الفصل السابع

إصابة الأعصاب وتلف الدماغ

تحدُث أنواعٌ مختلفة من تغيُّرات المرونة العصبية استجابةً لتضرُّر الأعصاب وتلف الدماغ الناتج عن السكتات الدماغية وغيرها من الإصابات. تؤدي إصابة الأعصاب إلى تغيراتٍ في الألياف العصبية التالفة، إضافةً إلى إعادة التنظيم الوظيفي للدوائر العصبية في كلٍّ من الدماغ والحبل الشوكي. ويمكن لهذه الآثار أن تستمر شهورًا أو سنوات. إنَّ التغيرات التي تحدث بعد إصابة الأعصاب أو البتر لا تؤدي إلى درجةٍ ملحوظة من استرداد الوظيفة، لا سيما إذا كانت الإصابة خطيرة، بل يمكن أن تكون غير مناسبة فتسبِّب ألم الاعتلال العصبي، أو الألم والأحاسيس «الوهمية» التي يختبرها من تعرَّضوا للبتر. على العكس من ذلك، يمكن لتغيرات المرونة التلقائية التي تحدث بعد الإصابة بسكتةٍ دماغية أن تساعد الدماغ في التعويض عن التلف الذي حدث.

تُجرى الأبحاث المتعلقة بالتغيرات الدماغية التي تحفِّزها الإصابة على الفئران والقردة والبشر. في حالة الفئران، تركِّز هذه الأبحاث بدرجةٍ كبيرة على منطقة في الدماغ تُدعى بالقشرة البرميلية، وهي تستقبل المعلومات الحسية من الشوارب. وفي حالة القردة والبشر، تركِّز هذه الدراسات على القشرة الحسية الجسدية الأساسية التي تستقبل المعلومات الحسية من سطح الجلد، والقشرة الحركية الأساسية التي تنفِّذ الحركات من خلال إرسال أوامر إلى العضلات من خلال الحبل الشوكي. يُعتقد أنَّ المناطقَ الحسية في الدماغ تترتَّب على نحوٍ طوبوغرافي. فعلى سبيل المثال، نجد أنَّ المعلومات الحسية الواردة من مناطقَ متجاورة على سطح الجلد، تُعالَج في مناطق متجاورة على القشرة الجسدية الحسية، بينما تُنظَّم مجموعات العضلات المتجاورة من خلال خلايا تقع في مناطقَ متجاورة من القشرة الحركية الأساسية. وبهذه الطريقة، «يُخطَّط» الجسد على سطح القشرتين: الحسية الجسدية، والحركية.

يتحدَّد حجم هذه التمثيلات القشرية بناءً على عدد النهايات العصبية أو العضلات الموجودة في الجزء المناظر من الجسد، وليس بالحجم الفعلي لهذا الجزء من الجسم. ولهذا؛ تُخصَّص الغالبية العظمى من النسيج العصبي في القشرة الحسية الجسدية الأساسية إلى معالجة المعلومات الواردة من الوجه وإرسال الأوامر إليه، وتُخصَّص غالبية النسيج العصبي في القشرة الحركية لمعالجة المعلومات الواردة من اليدين وإرسال الأوامر إليها؛ وهما الجزءان الأكثر حساسيةً ووضوحًا من بين أجزاء الجسم. يمكن تغيير هذه التمثيلات القشرية بالخبرة؛ إذ تتضاءل حين تُحرَم من المعلومات الحسية أو تتمدد بزيادة استخدام الجزء المناظر لها. تُعرَف هذه العملية بإعادة التخطيط، وهي تحدث بعد التعرُّض لإصابةٍ عصبية أو سكتة دماغية، ويمكن أحيانًا تحفيزها صناعيًّا باستخدام وسائل تحفيز الدماغ غير الجراحية لتيسير إعادة التأهيل.

إصابة الأعصاب المحيطية

أتت بعض الأدلة المبكِّرة المباشرة على المرونة العصبية من الدراسات التي أُجريَت في أوائل ثمانينيات القرن العشرين على الحيوانات بشأن إصابة الأعصاب. حين يُقطَع العصب الأوسط في ذراع أحد القردة، تُحرَم المناطق المناظرة له في القشرة الحسية الجسدية من المدخلات، لكن تلك المناطق لا تبقى خاملة. ففي الأسابيع التالية للإصابة، تعيد القشرة الحسية الجسدية تنظيمَ نفسِها كي تتمكَّن مناطق النسيج العصبي المجاورة من التمدد والوصول إلى المنطقة المحرومة.

في الفئران، يؤدي قطع العصب الوركي إلى تمدُّد منطقة القشرة الحسية الجسدية التي تُخصَّص للمدخلات الواردة من العصب الصافني بمقدار ثلاثة أضعاف، ويبدأ ذلك بعد يوم أو يومين من قطع العصب ويستمر فترةً تصل إلى ستة شهور. وبعد فترةٍ تتراوح من شهرين إلى ثمانية شهور من تعرُّض قِرد لبترِ أحد أصابع يدَيه، فإنَّ بقعة القشرة الحسية الجسدية التي كانت تستجيب قبل ذلك إلى الإصبع المقطوع، تستجيب بدلًا من ذلك عند لمس الأصابع المجاورة.1

تحدث إعادةُ التنظيم في القشرة الحركية بطرقٍ مشابهة، لكن النتائج تختلف. ففي الفئران، عادةً ما يتحكَّم العصب الوجهي في حركات الشوارب، وحين يُقطع تظل المنطقة الحركية المناظرة له خاملةً في البداية ولا تستجيب إلى التحفيز الكهربي. غير أنه بعد بضع ساعات، ينتج التحفيز تقلصات في الساعد والجفن.

بعد فترةٍ تتراوح من شهرين إلى ثمانية شهور من تعرُّض قِرد لبترِ أحد أصابع يدَيه، فإنَّ بقعة القشرة الحسية الجسدية التي كانت تستجيب قبل ذلك إلى الإصبع المقطوع، تستجيب بدلًا من ذلك عند لمس الأصابع المجاورة.

يمكن للباحثين الآن الكشفُ عن مثل هذه التغيرات التي تحدث في الدماغ البشري، باستخدام تقنيات تحفيز الدماغ غير الجراحية مثل التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة والتحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة. تبدأ هذه التغيرات في الحدوث بعد دقائق من الإحصار المؤقت للعصب، وبعد أسابيعَ من إصابة الحبل الشوكي. وفور إحصار العصب بمخدرٍ موضعي على سبيل المثال، تتوقف بقعة القشرة الحركية المناظرة للمنطقة المخدَّرة عن العمل، وتبدأ المناطق المجاورة من زيادة خرجها إلى الخلايا العصبية الحركية في الحبل الشوكي. غير أنَّ هذا التأثير قابل للانعكاس، ويختفي بعد عشرين دقيقة تقريبًا من زوال مفعول المخدر.

يحدث النوع نفسُه أيضًا من إعادة التنظيم القشري بعد بتر ذراع. فمثلما توضح الدراسات التي أُجريَت على الحيوانات، فإنَّ منطقة القشرة الحسية الجسدية المناظرة للذراع المبتور تتضاءل تدريجيًّا، وتبدأ المناطق المحيطة بها في التوسع وتغزوها. إنَّ الغالبية العظمى ممن تعرَّضوا للبتر يختبرون شعورَ الطرف الوهمي، وهو ذلك الإحساس القوي بأنَّ الطرف المبتور لا يزال متصلًا بأجسادهم، وغالبًا ما يكون ذلك مؤلمًا للغاية. يعتقد العلماء أنَّ شعور الطرف الوهمي يحدث جزئيًّا على الأقل بسبب إعادة التنظيم القشري التي تحدث في أعقاب البتر. في القشرتين: الحسية الجسدية والحركية، يقع التمثيل العصبي لليدين بجوار التمثيل العصبي للوجه مباشرة؛ لذا فمنطقة الوجه هي التي تتوسَّع وتغزو جارتها المحرومة. ونتيجةً لذلك، فإنَّ لمس أجزاء محدَّدة من وجه مَن تعرَّض للبتر، قد يحفِّز أحاسيسَ وهمية قوية؛ مما يُشير إلى أنَّ المناطق المحرومة تحتفظ على نحوٍ ما بذكرى عن وظيفتها السابقة.2

يعتقد العلماء أنَّ شعورَ الطرف الوهمي يحدث جزئيًّا على الأقل بسبب إعادة التنظيم القشري التي تحدث في أعقاب البتر.

بالرغم من هذا، من الصعب تفسير إعادة التنظيم القشري في سياق الآليات الخلوية؛ إذ إنَّ تقنيات تصوير الدماغ لا تزال غير حساسة بما يكفي على الإطلاق للكشف عن مثل هذه العمليات لدى البشر. لكن الدراسات التي تُجرى على الحيوانات تمنحنا فكرةً جيدة عما يُحتمَل أنه يحدث. توضِّح هذه الدراسة أنَّ الخلايا العصبية التي تُقطَع أليافها تقلِّص زوائدها الشجيرية بسرعة، حتى تصبح منفصلة عن النهايات الطرفية العصبية المرتبطة بها، ويقل العدد الإجمالي للمشابك العصبية التي تستقبلها الخلية. وفي موقع الإصابة، يمكن لأي ألياف محورية عصبية سليمة أن تولِّد فروعًا جديدة تنمو في المنطقة التالفة، ويمكن لعدم التطابق بين الألياف وأهدافها الجديدة أن يسبِّب ألمَ الاعتلال العصبي.

يُعتقد أنَّ المراحل الأولى من إعادة التنظيم القشري تتضمن «الكشف عن» الوصلات التي كانت خاملة من قبل، كالوصلات الأفقية بين البقع المتجاورة في مناطق متناظرة من القشرة، والوصلات الرأسية من منطقة المهاد، وهي المنطقة التي تمرِّر جميع أنواع المعلومات الحسية من أعضاء الحس إلى المنطقة الملائمة في القشرة المخية. يُعتقد أنَّ هذه الوصلات التي يُكشف عنها تُعزَّز من خلال التقوية الطويلة الأمد (انظر الفصل الثالث)، لكن التغيرات التي تستمر فترةً أطول تُعزَّز على الأرجح من خلال تبرعم فروع محورية جديدة، واستطالة فروع الزوائد الشجيرية، وتشكيل وصلات مشبكية جديدة. تشير دراسات الحيوانات إلى أنَّ المحاور والزوائد الشجيرية يمكن أن تنمو حتى مسافة تصل إلى ٣ ملِّيمترات خلال عملية إعادة تنظيم القشرة الحسية الجسدية، وسرعان ما تزاح الحدود بين التمثيلات في القشرة الحركية لمسافة تصل إلى اثنين من الملِّيمترات.3

السكتة الدماغية

يوجد العديد من الدراسات التي فحصت إعادةَ التنظيم القشري الذي يحدث بعد سكتة دماغية. تُعَد السكتة الدماغية من الأسباب الرئيسة للوفاة والإعاقة، وهي عبارة عن مقاطعة إمداد الدم الذي يتلقاه الدماغ بسبب انسداد الأوعية الدموية أو تلفها؛ مما يؤدي إلى موت الخلايا المحرومة من الأكسجين. إنَّ الفصَّين الأمامي والصدغي على وجه التحديد شديدا التأثُّر بالحرمان من الأكسجين؛ ولهذا غالبًا ما تدمِّر السكتات هذه المناطق مما يؤدي إلى ظهور الأعراض المميزة للسكتات مثل عيوب الكلام وضعف العضلات أو الشلل الكامل لأحد جانبَي الجسم. ولأنَّ النصف الأيسر من الدماغ يتحكم في النصف الأيمن من الجسم، والعكس أيضًا صحيح، فإنَّ السكتة تشل الأطراف الموجودة على الجانب المقابل للتلف.

بخلاف المرونة المستحثة بفعل إصابة الأعصاب، التي نادرًا ما تفيد، يعتقد الباحثون أنَّ إعادة التنظيم القشري التي تحدث بعد السكتة تُسهم بدرجةٍ كبيرة في استعادة الوظيفة الحركية. أما الشلل، فيحدث لأنَّ تلف السكتة يؤدي إلى تمزيق المسار العصبي الذي ينحدر من القشرة الحركية الأساسية، إلى الخلايا العصبية الحركية في الحبل الشوكي. يبدأ الدماغ في التعويض عن هذا بنفسه، ويحاول تخفيف التلف من خلال تنشيط مسارات حركية بديلة موازية للمسارات التالفة. قد تنشأ هذه المسارات من القشرة الحركية الأساسية أو من المنطقة الحركية الثانوية الملاصقة للمنطقة التالفة.4

وفي أيٍّ من الحالتين، يمكن إعادة تأسيس وصلة عصبية تعمل بين الدماغ والحبل الشوكي. بالرغم من ذلك، فهذه المسارات الجديدة ليست بالمباشرة. ففي الظروف المعتادة، تمرُّ معلومات الحركة التي يرسلها الدماغ إلى الأطراف عبر مشبك عصبي واحد، وهي الوصلة الموجودة بين عَصَبونات القشرة الحركية الأساسية والعَصَبونات الحركية في الحبل الشوكي. أما المسار الحركي الجديد، فيتضمن المزيد من الوصلات، وهي تنشِّط مجموعات كاملة من العضلات لا ألياف عضلية مفردة. ولهذا، فبالرغم من أنها قد تؤدي إلى تحسُّن عام في الوظائف الحركية، فمن الممكن أن يظل المريض المتعافي يعاني صعوبةً في تحريك أصابع مفردة على سبيل المثال.

توضِّح دراسات فحص الدماغ أنَّ السكتة الدماغية تستحث أيضًا تغيراتٍ بنيوية ووظيفية طويلة الأمد في القشرة الحسية الجسدية. وتظهر لدى مرضى السكتة الدماغية المزمنة زيادةٌ في السماكة القشرية بنسبةٍ تتراوح بين ٤٪ و١٣٪، وهي نسبة مشابهة لحجم الزيادة الملحوظة في القشرة الحركية لدى الفئران بعد التدريب الحركي، والتغيرات البنيوية المرتبطة بالتدريب الموسيقي (انظر الفصل السادس). ترتبط هذه السماكة بزيادة الاستجابات القشرية لأحاسيس اللمس وزيادة الحساسية للمس لدى المرضى بالسكتة الدماغية، مقارنةً بممثلي عامل الضبط.5
يتمثَّل التعافي من السكتة بصفة جوهرية في أن يتعلم المصاب من جديدٍ كيفيةَ التحكم في حركاته بهذه المسارات العصبية الجديدة. تكون المسارات الجديدة أقلَّ كفاءة من القديمة التالفة التي تحل محلها، لكن إعادة التأهيل يمكن أن تُسهم في تعزيزها وتيسير استعادة الوظائف المفقودة. من الضروري إجراء العلاج الطبيعي المكثف في الأشهر التالية للسكتة الدماغية، بما في ذلك تحريك الطرف المتضرر لمرات متكررة، مما يساعد تعزيز المسارات الحركية الجديدة. بالرغم من ذلك، غالبًا ما يفتقر المرضى إلى الدافع للالتزام ببرامجهم التدريبية، ولا يوجد عددٌ كافٍ من اختصاصيي العلاج الطبيعي في الوقت الحالي؛ لذا صار العلاج الطبيعي في السنوات الأخيرة معتمدًا بصورة متزايدة على تكنولوجيا الروبوتات.6
يمكن تحسين الوظائف الحركية لدى مرضى السكتة الدماغية من خلال طريقة تُسمى بالعلاج بتحفيز الحركة المقيدة، التي تنطوي على إرغام المريض على استخدام الأطراف الضعيفة قدرَ الإمكان من خلال تقييد الأطراف السليمة.7 غير أنه توجد اختلافات فردية مهمة في نطاق تعافي مرضى السكتة الدماغية. في ثلث المرضى تقريبًا، يمكن لإعادة التأهيل أن تؤدي إلى تحسيناتٍ كبيرة في كلٍّ من الحركة والحديث، وفي الثلث الثاني يكون التحسُّن أصغرَ كثيرًا، وفي البقية يكون التحسُّن طفيفًا أو لا يحدث على الإطلاق.

لا تزال أسباب هذه النتائج المختلفة غير واضحة، لكن من المحتمل أنَّ العوامل الجينية والبيئية لها دور في ذلك. كما أنَّ توقيت التشخيص والعلاج مهمَّان للغاية أيضًا؛ ذلك أنَّ نقص الأكسجين الذي ينتج عن السكتة الدماغية يقتل الملايين من خلايا الدماغ في كل دقيقة؛ لذا يحد التدخل السريع من حجم التلف، وقد صار من الواضح الآن أنه كلما بدأت إعادة التأهيل في فترةٍ أبكر تحسَّنت النتيجة للمريض.

ثَمة نهج مبشِّر في إعادة تأهيل مرضى السكتة الدماغية يتضمَّن تغيير توازن النشاط بين نصفي الدماغ الأيسر والأيمن. ففي المعتاد، يتبادل النصفان تثبيطَ أحدهما الآخر من خلال أليافٍ تقطع الدماغ في منطقة الجسم الثفني من أجل تنسيق الحركات بين الأطراف الأربعة كلها. بعد فترة قصيرة من الإصابة بسكتة، يمكن للنصف غير المصاب أن يصبح أكثرَ نشاطًا؛ ربما بسبب انخفاض التثبيط المتبادل من الجانب المتضرر. وبالطريقة نفسِها، يمكن لزيادة نشاط النصف التالف أن تتدخَّل في إعادة التأهيل.

يمكن الإخلال بهذا التوازن عن طريق التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، الذي يُستخدم فيه سلك مغناطيسي لتوصيل مجالات مغناطيسية إلى جزء محدَّد في الدماغ. تولِّد القوة المغناطيسية مجالًا كهربيًّا يستمر حتى جزء واحد من العشرة على الثانية؛ مما يزيد من نشاط الخلايا الموجودة في المنطقة المستهدفة أو يُثبطه. بدأت الدراسات تُظهِر أنَّ استخدام التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة للإخلال بنشاط نصف واحد من الدماغ يمكن أن ييسر التعافي، لكن النتائج لا تزال متفاوتة حتى الآن. في بعض المرضى، يؤدي تثبيط النشاط في الجانب غير المتضرر من الدماغ إلى تحسين الوظائف الحركية في الأطراف المتضررة، لكن ذلك لا يحدث مع بعض المرضى الآخرين.

بالرغم من ذلك، توجد بعض الأدلة على أنَّ نصفي الدماغ يمكن أن ينتقلا في مرحلة ما بعد السكتة الدماغية، من تثبيط أحدهما الآخر إلى إثارة أحدهما الآخر، لتيسير التعافي. ولهذا، يمكن لاستخدام التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة من أجل تثبيط النشاط في النصف التالف من الدماغ أو لتحسينه في النصف السليم، يمكن أن يؤدي إلى تيسير التعافي من خلال تعزيز النشاط الحركي في الجانب التالف، لكن هذا العلاج نفسه قد يؤدي إلى نتائجَ معاكسة إذا استُخدم بعد التنشيط المتبادل.8 ولا شك بأنَّ التعلُّم بشأن الكيفية التي يتكيف بها الدماغ مع السكتة من تلقاء نفسه، سيساعد الأطباء على تحسين مثل هذه العلاجات.
يُعَد التحفيز عبر الجمجمة بالتيار المباشر من الطرق غير الجراحية الأخرى المستخدَمة للتغيير في نشاط الدماغ. تتمثَّل هذه الطريقة في استخدام أقطاب كهربية على فروة الرأس لتوصيل تيارات مباشرة منخفضة المدى إلى مناطقَ مختلفة في الدماغ، ونحن نعرف أنَّ هذه التيارات تستحثُّ التقوية الطويلة الأمد في المنطقة المستهدفة.9 صار التحفيز عبر الجمجمة بالتيار المباشر والتحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة يُستخدمان الآن على نطاقٍ واسع في العيادات كوسائل مساعدة في إعادة التأهيل؛ لأنها يمكن أن تُستخدم أيضًا لتقييم نشاط الخلايا العصبية وتوصيل الدماغ لأغراض تشخيصية وتقييمية.10
إضافةً إلى ما سبق، صار التصوير العصبي الوظيفي يُستخدم على نطاق واسع أيضًا لتقييم التلف الناتج عن السكتات الدماغية والتنبؤ بالحد الذي يمكن أن يبلغه المرضى في التعافي. وتوضح دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي على سبيل المثال أنه كلما زاد عدد الحركات التي يعجز المريض عن أدائها، زاد نشاط المناطق الحركية الثانوية الموجودة في الجانب التالف، خلال مهام الإمساك البسيطة. يؤدي اضطراب نشاط هذا الجزء من الدماغ بسبب التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة إلى إعاقة الحركة لدى مرضى السكتة الدماغية، لكن ذلك لا يحدث مع ممثلي عامل الضبط الأصحاء؛ مما يشير إلى أنَّ هذه المناطق الحركية الثانوية تقدِّم مساهمةً مهمة في التعافي. وعلى العكس من ذلك، فإنَّ التدخل في نشاط مناطق الحركة الثانوية الموجودة في الجانب غير المتضرر يؤدي إلى درجةٍ أكبر كثيرًا من الاضطراب؛ مما يشير إلى أنها تعتمد على تلك المسارات الجديدة بدرجةٍ أكبر من تلك التي يعتمد بها المرضى الذين يُعانون تلفًا أقلَّ على تلك المسارات الجديدة.11

يدرُس بعض الباحثين أيضًا ما إذا كان من الممكن استخدام تقنيات تحفيز الدماغ غير الجراحية في إعادة تأهيل وظائف اللغة أم لا. تتموضع وظائف اللغة لدى معظم الأشخاص في مناطقَ محدَّدة من الفصَّين الجبهي الأيسر والصدغي الأيسر، ويُقال إنَّ النصف الأيسر من الدماغ هو الذي يتحكم فيها (انظر الفصل الأول). كثيرًا ما تتلف هذه المناطق نتيجة السكتات الدماغية؛ لذا يعاني ما يقرب من ٢٠٪ إلى ٤٠٪ من الأشخاص تقريبًا اضطرابات في اللغة بعد الإصابة بسكتة دماغية.

يظهر أنَّ المرونة التعويضية في شبكات اللغة بالدماغ شبيهة بما يُرى في المسارات الحركية. يمكن أن يؤدي تلف مراكز اللغة بالدماغ إلى استخدام المناطق المحيطة في النصف الأيسر التالف مع مراكز اللغة الخاملة في النصف الأيمن، أو كليهما. ولأنَّ وظيفة اللغة عادةً ما تتوطَّن في النصف الأيسر، ولأنَّه من المعتقد أنَّ توقُّف التثبيط المتبادل بين النصفين ييسِّر التعافي، فقد يكون التدخل في توازن النشاط في النصفَين الأيسر والأيمن هو الحل لاستعادة اللغة.

لا يزال هذا البحث في مراحله الأولى مع ذلك، وقد جاءت نتائج هذا النهج حتى الآن متضاربة. ومثلما هي الحال في استعادة الوظائف الحركية، فإنَّ التوصل إلى فهمٍ أفضلَ لكيفية تغيُّر المرونة التعويضية مع الوقت، يمكن أن يساعد في تحقيق الاستفادة القصوى من هذه العلاجات، وتحسين النتائج للمرضى.12
توضِّح بعض الأبحاث الأخرى أنَّ التوصية الطبية المبكرة بتناول عقار الفلوكستين (بروزاك) وغيره من مضادات الاكتئاب القريبة الصلة، يحسِّن التعافي الحركي بعد ثلاثة شهور في حالة مرضى السكتة الدماغية الذين يُجرون العلاج الطبيعي. بالرغم من ذلك، فلا يزال السبب في هذا غير واضح حتى الآن. تُعرَف هذه المجموعة من العقاقير بتأثيراتها المضادَّة للالتهاب، والتي قد تحمي دماغ المريض من المزيد من التلف، وقد تسهِّل أيضًا إعادة التعلم من خلال تعزيز التقوية الطويلة الأمد في المسارات الحركية الحديثة التشكل.13

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤