الفصل الخامس

عشر أساطير عن الاستعارة١

تحيط أساطير متنوعة بموضوع الاستعارة. أنتقد هنا عشرًا من هذه الأساطير، على أمل فتح الطريق لفهم أفضل للموضوع.

(١) أسطورة الزيف

طبقًا لهذه الأسطورة التصريحات الحرفية صحيحة وحدها، والباقي كله يشوَّه ويزيَّف. يكذب الشعراء (كما علَّمنا أفلاطون)؛ يقول العلماء وحدهم الحقيقة. أن تصف شخصًا غير جدير بالثقة أو جبانًا أو سقيمًا بأنه عودٌ هش يعني بالضبط أن تنطق زيفًا، ويصبح حقيقةً من خلال النفي: بوضوح، الشخص المشار إليه ليس عودًا هشًّا.
لكن من الواضح أنه لا يكون عودًا هشًّا إلا إذا نظرنا إلى «عود هش» حرفيًّا؛ لأن من الواضح أنه لا يوجد شخص عود حرفيًّا، هش أو سواه. ومن التفاهة تمامًا أن نقول إن تصريحًا استعاريًّا، ينظر إليه حرفيًّا، قد يكون زائفًا. وقد يكون التصريح، استعاريًّا صحيحًا: إنه عود هش، ومن الزيف إنكار ذلك. ومن المؤكد أن التأكيدات الاستعارية مؤهلة للزيف، لكنها زائفة دائمًا، بدرجة لا تزيد عن التأكيدات الحرفية.٢

(٢) أسطورة الزخرفة

إذا لم تكن الاستعارات زائفةً دائمًا، فهي دائمًا، على أية حال، غير مقنعة معرفيًّا؛ هكذا تدور الأسطورة الحالية. باعتبار الاستعارات مجرد حلًى بلاغية (وينبغي أن تكون كذلك من أجل الوضوح النظري) يمكن استبعادها دائمًا، سامحةً للحقيقة الحرفية المجردة بالسطوع.

لكن ماذا يتبقى بعد حذف الاستعارة من التصريح «الحرب جحيم»؟ استبعاد المسند يخلِّف اسمًا نحويًّا عاريًا، لا يخلِّف حتى جملةً كاملة، صحيحة أو زائفة. افتراضيًّا، المطلوب هنا ليس مجرد حذف بل ترجمة أو إحلال بمكافئ معرفي. ومن المعروف أن تحديد معايير للإحلال مهمة ليست سهلة. لكن النقطة الأكثر جوهرية: إن التسليم بأن النسب الاستعاري له مكافئ معرفي يعني الاعتراف بأنه يمتلك محتوًى معرفيًّا، رغم كل شيء. ولا يصح، بالطبع، على أية حال أن الاستعارات ذات المحتوى المعرفي لها دائمًا مكافئ حرفي.

(٣) أسطورة الانفعالية

الاستعارات، طبقًا لهذه الأسطورة، انفعالية، وليست إطلاقا، أو أساسًا، معرفية. وبصرف النظر عمَّا قد يقال عن النظائر المعرفية، من المؤكد أن الاستعارات ليس لها نظائر انفعالية. إن انفعاليتها العالية هي ما يميزها عن التصريحات الحرفية، مما يجعل استبدالها متعذرًا.

لكن هل [تعبير] «ذكاء متألق» أو «تحليل مبتذل» انفعالي جدًّا؟ هل [التعبير] الاستعاري للطبيب «إنك تواجه صراعًا متصاعدًا من أجل حياتك» أكثر انفعاليةً من «توضح الاختبارات أنك مصاب بسرطان»؟ وبصرف النظر عن المعايير التي يمكن تحديدها لمراوغة الانفعالية، قد تشتمل عليها تعبيرات حرفية، أيضًا، بوفرة، كما يشهد [تعبير] «قنبلة نيوترونية»، و«تشيرنوبل» و«ليوكيميا». تنشأ الانفعالات في ارتباط حميم جدًّا بالمعارف؛ تستجيب المشاعر للأشياء كما تُفهَم وتُستوعَب. لماذا ينبغي أن تكون تعليقات حرفية على الأمور أقل ارتباطًا بالحياة الانفعالية من التعليقات الاستعارية؟ لماذا ينبغي إدراك الاستجابة الانفعالية للأمور بأن يكون التعبير بإشارة استعارية إلى هذه الأمور أفضل من التعبير عنها بإشارة حرفية؟٣

(٤) أسطورة الإيحاء

التصريحات الاستعارية زائفة أو غير مقنعة، لكنها على الأقل متميزة في قدرتها الإيحائية، طبقًا للأسطورة الحالية. إنها ناقصة معرفيًّا، لكنها مع ذلك تحفِّز تداعي الأفكار التي قد تنتهي بحقائق مفيدة.

لا تفسِّر هذه الأسطورة سبب الاعتقاد بأن التصريحات الحرفية أفقر من التصريحات الاستعارية في قدراتها الإيحائية. يحدث تداعي الأفكار، رغم كل شيء، استجابةً لكل أنواع التحفيز اللفظي (ناهيك عن غير اللفظي). إنها حتى تبدأ بهراء صرف، مثلًا، في «جوبروكي»؛٤ لماذا تكون التصريحات الحرفية، بشكل خاص، ناقصة؟
ما تتغاضى عنه هذه الأسطورة أن التصريحات الاستعارية التي تستهل تصنيفات وفئات جديدة لا تفعل ذلك، ومقاطع تافهة تحفزها بوسائل عارضة، لكن بمحتواها الجازم الجديد. قد تبدأ باعتبارها فرضيات استعارية، لكنها غالبًا (ودون تغيير في المحتوى) تنتهي إلى حقائق معترَف بها، وقد تجمَّدت صفاتها التي كانت مذهلةً ذات يوم في إشارات حرفية جديدة. إن المائدة تعج بالذرات، إننا نعيش في قاع بحر من الهواء، يعالج العقل المعلومات أو يشكِّل الصور الذهنية — صارت أكليشيهات حرفية، وبدأت التصريحات نفسها الحياةَ كاستعارات جريئة.٥

(٥) أسطورة الاتصال

مثل هذه الأمثلة تفنِّد أسطورة الاستعارات باعتبارها أدوات للاتصال تحديدًا. وتفترض هذه الأسطورة أن التفكير متوفر بشكل كامل للمفكر بمصطلحات حرفية بشكل محض، لكن اتصاله يتطلَّب، أو يتيسر، باستخدام الاستعارات. الاستعارة تعبئة للأفكار الحرفية لنقلها إلى الآخرين، لكنها لا تشكِّل جزءًا من هذه الأفكار نفسها.

هكذا تُنكر الحقيقة الجلية بأن الاستعارة تخدم الباحث عن الحقيقة وليس ناقلها فقط، وأن التنظير العلمي، على سبيل المثال، يزدهر على الوصف الاستعاري الذي يُصاغ بروح بحثية. وعادةً لا يعرف المنظِّر سلفًا الأساس التفصيلي للوصف الاستعاري الذي يفترضه، ويمكن بتخمين بعض التهجين المدروس للفئات تبين أن له أهميةً متزايدة بمزيد من البحث. ولا تتطلَّب الاستعارة التي تجسِّد هذا التخمين تحديد هذه الأهمية سلفًا. وفي المقابل يمثِّل الوصف الاستعاري نفسه دعوةً لمبتكره وللآخرين، لتطوير فروعه. ولا يعني تحديه أنه يستقبل رسالةً مجسدة تمامًا، لكنه يعني أن يعثر على أوصاف جديدة ومثمرة للطبيعة، أو يبتكرها.

(٦) أسطورة المِلْكية

تفترض هذه الأسطورة أن مؤلف الاستعارة له حقوق قطعية فيها أو مدخل مميز إليها. إنها، بوصفها أداةً إجرائية للاتصال، تحت سيطرة مبدعها تمامًا، يشكِّلها هدفه بشكل قطعي. ويتطلَّب تفسير الاستعارة، في النهاية، اللجوء إلى هذا الهدف.

ما استبعده هذا التعليق هو، كما لاحظنا في القسم السابق، الدور الاستكشافي أو الكشفي للاستعارة. ويتضمَّن هذا الدور، بشكل خاص، أن مؤلف الاستعارة ليس لديه مفتاح خاص لمضمونها، أو مدخل مميز إليها، أو حقوق ملكيتها. قد يندهش مبدع الاستعارة نفسه، وقد يقودنا البحث الذي يقدِّمه المنطوق الاستعاري إلى إعادة التفكير في مادة قديمة في ضوء التصنيف الجديد أو تأمل الظواهر المكتشفة حديثًا بمصطلحات متوفرة بالفعل. وسواء كان على الغاية أن تجسد الجديد أو تعيد تنظيم المألوف، كثيرًا ما تكون الاستعارة بمثابة جس للارتباطات التي قد تُحسِّن فهم التقدم النظري أو تُنشِّطه.

(٧) أسطورة الحقيقة الاستعارية

ترى هذه الأسطورة أن هناك نوعين من الحقيقة؛ نوعًا حرفيًّا والآخر استعاريًّا. يُعتقد أن [التعبير] «اشتعل الثقاب» حقيقي بطريقة تختلف تمامًا عن الطريقة التي قد يكون بها [التعبير] «اشتعلت عيناها» حقيقيًّا. وهكذا يُغرَى أنصار هذه الأسطورة بمطاردة غير مثمرة للسمات الخاصة للحقيقة الاستعارية بوصفها مميزة عن الحقيقة الحرفية، توَّاقين للعثور على اختلاف جوهري بين المنطوق الشعري والعلمي.

ربما يمكن بسهولة الاعتراف باختلاف هاتين الجملتين، لكن الاعتراف بأن الاختلاف بينهما يكمن في ازدواجية الحقيقة مشكوك فيه؛ لأن كل جملة صحيحة في ظل الشرط العام ذاته: «…» صحيحة إذا وإذا فقط … وهكذا «اشتعل الثقاب» صحيحة إذا وإذا فقط اشتعل الثقاب، و«اشتعلت عيناه» صحيحة إذا وإذا فقط اشتعلت عيناه حقًّا. إن اختلاف [الفعل] الأول «اشتعل» في امتداده عن الثاني حقيقة بشأن هاتين النسختين المتطابقتين تمامًا، وليست حقيقةً بشأن أن ما يعنيه في الجملتين صحيح. ولا يتطلب ذلك، من باب أولى، افتراض نوعين من الحقيقة.

(٨) أسطورة الثبات

ترى هذه الأسطورة بمجرد أن توجد استعارة تبقى استعارة دائمًا. على عكس الرأي القائل بأن الحرفي أساسي بينما الاستعاري مجرد زينة، تعلن هذه الأسطورة أن الاستعاري أساسي؛ حيث إن كل مصطلح مستخدم له نسب استعاري.

ونتيجة هذه الأسطورة يُفرَّغ مفهوم الحرفي من المحتوى؛ وبشكل متلازم يفقد مفهوم الاستعارة، بوصفه مقولةً مناقضة، هدفه. ومع ذلك يمكن تجنب هذه النتيجة، ودون إنكار تغلغل النَّسَب الاستعاري: البعد التاريخي هو فقط ما نحتاج إلى الاعتراف به — حقيقة أن التقابل بين الحرفي والاستعاري ليس فعالًا بشكل مطلق، لكن بشكل نسبي مع الزمن.

بالنظر إلى نسختي المصطلح، المتطابقتين والمتباعدتين امتداديًّا؛ أي نموذجين من نوع معين في وقت معين، نتأمل النسخة الاستعارية التي يوجه تفسيرها عادة، أو بشكل مثالي، فهم النسخة الأخرى، التي نعتبرها حرفية. لكن النسخة المتطابقة متماثلة الأبعاد مع هذا التعبير الاستعاري، الذي قد يحدث في وقت تالٍ ، تعتبر حرفيةً بشكل صحيح تمامًا. تغيَّر المصطلح، مشيدًا بوصفه نوعًا، في وضعه الاستعاري عبر الزمن. لقد كان الوصف الأول لأداة إلكترونية مثل الآلة الحاسبة استعاريًّا؛ وصار الآن حرفيًّا.

(٩) أسطورة الصيغة

كم هو رائع أن تكون لدينا صيغة بسيطة لحل شفرة التعبيرات الاستعارية! والأسطورة عن وجود مثل هذه الصيغة أسطورة قديمة، كثيرًا ما تعرَّضت للنقد لكنها لم تُهمَل قط. ويُحتمَل حقًّا اكتساب حياة جديدة بمساعدة التكنولوجيا الحالية للكمبيوتر والنماذج المرتبطة بها عن العقل.

إن التعبيرات الاستعارية ليست مشفرة، ليس لها وصفات، ولا يمكن أن تُحصى بشكل كامل في المعاجم أو كتب الشفرات. يتطلَّب فهم استعارة تفسير السياق وفحصه.

أشهر مرشح للصيغة لاختصار هذا التفسير والفحص هو مفهوم التشابه، وهو، مع ذلك، مفهوم فارغ، لوجود أوجه تشابه كثيرة جدًّا للاختيار منها. أوجه التشابه غزيرة حيثما نظرنا، لكن القليل منها يدعم الأوصاف الاستعارية الحقيقية. وعلى الناحية الأخرى، لتكملة مفهوم التشابه بمفهوم الأهمية (أي البحث عن أوجه التشابه المهمة) الذي يُدخِل مرجعيةً سياقية يتعذر استئصالها، لا يمكن ضغطه هو نفسه في صيغة. هنا معاينة السياق، والبراعة، والفطنة مطلوبة للقيام بالمهمة. بدلًا من قراءات آلية من كتاب للشفرات أو التطبيق الروتيني لصيغة، لدينا عملية تفسيرية للبحث والاكتشاف.

(١٠) أسطورة الشيئية

مقارنة المواضيع، كما اقترحت في الإشارات السابقة إلى التشابه، متضمنة بالتأكيد في الوصف الاستعاري، لكن الافتراض بأن مقارنة المواضيع متضمنة فقط أسطورة. وطبقًا لهذه الأسطورة، يقارن المرء المواضيع التي يدل عليها استعاريًّا مصطلح بتلك التي يشير إليها المصطلح حرفيًّا. في تعبير «الرجال ذئاب» مثلًا، تُستخدم «ذئاب» للرجال، بينما تدل حرفيًّا على بعض الذئاب. بتجريد السمات المشتركة للمجموعتين من المواضيع، يمكن أن نفسِّر الاستعارة باعتبارها تنسب بعض هذه السمات، مثلًا، الافتراس، إلى المشار إليه استعاريًّا.

هذه الأسطورة مضللة ليس فقط لأن المقارنة والتجريد واسعان جدًّا، ممَّا يتطلب قيودًا بما يتطلب الانتباه إليه في السياق. النقطة الأخرى هي أن الاستعارة ليست شيئيةً تمامًا في مظهرها. إن طرقها في المقارنة ملتوية غالبًا، ولا تمس المواضيع المطروحة وسماتها فقط، لكنها تمس أيضًا مختلِف أشكال تمثيل هذه المواضيع. إن القول بأن تلك الذئاب أكثر خصوصيةً ممَّا يسمح نمطها المألوف لا يجرد [تعبير] «الرجال ذئاب» من معناه باعتباره ينسب الافتراس استعاريًّا للرجال. ولا يفتقر تعبير «الريس تنين» إلى المعنى تمامًا، نتيجة أن [كلمة] «التنين» ليست لها على الإطلاق مواضيع تدل عليها. مرةً أخرى، تأتي أنماط التمثيل (في هذه الحالة، الصور الذهنية للتنين، والأوصاف، والنماذج، والصور) للإنقاذ؛ لأن مصطلح «التنين» لا يعمل فقط بوصفه وحدةً دلالية لا تدل على شيء في الحقيقة، لكنه يعمل أيضًا بوصفه عنوانًا لإشارات التنين، وهي كما أشرنا وفيرة. ويساعد مثل هذا الاختيار للإشارة على فهم الاستعارات. إننا نعيش، رغم كل شيء، في عالم من الرموز والمواضيع الأخرى أيضًا. وتعمل رؤيتنا للمواضيع ومعرفتنا بتمثيلها بوصفها وسائل للتفسير.

١  ظهر «عشر أساطير عن الاستعارة» في: Journal of Aesthetic Education, 22, no. 1 (spring 1988), 45–50.
٢  Donald Davidson, “What Metaphors Mean,” Critical Inquiry, 5, no. 1 (1978), 32.
يدعي أن «الاستعارة لا تقول أي شيء يتجاوز معناها الحرفي (ولا يقول صانعها أي شيء، باستخدام الاستعارة، يتجاوز الحرفي).» انتقد رأيه بإسهاب، وفي رأيي بشكل قاطع:
Max Black, “How Metaphors Work: A Reply to Donald Davidson,” Critical Theory, 6, no. 1 (1979), 131–43, and Nelson Goodman, Critical Theory, 6, no. 1 (1979), 125–30.
٣  للاطلاع على الرؤى views الانفعالية للاستعارة، انظر كتابي «ما وراء الحرف»، ص٨٧–٩٢.
٤  جوبروكي Jobberwocky، قصيدة للكاتب البريطاني لويس كارول (١٨٣٢–١٨٩٨م). (المترجم)
٥  للاطلاع على أمثلة لاستعارات «تخدمنا على الحافة المتنامية للعلم» ثم تتحول إلى حرفية باستخدام مناسب، بالتطبيق على الإشارات ذاتها:
in application to the same references: Willird Van Orman Quine, “A Postscript on Metaphor,” Critical Theory, 5, no. 1 (1978), 161-2.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤