إحالة

سارت الأمور على العشاء مع آل بيترسون على النحو الذي كان يحتاجه كيسي تمامًا. فقد أتاحَ له الحديث عن شيءٍ آخر بخلاف العمل أن يسترخي، وأن يضع الأمور في نصابها الصحيح. كان كلُّ شيءٍ يسير على ما يرام، حتى جاءَ وقت طبق الحلوى.

هنا سألت كاثرين عن الشركة.

لم يستطع كيسي أن يلومها، فقد تقاعدت كاثرين مؤخرًا بعد خمسة عشر عامًا من العمل في شركة السيارات الوحيدة في منطقة الخليج حيث تولت في النهاية إدارة العمليات. كانت كاثرين الآن في الفترة الفاصلة بين عملَيْن، وكان الوقت الطويل الذي تقضيه في البيت يصيبها ببعض التوتر. وكان اهتمامها بشركة «يب» نابعًا من اهتمام حقيقي بكيسي، إلى جانب حاجتها لإعمال ذهنها، ولو لهذا المساء فقط؛ ومن ثَم أذعن كيسي لرغبتها.

شرحَ كيسي الموقف كاملًا لكاثرين. وأوضحَ الأسباب التي دفعته لبيع الشركة إلى «بلاي سوفت». وذكر خيبة الأمل التي أصابته بسبب ما حدث لأسعار الأسهم، وما أصاب الروح المعنوية للموظفين. وتحدَّث كذلك عن مخاوفه من أحد التنفيذيين في الشركة الكبرى دون أن يذكر اسمه.

كانت كاثرين على وشك أن تنصح كيسي بأن يكف عن الشعور بالذنب تجاه موظفيه، ولكنها أحجمت عن أن تملي عليه نصحًا من هذا النوع. وقالت: «أعتقد أن الموظفين العاملين معك قد حققوا استقرارًا ماديًّا لا بأس به، ولقد بلغتني بعض لفتاتك الطيبة تجاههم عبر السنين. فلا يوجد ما يستوجب الاعتذار عنه. وعلاوة على ذلك، هم راشدون ويفهمون كيف تسير الأمور في عالم الأعمال.»

لم يستطع كيسي إنكار أنه سُرَّ لسماع ما قالته كاثرين.

ثم بعد ذلك فاجأت كيسي بسرد طرفة عن أحد الأشخاص في شركة «بلاي سوفت». فقالت: «عقد أحدُ معارفي القدامى صفقة مع شركة «بلاي سوفت» ذات مرة. فقد باعتهم شركته نظامًا تقنيًّا مُعقدًا على ما أعتقد. على أية حال، أنا لا أعلم كيف سارت الأمور لأنني فقدت الاتصال مع صديقي. ولكني أتذكر قوله إنه كان يريد أن يخنق شخصًا هناك يُدعَى جيه آر…»

فصحَّح كيسي الاسم قائلًا: «جيه تي هاريسون.»

ردَّت كاثرين: «هذا صحيح. إنه جيه تي هاريسون.» وكانت مسرورة أن كيسي عرف عمَّن كانت تتحدَّث. ثم أضافت: «إنه من الشخصيات البارزة، هل تعرفه؟»

أومأ كيسي بألم، وأوضحَ أنَّ هذا هو الشخص الذي كان يتحدَّث عنه منذ لحظات.

أحسَّت باتريشيا أن زوجها بدأ يشعر بالإحباط مرة أخرى؛ فغيَّرت الموضوع بسرعة. وقالت: «ألا تعرفون مساعدًا إداريًّا جيدًا يريد وظيفة مؤقتة؟ فمساعِدة كيسي — جيا — تحملُ توأمًا ولن تعود قبل العام القادم.»

التفتت كاثرين إلى زوجها، وتوسَّلت إليه مازحةً. وقالت: «أرجوك، دعني أشغل هذه الوظيفة. رجاءً. أعتقد أنني سأستمتع بها كثيرًا.» ضحكَ الجميع على تعليق كاثرين الذي يظهر مدى استيائها من التقاعُد.

ردَّ كيسي مازحًا: «بالتأكيد، هذا هو كل ما أحتاج إليه!» وأضافَ: «وتشغلين وظيفتي في غضون أسبوعَين.»

وفجأة خطرت على بال كين فكرة وأعلنها للجميع دون أن يوجِّه حديثه إلى شخص بعينه. فقال: «هل تعلمون مَنْ يستطيع أن يقوم بهذه الوظيفة على خير وجه؟ إنه ويل.»

ظهر الارتباك على باتريشيا. وقالت: «هل تقصد ابنك الصغير؟»

فضحكت كاثرين. وقالت: «ابننا الصغير عمره الآن سبعة وعشرون عامًا.»

وأوضحَ كين وضعَ ابنه. فقال لهم: «ويل يقضي الآن فترة من الراحة بعد أن أنهى دراسته الجامعية حتى يقرر ما سيفعله بعد التخرج. ومع ذلك، فهو بحاجة إلى كسب بعض المال، ولذا أعتقد أن هذه الوظيفة ستكون مناسبة له تمامًا.»

نظرَ كيسي إلى كاثرين ليعرف رأيها. كان من الواضح أنها فُوجِئَت، وكانت فيما يبدو تدير الأمر في ذهنها. ثم قالت: «لا أدري. إنه بالتأكيد يفهم أصول وقواعد الإدارة. ثم إنه اجتاز معي دورة مسائية في إدارة الأعمال، وكان يستمع إلى أحاديثي عن العمل كلَّ ليلة على العشاء.»

تابعَ كين. وقال: «اسمعوا، أعتقد أن كاثرين لا تريد أن تقول ذلك، ولكني لا أجد ما يمنعني من قوله. إنَّ ويل شابٌ متوقد الذكاء. وهو يعمل باجتهاد شديد.»

أرادَ كيسي توضيحًا، فسأل كين: «ماذا تقصد بالضبط عندما تقول إنه شاب متوقد الذكاء؟»

تباهى كين بولده بسعادة. وراحَ يقول: «حسنًا، لقد كسر الأرقام القياسية في اختبارات القدرة التحليلية في الكلية.»

وأضافت كاثرين: «لكن الأمر أكبر من ذلك.» ثم أوضحت: «من الصعب وصفه، ولكن ويل له طريقته في فهم الأشياء وتفسيرها بطريقة تختلف قليلًا عن معظم الناس. ويبدو قادرًا على أن يحوِّل الفوضى إلى نظام، بصرف النظر عمَّا يفعله. ليتني كنت أستطيع أن أقول إنها صفة وراثية، ولكنني لا أعلم من أين اكتسب هذه الصفة.»

قاطعَها كين مجددًا. فقال: «لقد كان هذا حاله حتى وهو طفل صغير. فقد أعاد تنظيم الجراج وهو في الخامسة من عمره. وابتكر طريقة هجومية جديدة لفريق كرة السلة لمدرستي الثانوية وهو في الصف الأول من المرحلة الثانوية.» ضحكَ كين. ثم تابع: «ومازلتُ أستخدم هذه الطريقة الهجومية حتى اليوم.»

كان الفضول قد تملَّك كيسي في تلك اللحظة. فسأل: «ماذا درسَ ويل؟»

فأجابت كاثرين: «درسَ السينما والتلفزيون في الكلية. فقد تخصَّص في السنتَين الأوليين من دراسته بها في علم النفس وإدارة الأعمال، وأمضى بعض الوقت في مجال الدعاية والإعلان، ثم عقد العزم على التخصص في العلاج النفسي. وأمضى عامًا في دراسته لنيل درجة الدكتوراه، وكان يتقدم بخطًى واسعة …»

قاطعها كين. فقل: «عندما قرَّر فجأة أن يتجه إلى الإخراج السينمائي في هوليوود، ولذا فقد التحق بجامعة جنوب كاليفورنيا وحصل على درجة الماجستير في السينما.» تنهَّد كين تعبيرًا عن عدم رضائه إلى حَدٍّ ما عن قرارات ابنه المتقلِّبة، وعدم الاستقرار في حياته العملية، وأنشطته الدراسية التي لا تنتهي. ثم استطرد قائلًا: «وهو الآن لا يعرف إن كان يميل أكثر للأعمال الإدارية أم للأعمال الإبداعية. ولكني أعتقد أن الأمر سينتهي به إلى الإنتاج. إنه يجد متعته الحقيقية في الإعلام والتكنولوجيا.»

استحسنَ كيسي الأمر.

وأوضحت كاثرين: «على أية حال، ويل ليس لديه المال الآن ويحتاج إلى وقت يلتقط فيه أنفاسه، وربما يمارس الكتابة قبل أن ينطلق إلى هوليوود. ولذلك لا أعتقد أن لديه ما يشغله الآن.»

كان الحوار الآن قد خرج من دائرة الحدس، ولذا وجَّهت باتريشيا سؤالًا إلى كاثرين وكين بالإضافة إلى زوجها. فقالت: «حسنًا، ماذا ترون؟»

هزَّت كاثرين كتفَيها. وقالت: «حسنًا، أعتقد أن مؤهلاته أعلى من المستوى المطلوب للوظيفة. ولكن نظرًا لوضعه الحالي، ربما يسره أن يتولى هذا العمل لبعض الوقت.» ضحكت. ثم تابعت: «وإذا نجح الأمر، أعتقد أن ويل سيكون أفضل مساعد إداري مؤقت عَمِلَ مع كيسي.»

وأومأ كين برأسه موافقًا.

أنهت باتريشيا الاتفاق. فقالت: «لِمَ لا يا كيسي؟ ولن تشعر بالذنب عندما يترك العمل بعد أن تعود جيا من الإجازة.»

ابتسمَ كيسي لزوجته، وهزَّ كتفَيه قائلًا: «أخبروا ويل أن يتصل بي في أي وقتٍ خلال الأسبوع المقبل إذا وافقَ على العرض. فكما تعرفون ربما لا يوافق.»

وافقَ الجميع، وظنَّ كيسي أن هناك احتمالًا كبيرًا ألَّا يتصل به ويل أبدًا. ولكنه كان مخطئًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤