الدولة نظريًّا وعمليًّا
«منذ أن نادى أفلاطون بأن العدالة ليست هي حُكم الأقوى، أخذ الناس يُصدِرون حُكمَهم على الدولة بناءً على حكمة الأهداف السامية التي تعمل الدولة على حمايتها. والواقع أن العقل البشري بدأ يمُجُّ الفكرةَ القائلة بأنه من الممكِن الدفاع عن احتكار الدولة للسلطة الإلزامية، بغضِّ النظر عن الأهداف التي تسعى الدولة لتحقيقها.»
طالما أجهَد الإنسان فِكرَه منذ أن نزل على الأرض ليطوِّر صيغة اجتماعية عامة تحكم علاقته بالآخَرين، وتكفل له تحقيقَ حاجاته ورغباته بشكلٍ عادل، وتُقنِّن معامَلاته مع إخوته في المجتمع، دونَ أن يَظلم أو يُظلَم؛ لذلك اهتدى إلى مفهوم الدولة الحاكمة التي تحتكر السلطة وتُصدِر القوانين المنظِّمة التي تنفِّذها بالقوة، من خلال تفويض بعض أفراد المجتمع ليشكِّلوا ما يُعرف ﺑ «الحكومة»؛ لتحقيق أهداف الأمة، ومراقبة تنفيذ القانون الذي يحمي الحقوق ويَحُول دونَ وقوع الفوضى. وعلى الرغم مما تحمله هذه الصيغة من إرغام وقهر وتقييد للحرية، فإن هناك اتفاقًا عامًّا على أنها أفضل الحلول الممكِنة لضمان حياة عادلة منضبطة ما أمكن. خلال صفحات هذا الكتاب سنفهم فلسفة الدولة والهدف من قيامها، وإن كان من الممكِن منعُها فعلًا من إساءة استخدام السلطة المخوَّلة إليها بوضعِ قانونٍ أساسي حاكم، أو ما يُعرف ﺑ «الدستور».