الفصل الخامس

الجبر

لقد قيل إن بعض رجال القبائل الإثيوبية لم يكونوا ليسمحوا إلا بعمليات الضرب الخاصة بالمضاعفة والتنصيف فحسب، والأكثر من ذلك أنهم لم يكونوا ليتعاملوا مع الكسور من أي نوع. ومع ذلك فلم تكن لديهم أي مشكلة في ضرب أي عددين معًا؛ ومن ثم في إجراء عمليات التجارة الأساسية. فمثلًا إذا اشترى أحدهم خروفًا من آخر بسعر جنيهًا إسترلينيًّا للواحد، فالطريقة لإيجاد التكلفة الإجمالية هي كما يأتي:
نشكل عمودين على رأسهما العددان و على الترتيب. ثم نضاعف الرقم الموجود على اليمين وننصِّف الرقم الموجود على اليسار مع إهمال أيِّ باقٍ ناتج من تنصيف العدد الفردي. ونواصل هذا العمل حتى نحصل على في العمود الأيسر قم بحذف:
الصفوف التي تحتوي على أعداد زوجية في العمود الأيسر، أي الصفوف التي تحتوي على و . والآن اجمع الأعداد الباقية في العمود الأيمن لتعطينا ، وهي الإجابة الصحيحة.

إذا كان هذا الأسلوب الأفريقي للضرب يبدو غامضًا لنا، فبلا شك سيبدو أسلوبنا كذلك بالنسبة لهم. فهل يمكنك شرح طريقتهم؟ وهل يمكن شرح طريقتك؟ في الحقيقة الطريقتان تعتمدان على نفس الفكرة، وهو نفس الجانب من الجبر، ويُعرف باسم: «قانون التوزيع» وهو الموضوع الرئيسي لهذا الفصل. وسوف نعود لمسألة التجار الإثيوبيين بعد قليل.

على أية حال، أودُّ البَدء بكلمة عن وضع الأقواس. عندما نكتب فنحن لا نشعر بالحاجة للأقواس لأن الطريقتين البديلتَين في حساب المجموع يؤديان إلى نفس الإجابة:
مما سبق يتضح أن عملية الجمع تجميعية. وينطبق الشيء نفسه على عملية الضرب؛ أي إنه لأي ثلاثة أعداد و و يكون .

أما عند دمج هاتين العمليتين، ففي هذه الحالة تكون الأقواس ضرورية:

ماذا يعني ؟ هذا التعبير سيكون في الحقيقة غامضًا لولا أنه يوجد عُرف أو قاعدة تقتضي أن عملية الضرب تسبق عملية الجمع، بمعنى أن يعني ضمنيًّا أنه على الصورة . أما إذا كنت تريد أن يتم الجمع أولًا، فعليك أن توصل ذلك من خلال استخدام الأقواس: .

كلٌّ منا لديه بعض الخبرة في مسائل الجبر أو الحساب التي تحتوي على بعض الصعوبة من أيام المدرسة؛ إذ كان يجب أن تكون أكثر حذرًا عند التعامل مع المسائل التي تحتوي على علامة الطرح والأقواس. ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى أن عمليات الطرح ليست تجميعية. وعند إجراء عمليتي طرح متتاليتين، فإن الأقواس تكون مهمة:

ومرة أخرى، فإن العُرف هو أن بدون أقواس تعني ضمنيًّا ؛ أي إن الكميات تُطرح بترتيب ورودها. ومع ذلك، فإن احتمالات التفسير الخاطئ كبيرة؛ ولهذا السبب كثيرًا ما نرى أن أول زوج من الأقواس يكتب بوضوح لمجرد أن نتفادى حدوث أخطاء. نفس الشيء ينطبق على عمليات القسمة: فالقسمة ليست عملية تجميعية؛ ومن ثم فإن الأقواس ليست إضافة اختيارية.
مرة أخرى، إذا ما كتبنا فإننا نعني بذلك ولكن للسبب نفسه كما في السابق، فإن وضع الأقواس لا يكون إلا للتوضيح. ولأن عملية القسمة ليست تجميعية، فمن الأفضل تحاشي كتابة الكسور المكونة من طابقين، فهي تبدو قبيحة، كما أن المعنى يكون غامضًا دون وضع الأقواس:

قانون التوزيع هو الأكثر خصوصية والأقل وضوحًا بين جميع قوانين الجبر. وتأتي خصوصيته من حقيقة أنه القانون الوحيد الذي يربط العمليتين الأساسيتين في الحساب وهما عمليتا الجمع والضرب؛ وهو القانون الذي يدلنا على كيفية ضرب الأقواس:

فمثلًا وهي بالتأكيد صحيحة حيث: . وإذا بذلت مجهودًا في التفكير للحظةٍ في هذا المثال، فستتمكن من أن ترى ما يحدث. على أحد جانبي هذا المجموع لدينا:

وعلى الجانب الآخر:

الطرفان كمجموعين يحتويان على نفس الأعداد لكنها مجموعة بترتيب مختلف؛ ومن ثم لا يوجد فرق. (وهذا قانون أيضًا يُطلق عليه قانون الإبدال في الجمع: .) الحالة العامة تنطبق لنفس السبب، حيث:

المهارة في قانون التوزيع تأتي من استخدامه في الاتجاه المعاكس لكتابة مجموع ما في صورة حاصل ضرب باستخراج عامل مشترك. وبدلًا من استخدام الكثير من الأقواس فإن هناك عملية ميكانيكية تمامًا موضحة أدناه، ألا وهي التحليل، وتنطوي على التفكير في تعبير ما واستخراج عامل مشترك. وهو يتطلب من الطالب حسن التقدير، فهو الذي يقرر هل هذا التحليل مناسب وسيساعد في تبسيط التعبير الجبري المُعطى. وهذا يتطلب خبرة كبيرة مناسبة، لكنه جزء لا بد منه في عملية التعليم. ويحتاج الطلاب الجادون في المواد التي تعتمد على الحساب أن يكونوا قادرين على التعامل بسهولة مع الجبر ويعرفوا كيفية استخدام قانون التوزيع في كلا الاتجاهين.

وقد ظهر مثال على طريقة التحليل هذه في الفصل الرابع حين تأكدنا أن : وقد استُخدم قانون التوزيع في هذا المثال مرتين. بل إن قانون التوزيع يُستخدم عندما نقوم بأي عملية ضرب عادية، غير أننا قد نفعل ذلك على نحو تلقائي. وتعتمد طريقتنا على ثلاثة أشياء: معرفة جداول الضرب حتى جدول (أساس النظام العددي)، ومعرفة أنه عند الضرب في فإننا ببساطة نضيف إلى النهاية اليمنى للعدد المطلوب ضربه، وأخيرًا معرفة قانون التوزيع.
على سبيل المثال، قم بضرب في :
كل ما قمت به في الحقيقة هو عمليتا ضرب صغيرتان مستخدمًا معرفتك بجدول الضرب، ثم ضربت في ، وأخيرًا أكملت العملية بجمع الإجابات معًا. وفيما يلي ما تنطوي عليه هذه الطريقة إذا ما كتبناها بوضوح:

لقد استخدمنا قانون التوزيع لتجزئة عملية الضرب إلى مجموع عمليتَي ضرب أبسط. بعد ذلك نقول:

وتنطوي الخطوة الأولى على معرفتك بجدول ضرب ، ثم الخطوة التالية تُسمى «الحمل» حيث تأخذ التي ظهرت وتحملها إلى خانة العشرات. والآن أصبح الرقم الموجود في خانة الآحاد ثابتًا. ثم نستمر، وتُبرَّر الخطوات التالية بخاصية الإبدال في الضرب (أي إن الأعداد تُضرب بأي ترتيب)، وبمعرفة جدول ضرب ، وقانون التوزيع مرة أخرى، وقاعدة الضرب في وأخيرًا عملية الجمع البسيطة:

قد تشعر بشيء من الانزعاج من هذا المستوى التفصيلي للتفسير. جزء من السبب في ذلك أنني أشرح شيئًا مألوفًا تمامًا — الضرب البسيط — باستخدام أفكار قد تكون غير مألوفة، وهي قوانين الحساب. فإذا كان هذا يزعجك، فببساطة شديدة تجاهله تمامًا، ولكن لاحظ نقطة واحدة عامة: كل طريقة حسابية تعتمد في تفسيرها على مجموعة صغيرة من قوانين الحساب البسيطة جدًّا، ومن هذه القوانين قانون التوزيع. ومع ذلك، آمُل أن تساعد قوانين الحساب في توضيح الطريقة الإثيوبية للضرب لأنك، ما لم تكن إثيوبيًّا، ستشعر في الغالب بأنها تحتاج إلى التوضيح.

دعونا الآن نَعُد إلى مسألة الضرب الإثيوبية بكل ما فيها من مضاعفةٍ وتنصيف، مع إهمال الأنصاف وحذف الصفوف الزوجية، ثم جمع الباقي. قد يبدو هذا محيرًا لنا، لكن عند تحليله، سنجد أنه مدعوم بقوة بقانون التوزيع.

أولًا: دعنا نُلقِ نظرة على مثال يوضح النهج الأفريقي تمامًا. الفكرة الأساسية هي حساب بالاستعاضة عنها ﺑ . إذا كان أحد الأعداد قوة للعدد ، فإن الطريقة تصير مباشرة. على سبيل المثال، لحساب فإن رجل القبيلة الإثيوبي سيقول:

وفي هذه الحالة كل صف باستثناء الصف النهائي يبدأ بعدد زوجي؛ ومن ثم سيتم حذف جميع الصفوف باستثناء الصف الأخير.

كل هذا واضح بما فيه الكفاية. أما النقطة الغامضة في هذه الطريقة، فتنشأ عندما نقابل عددًا فرديًّا في العمود الأيسر. دعونا ننظر بإمعان في هذا الأمر. فلنفترض أن أحد الصفوف حيث عدد فردي. ما نفعله في هذه المرحلة هو أننا نكتب مكان ، حيث ثم نفك المقدار باستخدام قانون التوزيع:
ثم نستمر بإيجاد حاصل ضرب ؛ إلا أننا لا نستطيع تناسي العدد الزائد ، وهذا هو السبب في أن الأعداد في العمود الأيمن التي تبدأ بعدد فردي لا يمكن التخلص منها ولكن تكون جزءًا من المجموع النهائي. كان الإثيوبيون يبدون وكأنهم يهملون الكسور التي تنشأ في الحسابات، ولكن حساباتهم كانت في الحقيقة سليمة. فلنعد للمثال الذي ذكرناه في بداية هذا الفصل مستخدمين طريقتنا الحديثة لتوضيح الطريقة الإثيوبية:
نرى أنه عند الانتقال من الصف الأول للثاني فإن يحلُّ محلَّها ، ثم يتم تنفيذ خطوة التنصيف والمضاعفة، ثم ننتقل إلى الصف الثاني؛ ومع ذلك فلا نغفل أن يبقى في الخانة الثانية من الصف الأول في انتظار أن نجمعه بعد ذلك.

ثم نستمر في ذلك فنحصل على:

مع أن هذه الطريقة قد لا تكون مريحةً بالنسبة لنا، فإن الطريقة الإثيوبية صحيحة تمامًا كما هو الحال في كثير من الطرق الأخرى المستخدمة في الضرب. وهذه نقطة نفسية مهمة. فعندما نقوم بعمليات حسابية عقلية، فإن كلًّا منا يبدو أن له طريقته الخاصة. ولا غبار على ذلك، شريطة أن يصل الجميع للنتائج نفسها. والناس غالبًا ما يخجلون من طريقة أدائهم للأشياء خوفًا من أن يقال إنهم يقومون بالعمل بأسلوب خاطئ.

لقد شُجِّعنا جميعًا على القيام بالعمليات الحسابية ذهنيًّا، لكن عادة لم يخبرنا أحد عن كيفية عمل ذلك، وكثيرًا ما تُركنا لأساليبنا الخاصة. الطرق القياسية للقيام بعمليات الجمع مصممة بحيث يتم استخدام القلم الرَّصاص والورقة، حيث تملك ميزة كتابة الأعداد (عمليات الترحيل مثلًا) وتخزينها دون حاجة لتذكرها عند الانتقال إلى الخطوة التالية من الحسابات. ولذلك فإن هذه الطرق غير مناسبة للحساب الذهني؛ إذ إن من الصعب الاحتفاظ ببعض الأعداد في الذهن، وفي الوقت نفسه التعامل مع أخرى. عندما نتكلم عن الحساب العقلي، فأنت حر في أن تفعل أي شيء ما دام يؤدي للنتيجة. وإذا حاولت ذات مرة كتابة طريقتك لإقناع نفسك بأنها صحيحة، فإنك سترى في النهاية أن طريقتك تتم بنفس قوانين الحساب التي يستخدمها سائر الناس.

(١) من الحساب للجبر

ينطوي الجبر على إجراء الحسابات دون تعيين للأعداد، ويرمز لها برموز، بدلًا من تعيينها. وهذا يسمح لنا بوصف طريقة عامة ببساطة. من ناحية، يحتاج هذا إلى وقت للتعود عليه، ولكن من ناحية أخرى، بما أن قوانين الجبر يجب أن تكون مطابقةً لقوانين الحساب، فإن طريقة استخدامها لا تحوي الجديد. وذلك هو السبب في أن إجادة الحساب تؤدي إلى الكفاءة في الجبر.

دعونا نقدم بعضًا من عمليات الجبر الأساسية ونرَ ما يمكن عمله بها. باستخدام قانون التوزيع، يمكننا فك تعبير مثل . في الوقت الحالي، لنجعل ترمز للعدد . ومن ثم:
والآن: ؛ وبالمثل: . وعند جمع القيمتين معًا نحصل على:

وللتأكيد نكتب مرة أخرى:

(5-1)
وقد رأينا هذا سابقًا في الفصل الثالث حيث أشرنا إلى أن نتجت عن بعض الاعتبارات الهندسية البسيطة.
وهناك بعض القصص التي تعتمد على )5-1(. جدير بالذكر أن ليونارد أويلر كتب هذه المعادلة ذات مرة على السبورة باعتبارها دليلًا على وجود الله، مدركًا أنه لا أحد غيره في الغرفة في ذلك الوقت يجرؤ على كشف جهله بمناقشته في ذلك. أصبح برتراند راسل عالم رياضيات من المرتبة الأولى، ولكنه أُجبر وهو طفل على إنشاد أن «مربع المجموع يساوي مجموع المربعات بإضافة ضعف حاصل ضربهم»، وقد اعترف أنه لم تَكُن لديه أيُّ فكرةٍ عن معنى ذلك، ولكنه كان يعرف فقط أنه إذا أخطأ فإن مُعلمه سوف يغضب منه غضبًا شديدًا.
إن الطريقة التي يحافظ بها الجذر التربيعي على عمليات الضرب والقسمة، وليس عمليات الجمع والطرح، واحدة من أهم مصادر الحزن لطلاب الجبر. ولدينا الآن فرصة لتوضيح هذا الأمر. لتكن و ترمزان إلى عددين موجبين ومن ثم لا يكون لدينا مشاكل مع أخذ الجذر التربيعي لأعداد سالبة فيما بعد. من الصحيح أن:
لرؤية العبارة الأولى، علينا فقط أن نقوم بتربيع الطرفين: يكون مربع الطرف الأيسر هو ، بينما يعطينا تربيع الطرف الأيمن ما يلي:
هنا استخدمنا حقيقة أن حاصل ضرب الأعداد يمكن ترتيبه بأي شكل فيما يسمى: «قانون الإبدال للضرب» للحصول على النتيجة المطلوبة. وبالمثل يمكن أن يتأكد القارئ من أن مربع الطرفين فيما يخص حالة القسمة يعطي (تحصيل الحاصل) وهو ما يحقق التأكيد الثاني. إلا أننا يجب أن نلاحظ أنه في الحالتين نستخدم حقيقة أنه إذا كان هناك عددان موجبان و لهما مربعات متساوية: ، فإذن العددان أنفسهما متساويان. وهذا صحيح بالتأكيد، لكنه لا ينطبق على أي عددين عشوائيين على العموم؛ فمثلًا: ولكن . ولهذا السبب يجب توخي الحذر عند التعامل مع هذا النوع من الاستنتاج.

بعبارة أخرى، ما أوضحناه هو أن الجذر التربيعي لحاصل الضرب هو حاصل ضرب الجذور التربيعية، وأن الجذر التربيعي لخارج القسمة هو خارج قسمة الجذور التربيعية؛ وهو ما يعني أن عمليات الضرب واستخراج الجذور التربيعية يمكن تنفيذها بأي ترتيب لتعطي نفس النتيجة. وهذه الحقيقة تُستخدم دائمًا لتبسيط الجذور التربيعية للأعداد الكبيرة:

إلا أنه ليس صحيحًا على الإطلاق أن نتمكن من تبديل ترتيب الجمع وأخذ الجذر التربيعي، كما يتضح من المثال التالي:

في الواقع إذا كان و عددين موجبَين فإن الجذر التربيعي لمجموعهما يكون أقل دائمًا من مجموع جذرَيهما التربيعيين. وذلك لأن في حين أن مربع مجموع جذرَيهما التربيعيين أكبر:

لدينا الآن ما يكفي من قواعد الجبر لاستخلاص الصيغة الشهيرة لحل المعادلات التربيعية، التي تتطلب منا تقنية عامة تسمى: «استكمال المربع». فلنبدأ بمثال. حل المعادلة:

أضف إلى الطرفين:
نفكر الآن في كما لو كانت : من الواضح إذَن أن: و . فإذا كان الطرف الأيسر من المعادلة هو فإنه يمكننا إعادة كتابته على الصورة ، ثم أخذ الجذور التربيعية. لذلك فخطوتنا التالية هي أن نضيف لطرفَي المعادلة:
الطرف الأيسر حاليًّا عبارة عن مربع تام ويمكننا الآن حلُّ المعادلةِ بدون صعوبة، شريطة أن نتذكر أن العدد الموجب يكون له جذر تربيعي سالب كما يكون له جذر تربيعي موجب.
حيث تعني أو والرمز يعني «ومن ثم». أي إن:

من أجل استعمال الجبر بكفاءة نحتاج أن نتمكن من التعامل مع الأعداد الموجبة والسالبة على حدٍّ سواء. والسبب هو أنه حتى عند التعامل مع المسائل التي تحوي كميات موجبة، وحلولًا موجبة فقط، فإن العمليات الجبرية قد تُخرجنا من نطاق الأعداد الموجبة إلى نطاق الأعداد السالبة، على الرغم من أننا قد نعود في النهاية إلى نطاق الأعداد الموجبة. إذا كنا نريد أن نُجريَ عمليات القسمة بحُرية فإننا نحتاج إلى الكسور، وإذا أردنا أن نُجري عمليات الطرح بحُرية فنحن نحتاج للأعداد السالبة كما نحتاج للأعداد الموجبة.

يبدو أننا لم نتردد كثيرًا في استخدام الكسور؛ وأفترض أن ذلك يرجع لأن فكرة تجزئة أي كائن مادي هي فكرة منطقية، على الأقل في بعض الأحيان. (فالأوصاف التي تنطوي على كسور لأشياء لا يمكن تجزئتها ربما تكون مَدعاةً للمزاح، كما في حالة قولنا طفل.) كما ذكرنا في الفصل الثاني، قيَّد قدماء المصريين أنفسهم بالكسور التي تحتوي على في البسط. وهذا العائق الذي وضعوه لأنفسهم يؤدي إلى بعض المسائل المهمة التي سنتناولها لاحقًا.

ومع ذلك، كان يوجد دائمًا انحياز للأعداد الموجبة. فالبابليون عرفوا كيفية حل المعادلات التربيعية ولكنهم لم يقبلوا سوى الحلول الموجبة. ولهذا السبب قد تبدو طريقتهم في تمثيل المعادلات التربيعية غريبة بالنسبة لنا. وكان النهج المفضل هو أن يطلب أبعاد المستطيل بمعلومية محيطه ومساحته. وهذا أدى إلى إتاحة الحلول الموجبة بشكل دائم.

هذا النوع من المسائل يكافئ معادلة تربيعية وحيدة. فلنفترض أن محيط المستطيل وحدة ومساحته . ولنفترض أن و ترمزان لأبعاد المستطيل. فيكون لدينا:
المعادلة الثانية تتيح لنا كتابة . بقسمة طرفَي المعادلة الأولى على والتعويض بقيمة نحصل على:
بضرب جميع الحدود في نجد أن:
(5-2)

ويمكننا الآن تطبيق نفس الخطوات كما سبق وإكمال المربع، شريطة أن نعلم أنه بشكل عام:

فإذا ما قبلنا ذلك، يمكننا إضافة إلى طرفي المعادلة )5-2( فنحصل على:
ومن ثم فإن ، إذن أو . فإذا كانت ، فإذن ، أما إذا كانت ، فإذن ؛ ومن ثَم يوجد حل وحيد: وهو أن يكون المستطيل له الأبعاد .

وفيما يلي مثال آخر يكشف فيه الجبر عن حقيقة مهمة خاصة بالمقادير الموجبة. ولكن، مرة أخرى، سوف نسمح لأنفسنا بالتعامل مع الأعداد السالبة ونستخدم حقيقة أن حاصل ضرب عددين سالبين هو عدد موجب (وهي نقطة يتردد بعض الناس في قَبولها).

هناك عدة طرق لإيجاد متوسط الأعداد. متوسط العددين و هو:

وهذا ما يسمى المتوسط الحسابي. ومن ناحية أخرى فإن المتوسط الهندسي لعددين موجبين هو العدد:

المتوسط الهندسي له خاصية أن المربع الذي طول ضلعه له نفس مساحة المستطيل الذي أبعاده و . إن المتوسط الهندسي مثل المتوسط العادي فيما يتعلق بأخذ اللوغاريتمات (على الرغم من أنه غير مهم فيما يأتي؛ لمزيد من الشرح للوغاريتمات، انظر الفصل الثاني). نتذكر أن تعني ويمكن رؤية ذلك من خلال استخدام القانون الثالث ثم الأول للوغاريتمات.
إذا حسبت عددًا من هذه المتوسطات فسرعان ما ستلاحظ أن المتوسط الهندسي أصغر من المتوسط الحسابي. فمثلًا إذا كانت ، و فإن المتوسط الحسابي في حين أن المتوسط الهندسي لهما هو . ويمكنك تجربة غيرها بنفسك.
دعونا نثبت صحة ذلك باستخدام قليل من الجبر. فلنفترض أن و عددان موجبان، ونفكر في . والآن ربما يكون عددًا سالبًا، لكن مربع أي عدد لا يكون سالبًا. (بل إنه عدد موجب إلا إذا كان .) وباستخدام هذا ومفكوك ، نحصل على:
قم بإضافة لطرفَيْ هذه المتباينة حتى يكون الطرَف الأيسر مربعًا كاملًا، كما هو موضَّح فيما يلي:

ومن ثم:

بأخذ الجذر التربيعي الموجب للطرفين فإن:

بالقسمة على نحصل على المتباينة:

وهو المطلوب إثباته: أي إن المتوسط الحسابي أكبر من أو يساوي المتوسط الهندسي.

في الواقع يمكننا أن نقول أكثر من ذلك. إذا كان فإن المتوسط الحسابي يساوي المتوسط الهندسي يساوي . إذا كان فإن والبرهان السابق يوضح أن المتوسط الحسابي أكبر فعلًا من المتوسط الهندسي.

وإذا كنا غير مُقيَّدين في تعاملنا مع الجبر، ونستخدم الأعداد السالبة بحرية، فإننا نستطيع حل أي معادلةٍ تربيعيةٍ بإكمال المربع في الحالة العامة. في المعادلة التربيعية العامة مثل:

يؤدي إكمال المربع إلى الصيغة التربيعية الشهيرة:

ومع أن الطُّرق الجبرية المستخدمة للحصول على هذه النتيجة صعبة بعض الشيء بالمعايير المدرسية، إلا أنها لا يوجد بها شيء جديد. فالفكرة الجديدة في حل المعادلات التربيعية هي فقط إكمال المربع. وبمجرد استيعاب ذلك، تكون الصيغة العامة بسيطة ومباشرة. إلا أنها تتطلب من الطالب أن يستطيع الاستجابة جبريًّا بشكل سليم ليتمكن من التعامل مع هذا المستوى من العمل. على سبيل المثال، أثناء الاستنتاج يطلب منا في إحدى الخطوات وضع تعبير جبري مُعقَّد على مقام موحد. ما تفسير هذا؟

كل ما يحدث هو جمع الكسور. قد تكون التعبيرات معقدة، ولكن البسط والمقام لا يزالان يرمزان لأعداد (غير محددة) ومن ثم يتبعان نفس قوانين الجبر. ما القوانين ذات الصلة بذلك؟ للإجابة عن هذا السؤال، دعونا ننظر إلى جمع الكسرين:

العدد هو حاصل ضرب في أي إن يمكن أن يكون مقامًا مشتركًا. نضرب المقام بالمقام ومن ثم نضرب البسط بالعدد أيضًا. ويكون التأثير النهائي هو الضرب في وهذا لا يؤثر على قيمة الكسر. بالمثل نضرب في فنحصل على:

والآن هذان الكسران لهما مقام مشترك فيمكن جمع البسطين معًا لنحصل على:

هذه الخطوة الأخيرة تستخدم قانون التوزيع. لرؤية ذلك اسأل نفسك ماذا يقال عند كتابة شيءٍ مثل:

(في الحالة السابقة .) القسمة على تعني الضرب في المعكوس . ومن ثم هذا التعبير الأخير يصبح:

وهو مثال على قانون التوزيع في حالة الكسور.

يعد نظام أعداد العد الموجبة غير مناسب للجبر لأن هناك عمليتَين طبيعيتَين (الطرح والقسمة) تأخذاننا خارج النظام. القسمة تؤدي للكسور، وحساب الكسور صعب جدًّا لكن يمكن قبوله لأنه يمكن تمثيله بوضوح باستخدام أشياء مادية مثل شرائح الكعك، أمَّا الطرح فيؤدي للأعداد السالبة. وقد أخذت الأعداد السالبة وقتًا أطول بكثير لتحظى بالقَبول. حتى في عصر النهضة، كانت صحة استخدامها موضع شك لأنها تبدو مفتقرة إلى التفسير المادي. وتعد الأعداد السالبة أكثر قَبولًا في العالم الحديث كأعداد لها معنًى، ربما لأننا ألفنا مفهوم الديون، التي تفسر فكرة المال السالب. وبالطبع كانت الديون النقدية موجودةً منذ آلاف السنين، ومن ثَم فهذه ليست القصة كاملة. ومع ذلك فمن المؤكد أن الناس يشعرون أن الديون حقيقية؛ ومن ثم فإن حساب الديون، الذي يجب أن يسمح على الأقل بإضافة مبالغ سالبة، شيء مقبول. تتزايد الديون عندما تخضع لحساب الفائدة. وهذا ينطوي على ضرب هذه القيم السالبة بعوامل موجبة للحصول على دين أكبر. إذا كان رصيدك مدينًا ﺑ جنيه إسترليني بفائدة جزائية ، فإن رصيدك سوف يصبح جنيهًا إسترلينيًّا بعد عام واحد.
على الرغم من ذلك، فإن النقطة التي يَصعُب تَقبُّلها نفسيًّا هي الاعتراف بأن حاصل ضرب عددين سالبين هو عدد موجب. وهذا بالضبط ما تحتاج إليه حتى تكون معلوماتك الجبرية سليمة. وفيما يلي مثال بسيط لتوضيح ضرورة هذه القاعدة: . ومن ناحية أخرى، يمكن معاملة الطرح كما لو كان جمعًا للمعكوس، فيكون لدينا:

وباستخدام قانون التوزيع يمكننا فك الأقواس بضرب كل حد من القوس الأول في كل حد من القوس الثاني، ثم جمعها كلها فنحصل على أربعة حدود. ويستمر الحساب:

ومن ثم نحصل على:

وكل ما عدا ذلك سيؤدي إلى إجابة خاطئة. ومع ذلك فعندما يقول أي مدرس إن حاصل ضرب عددين سالبين هو عدد موجب، فإنه عرضة لتلقي بعض الملاحظات على غرار «لا يمكنك ضرب كميتين سالبتين من المال للحصول على كمية موجبة!». وعلى الرغم من أن هذا قد يبدو اعتراضًا مقنعًا، فإنه هراء؛ إذ لا معنًى لضرب كميةٍ من المال في كميةٍ أخرى من المال في المقام الأول، سواء اعتبرت الكميات ائتمانات أو ديونًا. ما تقوله الرياضيات هو أنه عندما يتم ضرب عددَين سالبَين، فإن النتيجة ستكون موجبة.

إذن، فالقاعدتان يجب أن تكونا كما يلي: حاصل ضرب أي عددين من نفس الإشارة دائمًا ما يكون عددًا موجبًا، في حين أن حاصل ضرب أي عددَين مختلفَي الإشارة يكون عددًا سالبًا. ويمكننا الآن فك أي حاصل ضرب من الأقواس مستخدمين قانون التوزيع وهاتين القاعدتين. ولكي نفك قوسًا يحتوي على الطرح، يمكننا معاملة الإشارة السالبة وكأنَّها تعني جَمْع المعكوس: كل ما تحتاج لإدراكه هو أن ، حيث كلٌّ منها معكوسٌ لحاصل الضرب :

فمثلًا:

والآن طرح يعني إضافة المعكوس ؛ ومن ثم نحصل على:

بطريقة مماثلة نستنتج التعبير الخاص بالفرق بين مربعين:

مرة أخرى، فإن عكس هذا الاتجاه هو الأكثر استخدامًا. ويمكن كتابة الفرق بين مربعين كحاصل ضرب. مثل:

الذي قد تتذكر أنه ظهر في المسألة الرابعة في الفصل الأول.

القوتان الأعلى التاليتان للمقدار نحصل عليهما من التعبيرين:
ليس من الصعب وصف المفكوك في الحالة العامة . قد يبدو مزعجًا عند النظرة الأولى، نظرًا لوجود عدد كبير من الحدود عند فك كل الأقواس، مما يجعله صعب التتبع. إلا أننا نسأل كيف يبدو الحد العام؟ يكون بالصيغة حيث . والسبب في ذلك هو أن أي حد يحتوي أحد الرمزين أو من كلٍّ من من الأقواس ومن ثم العدد الكلي لكلٍّ من و في كل حدٍّ يجب أن يساوي . فمثلًا في مفكوك ، أحد الحدود الناتجة من اختيار من القوس الأول والثالث والرابع واختيار من القوس الثاني، يسهم ﺑ في المفكوك الكلي. يأتي الآن حساب عدد التكررات لكل واحد من الحدود الناشئة.
متتابعة المعاملات في المثالين السابقين هي على الترتيب و . فإذا رجعت إلى صورة مثلث باسكال في الفصل السابق، فسوف تجد أن هذه تمثل الصف الثالث والرابع من تلك المصفوفة. ولهذا السبب يطلق على الأعداد في المثلث «معاملات ذات حدين»، لأن الصف الذي ترتيبه يسمح لك بكتابة مفكوك القوة لتعبير ذي حدين . والسبب في نجاح ذلك، يتضح ببساطة بمجرد أن نتذكر أن يقوم بحساب عدد طرق اختيار من الأشياء من من الأشياء المتاحة. للحصول على حد من النوع في مفكوك ذي حدَّين يجب اختيار الرمز من من من الأقواس المتاحة والرمز من باقي الأقواس وعددها . العدد الإجمالي من طرق اختيار من الأقواس من عدد يعني ومن ثم فإن معامل في المفكوك ذي الحدين هو العدد ذو الحدَّين . وهذه الحقيقة تسمى نظرية ذي الحدين.

(٢) عودة إلى الكسور المصرية

لعلك تتذكر من الفصل الثاني ما قيل عن أنه يمكن التعبير دائمًا عن الكسر الحقيقي كمجموع كسور مختلفة المقام تشترك جميعها في البسط . فمثلًا:
كانت الطريقة المقترحة هي طرح أكبر معكوس متاح عند كل خطوة، وكان يزعم أن العملية سوف تنتهي بعد من الخطوات. لنرَ لماذا يحدث هذا.
أولًا: ما أكبر معكوس أقل من الكسر الحقيقي ؟ فقط الحالة عندما تكون على الأقل تساوي تحتاج للاهتمام، ولنفترض أننا بسطنا الكسر إلى أقل حدود ممكنة، إلى أن يصبح و ليس بينهما أي عامل مشترك بخلاف . والآن بما أن نستطيع تقسيم إلى . فلنفترض أن تنقسم إلى عدد من المرات وكان الباقي ، أي إن:
قيمة على الأقل لأن . والباقي على الأقل لأن ليس من مضاعفات نظرًا لأن العددين لهما عامل مشترك أعظم هو . ومن ثم أكبر معكوس أقل من هو لأن:

بأخذ المعكوس (وهو يؤدي إلى أن تغير المتباينتان اتجاههما):

بالضرب في لجميع الأطراف وكتابة أصغر عدد أولًا:
أي إن هو أكبر كسر وحدة أصغر من ، لأن ثاني أكبر كسر، ، أكبر بكثير.
نعلم الآن كيف نُجري هذه الحسابات. في المثال السابق حيث و ، نبدأ ﺑ ومن ثم تكون أول قيمة ﻟ هي . ومن ثم نطرح فنحصل على:
ثم وتكون القيمة التالية ﻟ هي ، ونحصل على باعتباره المعكوس الثاني الذي نطرحه:

ومن ثَم:

نحتاج إلى بعض المفاهيم الجبرية لإثبات أن العملية تنتهي دائمًا بعد من الخطوات أو أقل. فدعونا ننظر بعناية لما يحدث في عملية الطرح الأولى:
مع الوضع في الاعتبار أن فنحصل على:
الملاحظة الرئيسية تكمن فيما حدث للبسط؛ إذ نقص من إلى القيمة . ونظرًا لأن عدد موجب، فمن المتوقع أن البسط في كل كسر آتٍ أقل من سابقه. أي إن بعد من الخطوات أو أقل فالعملية سوف تنتج باقيًا هو نفسه كسر وحدة وبذلك تنتهي العملية. (هذا مثال يوضح برهانًا استنتاجيًّا كما فعلنا في مسألة تقسيم الفودكا في الفصل الأول: المبدأ هو تقليل الحالة العامة إلى حالة سابقة؛ وفي هذا المثال نبين كيف ننتقل من قيمة عامة إلى القيمة الأقل .)
بقي أن نلاحظ أن المعكوس التالي الذي سيطرح سيكون دائمًا أصغر من سابقه (حيث إن هذا سوف يضمن أن جميع كسور الوحدة ستكون مختلفة). بالطريقة التي جرى بها الاختيار نرى أن المعكوس التالي لا يمكن أن يكون أكبر من سابقه ولا يمكن أن يساويه، حيث أكبر من لأن:

وهذه المتباينة الكسرية الأخيرة من السهل إثباتها لأن قاعدة الضرب التبادلي (ضرب الوسطين في الطرفين) التي ذكرناها في الفصل الثاني تقول إنها تساوي:

وكما لاحظنا بالفعل، هذا صحيح لأن الكسر كسر حقيقي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤