عباس باشا الأول ومساعدته في هذه الحرب

ولما رأى السلطان عبد المجيد أن شبح الحرب يتهدد سلامة الدولة طلب من عباس باشا الأول والي مصر أن يرسل نجدة من الجنود المصرية، فامتثل الوالي وأمر بتعبئة أسطول مكون من اثنتي عشرة سفينة مزودة ﺑ ٦٤٢ مدفعًا و٦٨٥٠ جنديًّا بحريًّا بقياد أمير البحر المصري حسن باشا الإسكندراني، وتعبئة جيش بري بقيادة الفريق سليم فتحي باشا مؤلف من ستة ألايات بيادة وهي ٩ جي و١٠ جي و١١ جي و١٢ جي و١٣ جي و١٤ جي بيادة ومجموعها ١٥٧٠٤ جنود، ومن ألاي ٩ جي سواري ومجموعه ١٢٩١ جنديًّا، وألاي ٣ جي طوبجية ومجموعه ٢٧٢٧ جنديًّا، وعدد بطارياته ١٢ بطارية كل منها ستة مدافع فيكون مجموع مدافعه ٧٢ مدفعًا، ويكون مجموع هذا الجيش البري ١٩٧٢٢ جنديًّا، هذا عدا ما أرسله الوالي بعد ذلك من الجنود والمال لمساعدة الدولة في هذه الحرب كما سيتبين لك فيما بعد.

(١) كيف ألف الجيش البري

ولم تؤخذ هذه الجنود المتباينة الأسلحة من الجيش العامل، بل أخذت من جنود الاحتياطي الذين كان معظمهم قد خاض معامع القتال في سورية تحت إمرة إبراهيم باشا الكبير، وكان الجيش العامل وقتئذ مؤلفًا من ثمانية ألايات بيادة، وثمانية ألايات سواري وألايين من الطوبجية؛ ولذا سموا الألاي الأول من الألايات البيادة التي تكونت منها هذه النجدة ٩ جي ألاي بيادة وألاي السواري ٩ جي ألاي سواري وألاي الطوبجية ٣ جي طوبجية، وكان متوسط عدد ألاي البيادة في هذه النجدة ٢٦١٧ جنديًّا، أما الجيش العامل فمتوسط ألاي البيادة فيه ٥٧٨٨ جنديًّا.

وكان غرض عباس باشا الأول من طريقة مضاعفة عدد جنود الألايات عدم إيقاظ مخاوف تركيا من جهة العدد الحقيقي الذي يتكون منه الجيش المصري؛ لأنها عندما تنظر إليه من ناحية عدد وحداته دونه ما تحويه كل وحدة منها حسب النظام المتبع تقدره بنصف عدده الحقيقي، وكانت هذه الطريقة متبعة أيضًا في كل وحدات الأسلحة المختلفة في الجيش المصري.

(٢) قوة الجيش المصري العامل

ولما كنا قد أتينا على ذكر طريقة تأليف الجيش الذي أُرسل لمساعدة الدولة في حرب القرم فيحسن بنا أن نذكر لهذه المناسبة قوة الجيش الذي كان تحت السلاح في القطر المصري بصفة مستديمة؛ حتى يلم القارئ بها، وها هو بيان قوته في سنة ١٨٥٣م:
البيادة عدد ضباط وصف ضباط وعسكر
جملة البيادة ٦٩٧٤٨
١ جي غارديا بقيادة اللواء خورشد باشا ٤٣٤٥
٢ جي غارديا بقيادة اللواء حسين باشا ٥٣٨٤
٣ جي غارديا بقيادة اللواء مصطفى باشا ٥٤٨٢
١ جي بيادة بقيادة أمير الألاي عبد الرزاق بك ٥٦٥٤
٢ جي بيادة بقيادة أمير الألاي محمود بك ٦٠٢٠
٣ جي بيادة بقيادة أمير الألاي عثمان بك ٦١٧٣
٤ جي بيادة بقيادة أمير الألاي ٥٠٠٠
٥ جي بيادة بقيادة أمير الألاي علي غالب بك ٦٠٩٢
٦ جي بيادة بقيادة أمير الألاي إسماعيل بك ٦٣٣٦
٧ جي بيادة بقيادة أمير الألاي مصطفى بك ٦٥٤٨
٨ جي بيادة بقيادة أمير الألاي عثمان بك ٤٤٨٤
١ جي بيادة سودان بقيادة أمير الألاي حسن بك ٨٢٣٠

ملاحظات:

  • (١)

    قواد ألايات الغارديا ضباط برتبة لواء لاعتبارها وحدات ممتازة عن غيرها.

  • (٢)

    ألايات الغارديا كل ألاي مكون من ٦ أورط، وكل أورطة مكونة من ٨ بلوكات.

  • (٣)

    الألايات الأخرى الثمانية كل ألاي مكون من ٦ أورط، وكل أورطة مكونة من ٤ بلوكات.

  • (٤)

    لم نعثر في المصادر التي تحت أيدينا على عدد جنود الألاي ٤ جي، وقد قدرنا له عددًا يتناسب مع باقي الألايات.

  • (٥)

    ألاي السودان مكون من ٥ أورط، وكل أورطة مكونة من ٨ بلوكات، وملحق به بلوك طوبجية مجموعه ٢٠٠ جندي بمدافعهم.

  • (٦)

    أمير الألاي علي غالب بك ترقى فيما بعد إلى رتبة فريق، وكان ناظرًا للجهادية (أي الحربية) في بدء نظارة شريف باشا أول عهد المغفور له الخديو توفيق باشا، وبعد الاحتلال شغل وظيفة وكيل الحربية.

السواري عدد ضباط وصف ضباط
جملة السواري ١١٦٢٨
لواء الغارديا سليم باشا
١ جي غارديا بقيادة أمير الألاي خورشيد بك ١٣٣٨
٢ جي غارديا بقيادة أمير الألاي محمد بك ١٣٣٨
١ جي سواري مزارق بقيادة الألاي إبراهيم بك ١٢٨٨
١ جي سواري مزارق بقيادة الألاي محمد بك ١١٥٢
٢ جي سواري مزارق بقيادة الألاي شاهين بك ٨٣٠
٣ جي سواري بقيادة أمير الألاي عثمان بك ١٠٩٥
٤ جي سواري بقيادة أمير الألاي محمد بك ٨٦٧
٥ جي سواري بقيادة أمير الألاي حسين بك ١٣٥٩
٦ جي سواري ٨٥١
٧ جي سواري بقيادة أمير الألاي علي فهمي بك ٧٦٨
٨ جي سواري بقيادة أمير الألاي علي رضا بك ٧٤٢

ملاحظات:

ألايات السواري مكونة من ٦ أورط، وكل أورطة تحت قيادة ضابط برتبة يوزباشي، ويوجد غير أمير الألاي قائمقام قائد ثان وبكباشيان.

طوبجية الميدان
البيادة عدد ضباط وصف ضباط وعسكر
المجموع ٦٧٧٥
لواء الطوبجية البيادة والسواري حاذق باشا
١ جي طوبجية بيادة بقيادة أمير الألاي مصطفى بك ٢٥٢٦
٢ جي طوبجية بيادة بقيادة أمير الألاي حسين بك ٢٧٦٣
ألاي طوبجية سوارى (القائد غير معروف) ١٤٨٦

ملاحظات:

  • (١)

    كل ألاي من طوبجية الميدان البيادة مكون من ٤ أورط، وكل أورطة تحت قيادة ضابط برتبة بكباشي وبها ٣ بطاريات، ولكل بطارية ٦ مدافع؛ فيكون عدد مدافع الأورطة ١٨ مدفعًا، وعدد مدافع الألاي ٧٢ مدفعًا.

  • (٢)

    ألاي الطوبجية السواري به ٤ بطاريات، وكل بطارية بها ٦ مدافع فيكون عدد مدافعه ٢٤ مدفعًا.

    طوبجية السواحل
    عدد ضباط وصف ضباط وعسكر
    جملة الطوبجية ١٢٥٧١
    ما قبله ٦٧٧٥
    محافظ السواحل يوسف باشا
    ١ جي طوبجية سواحل بقيادة أمير الألاي سليمان بك ٢٩٥٤
    ٢ جي طوبجية سواحل بقيادة أمير الألاي علي بك ٢٨٤٢

ملاحظة:

كل ألاي من طوبجية السواحل مكون من ٤ بلوكات تحت قيادة ضابط برتبة بكباشي.

الجملة
عدد ضباط وصف ضباط وعسكر
المجموع ٩٣٩٤٧
البيادة ٦٩٧٤٨
السواري ١١٦٢٨
طوبجية الميدان ٦٧٧٥
طوبجية السواحل ٥٧٩٦
وهذا الجيش بلغ غاية النظام واستكمل العَدد والعُدد، وإلى القارئ بيان تأليف ألاي من ألاياته وهو ١ جي بيادة؛ ليعلم مقدار ما كان عليه من كامل الاستعداد والترتيب:
الأسماء العدد المجموع
الجملة ٥٦٥٤
القيادة أمير ألاي قائد أول ١
قائمام قائد ثانٍ ١ ٢
ضباط أركان الحرب بكباشي ١
صاغقول أغاسيان ٢
يوزباشيان ٢
ملازمان أولان ٢
ملازمون ثانون ٣ ١٠
ضباط الأورط بكباشية ٦
صاغقول أغاسيه ٦
صولقول أغاسيه ٦
يوزباشيا ٢٤
ملازمًا أول ٢٤
ملازمًا ثانيًا ٤٨ ١١٤
علمدار علمدار أول يوزباشي ١
علمدار ثانٍ ملازم أول ١ ٢
مشايخ أئمة الأورط ٦ ٦
الكتبة كاتب أول ١
كتبة ٥ ٦
القسم الطبي طبيب أول يوزباشي ١
طبيب ملازم أول ١
طبيب ملازم ثانٍ ١
أجزجي ملازم أول ١
ناظر المستشفى ملازم أول ١
تمرجية ١٥ ٢١
بلوك الموسيقا تعليمجي يوزباشي ١
صف ضباط وعسكر ٥٥ ٥٦
بلوك الورشة يوزباشي ١
ملازم أول ١
ملازم ثانٍ ١
صف ضباط وعسكر ١٣٧ ١٤٠
بلوك الصنايعية يوزباشي ١
ملازم أول ١
ملازم ثانٍ ١
صف ضباط وعسكر ١١٢ ١١٥
١ جي أورطة صف ضباط وعسكر ٨٦٥ ٨٦٥
٢ جي أورطة صف ضباط وعسكر ٨٩٤ ٨٩٤
٣ جي أورطة صف ضباط وعسكر ٨٨٥ ٨٨٥
٤ جي أورطة صف ضباط وعسكر ٨٥٨ ٨٥٨
٥ جي أورطة صف ضباط وعسكر ٨٤١ ٨٤١
٦ جي أورطة صف ضباط وعسكر ٨٣٩ ٨٣٩
وفي ٢١ رمضان سنة ١٢٦٩هـ/٢٨ يونية سنة ١٨٥٣م أمر الوالي عباس باشا الأول بالإسراع في جمع أورط هذه النجدة، وإرسالها أولًا فأول إلى الإسكندرية لتسافر منها بحرًا، وأن يصرف لكل فرد من ضباطها وعساكرها مرتب ثلاثة أشهر مقدمًا للإنفاق منها على حوائجهم الشخصية، وهاك نص الإرادة السنية التي صدرت بهذا الخصوص:

إرادة صادرة إلى الكتخدا بتاريخ ٢١ رمضان سنة ١٢٦٩ رقم ١١٤ ومقيدة بدفتر تركي صادر المعية بالصفحة رقم ١٠٩

لاستصوابنا أن يصرف لكل فرد من ضباط وعساكر البرية المقتضى إرسالهم إلى ذاك الطرف ثلاثة أشهر مقدمًا تحت الحساب من استحقاقاتهم؛ لأجل أن يقضوا لوازمهم الشخصية، كرأي سعادتكم بأفادتكم المؤرخة ٢١ رمضان سنة ١٢٦٩ يلزم المبادرة بصرفها حسب المشروح، ثم إن الأورط التي يصير استكمالها مع ضباطها يلزم بذل الاهتمام بإرسالها أورطة أورطة أول فأول إلى الإسكندرية حسب اشعار أمس، وكذا عند استكمال ترتيب الألايات تعين ميرالاياتها وترسل أيضًا، وحيث يجب أيضًا أن يصرف للبحرية المسافرين بالسفن الجاري تجهيزها التي ستتحرك بعد عشرة أيام أو خمسة عشر يومًا جزء من ماهياتهم فيلزم طلب كشوفاتهم قبل ساعة واستحضار النقود التي تلزم وتجهيزها، ونظرًا لأهمية هذه المصلحة فالأمل من عطوفتكم الإسراع في إنجاز ذلك بكل دقة واعتناء؛ وهذا مطلوبنا.

من بنها
ختم
عباس الأول
وفي ٢٤ رمضان من السنة المذكورة (أول يوليه سنة ١٨٥٣م) أصدر الوالي إلى إبراهيم الألفي بك محافظ الإسكندرية الإرادة السنية الآتية بتعيين القبودانات الواردة أسماؤهم فيها لسفن الأسطول المصري، وهاك نص هذه الإرادة:
إرادة سنية ومعها بيان السفن التي سافرت مع الحملة للآستانة مؤرخة في ٢٤ رمضان سنة ١٢٦٩ ومقيدة بالدفتر رقم ٤٨٤ بالصفحة رقم ١١٢ تحت رقم ٦٣
السفينة والوابور عدد
فقط اثنتي عشرة قطعة ١٢
السفينة مفتاح جهاد، غليون، قبودانها القائمقام طاهر بك. ١
السفينة جهاد أباد، غليون، قبودانها القائمقام خليل بك. ١
السفينة فيوم، غليون، قبودانها القائمقام محمود بك. ١
السفينة رشيد من نوع الفرقتين، قبودانها البكباشي مرجان قبطان. ١
السفينة شير جهاد من نوع الفرقتين، قبودانها البكباشي خورشيد قبودان. ١
السفينة دمياط من نوع الفرقتين: قبودانها البكباشي أحمد شاهين قبودان. ١
السفينة بحيرة من نوع الفرقتين: قبودانها البكباشي حجازي أحمد قبودان. ١
السفينة النيل من نوع الفرقتين: قبودانها القائمقام عبد الحميد قبودان. ١
السفينة جناح بحري، قروت: قبودانها الصاغقول أغاسي زنيل قبودان. ١
السفينة جهاد بيكر، قروت: قبودانها الصاغقول أغاسي حسن الأرناؤطي قبودان. ١
وابور بروانه بحري: قبودانه الصاغقول أغاسي صالح قبودان. ١
وابور جويليت صاعقة: قبودانه الصاغقول أغاسي طاهر قبودان. ١

إلى ألفي بك محافظ إسكندرية

بناءً على الإفادتين الواردتين من طرفكم رقم ٥ و٢٢ رمضان سنة ١٢٦٩ (١٢ و٢٩ يونيه سنة ١٨٥٣م) بخصوص قبودانات الاثنتي عشرة سفينة التي ستسافر للآستانة قد اقتضت إرادتنا بتعيين القبودانات المحررة أسماؤهم أعلاه كل منهم قبودانًا للسفينة المحرر اسمه أمامها، وقد حرر لعلمكم بذلك والإجراء على مقتضاه.

٢٤ شهر رمضان سنة ١٢٦٩
من بنها
ختم
عباس الأول
figure
الفريق حسن باشا الأسكندراني أمير البحر المصري

(٣) النجدة البحرية المصرية

عهد بقيادة العمارة البحرية المصرية أو الأسطول المصري في هذه الحرب إلى أمير البحر الفريق حسن باشا الإسكندراني، الذي كان أصله من مماليك محمد علي باشا ثم درس فنون البحرية بفرنسا؛ إذ كان تلميذًا في البعثة العلمية التي أرسلت إليها عام ١٨٢٦م، وهو جد المرحومين الباشاوات محمد محسن وحسن محسن وأحمد محسن من أهالي الإسكندرية، وقد سُمي باسم حسن باشا الإسكندراني الشارع المعروف باسمه فيها، وكان هذا الأسطول مؤلفًا من اثنتي عشرة قطعة مختلفة الطول والحجم ومزودًا بالميرة والذخيرة.

وهاك بيان قطع هذا الأسطول وعدد مدافع كل قطعة وجنودها:
عدد الجنود
٦٤٢ مدفعا ٦٨٥٠ جنديا
الفريق حسن باشا الإسكندراني قائد عام الجيش البحري ١
أركان حرب وتوابع الفرقة ٥٠
الغليون مفتاح جهاد وبه ١٠٠ مدفع بقيادة القائمقام طاهر بك ١٠٤٠
الغليون جهاد أباد وبه ١٠٠ مدفع بقيادة القائمقام خليل بك ١٠٤٠
الغليون الفيوم وبه ١٠٠ مدفع بقيادة القائمقام خليل بك ١٠٤٠
الفرقاطة رشيد وبه ٦٠ مدفع بقيادة البكباشي مرجان قبودان ٦٣١
الفرقاطة شير جهاد وبه ٦٠ مدفع بقيادة البكباشي خورشيد قبودان ٦٣١
الفرقاطة دمياط وبه ٦٠ مدفع بقيادة البكباشي أحمد شاهين قبودان ٦٣١
الفرقاطة البحيرة وبها ٦٠ مدفعًا بقيادة البكباشي حجازي أحمد قبودان ٦٣١
وابور النيل وبه ٣٠ مدفعًا بقيادة القائمقام عبد الحميد قبودان ٣٧١
قرويت جناح بحري وبه ٢٤ مدفعًا بقيادة الصاغقول أغاسي زنيل قبودان ٢١٣
قرويت جهاد بيكر وبه ٢٤ مدفعًا بقيادة الصاغقول أغاسي حسن ارنئود قبودان ٢١٣
جويليت الصاعقة وبه ١٢ مدفعًا بقيادة الصاغقول أغاسي طاهر قبودان ١٧٩
الوابور بروانه بحري وبه ١٢ مدفعًا بقيادة الصاغقول أغاسي صالح قبودان ١٧٩
وفي ٢٧ رمضان سنة ١٢٦٩هـ (٤ يوليه سنة ١٨٥٣م) أصدر الوالي عباس الأول إلى إبراهيم ألفي بك محافظ الإسكندرية الإرادة السنية الآتية بصرف ثلاثة أشهر مقدمًا للضباط البحريين الذين سيسافرون بمعية الفريق حسن باشا الإسكندراني أمير الأسطول المصري لقضاء لوازمهم، وها هي:

إرادة إلى ألفي بك محافظ إسكندرية رقم ٦٦ مقيدة بالدفتر رقم ٤٨٤ بالصفحة ١٢٣

حيث إن الحالة تقضي بصرف ثلاثة أشهر مقدمًا للضباط الذين سيسافرون بمعية سعادة حسن باشا قومندان سفن الجهادية من مساعد لغاية القائمقام تحت الحساب من ماهياتهم لأجل مشترى ما يلزمهم؛ فلدى وصول ذلك إلى علمكم بادروا بإجرائه، وحرر هذا للمعلومية.

من بنها
ختم
عباس الأول
٢٧ رمضان سنة ١٢٦٩

(٤) مفردات قطع الأسطول المصري

وحيث إن أنواع هذه السفن غير مستعملة الآن وأمسى ذكرها أثرًا تاريخيًّا ويهم القارئ الوقوف على نظامها وترتيبها؛ فيجدر بنا أن نذكر فيما يلي بيانًا لمفردات كل نوع من هذه السفن الحربية نقلًا عن أوراق دار المحفوظات المصرية، وإليك هذا البيان:
طاقم الغليون
الطاقم عدد
المجموع ١٠٤٠
سواري السفينة قائمقام (قبودان) ١
مفردات السفينة بكباشي ١
صاغقول أغاسيه ٣
يوزباشيان أولان ٢
يوزباشيان ثانون ٦
ملازم أول ١
ملازمون ثانون ٥
مساعدون أولون ١٢
مساعدون ثانون ٨
خوجه أول ١
خوجه ثانٍ ١
خوجه ثالث ١
باش رئيس ١
باش رئيس ثانٍ ١
باش رئيس ثالث ١
إمام السفينة ١
طوبجي أول ١
طوبجيان ثانيان ٢
طوبجي ثالث ١
دومنجي أول (مدير الدفة) ١
دومنجي ثانٍ ١
دومنجي ثالث ١
قلفاط ١
بادبان (قماش ورئيس القلوع) ١
مرانقوز (نجار) ١
قوادرمو(لم نهتد إلى معنى هذه الكلمة ويظهر أنها محرفة) ١
قلاووظ (دليل) ١
عساكر ٩٨٢
طاقم الفرقاطة
الطاقم عدد
المجموع ٦٣١
سواري السفينة بكباشي (قبودان) ١
مفردات السفينة صاغقول أغاسي ١
يوزباشي أول ١
يوزباشية ثانون ٣
ملازمان أولان ٢
ملازمون ثانون ٣
مساعدون أولون ١٠
مساعدون ثانون ٤
طبيب السفينة ١
تمرجي الطبيب ١
سفينة أغاسي ١
خوجة أول ٢
خوجة ثان ١
باش رئيس ١
باش رئيس ثانٍ ١
مخزنجي أول ١
إمام السفينة ١
جبخنجي أول ١
جبخنجي ثانٍ ١
طوبجي باشي أول ١
طوبجي باشي ثانٍ ١
طوبجي باشي ثالث ١
دومنجي باشي أول (مدير الدفة) ١
دومنجي باشي ثانٍ ١
دومنجي باشي ثالث ١
باش قلفاط ١
بادبان أول، (قماش ورئيس القلوع) ١
بادبانان ثانيان ٢
مرانقوز (نجار) ١
بربر أول (حلاق) ١
حداد ١
عساكر ٥٨١
طاقم وابور النيل
الطاقم عدد
المجموع ٣٧١
سواري السفينة قائمقام ١
مفردات السفينة بكباشي ١
يوزباشية أولون ٥
يوزباشي ثانٍ ١
ملازمان أولان ٢
ملازمان ثانون ٣
مساعدون أولون ٤
مساعدان ثانيان ٢
طبيب ١
مهندس أول ١
مهندس ثانٍ ١
خوجه أول ١
خوجه ثانٍ ١
باش ريس ١
مخزنجي أول ١
إمام السفينة ١
طوبجي باشي ١
دومنجي باشي ١
دومنجي باشي ثانٍ ١
قلفاط ١
حداد ١
تلاميذ ٣
عساكر ٣٣٦
طاقم القرويت
الطاقم عدد
المجموع ٢١٣
سواري السفينة صاغقول أغاسي ١
مفردات السفينة يوزباشي أول ١
يوزباشيان ثانيان ٢
ملازمون ثانون ٣
مساعدون أولون ٥
مساعدون ثانون ٤
طبيب السفينة ١
خوجة السفينة ١
باش ريس ١
إمام السفينة ١
طوبجي باشي ١
دومنجي باشي ١
قلفاط ١
عساكر ١٩٠
طاقم الجويليت
الطاقم عدد
المجموع ١٧٩
سواري السفينة صاغقول أغاسي ١
مفردات السفينة يوزباشي أول ١
يوزباشي ثانٍ ١
ملازمون ثانون ٣
مساعدون أولون ٤
مساعدان ثانيان ٢
طبيب ١
خوجة السفينة ١
باش ريس ١
إمام السفينة ١
طوبجي باشي ١
دومنجي باشي ١
دومنجي ثانٍ ١
عساكر ١٦٠

وأصدر الوالي أيضًا في ٢٧ رمضان سنة ١٢٦٩هـ أربع إرادات سنية: الأولى إلى رئيس دار صناعة الإسكندرية بتحضير جميع لوازم السفن الحربية وترتيبها. والثانية إلى إبراهيم ألفي بك محافظ الإسكندرية بتنظيم سفينة الإمارة البحرية وإعدادها. والثالثة إلى مارف بك مدير البحيرة بتنفيذ طلبات محافظ الإسكندرية الذي عين مشرفًا على دائرة الفريق حسن باشا الإسكندراني وأبعاديته أثناء غيبته في الحرب. والرابعة إلى أمير الألاي مصطفى بك المقيم بالآستانة باختياره في معية أمير البحر المصري. وها هي الإرادات الأربع المذكورة:

١

إرادة إلى مدير ترسانة الإسكندرية رقم ١٧ مقيدة بالدفتر التركي رقم ٤٨٤ بالصفحة ١١٣

قد اقتضت إرادتنا الكريمة بأن تجروا ترتيب وتجهيز جميع اللوازم الضرورية التي تحتاجها السفن التي ستسافر باتفاقكم مع خير الدين باشا لحين قيام سعادة حسن باشا القومندان، كما أن الأشياء التي لم توجد بطرف الميري يجري مشتراها من الخارج، وتنبهون أيضًا خير الدين باشا إلى ذلك شفويًّا، فلدى وصول ذلك إلى علمكم تجتهدون وتسعون في إنجاز هذه المصلحة بكل دقة، وحرر هذا للمعلومية.

٢٧ رمضان سنة ١٢٦٩
من بنها
ختم
عباس الأول

٢

إرادة إلى ألفي بك محافظ الإسكندرية رقم ٦٧ مقيدة بالدفتر التركي رقم ٤٧٤ الصفحة ١٢٣

حيث إن السفينة التي سيركبها سعادة حسن باشا قومندان سفن الجهادية المصرية يجب أن تكون منتظمة يقتضي تنظيم وفرش القمرات من جانب الميري ومشترى طاقم سفري أيضًا وتسليمه للسفينة المذكورة، وقد حرر هذا للمعلومية.

٢٧ رمضان سنة ١٢٦٩
من بنها
ختم
عباس الأول

٣

إفادة إلى عارف بك مدير البحيرة رقم ٢٣ مقيدة بالدفتر التركي رقم ٤٨٤ بالصفحة ١١٤

حيث إن حسن باشا تعين هذه المرة من قبلنا قومندانًا على سفن الجهادية المسافرة للآستانة، وقد أناب عنه صاحب العزة إبراهيم الألفي بك محافظ الإسكندرية لإدارة أشغال دائرته مع العهد والأبعادية لحين حضوره فبمجرد وصول هذا وعلمكم بذلك تبادرون أنتم أيضًا بتنفيذ طلبات المحافظ المشار إليه فيما يختص بأشغال الباشا المشار إليه وتسويتها حسب أصول المديرية، وقد حرر هذا لكم للمعلومية.

٢٧ رمضان سنة ١٢٦٩
ختم
عباس الأول

٤

إفادة إلى أمير الألاي مصطفى بك المقيم بالآستانة رقم ١١٠ مقيدة بالدفتر التركي رقم ٤٨٤ بالصفحة ١١٠

قد اقتضت إرادتنا بأن تكونوا بمعية سعادة حسن باشا المعين هذه المرة قومندانًا على السفن المصرية، فلدى وصول ذلك إلى علمكم تصغون لأوامر وتنبيهات الباشا المشار إليه وتنفذونها حرفيًّا، وتجتهدون في عدم الانحراف عن أوامره ونواهيه، وحرر ذلك للإشعار.

٢٧ رمضان سنة ١٢٦٩
ختم
عباس الأول

(٥) النجدة البرية المصرية الأولى

عهد بقيادة الجيش المصري البري الذي أرسله عباس باشا الأول في بادئ الأمر لمساعدة الدولة في هذه الحرب إلى الفريق سليم فتحي باشا، وهو أنبغ تلاميذ سليمان باشا الفرنساوي رئيس أركان حرب الجيش المصري في عهد محمد علي، وتألف هذا الجيش كما ذكرنا آنفًا من ستة ألايات بيادة وهي ٩ جي و١٠ جي و١١ جي و١٢ جي و١٣ جي و١٤ جي بيادة، ومن ٩ جي ألاي سواري و٣ جي ألاي طوبجية، ويتقدم هذه الألايات كلها أركان حرب القائد العام، وكان عدد هذه الألايات جميعها ١٩٧٢٢ جنديًّا مزودين ﺑ ٧٢ مدفعًا.

figure
اللواء إسماعيل باشا أبو جبل

وقد تألف من الألايات الستة البيادة المذكورة ثلاثة ألوية، فتألف من الأي ٩ جي و١٠ جي بيادة اللواء الأول بقيادة أمير اللواء إسماعيل باشا أبي جبل والد صاحب السعادة محرم بك أبي جبل من أعيان القاهرة المشهورين، وتألف من ألاي ١١ جي و١٢ جي بيادة اللواء الثاني بقيادة أمير اللواء علي شكري باشا، ومن ألاي ١٣ جي و١٤ جي بيادة اللواء الثالث بقيادة أمير اللواء سليمان باشا الأرنئوطي.

أما ألايا السواري والطوبجية فقد تولى قيادتهما أمير اللواء جعفر صادق باشا جد حضرة صاحب العزة جعفر فخري بك وكيل محافظة الإسكندرية سابقًا، وحضرة صاحب المعالي محمود فخري باشا سفير مصر في فرنسا حالًا، وحضرة صاحب العزة سامي عصمت بك مدير أعمال بتفتيش ري قسم ثالث بدمنهور حالًا، وقد صرف لضباط هذه النجدة وجنودها راتب ثلاثة أشهر مقدمًا كما ذكره آنفًا لقضاء لوازمهم الشخصية، وإليك بيان قوة النجدة المذكورة:

قوة النجدة الرتب عدد ضباط وصف ضباط وعسكر
فرق ألوية ألايات أورط
١ جي فرقة الفريق سليم فتحي باشا القائد العام للجيش البري ١
أركان حرب وتوابع الفرقة ٥٠
البيادة:
(١ جي لواء) (٩ جي و١٠ جي بيادة) أمير اللواء إسماعيل باشا أبو جبل ١
أركان حرب وتوابع اللواء ٣٠
٩ جي بيادة محمد رستم بك: أمير ألاي ١
إبراهيم أدهم بك قائمقام ١
أركان حرب وأقسام الألاي ٧١
١ جي أورطة: خورشد أفندي بكباشي ٨٠٩
٢ جي أورطة: محمد أفندي بكباشي ٧٠٨
٣ جي أورطة: حسين راغب أفندي ٧٣٣
١٠ جي بيادة حسين بك: أمير ألاي ١
مصطفى بك: قائمقام ١
أركان حرب وأقسام الألاي ٤١
١ جي أورطة: عبد الكريم أفندي بكباشي ٨٣٨ ٨٣٨
٢ جي أورطة: حسن صادق أفندي بكباشي ٩٩١
٣ جي أورطة: سليم ساطع أفندي بكباشي ٥٢٦٠ ٥٢٢٩ ١٩٨٥ ٩٩٤
٢ جي لواء (١١ جي و١٢ جي بيادة) أمير اللواء علي شكري باشا ١
أركان حرب وتوابع اللواء ٣٠
١١ جي بيادة محمد حافظ بك: أمير ألاي ١
خورشد بك: قائمقام ١
أركان حرب وأقسام الألاي ٦٥
١ جي أورطة: داود أغا بكباشي ٨٨٠
٢ جي أورطة: صالح أفندي بكباشي ٨٦٠
٣ جي أورطة: مصطفى أفندي بكباشي ٢٦١٠ ٨٧٠
١٢ جي بيادة الحاج رشوان بك: أمير ألاي ١
عبد الرحمن بك: قائمقام ١
أركان حرب وأقسام الألاي ٥٢
١ جي أورطة: إبراهيم أغا بكباشي ٨٥٠
٢ جي أورطة: عبد الحميد أغا بكباشي ٨٢٥
٣ جي أورطة: عبد الرحمن أفندي بكباشي ٥٢٦٩ ٥٢٣٨ ٢٥٠٧ ٨٣٢
٣ جي لواء (١٣ جي و١٤ جي بيادة) أمير اللواء سليمان باشا الأرنئوطي ١
أركان حرب وتوابع اللواء ٣٠
١٣ جي بيادة مصطفى بك: أمير ألاي ١
نجم الدين بك: قائمقام ١
أركان حرب وأقسام الألاي ١٦٠
١ جي أورطة: الحاج فضل الله أغا بكباشي ٨٢٠
٢ جي أورطة: محمد أغا بكباشي ٨١٥
٣ جي أورطة: محمد سعيد أفندي بكباشي ٢٤٤٧ ٨١٢
١٤ جي بيادة علي بك: أمير ألاي ١
محمد بك: قائمقام ١
أركان حرب وأقسام الألاي ٦٧
١ جي أورطة: صادق أغا بكباشي ٨٠٥
٢ جي أورطة: علي أفندي بكباشي ٨٠٧
٣ جي أورطة: مصطفى أفندي بكباشي ٥١٢٤ ٥٠٩٣ ٢٤١٥ ٨٠٣
جملة البيادة ١٥٧٠٤
السواري: أمير لواء السواري الطوبجية: جعفر باشا صادق ١
أركان حرب وتوابع اللواء ٣٠
٩ جي سواري عثمان بك: أمير ألاي ١
محمد صدقي بك: قائمقام ١
محمد ثابت أفندي: ١ جي بكباشي ١
أحمد عوني أفندي: ٢ جي بكباشي ١
أركان حرب وأقسام الألاي ٤٥
٦ أورط وقائد الأورطة: يوزباشي ١٢٦٠ ١٢١١ ١٢١١
جملة السواري ١٢٩١
الطوبجية:
٣ جي طوبجية إسماعيل بك: أمير ألاي ١
خورشد بك: قائمقام ١
أركان حرب وأقسام الألاي ٥٣
١ جي أورطة: علي وهبي أفندي بكباشي ٧١٤
٢ جي أورطة: مصطفى حمدي أفندي بكباشي ٦٤٦
٣ جي أورطة: عبد الحليم أفندي بكباشي ٦٧٢
٤ جي أورطة: محمد خلوصي أفندي بكباشي ٢٦٧٢ ٦٤٠
جملة الطوبجية ٢٧٢٧
figure
اللواء جعفر باشا صادق
ملاحظة:

لكل بطارية ٦ مدافع، ولكل أورطة ٣ بطاريات فيكون عدد مدافع الأورطة ١٨ وعدد مدافع الألاي ٧٢.

(٦) مجموع قوات النجدتين البحرية والبرية

الجيوش عدد المدافع عدد الجنود البيادة السواري الطوبجية
المجموع ٧١٤ ٢٦٥٧٢ ١٥٧٠٤ ١٢٩١ ٢٧٢٧
الجيش البحري ٦٤٢ ٦٨٥٠ ١٥٧٠٤ ١٢٩١ ٢٧٢٧
الجيش البري ٧٢ ١٩٧٢٢

•••

وفي ٢٨ رمضان سنة ١٢٦٩هـ (٥ يوليه سنة ١٨٥٣م) أرسل الكتخدا إفادتين؛ إحداهما إلى أمير البحر الفريق حسن باشا الإسكندراني بخصوص نقل جنود النجدة البرية في السفن المعدة لهم وتسفيرهم إلى الآستانة، والثانية إلى أمير اللواء علي بك تنبيهًا له بسرعة الحضور لتولي قيادة الألايات التي عُين مأمورًا عليها، وها هما الإفادتان المذكورتان:

١

إفادة من الكتخدا إلى حسن باشا باشبوغ (أمير) الدونتما المصرية رقم ١٣٣

بعد أن صار عرض ملحوظاتكم الخاصة باركاب عساكر البرية المقتضى إرسالهم إلى الآستانة العلية في السفن التسع المعدة للقيام بعد أيام قليلة صدر النطق الكريم بإركاب الأربعة الألايات المجهزة وترحيلهم حين قيام هذه السفن، وبعد ختام تعمير سفن القباق يصير إركاب الألايين الباقيين وترحيلهما إلى المحل المقصود، ثم التصريح أيضًا للسفن بأن ترسو ببعض الموانئ لأخذ المياه حيث لا يوجد مانع من ذلك، وحرر هذا للمعلومية.

٢٨ رمضان سنة ١٢٦٩
ختم

٢

إفادة صادرة من الكتخدا إلى اللواء علي بك رقم ١٧٢ مقيدة بالدفتر التركي رقم ٦٤٦

قد حرر لكم فيما سبق إشعار بتعينكم مأمورًا على الألايات المستعدة للسفر، ولمناسبة عدم حضوركم إلى الآن حرر هذا إشعارًا لكم بسرعة الحضور حالًا بدون إضاعة الوقت بمجرد وصوله، وحرر هذا للمعلومية.

٢٨ رمضان سنة ١٢٦٩
وفي ٣ شوال سنة ١٢٦٩هـ (١٠ يوليه سنة ١٨٥٣م) أرسل الكتخدا إلى حسين باشا أمير لواء ٢ جي و٧ جي ألاي بيادة بالإسكندرية إفادة بتسليم بذل بيضاء نظيفة لجنود الأسطول المصري المسافرين إلى الآستانة، وإليك نص هذه الإفادة:

إفادة إلى حسين باشا لواء ٢ جي و٧ جي بيادة بالإسكندرية رقم ١١٢ مقيدة بالدفتر التركي رقم ٤٧٤ بالصفحة ١١٠

حيث إن أمرنا يقضي بأخذ بذلة بيضاء من كل عسكري من العساكر الذين تحت إدارتكم لعساكر الدونتما المسافرين؛ فبوصول أمرنا إليكم تجرون تسليم بذل بيضاء نظيفة للدونتما حسب الأصول بمقدار العساكر البحرية المسافرة بدون تأخير، وحرر هذا للمعلومية.

٣ شوال سنة ١٢٦٩
ختم

(٧) قيام النجدتين واستقبالهما في الآستانة

وفي ١٧ يوليه سنة ١٨٥٣م حشدت في الإسكندرية خمسة ألايات من النجدة البرية الأولى المسافرة إلى الآستانة، وفي يوم ١٨ من هذا الشهر أرسل الكتخدا إلى مهردار الوالي إفادة يطلب فيها عرض نبأ حشد هذه الألايات على أعتاب سمو الوالي، وها هي:

إفادة من الكتخدا إلى المهردار في ١١ شوال سنة ١٢٦٩هـ (١٨ يوليه سنة ١٨٥٣م) رقم ٣١٠ مقيدة بالدفتر التركي رقم ٦٤٦

اعرضوا على الأعتاب العلية وصول خمسة ألايات أمس إلى الإسكندرية من الألايات الستة المقتضى تسفيرها، أما الثلاث الأورط الباقية من الألاي السادس فإن شاء الله ببركة أنفاس الجناب العالي المقدسة سيصير تجهيزهم وترحيلهم لمحل مقصودهم في ظرف هذين اليومين، وقد حرر هذا للمعلومية. ا.هـ.

وبعد بضعة أيام من هذا التاريخ حشد الألاي السادس من النجدة البرية الأولى، وسافرت جنودها وجنود النجدة البحرية على السفن الحربية ونقالات أخرى في الخمسة عشر يومًا الأخيرة من شهر يوليه المذكور.

وقبل إبحارهم قدم عباس باشا إلى الإسكندرية لاستعراضهم. وخطب فيهم حاثًّا على القيام بالواجب؛ ليشرفوا بلدهم ويرفعوا رأسه ويشرفوا أيضًا قدر أنفسهم.

figure
معسكر الجنود المصرية بميناء (بيكوس) التي على البسفور. نقلا عن الجريدة الانكليزية المصورة (ذي اللسترتيد لندن نيوز The Illustrated London News) بالعدد ٢٣ بتاريخ ٢٤ سبتمبر سنة ١٨٥٣. ص ٢٦١ ويرى أمام المعسكر بعض قطع الاسطول المصري.

واستغرقت رحلتهم هذه حوالي ثلاثة أسابيع؛ لأن الأسطول رسا في عدة مرافئ في طريقه ليمتار ماء وزادا، ووصل الآستانة يوم الأحد ١٤ أغسطس سنة ١٨٥٣م، وفي أثناء الطريق توفي ٢٠ نفسًا ووقع ٣٠٠ في مخالب المرض، ولدى وصولهم أنزلوا إلى البر وأدخلوا في المستشفيات.

وعندما وصل جنود هاتين النجدتين إلى الآستانة استقبلهم سعادة محمد علي باشا سر عسكر الجيش التركي، وسعادة محمود باشا أمير العمارة البحرية التركية، وسعادة المشير محمد باشا قائد حرس السلطان، ولما نزلت الجيوش من السفن أوصلوها إلى (بيكوس) القائمة على البسفور في معسكر أُعد لها بأمر السلطان عبد المجيد زُود بالأطعمة والطهاة.

ومن الاتفاق العجيب أن هذا الموضع الذي نزلوا فيه هو نفس الموضع الذي كان يعسكر فيه الجيش الروسي من عشرين سنة مضت؛ بناءً على استدعائه من قبل السلطان محمود ليعاونه في الحيلولة دون تقدم جيش إبراهيم باشا الظافر إلى الآستانة، وأن مضارب القواد المصريين نصبت قرب الحجر الذي نصب تخليدًا لذكرى إقامة الجيوش الروسية في هذا المكان، وهكذا شاء القدر أن يعكس الحال في هذه المرة فجعل الجنود المصرية يحلون محل الجنود الروسية في هذا المكان، ويحاربون مع الدولة هؤلاء الجنود الذين حاربوهم معها.

وهاك ترجمة ما ورد في جريدة (ذا اللسترتيد لندن نيوز) The Illustrated London News بعددها الصادر في ٣ سبتمبر سنة ١٨٥٣م عن نبأ وصول الأسطول المصري إلى الآستانة، والمعسكر الذي أعد لنزول الجنود المصرية فيه:

أحدث قدوم الأسطول المصري إلى مياه الآستانة في يوم الأحد ١٤ الشهر الماضي (أغسطس) هزة فرح وضجة انشراح، وقد جر كل صنف من البوارج باخرتان لإدخال الأسطول في مياه البسفور، فمر أمام المدينة ثم سار في بوغاز البسفور حتى بلغ المعسكر المقابل لطرابية، وقد تبادل التحية عند وصوله إزاء السراي السلطاني، وأيضًا لما صار على مرأى من الأسطول التركي.

وتتألف قطع هذا القسم من الأسطول المصري من بارجتين كل منها ذات طبقتين، وأربع فرقاطات، وحراقتين، وباخرتين بقيادة سليم باشا، وعلى ظهر الأسطول ١٢٠٠٠ جندي بري و٥٠٠٠ جندي بحري، وهو يرسو الآن على مسافة من ميناء (هنكار أسكله سي) UnkiarSkelesai في البسفور تجاه طرابية حيث قد أنشئ معسكر كبير لنزول الجنود المصرية فيه، وموقع هذا المعسكر في سلسلة من الروابي تحيط بوادي (هنكار أسكله سي)، وهو منبسط فسيح من الأرض تغطيه أشجار الدلب الضخمة، ويشبه كثيرًا المتنزهات الإنكليزية، وهو غاية في البهاء، وهذا المكان هو نفس المكان الذي عسكر فيه الروس عندما دعاهم السلطان السابق لمساعدته في محاربة المصريين في ثورتهم على الدولة، وقد أقيم فوق إحدى الربى لتخليد هذا الحادث نصب تذكاري نقشت عليه بالتركية العبارة الآتية:

«في هذا السهل حلت الجنود الروسية ضيوفًا كما غادروه ضيوفًا، ويتمنى الذين أقاموا هذا النصب التذكاري الذي كالجبل في شموخه أن يبقى أثرًا وذكرى، وأن يظل التحالف بين الدولتين في رسوخ هذه الكتلة الحجرية وصلابتها، وأن يدوم رمز الصداقة هذا كالتحالف بينهما إلى الأبد».

برتو باشا سنة ١٨٣٣

وبعد أن استراحت الجيوش المصرية من عناء السفر شرفها السلطان عبد المجيد بزيارته وعرضه لها، على حين أنه لم يحدث أنه شرف نفس جيوشه مطلقًا بمثل هذا التكريم لا عند ذهابها للحرب، ولا عند عودتها منها، والفرح الذي شمل الجيوش المصرية لدى رؤية الخليفة جاوز كل حد، وأنساها جميع متاعب السفر ومشاقه، وكان كلما انتقل جلالته بين صفوفهم صاحوا هاتفين له بالدعاء.

وأنعم السلطان على كل قائد من القواد بعلبة للتبغ مرصعة بالماس، وعلى كل ضابط وصف ضابط براتب شهر.

ومن غرائب الاتفاق أيضًا أن سلفه السلطان محمود قبل ذلك بعشرين سنة وزع في هذا الموضع عينه أوسمة على الجيش الروسي الذي كان معسكرًا فيه؛ ليصد نفس هذه العساكر المصرية إذا تقدمت نحو الآستانة.

(٨) حركات النجدة البرية المصرية

وبعد إقامة حفلة هذا التكريم الشيقة ببضعة أيام نزلت الجيوش المصرية في نقالات وأبحرت إلى (وارنه) Varna، ومن هذه توجهت إلى حدود (الروم ايلي) عند نهر الدانوب Danube وهناك وزعت ألويتها الثلاثة على مدينة (سلستره) Silistrie، و(بابا داغ) Babadagh و(شملا) Shoumla.
فذهب لواؤها الأول إلى مدينة (سلستره)، وكان هذا اللواء كما ذكرنا آنفًا مؤلفًا من ٩ جي ألاي و١٠ جي ألاي بيادة بقيادة اللواء إسماعيل باشا أبي جبل، وقد أقام هؤلاء الجنود في هذه المدينة حصنًا سمي (طابية العرب) نسبة لمن أقاموه وهم المصريون، وهذا الحصن الذي كانت تعتصم فيه الجنود المصرية هو الذي صد هجمات الروس بقيادة مارشالهم الشهير باسكيفتش Maréchal Paskiévitch على المدينة المذكورة سنة ١٨٥٤م كما سيمر ذكره بعد.

وذهب لؤاها الثاني الى مدينة (بابا داغ) وكان مؤلفًا من ١١ جي ألاي و١٢ جي ألاي بيادة بقيادة اللواء علي باشا شكري.

وذهب إلى (شملا) لواؤها الثالث وكان مؤلفًا من ١٣ جي و١٤ جي ألاي بيادة بقيادة اللواء سليمان باشا الأرنئوطي، و٩ جي ألاي سواري بقيادة اللواء جعفر باشا صادق، و٣ جي ألاي طوبجية بقيادة أمير الألاي إسماعيل بك.

وقد قام كل لواء من الألوية الثلاثة المذكورة بدوره في هذه الحرب وأبلى أحسن البلاء في جميع معاركها.

(٩) حركات الأسطول المصري

أما الأسطول المصري فوزع بين مختلف العمارات التركية فانضمت الفرقاطة دمياط والوابور (بروانه) إلى عمارة الأميرال التركي عثمان باشا التي سافرت إلى ميناء (سينوب) Sinope الواقعة على البحر الأسود، وهناك دمرت المارة الروسية بقيادة الأميرال ناخيموف Nakhimoff العمارة التركية مع هاتين القطعتين في ٣٠ نوفمبر سنة ١٨٥٣م، وكانت قوة هذا القائد الروسي تفوق قوة القائد التركي بمراحل.
أما باقي سفن العمارة المصرية فقطع منها انفصلت في بادئ الأمر عنها للقيام بحراسة جزر الأرخبيل مع العمارة التركية التي فيه، وهذه القطع هي الفرقاطتان رشيد وشير جهاد والقرويتان جناح بحري وجهاد بيكر والجويليت الصاعقة، ثم بعد ذلك انتقلت إلى البحر الأسود حيث كانت القطع الأخرى من سفن الأسطول المصري، واشتركت جميعها في نقل الجيوش من (وارنة) إلى (القرم) ثم انضمت في أوائل مايو سنة ١٨٥٤م إلى أساطيل فرنسا وإنجلترا وتركيا بالبحر الأسود، واشتركت معها في الوقائع التي دارت رحاها ضد الروس، وكان الأسطول العثماني في هذه الوقائع تحت قيادة أمير البحر التركي أحمد قيصر لي باشا، والأسطول المصري تحت قيادة أمير البحر المصري الفريق حسن باشا الإسكندراني.
figure
الفرمان الهمايوني الذي جاء لمصر عن هذه الحرب باللغة التركية

(١٠) إعلان تركيا الحرب على الروسيا

لما لم تنسحب الجيوش الروسية التي كانت قد احتلت ولايتي ملدافيا Moldavie وفلاخيا Valachie اضطرت تركيا أن تعلن الحرب على الروسيا في ٤ أكتوبر سنة ١٨٥٣م، وأرسل السلطان عبد المجيد إلى عباس باشا الأول فرمانًا بالتركية يعلمه فيه بإعلان تركيا الحرب على الروسيا، ويأمره بتنبيه الأهالي إلى الدعاء بنصرة الدولة العلية، وإلى عدم التعرض لرعايا الروس والدول المتحابة في مصر، ومعاملتهم باللين والحسنى.
وإليك ترجمة الفرمان المذكور بالعربية:

ترجمة فرمان همايوني

الدستور المكرم المشير المفخم المحترم نظام العالم مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب متمم مهام الأنام بالرأي الصائب، ممهد بنيان الدولة، مشيد أركان السعادة والإجلال، المحفوف بصنوف عواطف الملك الأعلى، سمير الطبع عباس حلمي باشا والي مصر حالًا، الحائز لرتبة الصدارة الجليلة والنشان المجيدي الهمايوني الأول أدام الله تعالى إجلاله، فليكن معلومًا لدى وصول توقيعي الهمايوني الرفيع، أنه كما هو معلوم للجميع أن قبول مطالب دولة روسيا بأكملها فيما يختص بمسألة الامتيازات الدينية، فضلًا عن أنه يمس حقوق الحكومة واستقلال سلطتنا السنية، فإنه سيكون معاذ الله تعالى موجبًا لأنواع الضرر في الحال والاستقبال؛ ولذلك ولأن الدولة المشار إليها قد أتخذت أيضًا تدابير عسكرية الغرض منها التهديد، فمن جهة دولتنا العلية أيضًا أرسلت قوة عسكرية إلى حدودنا الشاهانية بجهات الأناضول والروم ايلي من قبيل التحفظ والاحتياط، مع بذل أكبر مجهود في سبيل المحافظة على الصلح والسلم اللذين حافظنا عليهما دائمًا معززين ومحترمين طبقًا لأصول وشعائر الإصلاح، ومراعاة العهد من جهة أخرى، ومع أننا اقترحنا مشروع نظام وتعديل في هذا الخصوص، وبذلنا الجهد في اتخاذ كل الوسائل الكتابية، فلم يكن لذلك أي تأثير، وأخيرًا قد عبر الجيش الروسي نهر (بروت) الذي هو رأس الحدود، واحتل مملكتي (الأفلاق) و(البغدان) اللتين هما ميراني الشاهاني، واستولى عليهما، ومع كل هذا فإن حكومتنا السنية وإن كانت سعت بحسن النية في المحافظة على الصلح والسلم بقصد إصلاح ذات البين، إلا أنه لم يكن ذلك، ولهذا قد دُعي جميع الوكلاء الفخام والوزراء العظام والصدور الكرام والعلماء الأعلام والأمراء العسكريين وسائر مأموري سلطتنا السنية إلى بابنا العالي، وعقد به مجلس عمومي في اليومين الثاني والعشرين والثالث والعشرين من شهر ذي الحجة الشريفة، ولما جرى فيه بحث المصلحة بكل أطرافها وإبداء الملاحظة فيها، تبين أنه من حيث إن دولة روسيا رفضت مشروع النظام الذي وافقت عليه دولتنا العلية، فإن هذا النزاع لن يمكن حسمه بطريق الصلح؛ ولذلك ولأن الروسيا نقضت العهد باعتداء جيوشها على ممالكنا المحروسة كما هو معلوم للجميع، وأنه ليس من الموافق أيضًا دوام هذا الحال، فقد تقرر باجماع الآراء اختيار جانب الحرب واتخاذ التدابير العسكرية توكلًا واعتمادًا على عون الله تعالى وعنايته، واستنادًا لأمداد وروحانية الحضرة النبوية، مستعينين بنصرة الله تعالى، وصدرت أيضًا فتوى شرعية بذلك من طرف شيخ الإسلام، ولدى عرض الأمر على ذاتنا الشاهانية والاستئذان، قد رأينا من المناسب إجراء المقتضى لذلك بموجب قرار المجلس العمومي والفتوى الشريفة، وأصدرنا خطنا الهمايوني بذلك، وبمقتضاه المنيف قد أبلغ الأمر إلى فيالقنا الهمايونية بالروم ايلي والأناضول، وإلى جميع ممالكنا المحروسة الشاهانية بإذاعة أوامرنا الملوكانية الخاصة، وبما أن المسئولية في هذه المادة واقعة كلها على دولة روسيا، فقد دعونا وابتهلنا إلى الله تعالى بقلوب مخلصة أن ينصر عساكرنا الشاهانية بحوله وقوته وهو خير الناصرين.

فأنت أيها الوالي المشار إليه عند وصول فرماني الملوكي الجليل العنوان عليك أن تعلن ذلك لأهالي جميع الجهات الواقعة تحت إدراتك وتذيعه، وأن تنبه عليهم وتفهمهم بأن يشتغلوا جميعًا بالدعاء بنصرة دولتنا العلية، كما هو مفروض عليهم ويواظبوا على ذلك، هذا وبما أن هذه الحرب هي ضد دولة أرادت الاعتداء على حقوق دولتنا العلية واستقلالها بدون أي حق أو سبب، ولم يطرأ بسببها أي تغيير على العلاقات الودية التي بين سلطنتنا السنية وبين سائر الدول المتحابة، فيجب عدم وقوع أي تعرض أو سوء معاملة من أحد لتجار ورعايا هذه الدول الموجودين بالممالك المحروسة بقصد التجارة والسياحة، ولكافة رعايانا من مختلفي الأديان الذين نعد شرعًا أرواحهم وأعراضهم وأموالهم كأرواحنا وأعراضنا وأموالنا، وأن يكونوا على الدوام مشمولين بالعدل والأمن والراحة طبقًا لأحكام الشريعة المنيفة المطهرة، وحاصل الكلام أنه كما سبق أن أعلنا أنه لا يجوز شرعًا ولا عقلًا أن يكون رعايا دولتنا العلية الذين لهم علاقة دينية مع دولة روسيا مسئولين عن أعمال الدولة المشار إليها المعلومة؛ لأن دعوى هذه الدولة هي لأجل نفوذها ومصالحها فقط، وحيث إن الامتيازات الدينية التي منحت من قبل أجدادي العظام لهؤلاء الرعايا قد تقررت وتوسعت تحت حماية دولتنا العلية الخاصة منذ مئات من السنين، وهم أيضًا يعلمون بأن تمسك دولة روسيا الآن بحق حماية الامتيازات المذكورة سيكون سببًا يضعف عقائدهم الدينية، وحيث إن من أسباب الانتصار أن يعيش جميع رعايانا على اختلاف أجناسهم مع بعضهم بحالة حسنة، وأن لا يكدر أحدهم صفو الآخر ولا يهينه ولا يضره بأي حال وفي أي مكان، وأن يبذلوا جميعًا بالاتحاد والاتفاق كل ما في وسعهم في خدمة الوطن العامة. ففهمْ الجمهور كل ذلك تفصيلًا، وابذلْ جهدك في أن لا يحدث من أحد ما يخالف رضانا الهمايوني، وفهمْ كل شخص جيدًا من الآن أنه قد سبق أن قرر المجلس العمومي وأيده المجلس العمومي هذه المرة أيضًا، أن من يأتي عملًا مغايرًا للتنبيهات المشروعة المشروحة عن جهل أو غفلة أو لأغراض شخصية؛ سيكون مسئولًا عن عمله ويعاقب عقابًا شديدًا، فليعلموا ذلك ويعملوا بموجبه، وعلى كل حال اهتم واعتن بإجراء ما يلزم لذلك بدرايتكم ورويتكم، واعلم ذلك واعتمد على علامتنا الشريفة.

تحريرًا في أوائل شهر محرم الحرام سنة سبعين ومئتين وألف.

ختم

(١١) الحالة في مصر بعد إعلان الحرب

ويجدر بنا بعد ذلك أن ننقل هنا عن الجريدة الإنكليزية (أخبار لندن المصورة) — ذا اللستريد لندن نيوز The Illustrated News — كلمة بعث بها إليها مكاتبها بالإسكندرية يصف فيها الحالة في مصر بعد تطور المسألة الشرقية، وإعلان تركيا الحرب على روسيا، وقد نشرتها بعددها الصادر بتاريخ ٢٢ أكتوبر سنة ١٨٥٣م تحت عنوان (الحركات الحربية في مصر) وهاك ترجمتها:

الإسكندرية في ٦ أكتوبر سنة ١٨٥٣

كان من نتائج تطور المسألة الشرقية أن حل بالتجارة المصرية كساد عظيم، وقد زاد الطين بلة فيضان النيل في هذا العام فيضانًا لم تشهده البلاد من قبل، وطبيعي أن هذا يؤخر كثيرًا أعمال الزراع.

وقد أصدر باشا مصر أمرًا بمنع تصدير القمح إلى الخارج؛ إذ يقال: إنه يخشى أن يصيب البلاد قحط.

وفي الميناء الآن قليل من المراكب التجارية بالنسبة لعددها في غير هذه الظروف، وكل ما في الميناء من السفن الحربية في الوقت الحاضر هو بارجة أميرال الأسطول المصري المسماة (فيض جهاد) وهي فاخرة وذات ثلاث طبقات، والفرقاطة البخارية الجديدة مصنوعة من الحديد، وثلاث بواخر أخرى أصغر من السابقتين وحراقتان، أما باقي الأسطول فإنه يتجول في مياه الآستانة.

وبلغ مجموع القوات التي أرسلها عباس باشا إلى الآن لمعونة السلطان ٢٢٠٠٠ جندي، وذلك عدا البحارة الذين في البوارج المصرية بتركيا، ويشاع هنا أن الوالي ينوي إرسال قوة أخرى إضافية قريبًا.

وقد حظر على رعايا عباس باشا الخوض في المسألة التركية غير أن المشاهد هنا أن للناس مع افتخارهم بثناء السلطان على همة إخوانهم المحاربين ومقدرتهم؛ فإنهم لا يكادون يرون من الإنصاف أن يبعث بهم ليتلقوا أول صدامات الحرب؛ لأنهم قوة صغيرة بالنسبة لقوة أعدائهم الروس.

وعند الباشا في الوقت الحاضر ٤٠٠٠٠ جندي تحت السلاح عدا الذين يحاربون في تركيا الآن وعددهم ٢٢٠٠٠ جندي، وفي حامية الإسكندرية ٨٠٠٠ جندي.

أما لباس الجيش المصري فهو البذلة العسكرية النظامية وهي تصنع في الشتاء من نسيج أزرق خشن وفي الصيف من نسيج القطن الأبيض، وأما سلاح أكثر جنوده فهو بندقية فرنسية ذات شطف، والحقيقة أن الذي أكسبهم شدتهم الحربية هو في الغالب قوة أبدانهم لا قوة عددهم.

ولا تزال الأعمال جارية في مد الخط الحديدي،١ وإن كان العمل فيه قد تأخر عن ذي قبل بسبب انسحاب العدد الأكبر من الرجال للخدمة في تركيا. ا.هـ.

(١٢) النجدة البرية المصرية الثانية

وعندما بلغ عباس الأول فرمان إعلان تركيا الحرب على روسيا أمر بإعداد نجدة برية أخرى مؤلفة من ثلاثة آلايات بيادة؛ هي ١٥ جي و١٦ جي و١٧ جي بيادة، ومجموعها ٨٤٦٦ جنديًّا، ومن ١ جي أورطة من ١ جي ألاي طوبجية، ومجموع جنودها ٦١٢ جنديًّا، ومدافعها ١٨ مدفعًا، وتألفت الثلاثة الألايات البيادة المذكورة من اللواء الرابع بقيادة أمير اللواء إبراهيم شركس باشا، ويتقدم هذه الألايات جميعها أركان حرب هذا اللواء وتوابعه وعددهم جميعًا ٣١، فيكون مجموع جنود هذه النجدة الثانية ٩١٠٩ من الجنود، وهاك بيان قوتها:

جنود النجدة الرتب عدد ضباط وصف ضباط وعسكر
فرق ألوية ألايات أورط
٤ جي لواء (١٥ جي و١٦ جي و١٧ جي بيادة) أمير اللواء إبراهيم شركس باشا ١
أركان حرب وتوابع اللواء ٣٠
١٥ جي بيادة إبراهيم بك: أمير ألاي ١
يوسف غالب بك: قائمقام ١
أركان حرب وأقسام الألاي ٦٤
١ جي أورطة مصطفى أفندي: بكباشي ٩٥٧
٢ جي أورطة محمد صدقي أفندي: بكباشي ٩٣٠
٣ جي أورطة أحمد حمدي أفندي: بكباشي ٢٨٣٧ ٩٥٠
١٦ جي بيادة أحمد بك: أمير ألاي ١
فرهاد بك: قائمقام ١
أركان حرب وأقسام الألاي ٥٥
١ جي أورطة أحمد أغا: بكباشي ٩٥٥
٢ جي أورطة جعفر أغا: بكباشي ٩٥٥
٣ جي محمد أفندي: بكباشي ٢٨٥٨ ٩٤٨
١٧ جي بيادة رجب بك: أمير ألاي ١
خسرو بك: قائمقام ١
أركان حرب وأقسام الألاي ٤٣
١ جي أورطة أحمد عوني أفندي: بكباشي ٨٧٦
٢ جي أورطة محمد حافظ أفندي: بكباشي ٨٦٣
٣ جي أورطة رسول أغا: بكباشي ٨٤٦٦ ٢٦٠٣ ٨٦٤
جملة البيادة ٨٤٩٧
١ جي أورطة من ١ جي طوبجية شاكر حسن أفندي: بكباشي ٦١٢
جملة الطوبجية ٦١٢

ملاحظة

عدد المدافع لكل بطارية ٦، وعدد البطاريات لكل أورطة ٣، فيكون عدد المدافع للأورطة ١٨ مدفعا.

جملة جنود هذه النجدة
الجملة ٩١٠٩
البيادة ٨٤٩٧
الطوبجية ٦١٢

وفي ٧ محرم سنة ١٢٧٠ هـ (١٠ أكتوبر سنة ١٨٥٣ م) أصدر الوالي إلى كتخداه حسن باشا المنسترلي إرادة سنية بإجراء اللازم لجمع جنود هذه الألايات، وإعدادهم للسفر على جناح السرعة، وحسن باشا المنسترلي هذا كان منصبه يعادل رئيس مجلس الوزراء الآن، وقد ظل في منصبه هذا كما أخبرنا بذلك حضرة صاحب السعادة أمين سامي باشا من ١٩ ربيع الأول سنة ١٢٦٦ إلى ٣ جمادى الثانية سنة ١٢٧٠هـ (من ٢ فبراير سنة ١٨٥٠ إلى ٣ مارس سنة ١٨٥٤م).

وهو جد البكوات محمد علي فؤاد وأمين بك فؤاد وكيل مدير قلم القيودات بوزارة الخارجية سابقا، وقائم بأعمال المفوضية المصرية ببخارست حالا، والاثنان نجلا إبراهيم باشا فؤاد المنسترلي وزير الحقانية سابقًا، وها هي الإرادة السنية المذكورة:

إرادة سنية إلى الكتخدا بتاريخ ٧ محرم سنة ١٢٧٠هـ مقيدة بالدفتر التركي رقم ٤٨٤ بالصفحة ١٧٥

قادم إلى دولتكم أحد معاوني معيتنا البكباشي عثمان أفندي بخصوص أمر الثلاثة الألايات البيادة، والثلاث البطاريات التي سترسل بأفرادها وضباطها تحت قيادة قائد برتبة لواء بسبب إعلان الحرب بين الدولة العلية، والروسيا التي وقفتم على تفصيلاتها من أمين باشا ناظر الجهادية، فلدى وصوله عندكم، وعلمكم منه بتفصيلات ما اقتضته إرادتنا تقومون حالًا وتتوجهون إلى ديوان الجهادية، وتقيمون هناك لإجراء اللازم مع العلم أيضا بأن قد صدرت أوامرنا يوم تاريخه إلى جميع مديري مديريات الصعيد بسرعة جمع أفراد الجنود اللازمة من المديريات مجهزين بملابسهم وأسلحتهم وبأن يتم ذلك في مدة عشرين يومًا، وصار إخطارهم بأنه إن لم يتم ذلك ويرحلوا في ظرف ثمانية أيام ينفوا إلى أبي قير، وقد أرسل اللواء علي سري باشا من مصر إلى الصعيد مع علي باشا الأرنئوطي بعد أن صار تفهيمهما ذلك، فيلزم أيضًا أن تكتبوا من طرفكم إلى المديرين بالتأكيد، وأن تشددوا عليهم بإرسال الجنود الذين يصير جمعهم أول فأول على جناح السرعة بالمراكب، كما يلزم إرسال كافة البواخر التي بالمرورية والترسانة لجر المراكب المذكورة إلى القاهرة، ثم تعيين أمراء الألايات اللازمين من مجلس مديريات الوجه البحري لسرعة جلب الأنفار المطلوبة بدون إهمال، والذين يردون القاهرة منهم تُعطى لهم الكساوى والأسلحة وما يلزم لهم عقب وصولهم ويرسلون بالمراكب إلى الإسكندرية، أما الـ ٤٠٠٠٠ بندقية فإن لم توجد جميعها تجهز ٣٠٠٠٠ بندقية وترسل بسرعة إلى الإسكندرية، والـ ١٠٠٠٠ تبقى على سبيل الاحتياط بمصر إلى حين لزومها، ويجب أيضًا فرز أفراد وضباط الثلاث البطاريات وترتيبهم وترحيلهم إلى الإسكندرية، والمطلوب منك يا بابا حسن الهمة في تجهيز الألايات الثلاثة المذكورة وإرسالها مع ضباط النوبتجية وأفرادها، والـ ٣٠٠٠٠ بندقية السالفة الذكر إلى الإسكندرية في ظرف عشرين يومًا، وها أنا منتظر ذلك منك لكي تثبت لي مرة ثانية أنك حقيقة بابا حسن.

ختم
عباس الأول

•••

وفي ٤ صفر سنة ١٢٧٠هـ (٦ نوفمبر سنة ١٨٥٣م) أرسل ديوان الجهادية إلى قومندان ٦ جي ألاي بيادة الإفادة الآتية بترقية حسن أفندي علمدار هذا الألاي إلى رتبة صاغقول أغاسي، وإلحاقه ﺑ ١٧ جي ألاي بيادة المسافر إلى الآستانة بناء على أمر كتخدا الوالي له، وها هي الإفادة المذكورة:

إفادة إلى قومندان ٦ جي ألاي بيادة بتاريخ ٤ صفر سنة ١٢٧٠ مقيدة بالدفتر التركي رقم ٢٦٨٩ صادرة من قلم تركي ديوان الجهادية

بناء على أمر الكتخدا الشفوي الصادر لنا بترقية حسن أفندي علمدار الألاي إدارة عزتكم لرتبة صاغقول أغاسي، وإلحاقه ﺑ ١٧ جي ألاي بيادة من الألايات المهيأة للسفر إلى الآستانة؛ نؤمل بوصول هذا إخلاء طرف المذكور من الالأي، وصرف المبالغ المستحقة له بصندوق الألاي، وتحرير الرجعة اللازمة بثلاثة أشهر من المستحق له لصرفها من خزينة ديوان الجهادية وإرسالها للديوان، وحرر هذا للمعلومية. ا.هـ.

وقد عين لقيادة هذه النجدة البرية الثانية اللواء إبراهيم شركس باشا، وعهد إلى الفريق أحمد باشا المنكلي ومعه أمير الالأي علي مبارك بك (فيما بعد باشا) إعداد هذه النجدة، وعلي مبارك بك هذا هو أحد تلاميذ البعثة الحربية سنة ١٨٤٤ إلى فرنسا في عهد محمد علي باشا، وناظر مدرسة المهندسخانة وقت إعداد هذا الجيش، وإليك الإفادة التي صدرت إليه من ديوان الجهادية بصدد تعيينه:

إفادة من ديوان الجهادية إلى أمير الألاي علي مبارك بك ناظر المهندسخانة رقم ٣٧٣ بتاريخ ٩ صفر سنة ١٢٧٠ (١١ نوفمبر سنة ١٨٥٣م) مقيدة بالدفتر التركي رقم ٢٦٩٦

اقتضت إرادة ولي النعم الخديو المعظم بتعيينكم معاونًا بمعية حضرة صاحب السعادة أحمد باشا المنكلي المأمور على الأفراد المهيأة للسفر إلى الآستانة بناء على درايتكم واجتهادكم، فبوصوله قوموا حالًا وقدموا أنفسكم للباشا المشار إليه، وحرر هذا للإحاطة. ا.هـ.

وفي ١٠ صفر سنة ١٢٧٠هـ (١٢ نوفمبر سنة ١٨٥٣م) أرسل الكتخدا حسن باشا المنسرتلي إفادة إلى ديوان الجهادية يخبره فيها بمغادرة قنصل جنرال روسيا الديار المصرية بسبب إعلان الحرب، وإحالة النظر في مصالح رعايا الروس إلى قنصل جنرال سويسرا؛ وها هي الإفادة المذكورة:

إفادة من ديوان الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية رقم ٦٤ بتاريخ ١٠ صفر سنة ١٢٧٠ مقيدة بالدفتر التركي رقم ٢٦٩١

نحيطكم علمًا أن قنصل دولة روسيا مع موظفي سفارته غادروا الديار المصرية، وأحالوا إدارة أشغال رعاياهم وحمايتهم إلى قنصل جنرال سويسرا؛ وذلك بناء على إعلان الحرب بين الدولة الروسية والدولة العلية، وحرر هذا للمعلومية. ا.هـ.

وفي ١١ صفر سنة ١٢٧٠هـ (١٣ نوفمبر سنة ١٨٥٣م) أرسل الكتخدا إفادة إلى ديوان عموم الجهادية يخبره فيها بإحالة حماية الرعايا الروس الذين بالقاهرة إلى مسيو بارتولوجي قنصل سويسرا، والذين بدمياط إلى مسيو سروره قنصل سويسرا أيضًا، وإليك هذه الإفادة:

إفادة من ديوان الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية رقم ٥٧ بتاريخ ١١ صفر سنة ١٢٧٠ مقيدة بالدفتر التركي رقم ٢٦٩١

بناء على ما ورد إلينا من ديوان الخاصة نحيطكم علمًا أن التبعة الروس الذين بمصر أحيلت حمايتهم إلى المسيو (بارتولوجي)، والذين بدمياط إلى المسيو (سروره) قنصلي سويسرا. ا.هـ.

وأرسل الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية أيضًا إفادة مؤرخة في ٦ ربيع الأول من السنة المذكورة (٧ ديسمبر سنة ١٨٥٣) يخبره فيها بناء على خطاب أرسله إليه محافظ الإسكندرية بلزوم إرسال المئونة اللازمة لألايات ١٥ جي و١٦ جي و١٧ جي بيادة وأورطة الطوبجية المسافرة إلى الآستانة؛ وها هي:

إفادة من ديوان الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية رقم ٧٤ بتاريخ ٦ ربيع الأول سنة ١٢٧٠ مقيدة بالدفتر التركي رقم ٢٦٩١

بناء على ما ورد إلينا من محافظة الإسكندرية بتاريخ ٣ ربيع الأول سنة ١٢٧٠ (٤ ديسمبر سنة ١٨٥٣) تحت رقم ١٥٦ يقتضي إرسال ٣٥٠ قنطار سمن و١٠٠٠٠ أقة زيت حار من شونة التعيينات على جناح السرعة إلى الإسكندرية؛ لأجل لزوم تموين ١٥ جي و١٦ جي و١٧ جي ألايات بيادة وأورطة الطوبجية المركبة من ٥٠٠ نفر وكسور المتهيئين للسفر إلى الآستانة، وعند إرسالها أخبروا محافظة إسكندرية بذلك. ا.هـ.

وفي ٧ ربيع الأول سنة ١٢٧٠هـ (٨ ديسمبر سنة ١٨٥٣م) أرسل الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية إفادة يعلمه فيها بأن محافظ الإسكندرية أعلمه بوصول ١٢٥٠ صندوقًا تحتوي على ٢٥٠٠٠ بندقية من أصل الـ ٤٠٠٠٠ بندقية التي سترسل إلى الآستانة، وأنه تسلمها من القائمقام مصطفى بك؛ وإليك هذه الإفادة:

إفادة من ديوان الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية رقم ٧٧ بتاريخ ٧ ربيع الأول سنة ١٢٧٠ مقيدة بالدفتر التركي رقم ٢٦٩١

وردت إفادة من محافظ إسكندرية مؤرخة ٢٠ صفر سنة ١٢٧٠ (٢٢ نوفمبر سنة ١٨٥٣) تحت رقم ١٣٦ تفيد أن الـ ١٢٥٠ صندوقًا الموضوع بداخلها ٢٥٠٠٠ بندقية المراد إرسالها إلى الآستانة وردت بواسطة القائمقام مصطفى أفندي، وقد صار تسلمها من المذكور، وحرر هذا للإحاطة. ا.هـ.

وقد نشرت جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز) خبر إرسال هذه البنادق إلى الآستانة في عددها الصادر بتاريخ ٢٨ يناير سنة ١٨٥٤م؛ فقالت: أرسل والي مصر إلى الآستانة ٢٥٠٠٠٠ بندقية.

(١٣) واقعة سينوب البحرية وكارثة العمارة التركية وسفينتين من العمارة المصرية

في شهر أكتوبر من سنة ١٨٥٣م أرسلت الدولة إلى ميناء سينوب التي على البحر الأسود قسمًا من أسطولها البحري مؤلفًا من ١٣ قطعة حربية بقيادة القبودان عثمان باشا ووكيله حسين باشا، وفي يوم ١٣ نوفمبر من هذه السنة وصلت سفن هذا القسم إلى ميناء سينوب، وفي يوم ٢١ من الشهر المذكور وصلت إليها عمارة روسية مؤلفة من ٣ قباقات و٤ فرقاطات وأبريق واحد بقيادة أمير البحر الروسي (ناخيموف) Nakhimoff، وقد أتت هذه العمارة لتكشف مواقع الأسطول التركي وتعرف قوته، وظلت خارج الميناء محاصرة للسفن العثمانية.

وفي تلك الأثناء وقف الأميرال الروسي على قوة العمارة التركية، وأرسل إلى دولته يطلب منها أن تمده بعدد من السفن الروسية الحربية بسباستبول، فلما حضرت جعل أربعًا من سفنه خارج الميناء لتقطع خط الرجعة على السفن العثمانية إذا هي حاولت الهروب، ودخل ببقية السفن إلى الميناء المذكورة على بعد تسعمائة متر تقريبًا من مرمى مدافع البطاريات البرية.

figure
واقعة (سينوب) البحرية في ٣٠ نوفمبر سنة ١٨٥٣م نقلا عن الجريدة الانكليزية المصورة (ذي اللسترتيد لندن نيوز The Illustrated London News) العدد ٢٤ بتاريخ ٧ يناير سنة ١٨٥٤م. ص ٤ ويرى في الأمام بعض قطع الاسطول الروسي وعن اليمين واليسار قطع الاسطولين التركي المصري.

ولما توقع القبودان التركي عثمان باشا الغدر من الأسطول الروسي أصدر أوامره لقواده وجنوده بأن يستعدوا للقتال، وحثهم أن يستميتوا في محاربة الأعداء ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، وفي يوم ٣٠ نوفمبر المذكور بدأت الفرقاطة العثمانية (نظامية) تطلق نيران مدافعها بكل قوة وشدة، وبذا دارت رحى الحرب بين الفريقين.

وقد كانت سفن العمارة التركية رغم ضآلة حجمها وضخامة السفن الروسية تقاتل بكل بسالة وشجاعة، ولكن لم يجد ذلك نفعًا؛ إذ كانت قوة العمارة الروسية تفوق كثيرًا قوة العمارة التركية، وأسفرت الحرب المذكورة عن تدمير سفن هذه العمارة وقتل أكثر بحارتها، وقد بترت ساق القومندان التركي عثمان باشا وأسره الروس هو وعددًا من رجاله، ومات وكيله حسين باشا بمقذوف أصابه ونجت من السفن العثمانية سفينة واحدة، ودمرت سفينتان مصريتان كانتا في هذه الواقعة وهما الفرقاطة (دمياط) والوابور (بروانا)، أما خسائر الروس فكانت كثيرة.

وقد نشرت جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز The Illustrated London News) بعددها الصادر بتاريخ ٣١ ديسمبر سنة ١٨٥٣م نقلًا عن جريدة (ذي مورننج كرونكل The Morning Chronicle) بيانًا شاملًا لهذه الواقعة المشئومة، قالت الجريدة الأخيرة عنه: إنه مبني على تحقيقات قام بها قبطان السفينة الإنكليزية (رتربيوشن Retribution) وضباطها، وإليك ترجمة ما جاء عن هذه الواقعة في البيان المذكور:

في يوم ١٣ نوفمبر رسا في خليج سينوب بعض الأسطول التركي، وكان مؤلفًا من سبع فرقاطات (في إحداها ٦٠ مدفعًا) وثلاث حراقات وباخرتين، وفي ٢١ من هذا الشهر واجهت سينوب عمارة روسية مؤلفة من ثلاث بوارج كبيرة، كل منها ذات طبقتين، وفرقاطة، وسفينة شراعية بصاريين.

وبعد أن كشفت هذه العمارة مواقع الأسطول التركي سارت بعيدة عن الميناء، ولكنها ظلت محاصرة له رغم عبوس الجو وهياج البحر، وقد أشار بعضهم على عثمان باشا القائد العام بأن أحكم خطة هي اقتحام الحصار ومقاتلة العدو القتال الذي يقتضيه الخلاص من الوقوع في قبضته والنجاة من عدوانه؛ إذ إنه من المحتم على كل حال وقوع معركة.

ولكن عثمان باشا لم يخطر له أن الروس قد يعززون عمارتهم بإمدادات فترجح كفتهم ويتفوقون على الأتراك عَددًا وعُددًا، ولم يقبل لسوء الحظ رأي المرءوسين بحجة أن بعض بوارجه أصابها العطب أثناء هبوب ريح صرصر من زمن قريب، ولأنه يحتمل أن يكون له النصر إذا وقع القتال والبوارج في مرساها.
figure

وفي يوم ٣٠ نوفمبر قبل الظهر واجهت عمارة روسية كبيرة الخليج المذكور، وكانت مؤلفة من ثلاث بوارج ذات ثلاث طبقات وثلاث بوارج ذات طبقتين بقيادة القيس أميرال ناخيموف، الذي كان رافعًا أيضًا راية أميرال المؤخرة، وسارت مع الريح ناشرة جميع قلوعها ثم اقتربت من البوارج التركية وحاذتها، ولم تطلق هذه الأخيرة نيرانها عليها أثناء حركتها هذه، وبقي خارج الخليج فرقاطتان وثلاث بواخر لقطع طريق التقهقر على أية بارجة تركية تحاول الفرار.

فلما رأى عثمان باشا ذلك خاطب رجال أسطوله بالإشارات وأمرهم أن يقاتلوا ببسالة إلى النهاية دفاعًا عن وطنهم، وعند الظهر ابتدأت موقعة استقتل فيها الأتراك فقد قاومت الفرقاطات التركية أكثر من ساعة ونصف، هذه القوة الهائلة غير هيابة ولا وجلة رغم ما بين القوتين من التفاوت المهلك وعدم التكافؤ، وكانت أولى الخسائر الفرقاطة (نافيك)٢ إذ أبصر ربانها علي بك أنه مهدد بإغارة بارجة شامخة ذات ثلاث طبقات، وأنه فقد كل أمل في أن ينتج استمرار المقاومة أي خير.

ولم يشأ أن ينهزم شر هزيمة فحمل هو نفسه على فرقاطته ونسفها وذهب ضحية الإخلاص للواجب والوفاء للوطن.

وفي نهاية الزمن المذكور كانت الكارثة قد عمت القوة التركية فدمرت عن آخرها، وكان هذا الحادث مشهدًا من أفجع المناظر وأوجعها؛ فقد أحرقت قذائف العدو المشتعلة بعض البوارج التركية وبوارج أخرى آثرت أن تنسف نفسها بنفسها على أن تسلم لعدوها، وما بقي من السفن تهدمت جوانبها واختلف وضعها بالمعنى الحقيقي لا على سبيل المجاز لهول ما نزل بها من ضربات القنابل الروسية الثقيلة ثقلًا عظيمًا، وهذه البوارج تحطمت سلاسلها فتقاذفتها الأمواج ما عدا اثنتين منها، وقذفت بها إلى الشاطئ، وتسلق البحارة الروس صواريها وهتفوا تمجيدًا للانتصار الدموي الذي أحرزوه.

ولما انتهوا من ذلك عادوا بلا إبطاء يرمون بقنابلهم هذه البوارج المتحطمة التي لا حول لها ولا قوة إلا شدة بأس رجالها وثبات عزمهم؛ إذ لم تنقطع عن إطلاق نيرانها الضعيفة بشجاعة فريدة وجلد ليس له نظير، ولم يكف الروس عن ضربها حتى تم تدميرها وقتل من بها.

واستولى الروس بعد ذلك على البارجتين اللتين لم تلحقا بأخواتها إلى الشاطئ، ولكنهم فضلوا الاستغناء عنهما لما رأوا ما هما عليه من التهدم فدمروهما في اليوم التالي، أما (الطائف) إحدى الباخرتين التركيتين فقد وفقت إلى الفرار بعد ابتداء المعركة بقليل، وهي الوحيدة التي نجت فقد تملصت من سلاسلها، وخرقت لها بشيء من المجازفة طريقًا بين القوة المتجولة خارج الخليج، وكانت أول من أبلغ خبر هذه الحادثة المشئومة إلى الآستانة.

وقد كان عدد البحارة الأتراك ٤٤٩٠ قبل ابتداء المعركة فقتلوا، ولم ينج إلا الجرحى و١٢٠ أسيرًا، وهم من بحارة البارجتين التركيتين اللتين لم ير الروس أية منفعة في بقائهما فأتلفوهما، وقد نقل الأسرى إلى سباستبول وبينهم عثمان باشا الذي جرح أثناء المعركة، أما حسين باشا وكيله فبينما كان يحاول النجاة من البارجة المحترقة أصابت رأسه قنبلة من الرش فأماتته.

ولا تعلم خسائر الروس بالضبط؛ لأنهم انسحبوا بعد انتهاء المعركة مباشرة، وإنما لحق صواري أربع من بوارجهم العطب فتعطلت وخرجت من الخليج تجرها البواخر، أما ما قدمته بطاريات البر من المعونة فلم يكن ذا قيمة ولم يعد بأية نتيجة على الأتراك؛ ذلك لأن مدافعها كانت خفيفة من جهة ومن جهة أخرى فإن البوارج التركية اعترضت طريق نيران هذه البطاريات.

أما مدينة سينوب فقد أصبحت أثرًا بعد عين؛ إذ دمرت بأجمعها وغُطي شاطئها بجثث الموتى، وبين الأحياء عدة أشخاص تبينوا طريقهم في الماء ورأوا منفذًا إلى المدينة بالسباحة وكانوا موفقين.

وأما الموظفون المحليون فقد تسلط الفزع على مشاعرهم إلى درجة شملت كل عمل يرجى منهم، وأصبحوا لا يكادون يجدون وسيلة حتى للحصول على طعام وعلاج للمرضى، وقد خفف عن هؤلاء بعض آلامهم ما لاقوه من الإسعاف السريع الذي جاءهم على أيدي الأطباء الذين أتت بهم الباخرة (رتربيوشن) إحدى بوارج جلالة الملكة، والباخرة الفرنسية (مجادور)، وقد عاون ثلاثة من الأطباء الجراحين بالبوارج التركية هؤلاء الأطباء معاونة قلبية وعملية بغيرة تحمد.

أما بسالة الأتراك ودفاعهم إلى النهاية دفاعًا يخلده لهم التاريخ فأمر ظهر كالشمس المشرقة، وأكبر شاهد على ذلك ما كان من علي بك قائد الفرقاطة (نافيك)٣ لما أحس بأن بارجته قاومت ما استطاعت إلى المقاومة سبيلًا حتى نفدت كل قواها، ولم تقو على الوقوف أمام السفينة التي تناوئها العداء، وهي البارجة الروسية ذات الطبقات الثلاث، ولم ير هذا القائد الهمام في الاستمرار إلا العبودية والإذلال فأمر بنسفها، وليتأكد من نفاذ أمره ألقى بنفسه عودًا مشتعلًا من الثقاب في مخزن البارود وغاص هو ورجاله وسفينته إلى قاع اليم مؤثرًا مجاورته له على وقوع فرقاطته في أيدي الأعداء.

وفي الجدول الآتي بيان لخسائر الأتراك من سفن وجنود وجرحى … إلخ:

السفن
مجموع المدافع العثمانية ٤٣٤ مدفعًا، والبحارة ٤٤٩٠ بحارًا.
مجموع المدافع الروسية ٦٣٢ مدفعًا، وهذا عدا أربع بواخر وفرقاطتين لم تُحارب.
نافيك Navick* كان بها ٥٢ مدفعًا و٥٠٠ بحار، وقبطانها علي بك (قُتل)، وكانت تحارب بارجة روسية ذات ثلاث طبقات، وقد نُسفت.
نظيم Nezim كان بها ٥٢ مدفعًا و٥٠٠ بحار، وقبطانها حسين بك (قُتل)، وكانت تحارب بارجة روسية ذات طبقتين و٨٠ مدفعًا، وقد أُتلفت.
فارسلي إيلات Farsil Ilat كان بها ٣٨ مدفعًا و٤٠٠ بحار، وقبطانها علي ماهر بك (قُتل)، وكانت تحارب بارج روسية ذات طبقتين و٨٠ مدفعًا، وقد أُتلفت.
جل سفيت Gullu Sefit كان بها ٢٤ مدفعًا و٢٠٠ بحار، وقبطانها سلس بك Salis Bey (قُتل)، وقد أُتلفت.
عون الله Aon Illah كان مرفوعًا عليها علم القائد العام وكان بها ٣٦ مدفعًا و٤٠٠ بحار، وقائدها العام عثمان باشا (فقد إحدى ساقيه وأُسر)، وكانت تحارب بارجة روسية ذات ثلاث طبقات و١٢٠ مدفعًا، وقد أُتلفت صواريها.
دمياط Damietta كان بها ٥٦ مدفعًا مصريًّا و٥٠٠ بحار مصري، وقبطانها أحمد إبراهيم بك، وكانت تحارب بارجة روسية ذات ثلاث طبقات و١٢٠ مدفعًا، وقد أُتلفت صواريها ثم نُسفت.
نجبي فشير Nedgbi Feschir§ كان بها ٢٤ مدفعًا و٢٠٠ بحار، وقبطانها حسين بك (أسر)، وهي على الشاطئ بدون صوار.
قائد Kaid كان بها ٥٠ مدفعًا و٥٠٠ بحار، وقبطانها إلان بك Elan Bey (نجا)، وكانت تحارب بارجة روسية كبيرة ذات ثلاث طبقات، وقد نَسفت نفسها.
نظامية Nezemiah كان مرفوعًا عليها علم وكيل القائد العام، وكان بها ٦٠ مدفعًا و٦٠٠ بحار، وقائدها حسين باشا وكيل القائد العام، وقبطانها قايد بك (قُتل)، وكانت تحارب بارجة روسية كبيرة ذات ثلاث طبقات، وقد نَسفت نفسها.
فيضي مربوط Faisi Marbout كان بها ٢٢ مدفعًا و٢٤٠ بحارًا، وقبطانها عزت بك، وقد دُمرت.
طايف Taif كان بها ١٦ مدفعًا و٣٠٠ بحار، وقوتها ٣٠٠ حصان، وهي لم تُحارب.
أركلي Iregli باخرة — كان بها ٤ مدافع و١٥٠ بحارًا وقوتها ١٥٠ حصانًا، وقد دُمرت.
محرف عن (ناوك).
†  ربما كان محرفًا عن (فارسالة Farsale) وهو ميناء في تساليا.
‡  محرف عن الكلمتين (كل سفيد) وكلتاهما فارسية ومعناهما (ورد البحر).
§  لعله محرف عن (نجم بشير).

ثقل القنبلة الروسية يتراوح بين ٣٢ و٤٢ و٦٨ رطلًا. واستعملت بضع قنابل من نوعين آخرين وقد أُطلقت ولم تنفجر.

جندي
مجموع الجنود ٤٤٩٠
عدد الجرحى والأصحاء الذين نقلوا إلى الآستانة على ظهر البارجة (رتربيوشن) Rertibution، والبارجة (مجادور). Mogador ٢٠٠
الجنود الذين تركوا في سينوب للإشراف على المجروحين جراحًا بليغة. ١٠
الجرحى الباقون في سينوب ولم يمكن نقلهم. ٢٠
الأسرى بوجه التقريب. ١٥٠
الذين نجوا سابحين إلى الشاطئ بوجه التقريب. ١٠٠٠
الذين نجوا في الباخرة (طائف). ٣٠٠
جنود مفقودون ٢٨١٠

(١٤) الحالة في مصر منذ بدء القتال

نشرت جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز) بعددها الصادر بتاريخ ٣١ ديسمبر سنة ١٨٥٣م كلمة لمكاتبيها الخصوصيين في مصر يصفون فيها الحالة منذ بدء القتال بين الدولة وروسيا، ويقولون: إن أحد الأهالي جاءه كتاب من ميدان القتال في جهات نهر الطولة بانتصار المصريين على الروس في تلك البقاع وعبورهم النهر المذكور ببسالة وإقدام، قالت:

أظهر باشا مصر منذ بدء القتال مع روسيا أعظم الإخلاص وأصدق العزم في تقديم المدد إلى الباب العالي صاحب السيادة، وقد كتب إلينا مكاتبونا الخصوصيون في مصر أن الحرب في جهات نهر الدانوب وفي الأصقاع الآسيوية هي الموضوع الذي يشغل الناس الآن في الإسكندرية والقاهرة عن كل حديث غيره، وقد احتشد في كلتا المدينتين قوات كبيرة من الجنود، ويسافر من وقت لآخر في أسطول الباشا فصائل من الجنود المصرية إلى ميدان القتال، وأجمع الرواة على أنهم رفعوا مكانتهم في أعين الجميع بإقدامهم وبسالتهم وشدة كفاحهم للروس.

وقد ورد على شخص في الإسكندرية كتاب من ميدان القتال في جهات نهر الطونة (الدانوب) يقول فيه كاتبه: إن أربعين من الجنود المصرية كانوا أول من عبر هذا النهر، وقد فعلوا ذلك سابحين والتقوا بحراس إحدى النقط الروسية وهزموهم وقتلوا منهم عشرة جنود، ثم اجتاز النهر بعدهم مائة وخمسون من الألبانيين في صندل، وهؤلاء أيضًا قهروا جماعة من الروس، وأخيرًا عبر الأتراك النهر بقواتهم.

figure
الجنود المصرية والتركية وهم يعبرون نهر «الطونة» نقلا عن صورة زيتية وقد عبره أولا أربعون جنديا مصريا.

وفي مصر الآن ما لا يقل عن ١٥٠٠٠ جندي ينتظرون البواخر التي تقلهم إلى منطقة الحرب، فإذا انضم هؤلاء إلى زملائهم المنضمين الآن إلى جيش السلطان وأسطوله بلغ عدد جنود الحملة المصرية كلها ٤٠٠٠٠ جندي.

وعلاوة على هذه القوة الكبيرة يوجد لدى عباس باشا في حاميات القطر المصري ٤٠٠٠٠ جندي آخرين، وفي الإسكندرية الآن وما يجاورها ٢٧٠٠٠ جندي، وقد كثرت الشكايات من الشدة المستعملة في التجنيد، ومن أفعال العنف الجائرة التي يلجئون إليها للحصول على جنود للحملة، وقد تطوع أخيرًا للحملة العسكرية لنصرة السلطان ٦٠٠٠ من الذين خاضوا غمار حروب سابقة، ويتحدث أصحاب النشرات الصغيرة مفتخرين معجبين ببسالة إخوانهم المحاربين في جهات نهر الدانوب، ولا يذكرون الموسكو — كما يسمون الجنود الروسية — إلا مستهزئين ساخرين منهم أشد سخرية. ا.هـ.

(١٥) استعراض النجدة البرية الثانية بالإسكندرية وقيامها إلى الآستانة

وفي خلال خمسة أشهر تقريبًا بعد إصدار الوالي أمره بجمع جنود البرية الثانية، ثم حشد جنود هذه النجدة وإعدادهم بوسائل الحرب والدفاع، وفي ١٨ مارس سنة ١٨٥٤م استعرضت جنودها في مدينة الإسكندرية في منظر بهي جميل، ثم سافرت منها على متن السفينة إلى الآستانة.

وقد جاء نبأ استعراضها هذا في الجريدة الإنكليزية (أخبار لندن المصورة) — ذا اللستريد لندن نيوز The Illustrated News بعددها الصادر بتاريخ ٨ إبريل سنة ١٨٥٤م، تحت عنوان (العساكر في الإسكندرية)، وإليك ترجمة ما ورد في الجريدة المذكورة بهذا الصدد:
قالت:
أرسل إلينا مكاتبنا من الإسكندرية كلمة عن النجدة البرية المصرية لمساعدة الجيش التركي في حرب روسيا مفادها أن قوة عظيمة من الجنود تتراوح بين ١٧٠٠٠ و٢٠٠٠٠ جندي تحشد الآن في مدينة الإسكندرية، وأن ثلثي هذا العدد سيسافر قريبًا إلى ميدان القتال، وأنه استعرض منه ١٢٠٠٠ جندي خارج أسوار المدينة في هذا الصباح — الثامن عشر من شهر مارس الماضي — وسار ثلث هذا العدد (٤٠٠٠ جندي) مخترقًا الميدان الأكبر٤ قبل ظهور هذا اليوم في منظر جميل جدًّا، وكان اليوم صحوًا جميلًا، ولكن حدث أخيرًا على خلاف العادة أن صار الجو في ساعات باردًا قارسًا والمطر يتساقط من السماء بغزارة. ا.هـ.
figure
مرور النجدة البرية المصرية الثانية بميدان محمد علي بإسكندرية يوم ١٨ مارس سنة ١٨٥٤م لاستعراض جنودها قبل سفرها إلى الحرب نقلا عن الجريدة الإنكليزية المصورة «ذي اللستريتد لندن نيوز THE Illustrated London News» بالعدد ٢٤ الصادر بتاريخ ٨ إبريل سنة ١٨٥٤ ص ٣١٢ ويرى في الصورة بناء قنصلية هولندة فبناء قنصلية فرنسا فبناء قنصلية بلجيكا فمدخل شارع فرنسا فالساعة العمومية.

(١٦) وصولها إلى الآستانة ومحاربتها لعصاة اليونان

وفي أوائل شهر إبريل من سنة ١٨٥٤م وصلت هذه النجدة إلى الآستانة، وما هي إلا أن نزلت من السفن حتى أتاها الأمر بالركوب ثانيًا والإقلاع إلى مرفأ (فولو) Volo في (تساليا) Tessalie لمقاومة غارة شنها متمردو اليونان على هذه الجهة، وفي أوائل مايو من هذه السنة باغتت طائفة من عصاة اليونان قسمًا من هذه النجدة عند زحفها على مدينة (يني شهر)٥ في مضيق (كالابوكا) Kalaboka وكبدته خسائر فادحة، وبعد ذلك بوقت استرد عبدي باشا رئيس القوات التركية والمصرية في هذه الجهة مدافعه ومضاربه وهزم العصاة شر هزيمة وكبدهم خسائر جسيمة.
وقد جاء في التقويم العثماني للوقائع سنة ١٢٧٠هـ (١٨٥٤م) ما نصه:

يستفاد من الأخبار الواردة أنه بناء على هجوم الجنرال (جاوهلا) سر عسكر اليونان مع نحو ٥٠٠٠ من الأشقياء في يوم ٦ شعبان سنة ١٢٧٠هـ (٤ مايو سنة ١٨٥٤م) على الموقع المسمى (شيا) الذي بجوار (نارده)، قد أرسل من طرف حضرة صاحب العطوفة فؤاد أفندي أربعة طوابير من العساكر النظامية الشاهانية، ومقدار من العساكر الموظفة الملوكية وبضعة مدافع، وشرع في الحرب والدفاع فهلك من أشقياء اليونان نحو ٥٠٠٠ وجرح منهم أيضًا أكثر من ٤٠٠، وفر الباقي منهم منهزمًا بعد أن تركوا في الميدان نحو ستين جريحًا، وغنم منهم ٨٤ صندوقًا من البارود، و٥ صناديق من الخراطيش الجاهزة، و٨ رايات، ولله الحمد والمنة قد أنقذت جهات (نارده) من اعتداءات اليونان، ورفع أهاليها التشكرات اللازمة والدعوات المفروضة إلى الحضرة الشاهانية.

ومن آثار إقدام وهمة حضرة صاحب السعادة عبدي باشا أنه هو وسعادة زنيل باشا ناظر دربندات والعساكر الشاهانية الموجودة بمعيتها هجموا على أشقياء اليونان، الذين فروا منهزمين من (مجوه) وانسحبوا إلى (ديموكه) على أمل محاصرتها فشتتوا جمعياتهم بدون أن يمكنوهم من إطلاق بنادقهم، وأسروا معظمهم أحياء واستولوا أيضًا على مدافع وبنادق وأشياء أخرى، ومن ثم لما علم زنيل باشا المومى إليه أن مترو، واستراطو، ورانقو زعماء أهل الفساد ينوون الإغارة من (أغرقة) إلى (يكيشهر فنار)، سير عساكر شاهانية عليهم فعجزوا عن المقاومة، وفروا إلى الجبال منهزمين، بعد أن هلك منهم وجرح كثيرون، وأنه لما علم حضرة صاحب السعادة سليم باشا المصري عند سيره مع العساكر الشاهانية الموجودة بمعيته إلى جهة (فادريجه) بأن القبودان فوفسبلبا دخل (دلش) مع فريق من الأشقياء، سار عليهم، وفي أثناء شروعه في الحرب والدفاع أخبره أشقياء اليونان بأنهم يرغبون في التسليم فكف عن الحرب، ولكن عند حلول الظلام فروا، ولما علم في اليوم التالي أن نحو ١٥٠٠ نفر من اليونانيين تجمعوا في (فالبوبا)، سار عليهم بالعساكر المصرية ففروا من هناك أيضًا إلى جهة (بوغليجية)، فتعقبهم وأظهر لهم الصولة في الحرب التي جرت معهم فهلك كثير من الأشقياء. ا.هـ.

وقد استمر جنود النجدة الثانية مرابطين في تساليا إلى أن وضعت الحرب أوزارها.

(١٧) اشتراك النجدة البرية الأولى في محاربة الروس

لقد سبق القول أن النجدة البرية وزعت جنودها بعد نزولهم إلى الآستانة، بين مدينة (سلستره) Silistrie و(بابا داغ) Babadagh الواقعتين على نهر الطونة، و(شملا) Shoumla الواقعة جنوب هذا النهر وهي مركز القيادة العامة للجيش العثماني.
وقد كان من نصيب القسم الأول من هذه النجدة الذي ذهب إلى (سلستره) أن قاتل عدد من جنوده بلوكين من الروس بالقرب من (تورتوكاي) Tourtoukai التي أمام مدينة (أولتنيتزا) Oltenitza، وانتصر على الروس، وكان ذلك في ٢٣ أكتوبر سنة ١٨٥٣م، وإليك ما جاء عن هذه المعركة في الجزء الأول من كتاب (الأتراك والروس) لمؤلفه دور فور ص٥٠ (Les Turcs et les Russes, Par Durfor Tome, 1, p, 50):

تقاتل عدد من الجنود المصرية مع بلوكين من الجنود الروسية بالقرب من تورتوكاي التي أمام أولتنيتزا؛ فكان الفوز حليف الجنود المصرية. ا.هـ.

وفي ٤ نوفمبر سنة ١٨٥٣م دارت معركة عنيفة بين الروس والجنود الصرية في ناحية أولتنيتزا الآنفة الذكر، وقد أبدت الجنود المصرية فيها بسالة نادرة وشجاعة فائقة.

وفي ١٢ يناير سنة ١٨٥٤م اشترك عدد من جنود هذا القسم أيضًا في مقاتلة الجنود الروسية المرابطين على الأرصفة التي أمام مدينة سلستره، وحاربوهم بشجاعة وبسالة حتى ألجئوهم إلى الفرار إلى داخل البلاد، وقد جاء عن هذه المعركة في تقويم الوقائع العثماني سنة ١٢٧٠هـ (١٨٥٤م) ما يأتي:

في صباح اليوم المذكور (١٢ يناير) حوالي الساعة الثانية عشرة قد صار أركاب مئة نفر من أهالي سلستره وعساكرها الطوبجية المحلية في القوارب الصغيرة المعبر عنها بأورانسه وإمرارهم إلى (البكيد) بمضيق (قرة لاش) بالجهة اليمنى منها، وأنزل مئة نفر أيضًا إلى الأرصفة الواقعة بمضيق (بورجه) بالجهة اليسرى منها، وصار أركاب خمسين نفرًا من بيادة الرديف، وخمسين نفرًا من العساكر المصرية الشاهانية بمعية محمد أغا قول أغاسي الرديف الخاص، ومحمد أغا يوزباشي ياور الحرب، ومحمد سعيد أغا قول أغا العساكر الشاهانية في قاربين كبيرين وأربعة قوارب أورانسه، وإمرارهم إلى الأرصفة الواقعة أمام سلستره، وفي أثناء ذلك أطلق نحو ستة أو سبعة أنفار من السواري الأفلاقي من كل رصيف من الأرصفة النار من أسلحتهم فقوبلوا من هذا الجانب بالهجوم، فبادروا إلى الفرار في الحال بعد أن جرح منهم بضعة أنفار، وقد أطلق العساكر الشاهانية النار على جميع الأرصفة، وطافوا وتجولوا في الغابات من خمس إلى ست ساعات بالبسالة والشجاعة، ثم عادوا بدون أن يصاب أي واحد منهم بأقل ضرر؛ كما جاء ذلك في المحررات الواردة من كل من الفريق سليم فتحي باشا المصري، ومن سعادة الفريق خالد باشا قائد (روسجق)، ومن سعادة الفريق موسى باشا رئيس مجلس الطوبخانة العامرة الموجودة بسلستره، وأرسلت بكتاب خاص إلى دار السعادة. ا.هـ.

وكان من نصيب قسمها الثاني الذي ذهب إلى (بابا داغ) أن قاتل جيش الروس في ٢٣ مارس سنة ١٨٥٤م أمام هذه المدينة، وقد روى مؤلف كتاب (تاريخ حرب روسيا وتركيا ص ١٧٩) History of the War in Russia & Turkey P, 179، أن الجنود المصرية كان لها القدح المعلى بين صفوف الجيش التركي.

أما القسم الثالث من هذه النجدة الذي ذهب إلى (شملا) فقد أرسل منه ٨٠٠ جندي من الطوبجية إلى (طرابزون) الواقعة على البحر الأسود لحماية هذه المدينة من اعتداء الروس عليها، وكان إرسال هؤلاء الجنود إلى المدينة المذكورة في ١٣ يناير سنة ١٨٥٤م، وقد ذكرت جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز) في عددها الصادر بتاريخ ٥ مارس سنة ١٨٥٤م نبأ إرسالهم إلى تلك الناحية، فقالت: وردت إخبارية من سينوب بأن ٨٠٠ جندي من الطوبجية المصرية أرسلوا في ١٣ يناير من هذه السنة إلى طرابزون.

وفي شهر مارس من هذه السنة أيضًا أرسل فريق من جنود هذا القسم إلى مدينة (راسجراد) لدرء تهديدات الروس، وقد رابطوا بهذه المدينة حتى زال الخطر عنها، وإليك ما ذكرته جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز) بهذا الصدد في عددها الصادر بتاريخ ٢٩ إبريل سنة ١٨٥٤م، قالت:

نظرًا لتهديد الروس لمدينة (راسجراد) قد أرسلت القوة التي في (شملا) إلى تلك المدينة، وبعد زوال الخطر عادت إلى (شملا)، وقد تقابل مكاتبنا في الطريق مع ٨٠٠٠ جندي مصري تحت قيادة سليمان باشا. ا.هـ.

وبعد زوال الخطر عن مدينة (راسجراد) عادت جنود هذه القوة إلى (شملا) حيث استعرضهم سردار الجيش التركي إكرام عمر باشا في ١١ إبريل من هذه السنة، وقد كان منظرهم ينم عن استعداد حربي كامل وبأس شديد، وهاك ترجمة ما ورد بهذا الصدد في جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز) بعددها الصادر بتاريخ ٦ مايو سنة ١٨٥٤م:
في يوم ٨ إبريل عادت القوة جميعها بمدافعها إلى (شملا) وكان أكثر جنودها مصريين، وكانوا سائرين يحملون أسلحتهم بنظام تام، وكان أكثرهم ذا منظر حسن ظاهرة عليه الشجاعة العسكرية، وفي ١١ إبريل استعرض عمر باشا القوة جميعها، وقد كانت الطوبجية المصرية أحسن الجميع. ا.هـ.
figure
استعراض السردار أركام عمر باشا التركي لجنود القسم الثالث من النجدة البرية المصرية الأولى بعد رجوعهم إلى «شملا» نقلا عن جريدة «ذي اللستريتد لندن نيوز» بالعدد ٢٤ الصادر بتاريخ ١٣ مايو سنة ١٨٥٤ ص ٤٣٢ وهذا القسم هو ٤ جي لواء المؤلف من ١٣ جي و١٤ جي ألاي بيادة بقيادة سليمان باشا الأرنؤوطي، والسردار أول الممتطين جيادهم في الصورة.
وفي ٢٥ جمادى الآخرة سنة ١٢٧٠هـ (٢٥ مارس سنة ١٨٥٤م) أمر عباس باشا كتخدا بإعطاء الأمر إلى ديوان عموم الجهادية بإرسال ٥٥٦٢٤ ثوبًا من الملابس إلى الآستانة برسم جنود الآلايات المصرية الموزعة على تلك الجهات، وإخطار سليم فتحي باشا بذلك، وبناء على هذا الأمر أرسل الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية بتاريخ ٢٧ جمادى الآخرة من السنة المذكورة (٢ مارس سنة ١٨٥٤م) الإفادة الآتية؛ وها هي:

إفادة من ديوان الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية رقم ١٥٤ بتاريخ ٢٧ جمادى الآخرة سنة ١٢٧٠ مقيدة بالدفتر التركي رقم ٢٦٩١

ردًّا على الإفادة المؤرخة ١٩ جمادى الآخرة سنة ١٢٧٠هـ (١٩ مارس سنة ١٨٥٤م) رقم ٧٤ نعلمكم بأنه كتب في تاريخه إلى أدهم باشا مدير الأمور الخارجية بإرسال الـ ٥٥٦٢٤ قطعة من الملابس اللازمة لأفراد الآلايات المصرية بالآستانة إلى الجهات التي بها تلك الآلايات، فحرروا أنتم أيضًا إلى سليم باشا باشبوغ العساكر السالف ذكرها وأخبروه بذلك، وقد حرر هذا للمعلومية. ا.هـ.

(١٨) تبرعات مصر للدولة في هذه الحرب

لما قامت الحرب بين الدولة وروسيا تبرع الوالي عباس باشا الأول ﺑ ٨٠٠٠ كيس (٤٠٠٠٠ جنيه مصري) لمساعدة الدولة في هذه الحرب ونفقاتها، وتبرع نجله إلهامي باشا ﺑ ٢٠٠٠ كيس (١٠٠٠٠ جنيه مصري)، وقدم سعادة حسن باشا المنسترلي إلى خزانة الدولة ٧٠٠٠ كيس (٣٥٠٠٠ جنيه مصري) تبرع بها الموظفون في مصر لهذا الغرض أيضًا، وإليك ما جاء عن هذه التبرعات في تقويم الوقائع العثماني سنة ١٢٧٠هـ (١٨٥٤م):

قد تبرع حضرة صاحب الفخامة عباس باشا والي مصر المشار إليه بمبلغ (٨٠٠٠) كيس نقدية محسوبًا على مطلوبه من خزينة المالية الجليلة، وتبرع حضرة صاحب الدولة إلهامي باشا المشار إليه أيضًا بمبلغ (٢٠٠٠) كيس نقدية إعانة للنفقات الحربية.

وقدم حضرة صاحب السعادة حسن باشا٦ الذي حضر لدار السعادة هذه المرة إلى خزينة المالية الجليلة مبلغ (٧٠٠٠) كيس نقدية تبرع بها الموظفون وسائر عبيد الحضرة الشاهانية الموجودون بمصر، والتمس قبوله بكتاب محرر منه وصدرت الإرادة الشاهانية بالموافقة. ا.هـ.

(١٩) إعلان فرنسا وإنجلترا الحرب على روسيا

وفي ٢٧ مارس سنة ١٨٥٤ أعلنت فرنسا وإنجلترا الحرب على روسيا وانضمامهما إلى تركيا، وكانت هاتان الدولتان قد تداولتا البحث في هذه الحرب قبل ذلك بوقت وأعدتا لهما جيوشهما، ولدى إبحار المارشال سان أرنو Saint Arnaud رئيس قواد الحملة الفرنسية مع جيشه أصدر الأمر العام الآتي وفيه وجه الثناء إلى الجيوش المصرية:

أيها الجنود

إنكم ستسافرون بعد بضعة أيام إلى الشرق للدفاع عن قضية الحلفاء الذين هوجموا ظلمًا وعدوانًا، وتواجهون تحدي القيصر وتحرشه بأمم الغرب.

وإنكم ستقاتلون مع الإنجليز والترك والمصريين جنبًا إلى جنب، وغير خاف ما يجب عليكم نحو رفاكم في السلاح من الاتحاد والمودة في عيشة المعسكرات، والتفاني في العمل باخلاص تجاه القضية المشتركة:

لقد كانت فرنسا وإنجلترا فيما سلف خصيمتين، أما اليوم فهما صديقتان وحليفتان وقد عرفت كلتاهما منزلة الأخرى في حومة الوغى، وهما معًا سيدتا البحار، وستمير الأساطيل جيوشهما بينما ينزل القحط والجوع بمعسكر العدو.

ولقد عرف الأتراك والمصريون كيف يقاومون الروس في الحرب من وقت ما دارت رحاها وهزموهم منفردين في عدة مواقع، وإذن فما الذي لا يستطيعون عمله وأنتم في عونهم:

أيها الجنود:

إن نسور الإمبراطورية عادت للطيران لا لتهدد أوروبا بل لتدافع عنها، فاحملوا أعباء هذه الحرب مرة أخرى كما حملها آباؤكم من قبل، وكرروا جميعًا قبل أن تغدروا أرض فرنسا النداء الذي أكسبهم انتصارات في مواطن جمة، وذلك النداء هو (يعيش الإمبراطور).

مارشال فرنسا
رئيس قيادة جيش الشرق
الامضاء (أ. دي سان أرنو)

(٢٠) انضمام النجدة المصرية إلى أساطيل فرنسا وإنجلترا وتركيا

أصدر الباب العالي أمره إلى الأسطول العثماني بالمسير مع سفن الأسطول المصري إلى البحر الأسود، وانضمامهما إلى أساطيل دولتي فرنسا وإنجلترا التي هناك استعدادًا للحرب، وقد جاء عن نبأ هذا الانضمام في التقويم العثماني سنة ١٢٧٠هـ (١٨٥٤م) ما نصه:

لأجل العمل بالاتحاد مع أساطيل الدولتين المتفقتين المشار إليهما — أي فرنسا وإنجلترا — الموجودة بالبحر الأسود، قد أرسل الأسطول الهمايوني الذي جُهز وأُعد في ظل الحضرة الشاهانية مع سفن الرقة المصرية الهمايونية إلى جهة البحر الأسود في يوم السبت ٩ شعبان سنة ١٢٧٠هـ (٧ مايو سنة ١٨٥٤م) تحت قيادة حضرة صاحب السعادة الفريق البحري أحمد باشا ورفاقه حضرة صاحب السعادة حسن باشا قائد الفرقة المصرية؛ بناء على الفرمان الصادر من لدن الحضرة الشاهانية. ا.هـ.

(٢١) حصار سلستره واحتدام الحرب حولها

من مايو سنة ١٨٥٤م بدأ يندلع لسان الحرب فتقدم المارشال باسكيفتش إلى جبال سلستره القائمة على نهر الدانوب ومعه ٤٠ ألف جندي، وحاصر حصن طابية العرب وأنذره بالتسليم، وكان بهذا الحصن حاشية مؤلفة من ١٨ ألف جندي بين أتراك ومصريين، فأجابه الجنرال التركي موسى باشا قائد ذلك الحصن قائلًا: لقد تلقيت أنت أمرًا بالاستيلاء على الحصن مهما لاقيت في سبيل ذلك، وأنا لدي تعليمات تقضي بأن أدافع عنه مهما كلفني ذلك.

وشرع الروس تلقاء هذا الإباء في إشعال نار الحرب، وفي ٢٠ مايو سنة ١٨٥٤م شن الروس ثلاث غارات على الحصون الثلاثة المنفصلة التي في مدينة سلستره؛ وهي (طابية أيلاني) و(طابية أردو) و(طابية العرب)، وهذا الحصن الأخير كانت ترابط فيه جنود مصرية، وكانوا يعلقون أهمية كبرى على فتحه لمنعة موقعه، وكان شكله أشبه شيء بمتراس؛ أي: تل مكون من التراب، وهذه الحصون واقعة على مسافة ٢٠٠٠ متر أمام سلستره، وسلط الروس على الحصن الأخير مقذوفات ١٢ بطارية مكونة من ٧٢ مدفعًا تضربه باستمرار، ثم هاجموه، ولكنهم فشلوا، وشنوا عليه الغارة مرة أخرى في الغد؛ أي: في ٢١ منه إلا أنهم دحروا أيضًا في كل موضع، وبعد ذلك خرج لهم القائد موسى باشا من وراء هذا الحصن على رأس حاميته خروجًا تكلل بالظفر والنجاح.
figure
الجنود المصرية وهي تدافع عن سلستره ببسالة فائقة أثناء محاصرة الروس لها نقلا عن صورة زيتية، ويرى في أعلى الصورة حصن «طابية العرب» يخفق عليه العلم المصري.

وفي ٢٨ منه قام الروس بمحاولة جديدة أدهشت حامية الحصن برهة وتوصلوا بها إلى اجتياز الخندق، وأخذوا يتسلقون ساتر الحصن غير أن الحامية التي كانت مؤلفة من أربع أورط مصرية و٥٠٠ أرنئودي بقيادة حسين بك أمير الألاي ١٠ جي بيادة المصري سبقت الأعداء إليه، وقبل أن يتمكنوا من الاستقرار ألقتهم في أسفل الخندق، وذهب تحريض قسوسهم والحماس الديني الذي كانت تغلي مراجله في صدورهم في ذلك اليوم الذي كان يوم أحد هباء منثورًا؛ إذ اندحروا في المرتين اللتين كرروا فيهما هذه المحاولة وتدهوروا في الخندق.

وجاء في الجريدة الإنكليزية (ذا اللستريد لندن نيوز) بعددها الصادر بتاريخ ٢٤ يونيه سنة ١٨٥٤م تحت عنوان (الحرب — حصار سلستره — تقهقر الروس) ما معربه:

كتبت صحيفة (جورنال ده كسنتانتينوبل) فصلًا هامًّا عن الهجوم الذي قام به الروس في ليلة ٢٩ من الشهر الماضي (مايو) على التحصينات الأمامية التي في الجنوب الغربي من سلستره، فقد تألفت ثلاث فرق منهم للقيام بأعمال النسف والهدم يبلغ عدد جنود كل فرقة نحو ١٠٠٠٠ جندي، وتألفت كذلك أورطة من المهندسين الحربيين معها أدوات ردم خنادق الطوابي وسلالم التسلق فوق جدرانها.

وقبل أن يبدأ الروس بالهجوم خطب الأمير باسكيفتش في صفوفهم وحثهم جميعًا على أن يبذلوا غاية جهدهم في مهاجمة الحصون واستيلائهم عليها، وأوعدهم إذا فشلوا في هذه المهمة بأنه سيمنع عنهم تعييناتهم، وبعد أن بث فيهم هذا الروح من التحريض والإقدام سارت فرقتان من الفرق الثلاث المذكورة نحو طابية العرب وطابية أيلانلي، أما الفرقة الثالثة فكانت تعمل ما تعمله الفرق الاحتياطية، وبعد أن أطلق الروس نيران مدافعهم الهائلة تقدموا لمهاجمة الحصون، ولكن سرعان ما قابلتهم الجنود المصرية من داخلها بوابل من نيران بنادقهم الحامية محكم التصويب إلى الهدف، فظل الروس في أماكنهم ولم يتقدموا إلا تقدمًا قليلًا لا يُذكر.

والحق يقال: إن المعاقل التي كانت بها الجنود المصرية صبت على الروس نارًا من القنابل والرصاص حامية السعير حتى لو كان الروس في ذلك الوقت من حديد لاستحال عليهم أن يقفوا أمام هذه النيران القوية المتواصلة، ولذا لم يجدوا بدًّا من التقهقر والرجوع.

وسرعان ما جمع القائد الروسي شتاتهم رغم تواصل إطلاق النيران، وعاد بصفوفهم إلى الهجوم والقتال بشدة فائقة حتى وصلت فرق الروس إلى القلاع، وحاولوا الدخول إليها من فتحاتها المعدة لأفواه المدافع.

ولما تمكنوا من تسلقهم متراس إحدى البطاريات وقعت بينهم وبين الجنود المصرية معركة منتظمة، تغلب فيها المصريون على الروس بفوز باهر ونصر عجيب ودهروهم بأطراف بنادقهم في الخندق ففقدوا شجاعتهم بلا مراء، ثم عادوا إلى الهجوم ولكنهم كانوا في هذه المرة مجبرين من ضباطهم على ذلك فلم يكن لديهم بالمعنى الحرفي أي اقتدار على القتال؛ فتقهقروا وحملوا معهم من قتلاهم وجرحاهم بقدر ما استطاعوا، وبعد تقهقرهم التقط المصريون من ساحة القتال ١٥٠٠ جثة من قتلى الروس، وعددًا كبيرًا من بنادقهم وسيوفهم وطبولهم وآلات موسيقاهم وعلم أورطة من أورطهم.

وقد أبدى حسين بك المصري أمير الألاي ١٠ جي بيادة وقائد الحصنين السابقين في هذه الموقعة أعظم شجاعة، كما أبدى مثل ذلك اثنان من الإنكليز وآخر من روسيا، وكانت خسارة المصريين فيها ٥٠ من القتلى وما يقارب هذا العدد من الجرحى.

وفقد القائد الروسي شلدرز Schilders في هذه الموقعة ساقه، وحالته الآن في خطر لا سيما أنه طاعن في السن وعصبي المزاج، وأصيب الأمير جورتشاكوف Prince Gortchakof بجرح بليغ، كما أصيب القائد لودرز Luders بجرح آخر ويقال: إن صحته آخذة في التحسن، أما الكونت أورلوف Count Orlof وإن كان يدب فيه الروح فلا أمل في شفائه. ا.هـ.

وجاء في الجريدة الإنكليزية (ذا اللستريد لندن نيوز) عن هذه الوقائع بعددها الصادر بتاريخ ٨ يوليه سنة ١٨٥٤ ما معربه:

كان الهدوء شاملًا في الميدان الروسي مدة يومين استعدادًا بلا شك للهجوم الأكبر يوم ٢٨ مايو، وقد وصف اليوزباشي ناسميث Nasmyth هذا الهجوم كما يأتي:

استيقظت يوم ٢٨ مايو نحو الساعة الثالثة صباحًا على صوت إطلاق المدافع الشديد المزعج الذي استمر اليوم كله، وقد انعقد مجلس حربي آخر للبحث في موضوع خروج عساكر الحامية للهجوم على بطاريات العدو، ولكن انفرط عقد هذا المجلس دون أن يقرر شيئًا البتة في هذه المسألة؛ لأن موسى باشا كان مترددًا ولم يستطع أن يبت الرأي ويعتزم على المخاطرة بخسارة الرجال التي قد تنتج عن هذا الهجوم، وقد قطع الروس قناة في بدء الحصار، وكانت تعد جزءًا من المدينة بالماء، ولكنهم تركوها تجري ثانية، وعند منتصف الليل تقريبًا قمت من نومي على صوت إطلاق البنادق من طابية العرب، ولما بلغت الحاجز الذي عند باب إستانبول وجدت أن هجومًا ليليًّا ثانيًا كان سائرًا على قدم وساق، وكان أشد خطورة من سابقه.

وكان الهجوم الأول على الجبهة اليسرى، وقد نفذ العدو فعلًا إلى داخل الاستحكام قبل أن يراهم أحد، أما الضابط الروسي الذي قاد هذا الهجوم وقتل ملازمًا من الطوبجية فقد لقي مصرعه في الحال بضربة من قضيب أصابته في المخ، ثم احتدمت نار القتال احتدامًا شديدًا، وانتهت برد العدو ودفعه إلى النزول في الخندق، وتحمله خسارة كبيرة بفعل الرصاص والكور المفرقعة التي مزقتهم تمزيقًا، وبعد ذلك رتبوا صفوفهم وحاولوا الهجوم على نفس المكان بقيادة باهرة على أصوات الطبول، ولكنهم دحروا وارتدوا، وقد قتل منهم كثيرون، وبعد ربع ساعة قاموا بهجوم ثالث وكان في هذه المرة على الجبهة اليسرى والجبهة الأمامية في آن واحد، ولكنهم قوبلوا بنفس المقاومة الشديدة التي عهدوها من قبل، وبعد معركة دموية ارتد الروس نهائيًّا وتبعهم الألبانيون الى داخل بطارياتهم، وكانت القوة التي في طابية العرب في ذلك الوقت مؤلفة من أربع أورط من المصريين وخمسمائة من الجنود الألبانيين بقيادة حسين بك، وأقل تقدير للقوة التي هاجم بها العدو هو تسع أورط، وإذا حكمنا حسب العدد الذي وجد من الموتى في داخل الحصن وحوله أمكن تقدير قوته بأكثر من ذلك كثيرًا، وقد استمر القتال من منتصف الليل إلى ما بعد طلوع النهار، وهو من الحوادث الممتازة التي حدثت أثناء الحصار كله، وقد بلغ عدد القتلى ٦٨ والجرحى ١٢١، وكثير من الضباط بين الأولين، ويمكن أن تقدر خسارة العدو بألفي قتيل وجريح، وإن كان الذين قد نقلوا جثث الموتى صرحوا بأن عدد القتلى وحدهم كان يزيد عن هذا التقدير، وعلى هذا إذا حسبنا عدد الجرحى بأقل ما يمكن فإن خسائرهم تزيد عن ٦٠٠٠ نفس. ا.هـ.

وقد ذكر الضابط الإنكليزي ناسميث المذكور وصف هذه الوقائع بإيجاز في كتابه (تاريخ حرب روسيا وتركيا ص١٩٧) History of the war in Russia & Turkey P, 197.
وفي ليلة ٣٠ مايو خرج القائد موسى باشا عقب ما تلقى الإمدادات من السردار إكرام عمر باشا في شملا، وهاجم جناح الروس الأيمن، وكان وقتئذ مؤلفًا من ثماني فرق مجتمعة أمام سلستره تحت إمرة المارشال باسيكفتش، وخال الجنرال الروسي سلفان قائد الفرقة الثامنة أن هذا الخروج أدى إلى إخلاء طابية العرب؛ فأسرع هو نفسه مصحوبًا بثلاث أورط بيادة ليحمل عليها ويأخذها عنوة، وذلك بعد أن أمر الجنرال بوبوف Popof أن يلحق به مصحوبًا بأربع أورط أخرى لمعاونته.
وفي هذه المرة اجتاز أيضًا الروس الخندق، وبدأت تتكرر مرة أخرى حوادث ٢٨ منه، وجرح الجنرال أورلوف Orlof ياور الإمبراطور نقولا لدى تسلقه الجزء المنحدر من الساتر، وكان يتقدم صفوف المهاجمين، ولم تمنع وعورة هذا الحصن هجمات الجيوش الروسية، فتقدم عدد من الضباط والجنود وتسلقوا ساتر الحصن ودخلوا الحصن نفسه من الفتحات المعدة للمدافع، فحملت عليهم الحامية وكانت لم تزل مصرية، وقاتلتهم جسمًا لجسم حتى طردتهم وأخرجتهم من نفس تلك الفتحات التي كان يتوهم الروس من برهة أنها باب نصرتهم.
وبعد أن قاتل الروس قتال المستيئس زهاء أربع ساعات أُكرهوا على الانسحاب، وخرج المصريون خلفهم وتعقبوهم وضايقوهم كثيرًا، وحملوهم خسائر فادحة، وجُرح الجنرال سلفان Selvane جرحًا مميتًا وهو مدبر، فجمع وكيله الجنرال فاسيلتزكي Vassilitzki الروس وقادهم إلى خنادقهم، أما الجنرال بوبوف فلم يحل بطائل أيضًا ووتراجع بلا انتظام مع فرقته، وبالاختصار نجح المصريون نجاحًا تامًّا، وكانت خسارتهم طفيفة بالقياس إلى خسائر العدو.

وفي ٢ يونيو سنة ١٨٥٤م أمر المارشال باسكيفتش وكان لديه وتحت إمرته ١٠٠ ألف جندي بالقيام بهجوم عام على الحصن، واشتركت في هذا الهجوم عمارة الدانوب الروسية فكانت ترمي المدينة بقنابلها من جهة، والمدفعية البرية تقذف مقذوفاتها من ناحية أخرى على الحصن من خنادقها، ووجه الروس هجومهم الرئيسي إلى حصن (طابية العرب) وكانوا قد لغموا بطاريته التي في المقدمة، والمصريون فتحوا ضد ذلك لغمًا فانفجر هذا تحت أقدام الروس فأخل نظامهم وبث في قلوبهم الهلع والرعب.

وعندما شهدت حامية سلستره هذا الحادث انتهزته وخرجت وحملت على الروس ودحرتهم، ولكن كان هذا اليوم لسوء الحظ ونكد الطالع يوم حزن لدى الجيش المنصور؛ لأن ذلك البطل الشجاع موسى باشا قائد سلستره قُتل في معمعان هذه الواقعة.

وفي ٥ و٧ يونيو أعاد الروس للمرة العشرين هجومهم فلم ينالوا سوى الاندحار والفشل، ومارشالهم الطائر الصيت باسكيفتش Paskievitsch أصيب بمرض اضطره إلى الابتعاد عن ميدان الحرب، وأصيب البرنس جورتشاكوف Prince Gortchakof بجرح كبير.
وفي ١٣ يونيو كر الروس مرة أخرى بشدة كبيرة جدًّا، وبذلوا آخر مجهود عندهم فبترت فخذ جنرالهم شلدرز Schilders ومات متأثرًا من العملية الجراحية التي أجريت له.

ونتج من انفجار أحد الألغام أن طار ساتر طابية العرب فوثب فيها الروس متساندين كأنهم رجل واحد، غير أن الترك والمصريين ألقوا بأنفسهم في الثغرة وكونوا من أجسادهم متراسًا جديدًا، بينما كان قسم آخر من المصريين يصوب إلى صفوف الروس بنادقه ويبيدهم ويمنعهم من الدنو وهو متوارٍ في كمين.

ولم تكف الحصون المنعزلة عن السهل وعن مرتفعات المدينة أيضًا عن المجاوبة على نيران العدو؛ فتسرب اليأس والقنوط إلى قلب المارشال باسكيفتش، ورأى أنه من العبث الاستمرار في بذل تلك المحاولات بلا جدوى، فاضطر الروس أن ينسحبوا نهائيًّا مرغمين قانطين قنوطًا لا مزيد عليه من الاستيلاء على سلستره.

وفي ٢٨ يونيو رفع المارشال الحصار ووجه جميع جيشه إلى بسارابيا، وانضم إليه فيها الجنرالية الروس إجابة للأمر الصادر من الإمبراطور نقولا.

وجاء في الجريدة الإنكليزية المصورة (ذا اللستريد لندن نيوز) بعددها الصادر بتاريخ ٢٩ يوليه سنة ١٨٥٤م عن حصار سلستره نقلًا عن مكاتبها الخاص في (شملا) ما ترجمته:

شملا في ٤ يوليه سنة ١٨٥٤

في الخامس والعشرين من شهر يونيه الماضي انتهى رمضان المكرم شهر الصوم، وكانت ليلة قائمة تلبد جوها بالغيوم التي حجبت الهلال الصغير ونوره الضئيل، ولكن حضر ثلاثة من الريف اشتهروا بالنزاهة والصدق وشهدوا أنهم رأوا المولود الدري الجديد في فرجة بين السحب، وعندئذ ابتدأ عيد الفطر بجميع مظاهره المألوفة ارتكانًا إلى التأكيدات المذاعة بأن الأحوال العادية لم يطرأ عليها أي تغيير، وتردد في جود تلك الليلة صدى هتاف المؤمنين الفرحين ودوي المسدسات والبنادق والمدافع والمفرقعات، وقبل هذه الليلة السعيدة بثلاثة أيام احترف أهل شملا صناعة المفرقعات لعيد الفطر، فترك البقال بضاعته ونبذ السروجي وصانع الأحذية المخرز والجلود وفارق الحوذي خيله وعربته المتقلقلة، وشعر الشعب الظفر فعزم عزمًا صادقًا على الاحتفال بنهاية شهر الصوم، ولم يصمه صومًا حقًّا على ما أعتقد مما شاهدت أكثر من شخص واحد في كل عشرة، ولكن بينما كان الشعب على هذه الحال من الاشتغال بمعدات عيد الفطر كانت عقول جميع المتصلين بقيادة الحرب مثقلة بالمتاعب الهامة، فقد طال حصار الروس لسلستره أكثر من أربعين يومًا، وخشي أن سقوط سلستره صار أمرًا محتمًا؛ لأن العدو كان كثير العدد، والحامية كانت في أشد الضيق فأنفقت العزائم على إفراغ الجهد أثناء أفراح الشعب لإنقاذ القلعة المحصورة، وصدرت بضعة أوامر منها أن تسير القوات التركية، وأن تتحرك قوات الحلفاء، وتمت الاستعدادات في صمت، وإذا برسول جاء وأخبر بأن الروس ارتدوا وانسحب جيشهم وهجر مواقعه وعبر نهر الدانوب، وعادت سلستره حرة كما كانت من قبل، فكانت مضاعفة الأفراح من مميزات هذا العيد، وطبق الآفاق أصوات المفرقعات والمسدسات والبنادق والمدافع؛ ابتهاجًا بالنصر المزدوج بانتصار الإسلام والخلاص من تسلط العدو على بلاد المسلمين.

وفي الصباح الباكر من السادس والعشرين ابتدأت سفري إلى سلستره قاصدًا زيارة المواقع التي برحها الذين كانوا فيها بالأمس من القادة المشهورين، ورافقني في هذا السفر سيدان شديدا الرغبة مثلي، يتوقان كما أتوق إلى البحث عن معرفة الأسباب التي دعت عدوًّا في مثل هذه القوة العظيمة أن يعدل بدون أي سبب ظاهر عن خطته بعد أن سار في سبيل تنفيذها شوطًا بعيدًا، وجاهر بعزمه على المثابرة فيها حتى يحققها، وقد تدافعت مظاهر الحياة في الطريق إلى سلستره فسبقتنا فيه عساكر حملة شملا وهم يسيرون بروح مرحة وخطوات مرنة.

وأول ما رأينا فيه كان بعض الأورط المصرية والتركية متزاحمين في الطرق المرتفعة فوق الآكام أو هابطين إلى بطون الوديان التي يتلو بعضها بعضًا بسرعة في ظاهر المدينة.

ومما جعل حركات المصريين والأتراك أكثر وضوحًا خلو المكان من الأشجار والنجوم، وكان منظر المصريين والأتراك بوجوههم النضرة الممتلئة القوية يناقض أشد المناقضة منظر فلول العائدين الآخرين من ميدان القتال بعيونهم الغائرة، وعظام وجوههم البارزة، وجلودهم التي لا تخفي شيئًا من أجزاء هيكلهم العظمي، فقد أنهكهم الجوع وأضناهم تعب الجسم وتعب النفس وهم ينقلون خطواتهم ببطء وعناء يبتغون مكانًا يجدون فيه الطعام والنوم خلافًا لما كان عليه الحال في سلستره، وقد سطعت أشعة الشمس على خطوط من العجلات لا نهاية لطولها، وتستخدم الجواميس والثيران لجرها، وارتفع في الجو صرير بكراتها؛ لأنها لم تدهن بالزيت، ثم بلغنا قرية كلادير Kalayadere ولا يزال فيها آثار مرور العساكر بها أو إقامتهم فيها، ومن هنا ابتدأنا ندخل أصقاعًا أحفل بالغابات وأجمل مناظر، ووصلنا إلى المعسكر الكبير المعروف باسم جيجرلي Giugerli.

وكان الرأي السائد وقت دخول الروس ببلغاريا وأثناء حصار سلستره أنه من الضروري أن ترسل قوة عظيمة من الجيش تعسكر أمام شملا، فوقع الاختيار على جيجرلي؛ لأن موقعها أمين ويسهل الدفاع عنه، ومن أجل ذلك أقيمت الاستحكامات في جوانب مدرج من الربى وجد الماء عند قاعدته بما يكفي حاجة الجيش، والماء هو الطلب الأعظم في جميع الجهات الواقعة إلى جنوب وإلى شرق سلستره، وهكذا حدث أن عسكر عدد عظيم من العساكر في أجمل الآكام مناظر، وأني رغم الانتقادات التي سمعتها على انتخاب هذا الموقع أرى أنه لم تكتشف بقعة أكمل من هذه من حيث بهجة مناظرها الطبيعية لا من حيث مزاياها الحربية.

وقد أطلقنا ونحن نجتاز جيجرلي الواقعة في أسفل سفح المدرج لخيولنا العنان وسرنا بسرعة فائقة، وكان على مقربة من الطريق ثلاث فسقيات أو نافورات وبرك متباعدة كان السائقون يدفعون جواميسهم للنزول فيها، ويبردون ظهورهم بالطين، أما القرية نفسها فلا ساكن فيها وجميع منازلها خالية، وكنا نقابل العساكر في جهات متفرقة يحملون أغصان الكرز من بساتينه الواسعة، ويأكلون الثمر أثناء سيرهم، ثم وصلنا مرتقى عسيرًا زحفت فيه عجلات الأتراك المثقلة بأحمال المؤن زحفًا بمجهود اليم، وبعد أن ارتقيناه أخذ عراء الطريق يتناقص إلى أن حجبت الأجمة كل شيء، وأحاطت بالطريق وأقامت فوقه سقفًا من الغصون المشتبكة، وقد أضافت أشباح العساكر المتحركة ألوانًا جديدة غير مألوفة إلى الأخضر الداكن الذي يكسو أشجار البلوط الضخمة التي في الطريق، وأحيانًا كان يتلو هذه الأجمة بأشجارها الكثيفة فرجة العراء والمسالك الواضحة وقد زرع فيها القمح والشعير، ونما زرعهما نموًا غزيرًا.

ولما وصلنا إلى كرابشل Karabashle لحقتنا مؤخرة قوة مؤلفة من عساكر الطوبجية ومن السواري والبيادة، وكانوا يسيرون بخطوات سريعة ومنتظمة، وصحب القوة عدد وافر من العجلات تحمل الماء، وقد جرت العساكر إليها وأحيانًا قصدوها زرافات وازدحموا حولها وتدافعوا بالمناكب لبل شفاههم الجافة من السير في الحر الذي ارتفعت درجته إلى التسعين، وقد خلت كرابشل وشبولار Chupolar من السكان، أما هذه الأشباح النسوية الغريبة التي كانت تتراءى لنا في نواحٍ مختلفة متوارية عن الأنظار؛ فهي أشباح نساء من العجائز أو من اللائي أقعدهن المرض فلم يستطعن الفرار من العدو وتقدمه الموهوم، ويمكن أن تقدر صعوبة انتقال الجيش من مكان إلى آخر في بلاد كهذه إذا أدركنا أنه علاوة على ما كان يسببه فرار الأهلين؛ فإن المرء كان لا يجد طحينًا ولا قمحًا ولا شعيرًا ولا لحمًا ولا طعامًا، وفي الحقيقة كان لا يجد شيئًا من الغذاء للإنسان أو الخيل فاضطرت العساكر أن تحمل معها كل ما تحتاج إليه.
وبعد خمس ساعات لاح في الأفق قرية رامانا شيكار Ramana-Chikler وعزمنا على المبيت فيها ليلة، ومنظرها يفتن العقول ويأخذ بمجامع القلوب، ومنازلهما مبعثرة فوق منحدرات تكسوها الحشائش الخضراء، وتغطيها أشجار البلوط المعمرة التي عاقتها فئوس الحاطبين عن النمو فجعلت شكلها من أغرب المناظر، وحيثما وجدنا سكانًا ألفيناهم لا يزالون تحت تأثير الخوف الشديد فلم يفتحوا أبوابهم لنا، والبيوت التي هجرها ساكنوها استولت جماعات العساكر على كل شيء فيها، أما نحن فمعنا مآكلنا وكذلك أغطيتنا، ولم يبق إلا أن نبحث في أي ناحية من القرية نأوي، وقد وجدنا بقعة ظليلة بالقرب من المسجد حيث ذهبت جذور أشجار الجوز الضخمة في الأرض، ونازعت البقاء أحجارًا تدل على أن تحتها قبرًا تركيًّا، وأحضرنا معنا أيضًا نبيذًا، ولكن الماء أهملناه إهمالًا لا يغفر فاضطررنا أن نستعمل ماء البركة، وقد ملأ العساكر منه بواطيهم إلا أن الجواميس استحمت ومرحت فيه فصار له طعم غريب.
وقد يسر المرء بعد أن يسير في أستراليا خمسين ميلًا أن يشرب ماء مستمدًا من أحد تلك الثقوب النادرة التي وصفها ليخارت Leichhardt المسكين، أما أن يجد الإنسان هنا في أوروبا قرية بلا بئر تعتمد في حاجتها إلى الماء على القضاء والقدر بتلك الروح الجبرية التي اشتهر بها المسلمون فذلك أمر لم أكن مستعدًا له، وبسبب ذلك شربنا هذه المرة من النبيذ أكثر مما شربنا من الماء، وبعد الفراغ من الطعام شغلتني مسألة النوم فهيأت فراشي على الأرض: قطعة من المشمع تحتي وبطانية فوقي، ولكن أحد رفقائي وهو سيد من مدينة نانتس Nantes حن إلى النوم في أي مكان إلا على الأرض؛ ولذلك ارتسمت على وجهه شواهد الفرح؛ إذ ظفر بإحضاره من دهليز الجامع قطعة خشبية طولها ٦ أقدام، وارتفاع حوافيها ٦ بوصات، وصمم على افتراشها في الليل، وهو لم يكن أول من كشفها، وقد أبقيت لنفسي اغتباطها بتكدير صفو تمتعه بالنوم فوقها بعد اضطجاعه عليها بوقت قصير؛ إذ أخبرته بأنها نعش للموتى، فذعر من ذلك ورأى في منامه جثثهم.
وعقب خروجنا من (رامانا شيكلر) Ramana-Chikler مبكرين ركبنا طويلًا على متن جياد متعبة إلى قرية بلغارية تدعى (كاليبتري) Calipetri حيث ظهر جنود الباشبوزق بمظاهر حريتهم المعتادة، وقد أُحرقت الكنيسة التي بهذه القرية، ولم يبق قائمًا بها إلا جدرانها، وتحول كثير من منازلها إلى رماد بينما نهبت محاصيل حقولها من البصل والفول.

ومن (كاليبتري) إلى (سلستره) مسير ثمانية عشر ميلًا على الأقدام في سهل أو نجد ممتد على مرأى البصر ومزرع حنطة وشعيرًا، وكانت أصوات السمان والجنادب مستمرة، وكنت ترى هنا وهناك آثار معسكرات السواري في المحاصيل القائمة.

وهذه الأماكن على ما يظهر كان يستريح فيها القوقازيون الذين رادوا الإقليم مدة تزيد على الأربعين يومًا، وأظهروا أنفسهم مرارًا على المرتفعات التي فوق (كاليبتري)، هذا بينما كان أهالي القرية المسلحون بواسطة الروس يجوبون في الغابة المجاورة يذبحون الخيل والرجال.

وقد أبان نهاية السهل أمامنا بناء منخفض مربع كان يخفق خارجه علم به هلال ونجم فدل ذلك على قرب سلستره.

وهذا البناء هو الطابية المجيدية، وهي حصن كبير تقع المدينة من تلك الجهة تحت نيرانه، وقد بلغ من مناعته أنه حال بين الروس وبين هجومهم على المدينة، على أن الأرض الواقعة أمامه كانت ميدانًا لقتال كثير بين عساكر الأتراك غير النظاميين وبين القوقازيين، وقد أُسر نحو خمسمائة من هؤلاء العساكر أثناء هذه المناوشات، ولكن الجنرال (لودرز) بعد أن جردهم من أسلحتهم وخيلهم أعلنهم أنه أطلق سراحهم، وقال: إنه علم أن الجنرال يوسف ينوي أن يؤلف قوة منهم فرجاؤه إليهم أن يقدموا أنفسهم إلى القائد المذكور ويبلغوه تحياته؛ أي: تحيات الجنرال (لودرز).

وإلى اليمين لما ازداد حجم الطابية المجيدية ظهورًا عندما دنونا منها انبثق نهر الدانوب، وبانت مناظره والأراضي المنبسطة الممتدة بين شاطئ نهر الدانوب والأرض الأخرى المنتهية عند كالاراش تغشاها على ما يظهر خيام الجيش الروسي الذي لم يتجاوز أثناء تقهقره الساحل الآخر من نهر الدانوب.

وإلى اليسار وكأنها عند قاعدة الطابية تقع مدينة سلستره محفوظة على ما يظهر أحسن حفظ؛ فجميع مآذنها كاملة وظاهرة في ضوء الشمس.

ها نحن في سلستره وقد دخلناها والوقت مساء، واستغرقت خيولنا المتعبة اثنتي عشرة ساعة في هذا اليوم الثاني في قطع نفس المسافة التي طوتها في اليوم الأول، ولم تأكل شيئًا أثناء ذلك فجهدت وهي تقطع المسافة في أحوال توافرت فيها الأسباب التي تؤخر وتعرقل.

إن سلستره حصن في الدرجة الرابعة من الأهمية، ويحيط به فقط سور وخندق صغير الحجم جدًّا؛ ومع ذلك فإنها رهيبة القوة يخشاها العدو بسبب تلك الحلقة من الطوابي التي تكتنفها من كل جانب، وجميع الآكام محصنة كذلك باستحكامات حفرت في قمتها ولا بد من الاستيلاء عليها قبل الاستيلاء على الحصن بالذات، ونهر الدانوب عند سلستره ليس متسعًا، وفي الواقع إن الروس من البطاريات الموضوعة على جانب النهر في ولاشين Wallachain، استمروا يطلقون النيران بدون انقطاع من ثمانية مدافع تقذف قنابل طول الواحدة ٢١ بوصة، ومن مدافع أخرى ثقيلة مشهورة باسم (هويتزر)، وفي سلستره مدفع يدل على مدخل المدينة من ناحية بوابة إستانبول؛ غير أن البطاريات التي على الساحل الآخر أحدثت ثقوبًا في جسر سلستره؛ فكان الدخول إليها خطرًا في جميع الأوقات، وقد عاينا ونحن نجتاز البوابة البقعة التي قُتل فيها موسى باشا بانفجار قنبلة، وهو خارج من المكان المعد للوقاية من فتك القنابل، وهنا كذلك فاجأت قذيفة شبيهة بالقنبلة المنفجرة فرقة من الباشبوزق في اللحظة التي كان اليوزباشي (سيموند Simond) يزور فيها طابية العرب، وهنا تقابلنا مع عمر باشا، وقد حضر من فوره من شملا فأطلقت جميع بطاريات المدينة والحصن ثلاث طلقات؛ إيذانًا بوصوله وتحية لقدومه، وما كاد سعادته ينتهي من زيارة المواقع الروسية حتى تفضل كرمًا منه وأمر أن تبقى وضعية الأشياء في طابية العرب كما هي دون إحداث أي تغيير ريثما أفرغ من رسم المواقع (وهو الرسم المنشور بعد هذه الصفحة).

أما الشارع الذي اجتازته صفوفنا في سيرها إلى المساكن التي أعدها لنا إبراهيم باشا ففيه حفائر واسعة، عمق الواحدة منها خمس أقدام وعرضها ثلاث، والبعد بين كل حفرة وأخرى عدة ياردات، وفي هذه الحفائر شظايا من قنابل الروس، وسقوف المنازل جميعها مثقوبة كثيرًا أو قليلًا بفعل هذه القنابل الشديدة الفتك، والحيطان المشتركة كثيرة الثقوب كذلك، أما المآذن فقد اخترقت القنابل عددًا كبيرًا منها، ومع أن كثيرًا من هذه المآذن قد أصيب بالعطب الشديد فلم تسقط واحدة منها، كما أن المنازل ظلت ثابتة في أماكنها تقاوم ضربات النيران بكل رسوخ وثبات، فكأن أبنية سلستره شاركت حماتها في روحهم، وعقدت العزم مثلهم على ألا تُسلم بالسقوط بأي ثمن.

figure
حصن طابية العرب من الداخل نقلا عن الجريدة الإنكليزية المصورة «ذي اللستريتد لندن نيوز THE Illustrated London News» بالعدد ٢٥ الصادر بتاريخ ٢٩ يوليو سنة ١٨٥٤ ص ٩٦ ويرى فيه بعض الجنود المصرية بعد انكسار الروس وانسحابهم من أمام سلستره.
ويكاد يكون من اللغو أن نقول: إنه لم يبق في سلستره ساكن واحد فقد طلب جميعهم السلامة من الخطر بالالتجاء إلى المغارات التي حفرت في بطون الربى من جوانبها، وأقاموا فيها آمنين، على أنهم عانوا بلا ريب ما عانوا لحرمانهم من الحركة، وأحيانًا لحاجتهم إلى الطعام، ولكنهم على كل حال كانوا في مأمن، أما العساكر وحدهم فقد ظلوا في هذه المدينة في نقطهم بالقرب من التحصينات حتى يمكن حشدهم في أسرع وقت، وكانت في الترسانة خيمة الملازم (ناسميث Nasmyth) واليوزباشي (بتلر Butler) هذان الشهمان اللذان دافعا عن سلستره دفاعًا قدره الأتراك أحسن تقدير.

وقد أبى القدر أن يمهل اليوزباشي (بتلر) بعد رفع الحصار عن سلستره فمات بعد ثمانية أيام من جرحه الذي أصيب به في طابية أيلاني، وقد قام الأتراك بما يجب نحوه فأحاطوا جثمانه بمظاهر التشريف والتكريم، وقد شيعه حتى مثواه الأخير في مدفن الأرمن يوزباشي من كل بلوك في الحامية، وأطلق السلام الحربي فوق قبره، وأمر عمر باشا أن يقام تذكار لائق تخليدًا لاسمه الذي سيظل مذكورًا بين الأتراك مثالًا للضابط الشجاع الذي برهنت أفعاله أكثر من مرة على شهامته وجسارته الفائقة.

أما الملازم (ناسميث) فحظه أحسن وهو الآن في شملا، وقد منح الوسام المجيدي، وكذلك وسام ليجيون دي نير، وكتب اليه (لورد رجلان) قائد الجيش الإنكليزي كتابًا عبر فيه رسميًا عن شكر الجيش الإنكليزي له على ما أبداه من ضروب الشهامة، ويجدر بي هنا أن أُنَوِّه باسم الملازم (بلرد Ballard) من فرقة المهندسين البنغالية، ومع أنه لم يقم في سلستره طويلًا فإن الأعمال التي قام بها ضد العدو في الخمسة عشر يومًا الأخيرة من أيام الحصار كانت مفيدة وذات نتائج؛ فنأمل ألا يحرم من المكافأة.
وقد أمضت جماعتنا اليوم السابع والعشرين بأكمله في زيارة (حصن طابية العرب) وحصن (أيلاني)،٧ وكان المنظر مما يبعث على الدهشة إلى أقصى حد، وكان الطريق إلى حصن (طابية العرب) يدور حول الرابية حتى يبلغ ذروتها حيث بنيت الطابية، وأدل أمارة دلت على اقترابنا منها كان ذلك العدد من المغارات التي ثقبت في جانب الرابية، وهذه المغارات تسع بضع مئات من الرجال وفيها عسكرت أو بعبارة أصح اختبأت القوة الاحتياطية التي كانت تدافع عن الطابية، وقد ارتاب الروس في مكان لا يبعد كثيرًا عن هذه المغارات، وظنوا أن تلك القوة الاحتياطية مختبئة فيه فرموه بآلاف من القنابل انفجرت دون أن تُحدث ضررًا بأحد، ولذلك غرس المصريون عصيًّا قصيرة لتعيين هذا المكان.

وقد نقل المصريون أثناء الحصار من بقعة إلى يمين هذه البقعة المحبوبة ما لا يقل عن ألفي قنبلة لم تنفجر، ومن هذا يمكن أن يتصور الإنسان شدة السعير الذي أصلاه الروس حامية سلستره مدة بضعة أسابيع، فقد كان أشد حرارة من لهيب المناطق الحارة.

ولما وصلنا إلى قمة الرابية دخلنا إلى (حصن طابية العرب) ولا يزال أحد أركانها كاملًا، أما باقي الطابية فقد تحول إلى طائفة من الأكوام والأودية لا شكل لها ولا نظام، وقد أبانت ثلاث حفائر سرت تجاويفها في جسم الطابية المكان الذي انفجرت فيه الألغام الروسية، وأما الحاجز فلم يكد الانفجار يحدث حتى ارتفع ثانية فوق الحافات المعوجة من هذه الحفائر، فكانت العساكر تلقي بنفسها على الأرض بحذر، ثم تأخذ في رفع الأتربة من الداخل، وقد عرضت حركة رفع الأتربة هذه أقراص طرابيش الجنود إلى الظهور أحيانًا فصوب الرماة الروس بنادقهم نحو هذا الهدف وأصابوا فيه مقتلًا، وهكذا قُتل كثيرون برصاصات اخترقت المخ، والعجيب في هذا الأمر أن العدو اعتمد في هذه الأحوال على البنادق، ولم يستخدم مدافعه بطريقة فعالة تكفي لمنع ساتر الحصن من الارتفاع ثانية أمام عينيه وقت اضطرام النيران.

وبالرغم من هذه الظروف أتت ساعة صار فيها المكان جحيمًا لا يمكن البقاء فيه، فاستلقى المصريون عند حضيض الساتر — الذي سترهم عن أعين الروس — واختبئوا في مخابئ التراب، ولكن تمكن اليقين آخر الأمر إن الألغام تسربت في الاستحكام كله، وعلى كل حال فإن المصريين كانوا إذا تخلوا عن بعض الحصن المطل جهة نهر الدانوب ارتدوا إلى تحصين أقاموه خلف القديم، فإذا ظهر أن الجديد أيضًا مهدد بالخطر شيدوا ثالثًا أكثر صلاحية وأقوى على احتمال النوازل ومقاومة العواصف من كلا السالفين؛ وهكذا دواليك.

ومن السهل أن ندرك أن روحًا كهذا لا يفرط في شبر واحد من الأرض، بل يثبت ويقاوم للاحتفاظ بهذا الشبر، وقد وجد الروس أنهم كلما هدموا تحصينًا وصيروه ترابًا حل محله تحصين آخر لا مفر لهم من العمل من جديد لتحطيمه هو أيضًا، ودكه دكًّا كأنهم ما هدموا بناء ولا أتلفوا سلاحًا، والمصريون لم تعجزهم لذعات العدو وكأنهم ما خسروا أرضًا ولا فقدًا قوة، ولا بد أن هذا كان مما ثبط همة الروس أشد تثبيطًا، أما الثغرات التي كانت في التحصين الأول والثاني فليست موجودة، ولم يبق أي أثر لها، وإنما الموجود نحو مئتي قبر على صف واحد دفن فيها الموتى في الحال، وقد كانت اللحظة التي يسقط فيها المحارب قتيلًا هي نفس اللحظة التي يوارونه فيها التراب، ولم يجدوا وقتًا للاحتفال بدفن الموتى؛ ولذلك لم يحتفل بجنازة أحد.

وعلى بعد عشر ياردات من الساتر المعوج المهدم دخلنا من رأس الخندق إلى خط النار الروسي، وتتبعنا في سيرنا جميع تعرجاته العديدة وشعبه الكثيرة فقطعنا بذلك أميالًا، وأقرب البطاريات كانت على بعد ٥٠ ياردة، وأقصاها كان على مسافة ٣٠٠ ياردة.

وقد امتد الخط من طابية العرب منحدرًا نحو نهر الدانوب إلى واد فيه بقايا شنيعة بادية للعيان، ثم يصعد الخط حتى يبلغ الجهة المقابلة منخفضًا بعد ذلك إلى واد آخر فيه آثار معسكر كبير أُنشئت لحمايته استحكامات بين كل واحد وآخر ربع ميل، وكثير منها يسع ستة مدافع أو سبعة أو ثمانية، وجميعها كانت تواجه ناحية واحدة؛ أي: تجاه المصريين مما دل على أن الغرض كان مهاجمة المدينة، وحفظ خط الرجعة في حال قدوم قوة كبيرة لإنقاذ الأتراك والمصريين، وأكبر الاستحكامات من هذا النوع كانت على بعد سبعة أميال، وكان في نهاية الخط حصن كبير يواجه جميع الجهات.

وقد اتبع هذا الأسلوب في حماية ثلاثة أودية منحدرة نحو نهر الدانوب، ومد الروس إزاء الوادي الأول جسرهم الأول مارًّا فوق الجزائر ومتصلًا بالجانب المقابل، أما الجسر الثاني فقد كان على بعد خمسة أميال إلى جهة المصب وفوق هذين الجسرين تقهقر العدو خفية بحيلة فأطلق وابلًا متواصلًا من النيران واسع النطاق جسيم المقدار، وانتهى قذف هذه القنابل فقط في الساعة الثالثة من صباح اليوم الثاني والعشرين من الشهر الماضي، ففي تلك الساعة علم يقينًا أن المسالك القريبة من طابية العرب قد انكفأ العدو عنها وهجرها.

واكتشف تحت الاستحكام لغم ذو ثلاث شعب ممتدة إلى النقطة المركزية فيه، وقد نفذ العدو إلى (طابية أيلانلي) بواسطة خطي نار عظيمي الطول كثيري الالتواءات، ولكن النشاط الذي هاجم به الروس هذه الطابية كان أقل كثيرًا مما بدا منهم في هجومهم على (طابية العرب)؛ ذلك لأن الموقع الجانبي (لطابية أيلانلي) كان في صالح المدافعين عنها أكثر كثيرًا من موقع الطابية الأولى، وكان ما لحقها من أذى الروس أقل كثيرًا جدًّا من الأضرار التي انهالت على طابية العرب، وفي طابية أيلانلي أصيب اليوزباشي بتلر بجرحه المميت، وقد كانت الأماكن التي عسكر فيها الروس مخططة برسوم مسافات خيمهم المربعة، ووجود كثير من عظام لحم البقر والضأن دليل على كثرة الطعام مهما قيل غير ذلك، ولكن روائح منتنة كريهة كانت تتصاعد من جميع هذه المعسكرات ومن الاستحكامات وخط النار، وقد يكون هذا علة ما انتشر من كثرة المرض في الجيش الروسي؛ فقد قيل: إن نحو ٣٠٠٠٠ جندي دخلوا المستشفى.

وقد عدت إلى سلستره بجانب النهر وتمكنت من فحص عدد البطاريات الجسيم الذي أحاط بأطراف الجزيرة الواقعة مباشرة في مواجهة الساحل، ثم دخلت المدينة ثانية وأنا في ذهول ودهش لجسامة ما رأيته من التحصينات الروسية، وتفكير في الخزي الذي لا بد أن ينزل بجيش القصر؛ فقد كد كدًّا هائلًا وأنفق جهودًا عظيمة جدًّا وما جنى مما بذل إلا قليلًا، أما الخسائر فالأرقام الرسمية عند الأتراك والمصريين تحددها في سلستره بمقدار ٢٢٠٠ من النظاميين نصفهم قتلى والباقي جرحى، وقد بلغت نحو ألف من العساكر غير النظاميين، أما عند الروس فيقال: إنها أثناء الخمسة والأربعين يومًا؛ أي: أمد الحصار لم تقل عن ٧٠٠٠ بين قتيل وجريح منهم اثنان من القواد.

وقد عاد عمر باشا من سلستره في اليوم الأول من الشهر الجاري، وسافر إلى وارنه في اليوم الثالث منه للاجتماع بلورد رجلان Lord Raglan والجنرال سنت أرنو General St. Arnaud قائدي الجيشين الإنكليزي والفرنسي للبحث والتشاور معًا. ا.هـ.
وها هو ما قاله أيضًا جيل لادمير Jules Ladmir في مؤلفه (الحرب في الشرق وفي بحر البلطيق في خلال الأعوام من ١٨٥٣ إلى ١٨٥٦ المجلد الأول ص٤١)  La Guerre en Orient et dans la Baltique, pendant les Années 1853 â 1856 Tome 1, page 41:

قبل أن ينسحب الروس انتقموا من سلستره بأن صوبوا إليها مقذوفات مدافعهم وأصلوها نارًا حامية لم يروا مثلها في التاريخ، واستمر إلقاء هذه المقذوفات ثلاثة أيام وثلاث ليال فحطم عددًا كبيرًا من المساجد والمآذن والمساكن، وأهلك كهولًا ونساء وأطفالًا مع أنه ليس لهذا العمل أي مبرر من الوجهة العسكرية.

وأظهرت حامية المدينة كلها وبالأخص حصن (طابية العرب) صبرًا وجلدًا وتفانيًا عجيبًا في الدفاع بإخلاص، وبعد هذا الوداع المتوج بالدماء انصرف الروس تاركين أمام سلستره ١٥ ألف جثة، وقُتل وجُرح خلق كثير من جنرالاتهم وضباطهم العظام.

أما حامية المدينة فقُتل منها ٣٠٠٠ نفس، وجرح عدد يقرب من هذا العدد. ا.هـ.

والآن نسوق للقارئ ما رواه مكاتب (ذا اللستريد لندن نيوز) بعددها الصادر في ١٦ ديسمبر سنة ١٨٥٤م عن مدينة سلستره، وحصن طابية العرب، والجنود المصرية التي كانت تحميه من غارات الروس المتوالية عليه، وقد زار هذا المكاتب المدينة المذكورة بعد ستة أشهر من جلاء الروس عنها، وهاك ترجمة ما رواه:

إن بين مشاة سلستره ٣٠٠٠ من المصريين منهم أولئك الأبطال حماة طابية العرب الأمجاد، وقد خرجنا إلى الطابية المذكورة راكبين طبعًا ورافقنا بضعة من الجنود المكلفين بالدفاع عنها بفرح وسرور، وذكروا لنا ما وقع لهم من الحوادث وهم أهل أنس وبشاشة وحديثهم ظريف مليح، وقد تهللت وجوههم بشرًا عندما رأوني أتكلم بلغتهم العربية؛ لأنهم كانوا مصريين، وقد تآخوا معنا تآخيًا زائدًا، وطفنا صحبتهم بالحصن كله فلم نجده أمرًا عسيرًا إن هو إلا خندق ومتراس، ومع ذلك فإنه قد صد ما كانت أوروبا بأسرها تحسبه أقوى جيوش العالم وأحسنها نظامًا، والذي قاده قائد طوى السنين الطوال في ميادين القتال، وانتصر في مواقعها، وهو عندهم وحيد لا يبارى، وفريد ليس له ند، وقاهر لا يغلبه أحد، والمصريون المرافقون لنا كمرشدين قصار القامة رثة ملابسهم، وقد أطالوا الحديث عما فعلوا حتى ردوا الروس خائبين، وكان السرور باديًا على محياهم حين كانوا يحدثوننا عن ذلك، وقد قال أحدهم: «أكلت وشربت ونمت ودخنت لفافتي وانتصرت وراء هذا السور.» فقلت: «نعم ما فعلت.» فقال: «ما شاء الله.» وما كان هو من فعل الله، والحمد لله والشكر له جل جلاله، ألم يقل على لسان نبيه عليه السلام: سلم تسلم؛ أي: توجه إلى الله وحده واترك أمر نفسك إليه وهو يحميك، فهو راعي الرعاة وحافظ الحفظة، وكذلك كان، فهؤلاء المساكين كل قوتهم كامنة في الزهد عن الخمر، وكل حولهم مستقر في جلدهم على احتمال الشدائد، وكل سلاحهم إيمان راسخ ويقين بالله متين، يتعصبون لدينهم، ويتغالون في معتقدهم، وتعصف بهم العواصف وهم ثابتون؛ لأنهم على إله السماوات والأرض معتمدون، وتتزعزع الجبال وهم لا يتزعزعون؛ لأنهم برب العالمين مؤمنون، لا يرهبون الموت في الحرب بل يرغبونه ويقدمون عليه؛ لأنه خاتمة المتاعب ومفتاح باب الجنة، هؤلاء هم الذين ردوا قوة تفوقهم في العدد عشرين ضعفًا، وصدوا جنودًا يقودهم مهرة القواد ولم يكن لهم من مزايا الموقع ما ساعدهم على هذا الفوز كما قد يسبق إلى الذهن، بل الأمر على عكس ذلك؛ فإن موقع طابية العرب كان بحيث يسهل الاستيلاء عليه أكثر من غيره، والحصن لا يستحق اسمًا غير حصن ميدان.

وقد قال أصحابنا الأدلاء: إن الروس كانوا يطلقون النار بمهارة وإحكام، وإن رصاصهم وقنابلهم — على حد تعبيرهم — كانت تحصد كل شيء أمامها حتى العشب، ولكنهم إذا دارت رحى الحرب عن قرب كانوا كالنساء، وزاد أصحابنا على ذلك قائلين: «ذبحناهم كالنعاج ولم يرجع منهم رأس واحد، أما رءوس القتلى وآذانهم فكنا نلقيها إلى الكلاب.».

وهكذا كان يمر اليوم بعد اليوم حتى تفقدنا المواقع كلها، وكلما كثر ما نرى كلما زدنا تعجيبًا. ا.هـ.

وبعد انسحاب الروس من مدينة سلستره انتقل السردار إكرام عمر باشا من معسكره العام الذي كان في (شملا) Schaumla إلى (روسجق) — روستشوك — Roustchouk القائمة على الدانوب، ولما كان الروس لم يزالوا محتلين البعض من جزر هذا النهر، وهي الجزر التي بين هذه المدينة و(جيورجيفو) Giourgevo الواقعة إزاءها فقد قرر عمر باشا أن يطردهم منها.
وفي ٦ شوال سنة ١٢٧٠هـ (٢ يوليه سنة ١٨٥٤م) أرسل ديوان الجهادية المصرية إلى محافظ الإسكندرية إفادة يخبره فيها بوصول عبدي أفندي الصاعقول أغاسي الطوبجي إلى الإسكندرية ومعه الثياب اللازمة للجنود المصرية الموزعين في ناحية (يني شهر)، ويرجوه الإسراع في تسفيره مع هذه الثياب إلى الناحية المذكورة؛ وها هي:

إفادة من ديوان عموم الجهادية إلى محافظ الإسكندرية رقم ١٠٠ بتاريخ ٦ شوال سنة ١٢٧٠ مقيدة بالدفتر التركي رقم ٢٦٨٨

قادم لطرفكم عبدي أفندي صاغقول أغاسي طوبجي، وبصحبته الأشياء المبينة أدناه لتوصيلها إلى ١٥ جي و١٦ جي ألاي بيادة الجنود المصرية بجهة (يني شهر)، فبوصوله نأمل تسفيره في أقرب فرصة بالأشياء المذكورة للجهة المحكي عنها سواء أكان ذلك الترحيل بالوابور أم بالمراكب الشرعية حسب ما ترونه موافقًا، وحرر هذا للإجراء والعمل بمقتضاه.

بيان الأشياء
أطقم عدد
المجموع ١٤٤٠٠
أطقم ملبوسات ٤٨٠٠
أطقم ألبسة وقمصان ٤٨٠٠
أجواز مراكيب ٤٨٠٠

وبعد أن قرر السردار إكرام عمر باشا طرد الروس من الجزر التي بين مدينتي (روسجق) روستشوك و(جيورجيفو) جمع في ٧ يوليو سنة ١٨٥٤م ٤٠٠٠٠ جندي تركي ومصري، وعمارة حربية من السفن النهرية، واجتاز بهذه القوة نهر الدانوب تحت حماية مدفعية هذه العمارة، واحتلوا الجزر المذكورة بعد أن نازلوا الروس جسمًا لجسم، وبلغت خسائر كل من الطرفين في ذلك ٤ آلاف نفس.

وتحصن الترك والمصريون في تلك الجزر بقصد الهجوم على (جيورجيفو) في الغد، غير أن الروس أدركوا أنه من الفطنة وأصالة الرأي إخلاء هذه المدينة ليلًا، وفي ٨ يوليو احتلها الجيش التركي المصري.

١  هو الخط المعروف بين القاهرة والإسكندرية.
٢  هذا الاسم محرف وصوابه (ناوك) وهو فارسي معناه السهم.
٣  محرف عن (ناوك).
٤  هو الميدان المعروف في الإسكندرية بميدان محمد علي.
٥  كانت عاصمة لولاية (تساليا) عندما كانت هذه الولاية تابعة للدولة العلية. ولما أعطتها الدولة لليونان بناء على معاهدة برلين التي أبرمت في ٣ مارس سنة ١٨٧٨م غيرت اليونان اسم عاصمتها (يني شهر) باسم (لاريسا)، وصار يطلق عليها هذا الاسم إلى الآن، وقد أعطت الدولة اليونان الولاية المذكورة؛ لأنهم لم يتعدوا عليها أثناء حربها مع المسكوف، ولأنهم لم ينتهزوا هذه الفرصة ويأخذوها منها عنوة، ولكن هل أعطت فرنسا جزءًا من أراضيها لإيطاليا وإسبانيا لعدم تعديهما عليها أثناء انشغالها بالحرب مع ألمانيا في سنة ١٨٧٠م (كلا) فانظر واحكم!!
٦  المرجح أنه حسن باشا المنسترلي كتخذا الوالي عباس باشا الأول.
٧  حامية هذين الحصنين كانت مؤلفة من ألاي ١٠ جي بيادة المصري بقيادة أمير الألاي حسين بك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤