الفصل الرابع

القيادة الواعية

من المتعمد تمامًا في ترتيب هذا الكتاب وضع موضوع الأشخاص قبل موضوع القيادة. في الحقيقة، هذا يعكس تحولًا من الترتيب المعاصر الذي يضع القيادة أولًا والناس ثانيًا، وعودة إلى مقولة يوليوس قيصر المأثورة: «لكل جندي الحق في القيادة الكفؤة.»

وكما يقول الجنرال باتون في كتابه «الحرب كما عرفتها» الصادر عام ١٩٤٧: «لطالما تحدثنا كثيرًا عن ولاء المستوى الأدنى إلى المستوى الأعلى، لكن الولاء من جانب المستوى الأعلى نحو المستوى الأدنى أكثر أهمية وأقل شيوعًا أيضًا. إن هذا الولاء من جانب المستوى الأعلى نحو المستوى الأدنى هو ما يجعل اللُّحمة بين المرءوسين والرؤساء في قوة الفولاذ.»

إذن ماذا يميز «القيادة الكفؤة» في البيئة المعاصرة؟ وهل نحن في خطر الرجوع إلى النماذج العسكرية، والتفكير من المستويات العليا إلى المستويات الدنيا؟ بعد أن فهمنا التحديات والفرص المتعلقة بالأشخاص التقدميين، ربما اتضح أن هذه المؤسسة المعاصرة تحتاج إلى نوع من القيادة مختلفٍ جوهريًّا. هذا منهج سوف يلقى ترحيبًا كبيرًا حول العالم، ورغم ذلك سوف نستغرق جميعًا وقتًا في التكيف والتحرر من بعض الخرافات والمأثورات المرتبطة بالقيادة.

هل القائد المعاصر مفهوم جديد فعلًا، أم أنه مجرد إعادة قولبة لمبادئ وجدت منذ آلاف السنين، وتقديمها فحسب مرتدية «ثياب الإمبراطور الجديدة»؟ هل الأمر مجرد إضافة لمصطلحات، مثل: «الزمن الفعلي» و«الشبكات» هناك، بينما فعليًّا ما زال الجوهر على شاكلته المعهودة؟ وربما هي عودة إلى أساسيات القيادة البشرية، وإعادة ضبط ضروري، وتحول في الاهتمام، عن الوضع الذي وصلنا إليه في أواخر القرن العشرين.

(١) تحديات القيادة في القرن الحادي والعشرين

يسير القائد في الشركات التقدمية على درب لم تَطَأْهُ قدم كثير من القادة الذين سبقوه. ربما لن يكون قادرًا على الحصول على النصائح بنفس السهولة، أو على الدعم الفوري من أصحاب المصالح والمستثمرين.

يرجى الانتباه إلى وجود الكثير من المأثورات المتعلقة بالقيادة. وفي كل عام يُنشر الكثير من الكتب التي تتحدث عن القيادة، وتضاف المزيد من القوانين إلى دستور مسلَّم به يحدد المعرفة الإدارية الراسخة. لا أرغب في الإضافة إلى ذلك، لا سيما إلى فكرة أن القيادة غير متاحة للجميع، وأنها موروث لقلة «خاصة» من البشر الذين قُدِّر لهم أن يصبحوا قادة.

لذلك لا تخف مما ستتناوله فيما يلي.

أنت تقود فعليًّا، لذلك لا بد أن تكون قائدًا بالفعل في أوقات مختلفة، وفي جوانب مختلفة في عملك وفي حياتك. لا أحد يجيد القيادة طوال الوقت. بدلًا من ذلك، إليك أفكارًا واحتمالات توضح لك كيف تستمر في التطور كقائد أكثر وعيًا، وأكثر قدرة من ذي قبل على القيادة في القرن الحادي والعشرين، وكيف تكون شخصًا يستطيع المساعدة في القيادة في عالم مختلف، وتغيير مؤسسته، وفريقه، ونفسه. هذا كل ما في الأمر!

(٢) ما الأمور التي تندرج تحت اسم القيادة «غير» الواعية؟

قبل أن ننظر إلى ما تحتاج أن تصبح القيادة عليه دعونا نفكر في القيادة التقليدية أولًا. قد تتساءل عما يعيب القيادة التقليدية. وفي حقيقة الأمر، فإنك على الأرجح لن تطرح هذا السؤال؛ لأن معظم الناس يزدرون القادة التقليديين إلى حدٍّ كبير هذه الأيام. ومن الدراسات الحديثة التي تؤكد ذلك مؤشر إدلمان للثقة، ذلك المؤشر الممتاز الذي يوضح انخفاضات كبيرة في الثقة في المسئولين الحكوميين وفي الرؤساء التنفيذيين (انظر قسم قراءات إضافية في نهاية هذا الفصل). لذلك دعونا نذكِّر أنفسنا بما أصبحت عليه القيادة إلى حد كبير في مجال الأعمال حاليًّا وغيره من المجالات.

في هذه الأوقات التي يسودها الشك، تفعل القيادة التقليدية ما يلي:
  • تحتفي بالجوانب التحليلية و«الواقعية» أكثر من الجوانب العاطفية والحدسية.

  • تستأثر بالسلطة بدلًا من توزيعها.

  • توزع المكافآت على نحو غير عادل، ولديها نفوذ قوي إلى حدٍّ كبير فيما يتعلق بتلك المكافآت غير العادلة.

  • لا تعكس التنوع في النطاق العريض من الموظفين من ناحية النوع، والعرق، والتوجه الجنسي، والأنواع الأخرى من التنوع.

  • يمكنها الازدهار والحصول على مكافآت كبيرة على الرغم من الأداء بالغ السوء.

  • منفصلة عن واقع أصحاب المصالح باستثناء العملاء (أحيانًا) والمستثمرين/الملاك والمجتمع المالي (دائمًا).

  • تفتقر إلى مهارات الحوار، والتأثير، والإبداع، والرؤية، والخيال.

  • لا تلتزم بوعودها.

  • تفتقر أساسًا إلى الأخلاقيات وقوة الشخصية.

  • تفضل النتائج قصيرة الأجل على الاستثمارات طويلة الأجل.

عن نفسي، أرى أن القيادة التقليدية ذكورية للغاية، وسلطوية وتحليلية بدرجة مفرطة، وتبالغ في الاعتماد على الإدارة التفصيلية، وتهتم للغاية بالنتائج قصيرة الأجل، وملتزمة على نحو بالغ تجاه قلة قليلة من أصحاب المصالح. إن أفكار القيادة التقليدية هي في الأساس أسلوب ومنهج أخرق بالنسبة للمجتمع الذي نعيش فيه. في الحقيقة، أنا متعجب من أننا تحملناها حتى الآن.

ومن ثم «لا بد» أن يتغير ذلك. حقًّا وقطعًا لا بد أن يتغير. ويجب أن نغيره بأيدينا.

(٣) فوائد القيادة الواعية

إذا كان سلوك الأفراد في المؤسسات يتغير إلى حد كبير، فمن الواضح إذن أن على القيادة التغير أيضًا. لماذا يجب أن نستثمر في هذا التغيير؟ قطعًا توجد فوائد مكتسبة من إطلاق قدرات الموظفين وإثارة شغفهم، كما أوضحنا في الفصل السابق.

علاوة على ذلك توجد فائدة بالغة القيمة. هل يمكنك أن تتخيل عالمًا تجاوزت فيه القيادة السمات الجيدة والسيئة التي وجدناها في القرن العشرين وتطورت عنها؟ هل يمكنك أن تتخيل المشاكل التي سوف تُحل في العالم من خلال عمل جيل جديد من القادة الواعين الذين يعملون بهدف وبحماس؟ هل يمكنك أن تتخيل كيف سيكون شعورك عندما تكون جزءًا من مؤسسات تزخر بهذا النوع من القيادة؟ هذه هي الجائزة، وهذا هو السبب!

وإذا استطعنا تجميع وتحفيز جيل كامل من القادة التقدميين، ماذا ستكون الفوائد؟

  • زيادة عدد المؤسسات الساعية إلى تحقيق هدف عظيم؛ مما يؤدي إلى عالم أفضل للجميع (بكل ما تحمله الكلمة من معنى!)

  • حياة مهنية أكثر صحة وسعادة ومعنًى لملايين الأشخاص إن لم تكن لمليارات الأشخاص.

  • مكافآت أكثر عدالة لكل المشتركين في العمل؛ مما يؤدي إلى مجتمع أعمال أكثر مرونة، ومجتمع أكثر نجاحًا.

  • مطالبة القادة بمعايير ومتطلبات أعلى مستوى في جميع مجالات الحياة، وظهور مجموعة جديدة من النماذج التي يُحتذى بها للمساعدة في شق الطريق وريادته.

  • بث قدر أكبر من القيادة الذاتية لدى الجميع.

يا لها من إمكانية مذهلة.

(٤) كيف إذن يبدو القادة الواعون؟

إليكم سبعة مقومات للقيادة الواعية:
  • (١)

    قيادة الذات.

  • (٢)

    الأسلوب.

  • (٣)

    الثقة والأخلاقيات.

  • (٤)

    الشفافية.

  • (٥)

    المكافآت.

  • (٦)

    التواصل/الزمن الفعلي.

  • (٧)

    الدعم.

(٤-١) قيادة الذات

مثلما يقدم هذا الكتاب الأفراد على القيادة، يجب أيضًا أن تقدم قيادة نفسك على قيادة الآخرين.

توجد نماذج كثيرة لأساليب إدارية كئيبة إلى حد مفزع لكنها ملحوظة، مثل: إدارة الفطر (وفحواها: «اتركهم في الظلام وأطعمهم الفضلات»)، وإدارة النورس (وفحواها: «اظهر على نحو مباغت، وتذمر بصوت عالٍ لبعض الوقت، وألقِ بفضلاتك على الجميع، ثم غادر مسرعًا») وهكذا. إننا نعلم بوجود هذه الأساليب الإدارية لأننا جميعنا رأيناها واختبرناها!

هل ستساعد هذه الأساليب القيادية المؤسسات على الازدهار في القرن الحادي والعشرين؟ لا أعتقد ذلك حقًّا. إذن ما الذي سمح بوجودها في المقام الأول؟ أمران: انعدام الوعي المؤسسي، وانعدام الوعي الشخصي.

مع زيادة الشفافية في المجتمع بصفة عامة، وداخل الشركات بصفة خاصة، سيتوفر المزيد والمزيد من التعقيبات العلنية على أداء المدير والقائد. ونظرًا لأن خطة العمل تهدف إلى جعل قاعات مجلس الإدارة أكثر شفافية ومساءلة، أمام المساهمين وأصحاب المصلحة في العموم، فإن هذه القوى نفسها ستؤدي مجددًا إلى صراحة ووعي غير مشهودين في السابق. سوف تدرك المؤسسة بسرعة أكبر، وبمزيد من الشفافية، الأمور التي تحقق النجاح، والأشخاص الذين يسهمون بالأداء؛ مما لا بد له أن يؤثر بطبيعة الحال على كل قائد وكل مدير. للشفافية زخم خاص بها، وسوف تفيض في أنحاء المؤسسة كافةً.

ونتيجة لذلك، في المؤسسة المتطورة سيكون من الصعب جدًّا قيادة الآخرين إذا لم تتعلم باستمرار، وتتحسن باستمرار في طريقة إدارتك لذاتك. (في الحقيقة، هذا هو الوضع في الوقت الراهن: الكثير من الأشخاص يفلتون بفعلتهم المتمثلة في اتباع أسلوب قيادي بالغ السوء؛ لأن العالم يسمح لهم بذلك.)

ولذلك فإن معرفة طريقة قيادة نفسك تعني معرفة إجابات الأسئلة التالية:
  • ما هدفي من هذا العمل؟ لماذا أرغب في مزاولته؟

  • ما الذي يحفزني وما الذي يثبطني؟

  • ما هي قيمي، وما هي القيم التي ألتزم بها، وما تلك التي لا ألتزم بها في هذا العمل؟

  • ما هي الأمور التي أعتقد أنها نقاط قوة ونقاط ضعف لديَّ، وكيف أتعامل معها بوعي؟

  • ما الأمور التي يعتقد الناس من حولي أنها نقاط قوة ونقاط ضعف لديَّ؟

  • كيف أتعافى من التحديات، وأستعيد حماسي، عندما تكون روحي المعنوية منخفضة؟

  • ما الأمور التي أجهلها، وما الأمور التي لا أعلمها عن نفسي؟

  • ما الأمور التي أميل إلى مقاومتها أو تجاهلها؟

معرفة إجابات هذه الأسئلة هي عملية تعلم مكررة ومستمرة. قد تتغير الإجابات مع مرور الوقت، أو قد تصبح أكثر وضوحًا (أو أقل). إن إدراك ضرورة الاستمرار في التفكير في هذه الأسئلة، وتطوير طرق عمل مكتسبة من تلك الإجابات وممارستها، هما أساس القيادة الذاتية. سنتناول في موضع لاحق من هذا الفصل بعض الممارسات التي تساعدك في تحديد تلك الإجابات في نفسك.

(٤-٢) الأسلوب

مثلما يختلف بعضنا عن بعض، كذلك تختلف أساليبنا ومناهجنا في التعامل مع الناس، ومن ثم في «القيادة». لا يوجد أسلوب واحد صحيح لهذا النوع من الأعمال المتطورة التي نتناولها خلال هذا الكتاب.

ورغم ذلك، يوجد بعض الموضوعات، أو حالات الشد والجذب الأسلوبية، اللازم إدراكها. أولى حالات الشد والجذب توجد بين كونك البطل الذي يحل كل المشاكل وكونك منسقًا أو مشرفًا على المجموعة.

(أ) القيادة البطولية

التعريف الرائج للقيادة هو أن القائد يركب حصانه الأبيض، الذي يتلألأ تحت شمس الظهيرة، مشهرًا رمحه عاليًا، ناظرًا بعينين مغمضتين قليلًا نظرة تنم عن العزم الشديد، فمه صارم جدًّا (نتحدث هنا عن قائد «رجل» بالتأكيد)، أذناه واعيتان، ذراعاه قويتان، يداه … إلخ، إلخ. أعتقد أنك فهمت الفكرة. وبما أنه وصل الآن، فالمشكلة سوف تُحل. سواء بالحكمة، أو بالقوة، أو بالشجاعة، أو بالحسم، هذا القائد سوف يحل المشكلة، وفي وقت قياسي! «تراجعوا أيها الأتباع! أنا سأحل المشكلة!»

شخصيًّا أجد هذا الأسلوب جذابًا للغاية، وأنجذب إليه عادةً. ومن أكبر عيوبي أنني أرغب في أن أكون البطل، ذلك البطل الذي يحل كل المشاكل. إذا كانت لديك الفكرة نفسها عن الطريقة المنوط بالقائد التصرف بها، فسوف تجد أن هذا الموضوع يَحُول دون إمكانية مشاركة الآخرين، وعمل المجموعة بأكملها، وتقدم الآخرين واضطلاعهم بالمسئولية. إلا أن هذا الأسلوب قد لا يكون الأمثل لإطلاق قدرة الفريق الكاملة من خلال المشاركة والممارسات الديمقراطية. ولإثارة شغف مؤسسة تضم أشخاصًا أذكياء تقدميين عرفوا حقيقة مغالطات المدرسة القديمة للقيادة، لن يكون هذا الأسلوب هو الأنسب. قد يكون لديك أسلوب مختلف، لكنه يعيق العمل بنفس الدرجة، مثل أسلوب العراف العليم أو مدير الإدارة التفصيلية بالغ التنظيم. فكر في الأمر.

(ب) التنسيق، الإشراف، البستنة

الأسلوب الأفضل في الاتباع على الأرجح في كثير من الأوقات، ليس أسلوب القائد البطل (أو الأساليب الأخرى التي فكرت فيها)، لكن أسلوب المنسق أو المشرف على المجموعة، سواء أكانت تلك المجموعة مؤسسة كاملة أم فريقًا صغيرًا. وفي هذا الصدد يوجد تحول من كونك الشخص الوحيد الذي تُصعَّد إليه أكثر المشاكل تعقيدًا، إلى كونك الشخص الذي يساعد المجموعة في ملاحظة ما يحدث، ويتيح لهم فرصة مشاركة المعلومات، ويساعدهم في الوصول لقرارات وإقرار المساءلة.

هذا أسلوب قيادي شخصي مختلف إلى حد كبير عن الأسلوب البطولي، إنها القيادة في صورة التيسير، أو في صورة البستنة إذا أعجبك هذا التشبيه المجازي. أنت تقوم بإضافة أحد الأمور هنا، والتقليم قليلًا هناك، وتشجيع تقدم أحد الأمور، والحفر على نحو أعمق، ودعم التغييرات والنمو بصبر.

نظرًا لأننا في الوقت الراهن ندير مجموعات من الأفراد أصبح سلوكها أكثر شبهًا على الأرجح بسلوك المتطوعين، ولأننا ندير أفرادًا موزعين مكانيًّا (سواء أكانوا يعملون من المنزل أم يعملون في بلدان متعددة)، ولأننا في بيئةٍ عَزَفَتْ فيها أفضلُ المواهب عن فكرة وظيفة العمر، وأصبح بإمكانهم الانتقاء أو الاختيار من بين أفضل الوظائف، فربما زادت الحاجة إلى أن يعتمد أسلوبنا أكثر على التأثير بدلًا من التوجيه. أو أن يعتمد على الإشراف أو البستنة بدلًا من القيادة البطولية.

التحدي الذي يواجهك — ويواجه أيًّا منا — هو سهولة اتباع الأسلوب التوجيهي عند إخبارك بأنك «أصبحت مسئولًا»، فعلى أية حال، إنه أسلوب معروف — فهذا ما تدربنا عليه منذ الكلية. أنا أقول: «اقفز.» وأنت تسأل: «ما علو القفزة؟» المعلم، والمدير، والقائد الرياضي، والموجِّه، والجنرال، كل من هؤلاء كان لديه أسلوب مختلف، لكن الرؤية المشتركة بينهم هي أن القيادة تتمثل في إخبار الأفراد بما يجب أن يفعلوه، والتأكد من تنفيذهم له. ولكوننا نتمتع بالذكاء العاطفي، فإننا على الأرجح لن نعبر عن الأمر بهذه الطريقة، لكن ميولنا، لا سيما عندما نكون تحت ضغط، ستكون توجيهية. إن هذا هو النموذج الراسخ؛ لذلك لا توجد حاجة لتفسير ذلك. الأمر الذي يمكن أن يكون أكثر صعوبة بمراحل هو مقاومة ذلك النموذج، والعقائد المغروسة المرتبطة به، والتغلب على الرغبة في إخبار الجميع بما يجب فعله فحسب. وبعد ذلك سيتمثل التحدي في التأثير والإقناع والبستنة والإشراف، بدلًا من التوجيه فحسب.

(ﺟ) إدارة المتطوعين وخلق «التبعية»

كما ذكرنا من قبل، فإن الأفراد في مؤسستنا سوف يطالبون على نحو متزايد بهذا الأسلوب القيادي المعدل المتطور، فجيل الألفية على وجه الخصوص يسعى إلى الحوار والمشاركة والتقييم من قِبَل مديريهم، ويسعون أيضًا إلى وجود معنى في العمل. وفي الغالب يشار إلى إدارة جيل الألفية بأنها إدارة المتطوعين؛ أي إيجاد طرق إثارة حماس الموظفين وتحقيق نتائج ملموسة منهم وإقناعهم أن لديهم الكثير لتقديمه، لكنهم لن يستجيبوا جيدًا إذا أمروا بما يجب أن يفعلوا.

وكما قال جون تشيمبرز، الرئيس التنفيذي الطويل العهد لمؤسسة سيسكو، في مقابلة أجراها مع صحيفة «نيويورك تايمز» عام ٢٠٠٩: «أنا شخص يعتمد أسلوبي على القيادة والتحكم. أحب أن أكون قادرًا على قول اتجهوا يمينًا، فيتجه عدد أفرادنا البالغ ٦٧ ألف شخص صوب اليمين. بيد أن هذا الأسلوب بات أسلوب الماضي. ويتطلب العالم المعاصر أسلوب قيادة مختلفًا، يعتمد على المزيد من التعاون والعمل الجماعي، بما في ذلك استخدام تقنيات الويب ٢٫٠.»

ومن المثير للاهتمام أن شركة جور تصف القيادة بأنها «تحددها التبعية.» وهذا يعني أن المجموعة ترشح قادتها، فهم «يعبرون عن موافقتهم بالانضمام إلينا.» كما تقول الرئيسة التنفيذية تيري كيلي. لا يمكن أن تصبح قائدًا في شركة جور دون أن يكون الأفراد راغبين في اتباعك. يا له من تطور قوي عن العرف المعتاد!

إذن الأسئلة المطروحة عليك هي:
  • كيف تحقق التبعية في العمل؟

  • ما الذي تفعله ويجعل الأفراد المحيطين بك راغبين في اتباعك؟

  • ما الذي تفعله ويجعل الأفراد «غير راغبين» في اتباعك؟

  • أخيرًا، إذا كان الأفراد متطوعين لا يتقاضون أجرًا، فكيف ستثير اهتمامهم لتحقيق أفضل النتائج الممكنة؟

(د) تغيير الأساليب

من الأمور السريعة البديهية التي تذكرنا أن القيادة تعتمد على المواقف حتميةُ وجود بعض الظروف التي يكون فيها الموقف «البطولي» المعتمد بدرجة أكبر على التوجيه هو الموقف الصحيح اللازم اتخاذه، بينما في مواقف أخرى سيحقق موقف المشرف أو البستاني أفضل النتائج للمجموعة. إن تحديد الأسلوب والمنهج المناسب لكل السياق هو القرار الذي يجب علينا جميعًا اتخاذه باستمرار.

(٤-٣) الثقة والأخلاقيات

تدعم الثقة والأخلاقيات قدرًا كبيرًا من نهج القرن الحادي والعشرين المتوجه نحو قيادة أكثر وعيًا، مثلما دعمت الثقة والحرية الفصل السابق.

يتمثل بُعد الثقة في الوثوق في أن أفراد وممارسات المؤسسة سوف يحققون النتائج المرغوبة. الثقة مفيدة إلى حد كبير في المساعدة على قبول بعض الممارسات المعاصرة التي نتناولها في هذا الكتاب؛ مثل إعطاء السلطة لمزيد من الأشخاص في المؤسسة، والسماح بظهور متحدثين جدد، وتخويل المجموعات باتخاذ القرارات الكبيرة بدلًا من اتخاذها على نحو فردي أو ثنائي.

بدون ثقة لا يمكن أن يحدث تمكين للآخرين، بل إن فقدان الثقة يخلق مركز جاذبية يقود إلى الإدارة التفصيلية في جميع أرجاء المؤسسة، وهذا بدوره يؤدي إلى البطء، والمعوقات، ويخنق الإبداع، وغيرها من المشكلات.

لذلك، لا بد أن تتدفق الثقة من قادة المؤسسة. لا بد أن يكون الموقف الافتراضي للقائد هو: «أنا أثق بك» بدلًا من «أنا لا أثق بك»؛ بيد أنه في كثير من المؤسسات يبدو أن الوضع نقيض ذلك.

النقطة الأخيرة حول موضوع الثقة تتمثل في أن أقوى شيء يمكن للقائد المعاصر فعله هو أن يفشل علانية داخل المؤسسة (وخارجها)، فمن خلال الفشل والإعلان عن هذا الفشل، يوضح القادة أنه لا بأس من الإخفاق، وكذلك يخلقون على الفور سياقًا مختلفًا، تحيا الثقة في ظله. هذا يمثل سابقة، ويلمح على الأقل إلى الآخرين في المؤسسة بأنهم يمكنهم أيضًا أن يفشلوا (ولهذا السبب قد تكون محاولات على شاكلة كنيسة الفشل مفيدة للغاية). هذا وقود رائع لخلق الثقة؛ لأنه يوضح بقوة أنه لا بأس بأن تكون معرضًا للفشل في هذه المؤسسة، فالقادة يفشلون أولًا. في الحقيقة، هذا شعار رائع: القادة يفشلون أولًا.

يتمثل بُعد الأخلاقيات في التصرف بنزاهة، وبصفة خاصة ألا تفعل سوى ما ستسعد إذا عرفه العالم كله لو اطلع على ذلك البريد الإلكتروني أو ذلك القرار. أنا متأكد من وجود الكثير من الكتب التي تتناول هذا الموضوع تناولًا شاملًا، هل نحتاج حقًّا لوصف الأخلاقيات؟ ربما تعتقد ذلك إذا نظرت إلى سلوك بعض رجال الأعمال. لكن في الواقع الأمر يتعلق فحسب بفعل الصواب طوال الوقت. (الأمر بسيط!)

(٤-٤) الشفافية

القيادة في عالم أكثر شفافية تتطلب منا أمورًا مختلفة. يمكننا تقسيمها إلى مجموعتين فرعيتين هما: شفافية المعلومات، وشفافية العواطف.

لطالما تعامل القادة مع مستوى عالٍ من الشفافية مقارنةً بباقي الأفراد في المؤسسة، لدرجة أنهم لطالما كانوا محط انتباه الكثير من الناس، وخاضعين لتوقعات أعلى من المعتاد، وعادةً تحيطهم مجموعة من المؤثرات المتنافسة وأصحاب المصالح المتصارعين، ويكونون في وسطها. ومن الواضح أن هذا يختلف اختلافًا كبيرًا، وفقًا لمركز القائد، من حيث كونه مديرًا في مؤسسة متوسطة الحجم، إلى كونه رئيسًا تنفيذيًّا لشركة متعددة الجنسيات، واردة على قائمة مجلة فورتشن لأفضل ٥٠٠ شركة، أو كونه من رجال السياسة البارزين.

وقد أظهرت تلك الشفافية نفسها بطرق مختلفة، بداية من قصص الصحف الصفراء التي تعج بالنميمة عن الحياة الخاصة للقادة، وصولًا إلى حقيقة أن المسئولين التنفيذيين في الشركات المقيدة بالبورصات تُنشر أجورهم علانيةً أمام العالم أجمع.

ورغم ذلك، كما سنستمر في المناقشة في هذا الكتاب، فإن الشفافية المتعلقة بالمعلومات — ليس فيما يخص المكافآت فحسب، بل تشمل كذلك الأداء والتعقيب، وتمتد أكثر فأكثر إلى البيانات الأخرى الأكثر غموضًا (مثل النفقات الخاصة بأعضاء البرلمان أو بصمات الكربون أو أنماط السفر) — سوف تزيد.

ولذلك، فبصفتك قائدًا، لا بد أن تكون مستعدًّا ومتأقلمًا، مع كشف وإتاحة المزيد والمزيد من المعلومات عنك، وعن تأثيراتك المختلفة أمام الآخرين.

ربما تكون الشفافية العاطفية في العصر القيادي القادم هي التحول الأكثر تطلبًا.

إذا أردنا للمؤسسات التي نقودها أن تصبح أكثر وعيًا، وصدقًا، وانفتاحًا على الحوار والاستماع، فلا بد بالضرورة أن نصبح — نحن القادة — كذلك أيضًا، فلن يكون ممكنًا بالنسبة للأفراد في المؤسسة أن يخاطروا، ويصبحوا أقل تحصنًا، وأكثر انفتاحًا في العمل إذا لم يقم القادة بالمبادرة.

تتطلب الشفافية العاطفية أن يكون القادة متسقين؛ فيتصرفوا باتساق مع مشاعرهم، مهما كان ذلك غير متوقع. هل يمكنك أن تتخيل نفسك أو القادة الآخرين في مؤسستك تقولون أيًّا من الجمل التالية لمجموعة من الموظفين:
  • «أنا خائف بشأن هذا الأمر ولا أعلم ما الحل.»

  • «أنا أشعر بالحزن.»

  • «أحتاج إلى المساعدة، أشعر حاليًّا بالحيرة.»

  • «أشعر أنني أود الذهاب للمنزل والاختباء.»

  • «عندما أنظر إلى ذلك، أشعر بالخجل من كوني جزءًا من هذه المؤسسة.»

  • «أشعر بالذنب لأنني لم أقم بمهمتي جيدًا في هذا الجانب.»

نعم، تلك الجمل مستفزة على نحو متعمد، لكن ماذا سيكون الحال إذا تحلى الناس بمزيد من الشفافية العاطفية في العمل، لقدر أكبر من الوقت، وبدءًا بالقادة؟ ما هي أكبر مخاوفك في هذا الصدد عندما قرأت تلك القائمة المقترحة ﻟ «الأمور المقبول قولها من قبل القائد»؟ هل توجد فوائد لهذا المنهج؟ ما الجوانب السلبية والمخاطر؟ وإلى أي مدى تتصف بالشفافية العاطفية أو «الاتساق» في معظم الوقت؟

(٤-٥) المكافآت

لطالما كانت مكافآت القادة في المؤسسات، لا سيما الرؤساء التنفيذيين ومجلس الإدارة، مثار اهتمام الإعلام والنشطاء لوقت طويل. نأمل أن يستمر هذا الضغط وهذا الاهتمام، فيبدو أنه توجد مشكلات بغيضة في هذا الإطار، تكونت في الجزء الأخير من القرن العشرين، وما زالت تحتاج إلى التخلص منها. من بين هذه المشكلات مكافآت إنهاء التعاقد التي تقدر بعدة ملايين من الدولارات، والمعروفة باسم مظلات الهبوط الذهبية التي تقدم للرؤساء التنفيذيين الذين باءوا بالفشل، وعدم وجود علاقة بين الأداء المحقق للقيمة والمكافآت في معظم الأحيان، وعدم وجود شفافية ودقة في ترتيب مكافآت الإدارة العليا، وهذا يشمل وجود لجان لتحديد المكافآت تتسم بالضعف، أو عدم وجود تلك اللجان، وهكذا. ورغم ذلك، فالأمر يبدو تحت السيطرة، فالعالم يعرف ذلك والتوقعات والسلوكيات تتغير تدريجيًّا.

ومع ذلك، يوجد أمران إضافيان يهماننا، يقعان ضمن نطاق هذا الكتاب، ألا وهما: نسبة مكافآت الأشخاص الأعلى كسبًا مقارنةً ببقية القوى العاملة، والتحول نحو إدراك قيمة المكافآت غير المالية.

في المؤسسة الاجتماعية، يؤدي المقومان المتمثلان في إمداد المؤسسة بمزيد من التمكين ومزيد من الشفافية، إلى تركيز أكثر وضوحًا على العلاقة المتبادلة بين مكافآت الأفراد في المؤسسة. وفي الأوقات الأخيرة، كما ذكرتنا جميعًا حركة احتلوا، فإن الأثرياء أصبحوا يزدادون ثراءً، والفقراء يزدادون فقرًا. والفجوة بين الأشخاص بالغي الثراء والأشخاص بالغي الفقر ما زالت تتسع. والوعي بذلك قاد الكثير من المؤسسات التقدمية، إلى وضع نسب رسمية، أو نظام؛ لمراقبة النسبة بين دخل الشخص الأقل أجرًا في المؤسسة والشخص الأعلى أجرًا في المؤسسة. سنتناول ذلك بمزيد من التفصيل في الفصل الثامن الذي يتناول الإدارة المالية العادلة.

الأمر الثاني الذي يهمنا هو المكافآت غير المالية. في الوقت الراهن يبدو كما لو كان معظم القادة يقومون بعملهم من أجل المال فحسب، لكن يوجد حاليًّا اهتمام كبير وسريع النمو بالمؤسسات الاجتماعية والشركات الاجتماعية (وفقًا لتعريف محمد يونس) ورواد أعمال وقادة يقومون بما يقومون به من أجل هدف أكثر سموًّا من جمع الثروة.

لقد تناولنا المحفزات في الفصل الذي تحدث عن الأشخاص التقدميين، ومن ثم فقد ذكَّرنا أنفسنا بالفعل بأن الحماس في العمل أكبر وأثمن بكثير من الراتب وحده. كيف سيكون الحال لو كان في وسع القادة إدراك كيف تشجعهم المكافآت الوظيفية غير المالية، هل نستطيع مناقشة ذلك بطريقة أكثر علانية وتوخيًا للدقة؟

(٤-٦) التواصل/الزمن الفعلي

في هذا العالم المترابط تزداد المطالبات، وكذلك الفرص المتعلقة بالتواصل أمام القادة. إننا نعيش في عالم أصبح فيه وقت وقوع حدث مهم ووقت معرفة العالم به يكاد يكون واحدًا؛ فالفترة الفاصلة بين الوقتين أصبحت أقل وأقل.

قلَّ الوقت المتاح لإعداد الرسالة الصحيحة، وقل تصديق القادة والثقة بهم في العموم، ومن ثم ازدادت المطالبة بصحة وصدق الرسالة نفسها. يوجد اتصال دائم بوسائل الإعلام حول العالم، وبالقوى العاملة، من خلال ما يمتلكون من أجهزة بلاك بيري ومنصات تعاون داخلية (انظر أيضًا الفصل السادس الذي يتناول سرعة التغيير، والفصل السابع الذي يتناول الحمض النووي التكنولوجي) ومن ثم لا يمكن أن يكون التواصل عملًا يحدث مرة واحدة فقط أو بين الحين والآخر، وإنما يجب أن يكون تدفقًا مستمرًّا.

يمثل تضافر تلك المنصات، وهذه الثقافة المتنامية، وتلك التوقعات فرصة هائلة لكل القادة كقناة تواصل خارجي. لكن توجد كذلك أمامهم قيمة مساوية في التواصل الداخلي أو جانب الحوار.

لقد تزايد تطبيق مفهوم «الأشخاص كمجسات». ففي عالم مترابط، يوجد على نحو متزايد مزيد من الفرص للاستعانة بمعلومات وثيقة الصلة وجيدة التوقيت، ولانجذاب الأشخاص والاهتمام نحو المجس الذي يمتلك أفضل المعلومات المتاحة في أي وقت. وكما قال برايان همفري في إحدى تغريداته أثناء عمله في إدارة إطفاء لوس أنجلوس: «كل جندي يعد مجسًّا. كل مواطن يعد مساهمًا. كل مقيم يعد مراسلًا يقدم بيانات عن الأزمة.»

عن طريق استخدام مجال التواصل لمصلحتهم يمكن لهؤلاء القادة المعاصرين الاستعانة بتلك الفرصة الهائلة بهدف التواصل مع موظفي المؤسسة بوصفهم مجسات، ونشر واستقبال معلومات وقت ظهورها من جميع أنحاء الشركة وإليها.

(٤-٧) الدعم

الجانب الأخير للقيادة في شركة تقدمية تنتمي للقرن الحادي والعشرين هو توفير الدعم المناسب لك وللقادة الآخرين الذين يخوضون تلك الرحلة.

العالم مستعد إلى حد كبير لدعم قائد القرن العشرين. وتتمثل التوقعات في أنك بطل وخبير يقهر الجميع، وأنك تعمل من أجل المال فحسب، وأنك لا تتحدث عن مشاعرك، ولن تتحدث عنها (بل ربما لا تمتلك مشاعر)، وأنك سوف تصدر قرارات للقيادة والسيطرة من برجك العاجي، وأنك تريد فقط سماع الأخبار الجيدة، وأنك تقاوم التكنولوجيا وتكرهها، وأنك — على الأرجح — رجل، أو تتصرفين كرجل إذا كنتِ امرأة، وأنك كبير في السن وأبيض البشرة.

إن لم تكن تمتلك تلك الصفات، فمن الممكن أن تكون الحياة صعبة، فقد لا تفيدك شبكات الدعم والحكمة والنصيحة المتاحة من خلال المصادر التقليدية. وقد تجد نفسك تشعر بالعزلة والغباء، وتسأل نفسك: «لماذا أقوم بذلك على نحو مختلف عن الآخرين؟ ربما يجب أن أكف عن محاولة فعل الأمور بالطريقة الصعبة والغبية التي تستغرق وقتًا، وأتبع فقط طريقة الآخرين.»

لذا، كي تمنح نفسك أفضل فرص النجاح، لا بد أن تجد أو تكوِّن شبكات دعم تضم أفرادًا يفهمون هذا العالم الجديد، وينتمون لمجتمع المغيِّرين الذين يسعون نحو شيء مختلف، الذين سلكوا الطرق البديلة نفسها. بالنسبة لي، كان أفضل ما فعلته في هذا الصدد، هو الذهاب لمؤتمر وورلد بلو لايف ٢٠١١ في سان فرانسيسكو، ومقابلتي على مدار ثلاثة أيام لمجتمع كامل من الأشخاص المتحمسين للأمور نفسها، ويحملون الكثير من القيم نفسها. كان الأمر أشبه بشعور العودة إلى الوطن! لقد منحني الإيمان بأنني لم أكن غبيًّا (بهذا القدر) ومن المؤكد أنني لا أحتاج إلى أن أشعر كما لو كانت مؤسستي هي الوحيدة التي تسلك هذا الطريق.

لحسن الحظ أن العالم يتغير. إن أعدادنا تتزايد! وتوجد تغيرات جذرية في المقالات التي تنشرها صحافة الأعمال الأرستقراطية (مثل صحيفة «هارفرد بيزنس ريفيو»)، ولدى نجوم الرؤساء التنفيذيين الذين لاقوا احتفاءً مؤخرًا (مثل فينيت نايار من شركة إتش سي إل) وفي الدعم المهني المتاح من قبل المحاسبين، والمحامين، والجمعيات (مثل وورلد بلو أو جمعية الشركات المملوكة للموظفين).

بمواجهة تلك الأبعاد السبعة للقيادة في القرن الحادي والعشرين سوف تقوي نفسك مع مرور الوقت. وأثناء ممارسة تلك الأبعاد سوف تتطور بطرق مثيرة، وستقدم قدوة قوية وماهرة للأشخاص من حولك. ستصبح المستقبل الذي ترغب في رؤيته في العالم.

(٥) كيف أخوض هذه الرحلة؟

يمكن تلخيص تلك العناصر في سبع ممارسات، يمكن أن تساعد أي قائد على التعلم والتكيف.

  • (١)

    الاستقصاء الشامل الصريح.

  • (٢)

    التجريب.

  • (٣)

    الإعلان عن الإخفاقات الشخصية.

  • (٤)

    ممارسة الاتساق العاطفي.

  • (٥)

    نشر سجل المكافآت الشخصية.

  • (٦)

    استخدام أدوات التدفق للمشاركة والاستماع إلى الفريق/المؤسسة.

  • (٧)

    تكوين شبكة دعم تقدمية.

دعونا نتحدث عن التطبيقات العملية لكل ممارسة.

(٥-١) الاستقصاء الشامل الصريح

هذه الممارسة رائعة في سهولتها وفاعليتها. خذ توصيفك الوظيفي وضعه في منصة استقصاء عبر الإنترنت، مثل سيرفاي مانكي (أو البديل الداخلي المكافئ له في مؤسستك). أعد الاستقصاء بحيث يحتوي على قسم كمي وقسم كيفي.

في القسم الكمي، أعد الاستقصاء بحيث يستطيع المجيبون تقييم أدائك في كل جانب من جوانب وظيفتك من خلال إعطاء درجة (أنا أستخدم مقياسًا من ١ إلى ٥). والنتائج في هذا القسم سوف تمنحك معيارًا شخصيًّا واضحًا حول تقييم المجيبين لأدائك، ومع مرور الوقت يمكنك متابعة التغيرات والأنماط المتعلقة بتصورهم عن أدائك.

في القسم الكيفي، اطرح أسئلة مفتوحة تهدف إعطاءك رؤى قيمة عن أدائك؛ مثل نقاط قوتك، والأهم نقاط ضعفك. يمنحك هذا القسم فرصة التعلم الحقيقي من التعليقات القيمة الحكيمة التي يزودك بها المجيبون.

من الأسئلة التي أستخدمها:
  • (١)

    ما الذي أفعله ويُمكِّن الأداء الإيجابي في الفريق؟

  • (٢)

    ما الذي أفعله ويعيق الأداء في الشركة أو يقلله؟

  • (٣)

    ما الأمور التي يجب أن تستحوذ على قدر أكبر من وقتي واهتمامي؟

  • (٤)

    ما الأمور الثلاثة — في حالة وجود تصنيف — التي سوف تحسن من أداء الشركة إلى حد كبير؟

  • (٥)

    كيف يمكنني أن أخدم الشركة على نحو أفضل خلال الستة أشهر القادمة؟

  • (٦)

    هذا الجزء مخصص فقط في حالة وجود شيء إضافي ترغب في قوله أو مشاركته. لا يتحتم عليك كتابة أي شيء، بل هو فقط مخصص لمن يتوقون إلى قول المزيد. أعرف أنني أسبب لك الارتباك الآن. آسف.

قبل إرسال ذلك الاستقصاء، يجب أن تتحدث (يفضل وجهًا لوجه) مع الأفراد الذين سوف يجيبون على الاستقصاء. أخبرهم عن سبب فعلك لذلك (لكي تتعلم)، وأخبرهم أنك أعددته بحيث يكون اسم المشارك مجهولًا؛ لأن الغرض منه هو التعلم، لا مواجهة مخاوف فردية أو إجراء عملية مطاردة مستترة؛ لكن إذا شعر أي شخص بأنه مضطر للإفصاح عن هويته، فيمكنه فعل ذلك. أيضًا عِدهم بأنك سوف تطلعهم على النتائج الكلية والدروس الرئيسية المستفادة، فهذا يمنحهم مكافأة، ويرضي فضولهم أيضًا!

بعد ذلك أرسل الاستقصاء، ودع التعلم يبدأ! سوف تعرف الكثير من الأمور عن نفسك. وربما تقر بصحة الكثير من الأمور، لكن من الممكن أن تشعر بالصدمة أو الارتباك من أمور أخرى. أهم أمر كما تقول دائمًا زميلتي لاسي هو: «ألا تصدق التعقيب كله»، فلا أحد «محق»، فهذه كلها مجرد قصاصات تصويرية أو تصورات متعددة الوجوه عنك في العمل. لكن في العموم سوف تخبرك الآراء في مجموعها ببعض الأمور القيمة.

أُوصي بإجراء الاستقصاء مرة أو مرتين سنويًّا. أنا أقوم بالاستقصاء الخاص بي الآن بعد فترة توقف ١٨ شهرًا؛ بسبب التغير في دورات المراجعة السنوية في شركتنا، ويسعدني وابل الردود الرائعة والشجاعة والذكية والدقيقة التي تشعرني بالتحدي. لقد تفتحت عيني على الكثير من الأمور نتيجة لذلك. افعل ذلك. ابدأ اليوم.

(٥-٢) التجريب

في مجال الأساليب على وجه الخصوص — الذي تناولناه فيما سبق — سوف تحتاج إلى التجريب. ربما تكتشف من خلال الاستقصاء الشامل وجود أساليب تحقق أداءً رائعًا لدى أولئك المحيطين بك، ووجود أساليب أخرى تحبط الفريق، فهذا أمر طبيعي.

إذن بعد أن فهمت بعض الأساليب الأساسية لديك، فالهدف من التجربة هو توسيع نطاق أساليبك. جرب بعض الأساليب التالية، وانظر كيف تجدها، وكيف يستجيب الموظفون لها:
  • القائد دائم الاهتمام بالتفاصيل.

  • القائد هادئ البال والمهتم بالصورة الكبرى، المثالي والحالم.

  • القائد المفعم بالحيوية والتفاؤل.

  • الأستاذ الهادئ والمتأمل.

  • القائد الصارم الذي يصيح غاضبًا ويضرب بقوة على المكتب.

  • البطل المحارب الذي يهزم الجميع.

  • القائد الذي ينصب كل اهتمامه على دعم وتشجيع ورعاية الآخرين، شعاره «تستطيع فعل ذلك!»

مرة أخرى، سيكون مفيدًا كلما أمكن أن تكون صريحًا في هذا الصدد، فتخبر الآخرين أنك تتعلم وتتطور، وأن جزءًا من هذه العملية يتمثل في تجربة أساليب قيادية مختلفة عن النمطين أو الأنماط الثلاثة الأساسية المعتادة لديك.

بالمناسبة، ما هي أنماطك القيادية الأساسية؟ وما هي الأساليب التي ترغب في إضافتها إلى تلك المجموعة؟

(٥-٣) الإعلان عن الإخفاقات الشخصية

الفشل أمر جيد. تقول جميع الأبحاث أنه من أجل الخلق والابتكار يجب أن نكون مستعدين للفشل وللتعرض للفشل مرات كثيرة، فمن هذه الإخفاقات يأتي الدور الحيوي للتعلم والتقييم الذي يساعدنا على النجاح. ورغم ذلك، ففي معظم ثقافات المؤسسات يعتبر الفشل أمرًا مريعًا ومتجنبًا إلى حد كبير. ولذلك، فالقيادة الحقيقية تعني أن يقدم القائد على الفشل، وأن يعلن عن الفشل، وأن يجعل الفشل أمرًا لا حرج فيه.

هذه أسهل ممارسة تزاولها، وأصعبها في الوقت نفسه. الأمر بسيط حقًّا، كل ما عليك هو إخبار المؤسسة عندما تفشل. يمكنك أن تبدأ على نطاق ضيق إذا كان هذا سيساعدك، وهذا قد يساعد الأشخاص المحيطين بك على التأقلم أيضًا! استخدام ممارسة كنيسة الفشل — التي أوضحناها في الفصل الثالث الذي يتحدث عن الأشخاص التقدميين — سوف يقدم أيضًا منبرًا قويًّا ومشتركًا للإعلان عن الفشل.

يمكنك أيضًا استخدام المناهج التي سنتناولها في الفصل السابع الذي يتحدث عن الحمض النووي التكنولوجي، للإعلان بانتظام عن الإخفاقات (والنجاحات!) دون الكثير من البهرجة والمراسم. ومن خلال فعل ذلك تجعل الفشل أمرًا عاديًّا. هذا لا يشبه الانتحار بطعنة سكين على طريقة السيبوكو اليابانية (أو يجب ألا يكون كذلك)، فالأمر يتعلق بإظهار أن الفشل أمر عادي، وأنه فرصة هائلة للتعلم، وأنه إذا كانت المؤسسة وما بها من أفراد لا يفشلون، فمن غير الممكن أن يكونوا يقومون بمهامهم؛ لأنهم لا يتعلمون ولا يخاطرون. ضع في اعتبارك ما يلي: إنك تفعل الصواب، وهذا سيساعد المؤسسة.

(٥-٤) ممارسة الاتساق العاطفي

هذه ممارسة أخرى باعثة على التحدي، أحيانًا يكون التحدث عنها أسهل من فعلها، فالتحلي بالمزيد من الاتساق العاطفي في كثير من الأحيان له فوائد، منها أنك ستخلق ثقافة تنطوي على قدر أكبر من التعاطف، وهذا سوف يؤدي إلى تقليل التوتر للجميع (بما فيهم أنت) لأن الأشخاص لن يكبتوا مشاعرهم، وسيؤدي إلى أن يكون الموظفون أكثر قوة ومرونة بفضل العلاقات الصحية إلى حد كبير فيما بينهم، وسيؤدي أيضًا إلى أداء وإنتاجية أفضل؛ بسبب تدفق التقييم الذي ينطوي على قدر أكبر من الصراحة بين جميع أعضاء الفريق أو بين جميع الفرق.

يوجد المزيد من الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع لا يتسع وقتنا لها، وتتجاوز أيضًا مستوى خبرتي إلى حد كبير. ورغم ذلك فإن نقطة الدخول المباشر المناسبة لمزاولة هذه الممارسة، والتي وجدنا أنها مفيدة جدًّا في شركتنا، هي أن تسبق عباراتك بعبارة «أشعر أن …» إنها عبارة تخترق عقلك وتقودك مباشرةً إلى بعض المشاعر المرتبطة بموضوع المناقشات، بدلًا من أن تسمح لعواطفك بالظهور دون قصد عبر بقية أساليب التواصل لديك (أي لغة جسدك).

إذن قل ما يلي:

«أشعر بخيبة الأمل» بدلًا من «هذا هراء».

«أشعر بالدهشة.»

«أشعر بالبهجة.»

«أشعر بضيق بالغ.»

(٥-٥) نشر سجل المكافآت الشخصية

بدأ الصحفي والناشط البريطاني جورج مونبيو مؤخرًا بنشر سجل المصالح المالية الخاصة به على نحو طوعي تمامًا. وكما يقول بنفسه: «لقد فتحت هذا السجل لأنني أعتقد أن الصحفيين لا بد أن يلتزموا المعايير التي يطالبون الآخرين بها، ومن بينها المساءلة والشفافية. أحد أهم الأسئلة في الحياة العامة، الذي يطرح على نحو أقل من المفروض، هو «من الذي يدفع؟»»

هل توجد طريقة لفعل الأمر نفسه؟ قد يكون ذلك مستحيلًا، بل ربما يكون جريمة يمكن أن تؤدي إلى طردك من العمل! ربما ينبغي لك مراجعة عقدك قبل فعل ذلك، لكن إذا كنت رائد أعمال أو رئيسًا تنفيذيًّا فأنت قادر على تحقيق ذلك.

(٥-٦) استخدام أدوات التدفق للمشاركة والاستماع إلى الفريق/المؤسسة

في الفصل السابع الذي يتناول الحمض النووي التكنولوجي سوف نلقي نظرة على بعض المنصات، من بينها تلك التي نطلق عليها «أدوات التدفق». إنها نوع الأدوات نفسه الذي أشار إليه جون تشيمبرز سابقًا في هذا الفصل — مثل موقع يامر والتدوين — وهي أقل رسمية وأكثر سرعة من قنوات التواصل التقليدية المتاحة للقائد أو للمدير.

هذا ليس مجرد استخدام بلا هدف للتكنولوجيا، فأنت لا تمتلك الوقت لذلك. استخدام هذه الأدوات طريقة قوية؛ لتظهر للفريق أو المؤسسة الحاجة إلى التحرك في وقت وقوع الأحداث وقيمة ذلك. وتتمثل الفائدة في أنك من خلال المشاركة لا توضح الطريقة وتجعلها متاحة للجميع فحسب، بل تطلع بنفسك أيضًا على نبض الأحداث في المؤسسة وقت حدوثها.

(٥-٧) تكوين شبكة دعم تقدمية

أخيرًا، لا يمكنك فعل ذلك بمفردك، فأنت تحتاج إلى شبكة دعم، شبكة مكونة من أشخاص يفهمون هذا الأمر برمته. بصفتك قائدًا، بصرف النظر عن مستواك الإداري في المؤسسة، توجد أوقات لا بد أن تشعر فيها بالعزلة أو بالحاجة إلى الدعم من أشخاص خارج فريقك. إذا كان نوع الدعم الوحيد المتاح لديك يقدمه قادة يتبعون أساليب الإدارة المعتمدة على الفظاظة والقسوة أو إصدار الأوامر والسيطرة — أي أساليب القرن العشرين — عندئذٍ سيكون من الصعب تحقيق تلك التغيرات الشخصية الباعثة على التحدي.

اعثر على أشخاص يقدمون لك الدعم. كن موجودًا في الأماكن المتوقع ظهورهم فيها على نحو غير متوقع. شارك هذه الأفكار؛ إذ من المتوقع أن ينضم الآخرون إلى الرحلة، وبذلك يصبحون جزءًا من الشبكة أيضًا. تعاون مع مؤسسات مثل وورلد بلو، جمعية الشركات المملوكة للموظفين (المملكة المتحدة)، المركز القومي لملكية الموظفين (الولايات المتحدة) وغيرها.

سيكون الأمر أكثر سهولة عند وجود النوع المناسب من الدعم.

أمر آخر إضافي

الممارسات الأخرى التي تناولناها في الفصول السابقة يمكن أن تساعدك أيضًا؛ تذكر ممارسات الهدف العظيم الذي أوصى به الكتاب، والتوجيه كأداة للوعي بالذات، وكنيسة الفشل، و«سل أي سؤال» للمساعدة في بناء الثقة.

(٦) ملخص

في هذا الفصل سلطنا الضوء على دور القيادة في شركات القرن الحادي والعشرين، وقسمنا ذلك الدور إلى قائمتين، تتكون كل منهما من سبعة عناصر هي: المقومات السبعة للقيادة الواعية، والممارسات السبع للمساعدة في تطوير القدرات القيادية لقائد القرن الحادي والعشرين.

الرحلة نحو القيادة الأفضل هي رحلة حقًّا، رحلة تتطلب التغيير، والتغيير مطلوب بشدة؛ فهو يتطلب منك الخروج من مناطق الراحة، ويتطلب التجربة، والفشل بالضرورة، وكذلك فعل أمور يراها الأشخاص من حولك مناقضة للحدس أو ربما غريبة تمامًا. وخلال هذه الرحلة، لا سيما في أوقات التوتر، سيكون من الطبيعي أن تعود إلى استخدام أساليبك القديمة.

إلا أن الجائزة رائعة وملهمة ولا مثيل لها؛ إذ ستصبح قائدًا أفضل، وستكون التغيير الذي تريد أن تراه في العالم، وستساعد الآخرين على رؤية طرق تصرف مختلفة وأفضل في مجال الأعمال. تلك الجائزة تستحق الجهد.

إذا كنت تستطيع القيادة بهذه الأساليب، فسوف تقدم خدمة هائلة للكثيرين وليس لمؤسستك فقط، حيث إنك في واقع الأمر ستساعد في جعل العالم الذي نعيش فيه مكانًا أفضل؛ لأننا لن نستطيع حل المشاكل التي تحتاج إلى حل في عالمنا إلا من خلال التغير الكبير الذي يقوده القادة في المستويات كافةً.

انضم إلينا. صاحبنا في الرحلة، وأحضر معك الموظفين والمؤسسة. هيا نحرق الأمس، ونصنع مستقبلًا أفضل للجميع!

(٧) قراءات إضافية

  • «حادث الاقتراب من الموت، طقس انتقالي لإحدى المؤسسات»، آدم برايانت، ١ أغسطس ٢٠٠٩، صحيفة «نيويورك تايمز»، تتضمن المقالة قول جون تشيمبرز المأثور htttp://nyti.ms/cltrshk8.
  • مؤشر إدلمان للثقة http://trust.edelman.com/.
  • سجل المصالح المالية الخاصة بالصحفي البريطاني جورج مونبيو http://www.monbiot.com/registry-of-interests/.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤