تمهيد

احتلَّت المناظَرة المسجَّلة في هذا الكتاب بين روجر بنروز وستيفن هوكينج موقع الصدارة ضِمن برنامج استمرَّ ستة أشهر عام ١٩٩٤ في معهد إسحاق نيوتن للعلوم الرياضية بجامعة كامبريدج. وتمثِّل تلك المناظرة نقاشًا جادًّا حول بعض أهم الأفكار المتعلقة بطبيعة الكون. وغنيٌّ عن القول أننا لم نصِل إلى نهاية الطريق بعد؛ فالشكوك ونقاط الخلاف ما زالت قائمة، وما زال يوجد الكثير لمناقشته.

أُقيمت قبل نحو ستين عامًا مناظرةٌ مطوَّلة شهيرة بين نيلز بور وألبرت أينشتاين حول أُسُس علم ميكانيكا الكم، ورفض أينشتاين التعامل مع نظرية ميكانيكا الكم باعتبارها نظريةً نهائية؛ فقد وجدها غير وافية من الناحية الفلسفية، وكافَح كفاحًا مريرًا ضد التفسير التقليدي لمدرسة كوبنهاجن الذي مثَّله بور.

وبشكلٍ ما، تُعَد المناظرة بين بنروز وهوكينج استكمالًا لتلك المناظرة الأولى؛ حيث يلعب بنروز دور أينشتاين، ويلعب هوكينج دور بور. أصبحت الأمور الآن أكثرَ تعقيدًا وأوسع نطاقًا، لكنها لا تزال — كما كانت في السابق — تمثِّل مزجًا بين النقاشات التقنية والأفكار ووجهات النظر الفلسفية.

أصبحت نظرية الكم، أو نظرية المجال الكمي — وهي الصورة الأكثر تعقيدًا من نظرية الكم — أكثرَ تطورًا في الوقت الراهن، كما لاقت نجاحًا تقنيًّا أكبر، حتى وإن كان لا يزال يوجد بعض الفلاسفة المتشكِّكين، مثل روجر بنروز. وقد نجحت النسبية العامة كذلك، وهي نظرية أينشتاين للجاذبية، في اجتياز اختبار الزمن، وحقَّقت نجاحاتٍ بارزة، رغم وجود مشكلات حقيقية فيما يخص الدور الذي تلعبه المتفردات أو الثقوب السوداء.

والقضية الحقيقية المسيطِرة على النقاش الدائر بين هوكينج وبنروز هي محاولة المزج بين هاتين النظريتين الناجحتين، في سبيل الوصول إلى نظرية «الجاذبية الكمية»، بيدَ أنه توجد بعض المشكلات الفكرية العميقة وأيضًا التقنية، التي تُفسح المجال للنقاشات الدائرة في هذه المحاضرات.

ومن أمثلة المسائل الجوهرية المطروحة مسألةُ «سهم الزمن»، والظروف الأولية التي كانت موجودة عند نشأة الكون، والطريقة التي تبتلع بها الثقوب السوداء المعلومات. في هذه الأمور وغيرها الكثير، يتخذ هوكينج موقفًا مختلفًا تمامًا عن بنروز. وقد دُوِّنت المناقشات هنا بدقة وعناية من حيث المصطلحات الرياضية والفيزيائية المستخدَمة، ويُتيح الشكل الذي تمَّت به المناظرة إفراد مساحات لتبادل الانتقادات على نحوٍ ثريٍّ ومُفيد.

ورغم أن بعض ما جاء في المناقشة يتطلب قدرًا من الفهم المُسبَّق للجوانب التقنية الرياضية والفيزيائية، فإن الجزء الأكبر منها يبلغ مستوياتٍ أعلى (أو أعمق) من شأنها أن تحظى باهتمام على نطاق واسع من الجمهور. وعلى أقل تقدير، سوف يكتسب القارئ فكرةً أولية عن مجال النقاش وصعوبة الأفكار المتداوَلة فيه، وكذلك التحدي الكبير أمام محاولات التوصل إلى صورة مترابطة للكون، تشمل كلَّ ما يخص الجاذبية ونظرية الكم.

مايكل عطية

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤