الجزء الثاني

المقطرات، وبوتقات فصل المعادن، والأسلحة

(١) سحر التقطير

إنَّ معظم من أسعده الحظ منا بما يكفي ليجري عملية تقطير يعرف الإثارة التي يَنطوي عليها الحصول على «روح» صافية من محلول داكن عكر، واستخلاص زيت نقي من راسب كدر، بل وحتى مُشاهَدة التصلب المفاجئ لنواتج التقطير المجمَّعة لتتحوَّل إلى إبر بلورية بيضاء؛ فعند تقطير خليط تخمير خام، سنَحصُل على «كحول» مُسكر. ولعلَّ مما يُثير التعجب قليلًا أن التقطير يرادفه «التصحيح»؛ أي وضع الأشياء في حالتها الصحيحة. في الواقع، قد يُعتبَر التقطير في حد ذاته ممارسة دينية للارتقاء والانحدار:1

ارتقِ بأقصى درجات الاعتدال من الأرض إلى السماء، ثم عودةً مرةً أخرى من السماء إلى الأرض، ووحِّد معًا قوى الأشياء العظيمة والأشياء الوضيعة. هكذا تحصل على مجد العالم أجمع، ولا تعود أبدًا خاملَ الذكر.

تُشير الأدلة الأثرية إلى أن التقطير كان يمارَس ربما قبل ٥٠٠٠ عام؛2 فكلُّنا يعلم أن الغطاء الموضوع على إناء حساء يغلي سوف يُكثِّف بخار الماء. وليس من الصعب تخيُّل تصنيع أغطية الأواني برفع حوافها لأعلى لصنع مجرًى لتجميع السوائل المكثَّفة.2،3 وقد كشَفَت الأبحاث الأثرية في المناطق المُماثلة لبلاد الرافدين القديمة عن دلائل على وجود «أداة» على هذا النحو تعود إلى ما قبل ٣٥٠٠ عام قبل الميلاد تقريبًا.2 وقد قدَّم المؤرخ الكيميائي آرون إيد مادة مصوَّرة بعنوان «تطور إنبيق التقطير»، وكان أهم تطور هو تطوير رأس إنبيق التقطير — ربما قبل ألفَي عام — الذي ينقل ناتج التكثيف عبر أنبوب «يشبه المنقار» إلى إنبيق استقبال منفصل.3 وقد كانت الأدوية حتى زمن باراسيلسوس تُستخلَص من النباتات والحيوانات، بالإضافة إلى المواد المقطَّرة من هذه المصادر الطبيعية.
يوضِّح الشكل ٢-١ الصورة المواجهة لصفحة العنوان من طبعة عام ١٥١٣ من الكتاب المذهل «كتاب فن التقطير» لهيرونيموس برونشفيك.4 يُصوِّر الشكل إنبيقَ تقطير مزدوجًا يُتيح إجراء عمليتين منفصلتَين هما على الأرجح عمليتا «تصحيح» للخمر. تُمثِّل الوحدة الوسطى أنبوبًا طويلًا يحتوي على ماءٍ باردٍ يمر عبره «ثعبانان» أو أنبوبان مكثفان. وتُذكِّرنا الصورة على نحو غريب برمز عصا هرمس حيث يتشابَك ثعبانان أحدهما ذكر والآخر أنثى حول عصا صولجان هرمس، فيما مثَّلت الحلقات الأربع أربع عمليات «تزاوج». تُسخِّن أبخرة الكحول الساخن المحلول المبرد في الأنبوب الطويل، فتَهبط المياه الدافئة الناتجة عن ذلك إلى قاع الأنبوب ويتمُّ سحبها، بينما يُضاف الماء البارد من أعلى الأنبوب الطويل. يقارن العامل مُشغِّل جهاز التقطير على يسار الصورة بين درجة الحرارة في الوعاء خاصته وفي حلقة المكثف الأولى.5 بالنسبة للأشكال من ٢-٢، ٢-٧، فهي من كتاب برونشفيك كذلك. يصور الشكل ٢-٢ مجموعة المواد المقطرة من مستخلصات الورد باستخدام أربع «قبعات وردية» يتَّصل كلٌّ منها بمستقبِل عن طريق أنبوبٍ معوجٍّ. كانت القبعة الوردية شكلًا من المكثَّفات المبرَّدة الهواء. ويظهر الشكل ٢-٣ أتونًا فعَّالًا يتصل به ثلاثة عشر إنبيقًا يُستخدم لِما يبدو أنه عملية تجارية مربحة للغاية.
إنَّ تأثيرات التنجيم حاضرة بقوة في كتاب برونشفيك؛ فالشكل ٢-٤ يُظهر أن ثَمَّةَ عملية تقطير بعينها تجرى تحت تأثير الحَمَل، الذي يوافق وجود الشمس في برج الحمل (٢١ مارس–١٩ أبريل)، وبالتبعية يتطلَّب الأمر التسخين في درجة حرارة مُعتدِلة.6،7 أما عمليات التقطير في الشكل ٢-٥ (التوءم، الجوزاء من ٢١ مايو–٢١ يونيو)، والشكل ٢-٦ (السرطان، ٢٢ يونيو–٢٢ يوليو)، فتُجرى في ظروف تزداد دفئًا بالتدريج حتى وصولها إلى أقصى درجة حرارة تحت تأثير برج الأسد (٢٣ يوليو–٢٢ أغسطس).6،7
كانت الكتب التي تتناوَل التقطير تتمتَّع بشهرة عظيمة خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر.5 الشكل ٢-٨ من طبعة عام ١٥٢٨ من كتاب «جنة الفلاسفة» لفيليب أولستد.8 أما مجموعتا أدوات التقطير التي تظهَر في الشكل ٢-٩، فهي من «كتاب التقطير» لوالتر إتش ريف.9
fig32
شكل ٢-١: صفحة العنوان (ملونة يَدويًّا؛ انظر الصور الملونة) من «كتاب فن التقطير» (تأليف هيرونيموس برونشفيك، ١٥١٢)، وتُصوِّر جهاز تقطير مزدوجًا يحتوي الأنبوب المرتفع المركزي منه على ماء للتبريد يُعاد ملؤه باستمرار. فكِّر في الأمر، ألا يستحضر هذا الجهاز لديك صورة شعار عصا هرمس: الثعبانان المتشابكان حول عصا هرمس، حيث الحلقات ترمز إلى «عمليات التزاوج» (بإذن من مؤسسة التراث الكيميائي).
fig33
شكل ٢-٢: عملية تقطير باستخدام «القبعات الوردية» (رءوس التقطير مبرَّدة الهواء) في كتاب برونشفيك ١٥١٢ «كتاب فن التقطير» (بإذن من مؤسسة التراث الكيميائي).
fig34
شكل ٢-٣: ثلاثة عشر إنبيقًا وأتون (من «كتاب فن التقطير» لبرونشفيك (١٥١٢)، بإذن من مؤسسة التراث الكيميائي).
fig35
شكل ٢-٤: التقطير باستخدام حرارة هادئة جدًّا تحت تأثير برج الحمل (٢١ مارس–١٩ أبريل) من كتاب برونشفيك «كتاب فن التقطير» (١٥١٢) (بإذن من مؤسسة التراث الكيميائي).
fig36
شكل ٢-٥: التقطير باستخدام حرارة مُعتدلة تحت تأثير الجوزاء (٢١ مايو–٢١ يونيو) من «كتاب فن التقطير» (١٥١٢) لبرونشفيك (بإذن من مؤسسة التراث الكيميائي).
fig37
شكل ٢-٦: التقطير باستخدام درجة حرارة مرتفعة نوعًا تحت تأثير السرطان (٢٢ يونيو–٢٢ يوليو) من «كتاب فن التقطير» (١٥١٢) لبرونشفيك (بإذن من مؤسسة التراث الكيميائي).
fig38
شكل ٢-٧: التقطير في أعلى درجة حرارة تحت تأثير الأسد (٢٢ يوليو–٢٢ أغسطس) من «كتاب فن التقطير» (١٥١٢) لبرونفشيك (بإذن من مؤسسة التراث الكيميائي).
fig39
شكل ٢-٨: صفحة العنوان من كتاب فيليب أولستد «جنة الفلاسفة»، نورمبرج، ١٥٢٨ (بإذن من مكتبة روي جي نيفل لتاريخ الكيمياء).
يُمثِّل الشكل ٢-١٠ صفحة صدْر كتاب يعود إلى عام ١٥٧٦ من تأليف كونراد جسنر بعنوان «المستوى الجديد من العافية …» (العنوان الأصلي مكون من ١٠٩ كلمة!)10 وبالرغم من أنه من الممتع أن تفكر فيما إذا كانت المرأة التي تظهر في الصورة خيميائية أم كيميائية؛ فإنها على الأرجح مجرد عاملة مسئولة عن تشغيل جهاز التقطير؛ إذ كان هذا ممارسة شائعة في القرن السادس عشر.
fig40
شكل ٢-٩: جهازا تقطير من كتاب ريف (١٥٤٥) «كتاب فن التقطير» (بإذن من مؤسسة التراث الكيميائي).
فماذا أثمرت عمليات التقطير اللانهائية تلك؟ دعونا نُلقِ نظرةً فاحصة على بضع وصفات. هذه الوصفة من كتاب جسنر (١٥٩٩) «ممارسة الفيزياء الحديثة والقديمة»:11

زيت أو مرهم لشحذ الذكاء، وتقوية الذاكرة

أحضر بعض نبات الضرم المكوَّر، وزهور الروزماري، وزهور لسان الثور المخزني، وزهور الحمحم المخزني، وزهور الكاموميل، والبردقوش، والمريمية، والبلسم، وزهور البنفسج، وأوراق ورد الجوري، وأوراق الغارورق، وخذ من كلٍّ منها ما يعادل أونصة ونصف أونصة، وتوضع المكونات في زجاجة محكمة الغلق، مع وضع لترين من النبيذ الأبيض، أو النبيذ الأحمر، أو ماء الحياة، واترك الخليط هكذا لمدة خمسة أيام حتى تَمتزج مكوناته بعضها ببعض، ويُقطَّر، ثم أضف إلى المزيج أجود أنواع زيت التربنتين، رطلًا ونصفًا، وأضف من اللبان العشبي، ومن نبات المرة المُنتقى، والمصطكى، أو صمغ النبات، ومن صمغ الجوت قدر أونصتين من كلٍّ منها، ومقدار أونصة من الطلاء الجبني الجنيني، وثلاث أونصات من عسل الكاجو؛ تُحول هذه المكوِّنات إلى مسحوق، وتُمزج معًا لخمسة أيام مع التقطير المذكور مسبقًا، في زجاجة بغطاء محكم الغلق، ثم تُقطَّر مرة أخرى، ثم تضاف إلى هذه المكونات أونصة واحدة من كلٍّ من القرفة، والقرنفل، ومسحوق قشور جوزة الطيب، وجوزة الطيب، والهال، وحبوب الجنة، والفلفل الطويل والرومي المستدير، والزنجبيل، وخشب الصبار، والكبابة، ثم تُطحن كل هذه المكونات لتصير مسحوقًا. ويضاف إلى هذه المكونات من المسك والعنبر مقدار درامتين؛ ثم يُقطَّر كل ذلك معًا (بعدما تمضي خمسة أيام على المزيج الذي أُضيف ووُضع في عملية التقطير السابقة)؛ تكون النار هادئة في البداية، ثم تزداد قليلًا بقليل إلى نهاية العمل. ويُستخدم كالتالي: قبل غسيل الرأس، يُدهن به الصدغان ومؤخرة العنق. ويُدهن في فصل الشتاء مرة واحدة في الأسبوع، بينما في الصيف يُستخدم مرة واحدة في الشهر.

fig41
شكل ٢-١٠: صفحة صدر الكتاب من كتاب كونراد جسنر ١٥٧٦ «مستوى جديد من العافية» (بإذن من مكتبة روي جي نيفل لتاريخ الكيمياء). كان من الشائع أن تعمل النساء في تشغيل أجهزة التقطير.

والآن، أتمنى لو أنني أستطيع تذكُّر ذلك!

من كتاب جون فرينش «فن التقطير»، المنشور عام ١٦٥٣:12

كيفية تحويل الزئبق إلى ماء دون خلطه بأي شيء؛ ومن ثَمَّ إعداد دواء مطهِّر ومسبب للتعرُّق

خذ أونصة من الزئبق، غير المنقَّى، وضعْه في دورق زجاجي، ويجب عليك أن تُبقيه في وضع معتدل، وضعْه على نارٍ قوية لمدة شهرَين، وسوف يتحوَّل الزئبق إلى راسب أحمر براق. خذ ذلك المسحوق الأحمر، وانثرْه في طبقة رقيقة على قطعة من الرخام وضعها في سرداب لمدة شهرَين؛ سيتحول المسحوق إلى ماء، قد يكون صالحًا للشرب، وسيكون تأثيره لأعلى ولأسفل قليلًا، لكنه يعمل بالأساس من خلال التعرق.

بتأمُّل الأمر قليلًا، بإمكاني فهم تكلس الزئبق إلى أكسيد الزئبق الأحمر. أما بقية الوصفة فهي غامضة قليلًا بالنسبة لي. ولكن دعونا نرَ وصفة أخرى من كتاب السيد فرينش، «الطبيب البشري»:13

روح معروف مُعَد من الجماجم البشرية

أحضر ما تشاء من الجماجم البشرية، وكسِّرها إلى قطع صغيرة وضع القطع في إنبيق تقطير زجاجي معوج مغطًّى جيدًا، على أن يكون موصَّلًا بإنبيق استقبال مُحْكم الغلق. ضع كل هذا على نارٍ قوية مع زيادة درجة الحرارة حتى تعجز عن رؤية انبعاث مزيد من البخار؛ ستَجد روحًا مائلًا إلى الصفرة وزيتًا أحمر اللون، وملحًا مُتطايرًا.

خذ هذا الملح المتطاير والروح المائل إلى الصفرة وضعهما على نار هادئة بالتناوب على مدار شهرَين أو ثلاثة في مغطس، وستَحصل على رُوح من النوع الممتاز.

يفيد ذلك الروح في حالات الصرع، والنقرس، والاستسقاء، واضطراب المعدة، وتقوية كل الأجزاء الواهنة، وفتح كل الانسدادات، ويُعدُّ دواءً شافيًا من كل داء.

مِن الواضح أن الجماجم البشرية كانت متوافرة بلا قيود. يحيرني التساؤل عن هوية المورد. كما أنني مندهش بعض الشيء من عدم الاستعانة بالجماجم البشرية في مرهم جسنر الخاص بالذاكِرة وشحذ الذكاء.

وعلى ذكر جسنر، دعونا نُجرِّب علاجًا آخر، يُصنع من سحق الذباب الإسباني وليس من التقطير:14

تَكمُن فائدتها في حرق أجسادها، لتُكوِّن قشرة، أو … تتآكَل، مما يُسبِّب تقرُّحًا، ويوَلِّد حرارة؛ ولهذا السبب تُستخدم بعد مزجها مع أدوية الهدف منها تسخين البقع المصابة بالبرص، أو القوباء، أو القروح السرطانية.

لكن على الرغم من سُمِّيَّة هذه الذبابة الإسبانية، فإن خواصَّها الفريدة «مفيدة لهؤلاء الذين يريدون تقوية الانتصاب، وتعزيز العلاقة الحميمية.» وفيما يلي هذه الملاحظة الخاصة التي أوردها جسنر:14

في عام ١٥٧٩، وخلال إقامتي في بازل، استشار رجل مُتزوِّج بعينه (ذلك الصيدلاني الملتحي الصفيق، الذي كان يَقطن في الصيدلية)، وكان يشكو من أن عضوَه كان أضعف من أن يفض بكارة امرأته في ليلة زفافهما، أحد الأطباء البشريِّين الكبار، وكان ذائع الصيت، فيما إذا كان بإمكانه إعداد دواء شامل يُمكِّنه من إتمام واجباته.

تُحتِّم علينا اللياقة أن نتوقَّف عند هذا الحد، لكن النتيجة كانت مؤلمة وعقيمة على حدٍّ سواء.

(٢) كيمياء المعادن العملية

يقوم تطور الكيمياء على ثلاثة قوائم قديمة. يتشكَّل أحد هذه القوائم من الجذور الروحانية والباطنية والمفاهيمية للكيمياء، والتي بدأت بالثنائي المتقابل، والعناصر الأربعة، ثم تطوَّرت إلى المواد الثلاث الأصلية (الزئبق والكبريت والملح) والتي انبثَقَت منها نظرية بيشر عن العنصر الذي يعطي خواصَّ زيتية كبريتية وقابلة للاحتراق، أصبحت بدورها نظرية الفلوجستون لشتال. أما القائم الثاني، فيتشكَّل من الخبرة الكيميائية الطبية العملية، والتقنيات والأجهزة المُستَوحاة من عمليات الاستخلاص والتقطير التي كانت تُجرى باستخدام أعضاء الحيوانات والنباتات التي كانت توفِّر الأدوية. وقد آل الحال بتلك الكيمياء القائمة على الحيوانات والنباتات إلى أن أصبحت الكيمياء العضوية والكيمياء الحيوية الحديثة التي نَعرفها اليوم. أما القائم الثالث، فهو كيمياء المعادن التي انبثقت من التعدين وفنون المعادن القديمة. وبعيدًا عن التقنيات المكتسَبة والأجهزة المُطوَّرة، فقد كان ذلك الفرع من الكيمياء، كيمياء الفلزات والمعادن، هو أول فرع من الكيمياء يَربِط بين التجربة والنظرية الكيميائية على نحو فعلي، وقد تطوَّرت هذه الكيمياء في النهاية لتُصبح الكيمياء اللاعضوية.

يَستعين جون ويبستر في كتابه «تاريخ المعادن»،15 المنشور عام ١٦٧١، باقتباس من الكتاب المقدَّس يرجع كيمياء المعادن إلى عهد النبي موسى، الذي أشار فيه بدوره إلى «توبال قايين» (سفر التكوين، الإصحاح ٤، الآية ٢٢)، «ثامن بشري من نسل آدم»،16 الذي ذكر الكتاب المقدس أنه كان يعمل في الحديد والنحاس. وفيما يلي الكيفية التي ربما اكتشف بها توبال قايين كيمياء المعادن:17
عبر الغابات توبال مُمسكًا بقوسه
ومخلته، في مطاردة مجهدة
يجد جبلًا يحترق، ومن فوَّهتِه التي تندلع منها ألسنة اللهب
يجري نهر من الحديد عبر السَّهل
يفكر الصيَّاد الفطِن، ويجدُّ الخطى إلى هناك،
ومن التأمل مليًّا أمكنه الوصول.
وأدرك للمرة الأولى أن هذا المعدن الساخن المُنساب
إذ تبرد حرارته، يُمكِن أن يتشكَّل في أي هيئة،
وتزداد حدته كثيرًا، حتى إنَّ على حافته المدبَّبة
تنقسم أكثر المواد صلابة.
درس جورج باور (١٤٤٩–١٥٥٥)، الذي يُدعى باللاتينية جورجيوس أجريكولا (كلمة باور في الألمانية، وأجريكولا في اللاتينية تعنينان «الفلاح») الطب، وربما حصل على شهادة الطب في إيطاليا، وفي عام ١٥٢٦، عاد إلى ألمانيا، حيث استقرَّ في منطقة تعدينية في بوهيميا.18 وقد عمل أجريكولا طبيبًا لعمال المناجم، ونما لديه اهتمام بالتعدين وكيمياء المعادن. ورغم أنه ألَّف عملًا في قواعد اللغة اللاتينية، وأعمالًا دينية، إلى جانب عمل طبي عن الطاعون، فإن أعماله عن كيمياء المعادن هي التي خُلِّدت. ويُظهر الشكل ٢-١١ صفحة العنوان لأول كتاب لأجريكولا عن كيمياء المعادن، «الطبيب جورجي أجريكولا، محاورات حول التعدين» الذي نُشر في بازل عام ١٥٣٠ بواسطة دار فروبن للنشر.19،20 كان كتاب «محاورات حول المعادن» هو أول كتاب عن علم المعادن يُنشر في أوروبا، وهو نادر إلى حدٍّ بالغ.21 أما الكتاب الذي كان أشمل فعليًّا عن كيمياء المعادن، فهو كتاب فانوتشو بيرينجوتشو «عن التقنية النارية» (فينيسيا، ١٥٤٠)، وسنعود إليه عما قريب.
fig42
شكل ٢-١١: صفحة العنوان من كتاب أجريكولا الأول عن كيمياء المعادن؛ «المحاورات» الذي نُشِر عام ١٥٣٠. وقد خلت مجموعة الكتب الشاملة عن التعدين وعلم المعادن التي كانت مملوكة للرئيس هربرت هوفر وزوجته لو هنري من هذا الكتاب البالغ الندرة (بإذن من مكتبة روي جي نيفل لتاريخ الكيمياء).
fig43
شكل ٢-١٢: مسْح لإحداثيات منجم (هل كان ذلك في يوم صيفي قائظ؟) من أشهر كتُب أجريكولا، «كتاب المعادن الثاني عشر» (١٥٥٦) (بإذن من مؤسسة التراث الكيميائي).
تُوفي أجريكولا بعد ربع قرنٍ من نشر كتابه «المحاورات» عام ١٥٣٠، وفي العام التالي نُشِر كتابه الأشهر «كتاب المعادن الثاني عشر»22 في بازل. ورغم أن أجزاءً كبيرة من الكتاب مُقتبَسة من عمل بيرينجوتشو ومن أطروحات أخرى معاصرة، فإن كتاب أجريكولا لخص حياة كاملة قضاها في التجارب والمشاهَدات والتعلم. وقد بدأ كتابه بطُرُق مسح الجبال، والعروق المعدنية التي تحوي في باطنها المواد الخام، وتخطيط أماكن حفر فتحات المناجم. ويُصوِّر الشكل ٢-١٢، وهو من «كتاب المعادن الثاني عشر»، استخدام شبه دائرة (منقلة) مثبتة بعناية لمسح المناجم وتخطيطها.22،23 كلُّ ما يسع المرء أن يتصوره هو أنه كان لشركة التنقيب عن المعادن مديرون تقدميون يشجعون مسَّاحيهم على عدم تقييد أنفسهم سواء على المستوى الفكري أو على مستوى ملابسهم. ويصوِّر الشكل ٢-١٣ آلة يجرها حصان لإخراج المياه من المناجم. وكانت الحجرة الجوفية تُدعم بالألواح الخشبية للحيلولة دون سقوطها على عمال المنجم وموتهم. وكان مكبس الفراغ يحتوي على حقيبة جلدية محكمة الغلق في أسفله، كانت تدفع الهواء إلى الخارج في حركتها إلى أسفل وتسحَب مياه التصريف في حركتها إلى أعلى.
fig44
شكل ٢-١٣: جهاز يجره حصان لضخ الماء خارج المناجم (من «كتاب المعادن» ١٥٥٦ لأجريكولا، بإذن من مؤسسة التراث الكيميائي). كان أجريكولا يعتقد بوجود جن في المناجم تُصدِر انبعاثات (لا أعرف إن كان يقصد بذلك أول أكسيد الكربون) تَقتُل عُمَّال المناجم.
fig45
شكل ٢-١٤: عملية تقطير «الماء القوي»، وهو مصطلح عام استخدمه أجريكولا لوصف الأحماض القوية مثل ماء النار (حمض النيتريك)، والماء الملكي (وهو مزيج حمض الهيدروكلوريك وحمض النيتريك بنسبة ١:٣)، مصورة في كتاب أجريكولا «كتاب المعادن» الصادر عام ١٥٥٦ (بإذنٍ من مؤسسة التراث الكيميائي).
يُوضِّح الشكل ٢-١٤ معملًا يحوي أجهزة تقطير لتركيب «الماء القوي» وتنقيته.22،23 والماء القوي هو مُصطلَح كان أجريكولا يُطلقُه على العوامل الحمضية القوية، بما في ذلك ماء الحياة (أكسيد النيتريك)، والماء الملَكي (مزيج من حمض الهيدروكلوريك وحمض النيتريك بنسبة ١:٣). (ويرتبط أصل لفظ valens (بمعنى القوي) بالمصطلح الكيميائي الحديث (valence) الذي يشير إلى «القدرة على الاتحاد»، على سبيل المثال، اتحاد ذرة بذرَّة هيدروجين، أو بذرَّتي هيدروجين … إلخ.) ويُوضِّح الشكل ٢-١٤ عملية تقطير عادية للماء القوي. وتتضمَّن عملية التقطير أمبولة (أو إنبيق تقطير، K) تحتوي على مزيج من النتر أو نترات البوتاسيوم (KNO3)، وحمض الكبريتيك، والماء، بالإضافة إلى بعض الألومنيوم (كبريتات الألومنيوم، وكبريتات البوتاسيوم)، وتُوصِّل بالإنبيق H. يُسخن هذا الإنبيق بالفحم (المخزن في مخزن في باطن الأرض، F) في أتون A، ويُلاحظ تصاعد أدخنة حمراء ويجمع حمض النيتريك السائل قطرةً بقطرة. وتضاف كميات ضئيلة من الفضة عادةً للحمض المقطَّر لترسيب كميات قليلة من الكلوريد الذي تقطر هو الآخر بسبب شوائب ملح البحر الموجودة في المواد الأولى.

يُستخدَم حمض النيتريك المُنقى «لفصل» الذهب عن الفضة والمعادن الخسيسة الأخرى؛ لأن الذهب يفقد خواصَّه التفاعلية تحت هذه الظروف. أولًا: يُضاف الرصاص وتُسخَّن السبيكة غير النقية في بوتقة من العظام إلى أن يذوب المعدنان الأقل تفاعلية — الذهب والفضة في هذه الحالة — فيما تتأكسد المعادن الخسيسة وتتَّحد مع البوتقة العظمية. بعد ذلك تُخلط سبيكة الذهب والفضة بحمض النيتريك — فتذوب الفضة، ويترسَّب الذهب في القاع، ثم يُرشَّح، ثم يُغسل.

لا بدَّ أن نضيف إلى هذه المعلومة العلمية المفيدة اعتقاد أجريكولا في وجود «جن» المناجم التي كانت انبعاثاتها ذات تأثير مُميت على عمال المناجم.18 وقد نشر أجريكولا كتابًا في عام ١٥٤٩ تضمن وصفًا للسلمندر الذي لا يتأثر بالنار18 (ربما كان يأخذ استعارة السلمندر، المبينة في الشكل ١-٢١، بجدِّيَّة مُبالغ فيها قليلًا). ومع ذلك، أوضح ويبستر — الذي لم يكن يومًا رءوفًا في نقده — قيمة كتاب أجريكولا الشهير جيدًا في عام ١٦٧١، أي بعد أكثر من قرن تقريبًا من صدور «كتاب المعادن»:24

أما عن دقِّ المعادن الخام وطحنها وغربلتِها وغسلها لإزالة ما علق بها من شوائب وعوالق من الأرض، فقد أفاض جورجيوس أجريكولا بإسهاب واستنارة أكثر مما فعل أي مؤلف آخر أعرفه. وأتمنَّى أن يكون هناك شخص يَملك من القدرة والتفرُّغ ما يُمكنه من ترجمة كتاب أجريكولا إلى الإنجليزية؛ فقد يَحمِل فائدةً كبيرة لعمال مناجمنا، الذين لا يَملكون من المعرفة ما يُمكنهم الاسترشاد به، إلا ما يَعرفونه بعضهم من بعض.

تحقَّقت أمنية ويبستر أخيرًا بعد ذلك بنحو ٢٤١ عامًا على يد شخصين لهما من القدرة أعظمها ومن التفرغ أشحُّه هما: هربرت هوفر — الذي أصبح لاحقًا رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية — وزوجته لو هنري هوفر، أول جيولوجية تتخرج في جامعة ستانفورد (انظر المقال التالي).

أما فانوتشو بيرينجوتشو (١٤٨٠–١٥٣٩)، فقد كان حظُّه من الشهرة أقل كثيرًا من أجريكولا.18 ومع ذلك، فإن كتابه «علم المعادن» (الذي نُشر عام ١٥٤٠ في فينيسيا)25 كان أول كتاب شامل عن التعدين وعلم المعادن علاوةً على فخامة الصور الواردة به.18 وقد ظهرت أول ترجمة إنجليزية له بعد أكثر من أربعة قرون من نَشرِه؛ أي في عام ١٩٤٢، وهو الأمر المُثير للدهشة!26 كان بيرينجوتشو مُنخرِطًا للغاية في الشأن السياسي في عصره، وكان يتمتَّع بالمعرفة والخبرة العسكريتَين، وكان يُدير ترسانة البابا18 (تمامًا مثلما أدار لافوازييه — من بعده بحوالي أكثر من القرنين — ترسانة لويس السادس عشر). لم يكن بيرينجوتشو يؤمن بعملية التحويل، وكان من أوائل من لاحظوا زيادة وزن الرصاص لدى تكلُّسه:27

يبدو لي تكلس الرصاص في الفرن العاكس أمرًا رائعًا ومهمًّا، حتى إنني لا أستطيع أن أمُرَّ عليه مرور الكرام؛ إذ اكتُشِف في الواقع أن وزن جسم المعدن يزداد ٨ أو ربما ١٠ بالمائة عما كان عليه قبل التكلس. وتتجلَّى غرابة هذا الأمر عند النظر إلى أن طبيعة النار هي الْتِهام كل شيء مما يُصاحبه تضاؤل في المادة، ولهذا السبب فإنَّ المفترض أن تقلَّ قيمة الوزن، لكننا اكتشفنا أن الوزن يزداد في الواقع.

وقد بتْنا نعلَم الآن أن أكسدة الرصاص لتكوين أكسيد الرصاص الثنائي (PbO) لا بد وأن تتضمَّن زيادة نسبية في وزن المعدن تُقدَّر ﺑ ٧٫٧ بالمائة.
يُصوِّر الشكلان ٢-١٥ و٢-١٦ المأخوذان من كتاب «التقنية النارية» المنشور عام ١٥٤٠ خمسة أنواع مختلفة من بَوتَقات فصل المعادن الضخمة. في المعتاد نَعتبِر البوتقات أكوابًا صغيرة مقولبة مصنوعة، على سبيل المثال، من العظام؛ حيث تُسحَق العظام المتكلِّسة وتُطحَن مع شراب الشعير حتى تُصبِح معجونًا، ثُم توضَع في قالب، وتُجفَّف، وتُحرَق.27 يُمكِن تسخين الفضة الخام إلى درجات حرارة مُرتفِعة في هذه البوتقات، بحيث تتأكسَد المعادن الأكثر تفاعلية، ويمتصُّ جسد البوتقة تكلساتها فعليًّا، ثم تُترك الفضة المُنصهِرة لتبرد وتشكل فضة صلبة خالصة. تلك البوتَقات الضخمة المبيَّنة في الشكلين ٢-١٥ و٢-١٦ كانت مصنوعة من رماد الخشب، والقرميد المسحوق، والحجر الجيري، وزلال البيض، وكانت تُستخدم في تنقية كميات ضخمة مِن الفضة.28 ويُوضِّح الشكل ٢-١٥ في الصفحة اليُسرى عاملًا يصنع موقد بوتقة صهر ضخمة.28 أما الصورتان العليا والسُّفلى في الصفحة اليُمنى من الشكل ٢-١٥، فتُبيِّنان بوتقتَي صهر ضخمتَين للأولى قبة قرميدية وللثانية غطاء حديدي على التوالي. أما في الشكل ٢-١٦، فتظهَر الصورة العليا في الصفحة اليسرى من الشكل موقد بوتقة مغطًّى بصحائف من الفخار، فيما تُوضِّح الصورة السُّفلى جذوعًا خشبية تُغطِّي فرن بوتقة صهر.28
fig46
شكل ٢-١٥: أفران البَوتَقة الضخمة المصوَّرة في كتاب فينوتشو بيرينجوتشو «التقنية النارية» (١٥٤٠). بوتقات هذه الأفران عبارة عن أكوابٍ مصنوعة من عظام مسحوقة تُطحن مع مشروب الشعير لتُصبِح معجونًا ثم تُشكَّل في قوالب وتجفَّف وتُحرق. عند وضع المعادن في هذه البوتَقات تمتصُّ البوتقة تكلُّسات المعادن الخسيسة (مثل أكسيد الحديد) دون امتصاص الذهب المُنصهِر الذي يُصبِح قابلًا للانفصال بسهولة (بإذن من مكتبة روي جي نيفل لتاريخ الكيمياء).
fig47
شكل ٢-١٦: مواقد أفران البوتقة الضخمة المصوَّرة في كتاب بيرينجوتشو «التقنية النارية» (١٥٤٠) (بإذن من مكتبة روي جي نيفل لتاريخ الكيمياء).
fig48
شكل ٢-١٧: معمل فاحص معادن في القرن السادس عشر من الطبعة الثانية من أطروحة لازاروس إركر حول التعدين وعلم المعادن (١٥٨٠)، وقد حَفِظ قالب الطباعة الخشبي الذي استُخِدم في الطبعتين الأولى (١٥٧٤) والثانية ليُستخدم على مدار المائة والستين عامًا التالية حتى الطبعة الأخيرة عام ١٧٣٦ (بإذن من مكتبة روي جي نيفل لتاريخ الكيمياء).
يُعتبَر كتاب أجريكولا «محاورات حول المعادن» وكتاب بيرينجوتشو «التقنية النارية» ضمن «مقدمات العلوم؛ وهي عبارة عن مائتَي كتاب ونشرة تأريخية في مكتبة ديبنر، في معهد سميثسونيان.»29 ثَمَّةَ كتاب آخر عن التعدين وعلم المعادن ضمن هذه القائمة النادرة أيضًا بعنوان «أطروحة في وصف أهم أنواع المعادن الخام والفلزات» (١٥٧٤، براغ) لمؤلِّفه لازاروس إركر. والشكل ٢-١٧ من صفحة العنوان من الطبعة الثانية من هذا الكتاب الجميل نصفيَّة القَطْع.30،31 يُصوِّر هذا الشكل مجموعة كاملة من العمليات في معمل فاحص معادن في القرن السادس عشر. وقد صدر من هذا الكتاب الفاخر ثماني طبعات في مدينة فرانكفورت كانت أُولاها في عام ١٥٧٤ والأخيرة في عام ١٧٣٦.31،32 وقد حُفِظَت القوالب الخشبية الرائعة التي استُخدِمت في طباعة الرسومات في طبعة عام ١٥٧٤ وأُعيد استخدامها على مدار المائة والاثنين والستين عامًا التالية التي صدَرَت إبانها الطبعات الثماني من الكتاب31،32، وقد صدَرَت طبعة هولندية منه في عام ١٧٤٥.
من المُثير للاهتمام أن أول كتابَين من كتب التعدين وفحص المعادن وعلم المعادن الثلاثة العظيمة التي صدَرَت في القرن السادس عشر قد تُرجِمت إلى اللغة الإنجليزية بعد أربعة قرون تقريبًا من تاريخ نشرها الأصلي، وهي: كتاب بيرينجوتشو «التقنية النارية» (فينيسيا، ١٥٤٠؛ شيكاجو، ١٩٤٢)، وكتاب أجريكولا «عن المعادن» (بازل، ١٥٥٦؛ لندن، ١٩١٢)، إلا كتاب إركر «أطروحة في وصْف أهم أنواع المعادن الخام والفلزات» (فرانكفورت، ١٥٧٤)؛ فقد ترجمه سير جون بيتوس33 بعد قرن واحد (لندن، ١٦٨٣) من تاريخ نشر أول طبعة له في فرانكفورت. ويَعتقِد كلٌّ من أناليسا جرونهالت سيسكو، وسيريل ستانلي سميث أن السبب وراء الترجمة الإنجليزية المُبكِّرة لكتاب إركر في القرن السابع عشر ربما يكون أن ذلك الكتاب كان الأحدث، من بين الكتب الثلاثة العظيمة؛ ومن ثمَّ لا يزال مُحتواه ساريًا. لعب بيتوس (١٦١٣–١٦٩٠) دورًا عسكريًّا بارزًا في حرب إنجلترا الأهلية، وفي وقتٍ ما وقع أسيرًا في يد أوليفر كرومويل على مدار ١٤ شهرًا. وبعد الاسترداد، خدم بيتوس كمفوض لاسترداد الأسرى لنائب الأميرال، وقد أصيب إصابة بالغة في ساقه خلال معركة بحرية مع الهولنديين.33
fig49
شكل ٢-١٨: تصوير لفاحص معادن في ترجمة بيتوس الصادرة عام ١٦٨٣ لأطروحة إركر عن التعدين وعلم المعادن، والتي أضافت إلى الكتاب كذلك. يبدأ عنوان كتاب بيتوس بكلمة «فليت ماينور» في إشارة إلى «سجن فليت» الذي كان مُحتجَزًا فيه خلال تأليفه لهذا الكتاب؛ فقد زُج ببيتوس إلى السجن «بناءً على اتهامات وجَّهتها له امرأة عديمة الضمير» تصادف أن تكون زوجته (بإذن من مؤسسة التراث الكيميائي).
من الجوانب المُثيرة للاهتمام في ترجمة بيتوس لإركر «فليتا ماينور»، أو (قوانين الفن والطبيعة، في معرفة أجسام المعادن الصغيرة، وتحديدها، وفحصها، وتصفيتها، وتنقيتها، وتكبير حجمها) هو إبدال رسوم إركر المطبوعة بالقوالب الخشبية التي تعود إلى القرن السادس عشر برسوم لأشخاص إنجليز يَرتدون أزياءً تنتمي إلى نهايات القرن السابع عشر منحوتة على صفائح نحاسية. ويُصوِّر الشكل ٢-١٨ المأخوذ من ذلك الكتاب فاحص معادن إنجليزيًّا معاصرًا. وتتضمَّن الأشكال من ٢-١٨ إلى ٢-٢٢ شروحًا جزئية مُصاحبة للصور النحاسية. فيصف الشكل ٢-١٩ عملية صنْع البوتقات المصنوعة من معجون العظام المسحوقة وقولبتها. ويُمثِّل الشكل ٢-٢٠ مشهدًا في معمل لفحص الذهب؛ الوعاء مخروطي الشكل على يَمين الصورة هو قنينة فصل، لفحص الذهب، موضوعة على حاملها. والقطعة الخشبية المعلَّقة إلى يمين الفاحص في خلفية هذا الشكل تحتوي على شقٍّ لرؤية الفرن من خلاله مع حماية عينك من الحرارة. وأما الشخص المتصدِّر الصورة، فإنه يَختبر كثافة الفضة «المحتوية على الذهب» في الماء. ويدلُّ «ماء النار» المشار إليه في الشكل ٢-٢١ على حمض النيتريك. ويُصوِّر الشكل ٢-٢٢ صهر البزموت في الهواء الطلق. من المُمتع أن تقارن الأشكال ٢-١٩، و٢-٢١، و٢-٢٢ بنظيرتها الواردة في الكتاب الألماني الصادر في القرن السادس عشر.32
fig50
شكل ٢-١٩: تصنيع بوتقات صهر المعادن (باستخدام العظام المسحوقة وطحنها بمشروب الشعير لتكون معجونًا) من كتاب بيتوس (١٦٨٣) «فليتا ماينور» (بإذن من مؤسسة التراث الكيميائي).
fig51
شكل ٢-٢٠: فحص خام الذهب كما صوَّره كتاب بيتوس (١٦٨٣) «فليتا ماينور» (بإذن من مؤسسة التراث الكيميائي).
استُوحيَ عنوان كتاب بيتوس المثير للانتباه هذا، «فليتا ماينور»، من آخر سنوات حياته التي قضاها في سجن فليت، حيث ألَّف عمله. يخبر بيتوس قرَّاءه قائلًا: «يبدو من عجائب القدر أن إنسانًا قدَّم كثيرًا لمليكه ووطنِه يُقاسي بسبب اتهامات وجهَّتها له امرأة معدومة الضمير، تصادف أن تكون زوجته، ليقضيَ آخر سنوات حياته متفجِّرة النشاط التي أفناها في إفادة البشرية حبيسًا في سجن فليت.»33
fig52
شكل ٢-٢١: تقطير ماء النار (حمض النيتريك) في كتاب بيتوس (١٦٨٣) «فليتا ماينور». قارن هذا الشكل بنفس الصورة الملوَّنة الواردة في طبعة عام ١٧٣٦ (الطبعة الأصلية من الكتاب التي صدرت عام ١٥٧٤، انظر كتاب إيه جرينبرج، «جولة عبر تاريخ الكيمياء»، وايلي، نيويورك، ٢٠٠٠، ص١٦)، وستُلاحظ أن ملابس الأشخاص المصوَّرين في الأشكال قد حُدِّثت لتواكب ملابس القرن السابع عشر، فيما ظلَّت الأدوات المستخدمة كما هي؛ فالأزياء تسبق التكنولوجيا إلى التغيير (بإذن من مؤسسة التراث الكيميائي).
fig53
شكل ٢-٢٢: صَهر خام البزموت في الهواء الطلق كما صوَّره كتاب بيتوس «فليت ماينور» ١٦٨٣ (بإذن من مؤسسة التراث الكيميائي).

(٣) الرئيس الواعد

نُشِرت أول ترجمة إنجليزية لكتاب أجريكولا (١٥٥٦) «محاورات حول المعادن»34 (الشكل ٢-٢٣) في عام ١٩١٢، وكان من ترجمة هربرت سي هوفر (١٨٧٤–١٩٦٤)35 — الذي تولى لاحقًا رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية — وزوجته لو هنري هوفر. من الصعب تَخيُّل رئيس مستقبليٍّ واعد أكثر من هوفر. وُلد هوفر في الجزء الريفي من ولاية آيوا لأبوين من جماعة الكويكرز كانت ظروفهما المعيشية بالغة التواضُع. وعند بلوغ هوفر التاسعة، كان والداه قد توفيا؛ فنمَتْ لديه رُوح الاستقلال في وقتٍ مُبكِّر جدًّا — رغم حيائه — ورفض جميع اقتراحات أقاربه له بالالتحاق بإحدى كليات الكويكرز، واختار الالتحاق بجامعة حديثة تمامًا، هي جامعة ستانفورد. تخصَّص هوفر في الجيولوجيا، والْتقى لو هنري، الفتاة الوحيدة في قسم الجيولوجيا في جامعة ستانفورد. وتزوَّجا في عام ١٨٩٩، وظلَّت السعادة تُرفرِف على زواجهما حتى وفاتها عام ١٩٤٤. كانت امرأة ذكية، مستقلة، وقوية، ونشأت فتاةً بطبائع وسمات الرجال، وبرعت في ركوب الخيل؛ لتُصبح لاحقًا مناصرةً قوية لحق التصويت للنساء.35 ما لبث هربرت هوفر بعد تخرجه من جامعة ستانفورد عام ١٨٩٥ أن بدأ مسيرته المهنية بالعمل في هندسة التعدين وإدارة المناجم مما جعله ثريًّا، وربما أشهر مهندس في العالم بعد فترة وجيزة. وفي العقود التالية كان مسافرًا خارج البلاد معظم الوقت، وكان في الصين إبان ثورة الملاكمين (التي اندلعت عام ١٩٠٠)، حيث وجَّه مساعَدات إلى الأجانب.35
fig54
شكل ٢-٢٣: صفحة العنوان من أول ترجمة إنجليزية صدرت لكتاب أجريكولا (١٥٥٦) «عن المعادن»، والتي كتَبَها وراجع دقتها العلمية المهندس هربرت هوفر، الذي تولى لاحقًا رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، بالمشاركة مع زوجته لو هنري هوفر؛ أول فتاة تتخرَّج في قسم الجيولوجيا من جامعة ستانفورد (بإذن من مؤسسة التراث الكيميائي).
جمَع الزوجان هوفر مجموعة ضخمة وشهيرة من كتب التعدين، وفي خضمِّ كتابة ترجمتهما، كانا يجريان تجارب من حين إلى آخر لاختبار صحة كلام أجريكولا.36 لم يكن التحدِّي الذي انطوَت عليه ترجمة الزوجين هوفر لكتاب أجريكولا يَقتصِر على إتقان اللغة اللاتينية فحسب، وإنما كذلك ضرورة الفهم العميق للكيمياء والهندسة، وهو ما أتاح لهما استخدام مئات المُصطلحات والمفاهيم التي باتت في ذلك الحين عتيقة، وإكسابها معنًى يَفهمه القارئ الحديث. ولم تمضِ سنوات كثيرة بعد ذلك الانتصار الفكري، ومع اندلاع الحرب العالَمية الأولى، حتى عُيِّن وعُيِّن هربرت هوفر رئيسًا لإدارة إغاثة الحلفاء. وبعد دخول أمريكا الحرب في عام ١٩١٧، عُيِّن مديرًا لإدارة الغذاء القومي. وقد نجحَت جهود هوفر في زيادة الإنتاج الغذائي، وحفظ المخزون الغذائي، وتخفيف المجاعة في أوروبا؛ نجاحًا ساحقًا، حتى إنَّ مُصطلَح hooverize37 دخل المرادفات الإنجليزية كتعبير يرمز إلى غزارة المخزون الغذائي والتعامل الاقتصادي والسخي معه، وبات فيما بعدُ بوجهٍ أعمَّ مُصطلَحًا يُعبِّر عن الكفاءة، والفاعلية، والعطف.
لكم من الغرابة إذن ألا يذكر التاريخ هربرت كلارك هوفر — الرئيس الحادي والثلاثين للولايات المتحدة الأمريكية (١٩٢٨–١٩٣٢) — الآن إلا بفشله في التخفيف من عسرات الكساد العظيم. كانت القيم الأخلاقية الشديدة الصرامة التي غُرِسَت فيه منذ نعومة أظافره، والتي عزَّزها اعتماده على نفسه في مرحلة مبكرة جدًّا من حياته (ونجاحه اللاحق)، هو ما جعل المساعدات الفيدرالية المُنتشِرة على نطاق واسع، وخاصَّةً للعاطلين عن العمل من أهل الحضر، أمرًا كريهًا بالنسبةِ إليه.35 لذا كانت قاعدة عريضة من الناس تعتبره منفصلًا عن معاناة الشعب.35 وهكذا باتت كلمة «هوفرفيل»37 (Hooverville)، وهي بلدة جميع مبانيها من الأكواخ يقطنها الفقراء العاطلون عن العمل، للأسف كلمة أحدث وأكثر حضورًا في الأذهان من كلمة hooverize.

(٤) بعضٌ مما في جعبتنا من البغائض

لا يوجد خلاف — عمومًا — على أن البارود (أو المسحوق الأسود) قد اختُرِع في الصين منذ أكثر من ١٠٠٠ سنة.38 إنه مزيج يتكوَّن من ٧٥ بالمائة نترات بوتاسيوم، بينما تحتوي الخمسة والعشرون بالمائة المتبقية منها على كميات مُتماثِلة من الفحم والكبريت. كان الحصول على نترات البوتاسيوم متاحًا بسهولة عن طريق أكوام الروث القديمة؛ أما الفحم فكان يُعَد بسهولة من خلال تسخين النباتات أو الخشب في ظروف يَنقُص فيها الأكسجين (O2) ؛ أما الكبريت، فكان يوجد في الترسُّبات البلورية، ويُمكن كذلك الحصول عليه من خلال تسخين كثير من المعادن الخام. لكن ويليام بروك يَعتقِد أن الصينيين قد اكتشفوا البارود بالصدفة من خلال السعي للحصول على إكسير للحياة — وهي مفارقة في رأيي الشخصي — وذلك بمزج «نترات البوتاسيوم الزاخرة بطاقة الين الأنثوية بالكبريت الزاخر بطاقة اليانغ الذكورية».38 ثَمَّةَ مفارقة أخرى فيما يتعلَّق بهذا الأمر، وهي أن البارود كان يحمل مفاتيح فهم نشأة النار والتنفُّس الذي يُمثِّل دعامة الحياة. ومع ذلك ظلَّت هذه المفاتيح خفية لما يَقرُب من الألف عام. وجاءت باكورة الإشارات من بويل وهوك ومايور في أواسط القرن السابع عشر إلى أن حلَّ لافوازييه اللغز برمَّته بعد ذلك بأكثر من قرن.
أُدخِل البارود في وقت مبكر جدًّا إلى ساحات الحروب الغربية. الشكل ٢-٢٤ من الطبعة الأولى لستينر من كتاب فلافيوس فيجيتيوس ريناتوس القديم عن تكنولوجيا الحرب.39 تضمُّ هذه الطبعة البالغة القدم، والتي نُشِرَت في عام ١٥٢٩، أول نص مطبوع عن صناعة البارود، بالإضافة إلى إرشادات بشأن تنقية مُكوِّناته.40 أما الشكل ٢-٢٥ فهو من الكتاب الصادر عام ١٥٩٨ حول العمل على المدفعية والمُفرقَعات بقلم ألساندرو كابو بيانكو؛41 قائد جنود المدفعية في مدينة كريما في إقليم فينيتو. يُصوِّر الشكل طاحونة تعود إلى القرن السابع عشر لطحن مكوِّنات البارود.40 في الكتاب العاشر من مجلد «التقنية النارية» (١٥٤٠)،41 يُقدِّم بيرينجوتشو إرشادات تفصيلية لصناعة البارود. يُمكِن الحصول على نترات البوتاسيوم من تربة الحظائر «الغنية بالسماد»، ومن أرضيات وجدران الكهوف (الغنية بفضلات الخفافيش وبقاياها العضوية)، والتي تحتوي على نترات الكالسيوم الذي يَنتج عن التحلُّل. عند تَذوُّق التربة الغنية بالسماد العضوي — بمجرد جفافها — إذا وُجِد أنها «لاذعة بالقدر الكافي»، فإنها تكون صالحة للاستخدام.42 تضاف هذه التربة إلى الماء المغلي، ورماد الخشب (الغني بكربونات البوتاسيوم) وتُقلَّب المكونات معًا. بعد ذلك، يُصفَّى المحلول الساخن ويُترَك ليبرد، ثم تُصفَّى نترات البوتاسيوم المتبلورة الناتجة عن هذه العملية وتُبلوَر مرةً أخرى بالماء وقليل من حمض النيتريك.42 تُفضَّل صناعة الفحم من أغصان الصفصاف بتسخينها على النار في وعاء خزفي ضخم مغطًّى بإحكام. يجب أن تُرطَّب مكوِّنات البارود قبل طحنها معًا؛ لتجنُّب الاشتعال، ويَنصَح بيرينجوتشو بإضافة الكبريت المطحون جيدًا ببطء إلى معجون رطب من الفحم ونترات البوتاسيوم.42
يبدأ بيرينجوتشو الفصل الذي خصَّصه للبارود على النحو التالي:42

ثَمَّةَ تأمل عظيم وفريد حول ما إذا كان اكتشاف تركيب المسحوق المستخدم في الأسلحة قد خطر لمُخترعه الأول من وحي الشياطين أم عن طريق الصدفة.

fig55
شكل ٢-٢٤: شكل من الطبعة الأولى لستينر (أوجسبرج، ١٥٢٩) لعمل فلافيوس فيجيتيوس ريناتوس القديم عن تكنولوجيا الحرب (بإذن من مكتبة روي جي نيفل لتاريخ الكيمياء).
fig56
شكل ٢-٢٥: طاحونة لطحن مكوِّنات البارود (الذي يتكوَّن تقريبًا من ٧٥ بالمائة من نترات البوتاسيوم، والباقي مقادير مُتساوية من الفحم والكبريت) كما صوَّرها كتاب بيانكو ١٥٩٨ عن المدفعية والمَفرقعات (بإذن من مكتبة روي جي نيفل لتاريخ الكيمياء).
ويأسَف بيرينجوتشو في كثيرٍ من المواضع من كتابه العاشر للمفارقة الكامنة في قيام الرجال المتعلِّمين والمحترمين باكتشاف واختراع المتفجِّرات التي تُشوِّه وتقتل، ثم راح يصف بدافع من الالتزام والواجب كيفية تصنيع المتفجِّرات بالتفصيل الدقيق. على سبيل المثال، كان عنوان الفصل الثامن من الكتاب العاشر هو: «طريقة إعداد أوعية النار وصناعة كرات ذات تركيبة حارقة تُلقى باليد». ويبدأ بيرينجوتشو هذا الفصل (في طبعة عام ١٥٥٩) على النحو التالي:43

لطالَما كان في هذا العالم رجال بلغوا من الذكاء مبلغًا، حتى إنهم تمكَّنوا بفكرهم من التوصُّل إلى ابتكارات مختلفة لا تعدُّ ولا تُحصى، تُحقِّق من الفائدة قدر ما تُلحقه بجسد الإنسان من ضرر فوري.

بعد ذلك يصف الأوعية المصنوعة من الطين المجفَّف والمملوءة بالبارود الحُبيبي الملمس، والقار، والكبريت والمُغطاة بدهن الخنازير المتخثِّر المخلوط بمسحوق (انظر الشكل ٢-٢٦).44 قبل استخدام الوعاء، يُثقب ثقب صغير في الغطاء الدهني ثم يوضع فتيل أو مسحوق بارود في الداخل. يُشعَل الفتيل أو المسحوق، ثم يُلقى بالوعاء يدويًّا، أو يُطلق بمقلاع، وهنا ستَلتصق تلك الكتلة النفاذة اللزجة بهدفها وتحرقه.
كان من أوائل المتفجِّرات والأسلحة الحارقة في التاريخ «النار الإغريقية» التي تعود إلى الحقبة الهلنستية. يصف المؤرِّخ الكيميائي جون هدسون «النار الإغريقية» بأنها سائل يَشتعِل عند ملامسته للماء، ويفترض هدسون أن المكوِّنات النشطة لذلك السائل ربما تألفت من فوسفيد الكالسيوم (الذي يتمُّ الحصول عليه من تسخين العظام والجير والبول معًا)، المضاف إلى البترول الخام.45 وقد وصَف ليوناردو دافنشي (١٤٥٢–١٥١٩) «النار الإغريقية» بأنها تتكون من الفحم، والكبريت، والقار، ونترات البوتاسيوم، وروح الخمر، واللبان الذكر، وزيت الكافور، حيث تُغلى هذه المكوِّنات معًا وتُوضَع على صوف إثيوبي.46
وُصِف الذهب المتفجر لأول مرة في بداية القرن السابع عشر.47 كان الذهب يُذاب في ماء ملَكي مأخوذ من كلوريد الأمونيوم (NH4Cl) وحمض النيتريك، ثم تُضاف كربونات البوتاسيوم إلى هذا المركب، مما يُؤدِّي إلى تكوين راسب يمكن عند تجفيفه أن ينفجر بسهولة مع تعريضه إلى أقل حرارة. وقد تحدَّث يوهان رودولف جلاوبر عن المسحوق المتفجِّر لأول مرة في عام ١٦٤٨.47 إنه خليط من نترات البوتاسيوم، وكربونات البوتاسيوم، والكبريت الذي يَنفجِر بقوة مع تسخينه قليلًا. كذلك تناول تيني ديفيس بالوصف خلطات مُشابهة متنوِّعة اكتُشِفَت على مدار قرنين من الزمان.47 في نهايات القرن السابع عشر، صنع يوهان كونكل فلمينات الزئبق بإذابة الزئبق في ماء النار (حمض النيتريك)، ثم إضافة روح الخمر وتدفئة الخليط تدفئةً خفيفة في روث حصان.48 وفي اليوم التالي، انفجر الخليط انفجارًا عنيفًا.
شهدَ القرن التاسع عشر ابتكار نترات النشا، والنتروسيليلوز، والنتروجليسرين، والتراي نيترو تولوين (TNT)، ورباعي نترات خماسي إريثريتول (PETN)، ليتوَّج كل ذلك باكتشاف مادة RDX (ثلاثي نيترامين ثلاثي الميثلين الحلقي).49 كذلك أضافت الدراسات الخاصة بالأزيدات والبيكرات الاصطناعية إلى معدات تكنولوجيا الحرب. ثَمَّةَ منظور حديث يرى أن هذه التطورات في الأسلحة الحربية يبدو أنها كانت بمَثابة نذير بالحرب العالمية الأولى؛ ففي عام ١٨٦٧، خلط الكيميائي ورجل الصناعة السويدي ألفريد نوبل (١٨٣٣–١٨٩٦)، النتروجليسرين بالتراب الدياتومي، مما جعَل استخدامه أكثر أمانًا، وكانت التركيبة الأولى من بين كثير من تركيبات الديناميت الناجحة.49 وكما حال الأمل دائمًا، يتجلَّى في خضمِّ المآسي، أوصى نوبل بالجانب الأعظم من ثروته الهائلة لتأسيس سلسلة من جوائز نوبل — إحداها جائزة لدعم قضية السلام العالمي.
fig57
شكل ٢-٢٦: ذخائر بغيضة مصنوعة من أواني الفخار المملوءة بالبارود الحُبيبيِّ الملمس، والقار، والكبريت، ومُغطاة تمامًا بدهن خنزير متخثِّر مخلوط بمسحوقٍ كما صوَّرها كتاب بيرينجوتشو «التقنية النارية»؛ صُنِعت هذه المتفجرات بحيث تُشعل فيها النار وتلقى بشراسة باستخدام مقلاع (بإذن من مكتبة روي جي نيفل لتاريخ الكيمياء).

هوامش

(1) R. G. W. Anderson, in F. L. Holmes and T. H. Levere (eds.), Instruments and Experimentation in the History of Chemistry, The MIT Press, Cambridge, MA, 2000. pp. 7-8.
(2) Anderson, op. cit., pp. 5–34.
(3) A. J. Ihde, The Development of Modern Chemistry, Harper & Row, New York, 1964, pp. 13–18.
(4) H. Brunschwick, Lieber de arte distillandi de composites. Das buch waren kunst zu distillieren die composita und simplicia und ds Buch thesaurus pauperum, ein Schatz der armen genant Micarium …, Strassburg, 1512. I am grateful to Ms. Elizabeth Swan, Chemical Heritage Foundation for supplying an image of this hand-colored plate.
(5) J. R. Partington, A History of Chemistry, Macmillan and Co., Ltd., London, 1961, Vol. 2, pp. 82–89.
(6) A. Roob, The Hermetic Museum: Alchemy & Mysticism, Taschen, Cologne, 1997, p. 146.
(7) The New Encyclopedia Britannica, Encyclopedia Britannica, Inc., Chicago, 1986, Vol. 12, p. 926.
(8) P. Ulstadt, Coelum Philosophorum seu de Secretis naturae. Liber, Ioannis Grienynger, Strassburg, 1528. I am grateful to The Roy G. Neville Historical Chemical Library (California) for providing the image from this book.
(9) W. F. Ryff, New gross Distillier-Büch, wolgegründter künstlicher Distillation …, Bei Christian Egenolffs Erben, Frankfort, 1545. I am grateful to Ms. Elizabeth Swan, Chemical Heritage Foundation, for supplying an image of this page.
(10) C. Gesner, The newe Iewell of Health, wherein is contained the most excellent Secretes of Phisicke and Philosophie, divided into fower Bookes. In the which are the best approved remedies for the diseases as well as inwarde as outwarde, of all the partes ofmans bodie: treating very amplye of all Dystillations of Waters, of Oyles, Balmes, Quintessences, with the extraction of artificiall Saltes, the use and preparation of Antimonie, and Potable Gold. Gathered out of the best and most approved Authors, by that excellent Doctor Gesnerus. Also the Pictures, and maner to make the Vessels, Furnaces, and other Instruments thereunto belonging. Faithfully corrected and published in Englishe, by George Baker, Chirurgian, Henrie Denham, London, 1576. The Roy G. Neville Historical Chemical Library.
(11) C. Gesner, The practice of the new and old phisicke, wherein is contained the most excellent Secrets of Phisicke and Philosophie, divided into foure Bookes, In the which are the best approved remedies for the diseases as well inward as outward, of al the parts of mans body: treating very amplie of al distillations of waters, of oyles, balmes, Quintessences, with the extraction of artificiall saltes, the use and preparation of Antimony, and potable Gold Gathered out of the best & most approved Authors, by that excellent Doctor Gesnerus. Also the pictures and maner to make the Vessels, Furnaces, and other lnstrumentsd thereunto. Newly corrected and published in English, by George Baker, one of the Queenes Maiesties chiefe Chirurgians in ordinary, printed by Peter Shaw, London, 1599, p. 240 (i.e., p. 140).
(12) J. French, The Art of Distillation or, A Treatise of the Choicest Spagiricall Preparations Performed by way of Distillation. Together with the Description of the Chiefest Furnaces & Vessels Used by Ancient and Moderne Chymists, Also a Discourse of Divers Spagiricall Experiments and Curiosities: And the Anatomy of Gold and Silver, with the Chiefest Preparations and Curiosities thereof; together with their Vertues. All which are contained in VI, Bookes; Composed by John French Dr. of Physick, E. Cotes, London, 1653, pp. 73-74.
(13) French, op. cit., p. 91.
(14) T. Muffet, The History of Four-Footed Beasts and Serpents and Insects, Vol. 3, The Theatre of lnsects (reprint of 1658 London edition), Da Capo Press (Plenum), New York, 1967, pp. 1003–1005.
(15) J. Webster, Micrographia: Or, An History of Metals, Walter Kettilby, London, 1671.
(16) J. Read, Humour and Humanism in Chemistry, G. Bell and Sons Ltd., London, 1947, pp. 3-4.
(17) Webster, op. cit., p. 3.
(18) J. R. Partington, A History of Chemistry, Macmillan and Co., Ltd., London, 1961, Vol. 2, pp. 32–66.
(19) G. Agricola, Georgii Agricolae Medici Bermannus, sive De Re Metallica, Frobenianus, Basel, 1530. I thank The Roy G. Neville Historical Chemical Library (California) for supplying the image of the title page for this book.
(20) Johann Froben (Johannes Frobenius, ca. 1460–1527) was a famous Basel printer-publisher whose techniques revolutionized printing. Among his gifted illustrators were Hans Holbein, and after 1513 he was the sole publisher of the great Dutch humanist-philosopher Desidarius Erasmus (The New Encyclopedia Britannica, Encyclopedia Britannica, Inc., Chicago, 1986, Vol. 5, p. 16).
(21) I thank The Roy G. Neville Historical Chemical Library (California) for supplying this image, and I am grateful to Dr. Neville for helpful discussions.
(22) G. Agricola, De Re Metallica Libri XII, Quibis Officia, Instrumenta, Machinae, Ac Omnia Denique Ad Metallicam Spectantia, Basel, 1556. I am grateful to Ms. Elizabeth Swan, Chemical Heritage Foundation, for providing these images.
(23) H. C. Hoover and L. H. Hoover (transl.), Georgius Agricola De Re Metallica (translated from the first Latin edition of 1556), The Mining Magazine, London, 1912 (reprinted by Dover Publications, Inc., New York, 1950), see pp. 439–447.
(24) Webster, op. cit., p. 155.
(25) V. Biringuccio, De La Pirotechnia. Libri X., Venice, 1540. I am grateful to Ms. Elizabeth Swan, Chemical Heritage Foundation, for supplying images from this book.
(26) C. S. Smith and M. T. Gnudi, The Pirotechnia of Vannoccio Biringuccio Translated from the Italian with an Introduction and Notes by Cyril Stanley Smith and Martha Teach Gnudi, The American Institute of Mining and Metallurgical Engineers, New York, 1942 (see also the 1959 reprint published by Basic Books, New York).
(27) Smith, op. cit., p. 58.
(28) Smith, op. cit., pp. 161–169.
(29) Heralds of Science, revised edition, Burndy Library and Smithsonian Institution, Norwalk and Washington, DC, 1980. It has been duly noted that, of the Great Books of the Western World, published by Encyclopedia Britannica in 1952, only one work (of a collection of 130 authors and 517 works) is a treatise on chemistry (Lavoisier’s Traité élémentaire de Chimie, Paris, 1789, first English translation, 1790) [R. Wedin, Chemistry (published by the American Chemical Society), Spring 2001, pp. 17–20]. Wedin surveyed a small, selected list of chemists and librarians to obtain his list of “The Great Books of Chemistry.” The six books on “The Gold Shelf” included Lavoisier’s Traité, Boyle’s The Sceptical Chymist, Jane Marcet’s Conversations on Chemistry (a useful and influential textbook that drew the young Michael Faraday into chemistry), Dalton’s A New System of Chemical Philosophy, Mendeleev’s Osnovy Khimii, and Pauling’s The Nature of the Chemical Bond. “The Silver Shelf” comprised six additional books including Agricola’s De Re Metallica. “The Bronze Shelf” included 12 books. Of the total of 24 books, thirteen were American publications, and two of these were published by the American Chemical Society itself. Hmmm.
(30) L. Ercker, Beschreibung Allefürnemisten Mineralischen Ertzt vnnd Bergwercks arten …, Johannem Schmidt in verlegung Sigmundt Feyrabends, Frankfurt, 1580. I am grateful to The Roy G. Neville Historical Chemical Library (California) for supplying the image of the title page.
(31) A. G. Sisco and C. S. Smith (transl.), Lazarus Ercker’s Treatise on Ores and Assaying (translated by Anneliese Grünhaldt Sisco and Cyril Stanley Smith from the German edition of 1580), The University of Chicago Press, Chicago, 1951.
(32) A. Greenberg, A Chemical History Tour, John Wiley and Sons, New York, 2000, pp. 12–22.
(33) Sisco and Smith, op. cit., pp. 340–342.
(34) H. C. Hoover and L. H. Hoover, Georgius Agricola De Re Metallic (translated from the first Latin edition of 1556), The Mining Magazine, London, 1912.
(35) J. H. Wilson, Herbert Hoover—Forgotten Progressive, Little, Brown and Co., Boston, 1975.
(36) Wilson, op. cit., pp. 22-23.
(37) Oxford English Dictionary, second ed., Vol. VII, Clarendon Press, Oxford, 1989, p. 374.
(38) W. H. Brock, The Norton History of Chemistry, W. W. Norton & Co., New York, 1993, p. 6. Brock notes that in Taoism, “Yang” is the male, hot principle, “Yin” is the female, cool principle. In Western alchemical beliefs, sulfur is the male principle (Sol) and mercury the female principle (Luna).
(39) F. Vegetius Renatus, Vier Bũcher der Ritterschaft … Mit einem zũsatz von Bũchsen geschoss, Pulver, Fewrwerck, Auff ain newes gemeeret unnd gebessert, Gedruckt durch Heinrich Stainer, Augsburg, 1529. The author is grateful to The Roy G. Neville Historical Chemical Library for supplying a copy of the woodcut in Figure 2-24.
(40) The Roy G. Neville Historical Chemical Library; catalogue in preparation. I am grateful to Dr. Neville for helpful discussions.
(41) Alessandro Capo Bianco, Corona e Palma Militare di Arteglieria. Nella quale si tratta dell’ Inventione di essa, e dell’ operare nella fattioni da Terra, e Mare, fuochi artificiati da Giucco, e Guerra; & d’un Nuovo Instrumento per misurare di stanze. Con una giunta della fortificatione Moderna, e delli errori scoperti nelle fortezze antiche, tutto a proposito per detto essercitio dell’ Artiglieria, con dissegni apparenti, & assai intendenti. Nova composta, e data in luce. Dallo strenuo Capitano Alessandro Capo Bianco … Appresso Gio. Antonio Rampazetto, Venice, 1598.
(42) C. S. Smith and M. T. Gnudi, The Pirotechnia of Vannoccio Biringuccio (English transl.), The American Institute of Mining and Metallurgical Engineers, New York, 1942, pp. 409–416. This is the first English translation of Biringuccio’s De La Pirotechnia published in Venice in 1540.
(43) Smith and Gnudi, op. cit., pp. 434-435.
(44) The author thanks The Roy G. Neville Historical Chemical Library (California) for supplying this image from the 1540 edition of De La Pirotechnia.
(45) J. Hudson, The History of Chemistry, The Macmillan Press Ltd., Hampshire and London, 1992, p. 22.
(46) J. R. Partington, A History of Chemistry, Macmillan and Co., Ltd., London, 1961, Vol. 2, p. 6.
(47) T. L. Davis, in Chymia, T. L. Davis (ed.), Vol. 2, University of Pennsylvania Press, Philadelphia, 1949, pp. 99–110.
(48) Partington, op. cit., p. 377.
(49) D. M. Considine (ed.), Van Nostrand’s Scientific Encyclopedia, seventh edition, Van Nostrand Reinhold, New York, 1989, pp. 1104-1105.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤