الفصل الأول

المشهد الأول

(زوازولا – مورالس – أنتونانزس)

(ضباط إسبانيون يتناقشون بحرارة، لا زالوا يرتدُون سترة الميدان الخشنة ذات اللون الأزرق الداكن، والسراويل الرمادية وأحذيةً برقبة.)

زوازولا : هرب مرةً أخرى.
مورالس : لا شكَّ أن هناك خيانة.
زوازولا : لقد أُخطر. هذا واضح، من الصعب أن أُصدِّق أنها مُجرَّد مصادفة.
أنتونانزس : بالطبع، يجب ألَّا تتوهَّم أنها مصادفة، لقد أُخطر! الحق أن إزكويردو كان مطمئنًّا أكثر من اللازم بالأمس عندما عرَض خطته على المائدة في حضور كل مدعوِّي الجنرال. إنه لَطيشٌ جنوني.
زوازولا : إزكويردو يكاد يُجنُّ من الغضب.
مورالس : هو المخطئ! للمرة الثانية يعتقد أن بوليفار وقع في قبضته ثُم يفلت من بين أصابعه. يجب على إزكويردو أن يتخذ مزيدًا من الاحتياطات.
زوازولا (بدقَّة) : هناك حقيقة مؤكدة، لقد أُخطر بوليفار في هذه الليلة بالذات وفي المنزل الذي لجأ إليه أن إزكويردو سيأتي في الفجر ليقبض عليه. ولم يُخطره سوى أحد المدعوِّين بالأمس. يوجد إذن خائن في هيئة أركان الحرب.
مورالس : بدأت أُومن بذلك أنا أيضًا. وعلى أي حال إذا نجح بوليفار في اجتياز خطوطنا فسيلحق بأنصاره ويجمعهم بسرعة.
أنتونانزس : آه! هذا يعني الحرب مرةً أخرى. بالله إني أُفضِّل الحرب، فإني أكاد أموت من الملل في هذا البلد الذي لا نرى فيه فتاةً واحدةً جميلة.
مورالس : أنت مُبالِغ. ألا توجد فتاةٌ واحدةٌ جميلة؟ عندما احتللنا مدينة سيكيسيك (Siquiseque) لم تترك فرقتنا أحياءً سوى تسعة عشر فردًا؛ تسع عشرة امرأة! شابات بالطبع! هذا مُخالف لأوامر القائد الذي أصرَّ على إبادة الكل، حتى المواليد. ولكنَّنا احتفظنا لأنفسنا بالجميلات. وأقسم لكم إن بعضهن أشبه بالآلهة.
زوازولا : بالطبع يُمكن أن تجد بعض …
مورالس : لقد احتفظتُ لنفسي بواحدة. كانت في السادسة عشرة. رائعة. ثديين جميلين، دافنين مثل الزغاليل. كانت تبكي بصوتٍ خافِت على …
زوازولا (ضاحكًا) : اسكت!
أنتونانزس : هل احتفظت بها؟
مورالس : لفترةٍ قصيرة؛ تركتها لخمسة من رجالي بعد معركة باركزيمتو (Barquesimeto) تقديرًا لحسن سلوكهم لم أكن أملك ما هو أفضل من ذلك.
زوازولا : خسارة!
مورالس (وهو يهزُّ كتفَيه) : أوه! خسارة … إنها هندية.
أنتونانزس : كل هذا لا يُفيدنا في شيء عن فرار بوليفار الغريب! أريد أن أعرف كيف تمَّت هذه المسألة.
زوازولا : صبرًا! سنعرف كل شيء من إزكويردو. لقد رأيته منذ لحظات. لا شكَّ أنه سيمر من هنا ليُقدِّم تقريره لصاحب السعادة. من المؤكَّد أنه يكاد ينفجر من الغيظ!
مورالس : إزكويردو يعتقد أن الأمور تجري دائمًا كما يشتهي وأن الناس لا بُد أن يرضخوا لإرادته، وعندما تقف في سبيل مشروعاته إرادة غريبة يزمجر ويرعد ويريد أن يقضي على العالم بأسره، سترونه بعد لحظات: دوامة! عاصفة ترعد!

(يضحكون بصوتٍ مرتفع.)

أنتونانزس : عندما كنَّا طلبة في الكلية الحربية، أذكر أنه وقع في حب فيكوتيسة صغيرة في السابعة عشرة من عمرها. كانت لا تُحبه وأفهَمته ذلك، ولكن هذا الاعتراف لم يُبرد ناره؛ على العكس! لقد أقسم لها إنها ستحبه بالقوة! إنه سيجبرها على حبه … (يضحكون) ولكنَّها تزوَّجت من وجيهٍ برتغالي تحدَّاه إزكويردو في مبارزة وكاد يقضي عليه. وقد نقلته السلطات العسكرية إلى هذه الأرض الملعونة لكي تبرد ناره. وينسى حبه الأول.
مورالس : ينسى، ينسى، لا أظن أنه من طراز الرجال الذين ينسون الهزيمة حتى بعد مرور عشرين عامًا.
أنتونانزس : أوافقك.
مورالس : وأعتقد أنه لن يغفر أبدًا لمن سخر منه هذا الصباح وأخطر بوليفار.

المشهد الثاني

(نفس الأشخاص – إزكويردو)

(يدخل إزكويردو في بداية الجملة قبل الأخيرة لمورالس. وجهه مُلتحٍ ويقطر حقدًا، قبعته مطوية تحت إبطه، وهو رجلٌ ضخم الجثة، تبدو عليه مظاهر القسوة، في مؤخرة حذائه ذي الرقبة مهاميز، ويصيح في الجملة الأخيرة لمورالس.)

إزكويردو : كفى! أرأيتني أغفر لأحد قبل ذلك؟ هل أبدو بمظهر الغبي الذي يُمكن أن يلين ويعفو؟ هه؟ أبدًا!

(ينظر إليهم في صمت، ثم يبتسم في سخرية تثير القلق.)

فشلي هذا الصباح يسعدكم … أليس كذلك؟
أنتونانزس (بضيق) : إزكويردو!
إزكويردو (يهزُّ كتفيه) : نعم نعم … رفاق سلاح قُدامى!
أنتونانزس (بتودُّد) : أنت مُتعب من هذه الحملة يا إزكويردو!
إزكويردو (ساخرًا) : نعم! أرجوك لا داعي لهذا العطف … يجب أن أدخل على صاحب السعادة لأقدِّم له تقريري.
أنتونانزس : ألم ترَ الجنرال بعد؟ … إنه لا يعلم حتى الآن.
إزكويردو : سأبلغه بمفاجأتين!
أنتونانزس : اثنتين؟ كيف كان ذلك؟
إزكويردو : الأولى: خبر فشلي. والثانية: اسم الرجل الذي سخر مني. (ينظر بازدراء إلى مورالس.) كما أحسنتَ التعبير منذ لحظات.
زوازولا : من هو؟ أنستطيع أن نعرف.
أنتونانزس : هل هو إسباني؟ ضابط من أركان الحرب؟
إزكويردو (ساخطًا) : كفى! لا أستطيع أن أقول لكم شيئًا. لا بد أن أصمت وأنتظر تعليمات صاحب السعادة.

(إزكويردو على وشك الخروج من الجانب الآخر وقبعته في يده ويبدو عليه الانشغال.)

زوازولا : قل لنا على الأقل ماذا حدث.
أنتونانزس : حقًّا. ليست لدينا أيَّة تفصيلات. وعلى كلٍّ لم يحضر بعد صاحبُ السعادة. لا زالت أمامك بضع دقائق.

(إزكويردو يعود ببطء وعلى وجهه آثار السُّبَّة التي يُريد أن ينتقم منها.)

إزكويردو : وصلنا في الفجر للمزرعة التي الْتجأ إليها بوليفار المريض حسب معلومات عيوننا، وقد أمرتُ بمحاصرة المساكن. وفتَّش رجالي في كل مكان، فراحوا يُبيدون ويحرقون كل شيء، وعندما داهمَت النيران أجران القمح خرج زنجيٌّ من تحت أكوام القش وهو يرتعد من الخوف، وقد رأى بعينَيه جُثث الآخرين في وسط الحوش فلم نكن في حاجة إلى جهودٍ كثيرة لكي يحكي لنا قصته الصغيرة. مع ذلك فقد ساعده على ذلك أحد جنودنا فراح يُداعب بطنه بطعنات خفيفة بالسونكي.
مورالس (ضاحكًا) : ما هي أهم أقواله؟
إزكويردو (بصوتٍ عالٍ، مُقطَّب الجبين) : أخطرَ أحدُهم بوليفار في منتصف الليل، كانت الحمَّى الشديدة تنتابه فوضعوه على حصانه وربطوه في السرج. أمَّا أين اختبأ؟ لا يعرف الزنجي أي شيء، ولذا فقد أمرت بشنقه (يُفكِّر) وحتى لو كان يعرف كنت سأشنقه بالطبع.
مورالس : هل أعطاك معلومات عن الشخص المجهول؟
إزكويردو : أعرفه.
مورالس : إسباني، أليس كذلك؟
إزكويردو : لا تُوجِّه لي أسئلة بهذا الصدد، أفهمتَ؟
مورالس : ما دمت تعرفه فستقبض عليه وتُرغمه على الكلام هو أيضًا؛ النمل الأحمر … أو الرصاص المصهور في الآذان.
إزكويردو : خيالك محدود.
زوازولا : لا شك أن بوليفار لم يبتعد عن هنا كثيرًا.
إزكويردو : لا؛ سيظل بالطبع مختبِئًا في مكانٍ ما طالما كان الوقت نهارًا وسيواصل الفرار بالليل. وقد أرسلتُ عدة دوريات من الفرسان في الاتجاهَين اللذين يُمكن أن يأخذهما.
مورالس : لماذا اتجاهين؟
إزكويردو (بدقة) : إمَّا أن يتجه بوليفار هذه الليلة نحو بويلبا (Puelba) وينضم لأنصاره ويُحاول تجميعهم من جديد ليُلقي بهم في وجهنا، وإمَّا أن ينزل نحو الشاطئ ويُقلع إلى كوراسا (Curaçao) حيث يلتقي بأصدقائه الأعزاء ليُعالج نفسه وينسى جنوده القردة ومشاريعه الجنونية.
زوازولا : أتعتقد جديًّا أن خسائره من الضخامة حتى إنه يئس وتخلَّى.
إزكويردو (حانقًا) : لا أعتقد أي شيء. أمامه أحد حلَّين؛ إمَّا بويلبا أو كوراساو. إمَّا الغرب أو الشاطئ. وقد أصدرتُ أوامري بتفتيش كل الأماكن وخصوصًا في هذين الاتجاهَين، ولكنكما استوقفتماني أكثر من اللازم، سأدخل على القائد، لا بد أنه وصل.
مورالس (وهو يُوقفه) : كلمة أخيرة يا إزكويردو. هل يستطيع بوليفار أن يفلت منك بالرغم من كل ذلك؟
إزكويردو : لا؛ لأني سأعرف أين يختبئ قبل حلول الليل وقبل أن يستأنف مسيرته، أُقسم لك إني سأعرف كما عرفتُ من الذي أنقذه هذا الصباح! إلى اللقاء.

(يخرج الضباط من بعده. ويسمع زوازولا وهو يسأل.)

زوازولا : فيمن تشك يا مورالس؟

المشهد الثالث

(الأب كورونيل – مونسيرا)

(يستأنفان مناقشة بدأت قبل دخولهما.)

الأب كورونيل : … ولذا يا بُني لست مرتاحًا لتصرفاتك هذه الأيام. إنك تقول كلامًا لو وصل إلى مسامع صاحب السعادة لجلب عليك غضبه وازدراءه.
مونسيرا : لم أعد أستطيع أن أتمالك نفسي، إني أختنق منذ وصولي هنا، وأنت يا أبتي ألا تثور لهذه الاضطهادات والمذابح وأعمال السلب والعنف هذه؟ إنك تؤيد ثورة شعبنا في إسبانيا ضد المرتزقة البونابوتيين فكيف تدين هؤلاء الرجال الذين يُحاربون فوق أراضيهم ليحصلوا على حريتهم ويحيوا كبشر؟ بالأمس، حاول جنود فرقة ألورا (Alora) أن يخطفوا فتيات من قرية توتولس (Totulas) وقد قوبلوا بمقاومة من جانب كل السُّكَّان فهجموا عليهم بوحشية وحرقوا أكواخهم.
الأب كورونيل : آن الأوان يا بُني لكي تُسافر إلى كاديس (Cadix) بقاؤك هنا خطر عليك وعلينا، سأطلب من صاحب السعادة إعادتك إلى الوطن، ستُكلَّف بمأمورية لدى مجلس الوصاية، ولن يعترض صاحب السعادة على سفرك.
مونسيرا : كنت أظن يا أبتي أنك ستُدرك مشاعري تجاه هذا الشعب الفقير الذي لم يعرف حتى الآن سوى المآسي.
الأب كورونيل : لا يُمكنني أن أعطف على هؤلاء القوم الذي يُصرُّون على صنع أوثانهم من جديد وعبادتها سرًّا! والذين يرفضون الاعتراف، مُخلصين، بمجد الله.
مونسيرا : لا أدري إذا كان الرب غيورًا على مجده بقدر غيرة عباده على هذا المجد.
الأب كورونيل : أودُّ أن أُصدِّق أنك تسرَّعت في كلامك!
مونسيرا : وأنا يا أبتي أرى الله رحيمًا شفوقًا بهذه المخلوقات البائسة التي عمَّر بها الأرض.
الأب كورونيل : مخلوقات الله الحقيقية هي فقط تلك التي يسكنها قبس من الروح الإلهية.
مونسيرا : أنت ترى إذًا أن هؤلاء الهنود لا أرواح لهم شأنهم شأن البهائم؟
الأب كورونيل : بل أكثر من ذلك؛ الشياطين تسكنهم وتحركهم، ولذا فهم يتجرَّءون في حياتهم على مجد العَلِي القدير.
مونسيرا (مذعورًا) : أنت تؤيِّد إذن يا أبتي مجازر كامبيلو (Campillo) وسيكيسيك (Siquiseque) وسانتا نارو (Santa Naro) وتولولاك (Tolulac)؟ هل تتطلب هيبةُ الله حقًّا كلَّ هذه المذابح والخرائب؟
الأب كورونيل : يا بُني كيف لا تُدرك أنَّ في هذه المذابح وهذه الحرائق تُصاب روح الشيطان وتُحرق وتضْعُف؟
لماذا نرثي لحال هؤلاء التعساء ما دمنا من خلالهم بل وفيهم نقضي على الشيطان؟

إن الرائحة الكريهة التي تصعد من جثثهم ليست سوى عفونة الشيطان الرجيم.
مونسيرا (شارحًا) : نعم؛ سأرحل، سأستقلُّ أول مركب.
الأب كورونيل : أوافقك (ملمحًا) ألا ترى أن صوت بوليفار هو صوت الوسواس الخنَّاس؟
مونسيرا (يرتبك ويتفرَّس في الأب كورونيل ثُم يُغمغم) : سيمون بوليفار.
الأب كورونيل : انتظرني، سألحق بك بمجرد حصولي على أمر سفرك من صاحب السعادة.

المشهد الرابع

زوازولا (يدخل مندفعًا) : أتريد أن تقابل صاحب السعادة يا أبتي؟ إنه يستمع الآن إلى تقرير إزكويردو حول مشكلة هذا الصباح.
الأب كورونيل : مشكلة هذا الصباح؟
زوازولا : ألم يبلغك نبأ فشل إزكويردو الذي تسرَّع وتفاخر بإلقاء القبض على بوليفار؟
الأب كورونيل : لم يكن لديَّ علم بذلك.
زوازولا : لقد عرف إزكويردو مخبأ المجرم عن طريق جواسيسه. وقد توجَّه مع رجاله، وفتَّش المنزل، لم يجد شيئًا. لقد علم الآخر بالأمر في الوقت المناسب فهرب بالرغم من المرض والحمَّى الشديدة … يُقال إن الجنود أقاموا مجزرة …!
مونسيرا (مرتاعًا) : مجزرة!
زوازولا : كل عائلته وخدمه … كان رجالنا ساخطين بعد هذه المسيرة الطويلة التي لا طائل تحتها، تصوَّر إن إحدى الفتيات فضَّلت أن تقطع رقبتها بشظية مرآة عن أن تستقبل فوق صدرها فرقة كاملة من مشاة صاحب الجلالة.
الأب كورونيل (بجفاء) : كفى!

المشهد الخامس

(نفس الأشخاص – إزكويردو يتبعه مورالس وأنتونانزس)
إزكويردو : نعم، حصلت من صاحب السعادة … آه صباح الخير يا أبتي!
(ثم لمونسيرا بجفاءٍ شديد) صباح الخير.
الأب كورونيل : صباح الخير يا كولونيل … علامَ حصلت؟
إزكويردو : أوامر بقيام الفصائل بدورياتٍ مستمرة في منطقة لونا بارادو (Luna-Parado) في سانتا مونيكا. أمام بوليفار أحد احتمالَين؛ إمَّا اللحاق ببويلبا ليتولَّى قيادة المتمردين، أو الالتجاء إلى أصدقائه في كوراساو. وسيُراقب فرساننا إذن كل المسالك التي تؤدي إلى بويلبا أو الشاطئ.
الأب كورونيل : لماذا يتقهقر؟
إزكويردو : مرضه شديد وهو متأثر من هزيمة ميراندا (Miranda) أتعرف بالضبط ما هي مشاريع هذا الخائن؟ وجدنا هذا الصباح وثيقة نسيها. إنها مشروع دستور جمهوري برئيس جمهورية ومجلس أمة، وضم غرناطة الجديدة إلى فنزويلا تحت اسم «كولومبا» تخليدًا لذكرى مكتشف القارة. ولن يتحقَّق هذا بالطبع إلَّا بعد إلقاء آخر جندي إسباني في البحر! (يتظارف) أتظن أن هذا العبقري الثوري سيلجأ إلى الإنجليز ويتخلَّى عن محاولة ذبحنا جميعًا يا عزيزي مونسيرا؟
مونسيرا (ببرود) : لا أظن.
إزكويردو : حسنًا، هذا رأي مسئول، هل يتمسَّك بوليفار بأحلامه في تحرير هذه الحثالة من الهنود والزنوج والمولَّدين؟ ومع ذلك فلديَّ معلومات مفيدة؛ يُقال إن بوليفار يُفكِّر في التخلِّي عن كل شيء والالتجاء إلى الإنجليز، بم تُسمِّي هذا يا مونسيرا؟
مونسيرا : هروب.
إزكويردو : هروب؟ تقول هروب! إنها لخيانة. أليس هذا ما تعني؟!
مونسيرا : بالضبط.
إزكويردو : لكني بالطبع لن أترك لبوليفار العظيم فرصة الاختيار؛ بويلبا أو كوراساو! لا بد من القبض عليه. لو أدرك بويلبا لكان هذا معناه الحرب بالنسبة لنا، وإذا انضم إلى كوراساو فسيلحق به العار، سنشنقه ويُقضَى الأمر.
الأب كورونيل : ولكنَّه قد يفلت منَّا الليلة و…
إزكويردو (بحدَّة) : لا لن يفلت منَّا (صمت) إني واثق من اعتقاله الليلة، يجب أن نثأر لرفاقنا. أتذكرون جنودنا الثلاثة والعشرين الذين أسرهم المتمردون وعلَّقوهم أحياء من فكهم في خطاطيف الجزارين؟ أتذكر أين تمَّ هذا يا مونسيرا.
مونسيرا : في سانتا موينكا.
إزكويردو : أي نعم، بالضبط، ذاكرتك قوية، يجب أن نثأر أيضًا لهؤلاء البؤساء الثمانية عشر الذين قبض عليهم المتمردون وطلوهم بالعسل ثم تركوهم فريسة حيَّة للنمل الأحمر، أظن أن سيمون بوليفار هذا يتحمَّل قدرًا من المسئولية في تلك الجرائم وغيرها من أعمال أنصاره؟
الأب كورونيل : ولكن كيف تمكَّن بوليفار من الهرب هذا الصباح. لا بد أنه أُخْطِر؟ هل حقَّقتَ في الموضوع … من الذي أبلغه؟
إزكويردو : بالأمس يا أبتي، كنَّا تسعة ضباط حاضرين على مائدة صاحب السعادة، تسعة فقط عندما أعلنت عن خطة إلقاء القبض على بوليفار قبل طلوع النهار. كان على هذه المائدة، بخلاف الجنرال وأنا، رؤساء الأسلحة الثلاثة، أي خمسة أشخاص، ثم زوازولا وأنتونانزس ومورالس … وأنا أضمنهم كما أضمن نفسي.
مونسيرا (شاحبًا وبصوتٍ ملول) : استمر يا إزكويردو. أنا التاسع.
إزكويردو : نعم.
مونسيرا : و… هل تضمنني أنا أيضًا؟
إزكويردو : لا.
الأب كورونيل : ما هذا يا إزكويردو؟ و… أ…
إزكويردو : تمهَّل يا أبتي واستمع إليَّ، لقد قدمت بالأمس إلى صاحب السعادة في حضور زملاء موثوق فيهم تقارير رجالي عن اكتشاف المخبأ الذي التجأ إليه بوليفار وهو مريض كما عرضت الخطة التي رسمتها للقبض عليه، وبعد ذلك بساعتَين كان حارس الحظائر يفضح الشخص الذي جاء يطلب جوادًا من أجل مهمةٍ عاجلة …
مونسيرا : «بأن الليل حالك الظلام ويُستحسن أن ينتظر بزوغ القمر.»
إزكويردو : وبالرغم من الليل الحالك استطاع أن يتجه نحو المزرعة التي يختفي فيها بوليفار، وقد نقلوه وهو مريض محموم على فرسٍ سوداء.
مونسيرا : وأوثقوه بالسرج بسبب ضعفه الشديد.
إزكويردو : وعندما وصلت قواتنا راحت تُفتش كل المباني بلا جدوى.
مونسيرا : وقد أثار هذا سخطهم فأبادوا كل السُّكان وقطعت فتاةٌ رقبتَها بشظية مرآة حتى لا يعتدوا عليها.
إزكويردو : ولكنَّنا استطعنا أن نستجوب السايس الذي حمله بنفسه فوق سرج الفرس السوداء، وقد حدَّثَنا عن سيماء النُّبل والأناقة التي يتحلَّى بها رفيق بوليفار.

(كورونيل يخرج ببطء.)

إزكويردو : يا أبتي أؤكد لك أنه لن تكون هناك أي جدوى من مقابلة صاحب السعادة لطلب العفو عن المتهم، فلا زالت هناك مهمة ترَك لي صاحب السعادة حرية إنجازها على الوجه الذي أُقرِّرُه أنا.
الأب كورونيل (بازدراء) : لن أطلب العفو عن أحد! سأذهب إلى الكنيسة لأُصلي حتى تطلبوني للوقوف إلى جانب المحكوم عليه!

المشهد السادس

(نفس الأشخاص ما عدا الأب كورونيل)
إزكويردو (بتعجُّل) : الوقت يمر بسرعة، سيظل بوليفار مختبئًا حتى حلول الليل خوفًا من الدوريات، ثمَّ يُحاول الإفلات منَّا بشكلٍ نهائي، الساعة الآن الثالثة وسنتوجه للقبض عليه بعد ساعة … يا مورالس!
مورالس : نعم.
إزكويردو : خذ معك عشرة رجال وانزل في الطريق العام، اقبض على أول ستة أشخاص تُصادفهم وأحضرهم هنا.
مورالس : أول ستة أشخاص؟
إزكويردو : بالطبع، بسرعة.
مورالس : حاضر.

المشهد السابع

(مونسيرا – إزكويردو – أنتونانزس – زوازولا)

(يقف الثلاثة الآخرون خلف مونسيرا، استعدادًا للإمساك به إذا حاول الإفلات.)

إزكويردو : أرثي لحالك يا مونسيرا؛ أعرف أنك شجاع ولكنَّك ستحتاج لشجاعةٍ نادرة.
مونسيرا : أنا لا أخشى شيئًا.
إزكويردو : من يدري؟ يُمكنني أن أُعذبك حتى الموت ولكنَّك لن تتكلَّم، أنا أعرفك جيدًا، ولو مت وأنا أعذبك لضاعت والله فرصة القبض على بوليفار مع أنفاسك الأخيرة. لقد ترك لي صاحب السعادة حرية اختيار الوسائل التي تحملك على الإرشاد عن مخبأ صديقك.
مونسيرا : ما دمت تعرف أني لن أتكلم فلماذا لا تأمر بإطلاق النار عليَّ.
إزكويردو (بهدوء) : ستتكلَّم … (يمشي جيئة وذهابًا ورأسه منكَّس ثم يقف ويتفرَّس في مونسيرا) استمع إليَّ، سأُغلق الباب هنا على ستة أشخاص معك؛ أشخاص مقبوض عليهم في الطريق بمحض الصدفة، أبرياء يا مونسيرا! رجال ونساء من أبناء هذا الشعب الذي تُحبه أكثر من العَلَم الذي تُحارب تحت ظله، وإذا لم تدلنا خلال ساعة على مخبأ بوليفار فسنعدمهم جميعًا.
مونسيرا (وقد أُسقط في يده) : هذا مستحيل يا إزكويردو. هذا عمل غير إنساني.
إزكويردو (بازدراء) : المهم أنه فعَّال.
مونسيرا : أريد أن أقابل الجنرال.
إزكويردو (بحدَّة) : مرفوض (صمت) … أمامك ساعة وبعدها سنطلق النار عليهم إذا صمَّمت على موقفك. عليك أن تختار بين موت بوليفار الخائن المتمرد أو مقتل ستة أبرياء.
مونسيرا (يصرخ في ثورة) : أنت حيوان قذر. كان يجب عليَّ أن أُحطِّم رأسك يوم جومارا (Gomara) عندما أمرت بدفن جميع الأسرى أحياءً.
إزكويردو : اسكت! سيكون الأمر أصعب مِمَّا كان يوم جومارا.
مونسيرا (قد خرج عن طوره) : إني أمقتك (يُحاول الانقضاض على إزكويردو فيمسكون به).
إزكويردو (بسخرية) : أرأف بحالك وأرثي لك من كل قلبي لأنك ستمر بامتحانٍ عسير، عسيرٍ جدًّا.
مونسيرا : أريد أن أقابل القائد. سيأمر سعادته بإعدامي لأنني خنت وفضَّلت قضية البشر الذين تضطهدهم على الولاء للملك، فليحكم عليَّ بالإعدام، فهذا لا يهمني وأنا موافق على أن أموت خائنًا، أعترف بأني خائن لمعسكركم لأني إنسان ولديَّ مشاعرُ إنسانية، ولست آلة للقتل، آلة عمياء قاسية!
إزكويردو : كفى! لقد أمر سعادته بأن أجعلك تبوح بمخبأ بوليفار بأي وسيلة كانت. وهذه الوسيلة في يدي (صمت) لا أريد أن أعرف إذا كان الذين سيحضرون هنا معنا أو ضدنا، يحبوننا أو يكرهوننا. المهم أن يكونوا أبرياء، قد يكون بعضهم من رعايا الملك المخلصين، هذا أفضل؛ لن يقع أي لوم عليهم، أنت الوحيد المتهم هنا، متهم بمساعدة قائدٍ متمرد على الهرب. الصفقة واضحة، واحدة بواحدة: حياة ستة أبرياء في مقابل حياة خائنٍ مجرم.
مونسيرا : لا أستطيع! لا أستطيع! لا أستطيع!
إزكويردو : ما الذي يمنعك؟ الشرف مثلًا؟ ألَّا تُسلِّم صديقًا آويته؟ أليس كذلك؟ فكر يا مونسيرا، ستة أبرياء! زِن الأمور جيدًا، شرفك …
مونسيرا : آه، هذه ليست المشكلة! لو أن الأمر يقتصر على شرفي فقط!
إزكويردو : ماذا إذًا؟

(تُسمَع في الخارج ضوضاء، وقع أقدام، صرخات: «تقدَّموا.» «لكني لم أفعل شيئًا!» «اسكت».)

المشهد الثامن

(نفس الأشخاص ومعهم الفخراني والتاجر وجنود)
إزكويردو (ساخرًا) : إليك بالأولين يا مونسيرا! قد تتخيَّل أني لن أمضي حتى نهاية الشوط!
وأنها ليست سوى مهزلة أمثِّلها! لا … أنت تعرفني جيدًا.
مونسيرا (في قلقٍ شديد) : أعرفك لكن هذا مستحيل! هذا لن يكون.
الفخراني (في استحياء) : قبضوا علينا.
إزكويردو (بسعادةٍ مفتعلة) : وبعد؟
الفخراني (في نفس الحالة) : لم نفعل أي شيء … كنت أمُرُّ في الميدان …
إزكويردو : عارف، عارف.
التاجر : أنستطيع أن نستوضح الأمر … وماذا … يريدون منَّا؟
إزكويردو (يضع يديه في وسطه) : سوف ترى.
التاجر : إنهم …
إزكويردو : ماذا؟
التاجر (خائفًا) : إنهم ينتظرونني.
إزكويردو (متفرِّسًا في وجهه) : مَن؟
التاجر : زوجتي، في المنزل.
إزكويردو : إذًا فستنتظر زوجتك! أتريد أن تبقى دائمًا في أحضانها! ستُستهلك والله! شيء من الراحة هنا لتستعيد قواك … أنت متزوج منذ أمدٍ طويل؟
التاجر : سنة.
إزكويردو : آه، فهمت! … مَن أنت إذن؟
التاجر (على استحياء) : سالس إينا (Salas Ina)، التاجر … في ميدان الملك.
إزكويردو : في الميدان، آه، أنت بائع الأقمشة والأصواف … أليس كذلك؟
التاجر : نعم.
إزكويردو : تاجرٌ غني … تجارةٌ كبيرة … وزوجةٌ جميلة على ما يُقال. الكل يُبدي إعجابه بها عند خروجها من الكاتدرائية صباح يوم الأحد، قوام وأكتاف، وعيون! لم أرَها أبدًا، فللأسف، نادرًا ما أتردَّد على الكاتدرائية، ولكن بعض ضُباطي الشبان … قل لي إذن، أزوجتك جميلة؟
التاجر (منكسًا رأسه) : نعم.
إزكويردو : أتحبها بشدة؟
التاجر (لا يزال منكس الرأس) : نعم.
إزكويردو (مازحًا) : هذا لا يعني شيئًا … قل لي … هل تحبها أكثر من حياتك؟ … هيا … جاوب! أكثر من حياتك؟
التاجر (ينظر إليه في هلع ثمَّ يقول في نفَسٍ واحد) : نعم.
إزكويردو (ضاحكًا) : حسنًا! هكذا يكون الحب! … سؤال آخر ما مقدار ثروتك؟
أنت لا تملك بالطبع هذا المحل الكبير فقط؟ المعروف عنك أنك غني جدًّا! تكلَّم!
التاجر (على مضض) : لديَّ … منزلان …
إزكويردو : منزلان؟! بالطبع ليست أكواخًا، هذا أكيد، عمارات كبيرة وجميلة تُدِر عليك إيرادًا … أليس كذلك؟ ولكنَّك تملك أيضًا قطعانًا! لديك قطعان مواشٍ!
التاجر (في هلع) : لديَّ ألف ومائتا رأس ماشية.
إزكويردو : والمسيح الحي، أنت أغنى بكثير ممَّا كنت أتصور! وبالطبع تتبختر هذه الحيوانات الصغيرة في مراعيك الخاصة …! (يُصفِّر في إعجاب) بالاختصار: أنت تملك ثروةً ضخمة! وامرأةً جميلة! أنت رجل سعيد إذن! … جاوب! ألا تُريد أن تُجاوب؟ … ألست رجلًا سعيدًا؟
التاجر (في نفسٍ واحد) : نعم.
إزكويردو : قل بوضوح: أنا رجل سعيد!
التاجر (في صوتٍ مكتئب) : أنا رجل سعيد.
إزكويردو (يُكلِّم مونسيرا) : حسنًا! أسمعت يا مونسيرا؟ رجل سعيد، رجل مغمور بالحب والسعادة والشباب، أخذ من الحياة أحلى ثمارها، وأجمل أزهارها! وهو يُريد أن تدوم هذه السعادة؟ هل ستتذكَّر ذلك يا مونسيرا؟ (يُكلِّم الفخراني) وأنت، من أنت؟ رجل فقير، لا زهور ولا فواكه! هذا واضح!
الفخراني (بتواضع شديد) : أنا لوهان (Luhan)، أرنال لوهان (Arnal Luhan) الفخراني.
إزكويردو (منشرحًا) : فخراني! … فخراني! مورالس يقبض الآن على الفخرانية!
أنتونانزس : إنه لوهان الشهير، لقد تعرَّفت عليه.
إزكويردو (مازحًا) : ماذا؟ أنت تعرف هذا الحقير؟
أنتونانزس : إنه يصنع جِرارًا على شكل حيوانات تصدر منها أصوات تُحاكي صوت هذه الحيوانات عندما يُسكب منها الماء.
إزكويردو (بجدية) : هذا شيق جدًّا! اشرح لنا ذلك! كيف تستطيع أن تفعل هذا؟ لقد رأيت إحدى جِرارك. كانت على شكل قطة وكانت تموء كلَّما أفرغت ماءها؟ هذا مدهش!
الفخراني (وهو في حالة عدم ارتياح) : عشت طويلًا في بيرو؛ عائلتي من هناك، جئت هنا منذ أمدٍ طويل مع قافلة. لقد تعلَّمت هناك في بلدي أسرار الفخرانية الهنود … وأُحاول أن أحسنها.
إزكويردو (وقد بدا عليه الاهتمام الشديد) : كيف تستطيع أن تحسنها؟
الفخراني (وقد تشجَّع) : نعم … اكتشفت تركيبات جديدة لمسالك الماء داخل الجرة … لا أريد أن أكتفي بمحاكاة صوت الحيوان … ولكن صوت الإنسان.
إزكويردو : صوت الإنسان؟
الفخراني : نعم … أن أجعل الجرة تتكلَّم وهي على شكل رأس إنسان بالطبع.
إزكويردو (الذي يبدو أنه نسي كل شيءٍ آخر) : بالطبع، وهل توصَّلت إلى نتائج؟
الفخراني (في تواضع) : الحق إنها قليلة، استطعت أن أصنع من الفخار رأس رجل يبكي … عندما يُسكب الماء، تنزل الدموع من طرف العينين وتصدر في نفس الوقت أنَّةً ونحيبًا.
إزكويردو (وقد ظهر عليه الإعجاب الشديد) : هذا شيء فريد من نوعه!
الفخراني (في تواضع) : كان الهنود القدامى في بيرو يصنعون الجرار الباكية.
إزكويردو : أريد أن أرى هذا.
الفخراني : أسكن بالقرب من هنا يا حضرة الضابط.
إزكويردو : اسكت … انتظر قليلًا (يستمع وهو ينظر في اتجاه الباب).

(تُسمَع صرخاتٌ جديدة في الخارج، وقع أقدام وشتائم يُطلقها الجنود.)

المشهد التاسع

(نفس الأشخاص ومعهم الأم والممثل وإيلينا وريكاردو ومورالس وجنود)
الأم (تُكلِّم إزكويردو) : يا حضرة الضابط، قَبض علينا هؤلاء الجنود. لا أعرف شيئًا من أمر الآخرين. أمَّا عن نفسي فلم أفعل شيئًا. لا أدري لماذا جاءوا بي إلى هنا.
الممثل : ولا أنا.
الأم : كنت أسير في الطريق يا حضرة الضابط خرجت لأشتري الخبز وتركت ابنَيَّ وحدهما. الصغير سِنه عشرة شهور ويجب أن أرضعه بعد قليل … والآخر في الثانية من عمره. وهما نائمان الآن، هل سنُحتَجز هنا مدةً طويلة؟
إزكويردو (مُخاطبًا مونسيرا) : أسمعت يا مونسيرا؟ إذن جاوب أنت … أليس لديك ما تقوله؟

(الرهائن تنظر لمونسيرا في حيرة.)

الممثل : يا حضرة الضابط، لم نفعل أي شيء، ماذا يريدون منَّا؟ ماذا في الأمر؟ أنا كنت أسير في الشارع في طريقي إلى بيتي، كنت عند صديقي رويج (Roig) الموسيقار، بوسعكم أن تتأكَّدوا من كلامي.
إزكويردو (مخاطبًا مونسيرا) : أسمعتَ هذا أيضًا؟ لم يفعل شيئًا! لم يفعلوا أي شيء! … كلهم أبرياء!

(مورالس ينحني على إزكويردو ويُشير إلى الممثل ويهمس في أذنه.)

إزكويردو (بصوت مرتفع) : آه! هو! هذا رائع. لم أتعرَّف عليه أحقًّا أنت جوان سالسيدو (Juan Salcedo).
الممثل (في انطلاق) : نعم يا حضرة الضابط، جوان سالسيدو ألفاريز (Alvarez)!
إزكويردو : جئت من كاديس (Cadix) منذ ستة أشهر مع فرقة المسرح الملكي في إشبيلية.
الممثل : بالضبط يا حضرة الضابط.
إزكويردو : شاهدتك وأنت تُمثِّل مأساة فوق السفينة «الأميرة إيزابلا» وهي راسية في لاجوايارا (Laguayara).
الممثل (وكله أمل) : فعلًا يا حضرة الضابط! كنَّا نُقدِّم مسرحية أسكازيو (Ascasio)، مأساة حديثة بالنثر … عمل جبَّار!
إزكويردو (متلاطفًا) : آه بالطبع، كانت هناك بعض الألفاظ الخارجة والثرثرة … وبدا لي الفصل الثاني أطول من اللازم!
ولكنَّها مسرحية رائعة على أي حال. كانت ليلةً جميلة من ليالي يونيو، تمَّ العرض على سطح السفينة بين صفَّين من المشاعل … كنت تؤدي دور أسكازيو.
الممثل : نعم يا حضرة الضابط.
إزكويردو : أتذكرك الآن … أي أتذكَّر أسكازيو … (يُفكِّر) لقد مات ميتةً نبيلة في الفصل الأخير.
الممثل : المشهد بجوار المشنقة.
إزكويردو : بالضبط، عندما يلتفت إلى جلَّاديه ويرفض أن يحقد عليهم ويُحاول أن يغفر لهم بإخلاص.
الممثل : حتى يظل نقيًّا.
إزكويردو (بسخريةٍ خفيفة) : ويفوز برضاء الله (يُفكِّر وهو مُنكَّس الرأس ونظره مثبت على طرف حذائه ويداه خلف ظهره) الحق يا سالسيدو أن مهنتك جميلة. أنت شخصٌ آخر في كل مرة. أنت، أنت نفسك وشخصٌ آخر أيضًا. أنت تتعدَّد من خلال مصائرَ أخرى! تموت مع احتراق الشموع وتحيا من جديد مع الحب ومع آلام وعذابات الآخرين … تموت مائة مرة وتعود للحياة مائة مرة … (صمت) حياة الممثل مغامرة مدهشة حقًّا!
الممثل (في حركة غير مُحدَّدة وقد بدا عليه عدم الارتياح) : نعم، إنها مهنةٌ رائعة.
إزكويردو (في ابتسامةٍ باردة) : رائعة حقًّا. يا جوان سالسيدو ألفاريز ستُمثِّل لنا الليلة دورًا هائلًا يتناسب مع عبقريتك، لن تكون الليلة أسكازيو أو روديوج أو دون جوان، بل جوان سالسيدو ألفاريز نفسه. سيكون أعظم أدوارك الذي سيبقى محفورًا في ذاكرة البشر، ستتحدَّث أمريكا كلها عن جوان سالسيدو وهو يؤدي دور جوان سالسيدو، سيقولون عنك في المستقبل: أدَّى دور السيد ودور دون جوان ودور سيجيسموند (Sigismond) ولكنَّه بلغ الإعجاز في دور جوان سالسيدو.
الممثل (وقد بدا عليه الضيق) : لا أفهم! ماذا في الأمر؟
إزكويردو : سترى بنفسك، ولكنِّي أقول لك من الآن إنك ستؤدي، أو تعيش بالأحرى، مأساة من تأليفي أنا، هل تذكر سيجيسموند في مسرحية «الحياة حلم»؟ لم يكن يدري هل كان حيًّا وهو يحلم أو إنه يحلم وهو حي … ستجد نفسك في موقفٍ مُشابه تقريبًا!

(يضحك.)

الممثل (قلقًا) : أود أن أعرف …

(يدخل الأب كورونيل في بطء وينظر للرهائن دون أن يفهم.)

المشهد العاشر

(نفس الأشخاص ومعهم الأب كورونيل)
إزكويردو (يُخاطب الأب كورونيل) : تعالَ يا أبتي، أُقدِّم لك الممثل جوان سالسيدو … سيُمثِّل دورًا خصوصًا لنا. ومع ذلك فلن يحتاج إلى جهدٍ خاص لكي يعيش روحًا أخرى يعيرها جسده … فهذا لا يُرضي الله أبدًا، أليس كذلك يا أبتي؟ لا يحق لنا أن نُبادل أرواحنا، ولا أظن أن الله يرضى أن نُعيد الحياة لأرواحٍ أخرى، لم يخلقها هو، ولو لمدة ساعات على خشبة المسرح، ألست محقًّا في ذلك؟
الأب كورونيل (ببرود) : ما هذا؟ ماذا يفعل كل هؤلاء القوم هنا؟ هل عملوا شيئًا؟
التاجر (وكله أمل وفي انطلاق) : لم نرتكب أي إثم يا أبتي، أنا كنت أسير في الشارع وفجأة أحاط بي الجنود وساقوني إلى هنا، لم أفعل شيئًا، أقسم لك إني لم أفعل شيئًا!
الأب كورونيل (يُخاطب إزكويردو) : هل تشرح لي الأمر؟
إزكويردو (مُخاطبًا الرهائن) : هذا حسن جدًّا، أعرف تمامًا أنكم لم تفعلوا أي شيء. وهذا سبب وجودكم هنا، أنتم أبرياء! ذنبكم … البراءة، وأنا أستخدم معكم الرأفة، لو أني ترجمت الأفكار العميقة للأب كورونيل لاتَّهمتكم بأعظم جريمة … جريمة مجيئكم إلى هذا العالم! أليس الأمر كذلك يا أبتي؟
التاجر : لا أفهم ما تعني.
الأب كورونيل (مُخاطبًا إزكويردو بجفاء) : كفى هزلًا وتكلَّم!
إزكويردو (يُخاطب التاجر بقسوة) : اسكت وستفهم … (ينظر إليهم جميعًافي صمت) استمعوا إليَّ، هذا الضابط الذي ترونه أمامكم خائن وهو يعرف أين يختبئ الكولونيل بوليفار. يجب أن نُلقي القبض عليه هذا المساء. وهذا الولد يعرف مخبأه. ولكنه لا يُريد أن يخون صديقه. وعليكم أنتم أن تحصلوا منه على ما يُفيد عن المكان الذي التجأ إليه بوليفار، هل هذا واضح؟
الأم : وإذا رفض أن يتكلَّم؟
الفخراني : لقد رفض أن يعترف لكم، فكيف يُمكننا نحن أن نجعله يتكلَّم، وما لنا نحن بكل هذا؟
التاجر : نعم، هذا لا يعنينا في شيء.
إزكويردو : أنتم مخطئون في ذلك؛ فعلاقتكم بالموضوع وثيقة.
الفخراني : لم أعد أفهم شيئًا، لماذا أُقحمنا نحن في هذه المسألة؟
إزكويردو : سأقول لكم، الساعة الآن الثالثة والنصف تقريبًا، وستظلون محبوسِين مع هذا الرجل لمدة ساعة.
الأم (فَزِعة) : ساعة؟!
إزكويردو : إذا لم يعترف لنا بسرِّه خلال ساعة …
الفخراني والتاجر (في نفسٍ واحد) : هه!
إزكويردو : ستُعدَمون رميًا بالرصاص بالطبع.

(صمت.)

إزكويردو (يُشير إليهم الواحد إثر الآخر) : أنتم الستة.
الأم (في استحياء) : ولكن يا حضرة الضابط … أولادي؟
إزكويردو : حياتكم مُعلَّقة بكلمة من هذا الولد (يُخاطب الجنود) وأنتم احرسوا الأبواب.
مونسيرا (وقد انتابه الهلع) : إزكويردو!
إزكويردو : ماذا؟

(ينظر كلٌّ منهما في عينَي الآخر.)

إزكويردو : سأعود بعد ساعة (يخرج ثمَّ يعود أدراجه) آه وأنت يا فخراني كنت أريد أن أسألك على شيءٍ هام.
الفخراني (وهو يلهث) : نعم يا حضرة الضابط.
إزكويردو (مقطب الجبين) : أريد أن أعرف … لكي تصنع الأواني التي تُحاكي صوت إنسان يبكي، لا شك أنك فعلت نفس الشيء كما هو الحال بالنسبة للقط والعصفور، فاستمعت مدةً طويلة لإنسان يبكي؟
الفخراني : نعم يا حضرة الضابط.
إزكويردو : كيف تمَّ لك ذلك؟
الفخراني : كنت أجلس كل صباح … تحت نوافذ سجن المحكوم عليهم بالإعدام.
إزكويردو : وماذا بعد؟
الفخراني : في أغلب الأحوال … كان هناك … رجل يبكي.
إزكويردو (بابتسامة باردة) : يا فخراني، سأذكرك بعد قليل أنك كنت تحب جرارك أكثر من البشر.

(يخرج إزكويردو ومورالس، ومن بعدهما الأب كورونيل.)

(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤