الفصل الأول

تطبيق العلم على أرض الواقع

ماري آن فوكس
جامعة كاليفورنيا، سان دييجو

ماري آن فوكس هي أستاذة جامعة متميزة في مادة الكيمياء وهي الرئيس السابع لجامعة كاليفورنيا في سان دييجو. حصلت على بكالوريوس العلوم في الكيمياء من جامعة نوتردام، كما حصلت على دكتوراه في الكيمياء من كلية دارتموث. بعد تعيينها من قِبل مؤسسة العلوم الوطنية كباحث ما بعد الدكتوراه في جامعة ماريلاند، التحقت بهيئة التدريس في جامعة تكساس؛ حيث عُيِّنت في نهاية المطاف أستاذ كرسي واجنر ريجان وشغلت منصب نائب رئيس الجامعة للأبحاث. وشغلت منصب رئيس جامعة وأستاذ جامعة متميز في جامعة ولاية كارولاينا الشمالية قبل أن تشغل منصبها الحالي. وقد كُرِّمت وطنيًّا ودوليًّا نظير مساهماتها في أبحاث الكيمياء، وتدريس العلوم، وخدمتها المبتكرة للتعليم العالي. وهي عضوة الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم، والأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، والجمعية الأمريكية للفلسفة، وعملت في مجلس العلوم الوطني ومجلس مستشاري الرئيس الأمريكي في العلوم والتكنولوجيا. وقد حصلت على ١٢ درجة فخرية.

عزيزتي أنجيلا

يسعدني سماع أنك أمضيت صيفًا رائعًا في العمل بمختبر الكيمياء! ولا شك أنَّ الجمع بين تلك الخبرة ودراستك في الخارج في مكانٍ جميل كالنرويج أمرٌ رائع حقًّا. إنه تغييرٌ واضح لفتاةٍ من جنوب كاليفورنيا.

أحسبُ أنَّكِ اكتسبت خبرةً إيجابية للغاية، وأظن أنكِ قد أصبح لديكِ حماسٌ عارم تجاه الأبحاث. وما أعنيه بذلك هو ذلك الشعور الذي لا يُوصَف الذي ربما اعتراكِ عندما قمت بتخليق جزيء لم يكن موجودًا من قبل أو عندما كنتِ أول من يتمكَّن في تاريخ البشرية من فهم سبب حدوث تفاعل معين على النحو الذي يحدث به. لا شيءَ يضاهي ذلك الشعور في حقيقة الأمر. وبمجرد أن يعتريك هذا الشعور، ستجدين أنَّ من الصعب عليكِ أن تعيشي حياةً لا يكون الاستكشاف جزءًا منها. إنَّ السعي وراء طرق جديدة للتفكير في الطبيعة هو أمرٌ أشبه بالإدمان، والوصول إلى الهدف من خلال إثبات صحة افتراضك الأصلي حول ما قد يحدث، أو دحضه، سيجعلكِ تواصلين العمل لساعاتٍ طويلة أو لأشهر أو سنوات. وقد يرى أصدقاؤك أنَّ مواصلة العمل طوال الليل أحيانًا ربما تكون ضربًا من الجنون، لكنكِ في قرارة نفسك تعلمين شيئًا لن يفهموه أبدًا.

يسعدني أيضًا سماع أنكِ اخترت متابعة شهادتك الجامعية، وهو أمرٌ ينمُّ عن كثير من السداد وحُسن التمييز، بالنظر إلى قرب جامعة كاليفورنيا في سان دييجو من بيتك وعزمك على إفراد جزءٍ كبير من حياتك للبحث العلمي. وبصرف النظر عن الجمال الطبيعي الذي ينفرد به الحرم الجامعي هناك وحقيقة أنَّ سان دييجو تتمتع بأفضل طقس في العالم على مدار العام، فإنَّ جامعة كاليفورنيا في سان دييجو هي مكانٌ رائع لإجراء دراساتٍ علمية جادة. وقد أعلنت مجلة نيوزويك منذ عامين أنَّ جامعة كاليفورنيا في سان دييجو هي «أنسب مكان لممارسة العلوم» في الولايات المتحدة. ومما يدلِّل على جودة برامج البحث العلمي لدينا أنَّ جائزة نوبل في الكيمياء لعام ٢٠٠٨ قد مُنحَت لأحد أعضاء هيئة التدريس المخضرمين بالجامعة.

وكما هي الحال في معظم الجامعات البحثية على مستوى العالم، ستكون لديكِ فرصة للمشاركة في الأبحاث منذ البداية. وبمجرد إبداء رغبتكِ الصادقة في إجراء بحثٍ جاد، ستتمكنين على الأرجح من العمل مع أحد أعضاء هيئة التدريس الذين يتم تمويلهم جيدًا من قِبل الوكالات المانحة الفيدرالية، وسيتمكَّن البعضُ من تقديم رواتب للطلاب الذين يعملون نصف الوقت، أو ما يقارب ذلك، مع مجموعة بحثية على مشاريعهم البحثية؛ ومن ثَمَّ يمكن أن يساعدكِ أيضًا العملُ في مشروع تحبينه على توفير تكاليف التحاقكِ بكلية أو جامعة مرموقة.

لطالما كانت إحدى أولوياتنا الأساسية في جامعة كاليفورنيا في سان دييجو هي إشراكَ الطلاب الجامعيين في البحث بمجرد إثبات قدرتهم على المساهمة في جهود مجموعة بحثية معينة. ونظرًا لأنكِ قد عملتِ في أحد المختبرات الصيفية بالفعل، فلا بد أنكِ ستكونين على استعداد بمجرد وصولك إلى الجامعة للتواصل مع واحد أو أكثر من الأساتذة الذين يقع عملهم البحثي في دائرة اهتماماتك.

(١) حياتي كباحثة كيمياء

أعتقد أنها فكرة رائعة أن تكون لديكِ الرغبة في اكتشاف المزيد من الفرص في مجالات مختلفة من الكيمياء حتى تتمكني من اتخاذ خيار أكثر استنارةً بشأن الاتجاه الذي ستسلكينه في نهاية المطاف. كان مجالي المفضَّل هو الكيمياء العضوية الفيزيائية، مع التخصص في الكيمياء الضوئية، والكيمياء الكهربائية، وكيمياء المواد. يهدف كل عملنا فعليًّا إلى فهم كيفية حدوث تفاعل معين، بكثير من التفصيل غالبًا. ويشمل ذلك السؤال العلمي حول كيفية أن إحداث تغييرات في البنية التركيبية سيُحدِث تغييراتٍ في التفاعلية الكيميائية، سواءٌ في الحالة الأرضية أو الحالة المثارة لجزيء أو لعائلة من الجزيئات.

وباعتبار أنَّ التفاعلات تحدث من خلال سلسلة من خطوات تكوين الروابط وكسر الروابط، فإن هذا العمل غالبًا ما يشمل مركبًا وَسَطيًّا تفاعليًّا. كما أنَّ الوصف الكامل لتفاعلٍ يحدد معدلات التفاعل (الحركية) وتغيرات الطاقة التي حدثت أثناء استمرار التفاعل (الديناميكا الحرارية). وهذه بالضبط هي نقطة التقاء الكيمياء العضوية مع الكيمياء الفيزيائية. في الواقع، يحدد هذا الوصف الخاص بالتفاعل الكيميائي مجال الكيمياء العضوية الفيزيائية. وتتمثل إحدى الخطوات الرئيسية في تحقيق هذا الوصف في وصف تدفق الإلكترونات والمركبات الوَسَطية التفاعلية التي تتكوَّن على طول مسار التفاعل. بمعنًى أوسع، فإن الكيمياء العضوية الفيزيائية تحدد كيف يمكن للبيئة المحيطة أن تؤثر على معدلات التفاعل عن طريق التأثير في استقرار إحدى الحالات الانتقالية الرئيسية. وفي كثير من الأحيان، يمكن أيضًا عمل نماذج للحالات الانتقالية بمساعدة العمليات الحسابية النظرية واستخدام النظرية للتنبؤ بتفاعلاتٍ كيميائية متطورة. إن العمل مع العلماء النظريين مفيدٌ للغاية من الناحية الفكرية حيث يمكن الاستدلال نظريًّا على كيفية كسر سلسلة من الروابط الكيميائية وتكوينها؛ ومن ثَم سيكون من الممكن استنباط تحولات كيميائية جديدة.

على الرغم من أنني قضيت الكثير من وقتي رئيسًا لجامعة كاليفورنيا في سان دييجو، فما زلت أستاذ كيمياء في الصميم. وفي تخصصي ذلك، عملتُ مع مجموعة من الطلاب الموهوبين للغاية لدراسة مجموعة متنوعة من المشكلات العضوية الفيزيائية. ومن دواعي فخري على وجه التحديد نجاحنا في تقديم مساهمة كبيرة في تحديد مجال جديد من الكيمياء الكهربائية الضوئية العضوية، الذي ينطوي على مزيج من كيمياء السطوح وكيمياء الحالة المثارة. تضمَّن هذا العمل تخليق جزيئاتٍ جديدة، في الحالات الأرضية والمثارة، وملاحظة الكيفية التي تؤثر بها البنية التركيبية لتلك الجزيئات في التفاعلية الكيميائية اللاحقة. كما أجرينا مجموعةً من العمليات الحسابية النظرية لاختبار تفسيرنا للملاحظات التجريبية. وغالبًا ما كنا نهتم بإمكانية التنبؤ بالخصائص الفيزيائية للمركبات أو المواد التي لم تكن موجودة حتى صنعناها.

يسعدني أن أقول إن أكثر من ٦٠ طالبًا قد أكملوا درجات علمية متقدمة في مجموعتي البحثية، ووضعَ العديد منهم برامج بحثية محترمة خاصة بهم. وبسبب عملهم الجاد، انتُخبت في سن مبكرة نسبيًّا لعضوية الأكاديمية الوطنية للعلوم، وهو شرفٌ عميق لأي عالِم. أفتقد حقًّا الأيام التي استطعت فيها قضاء معظم وقتي مع الطلبة في المختبر.

(٢) تعلُّم إجراء الأبحاث: مبادئ الكيمياء العضوية الفيزيائية

لعلَّ من المفيد لكِ أن تعرفي كيف تطوَّر لديَّ الاهتمام بالخصائص الفيزيائية للجزيئات العضوية. ثمة سلسلة من التجارب البحثية الإيجابية للغاية التي دفعتني في الأساس إلى أن أصبح باحثة كيميائية، ثم عضو هيئة تدريس مستقلًّا في جامعةٍ تُركِّز على الأبحاث.

كانت أول تجربة لي مع أبحاث الكيمياء عندما كنت طالبة في البرنامج الصيفي بدعم من المؤسسة الوطنية للعلوم في معهد إلينوي للتكنولوجيا في شيكاغو. وبصفتي طالبة في برنامج يُسمَّى «تجربة البحث العلمي للطلاب الجامعيين»، أُلحِقت بالمجموعة البحثية للبروفيسور جيري كريسج؛ وبذلك عملت جنبًا إلى جنب مع زملاء ما بعد الدكتوراه، وأعضاء هيئة التدريس الزائرين، وطلاب الدراسات العليا والطلاب الجامعيين. سررتُ جدًّا لأن يتم قبولي في المجموعة بهذا الترحيب، نظرًا لوضعي كطالبة غير متمرسة في البرنامج. كان البروفيسور كريسج مهتمًّا بتحديد كيفية تأثير الأحماض على التغيرات الحادثة في التحلل المائي لأثيرات الفينيل. وكنا نود تحديد هل كان التحلل يتضمن حامضية برونستيد أم لويس، وكذلك تحديد وسيطات التفاعل الرئيسية التي سنواجهها أثناء حدوث التفاعل. وكان من المنتظر أن يوفر العمل معلوماتٍ مهمة حول كيفية تحفيز الأحماض بعض التفاعلات.

وكانت مساهمتي في المشروع تتمثل في تخليق سيكلوهكسينيل إثيل الإيثر ومراقبة حركية تحلُّله مائيًّا إلى سيكلوهكسانون. وأمكن متابعة معدل التحلل المائي من خلال مراقبة ظهور امتصاص الكيتون الناتج للأشعة فوق البنفسجية. وحددنا بعد ذلك معدلات التفاعل لأثيرات فينيل أخرى، على سبيل المثال، تلك ذات الحلقات الأصغر أو المجموعات الوظيفية الملحقة، وذات الحساسية المرتفعة أو المنخفضة تجاه الأحماض الأخرى. وكان السؤال المطروح هو هل كان حمضٌ عام (H+) أو حمضٌ خاص (HX؛ حيث X عبارة عن أيون معاكس متضمَّن في الحالة الانتقالية الرئيسية) يحث على التسارع الحفزي للمعدلات الملاحَظة. وهو ما أتاح لنا بدوره معرفة كيفية حدوث التفاعل بالضبط. وفي النهاية، أدى هذا العمل إلى نشر أول ورقة بحثية لي في مجلة الجمعية الكيميائية الأمريكية.

بعد هذه التجربة الإيجابية للغاية في إحدى مجموعات الكيمياء العضوية الفيزيائية، أحببت فكرة إجراء تخليقاتٍ بسيطة للحصول على مركبات جديدة يمكن فيها إحداث تغييراتٍ جوهرية في التفاعلية من خلال تغييراتٍ في البنية التركيبية؛ لذا، عندما أُتيحت لي الفرصة للعمل مع البروفيسور روجر بنكلي على مشكلات تتضمن استثارة كيميائية ضوئية، سارعتُ باغتنامها. التفاعلات الكيميائية الضوئية هي تلك التفاعلات التي تحدث بعد امتصاص الضوء. وربما تكون الاستثارة الكيميائية الضوئية أسهل طريقة لإحداث تغيير في التفاعلية بأدنى حد من التغيير في البنية التركيبية؛ ولذلك، تعد الكيمياء الضوئية فرعًا مهمًّا من فروع علم الكيمياء العضوية الفيزيائية.

على الرغم من أن الدكتور بنكلي كان مهتمًّا بالكيمياء الضوئية للكربوهيدرات، فقد اخترت العمل على مركب أبسط تركيبًا، وهو البنزالازين. أردنا أن نقيس المعدلات النسبية لانشطار الرابطة C–N من خلال مراقبة العائد الكمي لاستهلاك مواد التفاعل ولظهور الناتج. كان الهدف الأساسي لهذا العمل هو تحديد تعدد الحالة المثارة المؤدية إلى كل ناتج؛ أي إننا أردنا أن نعرف هل كان ثمة حالة فردية أو ثلاثية متضمَّنة. وقد أثرت المعلومات التي توافرت من معرفة حركية التفاعل بعمق في أبحاثي في بقية حياتي المهنية.

ربما الأكثر أهميةً هي تلك الاجتماعات التي كان يعقدها بنكلي مع أفراد مجموعته البحثية كل ليلة أربعاء في منزله لتناول عشاءٍ بسيط، يتلذذون في نهايته بالعمل معًا لحل مسألة ميكانيكية محيِّرة. وفي بعض الأحيان، كانت المسائل تنطوي على مركب وَسَطي تفاعلي، وغالبًا شوارد أو شوارد ثنائية تنتجها الاستثارة الكيميائية الضوئية. وبصفتي باحثةً مبتدئة، كان من الصعب عليَّ تخيُّل كيف يمكن أن يلتوي جزيء بشدة لإنتاج مركبات عالية التوتر أو مُعاد ترتيبها الهيكلي. وعمومًا، فقد استخدمنا طريقة دفع الأسهم لتحديد تدفق الإلكترونات الذي يحدد آلية التفاعل.

كان الانتقال إلى هانوفر، بولاية نيوهامبشير، للالتحاق بكلية الدراسات العليا في كلية دارتموث أحد أهم القرارات في حياتي. لم أحظَ فقط بمعلم بارع، وهو البروفيسور ديفيد ليمال، الذي اهتم بتدريس التميز في البحث وبطلابه على حد سواء، ولكن نظرًا لأن البرنامج كان صغيرًا، فقد تمكنت أيضًا من العمل كثيرًا مع أعضاء هيئة التدريس الآخرين الذين يعملون في مشاريع مختلفة تمامًا. وأذكر بإعزاز عملي مع الأساتذة وولتر ستوكماير (كيميائي البوليمرات)، وتشاك براون (متخصص التحليل الطيفي الفيزيائي)، وتوم سبنسر (متخصص في حركية الكيمياء الحيوية)، وجوردون جريبل (كيميائي التخليق العضوي). وبفضل آرائهم القيِّمة، تمكَّنت من إنهاء بحث الدكتوراه بسرعة، في غضون ٣ سنوات؛ ومن ثَم تمكنت من اللحاق بزوجي في واشنطن حيث كان قد عُيِّنَ هناك بعد انضمامه إلى القوات الجوية الأمريكية.

كان المشروع الذي بدأته في مدرسة الدراسات العليا هو تحضير البيرفلوروتراهيدرين، وهو مركب شديد التوتر تظهر فيه أربع ذرات كربون مرتبةً بما يشبه الهرم مع وجود ذرة فلور في كل ركن منها. كان تركيب الجزيء يعني أنه شديد التوتر وذو خصائص فيزيائية مثيرة للاهتمام. عملت لمدة عام تقريبًا في تحضير مختلف السلائف وتطبيق ما تعلمته بالفعل عن الكيمياء الضوئية. واكتشفت بعض الطرق المثيرة للاهتمام للحصول على مركبات متوترة، لكن الهدف ظلَّ بعيد المنال. وكانت هذه هي المرة الأولى التي اضطررت فيها للتعامل مع الفشل في المختبر. ولكن حتى في ظل هذا الفشل، تعلمت درسًا مهمًّا: عندما يكون ثمة مشروع جدير بالاهتمام، ستكون هناك تحديات، وسيكون من المفيد أحيانًا الفشل بسرعة والشروع في مشروع آخر. وقد أتيحت لي الفرصة بالفعل بعد عدة سنوات للتعاون مع صديق ألماني قام بتخليق تترا-(البيو تيل المتشعب) للتتراهيدران، لذلك ظلَّ هذا المشروع قريبًا من قلبي.

في حالتي، كان فشلي في تخليق المركب المستهدف يعني التحول إلى دراسة أزمرة التكافؤ للعديد من عائلات الأرينات المهلجنة. اكتشفت شاردةً ثنائية جديدة ذات تفاعلية مشتقة من الكلوروبنزين وعدة تحويراتٍ بينية مثيرة للاهتمام بين البيرازين المهلجن، والبيريدازين، والبيريميدينات، إلى جانب تحديد كامل لآليات حدوث التحويرات.

وإلى جانب معرفتي بمجالات واسعة من العلوم، استعنتُ بخبرتي في الدراسات العليا لتعلُّم إدارة الوقت، وكيفية تحقيق التوازن بين مختلف المطالب المتنافسة في حياتي الشخصية والمهنية. كما أنَّ معايير حياة خريجي الكيمياء قد رسَّخت لديَّ جانبًا قويًّا من أخلاقيات العمل الأساسية ظللت أتسمُ به طوال حياتي. فحتى يومنا هذا، يتعجَّب زملائي في الإدارة من طاقتي في العمل، التي هي أمرٌ طبيعي طبقًا لمعايير الكيميائيين.

سأظل دائمًا مَدينة بالفضل لمشرفي البحثي ديفيد ليمال لتشجيعه لي على إدراك ضرورة الاهتمام بالأطفال — ذكورًا كانوا أم إناثًا — كجزءٍ مهم من حياة الأكاديمي لا يمكن التغاضي عنه؛ فقد كان كريمًا حين سمح لي بالعمل لساعاتٍ غير منتظمة مع الاحتفاظ براتبي عندما رُزِقتُ ابني الأول، كي لا أحيد عن المسار الصحيح وأتمكن من إكمال بحثي خلال ٣ سنوات؛ ومن ثَمَّ علمني دروسًا في الحياة لا تقدَّر بثمن. (لاحظت أن هذه الدروس، حتى الآن، غير مفهومة أو غير مطبَّقة من قبل العديد من زملائي المحترفين. وأدهشني ما لاحظته من مدى فعالية بعض زملائي من الذكور والإناث بمجرد أن صاروا آباءً وأمهاتٍ مسئولين عن طفل.) وآمل أن تحظَي بمشرفٍ و/أو زميل في أبحاثك يؤازرك في الفترات الحاسمة والفاصلة في حياتك عندما تتابعين اهتمامك بالعلم. ونصيحة خاصة أن تختاري مرشدك (وزوجك!) بعناية.

بعد ذلك، قبلت منصبًا في برنامج جديد من برامج ما بعد الدكتوراه تابع لمؤسسة العلوم الوطنية، وهو «توظيف البحث لخدمة الاحتياجات القومية» في جامعة ماريلاند. وتماشيًا مع الطبيعة التطبيقية للبرنامج، طوَّرتُ أداةً جديدة لاستخدام التحليل الطيفي الفلورسيني لمراقبة جودة الهواء في الوقت الحقيقي. أدى هذا العمل إلى نشر أول منشور لي في مجلة ساينس، وهي مجلة مرموقة ذات اهتمام واسع النطاق. وشجعتني التجربة أيضًا على التفكير بعمق في الاتجاهات التي كنت أرغب في اتخاذها خلال حياتي المهنية كباحث مستقل.

(٣) التعيين أستاذًا في مادة الكيمياء: إجراء بحوث مستقلة

إنَّ القرار أن تصبحي أستاذًا وتمارسي حياتك المهنية في مجال البحث الأكاديمي يُعد قرارًا مهمًّا؛ فهو يتطلب التزامًا بالعمل مع الطلاب لدراسة جوانب: (١) جديدة، و(٢) مثيرة للاهتمام، و(٣) مهمة. ولا يمكنكِ تلقِّي الدعم الفيدرالي أو المؤسسي لبحثك إلا إذا كان البحث يستوفي هذه المعايير الثلاثة مجتمعةً. كنت محظوظة لأن مجموعتي البحثية كانت تحظى بتمويل جيد منذ إنشائها؛ فقد قدَّمت مؤسسة العلوم الوطنية، ووزارة الطاقة، ومؤسسة ويلش تمويلًا وفيرًا ومستمرًّا لمشاريعي حالما حصلت على أول وظيفة لي في جامعة تكساس في أوستن.

من واقع الخلفية التي استعرضتها أعلاه، ربما استطعتِ تخمين أنني سأحاول دمج الكيمياء الضوئية أو الكيمياء العضوية الفيزيائية كاتجاهاتٍ رئيسية لبرنامج أبحاثي المستقلة. كنت مهتمةً بالروابط الكيميائية وسرعان ما اتخذت الترتيبات اللازمة لتدريس دورة حول نظرية المدارات الجزيئية والاضطراب مع أستاذ الكيمياء النظرية البارع مايكل جيه إس ديوار. انضممت إلى ندوة حول المراجع ليالي الأربعاء مع أربعة أعضاء آخرين من هيئة التدريس وطلاب الدراسات العليا المشرفين عليهم للعمل على المركبات الوَسَطية التفاعلية، وتأثيرات النظائر، والإجهاد الجزيئي، والأروماتية، والتفاعلات حول الحلقية، وتأثيرات الإلكترونات. كما عملنا أيضًا على التعرف الجزيئي اللاتساهمي وكيمياء الجزيئات الضخمة، التي كانت في ذلك الوقت مجالًا ناشئًا وجديدًا. كما عملنا على الحركية والديناميكا الحرارية، خاصة على نظرية الحالة الانتقالية، مع التركيز على رسومات هاميت ومبدأ هاموند. لقد ساهمت بما أعرفه عن كيمياء الأحماض والقواعد وآليات الكيمياء الضوئية، مع تركيز قوي على الحفز العضوي والإنزيمي. واجتهدنا شخصيًّا في تعلُّم المغناطيسات العضوية والمركبات العضوية الفلزية والمواد مثل البوليمرات والبلورات السائلة. وقبل كل شيء، اهتممنا بتدفق الإلكترونات في آليات التفاعل. كانت التجربة لا تقدَّر بثمن، وأحثُّك بشدة على البحث — كلما يسمح وقتك — عن مجموعة مماثلة أينما تسعين إلى الحصول على درجتك الجامعية.

بدأتُ عملي أستاذًا مساعدًا بحصر المراجع الخاصة بقضايا مهمة لم يُجَب عنها. وكنت مهتمة على وجه التحديد بتلك القضايا التي أُحرِز فيها تقدم مؤخرًا لكنها لم تُكلَّل بالنجاح التام. وبينما كنت أضع هذا الهدف في اعتباري، أدهشني العثور على تقرير أعدَّه فوجيشيما وهوندا من جامعة طوكيو، يفيد بأن تسليط الضوء على سطح شبه موصل مستقر كهروكيميائيًّا يمكن أن يؤدي إلى انقسام جزيء الماء إلى أكسجين وهيدروجين، وهو ما يؤدي بذلك إلى إنتاج وقود قابل للاحتراق من سلائف آمنة ومتوافرة بكثرة. بيد أن الواقع هو أن الجهد المطبَّق كان عاليًا للغاية وأن الكفاءة الكميَّة كانت منخفضة للغاية بما لا يسمح بإجراء تطبيقاتٍ عملية. لقد كان تحديًا مثاليًّا بالنسبة إلى أستاذ مساعد.

كنا نأمل أن نساهم في فهم أساسيات هذا التفاعل المهم مع معالجة عواقبه العملية في الوقت نفسه. وبناءً على ذلك، شرعنا في وصف نقل الإلكترونات عن طريق الحث الضوئي، مع إجراء تطبيقاتٍ تتراوح ما بين النظرية الأساسية وحتى التطبيقات العملية للغاية.

(٤) انتقال الإلكترونات عن طريق الحث الضوئي

لقد ركَّزنا على التحكم البيئي في التفاعلات الكيميائية باستخدام امتصاص الضوء كمحفِّز للسماح بالرصد الطيفي لسلسلة من خطوات تكوين الروابط وكسرها. وكان اهتمامنا ينصبُّ بوجه خاص على الحالات المثارة لما يُعرَف بالمركَّبات الوَسَطية التفاعلية، لا سيَّما تلك التي تنطوي على انتقال الإلكترونات عن طريق الحث الضوئي. كثيرًا ما نستخدم التحليل الطيفي المستحَث بالليزر لمتابعة سير التفاعل في الإطار الزمني المقيس بالنانو ثانية أو البيكو ثانية. وعند إجراء هذا البحث في منظومة متعددة المكونات مهيأة على نحوٍ مناسب، فإنه يوفر أيضًا وسائل عملية جديدة لاستخدام الطاقة الشمسية وتخزينها.

يقدم شكل ١-١ مخططًا بسيطًا لكيفية تفاعل مانح الإلكترون D مع مستقبِل الإلكترون A والمتغيرات التجريبية التي يمكن أن تؤثر في مسار هذا التفاعل البسيط. أولًا: لاحظ أنَّ أيونات الشوارد تنتج من سلائف محايدة. ولفهم التفاعل، يجب أن نكون على دراية بالمركبات الوَسَطية التفاعلية وكيف يمكن أن تؤثر المسافة بين المتفاعلات والنواتج في فعالية كفاءة انتقال الإلكترونات عن طريق الحث الضوئي. وقد اكتُشِف العديد من التطبيقات العملية من خلال تغيير الطاقة وحركية عمليات نقل الإلكترونات بين المانح والمستقبِل (أي التفاعل الأمامي والعكسي). بالإضافة إلى ذلك، استُخدِمت معدلات التفاعلات الكيميائية المستحَثَّة بالليزر هذه لتحديد التأثير الحادث بفعل قطبية المذيب أو تركيب المادة الصُّلبة التي جرى امتزاز نظام A/D عليها. كما قادنا للتفكير بمزيد من التفصيل في اتجاه الجزيئات المرتبطة بالأسطح.
fig1
شكل ١-١: المتغيرات التجريبية المؤثرة في تفاعلات المانح والمستقبِل.
ثم بدأنا في بناء مصفوفاتٍ أكثر تعقيدًا تحتوي على مستقبِلَين A1 وA2 لكل مانح D، كما هو موضح في شكل ١-٢. وعند الإثارة الضوئية للمانح أو المستقبل، يحدث انتقال الإلكترون بالحث الضوئي. بعد ذلك، يستطيع الإلكترون الانتقال إلى المستقبِل الثاني، وهو ما ينشئ حاجزًا فيزيائيًّا وعالي الطاقة لإعادة نقل الإلكترون، مما يؤدي إلى تبديد الطاقة الفوتونية الأولية. ومن خلال تثبيط إعادة انتقال الإلكترون، فإن المصفوفات المتكونة من المستقبِلَيْن والمانح تطيل من عمر زوج الأيونات المؤكسدة/المختزلة. ونتيجة لذلك، فإن فرصة ملاحظة تغير ضوئي كيميائي ستزداد بشدة. يستخدم شكل ١-٢ خطًّا مُستقيمًا للإشارة إلى الترابُط بين المانح والمستقبِلَيْن. ويُقصَد من هذا ببساطة الإشارة إلى أن أيَّ عاملِ ربطٍ يمكن أن يفي بالدور، طالما تحقق تتابُع D–A1–A2.
fig2
شكل ١-٢: تمثيل تخطيطي لمصفوفة من مانح الإلكترون ومستقبليه.
ما نوع المواد البينية التي يمكن استخدامها؟ يمكننا أن البحث عن نماذج في الطبيعة: فعلى سبيل المثال، تتم عملية التمثيل الضوئي نفسها عن طريق امتصاص الضوء بواسطة زوج خاص من البورفرينات يتم تثبيته بشكل صارم داخل مصفوفة بروتين. ثم يؤدي الحث الضوئي المبدئي إلى انتقال الإلكترونات (كما في شكل ١-٢) إلى موضع آخر ثم إلى غيره. ويؤدي هذا إلى الانتقال الاتجاهي للإلكترون عبر غشاء طبقة ثنائية الدهون، وفي نهاية المطاف يحصر الإلكترون في شكل كينون مختزل، وأخيرًا بواسطة متراكب حديد-كبريت. من المستحيل فهم التمثيل الضوئي، الذي ربما يكون أهم عملية لاستدامة كوكبنا، دون فهم أساسي للمتغيرات التي تتحكم في كفاءة انتقال الإلكترونات بالحث الضوئي واتجاهيته.
لنفترض أن المادة البينية (بين المانح والمستقبِل) هي أكثر مرونة من حيث التكوين الجزيئي عما هو موجود في مركز تفاعل التمثيل الضوئي، كما هو موضح في شكل ١-٣. في ظل هذه الظروف، يجب التحكم في المسافة بين المانح والمستقبِل بحركة السلسلة البينية. وثمة ثلاث حالات موضحة هنا: (١) عمود فقري صُلب يتم فيه التحكم في مسافة الفصل عن طريق التركيب الأصلي، و(٢) عمود فقري مرن تتغير فيه المسافة مع الوقت بعد التنشيط الضوئي باستخدام النبضات، و(٣) حالة تكون فيها قطبية العمود الفقري مختلفة بقدر كافٍ عن القطبية المحيطة بزوج أيونات الشوارد عالية التذاوب وعندها يحدث فصل الأطوار. هذه هي المعايير الهيكلية نفسها التي تُمثل أهداف التصميم الرئيسية في كيمياء البوليمرات الوظيفية. ونتيجةً لذلك، فإن دراسة انتقال الإلكترونات عن طريق الحث الضوئي، عندما تُستحَث بواسطة نبضة ليزر، تقدم نقطة انطلاق ممتازة لاستكشاف مجال مختلف تمامًا من مجالات الكيمياء، وهو البوليمرات ومزائج البوليمرات.
fig3
شكل ١-٣: ديناميكا زوج من المانح والمستقبِل مرتبطَيْن بسلسلة مرنة.
علاوة على ذلك، لا يُشترَط أن تكون المكونات الفردية (التي تُمثِّلها الكرات في شكل ١-٣) مرتبطة تساهميًّا. وفي الواقع، فقد أثبتنا أن البلورات السائلة ذات الجزيئات قرصية الشكل يمكن بالمثل أن تكون بمنزلة دعاماتٍ بينية لانتقال الإلكترونات بالحث الضوئي. وتوضح البلورات السائلة ترتيبًا بعيد المدى ناتجًا عن التراص اللاتساهمي للوحدات الفردية. وفي بعض الحالات، تتم محاذاة مئاتٍ من جزيئات المكونات، وهو ما يؤدي إلى ترتيب يمتد حتى مئات النانومترات؛ لذا، قد يتوقع المرء اختلافاتٍ في نشاط انتقال الإلكترونات بالحث الضوئي على جانبَي درجة حرارة الانتقال بين طور بلوري سائل وغيره.
تُمثِّل الببتيدات مجموعةً أخرى من المواد البينية التي توفِّر وسيلةً لاستكشاف التأثيرات المتعلقة بالتكوين الجزيئي. ولأن الببتيدات يمكن أن تتجمع كحلقات حلزونية أو كشرائح، فإنها تنتج نظامًا جزيئيًّا ضخمًا مماثلًا لنظام البلورات السائلة. وتكون تأثيرات ثنائيات الأقطاب في الببتيدات الحلزونية جَمْعية، بحيث يمكن لثنائي قطب ماكروسكوبي من الطرف الخاص بذرة الكربون C– إلى الطرف الخاص بذرة النيتروجين N– (والعكس صحيح) أن يعزز أو يعارض انتقال الإلكترونات عن طريق الحث الضوئي النبضي.
كما لا يحتاج أيٌّ من المانح أو المستقبِل إلى أن يكونا قابلَين للذوبان بشكل متساوٍ في المذيبات القطبية أو غير القطبية. تخيَّل إذا كان المانح عبارةً عن جُسيم نانوي محاط بمستقبِلٍ جرى امتزازه بقوة على سطحه، كما هو مبيَّن في شكل ١-٤. في هذا التركيب المكوَّن من غلافٍ ونواة، يؤدي امتصاص الضوء إلى فصل الشحنات في مسار يمكن مقارنته على نحوٍ مباشر مع ذلك المسار الموجود في المصفوفات الخطية. وستكون المجسَّات الطيفية، لأعمار الأزواج المنفصلة الشحنات وللقياسات المباشرة لمعدل التفاعل العكسي لانتقال الإلكترونات، قياساتٍ مهمة قبل استخدام هذه المواد المختلفة الحجم كمكونات مصنَّعة في أجهزة نانوية. ومع تقدُّم علم النانو، من المرجَّح أن تصبح عملية انتقال الإلكترونات المستحَثَّة بالليزر النبضي تقنية وصفية رئيسية لتحديد الخصائص الفيزيائية كدالة للحجم وتركيب السطح.
fig4
شكل ١-٤: الديناميكا الضوئية لمستقبلات مُمتزَّة على جسيم نانوي مانح.

(٥) الكيمياء الكهروضوئية

تنطبق الاعتبارات المذكورة أعلاه أيضًا على المواقف التي يكون فيها المانح والمستقبِل قابلَين للامتزاز على نحوٍ عكسي على سطح مشترك. على سبيل المثال، كان معروفًا منذ أكثر من قرن أن الجزيئات تُمتَز وتُنتَز بشكل عكسي على الأقطاب الكهربائية، ما يؤدي إلى تكوين طبقة غير متجانسة معقدة بالقرب من سطح القطب الكهربائي ذات تركيب مختلف إلى حد كبير بالنسبة إلى المحلول الحجمي الملامسة له. يشير علماء الكيمياء الكهربائية إلى هذا الفضاء باسم منطقة سطح الإلكترود، أو الطبقة المزدوجة، إذا كان المحلول الملامس هو محلول موصِّل للكهرباء. وتحدث التفاعلات الكيميائية بسهولة في هذه المنطقة حيث يتم فحص جهد القطب الكهربائي من خلال جهد الأكسدة أو الاختزال للمتفاعل. وبعد حدوث تفاعل الأكسدة والاختزال، يحدث التوازن مع المحلول الحجمي المجاور.

تتكون الخلية الكهروكيميائية التي تحدث فيها هذه التحولات من أنود تحدث فيه تفاعلات الأكسدة، وكاثود تحدث فيه عمليات الاختزال، وقطب مرجعي يسمح بقياس الجهد المطبق. وخلال بضعة عقود ماضية، اكتُشِف أنه لا يمكن تحقيق فرق جهد ليس فقط باستخدام بطارية أو مثبِّت جهد، ولكن أيضًا باستخدام الضوء لإنتاج زوج من الإلكترون والثقب عن طريق الإثارة الضوئية لأشباه الموصلات المطعَّمة. ويُطلَق على هذا النوع من الخلايا خلية كيميائية كهروضوئية، ويتحدد سلوكها التحفيزي من خلال جهد الأكسدة للثقب وجهد الاختزال للإلكترون.

أُجريَ الكثير من الأبحاث لدراسة خصائص أشباه الموصلات المطعَّمة؛ حيث كان ثمة إجماع عام على مدى عدة عقود على أنَّ هذه الخلايا قد تكون مهمة لتحويل الطاقة الشمسية وتخزينها. وقد أنجزنا الكثير من أعمالنا في مجال الكيمياء الضوئية مع زميلي ألين بارد. وكتبنا معًا مقالًا حول إمكانية النظر إلى الخلايا الكهروكيميائية الضوئية على أنها «الكأس المقدسة» لعلماء الكيمياء الكهربائية، ما قد يؤدي إلى انقسام جزيء الماء بكفاءةٍ لإنتاج وقود لنظام الهيدروجين الاقتصادي.

لكل شبه موصِّل، حسب التعريف، نطاق تكافؤ ممتلئ، يتم فصله حسب فرق الطاقة (فجوة النطاق) عن نطاق التوصيل الخالي. وفي الحالة غير المطعَّمة، لا يُلاحَظ توصيل كهربائي إلا من خلال الإسكان الحراري لإلكترونات عالية الطاقة بما يكفي لانتقالها سريعًا عبر فجوة النطاق إلى نطاق التوصيل. وهي عملية غير مواتية حراريًّا وتحدث على نحوٍ متفاوت فقط؛ ولذلك، فإن شبه الموصل غير المطعَّم يكون موصلًا رديئًا جدًّا للكهرباء ويُعتبر بوجهٍ عامٍّ عازلًا.

ومع ذلك، فعندما تطعَّم بأصناف غنية بالإلكترونات، توضع الإلكترونات في نطاق التوصيل، الأمر الذي يؤدي إلى تقليل جهد حواف النطاق، بحيث تنتقل الإلكترونات الزائدة بعيدًا عن سطح أشباه الموصلات إلى العمق. وهكذا تصبح المادة موصلة للكهرباء، ويمكن لقطب كهربائي مصنوع من هذه المادة أن يعمل كمكون كهروكيميائي عادي.

أدهشتنا تعديلات الجهد لهذه الخلايا، ويمكنك إجراء تجربة ذهنية بسيطة: تصوَّر خلية كهروكيميائية ضوئية يتم فيها تقليص السلك الذي يربط أنود شبه الموصل (ربما أكسيد فلز مثل ثاني أكسيد التيتانيوم TiO2) والكاثود الفلزي (ربما البلاتينيوم، وهو محفِّز جيد لتوليد الهيدروجين) حتى تصبح الأقطاب المضادة في وضع اتصال مباشر. والآن، كسِّر القطب بحيث يصير عبارة عن مسحوق، وهو ما يصوِّره شكل ١-٥.
fig5
شكل ١-٥: جسيم تيتانيوم مغطًّى بالبلاتين مستخدَم كخلية كهروكيميائية ضوئية. يرمز حرف O إلى الصيغة المؤكسَدة لمركب عضوي عام، R.
الآن، استخدِم الفوتونات بدلًا من المطعِّمات على سطح شبه الموصل. عندما يمتص ثاني أكسيد التيتانيوم TiO2 ضوءًا طاقته أكبر من فجوة النطاق (أطوال موجية أقصر من ٤٠٠ نانومتر تقريبًا)، يتم تحريك الإلكترون من نطاق التكافؤ إلى نطاق التوصيل. يُنتج هذا الامتصاص زوجًا مكونًا من الإلكترون والثقب. يحتوي هذا الزوج على طاقة أكسدة تُعادل فجوة النطاق الخاصة بشبه الموصل ويمكن أن تسحب إلكترونًا من أي مركب ذي جهد أكسدة أقل إيجابية من +٢ فولت تقريبًا (بالنسبة إلى قطب الهيدروجين القياسي). تشمل هذه الفئة بشكل أساسي أي مركب عضوي يحتوي إما على شكل ذرة غير متجانسة أو أي شكل من أشكال الاقتران.

تؤدي أيضًا الإثارة الضوئية إلى وضع الإلكترون في نطاق التوصيل، الذي يتساوى تقريبًا من حيث جهد الاختزال والأكسدة مع جهد الاختزال الخاص بالأكسجين الممتز؛ ومن ثَمَّ، يتم تحويل إلكترون نطاق التوصيل إلى فوق أكسيد ممتز؛ ومن ثَمَّ يؤدي احتجاز زوج الإلكترون والثقب إلى بدء سلسلة تفاعلاتٍ بين كاتيون الجزيء العضوي الممتز وفوق الأكسيد ونواتج انقسامه. وقد سمح لنا هذا المجال، الذي أطلقنا عليه اسم الكيمياء الكهروضوئية العضوية، باكتشاف مجموعة واسعة من التفاعلات الجديدة التي تنبثق من التفاعلية الطبيعية لشاردة كاتيون ممتز. يمكن الاطلاع على مثال سابق عن كيفية حدوث ذلك في مقالٍ نُشر في مجلة الجمعية الأمريكية للكيمياء لعام ١٩٨١ (انظر «قراءات إضافية»)، وهي أول مقال لنا عن التحفيز الضوئي العضوي؛ حيث تحدثنا عن الأكسدة الهوائية العالية الإنتاجية إلى حد كبير للمركبات بدءًا من الأوليفينات وحتى مركبات الكربونيل.

ومن خلال استخدام مساحيق أشباه الموصلات المختلفة المعلقة في سلسلة من المذيبات مع أو بدون جزر معدنية مرسبة، سرعان ما طوَّرنا مجالًا جديدًا بالكامل من الكيمياء العضوية الميكانيكية/الفيزيائية. كما انضم آخرون وشاركوا في توسيع نطاق الأبحاث الخاصة بتحويلات التحفيز الضوئي. وبالإضافة إلى انقسام الماء بالطاقة الشمسية، كما هو مذكور أعلاه، استُخدِم هذا النهج العام للتخلص من الملوثات، وتنظيف تسربات النفط، وكمضاد للبكتيريا في المستشفيات، وتنقية المياه، وتنظيف النوافذ، وكثير غير ذلك. واستُخدِمت مساحيق أشباه الموصلات المعلقة مع محسسات الصبغة الملتصقة أو الممتزة على سطح أشباه الموصلات، كجزيئات مفردة، أو مجمعة، أو حتى على شكل جزيئات متفرعة مشبَّعة بالصبغات. لقد كان من المفيد للغاية رؤية العديد من التحولات الكيميائية المفيدة المترتبة على هذه المبادئ البسيطة.

(٦) نصيحة أخيرة

أنجيلا، أظن أنكِ سوف تكتبين إلى بعض الكيميائيين الآخرين كذلك، وآمل أن يخصصوا بعضًا من وقتهم لإخبارك ببعض التفاصيل عن عملهم. وأتمنى أن تكتسبي بعضًا من الحماس الذي يُعد سمتًا مميزًا للكيميائيين الممارسين. فالكيميائيون يواصلون العمل لساعاتٍ طويلة، ولكن ذلك عادةً لأنهم يحبون ما يفعلونه. ولأن الكيمياء علم مركزي، فمن السهل تطبيق ما تعلمتِه وسوف تتعلمين في مجموعة متنوعة من الأماكن. ومع خلفيتك في الكيمياء، سيكون في إمكانك الانتقال بسهولة إلى علوم الحياة، والطب، والقانون، والسياسة العامة، والإدارة، والتدريس، والخدمة العامة، وكثير غيرها. مَنْ يدري؟ قد ينتهي بكِ الأمر إلى أن تشغلي منصب رئيس جامعة!

أتمنى فقط أن يسمح لي جدولي الزمني بالتعامل مع طلاب البكالوريوس وطلاب الدراسات العليا بدلًا من زملاء ما بعد الدكتوراه فقط. وسأحاول بالتأكيد أن أجد متسعًا لشخص ملتزم مثلك. وأتمنى لكِ دراسةً ناجحة في جامعة كاليفورنيا في سان دييجو. وأطمح إلى أن أمنحكِ شهادتك الجامعية بعد عامين من الآن.

المخلصة
ماري آن

قراءات إضافية

  • Anslyn, E. V.; Dougherty, D. A. Modern Physical Organic Chemistry, University Science Books, San Francisco, CA, 2006.
  • Bard, A. J.; Fox, M. A. Artificial photosynthesis: Solar splitting of water to hydrogen and oxygen. Accounts of Chemical Research 1995, 28, 141–145.
  • Fox, M. A. Fundamentals in the design of molecular electronic devices: Long range charge carrier transport and electronic coupling. Accounts of Chemical Research 1999, 32, 201–207.
  • Fox, M. A.; Chen, C. C. Mechanistic features of the semiconductor catalyzed olefin-to-carbonyl oxidative cleavage. Journal of the American Chemical Society 1981, 17, 6757–6759.
  • Fox, M. A.; Dulay, M. Heterogeneous photocatalysis. Chemical Reviews 1993, 93, 341–357.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤