تأويل

لم يستطع هاريسون أن يعرف كنه ما شهده للتو في الاجتماع، إلا أنه رأى أن هناك شيئًا مدهشًا فيه. وكان أول ما أثار دهشته هو أن هؤلاء التنفيذيين الذين لا شك في كفاءتهم قد استطاعوا أن يمضوا ساعتَين في محادثات مملة، كانوا يتناولون خلالها موضوعاتٍ مثيرة من حين لآخر ثم يتوقفون عن مناقشتها. ولكن تحمُّلهم كل ذلك دون كلل كان مسألة أخرى تمامًا.

ما لم يكن يعرفه جيه تي هو أن أعضاء الفريق التنفيذي لشركة «يب» استسلموا بصبر وهدوء منذ مدة طويلة للتعامل مع اجتماعاتهم المفزعة. وكانت القرارات المهمة والمناقشات التي تؤدي إليها تجري عادة في مكتب كيسي، وكان يشارك فيها بنفسه بالإضافة إلى واحد أو اثنَين آخرَين من أعضاء الفريق التنفيذي حسب الموضوع محل النقاش.

ولسوء حظ كيسي، لم يكن أحدٌ يستطيع أن يلحظ بصيرته النافذة وتقييمه الجيد للأمور إلا في هذه الجلسات فقط.

من الأكيد أنه لم يكن يفعل ذلك في الاجتماعات. فالاجتماعات ليست إلا أمورًا شكلية فحسب. وللأسف كانت الاجتماعات رتيبة. كانت اجتماعاتٍ مملة وجافة وتتناول أي شيء وكل شيء تحت الشمس. سياسات الإنفاق. واستراتيجية التسويق. والأدوات المكتبية. وجداول الإجازات. واتجاهات التكنولوجيا. والمرافق. وكان كلُّ موضوع عرضة للسخرية والانتقاد. ويبدو أن أيًّا من هذه الموضوعات لم يُحَلَّ أبدًا على الوجه الأكمل، على الأقل ليس قبل أن يعقد كيسي جلسة في مكتبه بعد ذلك.

والأمر المثير للانتباه أنه على الرغم من حقيقة أن الاجتماعات كانت بهذا القدر من السوء، فإنها لم تتجاوز أبدًا الوقت المحدد لها. فبصرف النظر عن عدد البنود المُدرَجة على جدول الأعمال، كان كيسي ينهي الاجتماعات دائمًا في تمام الساعة الثانية عشرة، دون أية شكوى من الحضور. وكان كيسي يشعر بالفخر بهذا الأمر على وجه الخصوص، لا سيَّما بعد مراقبته لسنواتٍ للاجتماعات التي تتجاوز الوقت المحدَّد، فتثير استياءَ التنفيذيين.

ومع أن فريق كيسي كان يتسم بالانضباط في المواعيد، فلم يكن غريبًا أنهم كانوا يرحِّبون بأي عذر لعدم حضور الاجتماع الأسبوعي. في الواقع، كان من النادر تقريبًا حضور التنفيذيين الستة جميعهم معًا، وهذا ما بات معروفًا على سبيل المزاح بما يُسمى «عدوى الفريق».

ولكن الاجتماعات لم تكن مزحة فيما يتعلق بتأثيرها على شركة كيسي. فقد كانت الاجتماعات منشأ المشكلات المتعلقة بالروح المعنوية في شركة «يب»، والنقطة الوحيدة التي كان ينبثق منها الارتباك والفتور والخمول لينتشر في أرجاء المؤسسة. ففي النهاية، كانت كل القضايا تُناقَش في الاجتماعات، وبنهاية الروتين الأسبوعي يكون قد جرى استنفاد طاقة أعضاء الفريق التنفيذي وحماسهم.

لم يكن هناك شك أن كيسي وفريقه قد أساءوا تقدير الخطر الذي تمثله اجتماعاتهم. وكان ذلك قبل أن يعرفوا أيَّ شيءٍ عما كان يدبِّره جيه تي هاريسون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤