وسائل السياسية القومية، فإذا تعارضت السيادة مع النظام العالمي الفعال اتضح لنا أيضًا تعارض النظام الرأسمالي مع هذا النظام العالمي؛ إذ إن البواعث التي تؤدي إلى الحرب متأصلة في النظام الرأسمالي، هذا، ويعارض دعاة الرأسمالية في هذه الفكرة. ولذلك يجدر بنا دراسة الأدلة التي توصلوا إليها ولو في الظاهر. فلقد تحدث البروفيسور جريجوري عن عدم وجود أي دليل يوضح أن الرأسمالية تؤدي حتمًا إلى الحرب، فلم تكن فترة السيطرة الرأسمالية هي التي سادت القرن التاسع عشر، هذا القرن الذي اتسم بالصراع المسلح. وعلى أية حال ألم تنشب الحروب قبل النصف الأول من القرن الثامن عشر؟ وهل طلب منا أن نتذكر أن المعارضين في نشوب الحرب في القرن التاسع عشر هم السياسيون الذين لم يهتموا بتطوير المعاني التي تقوم على أساسها الديمقراطية الرأسمالية؟ إذ إن النظرية تقوم على إظهار تدخل الدولة بمظهر ضئيل. وقد ذكر كوبدن عام ١٩٤٢م أنه عندما تقوم التجارة الحرة بضمان اعتماد الدول كل منها على الأخرى نجد أنها تنتزع السلطة حتمًا من الحكومة حتى يتسنى لها أن تدفع الشعب إلى الخوض في غمار الحروب. وتعد فكرة التجارة الحرة من أهم افتراضات النظام الرأسمالي.

إلا أنه يجب علينا دراسة عادات الرأسماليين التي نعرفها لا النظرية البحتة للرأسمالية المجردة، فمن الواضح أنه في المجتمع الرأسمالي — حيث لا يتطلب الرأسمالي معونة الدولة التي لا تتطلب بدورها مساعدة الرأسمالي — لن يؤدي ما يقوم به النظام الاقتصادي من عمل إلى نشوب حرب. فإذا كانت الرأسمالية التي نعرفها من هذا النوع؛ فإن مؤيدي مدرسة البروفيسور جريجوري سيكونون محقين في القول بأنه ليس من الضروري أن تكمن البواعث المؤدية إلى الحرب في النظام الرأسمالي، إلا أن الرأسمالية التي تكلموا عنها لا توجد إلا في المطبوعات الاقتصادية؛ إذ إنها محض خيال، وتسعى الرأسمالية التي نعرفها في كل مرحلة من مراحل تاريخها إلى الدفاع عن الدولة، ولقد قامت بطلب المعونات والتعريفة الجمركية ونفوذ وزارة الخارجية البريطانية لخدمة العملاء في التجارة في الخارج، والعمل على الدفاع عن المطالب التي تجدها الدولة مناسبة في الدول الأجنبية. كما أنها قامت بضمان هذه المطالب، ولا يدعو تاريخ مصر منذ الاحتلال البريطاني وتاريخ إفريقية منذ الجيلين السابقين، وتاريخ الصين، والمكسيك، والدول الأمريكية الوسطى، لا يدعو إلى الرضا في شيء إلا في وضع يتمكن فيه النظام الرأسمالي من مساندة الدولة لمشروعاتها. وربما ننظر إليه على أنه أمر موجب للأسف؛ لأنه دفع الدولة إلى القيام بهذا التدخل. وربما نقول إن التاجر سيتَّسم بالحكمة إذا استطاع أن يستخدم سلطته في الحيلولة دون قيام الدولة بمساعدته حتى يعتمد على نفسه، إلا أن الحقيقة هي أن الرأسمالية التي نعرفها ستكون رأسمالية أخرى إذا قام بذلك. وعلى أية حال فإننا بصدد تناول النواحي الحقيقية لا النواحي الفرضية، حتى نتمكن من وضع فروضنا.

٢

لا ينبغي أن ننخدع بالتدليل الذي يزعم أنه طالما كانت هناك حروب قبل عهد الرأسمالية فلا يمكن أن تكون الرأسمالية السبب المباشر لإثارة الحرب. والرأسمالية في هذا المجال معناها وجود الافتراضات التي قامت عليها فكرة حرية التصرف في الاقتصاد السياسي في بريطانيا، وهي التي سادت فترة ما في تاريخها القديم. وهذا التدليل يدور في دائرة مفرغة، وهو يبدأ بتعريف المجتمع الرأسمالي على أنه يتميز بحرية العمل. ونعني بهذه الحرية العمليات التجارية التي تتدخل فيها الدولة. ولكن عندما تتعرض هذه الحرية لتدخل الدولة، نجد أنها لا تلقي بالًا لأي أمر من الأمور، وتصر على أن أية نزعة من نزعات الشر لا يرجع وجودها إلى النظام الرأسمالي. ومن الواضح أننا إذا عرفنا الرأسمالية بهذه الطريقة، فإن ما نتوصل إليه لا يمكن أن يكون محل نزاع، وذلك من الناحية المنطقية؛ لأن الاقتراحات الموجودة تتضمنه.

ولا توجد الرأسمالية إلا على شكل نظام يتضمن الاتجاهات التي أمكن تحقيق البعض منها في سنين قليلة من القرن التاسع عشر. أما الرأسمالية التي نعرفها فلها طابع خاص يختلف عن ذلك تمام الاختلاف؛ إذ إنها رأسمالية تعبر عن طبيعتها في التعريفة الجمركية الأمريكية وفي التوسع، سواء أكان توسعًا عسكريًّا أم شبه عسكري، وفي التجارة في إفريقية، وليس من حق أي فرد أن يتغاضى عن الحوادث العديدة حتى يضع نظرية تعارض مدلولاتها الحاسمة. فما من شك في أن حروبًا كثيرة قد نشبت قبل القرن التاسع عشر. ولم تكن لحوافز غير اقتصادية (وهي تتمثل في الحوافز السياسية والدينية والحوافز الخاصة بالحكم لم تكن لها أهمية كبرى)، غير أنها إذا أمعنَّا النظر في أهدافها حتى في هذه الحروب نجد أنها تجعل من الصراع الاقتصادي مشكلة لها أهميتها. ولا ينفصل الباعث على الحرب عن سعي الدولة وراء النفوذ والسيطرة الاقتصادية. وربما يكون هذا السعي عن طريق غير مباشر كما يحدث عندما تسعى أية دولة وراء الحصول على حدود استراتيجية، كما يجوز أن يكون الباعث مختلطًا غير خالص، كما هي الحال في محاولة فرنسا لاستعادة الألزاس واللورين حيث تختلط المشاعر الناتجة من التقاليد التاريخية بمصالح فرنسا في إنتاج الصناعات الثقيلة. ويحدث هذا الاقتراح بنسب متساوية، إلا أن الحرب لا تفسر تفسيرًا دقيقًا حينما يقصر هذا التفسير في بيان الدواعي الاقتصادية لحدوثها.

ولقد أصبح الموقف اليوم أخطر مما كان عليه في الماضي؛ وذلك لسببين: الأول هو اقتران فكرة الدولة بالشعور القومي، والثاني هو التقدم الهائل في أساليب الدولة الإدارية. أما الأول فيمكن الدولة من تعبئة الشعور الجياش غير المتعقل الذي تثيره القومية لكي تساند سياستها. أما السبب الثاني فهو يمكن الدولة من تنظيم الأمة لخوض غمار الحروب. ولذلك فإنه عندما تسيطر رغبة صاحب رأس المال الرأسمالي على سياسة الدولة لكي يستدر الأرباح والمكاسب — وهي سبب وجوده — فإن القوى التي يسيرها تكون قوى هائلة إذا قورنت بأية قوة عرفناها في الماضي، ولم تزج بريطانيا حتى عام ١٩١٤م بأكثر من ١٠٠ ألف جندي في الحروب. ولكن في هذه الحرب بالذات تجدها، وقد عبأت ثلث رجالها من أجل أغراض عسكرية، وتختلف شدة أثر الحرب الحديثة في الدولة من الناحية النوعية عنها في أية فترة مضت، ولن تطالعنا بعد الآن في حضارتنا الحالية قصص كقصص جين أوستن التي يقوم فيها البطل والبطلة برقصتهما الفخيمة، دون أن يلقيا بالًا إلى كوارث الحروب النازلة بالبيئة التي يعيشان فيها.

وعلى ذلك يجب علينا أن ننظر للرأسمالية كما هي بالفعل، لا كما ستكون عليه إذا ما تحققت الاتجاهات التي ترمي إلى الإعراب عن نفسها، وتعتبر الرأسمالية التي نعرفها نظامًا تمتلك فيه أدوات الإنتاج ملكية خاصة، ويكون الباعث على الإنتاج هو الرغبة في الحصول على الأرباح التي تيسرها هذه الملكية، ويتضمن هذا النظام نظامًا خاصًّا للعلاقات بين الطبقات. كما أن عاداته تكمن في استخدام الدولة للسلطة لكي تحافظ على مدلولات العلاقات بين الطبقات، وتكرس الدولة نفسها لضمان حق الملك في الحصول على الأرباح. ولن يكون الأمر غير ذلك إذا نحن سلمنا بفروض هذا النظام، وستستخدم سلطة الدولة في إخماد أي تدخل يحول دون الحصول على مثل هذ الأرباح، وذلك إذا أمكن إخماده، إذ يدور الصراع دائمًا في المجتمع بين الطبقات التي تمتلك أدوات الإنتاج والطبقات التي لا تمتلك هذه الأدوات. أما وظيفة الدولة الداخلية في المجتمع الرأسمالي، فهي ضمان المبادئ التي يقوم عليها القانون؛ هذه المبادئ التي تضمن لأصحاب الملكية جزءًا كبيرًا من ذلك الإنتاج؛ وعلى ذلك نجد — كما دللت من قبل — أن أوجه النشاط الاجتماعي هو أن تتخذ طابعها الخاص.

أما المدرسة الفكرية التي تنكر وجود أية علاقة بين الرأسمالية والحرب فقد أقامت دعواها على رفضها قبول هذه الفكرة عن الدولة، فإذا ما سار قانون العرض والطلب سيرًا هينًا في سوق حرة، حيث يعرف الرأسماليون احتياجات عملائهم، وحيث تحشد جميع إمكانيات العمل لخدمتهم، فلا حاجة إذن إلى تدخل الدولة. وتقوم العلاقات الاجتماعية على التعاون لا على القوة، ولكن طالما أنه لا توجد مثل هذه المعرفة، ولا يمكن حشد هذه الإمكانيات، فإن ما نقوم بتفسيره في نواحي العمل يتمثل في مجتمع لا محل لهذه النواحي فيه، وفيه يطلب الرأسماليون أنفسهم تدخل الدولة للنهوض بمصالحهم، وتيسر لهم القيام بذلك؛ لأن ملكيتهم لأدوات الإنتاج تمكنهم من تحديد اتجاه ذلك التدخل. ولقد سبق لي أن بينت النتائج التي ينتج عنها مثل هذا التدخل، وتعتبر هذه النتائج مجرد سوء استخدام للمثل الأعلى، وهي تدافع عن الافتراضات القائمة بقولها: إن هذه النظرية تتناول مثالًا مجردًا، وما من شك في أنه من المؤسف أننا لا نواجه مثل هذا المثال المجرد في المجتمع الذي نعيش فيه.

وتتشابه علاقات الدولة في الداخل — في نظري — مع علاقاتها الخارجية. فكما تستخدم الدولة قوتها في الدفاع عن مصلحة الرأسمالي في الداخل، نجدها تقوم بالدفاع عن مصلحته في الخارج أيضًا، أما قيمة السيادة بالنسبة لها في المجال الدولي، فتتمثل في أنها تستطيع أن تستخدم القوة ضد أي منافس يسعى إلى التدخل في إرادتها، وذلك في الحالات المتطرفة، ولكن إذا سلمنا بأن السيادة يجب أن تخضع للقواعد، فلن نتمكن من جعل القوة مقياسًا للحق الذي تحاول جاهدة أن يسود. ولذلك فإن العالم الذي توجد فيه الدول لا تتمتع بالسيادة يتناسب وجوده مع أفكار المنظمة الدولية التي يتضمنها نظام كنظام عصبة الأمم. إلا أن هذه المعاني تتعارض مع العلاقات القائمة بين الطبقات التي يتطلبها النظام الرأسمالي، طالما أخرجت إلى حيز الوجود المتناقضات الأساسية التي وقع فيها المجتمع الذي نعيش فيه.

أما الأساس الذي يجب علينا أن نبدأ منه فهو تراكم رأس المال في دول تتسم بالتقدم الاقتصادي تراكمًا بنسبة كبيرة، حتى إنه لم تتح له الفرصة ليستثمر في الداخل؛ ولذلك انتقل إلى دول أخرى لانعدام الضمانات أو نسبة الأرباح كالتي يقدمها الاستثمار الأجنبي. ويرجع سبب حدوث هذا التراكم إلى تعارض الإنتاج والتوزيع؛ إذ لا تتعادل الطاقة الاستهلاكية للجمهور مع طاقة الإنتاج؛ وذلك بسبب العلاقات القائمة بين الطبقات، إذ لا تعتبر احتياجات المستهلكين في نظام الأجور الحديث احتياجات «ضرورية» بالمعنى الفني لهذه الكلمة. وهناك ما نطلق عليه اسم هجرة رأس المال، حيث لا تتعادل الثروة في مجتمع ما، حتى إنه لا يمكن لرأس المال أن يستخدم في الداخل لكي يدر ربحًا كثيرًا؛ إذ إنه إذا تساوى التوزيع وجدنا أن مطالب العمال قد أصبحت مطالب «ضرورية» قد تؤدي إلى مطالب كثيرة لاستثمار رأس المال، فإذا انعدمت المساواة انعدامًا أتم وأشمل فإن أصحابها سيكدسون الموارد الموجودة، وبذلك يتطلعون إلى فرصة لنقل رأس المال إلى الخارج، حتى يمكن لهم أن يحصلوا على أرباح طائلة من وراء ذلك. وهم لا يهتمون كثيرًا بالأغراض التي تكرس لها هذه الأموال، فربما كانت لغرض التسلح أو أي غرض آخر.

ومجمل القول أن السبب الرئيسي لتراكم رأس المال بسرعة هو تحكم عدم المساواة في المجتمع؛ إذ لو ارتفع مستوى الأجور لتزايد الطلب على السلع، ولكان ذلك كفيلًا باستثمار رءُوس الأموال، وإذ ذاك يمكن بناء مساكن للطبقة العاملة، وفي الحقيقة أن موقف الطبقة العاملة التي تعيش على الكفاف يعني ضرورة بحث رأس المال عن توسع كمي لا نوعي، طالما لا يترتب على التوسع النوعي إيجاد قوة شرائية متكافئة للسلع الإنتاجية. وعندما يتصف طابع التوسع الرأسمالي بالناحية الكمية لا النوعية، نجد أن المخاطر التي يمر بها توجد الهزيمة سواء أكانت عن طريق مباشرة كما في الهند، أم عن طريق غير مباشر كما في أمريكا الجنوبية؛ ولذلك للدفاع عن رءُوس الأموال المستثمرة. وكما جرت العادة نجد أن الامتيازات المراد الدفاع عنها ذات قيمة، وأن نسب الفائدة كبيرة، وفي الوقت نفسه نجد أن محاولات الضغط التي تقوم بها القوة العسكرية هي التي تضمن كل هذه النواحي.

وهناك عامل آخر يوضح لنا سبب جعل الوضع الداخلي لتصدير رأس المال إلى الخارج يدر الأرباح، ويشجع على المكاسب، وتدفع ساعات العمل الطويلة، والأجور الضئيلة، وعدم مراعاة قواعد الصحة وانعدام النقابات المنظمة تنظيمًا دقيقًا. كل هذا يدفع الممول إلى التطلع نحو الحصول على أرباح طائلة، وفي هذه الحالة نجد جميع صفات العمل المرهق تستغل، وتاريخ الصناعة في مصر والهند وفي مصانع الصين وإفريقية يوضح مدى استغلالها استغلالًا تامًّا. أما الخوف من أن الأرباح ربما لا تجد من يدافع عنها، فقد أمكن تفاديه؛ وذلك لأن السلطة العسكرية والطرق الدبلوماسية كانتا تساندان الأعمال الخاصة.

ومما هو جدير بالذكر أن ما تحتاجه التجارة هو وجود أراضٍ لها حدود ثابتة. ويتطلب هذا بدوره إدارة عسكرية وإدارة مدنية. وهذا هو السبب في ازدياد الخدمات المدنية في الهند ومصر وغيرها، حيث أتيحت الفرصة لعدد كبير من أبناء الطبقات المتوسطة والعليا لمستقبل كريم يتسم بالكفاية المادية، ولهذا التطور أثره؛ فقد ولد من جهة عداوة حقيقية للحكم الذاتي في تلك الأراضي؛ إذ إن كل حركة قومية بين هذه الشعوب الخاضعة تزلزل من كيان أسس هذا النظام الذي يمكن لعدد من الشباب في كل عام من إيجاد عمل لم يكن من السهل بدون ذلك إيجاده، أما من الناحية الأخرى؛ فنجد أنه قد أدخل في نطاق هذه الأراضي ضرورة الاحتلال العسكري. وهذا الاحتلال بدوره يكفل إيجاد العمل؛ إذ إن الرأي العام، في البلاد (بريطانيا) يطلب ضمانات لتأمين أبنائها ضد قيام الثورة أو التمرد. ولا داعي للشك في أن هذه الخدمات ضرورية، ولها أثرها، ولا داعي للشك أيضًا في أنها توجد مصلحة مكفولة أصلًا ضد التقدم في الحكومات الذاتية حيث تسيطر القوة، كما نلاحظ في الهند على وجه الخصوص.

وهناك خاصية أخرى يتميز بها الاستعمار الاقتصادي، ولها أثرها في المبادئ الأولى؛ إذ طالما كان التنافس من أجل الحصول على الأسواق مقصورًا على الدول الصناعية الغربية، فيتضح لنا إذن أن هذه المنافسة تكون مقصودة أيضًا بين الشعوب ذات المستوى الصناعي المتشابه، وبدخول الشرق الأقصى هذا المضمار دخلت عوامل جديدة في الاعتبار، فنجد مثلًا أن مستوى المصانع في اليابان قد تمكن من الوقوف أمام صناعة القطن في لانكشير، ولا سيما في الأسواق القديمة. كما أن القومية في الهند قد أوجدت التعريفة الجمركية التي تحمي السوق المحلية. أما النتيجة التي تتمخض عن التطور الأول، فهي إما بطالة شاملة تنزل بصناعات المنافس المهزوم أو تدخل الدولة حتى تهدئ من سلطة المنافسة غير المتكافئة، وذلك بوضع التشريعات. أما رد فعل الناحية الأخرى على الدولة التي لا تتمتع بأية ميزة فهو إرغامها على اتخاذ خطوات للدفاع عن وجودها. ولقد جاءت هذه النتيجة بفعل التعريفة الجمركية التي تحمي السوق المحلية. أما حكومة الفرد الاقتصادية التي تشجعها فقد حدت من سيرة التجارة الدولية في وقت كانت الزيادة المستمرة أساسية بالنسبة لاستخدام رأس المال استخدامًا يجعله يزيد من المقدرة على الإنتاج عن طريق التقدم العلمي. وعندئذ يتوقف النظام الاقتصادي عن العمل، ويسود الكساد كما حدث عام ١٩٢٩م؛ بسبب زعزعة في الميزان الاجتماعي، ومن الصعب بل ومن المستحيل تفادي مثل هذه الأزمات.

وما يمكن استخلاصه من كل هذه النظريات واضح كل الوضوح، إذ إن الأرباح التي أمكن الحصول عليها نتيجة للاستثمار الأجنبي طورت من الاستعمار الذي اتسمت به الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، وللدفاع عن هذه الأرباح وتعزيزها نجد أن كل دولة قد اندفعت نحو زيادة التسلح حتى تدافع عن مصالحها. وساد الشك والخوف من جراء ازدياد التسلح، وأدت مثل هذه المحادثات والشكوك إلى عقد المحالفات، والمحالفات المضادة في السنوات الأولى من هذا القرن. وأخذت دول تقف موقف المتصارعين، وتوضح لنا المستعمرات، والحماية، ومناطق النفوذ، نواحي كثيرة من هذا التطور، وأوجد كل ذلك سياسة الهيبة والكرامة، وأوجدت هذه السياسة بدورها نظامًا أصبحت فيه القوات المسلحة للدولة مقياسًا نهائيًّا لهذه السلطة. وإذا درسنا ذلك الأمر دراسة واقعية نجد أن هذه السياسة ليست أكثر من سلطة في يد الرأسمالي في أية دولة يمكن الالتجاء إليها؛ للدفاع عن الأرباح التي حصل عليها أو الذي يتطلع إلى الحصول عليها. ولقد كان سبب الاحتلال البريطاني لمصر هو ضمان مصالح حاملي السندات البريطانية، ولم تكن الحرب في جنوب إفريقية إلا كفاحًا مريرًا للسيطرة على مناجم الذهب.

ولم تُستثنَ أية سلطة استعمارية من هذه الآثار، ولقد كانت سيطرة الحكم الفرنسي في مراكش غرضًا من أغراض الدفاع عن استثمار رءُوس الأموال الفرنسية، وكانت الحرب اليابانية الروسية نتيجة لمحاولة من جانب حكومة فاسدة للدفاع عن بعض الامتيازات التي كانت تمنح في منشوريا لبعض رجال البلاط المشكوك فيهم. ولقد أصبحت نيكاراجوا وهايتي وسان دومنجو مقاطعات أمريكية لخدمة مصالح الرأسماليين الأمريكيين، والصراع الذي تدور رحاه بين الممولين الأمريكيين والبريطانيين للسيطرة على البترول في المكسيك، والقتال الناشب بين ألمانيا ودول الاتفاق للسيطرة على الشرق الأدنى في الفترة التي سبقت الحرب، وتضييق اليابان الخناق على كوريا. كل هذا له معنى واحد، وإن تعددت الصور. ولقد بحث الأفراد ووجدوا — كما يعتقدون — مورد ربح من هذا الاستثمار. ولقد استطاعوا أن يعبئوا شعور حكوماتهم لحماية مصالحهم. وفي النهاية أخذت الحكومة تتفق مع المستثمر في أنه إذا تعرضت أرباحه للخطر فسنجد أن هناك هجومًا يشن على العزة القومية، وفي مثل هذه الظروف والملابسات نجد أن القوات المسلحة تعتبر السلاح الذي يستخدمه لكي يضمن تمتعه بهذه الامتيازات.

ومن الواضح أن الدولة التي تعيش وسط هذه الظروف تلتزم النظر إلى الحرب على أنها التغيير الأسمى لسلطتها ذات السيادة، ونجد أن السياسيين فيها لا يرغبون في ذلك، إلا أن القوى التي دفعتهم إلى ذلك لم تترك لهم أي بديل. فلتفادي إثارة الحرب، يجب علينا أن نجازف بالأرباح التي تعد جوهر الرأسمالية. وتفادي إثارة حرب معناه إبطال الهدف الذي ترمي إليه سيادة الدولة. وقد ازدادت حدة اقتران الشعور القومي بالمجازفة الرأسمالية — حتى إن الزعماء الاشتراكيين الذين نادوا بمقاومة الحرب تخلوا عن عدائها لها. ولقد تحققوا في النهاية من أن التفسير الذي قاموا به يعتبر تفسيرًا خاطئًا، إلا أن الوقت قد فات لإصلاح ذلك الخطأ.

وإن النظرية التي أدافع عنها هي أن سيادة الدولة لا يمكن التنازل عنها طالما وضعت سلطتها تحت تصرف أصحاب رءُوس الأموال، وهذا هو السبب في أن عصبة الأمم قد عجزت عن الوصول إلى حل لمشكلات عدة رئيسية، فلقد عجزت عن الصمود أمام تهديد الاستعمار الياباني، كما حنت رأسها لخطر التسلح ووقفت عاجزة لا حول لها ولا قوة أمام القومية الاقتصادية، فإذا قيل: إن هذا الفشل يرجع إلى أعضائها — وقد اعتبر التنديد الاجتماعي باليابان في مارس عام ١٩٣٣م نجاحًا ملحوظًا — نجد أن ذلك ليس له أثر في دراستي هذه؛ إذ إن هذا الفشل يكمن في فكرتها التي ينظر إليها على أنها تحالف بين دول ذات سيادة. ومن الضروري إذن لكي تضمن نجاحها أن تحول دون النظر إلى الحرب على أنها أداة للسياسة التي تنتهجها الدولة، وينبغي أن تقضي على فكرة السيادة لكي تحقق ذلك. ولكي يتم القضاء عليها، فلن يكون هناك تماسك جدي على مستوى دولي، وعندما يتم ذلك يتسنى لعصبة الأمم تكريس جهدها لتناول الأسباب التي تؤدي إلى الحرب؛ إذ إن ما يترتب على السيادة يضيق الخناق على كل خطوة تخطوها في هذا السبيل. وإن لقوة البوليس الدولية، وإلغاء الطيران الحربي، واستخدام المقاطعة الاقتصادية ضد المعتدي؛ لكل هذا أثره في المصلحة القومية للدولة، كما أنها تستخدم سيادتها للحيلولة دون الوصول إلى أي حل بشأن مسألة من هذه المسائل. وطالما كانت الناحية الأساسية في عصبة الأمم تتطلب إجماعًا في كل الأمور تقريبًا، فإن حق كل دولة ذات سيادة في أن تدافع عما تراه يخدم مصلحتها لا يعني شيئًا على الإطلاق. وفي هذه الأثناء فإن أزمة الرأسمالية المتفاقمة ستولد جوًّا مشحونًا بالهياج، وسيترتب على ذلك أن الدول التي تدرك الخطر الداهم الذي تؤدي إليه الحرب، ستجد نفسها وقد انساقت إلى الاستعداد لها على أنها أمر لا بد من وقوعه.

والتدليل على ذلك أمر بسيط للغاية، إذ إن فروض الناحية الاستعمارية للتطور الرأسمالي تؤدي حتمًا إلى الحرب؛ ولذلك فمن البديهي أن النظام الدولي لا يتمشى مع ذلك، إذ إن هذا النظام لا بد له أن يناسب فئات العالم الاقتصادي الموحد. ولقد فاق ذلك الحدود التي قامت الدولة ذات السيادة بوضعها عليها، باعتبارها ناحية سياسية، ويجب على النظام الدولي — حتى يحقق فاعليته — أن يسيطر على التعريفة الجمركية، وعلى مستويات العمل والهجرة وإباحة المواد الخام والتغلغل في المناطق المتأخرة. ولكن من الواجب السيطرة على المصالح المكفولة القائمة، وهي المصالح التي تستخدم سلطة الدولة للدفاع عنها؛ وذلك للسيطرة على كل هذه النواحي، ولا يمكن السيطرة عليها في ظل العالم الحاضر؛ إذ إنها تنبع من العلاقات بين الطبقات في المجتمع الرأسمالي، وإن القوى التي تدافع عنها هي نفس القوى التي تدافع عن سلطة الرأسمالي في داخل المجتمع القومي الذي ينتمي إليه. وكما نجد أن الدولة ذات السيادة تدافع عن نظام الحقوق القانونية لضمان سموه (وذلك في المجال الداخلي)، نجد أن سلطتها تفرض هذا السمو على الآخرين، وذلك في المجالات الخارجية، وعندما تتغير العلاقات بين الطبقات نجد أنه في إمكان العداوات بين الدول أن تصل إلى حل جوهري، وإن حسن النية في العلاقات القائمة على هذا الأساس يمكن أن يؤخر ذلك الصراع، ولكنه لا يعني تفاديه نهائيًّا.

٣

تضافرت أمور عدة في فترة ما بعد الحرب لتثبت صحة هذا التفسير، فجميع الدول الفاشستية أو الشبيهة بالفاشستية كاليابان وألمانيا وإيطاليا تسعى إلى الحصول على مكاسب من المستعمرات، وهذه الدول جميعًا دول تتسم بالجدية في طابعها، ويواجه كل منها استياء داخليًّا تحاول الحكومة المستبدة إخماده لمصلحة الرأسماليين الذين تمثلهم هذه الحكومة. ويحاول كل منها اتباع سياسة خارجية لها فاعليتها لصرف الانتباه عن المآسي التي تدور داخل البلاد. وكل فرد يعرف جيدًا أن مثل هذه السياسة سيؤدي حتمًا إلى خوض غمار الحروب، كما أن مثل هذه السياسة يفرض القيود على النظام الذي يرمي إلى تحقيق السلام، ومن المستحيل إزالة هذه القيود والعلاقات بين الطبقات قائمة كما هي، إلا أن كل سياسة من هذا النوع نتيجة منطقية لرأسمالية اندفعت نحو اتخاذ سياسة التوسع حتى تنقذ نفسها من الكوارث التي ربما تودي بها. وإن التنظيم الحالي للعالم لا يتيح هذا التوسع إلا على حساب دولة أخرى، وهذه الدولة لا تتخلى بدورها عن الأراضي التي تحتلها خشية أن تزيد من مشاكلها الاقتصادية إذا فعلت ذلك.

ويدل على ذلك ظهور القومية الاقتصادية في بريطانيا في سنوات ما بعد الحرب. ولقد لاحت بوادر حركة دفاعية في إنجلترا إبان العقد الثامن من القرن الماضي، والتزم حزب المحافظين بهذه الأفكار تقريبًا منذ حملة مستر تشمبرلين التي قامت عام ١٩٠٣م، إلا أن هيئة المنتجين نددت بإصلاح التعريفة الجمركية في كل انتخاب منذ عام ١٩٠٦م، ونجد أنه في عام ١٩٢٣م، عندما حل مستر يلدوين البرلمان هزم هزيمة ساحقة، ولم تقتصر الحالة على هذا الوضع، فحتى في انتخابات عام ١٩٣١م التي اتصفت بالهياج، نجد أن زعماء الحكومة القومية قد أخذوا يؤكدون لهيئة المنتجين أنهم لم يطالبوا حكومة انتداب لحمايتهم والدفاع عنهم، ومن المؤكد أن حزب الأحرار لم يكن ليدخل في وزارة ائتلافية بهذه الشروط، إلا أنه في غضون شهور قليلة من تكوينها اختفى نظام التجارة الحرة، ولقد اتخذت خطوات عام ١٩٣٢م في مؤتمر أوتاوا لتحسين العلاقات الاقتصادية مع الإمبراطورية التي رفضت حكومات متعاقبة القيام بمحاولات إزاءها لمدة طويلة.

ولقد وضحت معالم هذا التطور، وجدير بنا أن نوليها شيئًا من العناية، وكانت بريطانيا الأمة الأولى التي استفادت من الانقلاب الصناعي، كما أنها أصبحت أول الأمم في العالم في الميدان الصناعي، وذلك في ظل التجارة الحرة، كما اعتمدت على صادراتها. ولتحديد هذه الصادرات عن طريق الحد من الواردات نجد أن ذلك يبدو للقائمين على صناعات القطن والصدف والحديد والصلب والفحم مجرد سياسة انتحارية.

ولكن بما أن بعض الأمم الأخرى قد وجهت اقتصادياتها من ميدان الزراعة إلى ميدان التصنيع نجد أنها قد قامت بحماية أسواقها المحلية لصالح المنتج المحلي كما هي الحال في الولايات المتحدة. ولقد بدأت بريطانيا تشعر بمنافسة البلاد الأخرى لها بالرغم من سيطرتها على هذه النواحي حتى قيام الحرب التي كانت عاملًا على زيادة حدة هذا الوضع زيادة خطيرة؛ إذ إنها لم تحدث ثورة في أمور التجارة فحسب، وإنما نجد أن مشاكلها قد أوجدت فكرة القومية التي عبرت عن نفسها في الميدان الاقتصادي. وعندئذ وجدت بريطانيا نفسها في وضع جعل الدخل الذي يمكن الحصول عليه من التعريفة الجمركية يتيح مزايا ثابتة لدافع الضرائب. وبينما تؤدي الخسارة في الصادرات إلى جعل سلطة القائم بأعمال التصدير أقل فاعلية مما كانت عليه في الماضي، نجد أن اهتمام المنتج المحلي لحماية نفسه من المنافسة جعل من الممكن إنعاش التوازن القديم لدراسة طابع التجارة في ظل البطالة بطريقة تجعل الأفراد لا يبدون أي استعداد لإدراك مغالطاتها كما كانت الحال في الماضي. ولم تعرض أية دراسة جديدة حول التعريفة الجمركية، إذ وافق رجال الأعمال على الوضع الذي ينادي بأن الظروف قد تغيرت بحيث تجعل من التجارة الحرة فكرة قطعة بالية ليس لها أي معنى كان. ومن الطبيعي أن تكون النتيجة هي تعريض الوضع الاقتصادي لهذه الدول مثل بلجيكا والدانمرك للخطر، إذ إن رخاءها يعتمد على دخولها في السوق البريطانية، وقد بين هذا التغيير مدى انسياق الشعب لتقديم اختصاصها التاريخي قربانًا للمثل الأعلى لحكومة الفرد التي يعتبر مدلولها ذلك التعارض بين قدرتنا على الإنتاج، وقدرتنا على التوزيع. وإني أرددها مرة أخرى إن ذلك التعارض يعد نتيجة ضرورية لنظام العلاقات بين الطبقات حيث يوجد المجتمع الرأسمالي فيه.

ويتميز عصرنا هذا بميزة ثالثة واضحة المعالم: وهي إجماع رجال الاقتصاد على الخطوات التي تهيئ مرحلة جديدة للنظام الرأسمالي واستحالة إعطاء التأثير الفعلي لما يوصى به، وذلك في إطار العلاقات القائمة بين الطبقات، ونحن في حاجة إلى أن نضع التحكم في القروض الأجنبية العامة في أيدي عصبة الأمم. وفي هذه الحالة يمكن أن نتفادى المصروفات الوهمية التي تنفقها الدول المدنية، ونتجنب محاولات الضغط، كما أننا في حاجة إلى خفض التعريفة الجمركية، كما أننا في حاجة إلى وضع نظام متفق عليه للنقد العالمي إلى جانب نظام يكفل لنا استثمار الأموال المحلية. كما أننا ننشد تحسين الوسائل التي يمكن بها الحد من الانسياق الشديد وراء المضاربات التي تستخدمها سوق الأوراق المالية، كما أننا في حاجة إلى إعادة تنظيم الوسائل الصناعية تنظيمًا دقيقًا. وينبغي علينا أن نحدد «باتفاق دولي» نسبة إنتاج المواد الخام الرئيسية، كما أننا نستطيع أن نضع أسسًا سياسية اقتصادية دولية تهيئ للرأسمالية درجة كافية من الإنعاش لرفع مستوى المعيشة، وذلك إذا سلمنا بفكرة صيانة السلام.

إلا أنه من الواضح أن مثل هذه السبل — كما دلت الخبرة التي مررنا بها منذ عام ١٩١٩م — ليست واضحة بالنسبة للبنيان الرأسمالي الذي تسوده المنافسة. أما المصالح المتاحة فلن تقدم على التضحيات الضرورية، فهي تعتمد على سلطة استخدام المشاعر القومية للمحافظة عليها في ظل هذه النظرة. ولقد تنبأ سير أرثر سلوتر بأن مؤتمر الحكومات العالمي الذي يسعى إلى تحقيق عمل اقتصادي يتفق عليه سيسبب من الضرر أكثر مما يسبب من الفائدة، وأن ما تنبأ به عام ١٩٢٥م قد أيدته حوادث عام ١٩٣٣م. والحقيقة هي أن نظام العلاقات بين الطبقات يرغمنا على تناول مشاكل المجتمع الدولي بوسيلة مستمدة من فترة مختلفة تمام الاختلاف، وليس من الملاحظ حقيقة أن تلك الوسيلة وذلك الهدف سيعجزان عن الوصول إلى إيجاد علاقة متناسقة؛ إذ إن كلًّا منهما على طرفي نقيض؛ لأن مشاكل النظام الدولي تتطلب إخضاع حصافة كل فرد في الدولة للخير العام، ولا يمكن تحقيق هذا الإخضاع طالما أن هذه الحصافة تعبر عن سياسة قد وضعت للاحتفاظ بمطالب المصالح المكفولة؛ إذ إنه إذا ظهرت هذه الحصافة، فيجب أن يكون لديها من الوسائل ما يحقق هذه الأهداف. ومعنى هذا أن نزع السلاح والنظام الاقتصادي القائم مثل يتعارض تعارضًا تامًّا. والمتحمس الذي يرى أنه ليست هناك أية أمة ترغب في الخوض في غمار الحروب، والذي يرى أن الطريق المؤدي إلى تحقيق نزع التسلح يجب أن يكون طريقًا مستقيمًا يتجاهل الحقيقة التي تذهب إلى أن النظام الاقتصادي منظم، بحيث إن كثيرًا من المزايا لا يمكن ضمانها مستقبلًا بدون قيام أي صراع. وطالما كانت الحالة على هذه الصورة وجب على الخبراء العسكريين والبحريين في كل دولة المطالبة بالأدوات التي يرونها ضرورية للاحتفاظ بهذه الامتيازات. وليس هناك شيء أكثر من هذا الشرح تظاهرًا للنفاق والرياء اللذين سادا مؤتمر نزع التسلح الذي عقد عام ١٩٣٢م. والشيء الذي نستطيع توضيحه أنه بينما كانت الدولة تبدي استعدادها للقيام بنزع السلاح لم تكن مستعدة للتخلي فعلًا عن سلاحها لقيمته في الصراع من أجل السلطة، وإن نزع التسلح معناه الثقة في قدرة العقل على الإقناع، وإذا وثقنا في قوة العقل فمعنى ذلك التخلي عن الحصافة التي لا تتسم بالمسئولية. والمجتمع الدولي يتطلب هذا التخلي ليكون له فاعليته، إلا أن ذلك يعد تناقضًا في طبيعة النظام القائم.

نعم، إن هذا التناقض مائل في النواحي الداخلية والخارجية على السواء، أما بالنسبة للناحية الداخلية فنجد أنها تسعى وراء إيجاد وسائل أخرى لإشباع الجماهير طالما كان البنيان الطبقي للمجتمع ينكر مطالب الأفراد لتحقيق الرفاهية والخير العام، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق الاستغلال في الخارج. أما من الناحية الخارجية أيضًا فنجد أن عليها أن تحافظ على حقها في السيادة؛ وذلك لكي تدافع عن دعواها في الاستغلال، حتى يتسنى لها إنكار حق الاحتكام إلى العقل في أن يكون له الأسبقية. ويمكن إدراك الرأسمالية من الناحية المجردة، ولكن لا يمكن عمل التعديلات الضرورية في مثل هذه الفروض.

ويتطلب المجتمع الدولي تخطيطًا عالميًّا اقتصاديًّا حتى يتسنى له استخدام مواردنا استخدامًا يكون له أكبر الأثر، ويقتضي هذا التخطيط أن تسود أكبر المصالح، ومن ثم فإن الاحتكام إلى العقل يعتبر المنفذ الوحيد لحل المشاكل التي تواجهنا، إلا أن الأفراد لا يثقون في العقل عندما تقترن مصلحتهم بإنكار هذه المطالب؛ إذ يعد ذلك بمثابة سيطرة فئة قليلة على الجميع، وينتج عن مثل هذه الأحوال — ولا سيما عندما نطالب الأفراد بالتخلي عن هذه الامتيازات — أن يعجز العقل عن أداء واجبه، وأقول: «يعجز»؛ لأننا نكتشف في العلاقات القائمة بين الطبقات أن هؤلاء الذين يسيطرون على هذه النواحي هم أولئك الأفراد الذين يرسمون السياسة العامة، وهم في الواقع أصحاب الوسائل الاقتصادية. وعندئذ لا يمكن للعقل الدفاع عن وضعهم ما لم توضح الحقيقة التي تذهب إلى تلك الامتيازات الخاصة تعد أمرًا ضروريًّا يهم الخير العام. وهناك امتيازات اقتصادية خاصة في الدولة الحديثة يمكن الدفاع عنها على هذا الأساس.

يحتكم الأفراد إلى العقل عند وجود مصلحة مشتركة نتيجة لما يقوم به من عمل؛ إذ عندما يتعرض النظام الدستوري للخطر (وهو النظام الذي تستمد منه هذه الإجراءات معنى خاصًّا) نجد أنهم ينكرون عليه الحق في أن يسمعه المسئولون. ويتمثل في هذا الأمر تاريخ الإصلاحات الاجتماعية التي قامت في الماضي، كالقضاء على العبودية والتسامح الديني، وحق المرأة في الانتخاب، والاعتراف بالنقابات. كما يمكن تطبيق هذا على الجهود التي تبذل في إضفاء الناحية الدستورية على مدلولات المجتمع الدولي. فمدلولاته خليط عجيب من تلك المتناقضات التي تكمن في النظام الطبقي للرأسمالية. ومن الممكن أن تؤدي عملها طالما أن الأمن يسود المجتمع، وفي الإمكان التمتع بذلك الأمن طالما كان هو الثمرة التي يجنيها أفراد هذا المجتمع، إلا أنهم لا يعتقدون في أنها النمرة الواضحة إذا كانت النتائج التي تنتج عنها تبدد الامتيازات الخاصة التي يعلقون عليها أهمية كبيرة؛ إذ ليس هناك شيء يذكر بصدد عجزهم عن الدفاع عن حقهم في إثارة الحرب، فربما ثاروا بأن مصلحتهم القومية قد تعرضنا للخطر، وربما دللوا على ذلك بأنهم يدافعون عن مقومات الحضارة للوقوف أمام البربرية، كما أنهم يصرون على أنهم يحافظون على الالتزامات المقدسة للعقد التاريخي، ويحاولون إنكار الحقيقة التي تقول: إن الحرب هي الحرب، فهي في نظرهم استعادة للنظام في سبيل الدولة التي يتصارعون معها، ولقد عرفنا كل هذا، ولكن طالما أقيم مجتمعنا على النظام الطبقي الراهن، فليس هناك من سبب يوضح لنا عدم ضرورة معرفتها مرة أخرى. إلا أن تلك البراعة لا تخفي حقيقة كونها مصلحة اقتصادية خاصة تستخدم سلطة الدولة للدفاع عن هذه الامتيازات الخاصة.

وينبغي لنا أن نعرف — في هذا الإطار العام — جميع الاقتراحات على أساس فكرة الضمان الجماعي في عصبة الأمم، فلقد تضمنت هذه المقترحات توحيد المصالح بين الدول ضد المعتدي، إذ من القضايا المسلم بها أن كل دولة تنشد السلام والاستقرار، بل إنها تتعاون مع الدول الأخرى في سبيل صيانة السلام أو استعادته. غير أن الطريقة التي يتم بها تناول هذا الأمر كانت طريقة مجردة؛ إذ لم تدخل في اعتبارها معنى التناقض القائم بين النظام الاقتصادي الراهن الذي يحاول جاهدًا الخروج إلى حيز الوجود والنظام السياسي الذي يقف في سبيل خروجه. وكان الهجوم الذي شنته اليابان على منشوريا بمثابة عمل عدواني كهذه الأعمال العدوانية التي تتطلب فرض العقوبات بمقتضى النظام الجماعي، لا أن أحدًا من الدول الكبرى لم يبد أي استعداد لفرض أقل عقوبة من هذه العقوبات. ولقد نددت دول كثيرة باليابان من الناحية الإدارية، إلا أنها شعرت بما سيكون لها بعد بسط حمايتها على منشوريا — بأن هذا الحق يعتبر أكثر من مجرد تعويض كافٍ لقرار عقيم اتخذته عصبة الأمم. كما أن المجهود الذي بذلته ألمانيا الهتلرية — عن قصد — للقضاء على استقلال النمسا قد أفزع قلوب الدول الأوربية، بيد أن المساعي الحميدة التي اتسمت بالعناية والحرص قد اتخذت للحيلولة دون إثارتها في جنيف؛ إذ إن كل دولة قد ارتعدت فرائصها من فكرة فرض عقوبات ضد اعتداء ألمانيا. وليس من السهل أيضًا أن نتصور إقدام فرنسا أو إيطاليا على تنفيذ العقوبات المنصوص عليها ضد الحلفاء التابعين لها؛ إذ معنى فرض هذه العقوبات هو القضاء على الأهداف التي قامت هذه الأحلاف من أجل تحقيقها. وتتضح أهمية الوسائل التي استخدمت في هذا الصدد، إلا أن أهميتها هي التي جعلت من فائدتها أمرًا مشكوكًا فيه في داخل نطاق النظام القائم، فاستخدامها معناه الموافقة على أهداف المجتمع الدولي، وتتمثل في إخضاع كل وسائل السياسة لتحقيق السلام، هذه الوسائل التي أنكرتها العادات الكامنة في النظام الاجتماعي القائم. وهل تنتظر في حالة نشوب حرب بين روسيا وألمانيا أن تقوم بولندة ورومانيا بتنفيذ عقوبات اقتصادية ضد أي معارض يكون له من السلطة ما يمكنه من توجيه ضربة قاضية لسلامته، حتى إذا وعدت عصبة الأمم بحمايته، ربما تقوم بضمان التعويضات عما يحدث من إصابات. إلا أن جمع التعويضات من ألمانيا لم تكن بمثابة باعث على الأمل، وعندئذ نستطيع اعتبار سياسة الحياد سياسة تجذب أنظار أية دولة لم تدخل في خضم أي صراع كان.

٤

وأعتقد أن الطريق المؤدية إلى نظام دولي فعال تكمن في إعادة إقامة علاقات بين الطبقات في المجتمع الحديث. وكلما اتبعنا هذه السياسة قلَّت المصلحة التي تحاول الدول اتباعها في سبيل اتخاذ سياسة استعمارية، وأن تطوير قوة المجتمع الإنتاجية (حتى يتيسر للأفراد المشاركة بالتساوي في الثمار التي تجنيها من القوة الإنتاجية) معناه الحيلولة دون توجيه السلطة السياسية لخدمة عدد قليل من الأفراد. وعندئذ لن تصبح السيادة مجرد ستار لهذه المصالح، كما لم يعد توجيه استثمار رءوس الأموال مجرد وسيلة من وسائل الاستغلال في الخارج، بصرف النظر عن الاحتياجات المحلية. وتعبر العلاقات الخارجية عن الروابط التجارية التي لا تستلزم الطابع العسكري في سياسة تقوم على المثل الأعلى لإمبراطورية اقتصادية. ونجد المجتمع في الدول الاشتراكية وقد أصبح في وضع يسمح له بالنظر في مشاكله الاقتصادية على أساس من تبادل المنفعة والعيش في وئام؛ إذ إن مثل هذا المجتمع يمكن أن يضع الخطط التي يسير عليها بطريقة متماسكة مترابطة، ولم لا؟! ولم تؤرقه بعد أمور الهيبة والكرامة التي تكمن في العلاقات القائمة بين الطبقات في النظام الرأسمالي، ونجد ذلك المجتمع وقد أصبح هدفه الوحيد هو تحقيق السلام، طالما لم يغير من ولائه له تأثير السيكلوجية الوطنية التي اضطر المجتمع الرأسمالي إلى إيجادها للإبقاء على هذا المجتمع والمحافظة عليه. ولا نستطيع أن نضع نظامًا تعاونيًّا على مبادئ تقوم على أساس استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.

ولقد قيل إنه لا يمكن أن تكلل بالنجاح مثل هذه الحركة التي تهدف إلى تغيير العلاقات بين الطبقات، إلا إذا نظمت مقومات النظام الدولي تنظيمًا فعالًا، بيد أن معنى ذلك الافتراض أن في الإمكان تحقيق مثل هذا النظام داخل إطار المجتمع الراهن، فإذا صح هذا التحليل فإن ذلك الافتراض يعد أمرًا مستحيلًا. والسلام بطبيعته عند الرأسمالي بمثابة فترة هدوء بين الحروب؛ إذ إن العلاقة بين الرأسمالية والدولة القومية تعد علاقة يترتب عليها على مر الأيام قيام صراع ما؛ ولذلك فإن الواجب الملقى على عاتقنا إذا كانت نيتنا في تحقيق السلام نية حقيقية هو أن نسعى وراء تغير المجتمع الرأسمالي على أنه من مستلزمات تكوين مجتمع دولي يؤدي عمله على أكمل وجه.

ويكفل لنا هذا التغيير وحده التخلي عن فكرة السيادة في شكلها هذا؛ هذه الفكرة التي تسدد ضربة هائلة لفكرة السلام على أساسها. وعندئذ يتاح لنا وضع مصلحة المجتمع الدولي في مرتبة تعطي له معنى؛ إذ إن المجتمع القائم على المساواة لا يتطلب أية وسيلة من وسائل الاستعمار، وهذه هي النتيجة المنطقية لعلاقات الملكية الكامنة في النظام الرأسمالي.

وليس هذا الأمر أقل وضوحًا في التاريخ الاقتصادي للولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا عنه في الأنموذج القديم للإمبراطورية البريطانية، فالاستعمار يعد دائمًا وسيلة للدفاع عن الامتيازات الخاصة التي تتعرض للهجوم، وذلك بتهوين تلك الامتيازات أمام الجماهير، وعندما نتجنب هذه الضرورة فإن عملية استثمار رءُوس الأموال يمكن النظر إليها نظرة أصيلة، كما أننا ننظر إلى الرخاء العام نظرة جدية. ويمكن أن نطبق ذلك على التعريفة الجمركية والمواد الخام والمشاكل السيكلوجية الخاصة بالهجرة، وفي مقدور النظام العالمي الذي يشمل المجتمعات الاشتراكية أن يصل إلى حل لهذه المشاكل بعزم وتصميم أكيدين، مؤمنًا بأن الاحتكام إلى العقل هو السياسة التي ستسود.

ولقد قام المجهود الذي بذله دعاة السلام على النظرية التي تقول: إنه إذا كان الساسة قد اتسموا بمزيد الإرادة والتصميم والقدرة، لكنا قد تجنبنا الفشل الذي منينا به وعانينا منه في سنوات ما بعد الحرب؛ إذ ربما خففوا من هذا الفشل، ولا أعتقد أنه كان في إمكانهم تفاديه؛ إذ لم تكن القرارات التي اتخذها الساسة مجرد أحكام مجردة عن مبدأ من المبادئ. إنها قرارات قد اتخذت في عالم تحدده القوى المادية المتشابكة، وربما نجد في العالم الذي نعيش فيه أن أية محاولة للتأثير في السلوك الذي تفصح عنه اليابان — وذلك بسحب سفراء الدول الأعضاء في عصبة الأمم — قد تشعل فتيل الحرب. ومن المؤكد أن مثل هذه الحرب سيساندها الرأي العام، ولم يؤكد النقد الذي عرضه سيرجون توماس به في سبيل العصبة لم يؤكد الحقيقة التي كانت قد عجلت بإظهار الصراع الذي ربما يودي بالعصبة نفسها. وربما كان بعض النقاد على صواب في اعتقادهم من أن السياسة المنتهجة تعتبر سياسة أكثر تخويفًا من الحقائق الراهنة، إلا أن مثل هذه المخاوف التي يشكون منها تعد من جوهر الجو السيكلوجي الذي أوجده المجتمع الرأسمالي. ولخلق جو من الجرأة والإقدام اللذين ينشدهما دعاة السلام وجب إيجاد جو حيث تجد كل دولة تلتزم بارتباطاتها طبقًا للميثاق، تجد نفسها وقد ساندها الأعضاء تلقائيًّا.

والطريق الذي يؤدي بنا إلى تحقيق السلام هو نفس الطريق الذي يحقق لنا الديمقراطية الاقتصادية. وليست هناك طريقة أخرى لإقامة منظمة اجتماعية على أساس الاحتكام إلى العقل والالتجاء إلى العدالة، كما نجد أن السلطة التي تتاح للطبقة التي تتمتع بامتيازات خاصة، والتي تمتلك أدوات الإنتاج تحدد عادات الدولة، وهي بدورها تستخدم تلك السلطة في الميدان الدولي للعمل على تماسكها وتدعيمها، وحينئذ تصبح الرغبة هي التي تهيمن على المبادئ ويسخر العقل في سبيل الهيبة والكرامة. وربما حاول مثل هذا المجتمع أن يقوم بتطبيق مبادئ العدالة، ولكنه لا يستطيع أن يتفادى تمشي فكرة العدالة مع المحافظة على تلك السلطة. وكما ذكرت فإنها تؤدي عملها في ميدان العلاقات الدولية كما تؤدي عملها نحو مواطنيها. وإن تمشى الحق مع المصلحة لا ليدفعها إلى العدول عن التغييرات الخارجية الضرورية بنفس الطريقة التي تدفع بها لتأخير إجراء التغييرات الضرورية؛ فإن تغيير نظام الملكية هو الذي يغير من النواحي السيكلوجية التي تقف في سبيل إقامة نظام اجتماعي سليم.

ويجدر بنا في هذا المجال أن نضيف قائلين: إن اصطلاح الاشتراكية واصطلاح الاستعمار الاقتصادي اصطلاحان متعارضان، إذ إن الاستعمار الاقتصادي لا يؤدي عمله إلا في ظل السلطة العسكرية. ويعتبر ثمن هذا الحائل الأساسي الذي يقف في طريق المصروفات التي تنفق على الإصلاح الاجتماعي، ويمكن لنا أن ندلل على أنه منذ أن دأب المستعمر على توجيه الفكر القومي لدى الأفراد إلى ناحية أخرى غير الإصلاح الاجتماعي، نجد أن المصالح المكفولة التي يجب أن يشن الإصلاح الاجتماعي هجومه عليها قد وحدت الطريقة التي بها يمكن الدفاع عن هذه المصالح في تطوير الاستعمار، وذلك هو السبب في أن الملاك في الأحياء القذرة متحمسون لتوسيع رقعة الإمبراطورية. إلا أن السم أكثر نقاعه من هذا، فكلما تزايدت المصالح الاستعمارية قلت حصانة العادات الديمقراطية، ومن النادر اتصاف مشاكلها بالحساسية بالنسبة للهيمنة الشعبية كما يتضح لنا عندما تسعى حكومات أحزاب اليسار وراء تحرير عمل سياستنا في كينيا أو في الهند، كما أنه من الصعب تفادي فكرة الاستمرار سواء أكان في الأفراد أم في الآراء، وذلك من الخوف الذي يبين أن الانقسام في ميدان التقاليد ربما يودي بهيبة الأمة في الخارج، إلا أن تجنب الانقسام في ميدان التقاليد قد أجبر بعض المسائل الضرورية العامة على الانسحاب الفعلي من نطاق الهيمنة الشعبية في المجتمع القانوني، وهذا الإجراء يضيق الخناق بدوره على الأساس القائم بين الأحزاب، ويدعم من سلطة الهيئة التنفيذية، وذلك بتحريرها من المخاطر التي تثيرها مذاهب نقد المبدأ، وتوجد المنافذ التي ربما أدت بنا إلى أن تكون مفاتيح الهند في لندن نفسها كما قال وزرائيلي، إلا أن الأمل يلوح مرة واحدة في العالم للمواطن الهندي عندما ينظر مجلس العموم في الأبواب التي يجب الولوج إليها.

ويتضح لنا في مثل هذه الظروف نتيجتان: إذ نجد حكومة الحزب وقد اعتراها الضعف من جهة، ولكن يصحب ذلك مبدأ دافع للحكومة النيابية، ولقد أوضح مستر ج. أ. هوبسن كيفية الحد من الجهود التي يبذلها حزب الأحرار للسعي وراء بعض الشروط مع الاستعمار، على أنها مذهب منفصل. ولقد كان ذلك مدعاة لإمكان إدماج الحزب بالمحافظين، هذا إلى جانب السعي وراء الأهداف الاستعمارية المشتركة. وهناك اختلاف بين الأحزاب حول المسائل الخاصة بالسياسة التوسعية أو الأجنبية، إذ كلما تماسكت فكرة الاستمرار وازدادت قوة قلَّ توجيه النقد العام، وكان من نتيجة ذلك أن السيطرة البرلمانية لكليهما قد أصبحت أكثر من مجرد تصوير رفيع، ولكن عندما أصبح الاشتراكيون الحزب الثاني في الدولة، انساقوا إلى قبول فكرة الاستمرار، ومن ثم الرضوخ لمشيئة الاستعمار، أو إلى مقاومته، وذلك بالهجوم على الضمانات الأساسية لتلك المصالح التي أتيحت لهم، والتي كانوا يحاربونها، إلا أنهم إذا ربطوا بين الاشتراكية والديمقراطية في مناطق التوسع كما في الهند مثلًا نجد أنهم دفعوا تلك المصالح إلى وضع يشوبه الشك والريبة حول الافتراضات الديمقراطية. وحيال تطور العادات في الشئون الخارجية والشئون التوسعية تجد تلك المصالح طريقها دون مقاومة تذكر، كما أن لها أثرها في المجال الداخلي، ولكن إذا كان معنى الديمقراطية الاقتصادية هو نهاية الاستعمار والتوسع، فمن الطبيعي للمستعمر أن يفكر في نهاية الديمقراطية.

ولهذا الاشتراك أهميته، فهو يوضح مدى عمق الثغرة التي أوجدتها عادات الاستعمار في الاتحاد القومي؛ إذ إن النظام الذي تحتاجه للدفاع عن مثل هذه الأمور هو النظام الذي ينكر فكرة المساواة التي يؤكد النظام الديمقراطي جوهرها. وليس من الصعب على المجتمع الذي ينكر المساواة على أفراده في الداخل أن ينكرها في الخارج أيضًا، وعندما نقوم بذلك، نجد أنه يعني ضرورة القيام بالتأمل في مطالب الشعوب الأخرى بنظرة مخالفة، وعلى مر الأيام نجد أن ذلك يؤدي إلى تناولها بعدم اكتراث، ومعاملة الاستعمار لأهالي البلاد وأجناسها توضح ذلك. ومن اليسير إذن أن ننظر إلى الأفراد جميعًا بعين ملؤها الازدراء ما دمنا نحتقر الحقوق البشرية. ومن الأهمية بمكان أن نذكر على سبيل المثال أن علم الأحياء المزيف الذي بدأ بوضع الجنس الأبيض في مرتبة سامية قد استمرَّ في ذلك، وأكد سمو الأغنياء البيض على الفقراء البيض، ولقد استخدم ذلك للهجوم على حقهم في الإصلاحات الاجتماعية. ويعد ثمن هذا وما ينتج عنه (وذلك واضح كل الوضوح في ميدان التعليم) تهديدًا لوضعهم ولما يتمتعون به من امتيازات خاصة، فكلما تخلصت محاولات الضغط التي تقوم بها القوى الاستعمارية من تهديد للسيطرة الديمقراطية وما بها من وازع لإصلاح اجتماعي، أصبحت الفرصة سانحة لتنفيذ بعض الأعمال العدوانية حيث نرى فيها مجالًا للحصول على الأرباح، ولكن كلما اتجهت إلى الأمام، قلَّت الفرصة التي تتصارع فيها صور الاستعمار ومن ثم عظم الصراع بينها، وعندما يوشك هذا الصراع على الوقوع نجد — كما تعلمنا في السنوات التي سبقت عام ١٩١٤م — أن الاستعداد له قد أصبح على قدم وساق، سواء كان ذلك من الناحية العسكرية أم الاقتصادية أم السيكلوجية. وأصبح السلام في هذا الإطار بمثابة فترة هدوء، ولكنها فترة تتسم بالاضطرابات، كما أننا نجد أن الأفراد الذين يفقدون حبهم لها قد يساقون إلى القيام باستعدادات لحرب لا بد من وقوعها.

ويمكن وضع هذا في صورة مقتضبة تقول: إن التوسع الاستعماري يتطلب نواحي عسكرية للدفاع عن الغزوات التي يقوم بشنها، كما أن ترابط هذه الأمور يجعل الأنظار القومية تحيد عن المسائل الداخلية العاجلة، وإذ ذاك ينفق دخل الدولة في سبيل أشياء جامدة غير مثمرة، وأكثر من هذا أن الاحتفاظ بهذه النواحي يتطلب استمرار السياسة في المناطق التوسعية، وفي مجال الشئون الخارجية. ويظهر هذا بصورة متزايدة إلى حيث يتمثل في غايات السيطرة الديمقراطية، إلا أن ذلك بدوره يوجد ناحية ملحة في مطالب الديمقراطية في المجال الداخلي. وإن إلحاح النظام الديمقراطي على تلك الاحتياجات يؤدي إلى زيادة الريبة والشك في صحة الافتراضات الديمقراطية، ولكن عندما ترسخ هذه الافتراضات بعيدًا عن الميدان الرسمي للسياسة تظهر المقاومة، وإن نتيجة هذه المقاومة (حين تتمشى الظروف مع رد الفعل) هو الاستبداد في أي صورة من صوره المختلفة. وإن هذا الاستبداد حين يتحرر من القيود العقيمة للديمقراطية يصير أكثر انطلاقًا وتحررًا لاتباع الأهداف الاستعمارية، وهي تدفع إلى السير في هذا الطريق حتى تبعد الأنظار عن المآسي الداخلية، إلا أن الأهداف الاستعمارية تصطدم مع تلك الأهداف التي تنافس فيها دولة أخرى، وهكذا نجد الدول (كما جرت العادة مع الدول التابعة) وقد سارت في الطريق المؤدي إلى الحرب.

وإن الصراع الذي تدور رحاه بين الاستعمار والديمقراطية في كل من إيطاليا وألمانيا لمثال مثير للحد — المقصود — من المساواة في المجال الاقتصادي من أجل المحافظة على الامتيازات الخاصة التي تتمتع بها طبقة صغيرة، وهم يقدمون دعوى عدد كبير من الأفراد قربانًا لمطالب الملكية. وعندما توطد هذه الطبقة مركزها نجدها وقد بدأت تفكر في الثروات التي ربما تضع يدها عليها، ويتاح لها ذلك إذا ساندت القوة العسكرية السياسية الأجنبية الفعالة، ولم تكن الصدفة هي التي جعلت ألمانيا الهتلرية تنظر إلى أوروبا الشرقية بقصد الحصول على مكاسب في الأراضي، هذه المكاسب التي ربما تكسب شعبها صفة الهيبة والكرامة، وهناك مكاسب اقتصادية في تلك السياسة التي ربما تبرر من شطحات المقامر. وليست الصدفة أيضًا هي التي جعلت إيطاليا الفاشستية تتطلع إلى الطاقة الموجودة في إفريقية، والحرب هي ثمن هذه الأحلام التي تداعب خيالهم، ويحين الوقت دائمًا عندما تقترن هيبة الحالم بتحقيقها، حتى إن الأمر الآخر يكمن في دفع هذا الثمن والإطاحة به، ولا يتردد في الاختيار بين النواحي الأخرى.

ولا يختلف تاريخ الدول الأخرى عن هذا، ونجد أنه حتى في بريطانيا والولايات المتحدة حيث جذور تقاليد الأحرار متأصلة، نجد بعض الشكوك التي تدور حول الديمقراطية، إذ إن تهديد الديمقراطية للامتيازات الخاصة قد تتزايد معالمه وضوحًا؛ لأن قدرتها على التغلغل في الأسواق الجديدة قد أخذت في التدهور، ففي كل منها نجد أن سيطرة الدولة عن طريق المصالح الاستعمارية تسمم الجو الدولي. ونحن نجد مثالًا لهذا في المنافسة البحرية القائمة بين إنجلترا وأمريكا، كما يتمثل الوضع في الصعوبات القائمة في مؤتمرات نزع السلاح والمؤتمرات الاقتصادية العالمية. ومن الأهمية بمكان أن نذكر أن الممثلين الأساسيين للإمبراطورية في هاتين الدولتين هما ألد أعداء الاشتراكية، ومن الأهمية أيضًا أن نذكر أن الهجوم على الديمقراطية في بريطانيا — ولا سيما في الميدان الاقتصادي — قد شنه أفراد في الستين أو السبعين سنة الأخيرة، أفراد تشربوا بطابع العادات الاستعمارية، وينادي المجتمع الاستعماري الذي أقام دعائمه على الدعوى الضمنية لسيطرة العنصر السامي على العنصر الأدنى، ينادي بأن حقوقه تعد بمثابة وظيفة لسلطته التي تجعل الجميع يطيعون بإرادته. وهذا هو المنطق الوحيد الذي يدركه هذا المجتمع، ولكن إذا بدأنا الرحلة من هذا الافتراض وجدنا أن ذلك يتطلب وجود مدلولات فكرة السيادة حتى تجعل من قضيته قضية صائبة، وعندما لا يتسم بالحصافة، عندئذ لا يحق لها أن تكون الحكم في قضيتها. وعندئذ تظهر بوادر القوة، ويعني ذلك أن الهدف الذي ترمي إليه السيادة قد أصبح باطلًا بالنسبة للدولة، وتفسح المجال أمام مطلب أعلى مما تطيقه مصلحتها، إلا أن ذلك يعني إنكارًا لمنطق الاستعمار الذي يحاول أن يضع الحق في مرتبة واحدة مع القوة، وذلك بدافع من نفسها. إلا أن هذا الدافع الداخلي هو الدافع الذي تحاول الفروض القانونية التي يقوم المجتمع الدولي عليها أن ترفضه وتنكر وجوده.

واعترف بذلك كثيرون من هؤلاء الذين لا يتطرق إليهم أدنى شك بشأن تحقيق نظام دولي فعال، ولقد كان المقصود من بروتوكول جنيف الذي عُقد عام ١٩٢٤م هو أن يجعل فرض العقوبات ضد أية دولة تحاول خرق ميثاق عصبة الأمم أمرًا تلقائيًّا. ولقد أجمع أعضاء الجمعية التابعة لعصبة الأمم على هذا الرأي، إلا أن الحكومة البريطانية قامت على الفور برفض التصديق عليه، إذ عندما تفعل ذلك فمعناه التخلي عن حقها في تحديد الوقت الذي تراه مناسبًا لتنفيذ مثل ذلك الأمر، ولكن ما هو النقد الذي يوجه إلى هذا البروتوكول؟

كتب سير جون فيشر وليامز يقول: «لا يشك أحد في الخبرة التي مر بها واضعو البروتوكول ونواياهم الطيبة، ولكن يكاد يبدو أنهم قد وزنوا بعض الأمور حيث وجب الوصول إلى اتخاذ بعض قرارات دولية، ولا سيما القرارات الخاصة بتطبيق عنصر القوة، ولكن ما هي هذه الأمور أو تلك الشروط؟ يقترح سيرجون أن ما يمكن عمله هو وضع مبادئ، وتوضيح هذه المبادئ، كلما أمكن، والثقة في إيمان المسئولين الذين يجب عليهم تطبيق هذه المبادئ عندما يحين الوقت.»

وما من شك في أن مدلول ذلك واضح كل الوضوح، فالشروط الإيجابية هي أن لا يمكن الوصول إلى اتفاق دولي؛ إذ إن الدولة يُطلب منها التخلي عن سيادتها، ولكن عندما يقع أي عمل عدواني يجب أن نضع ثقتنا في ذلك الإيمان الحق بالساسة؛ لكي يقوموا بتطبيق المبادئ العامة التي يلتزمون بها التزامًا أدبيًّا، إلا أن ذلك يعد درسًا واضحًا من دروس التجربة التاريخية التي تقول: إن الإيمان بالساسة كثيرًا ما تتفاوت شروطه، وإن ذلك يتحدد تبعًا للملابسات التي يجدون أنفسهم فيها، فإن الإيمان الحق بالساسة الذين يؤولون التزاماتهم تأويلًا عادلًا بالنسبة للبلجيك عام ١٩١٤م هو إيمان يمكن تأويله تأويلًا مضادًا. أما نظرة اليابان لالتزاماتها في ظل ميثاق عصبة الأمم واتفاقية باريس، فلا يزالان يرتبطان بمسألة اغتصاب منشوريا، ولم تتردد إيطاليا في إلقاء قنابلها على كورفي عندما بدا لها أن هيبتها قد أظهرت شيئًا من هذا القبيل. ولقد قيل: إيمان السياسيين كشرط بمنع استخدام الغازات السامة في الحروب، إلا أنه من المعروف أنه لا توجد أية دولة عظمى لم تشترك في مثل هذه التجارب، وإذا نظرنا إلى الموقف الذي تتخذه ألمانيا تجاه النمسا، وإيطاليا تجاه ألمانيا، واليابان تجاه روسيا، فإننا لا نبالغ عندما نقول: إن الاعتماد على ذلك كإجراء للمبادئ الدولية يكاد يبعدنا عن غاية قمنا بوضعها.

إن الاعتماد على الإيمان الحق وهدف الحقيقة اعتماد على العقل، وقد قيل: إن في إمكاننا أن نظهر عدم جدوى الحرب لا أننا نستطيع أن نظهر من الناحية التاريخية أن اتخاذها كوسيلة يعد أمرًا ضارًّا بالنسبة للغالب والمغلوب؛ إذ لا تكثر متاعبها فحسب، وإنما تفتح الباب أيضًا على مصراعيه لقيام ثورة — كما هو الحال في روسيا — ثورة بما أودت بنفس الشخص الذي اعتمد عليها. وإذا وأضحنا المساوئ التي تلحق بنا من جراء الحرب فسنحاول إقناع الأفراد على مر الأيام، بعدم جدواها كوسيلة من وسائل السياسة القومية، إلا أنه ينبغي لنا أن نستمر في الحديث عن الشروط التي تكلمنا عنها، فإذا تعديناها كما في بروتوكول عام ١٩٢٤م، فمعنى ذلك أننا اتجهنا نحو المثالية المجردة التي تقضي على الأهداف التي وُضعت من قبل.

إلا أن الشروط التي مُنحت لنا هي شروط تحدد سلطة العقل التي تؤثر في تفكير الأفراد، وهي بمثابة علاقات تقوم بين طبقات مجتمع لمجتمع اقتصادي يخضع العقل للمصلحة، وإذا وثقنا بسلطة العقل وسيطرتها على أصحاب العبيد، فلن يتاح لنا أن نقضي على العبودية، فإن النظام الطبقي يقيد بعض الأفراد في ظل ظروف معينة، ولن يستميلهم إلى التنازل عن مكاسبهم إذا وجدوا أن الفرصة سانحة لحماية امتيازاتهم عن طريق الحرب، وأن الضعف الذي يعتري النظرية التي تساند العقل هو الضعف الذي ينادي بأن الملابسات التي يعمل العقل فيها بنجاح لم تكن موجودة في النظام الذي نعيش في ظله.

إذ إن «عقل» يجب أن يؤدي عمله في جو مشبع بالسم الزعاف، ويحدد ذلك عمل المصالح المعنية بالأمر؛ لتكون لها طريقتها دون النظر إلى الثمن الذي سيعود لقاء ذلك. إنه جو يتعذر فيه الوصول إلى بعض الأخبار الحقيقية، ونحن نجد أن نظمنا التعليمية قد أصبحت ملائمة، وهي تجعل الجماهير تؤمن بأن المعلومات التي لا تتمشى مع العقل لا حول لها ولا قوة، كما نجد أن الآراء التي تميز بها عالم ميكيافلي وهوبر قد أتيح لها التغلغل في النواحي الدبلوماسية. ويجب علينا ألا ننسى — في تأكيدنا هذا لعمل العقل — أن عالم العلاقات الدولية قد أقيمت دعائمه على القول المأثور الذي نادى به بيكون من أن «هراء السلطة يتمثل في تفكيرنا في تحقيق الغاية دون تحمل مشاق الوسائل التي تؤدي إلى تحقيقها.» ولقد ذكر اللورد جراي للأميرة ليبفن قانون الإصلاح وقال: «إنه يعشق الفضيلة في الجهر وفي الخفاء.» إلا أن مجريات الأمور في الأمم لا يمكن أن تحددها هذه القاعدة، ولقد صدق اللورد أكنتون حين قال: إنها نظرة قديمة قدم التاريخ، وإن المرتبة التي نعطيها للعقل في الشئون العامة ستعتمد على مدى حبنا وتعلقنا بالهدف الذي يقول: إن العقل يجب أن يبرره.

إن العالم الذي نعيش فيه هو عالم تتساوى فيه الحروب التي تخوضها الطبقات في مجتمعنا الراهن مع الحروب التي تخوضها الدول التي تبرر الصراع الدائرة رحاه في العالم الخارجي. ويمكن لنا القضاء على هذا العنصر الأخير عند القضاء على العلاقات، أما العنصر الأول ففرصة الظهور أن آراءنا بشأن الحقوق الدولية ستكون انعكاسًا للملابسات التي تحددها هذه العلاقات. هذه هي أهمية تقدمنا البطيء نحوها تحقيق المثل الأعلى للرعوية وهو المثل الذي يعتبر هدفًا طبيعيًّا نضعه نصب أعيننا. وكلما زادت وحدة الصراع الداخلي بين الدول الأعضاء زادت شكوكهم، وأخذوا يتطلعون إلى جميع المبادئ والسنن التي تسعى لتحديد السلطة ذات السيادة، إذ إنه عن طريق تلك السلطة وحدها يمكن الإبقاء على النظام القائم للعلاقات بين الطبقات، وذلك في وجه المقاومة التي تجابهنا الآن، وكلما تغلغلت هذه المقاومة وتعمقت أخذت الدولة تنظر إلى ما وراء حدودها للبحث عن وسيلة يمكن بها التخفيف من ذلك الصراع. لم تنسج خيوط الحرب ما يتفتق عن أذهان الأشرار الذين إذا رغبوا في ذلك فلربما اختاروا طريق السلام. إن الحرب تعبير عن مجتمع تسود فيه عدم المساواة، مجتمع يحاول جاهدًا، وبأي ثمن كان، الدفاع عن الامتيازات الخاصة التي يتمتع بها ليحميها من أي هجوم. ويمكن أن نتخطى ذلك ونسمو عليه عندما لا يتمثل الدور الرئيس للحكومة في الدفاع عن ذلك النظام الطبقي الذي تتطلبه الرأسمالية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤