الفصل الخامس

إغراء التوحيد الكامل

(١) النظريات الموحدة العظمى

يسعى العلم بشتى مناحيه وراء التوحيد؛ فالعلم الذي نعرفه اليوم بدأ حين وجد جاليليو ونيوتن وغيرهما روابط بين حركة الأجسام على الأرض وحركة القمر والكواكب. ومن الروابط البارزة الأخرى اكتشاف ارتباط القوتين الكهربية والمغناطيسية إحداهما بالأخرى، وبالضوء، إضافة إلى معادلة أينشتاين «الطاقة = الكتلة × مربع سرعة الضوء» التي بينت أن الطاقة والكتلة شيئان متساويان. إن العثور على الروابط الخفية بين ما يبدو كأنه ظواهر غير مترابطة هو ما يجعل المنهج العلمي بهذه القوة والنجاح. يتفرد العلم بالتوسع والعمق؛ التوسع في طريقة معالجته للظواهر الفيزيائية، والعمق في طريقة ربطه بينها، بشكل حريص، في نظام تفسيري عام يتطلب قدرًا أقل وأقل من الافتراضات. ولا يمكن لأي نظام تفكير آخر أن يضاهي العلم في هاتين الصفتين.

كان دافع الذهاب لما هو وراء النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات واضحًا بالفعل في السبعينيات، وهو الوقت الذي بدأ فيه استخدام مصطلح «النظرية الموحدة العظمى»، ففي أعقاب التوحيد الناجح للقوة الكهروضعيفة (نظرية جلاشو-عبد السلام-واينبرج) نُشرت العديد من النظريات الموحدة العظمى التي تدعي توحيد القوة الكهروضعيفة بالقوة النووية الشديدة، باستخدام نفس الفكرة الأساسية لنظرية جلاشو-عبد السلام-واينبرج لكن مع تضمين الجلوونات الثمانية من الديناميكا اللونية الكمية أيضًا. قدمت نظريات التوحيد العظمى تنبؤًا واضحًا مثيرًا للاهتمام: وهو أن الاختلاف بين القوى الثلاث ينبغي أن يتلاشى مع ارتفاع الطاقة. أشارت الحسابات إلى أن القوى الثلاث ستكون متساوية في طاقة تبلغ حوالي ١٠ تريليون مرة قدر الطاقة المطلوب لتوحيد الطاقة الكهروضعيفة (انظر الشكل ٥-١).
fig18
شكل ٥-١: توحيد القوى. يعتقد الفيزيائيون أنه بالإمكان الجمع بين جميع قوى الطبيعة، ربما في نظام موحد على غرار نظرية الأوتار أو النظرية M. من الناحية التاريخية كانت القوتان الكهربية والمغناطيسية هما أول قوتين تتوحدان (على يد ماكسويل في خمسينيات القرن التاسع عشر). بعد ذلك جُمع بين القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة في نظرية للقوة الكهروضعيفة على يد جلاشو وعبد السلام وواينبرج، وتأكدت صحتها تجريبيًّا. حاولت نظريات توحيد كثيرة الجمع بين القوة النووية الشديدة والقوة الكهروضعيفة، لكن إلى الآن لا يوجد أي دليل تجريبي. تُضَم الجاذبية إلى برنامج التوحيد هذا بوصفها الخطوة الأخيرة، وهناك من النظريات الرائجة ما يضمها على غرار نظرية الأوتار والنظرية M.
لسوء الحظ، من العسير بمكان الوصول لمثل هذه الطاقات الهائلة. وفي الواقع، يقع نطاق نظريات التوحيد العظمى خارج حدود أعلى طاقات الأشعة الكونية، وهو ما يجعل من الصعب، لكن ليس من المحال، اختبار هذه النظريات تجريبيًّا. على سبيل المثال تسمح بعض نظريات التوحيد بدرجة طفيفة من المزج، أو التداخل، بين القوة النووية الشديدة والقوة الكهروضعيفة. من تأثيرات ذلك السماح بنوع من التحول في طبيعة الجسيمات بشكل لم يكن مسموحًا به وفق النموذج المعياري؛ فمثلًا، في حالات نادرة، يمكن للكواركات أن تتحول إلى لبتونات، أو العكس بالعكس. ومن الصور التي يتجسد بها هذا التحول تحلل البروتونات من تلقاء نفسها إلى بوزيترونات. أُجريت تجارب للبحث عن هذا الأمر، لكن دون نجاح. وإذا حدث مثل هذا التفكك على الإطلاق، فلا بد أن له متوسط عمر يزيد عن ١٠٣٥ عام، وإلا لكنا لاحظنا حدوثه الآن.1 سيكون لتحلل البروتونات تداعيات عميقة على المصير النهائي للكون؛ إذ إنه يعني ضمنًا أنه عبر فترات مهولة من الوقت ستتبخر المادة العادية ببطء، وستختفي الغازات والغبار والصخور والكواكب، بل حتى البقايا المحترقة للنجوم، بشكل تام مع نهاية الزمان.

(٢) ماذا حدث لكل تلك المادة المضادة؟

إن احتمالية كون البروتونات غير مستقرة بدرجة مطلقة لها ارتباط وثيق بنشأة الكون أيضًا. فإذا كان بإمكان المادة أن تختفي، فيمكنها كذلك أن تظهر (بفعل عملية عكسية). هذا يقدم لنا مفتاحًا لحل واحد من أعمق ألغاز الكون: نشأة المادة. بشكل ما، تكونت المادة، في لمح البصر، من الطاقة الحرارية للانفجار العظيم. إلا أن علماء الكونيات يريدون أن يعرفوا «بالضبط» كيف حدث هذا، ولماذا بهذا القدر تحديدًا (١٠٥٠ طن في الكون القابل للرصد). حين تُخلَّق المادة في المختبرات من واقع التصادمات عالية الطاقة يظهر مقدار مساوٍ من المادة المضادة أيضًا.2 إذا احتوى الكون على مقدار متساوٍ من المادة والمادة المضادة فسنقع في ورطة كبيرة؛ فكلما امتزجت المادة بالمادة المضادة تلاشيتا في انفجار من أشعة جاما. وحتى في الفضاء الخارجي تحدث عمليات امتزاج كثيرة كهذه، عندما تتصادم سحب الغازات بعضها مع بعض مثلًا. وما لم تكن المادة والمادة المضادة معزولتين إحداهما عن الأخرى على نطاق واسع للغاية (أكبر من حجم المجرة)، فسيغرق الكون في فيضان من أشعة جاما. بحث علماء الفلك عن المادة المضادة، لكن دون نجاح، ومن ثم خلصوا إلى أن أقل من واحد على التريليون من حجم مجرتنا مكون من المادة المضادة. يفترض أغلب علماء الكونيات أن الكون القابل للرصد بأكمله مصنوع بشكل طاغ من المادة. وهذا، بالتبعية، يفرض السؤال المحير: كيف أنتج الانفجار العظيم ١٠٥٠ طن من المادة دون أن ينتج ١٠٥٠ طن مماثلة من المادة المضادة؟

من المؤكد أن التناظر بين المادة والمادة المضادة لا يمكن أن يكون تامًّا. لقد كسره شيء ما، جاعلًا الكفة تميل لمصلحة المادة على المادة المضادة. تنضوي نظريات التوحيد بشكل طبيعي على الانكسار الضروري لهذا التناظر، فإذا كان بمقدور البروتون التحول إلى بوزيترون، فيمكن إذن (بالسير بطريقة معاكسة) تحويل زوج إلكترون-بوزيترون إلى زوج إلكترون-بروتون، وهو ما يعني وجود ذرة هيدروجين دون وجود ذرة هيدروجين مضادة مصاحبة لها. لكن مهما تكن كيفية عمل ذلك، يمكن أن تسير قصة نشأة المادة على النحو الآتي: تسبب الإشعاع الحراري الناتج عن الانفجار العظيم في إنتاج كميات متماثلة من المادة والمادة المضادة، مختلطة بعضها ببعض، لكن مع زيادة «طفيفة» في المادة. مع برود حرارة الكون دُمِّرَت المادة المضادة بفعل اقترانها بالمادة، تاركة قدرًا بسيطًا من المادة التي لم تُمس، حوالي جزء في المليار. تسبب الفناء الكلي للمادة والمادة المضادة في غمر الكون بفوتونات أشعة جاما. أين هي الآن؟ الجواب هي أنها فقدت أغلب طاقتها مع تمدد الكون وبرودته، وفي النهاية تحولت إلى فوتونات للأشعة الميكرونية. وهي التي تؤلف إشعاع الخلفية الميكروني الكوني. وبهذا يكون هذا الإشعاع الخافت هو بقايا الفناء الأولي للمادة المضادة في بداية الزمن.

بالنظر للأمر من هذه الزاوية لا تبدو المادة إلا نتاجًا كونيًّا ثانويًّا، لكن يا له من نتاج ثانوي هام! فدون المادة لم تكن هناك حياة، ومن ثم لم نكن لنوجد، ناهيك عن وجود الكون المرئي، المتعلق بقاؤه بدرجة طفيفة من عدم التناظر بين المادة والمادة المضادة، الذي بدوره يعتمد على كيفية تفاعل الكواركات واللبتونات والقوى التي تربطها كمزيج واحد وفق نظام كلي أعظم لم يتحدد بعد.

(٣) التناظر الفائق

من السهل تبين السبب وراء هوس الفيزيائيين بفكرة التوحيد؛ فالعدد الغزير من الجسيمات دون الذرية رُتب بنجاح في نظام منمق رأيناه في الجدول رقم ٤-١، كما قُللت القوى الأربع إلى ثلاث، وربما اثنتين، مع وجود قوة واحدة فائقة تلوح في الأفق (انظر شكل ٥-١). وبهذا يصير التجميع هو اسم اللعبة. إلا أن المنظرين وضعوا أعينهم منذ وقت طويل على مشروع أكثر طموحًا للتوحيد، نظام يربط الجسيمات بالقوى. وما يفتح الباب أمام هذا الاحتمال المبهج هو حقيقة أن القوى يمكن تفسيرها على أساس عملية تبادل للجسيمات، كما أوضحنا في الشكل ٤-١. لماذا إذن لا نخرج بنظرية تتجمع فيها «كل» الجسيمات — جسيمات المادة وجسيمات التبادل — في عائلة واحدة فائقة؟

لكن قبل أخذ هذه الخطوة ينبغي توضيح الاختلاف الأساسي بين نوعي الجسيمات محل الحديث هنا، وهذا الاختلاف يتعلق بخاصية اللف المغزلي لها. تحمل جميع الجزيئات الأساسية للمادة — الكواركات واللبتونات — لفًّا مغزليًّا قدره ١ / ٢. وعلى النقيض تحمل جسيمات التبادل المعروفة لفًّا مغزليًّا قدره ١ (يحمل الجرافيتون — لو أن له وجودًا — لفًّا مغزليًّا قدره ٢). قد لا يبدو هذا إلا اختلافًا فنيًّا غير مؤثر، لكنه ليس كذلك؛ إذ يؤثر اللف المغزلي للجسيم بشدة على خصائصه، خاصة على الطريقة التي تتصرف بها الجسيمات تصرفًا جماعيًّا. الجسيمات ذات اللف المغزلي ١ / ٢ تطيع القاعدة المعروفة باسم مبدأ استبعاد باولي، والمسمى على اسم فولفجانج باولي مكتشف هذه القاعدة في العشرينيات. يمنع هذا المبدأ أكثر من جسيم واحد من نفس النوع من أن يحتل نفس الحالة الكمومية في نفس الوقت (على سبيل المثال، لا يمكنك حشر إلكترونين بحيث يكونان مقتربين للغاية أحدهما من الآخر)، ولهذا المبدأ تبعات بعيدة مهمة: صلابة المادة، وتركيبة الذرات، وقواعد الكيمياء، وثبات النجوم، وهذه ليست إلا أمثلة قليلة.

لا ينطبق مبدأ باولي على جسيمات التبادل التي توصل القوى، لأن لها لفًّا مغزليًّا قدره ١ و٢، ولا يوجد حد أقصى لعدد الجسيمات من هذا النوع التي يمكنها التجمع معًا،3 ففي شعاع الليزر، مثلًا، يشغل عدد لا حصر له من الفوتونات نفس الحالة الكمومية. تُعرف الجسيمات صحيحة المغزل (٠، ١، ٢، …) بالبوزونات (على اسم ساتندرا بوز)، فيما تُعرف الجسيمات نصفية المغزل (١ / ٢، ٢ / ٣، …) بالفرميونات (على اسم إنريكو فيرمي). وعلى هذا يتطلب توحيد المادة والقوى توحيد البوزونات والفرميونات، إلا أن هذه الجسيمات متباينة بما يجعل هذه المهمة تبدو مستحيلة من البداية. لكن في عام ١٩٧٣ عُثر على حل يتفادى هذه المشكلة. لفهم هذا الحل عليك بامتلاك بعض الفهم الأساسي عن طبيعة اللف المغزلي الذاتي للجسيم. يتصرف الجسيم ذو اللف المغزلي ١ / ٢ على نحو عجيب حين يدور محوره (من الممكن لف محاور دوران الجسيمات دون الذرية بتعريضها لمجال مغناطيسي). فكر في جسم كبير دوَّار كالكوكب، إذا أدرته ١٨٠ درجة حول خط يمر بخط استوائه (عمودي على محور دورانه) فسيتبدل مكان القطبين الشمالي والجنوبي، وإذا أدرته بمقدار ١٨٠ درجة أخرى فسيعود إلى وضعه الأصلي. لا مشكلة في هذا الجزء، لكن الآن يأتي الجزء العجيب. إذا قمت بنفس الأمر على الإلكترون (أو أي فرميون ذي لف مغزلي قدره ١ / ٢) فسيكون عليك أن تديره بمقدار ٧٢٠ درجة، أي لفتين كاملتين، قبل أن يعود إلى وضعه الأصلي! هذه خاصية أخرى يستحيل تخيلها من خصائص ميكانيكا الكم، لكن لا شك في صحتها. بصورة ما تملك الفرميونات ما يشبه النظرة المزدوجة للعالم. وهنا يكون مفتاح الوصول إلى نظرية موحدة تجمع الفرميونات والبوزونات هو إيجاد وصف هندسي يضم نوعي الدوران كليهما في نظام رياضي واحد. وبالفعل اكتُشف هذا النظام على يد كل من جوليوس ويس وبرونو زومينو، ويطلق عليه «التناظر الفائق» Supersymmetry.
إذا كان التناظر الفائق موجودًا في الطبيعة فسيكون لهذا تأثير شامل؛ إذ سيكون لكل فصيلة من الفرميونات شريك فائق التناظر من البوزونات، والعكس بالعكس. وعليه، من الممكن ربط الإلكترون بما يسمى «نظير الإلكترون»، شريكه فائق التناظر ذي اللف المغزلي صفر. (الجسيم ذو اللف المغزلي صفر هو بوزون ليس له لف مغزلي ذاتي.) وبهذا ينبغي أن يكون لدينا نظير للكوارك، ونظير للنيوترينو، وهكذا دواليك. وبالعكس، يتزامل الفوتون مع جسيم له لف مغزلي نصفي يسمى نظير الفوتون. ومن ثم سيكون لدينا نظير للجسيم W ونظير للجسيم Z ونظير للجلوون، ونظير للجرافيتون (الأخير سيكون فرميون ذا لف مغزلي قدره ٣ / ٢). كل هذا موضح في الجدول رقم ٥-١. الأمر خلاب بحق، باستثناء أنه إلى اليوم لم يُعثر على أي شريك فائق التناظر من أي نوع. لكن هذا لا يعني أن التناظر الفائق غير صحيح. لو كان التناظر تامًّا فسيحمل نظير الإلكترون نفس كتلة الإلكترون، وسيحمل نظير الجسيم W نفس كتلة الجسيم W، وهكذا. لكن لو أدت آلية فيزيائية ما لكسر هذا التناظر فستجعل جميع الشركاء فائقي التناظر ذوي حجم هائل. ولن يكون من قبيل المفاجأة عندئذٍ أن نجد أن هذه الجسيمات النظيرة لم تُخلَّق بعد في تصادمات المعجلات (رغم أنها قد تكون موجودة في الأشعة الكونية أو المادة المظلمة). يعلق كثير من علماء الفيزياء آمالهم على مصادم الهدرونات الكبير في معمل كيرن، الذي يتنبئون بقدرته على تكوين شريك فائق التناظر واحد على الأقل. ولو حدث هذا فستتأكد فكرة أن المادة والقوى ليسا إلا جانبين لنظام واحد أساسي فائق التناظر.
جدول ٥-١: يتنبأ نظام رياضي مُرْضٍ يسمى بالتناظر الفائق بأن كل نوع معروف من الجسيمات ينبغي أن يكون مصحوبًا بشريك له لف مغزلي مخالف، وبهذه الصورة يكون لكل فرميون بوزون مقترن به، والعكس بالعكس. لم يُكتشف أي شريك فائق التناظر إلى الآن، وهو ما يشي بأن الطبيعة لا يمكن أن تكون متناظرة تناظرًا كاملًا.
التناظر الفائق
لف مغزلي صفر لف مغزلي ١ / ٢ لف مغزلي ١ لف مغزلي ٣ / ٢ لف مغزلي ٢
جسيم هيجز نظير جسيم هيجز
نظير اللبتون اللبتون
نظير الكوارك الكوارك نظير الجرافيتون الجرافيتون
نظير الجلوون الجلوون
نظير الفوتون الفوتون
نظير الجسيم Z الجسيم Z
نظير الجسيم W الجسيم W

(٤) كارثة في الأعماق

إلى الآن كنت أستخدم كلمة «الجسيم» بمعناها العام، دون ذكر أي شيء بخصوص حجمه أو شكله. لكن يجب الآن مواجهة هذه القضية. كيف يمكننا أن نتصور، مثلًا، الإلكترون؟ من المغري أن نفكر فيه ككرة صغيرة ذات شحنة كهربية موزعة في أرجائه. لكن لو كان الإلكترون على هذه الصورة فسيفتح هذا الباب أمام أسئلة مربكة على غرار: ما المادة الموجودة داخل الإلكترون، وكيف تتماسك بعضها مع بعض، خاصة وأن الشحنة الكهربية متنافرة وستحاول تمزيق هذه الكرة إربًا؟ ومن البديهي أنه لو كان بالإمكان تقسيم الإلكترون لوحدات أصغر فلن يعد وقتها عنصرًا أوليًّا من الأساس.

من سبل تجاوز هذه المشكلة التفكير في الإلكترون بوصفه كرة مصمتة تمامًا ككرة الجولف، فهذا سيجعله غير قابل للتقسيم. إلا أن هناك مشكلة تقابل ذلك الاقتراح، وهي تتعلق بنظرية النسبية (التي تنطبق حتى على مستوى الجسيمات دون الذرية). تخيل أنك ضربت كرة جولف بمضرب مرسلًا إياها في الهواء. لأنها مصمتة بالكامل فستتحرك كرة الجولف دون أي تغير في شكلها؛ بحيث تبدأ جميع أجزاء الكرة في التحرك معًا، لكن هنا ستقابلنا عقبة: لا يمكن لقوة أن تتحرك بسرعة تتجاوز سرعة الضوء، وبهذا فإن الضربة الموجهة لأحد جوانب الكرة لا يمكن الشعور بها من الجانب الآخر إلا على الأقل بعد الوقت الذي يستغرقه الضوء في التحرك من طرف الكرة للطرف الآخر. من ثم سيبدأ الطرف الذي تلقى الضربة بالتحرك قبل الطرف المقابل، وهذا سيجعل شكل الكرة يتغير، إذ ستكون أكثر انضغاطًا. يستتبع هذا أن الكرة المصمتة يجب أن تتمتع بقابلية معينة للانضغاط؛ يعني هذا أن الأجسام المصمتة «تمامًا» لا تتفق مع نظرية النسبية. لكن لو أمكن للإلكترون أن ينضغط يمكن بالتالي أن يتمدد، ويمكن أيضًا، إذا تعرض لقوة كافية، أن يتمزق إربًا. لذا لا يمكن للإلكترون إذا كان على شكل كرة الجولف الصغيرة أن يكون جسيمًا أوليًّا هو الآخر.

لكن ماذا لو تخيلنا أن الكرة الصغيرة انكمشت إلى نقطة وحيدة؟ هنا لن يأخذ الضوء أي وقت للانتقال عبر محيطها (البالغ صفرًا). لسوء الحظ يحل هذا التصور مشكلة ويخلق أخرى، فهناك شحنة كهربية موزعة في أرجاء الكرة الصغيرة. الآن تخيل أنك تحاول تقليص الكرة، مع شحنتها الكامنة، إلى قطر أقل وأقل. يتطلب ضغط الشحنة الكهربية إلى أحجام أصغر وأصغر بذل المزيد من الطاقة للتغلب على قوى التنافر الكهربي. ووفق قانون التربيع العكسي للقوى الكهربية المُكتشف في القرن الثامن عشر على يد شارل كولوم،4 فإن التنافر بين أجزاء الكرة سيرتفع دون حدود كلما صارت الشحنة محصورة في حجم أصغر وأصغر. سنحتاج كمية طاقة لانهائية لضغط الكرة إلى قطر الصفر، وهذه الطاقة ستكون مخزنة داخل الإلكترون. بالوضع في الاعتبار معادلة أينشتاين «الطاقة = الكتلة × مربع سرعة الضوء» سيكون للطاقة الداخلية غير المحدودة للإلكترون نتيجة سخيفة مفادها أن الإلكترون نفسه سيكون له كتلة غير محدودة. وهكذا تواجهنا هذه المعضلة: لا يمكن أن يكون الإلكترون نقطة أو كرة محددة دون أن يتعارض ذلك بشكل صارخ مع الواقع.
قد تظن أن ميكانيكا الكم ستهب لإنقاذنا من هذه الورطة، فمن خلال عدم التحديد الدقيق للحيز المكاني للجسيم الشبيه بالنقطة، قد نتمكن من الالتفاف حول مشكلة تجمع جميع أجزاء الشحنة الكهربية في نقطة واحدة. لكن ميكانيكا الكم، في الواقع، تزيد المشكلة سوءًا. لمعرفة السبب وراء ذلك تذكر الكيفية التي تنتقل بها القوى في ميكانيكا الكم، من خلال تبادل الفوتونات (انظر شكل ٤-١). نفس هذه القوى ستعمل بين الأجزاء المتعددة للشحنة الموزعة في أرجاء «الكرة الصغيرة»، وهو ما يعني وجود حشد من الفوتونات الافتراضية التي تحيط بالإلكترون وتخترقه. تظهر الحسابات أن قوة هذا الحشد تزيد مع صغر حجم الإلكترون؛ لأن الفوتونات الافتراضية الأقرب تكون أنشط. ترتفع الطاقة الكلية للحشد بصورة لانهائية مع انكماش قطر الإلكترون إلى الصفر. لا يهم أن يكون الحيز المكاني للإلكترون غير محدد بدقة؛ فمهما يكن مكانه فإن السحابة هناك تغلفه بكميات هائلة من الطاقة، ومن ثم المادة.

ما الذي نستنتجه من كل هذا؟ باستخدام الحيل الرياضية يستطيع علماء الفيزياء الالتفاف حول الكميات اللانهائية واستخدام نظرية الديناميكا الكهربية الكمية للحصول على إجابة معقولة عن الأسئلة المتعلقة بكتلة الجسيمات ومستويات الطاقة وعمليات التشتت وغيرها. تظل النظرية ناجحة لحد بعيد، لكن حقيقة وجود الكميات اللانهائية تشير إلى أن شيئًا ما خطأ، وأن شيئًا ما بحاجة للإصلاح.

يمكن تطبيق نفس التحليل الأساسي على مجال الجاذبية، فتقليص الكرة إلى قطر الصفر سيعني وجود طاقة جاذبية لانهائية. (وصفت بالفعل في الفصل الثالث نقطة التفرد الزمكاني التي ستنتج عن هذا.) من منظور ميكانيكا الكم تنتقل قوة الجاذبية من خلال الجرافيتونات، ويمكن تصور نطاق الجاذبية المحيط بالجسيم على صورة سحابة من الجرافيتونات الافتراضية. ومثل الحالة الكهرومغناطيسية سنواجه بحالة من اللانهائية. لكن مع الجرافيتونات تكون المشكلة مضاعفة، فأي جسيم أشبه بالنقطة (على سبيل المثال، الإلكترون) سيكون محاطًا بسحابة من الجرافيتونات الافتراضية تحتوي على طاقة لانهائية، لكن لأن الطاقة مصدر للجاذبية فإن الجرافيتونات نفسها تسهم في مجال الجاذبية الإجمالي. (ومن ثم تولد الجاذبية مزيدًا من الجاذبية.) وبهذا يملك كل جرافيتون افتراضي، في السحابة المحيطة بالجسيم الأساسي، سحابته الخاصة من الجرافيتونات المتجمعة حوله، وهكذا إلى ما لا نهاية؛ سحب تغلف سحبًا تغلف سحبًا … وكل واحدة تحتوي على طاقة لانهائية! هذه المرة لا يمكن التغاضي عن مشكلة الطاقات اللانهائية بسهولة. إن الوصف الكمي المباشر لمجال الجاذبية ينتج متوالية غير محدودة من اللانهائيات، وهذا يقضي على أي أمل في التوصل لتنبؤات معقولة من واقع هذه النظرية.5

(٥) الأوتار: نظرية كل شيء؟

لازمت مشكلة اللانهائيات، خاصة تلك التي تنشأ عن تطبيق ميكانيكا الكم على مجال الجاذبية، موضوع فيزياء الجسيمات لعقود، لكن في ثمانينيات القرن العشرين وجد علماء الفيزياء طريقة لتفاديها. الفكرة الأساسية هي التخلي عن فكرة الجسيمات بصورة كلية واستبدالها بأوتار مرنة، تتحرك وفق قواعد ميكانيكا الكم. في أبسط صور النظرية الجديدة، تشكل الأوتار حلقات مغلقة، لكنها صغيرة للغاية حتى إننا سنحتاج لسلسلة من مائة مليار مليار حلقة كي تلتف حول نواة الذرة الواحدة. وبهذا يصير ما كنا ننظر إليه فيما سبق على أنه جسيم، كالإلكترون، في حقيقته (وفق هذه النظرية) حلقة من الأوتار، فقط نحن لا نستطيع رؤيته بهذه الصورة لأن الحلقة صغيرة للغاية.

الجانب الجذاب في نظرية الأوتار هو أنك تحتاج لنوع واحد فقط من الأوتار لتكوين «جميع» الجسيمات: الفرميونات والبوزونات، وجسيمات المادة وجسيمات التبادل، كل شيء. يمكن أن يهتز الوتر بأنماط متعددة، وكل نمط منها يتوافق مع جسيم مختلف؛ فإذا اهتز الوتر بطريقة ما فالجسيم إلكترون، وإذا اهتز بصورة مغايرة يصير كواركًا، وهكذا. تقدم نظرية الأوتار وصفًا طبيعيًّا لكل الجسيمات المعروفة. وهي تضمن مفهوم التناظر الفائق، وبهذا فهي تصف أيضًا الجسيمات الشريكة فائقة التناظر. (ولهذا السبب أحيانًا يشار إليها بنظرية الأوتار الفائقة.) لا تسأل مِمّا تتكون الأوتار نفسها؛ فالفكرة كلها تعتمد على أنها كيانات أولية غير قابلة للتفكك يُبنى منها كل شيء آخر. وفي هذا الجانب تكون الأوتار شبيهة للغاية بروح النظرية الذرية الأصلية للمادة، لكن مع مزية إضافية؛ فهي تفسر أيضًا كيفية تفاعل الجسيمات بعضها مع بعض دون إدخال مفهوم جديد؛ إذ إن القوى أيضًا تخرج من عباءة نظرية الأوتار بفضل حركات الأوتار التي تصف جسيمات التبادل المختلفة كالفوتون والجلوونات. أهم ما في الأمر هو أن نظرية الأوتار أفضت إلى نتائج محددة في جميع الحسابات التي أجريت إلى الآن، بما فيها تلك التي تضمنت الجاذبية، وبهذا هي تعد بتجنب تلك المعضلة الرياضية الخاصة بالكميات اللانهائية.

إن الأوتار صغيرة للغاية حتى إنه من العسير تخيل الكيفية التي يمكن بها ملاحظتها بشكل مباشر، وهذا يضعنا في موقف مشابه لموقف الفلاسفة الإغريق الذين افترضوا وجود الذرات دون أن يكون لديهم أمل في رؤيتها. يحتاج الكشف عن تفاصيل الأوتار معجلات جزيئية أقوى بتريليونات المرات من أقوى ما تم بناؤه إلى الآن. وحتى الأشعة الكونية ذات الطاقة الأعلى لا تزال أقل من المستوى المطلوب بمليارات المرات. لن يكون افتقاد البرهان المباشر على وجود الأوتار بالمشكلة الكبيرة لو قدمت النظرية تنبؤات واضحة عن العالم ذي الطاقة المنخفضة نسبيًّا الذي يمكننا التحقق منه بالتكنولوجيا التي نملكها بالفعل، لكن هذا لم يحدث (على الأقل ليس بعد). وبهذا تتعامل نظرية الأوتار مع ذلك المجال المتقلقل للطاقات العالية والمسافات فائقة الصغر، وإلى الآن ليس لديها ما تقوله بشأن الفيزياء الحقيقية التي تحدث في المختبرات.6
قضية أخرى تتعلق بالمكان الذي تتحرك فيه الأوتار، المكافئ الوتري لفراغ ديموقريطس. هناك أمل بأن يظهر المكان والزمان في نظرية الأوتار كجزء من وصفها للواقع، لكن هذا لم يتحقق بعد؛ إذ عليك أن تفترض أن المكان والزمان موجودان بالفعل كي يوفرا ساحة تتحرك فيها الأوتار. لكن الأمر أسوأ من ذلك، ففي أبسط صياغات نظرية الأوتار من الضروري افتراض وجود المزيد من الأبعاد في الفضاء، بمعنى أنه لا بد من إضافة المزيد من الأبعاد إلى أبعاد الفضاء الثلاثة المعتادة. ولأننا لا نعي أبعاد الفضاء الإضافية علينا ابتكار آلية لإخفائها، عملية «الدمج» التي وصفتها في الفصل الثاني. لا يعد دمج أبعاد إضافية للفضاء في حد ذاته مشكلة أمام النظرية، رغم صعوبة تخيله. لكن القضية الشائكة بحق هي حقيقة أن طوبولوجيا الأبعاد المدمجة وشكلها ليسا متفردين. وليس هذا إلا وصفًا هينًا للأمر؛ فحتى العدد القليل من الأبعاد يمكن دمجه في عدد هائل من الأشكال، وكل ترتيب يؤدي إلى جسيمات وقوى مختلفة في الثلاثة أبعاد المتبقية (غير المدمجة) للعالم.7 وفق نظرية الأوتار فإن عالمنا يتوافق مع واحد فقط من هذه الأشكال المدمجة، لكن أيها؟ وماذا عن البقية؟ ما أنواع العوالم التي تصفها؟ على حد علمنا ستكون هذه عوالم مختلفة للغاية عن العالم الذي نرصده؛ إذ قد يكون في بعضها عشرة أنواع من النيوترينوات وليس ثلاثة فقط، أو خمسة أنواع من الفوتونات. وقد تحوي عوالم أخرى أربعة أنواع من الكواركات فقط، أو حتى أربعين. قد تكون هناك عوالم القوى الكهرومغناطيسية فيها أقوى من القوى النووية الشديدة، أو تكون فيها ثماني قوى أساسية وليس أربعًا، وهكذا. من الواضح أن عالمنا ليس إلا احتمالية وحيدة ضمن عدد مربك من البدائل. ونظرًا لأن هدف نظرية الأوتار في الأساس هو توحيد الطبيعة فسيبدو تنبؤها بعدد مهول من العوالم البديلة خطوة للوراء لا إلى الأمام.

يختلف أنصار نظرية الأوتار حول الكيفية التي ستُحل بها مشكلة التعدد تلك؛ فالبعض يعلق آماله على فهم أفضل للبنية الرياضية للنظرية، التي يؤمنون بقدرتها على انتقاء حالة فريدة بعينها، على نحو أشبه بالحالة الأرضية لذرة الهيدروجين مثلًا، وهي أكثر الحالات ثباتًا ومن ثم أكثرها ترجيحًا. إذا كانوا محقين فحري إذن بفيزياء الطاقة المنخفضة التي تصفها هذه الحالة أن تنطبق على العالم الذي نرصده، وإلا ستُكذَّب النظرية على الفور. لكن آخرين من أنصار نظرية الأوتار تخلوا عن أمل الوصول لحل وحيد للمعادلات التي ستظهر وواجهوا بجرأة تبعات تلك الزيادة الهائلة للعوالم المختلفة الممكنة. وفي الواقع نجح هؤلاء في تحويل الخطيئة إلى فضيلة، وكما سأشرح في الفصل التالي، فقد استعانوا بالتعدد الكبير للعوالم المحتملة في محاولة تفسير تأثير جولديلوكس.

(٦) النظرية M

واجهت نظرية الأوتار عقبة أخرى حين اكتُشف أنه لا توجد نظرية واحدة فقط، بل خمس. لفترة من الوقت بدا أن تعدد النظريات هذا، إلى جانب العدد الكبير من أشكال الاندماج البديلة، سيقوض الفكرة بأكملها. لكن في الوقت الذي بدأ الحماس فيه يفتر، جاء الإنقاذ من ناحية غير متوقعة تمامًا. ففي أواسط الثمانينيات اقترحت مجموعة صغيرة من العلماء أن الأوتار التي تتحرك في عشرة أبعاد (تسعة مكانية وواحد زماني) ربما يمكن وصفها بشكل أكثر أناقة على صورة صفحات، أو أغشية، تتحرك في أحد عشر بُعدًا (فالصفحة حين تُطوى كالماصة ستبدو مثل الوتر).8 لسنوات لم تحظ فكرة الغشاء باهتمام كبير، لكن في أواسط التسعينيات وجد جو بولشينسكي من معهد كافلي للفيزياء النظرية في سانتا باربرا أنه في النظريات التي لم تكن فيها الأوتار مغلقة على شكل حلقات، بل كانت نهاياتها مفتوحة، كانت تلك النهايات تنتهي في أغشية.9
قلبت تلك الطفرة الموازين. بَيَّن عالم الفيزياء الرياضية اللامع إد ويتن، من معهد الدراسات المتقدمة في برينستون، أن وصف الغشاء يوحد النسخ الخمس المختلفة من نظرية الأوتار. وقد أطلق على هذا المشروع الذي بُثت فيه الحياة من جديد اسم النظرية M، حيث يرمز الحرف M إلى membrane بمعنى الغشاء، أو mystery بمعنى الغموض، أو magic بمعنى السحر، حسبما يروق لنا. أكثر خيار مناسب هنا هو الغموض؛ لأن البنية الرياضية للنظرية M تظل محيرة وغير مكتشفة بالكامل بعد. تعد نظريات الأوتار الخمسة السابقة بمنزلة خمسة أركان للنظرية M، حيث يمكن فيها إجراء الحسابات، إلا أنه لم يدون أحد إلى الآن المعادلات التي تحكم النظرية M تدوينًا كاملًا، ناهيك عن حلها. رغم هذا الإبهام فقد ولَّدت النظرية M حماسًا هائلًا. إن الاكتشافات التي تمت فيما يخص البنية الرياضية للنظرية مفاجئة وواعدة بدرجة كبيرة حتى إنها توصف بالمعجزة (معجزة بالإنجليزية تعني miracle، ها هو سبب آخر لتسميتها بالحرف M). هذه الشذرات الرياضية تقدم لمحات مغرية عن هذه النظرية ذات القوة والأناقة الاستثنائية التي لم تخضع للاستكشاف الكامل بعد، والتي قد تكون مفتاح فهمنا لهذا الكون.
رغم أن النظرية M تعد تقدمًا دون شك، فإنها تستخدم فروعًا من الرياضيات ليست فائقة التجريد وحسب، بل يغلب عليها الغموض بشكل كبير. وفي الحقيقة وجب اختراع بعض القواعد الرياضية مع تقدم النظرية. هذه الصعوبة البالغة تجعل كثيرًا من الفيزيائيين (وبالتأكيد أنا منهم) عاجزين عن ملاحقتها، وهو ما يجعل علماء نظرية الأوتار/النظرية M يفقدون ارتباطهم بالواقع. لا أحد يعرف إلى أين ينتهي المطاف بهذه النظرية. ربما عثر أصحاب نظرية الأوتار/النظرية M بالفعل على كأس العلم المقدسة، وفي هذه الحالة قد يخبرون بقيتنا يومًا ما عن كيفية عملها. ومن الجائز أيضًا أنهم لا يطاردون إلا سرابًا. الوقت وحده سيعرفنا الحقيقة. عبر ميشيو كاكو، أحد مناصري نظرية الأوتار، عن مخاوفه في مقال قريب له قائلًا: «إذا كانت نظرية الأوتار نفسها خاطئة فهذا يعني أن ملايين الساعات وآلاف الأبحاث العلمية، ومئات المؤتمرات، وعشرات الكتب (من بينها كتابي هذا)، ضاعت سدى. وأن ما ظننا أنها «نظرية كل شيء» اتضح أنها «نظرية للا شيء».»10

مهما تكن نتيجة هذا المشروع الضخم فهو على الأقل يستحق أن يوصف بأنه «محاولة طيبة». وبالتأكيد من المبكر للغاية غض الطرف عنه باعتباره شطحة علمية جامحة أخرى؛ إذ إنه إلى وقتنا هذا يعد أفضل أمل للوصول إلى نظرية نهائية موحدة. لكن ملاحظة مرئية واحدة تساوي ألف نظرية عبقرية، وبينما كان أصحاب نظرية الأوتار يطورون دون كلل نماذجهم المجردة، حقق علماء الفلك سلسلة من الاكتشافات التي انفجرت كالقنبلة في أسس الفيزياء النظرية، مزلزلة أركان نظرية الأوتار، وعلم الكونيات أيضًا.

النقاط الأساسية

  • تحاول نظريات التوحيد العظيمة الجمع بين القوى النووية الشديدة والقوى النووية الضعيفة والقوة الكهرومغناطيسية في نموذج واحد. يتنبأ البعض بأن البروتونات ستتحلل على مدار فترة طويلة للغاية من الوقت.

  • التناظر بين المادة والمادة المضادة لا يمكن أن يكون مثاليًّا، وإلا لكان الانفجار العظيم قد أنتج كمية مساوية من الاثنتين.

  • يمكن توحيد الفرميونات والبوزونات في نموذج رياضي يسمى التناظر الفائق.

  • يتحقق التوحيد الكامل للجسيمات والقوى، بما فيها قوة الجاذبية، عن طريق اعتبار أن جميع الجسيمات مكونة من أوتار دقيقة تتحرك في عشرة أبعاد زمكانية. الأبعاد الستة غير المرصودة مدمجة معًا في شكل معقد.

  • تمثل نظرية الأوتار، وزميلتها الأكثر تطورًا النظرية M، أكبر أمل واعد لتوحيد الفيزياء الأساسية، إلا أنها تظل عسيرة على الفهم ومن الصعب اختبارها تجريبيًّا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤